Skip to main content

Full text of "أعداد سلسلة عالم المعرفة"

See other formats




لت الاجتماعي ى أطية 55 


تأليف: آسابريفغفز 
بيتريورك 
ترجمة: مصطفى محمد قاسم 






سلسلة كتب ثقافية شهرية بمدرها الميلس الوطك؟ للثقافة والفنون والآداب - الكويق 
صدرت السلسلة في يناير 1978 بإشراف احمد مشاري العدواني 1990-1923 














هه خلدون حسين النقيب 


3 : خليفة عبدالله الوقيان 





الكويت ودول الخليج دينار كويتي 
الدول العربية ما يعادل دولارا أمريكيا 


خارج الوطن العربي أريعة دولارات أمريكية 
لاسا امم ميري 





دولة الكويت 

للأفراد 5اد.ك 
دول الخليج 

للأفراد 7اد.ك 
للمؤسسات 50دك 
الدول العربية 

للأفراد 5 دولارا أمريكيا 
للمؤسسات 0 دولارا أمريكيا 
خارج الوطن العريي 

للأفراد 0 دولارا أمريكيا 
للمؤسسات 0 دولار أمريكي 





تسدد الاشتراكات مقدما بحوالة مصرفية باسم 
المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب وترسل على 
العنوان التالي: 
السيد الأمين العام 
للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب 
ص.ب: 3 الصفاة ‏ الرمز البريدي13147 
دولة الكويت 
تليفون 514117١4:‏ (956) 
فاكس :9؟؟817:؟ (4780) 
الموقع على الإنترنتت: 
جاع 1ه .عقن آداع ته تتاناعاً. بلالزايلا 


12-3 -0- 99906 15821 
رقم الإيداع )50:9/0003١(‏ 





العنوان الأصلي للكتاب 


98 عط أن بدوك ذلا ادنوم 8م 


أعصمماص!ا معطأ 15 وعتعطدمتن6 مرو 
بط لمزذلع 
©1606 068 


صم 
ء' لاع ماع زعم 


2 كانا رووعرط بطزلمط 
سواسو 





طبع عن هذا الكتاب ثلاثة وأربعون ألف نسخة 
مطابع السياسة ‏ الكويت 





ربيع الأول 145 مايو ه..> 








المواد المنشورة في هذه السلسلة تعبر عن رأي كاتبها 
ولا تعبر بالضرورة عن رأي المجلسب 






























































القفتسصل الأول: مقدمة 


الفصل التساني: ثورة الطباعة في السياق 


الفصيل الختسالت : الوسائط والحيز العام في أورويا 
أؤائل العص رالحديث 


تمل الرابع: من اليسخار الى الكهرياء 
الفسصل ‏ الخامين: عمليات وأنماظ 

الفصل السادسن: المعلومات والتعليم والتسلية 
الفصل السابع: التقارب 

الفسصل: الشامن: الخلاصة: إلى الفضاء الرمزي 


الأخددنات الرئيسية هَى تاريخ الوسائط 


17 


01 
15 
159 
و2 
53:55 
205 


215 
































لا شك في أن أهم وأول ما يميز عالمنا عن 
تلك العوالم التي سبقته هو تلك «الشورة» التي 
حدثت في مجال الاتصالات والمعلومات 
والوسائط؛ حتى أصبح الكثيرون؛ وهم محقون 
في ذلك يختزلون كل التقدم الذي أنجزه العالم 
المعاصر في تلك النقلة في تكنولوجيا الاتصالات 
والوسائط. فإذا كانت العصور السابقة قد 
حظيت بمسميات تجزيئية من قبيل عصر 
الصحافة أو عصر الإذاعة أو السينماأو 
التلفزيون... إلخ؛ ضإن العصر الحالي: على 
خلاف ذلك. تقاربت فيه كل هذه العصور 
بتكنولوجياتها مع الانطلاقات التكنولوجية 
الحديثة لتطبع العالم المعاصرء وتسمّه بالتقدم 
١‏ في مجال الوسائط والاتصالات عموما. ومن 
هناء جاءت مسميات عصرنا الحالي جميعها 
72 مرتبطة بالطفرة في مجال الوسائط 
:الم يحن لنا أن ننحت ١‏ والاتصالات. بداية من أوسع المقولات «العولة», 
الس عسمنا معان “ث2 ©( إلى تلك المتصلة مباشرة بتكنولوجيا الاتصالات 
والوسائط مثل عصر هدقورة الاتصالات 








المترجم 





التاريخ الاجتماعي للوسائط 


والمعلومات». أو «مجتمع المعلومات». أو «الانفجار المعرضي» أو «الشثورة 
المعلوماتية». إلى غيرها من مصطلحات قاموس عصر التكنولوجيا غير 
المستقرء حتى غدت هذه المفردات تمثل أكثر المفردات تردداء ليس فقط بين 
الأكاديميين وعلى أسنة أقلامهم. التي ستقل الحاجة إليها بالطبع بعد قيام 
' الحاسب بوظيفتهاء وإنما أيضا على ألسنة وفي مناقشات العامة الذين غزت 
التكنولوجيا حياتهم على كل مستوياتها وبكل أشكالها. 

يعد هذا الكتاب من دون مبالغة من تلك النوعية من الكتب التي تسمى 
وفق المصطلح الغفربي «قصصا كبيرة». إذ يعرض الكتاب بين سطوره لقصة 
الحضارة الغربية برمتهاء تلك الحضارة التي قامت في الأساس على التقدم 
التكنولوجي. وضي صميمه تكنولوجيا الاتصالات والوسائط. 

ويعرض الكتاب. بصفته هذه لقصة الوسائط ووسائل الاتصال على 
طولها منذ اخترع غتنبرغ الطباعة؛ وما قبلهاء إلى آخر ابتكارات عصر 
تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وعالم الوسائطء مرورا حتى بوسائل النقل 
الماديء إذ آثر على نفسه ألا يترك شيئاء وجاء مع ذلك كتابا جديرا بالقراءة؛ 
عميقا في الفكر والمعالجة. وهي قصة تتخللها السياسة والدين والاقتصاد 
والاجتماع والفلسفة والتعليم وعلم النفس والفن... إلخ؛ إلى جانب 
التكنولوجيا والتاريخ بالطبع. 

يفند الكتاب بين سطوره كل المفاهيم والنظريات التي راجت عامياء وعربيا 
بالطبع. ومن أهمها «مجتمع المعلومات» و«عصر التكنولوجيا»» و«الانفجار 
المعلوماتي» ودثورة الاتصالات» بردها إلى السياقات التي نشأت فيها. على أن 
الكتاب ‏ إلى جانب تفنيده لرؤى ونظرات كثير من المفكرين ‏ يستبعد فكرة 
«الشورة» من عالم الوسائط وتكنولوجيا الاتصال؛ من قبيل الثورة التكنولوجية: 
أو ثورة الاتصالات؛ ويؤكد بدلا من ذلك التطور التدريجي والتراكميء وتداخل 
التأثيرات بين الوسائط بأنواعها المختلفة وغيرها من العوامل الاجتماعية في 
صناعة ما آل إليه العالم المعاصرء وتلك هي الرسالة العامة للكتاب ‏ وضع 
الوسائط في التاريخ: ووضع التاريخ في الوسائط. 

إن التناول التاريخي والاجتماعي للوسائط وتكنولوجيا الاتصالات. فضلا 
عن ذلك؛ يمثل أهمية كبيرة؛ ليس للمشتغفلين بهذه الفروع وطالبي المعرفة 
فحسب. بل لرؤى المجتمعات ككل وفلسفتها ونظرتها إلى التقدم والتكنولوجياء 





مقدمة المترجم 


وهو ما يعوّل عليه دائما في دراسة التاريخ. فاستجابات المجتمعات والأفراد 
للتكنولوجيا الجديدة كانت من العوامل الحاسمة في التقدم. شأنها شأن 
الاختراعات والابتكارات ذاتها؛ وليس من شك شي أن التقدم الفربي كان 
محصلة للتقدم التكنولوجي من جانب, والدعم الاجتماعي لهذه التكنولوجيا 
من ناحية أخرى. الذي من دونه كان يستحيل لهذه التكنولوجيا أن تبقى 
وتزدهرء إذ لا بد للتقدم التكنولوجي من بيئة مواتية تحفز هذا التقدم وترشد 
خطاه. فالطباعة مثلا كانت في حاجة إلى ظروف اجتماعية وثقافية مواتية, 
مثل الروح العلمية وتقدير الثقافة الكتابية في مقابل الشفهية: إلى جانب 
اتساع دائرة المعرفة بالقراءة والكتابة؛ لكي تؤتي ثمرتها المتمثلة في ثقافة 
الطباعة؛ وهو ما ينطبق على كل الاختراعات والتكنولوجيات الأخرى. وهو ما 
يعني أن التكنولوجيا ليست سوى عامل واحد؛ على رغم أنه الأهم في 
تقدم الأمم. 

والمكتبة العربية, ولا شك؛ في حاجة إلى هذا العرض الشمولي التأصيلي 
للوسائط وتكنولوجيا الاتصالات والمعلومات؛ فهذا الكتاب يتميز بهاتين 
النقطتين المهمتين: التناول الشمولي لكل وسائط الاتصال على إطلاقها 
وعلاقات التأثير والتأثر بين هذه الوسائطء إلى جانب العرض السياقي لهذه 
الوسائط من حيث الظروف الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية 
التي أنتجتها والنتائج التي أحدثتها هذه الوسائطء بدورها على هذه الأصعدة: 
فضلا عن تجواله بأرض لم تُوطأ عربيا إلا قليلا في مجال الاتصالات 
ودراسات الوسائط؛ مثل تاريخ الاتصال الشفهي أو الاتصال بالمخطوطات 
الثقافية الشفهية؛ وما شابه. والكتاب بذلك يعوض نقصا كبيرا ويملأ فجوة 
واسعة في التناول العربي للوسائطء ذلك التناول الذي غالبا ما يتجاهل 
السياق الذي انبشقت منه التكنولوجيات والوسائط الجديدة التي يجري 
استيرادها منزوعة من سياقهاء إضافة إلى تناول الوسائط كحزمة على 
خلاف انتقائيتتا المعهودة. 

ومما يعرضه الكتاب شي هذا الصدد تلك المعارضة التي أبداها العالم 
الإسلامي؛ متمثلا في الخلافة العثمانية آنذاك؛ للطباعة. تلك المعارضة التي 
لم يسلم منها أي من التطورات التكنولوجية المتلاحقة: إذ ليس ثمة اختراع 
فبلناه منذ الوهلة الأولى دون جذب وإرخاء. ومما قد يدهش القارئ أن ردود 





التاريخ الاجتماعي للوسائط 


أفمال الإنسان والمجتمع الغربيين تجاه كثير من هذه التكنولوجيات والوسائط 
اتسمت بالمقاومة في بعض الأحيان. ومن هنا يمكن لهذا الكتاب أن يجعلنا 
نفيد من تجارب الآخرين؛ ليس في إحداث نقلة تكنولوجية فحسب. بل أيضا 
في التعامل مع هذه التكنولوجيا وتبنيها وغرسها في البيئة العربية. 

ومما يرتبط بذلك أن التناول التاريخي للكتاب يبدأ من ثورة الطباعة. أي من 
١‏ أوائل العصر الحديث؛ وهي الفترة التي بدأ الغرب فيها يبزنا ويقطع تلك 
الخطوات المتوالية التي باعدت بيننا وبينه في مضمار التقدم المادي. إذ كناء قبل 
بداية عصره الحديث, والغرب كفرسي رهانء بل كنا نفوقه في كثير من المجالات 
وبخاصة العلمي منهاء لكن يبدو أن تطور هذه التكنولوجيا في الغرب ‏ وليس 
عندنا ‏ كان الفارق الذي أدى إلى ذلك التفاوت الكبير والفجوة الشاسعة بيننا 
وبيئه: وهو ما يضفي أهمية كبيرة على دراسة هذه الفترة من منظور الوسائط 
والتكنولوجياء والوقوف على الحالة اللاجتماعية والاقتصادية والسياسية 
والثقافية التي صاحبت ذلك وأفضت إليه: تعلها تحمل لنا الدرس والعبرة. 

إن من دواعي الأسسى والأسف أنه عبر رحلة التقدم التكنولوجي الطويلة. 
التي كان لدول ومجتمعات كثيرة فيها إسهامات تختلف في حجمها وتأثير: 0 
لم يكن للعالمين العربي والإسلامي من دور يذكر. ضفي تاريخ طويل كهذا لم 
يرد ذكرنا إلا من باب مقاومة التكنولوجيا الجديدة في البداية أو باعتبارنا 
ماثلا دائما ضفي الأذهان في تعبيرات الفخر التي كانت تدوي حتى في 
السنوات والمراحل الأولى ‏ قبل تطور مفهوم العولة بقرون ‏ للتقدم الغربي؛ 
فقد كان التقدم المادي في نظر الغرب سباقا مع آخر كان مغيبا لظروف أسهم 
فيها الغرب نفسه: لعل من أهمها الاستعمارء حالت دون أن يكون لنا إسهامنا 
في تاريخ التقدم والتكنولوجياء ولكن بزوال هذه الظروف, ولو جزثئياء ألم يحن 


المترجم 















































لم يبدأ الحديث عن الوسائط ‏ وذقا لقاموس 
أكسفورد للغة الإنجليزية ‏ إلا في العشرينيات 
من القرن العشرينء وبعد ذلك بجيل. وتحديدا 
في الخمسينيات؛ تحدثوا عن ثورة الاتصال؛ بيد 
أن الاهتمام بوسائل الاتصال أقدم من ذلك 
بكثير. فالبلاغة؛ باعتبارها دراسة فن الاتصال 
الشفهي والمكتوب, كانت تلقى اهتماما بالغا في 
اليونان وروما القديمتين. كما كانت تدرس في 
العصور الوسطىء وبحماسة أكبر في عصر 
النهضة. ٠‏ 

لقد ظلت البلاغة محل اهتمام كبير في 
القرنين الثامن عشر والتاسع عشرء عندما 
ظهرت أفكار أساسية أخرى. منها مفهوم الرأي 
العام الذي ظهر في أواخر القرن الثامن عشر, 
فضلا عن الاهتمام ب «الجماهير» الذي برز 
بداية من أوائل القرن التاسع عشر فصاعداء 
وهو الوقت الذي ساعدت فيه الصحفء كما 
يؤكد «بندكت أندرسون» في كتابه «المجتمعات 
المتخيلة» (1547)؛ على تشكيل الوعي القومي من 
خلال جعل الناس واعين برفاقهم القراء. 























التاريخ الاجتماعي للوسائط 


وفي النصف الأول من القرن العشرين؛ وخاصة في أعقاب حربين 
عالميتين, تحول اهتمام دارسي الوسائط إلى دراسة الدعاية. وحديثا وسّع 
بعض النظرين الطموحين: بداية من عالم الأنشروبولوجيا الفرنسي «كلوذ 
ليفي شتراوس» إلى عالم الاجتماع الألماني «نيكلاس لومان»», مفهوم 
الاتصال. حيث كتب «شتراوس» عن تبادل السلع والنساءء و «لومان» عن 
القوة والسلطة والمال والحب باعتبارها من وسائط الاتصال الكثيرة. وإن 
كانت الحال كذلكء وهو السؤال الذي يمكن أن يطرحه القراء على 
أنفسهم.: فما الذي لا يعد اتصالا في العالم على شموله؟ على أن 
هذا التاريخ سوف يقصر نفسه على توصيل المعلومات والأفكار بالكلمات 
والصورء عن طريق الكلام والكتاية والطباعة والإذاعة والتلفزيون 
و حديثا ‏ الإنتردت. 

ومما لا يخلو من مغزىء أن الدارسين بدأوا في عصر الإذاعة فقط 
في الاعتراف بأهمية الاتصال الشفهي في اليونان القديمة والعصور 
الوسطى. ودخول عصر التلفزيون في الخمسينيات قد أدى إلى الاهتمام 
بالاتصال البصريء كما دفع ! إلى تطور نظرية في الوسائط تقو. م على 
تداخل الفروع المعرفية وقد أدت إسهامات من علم الاقتصاد والتاريخ 
والأدب والفن والعلوم السياسية وعلم النفس وعلم الااجتماع 
والأنشرويولوجياء إلى ظهور أقسام الاتصال والدراسات الثقافية. وقد 
صكت تعبيرات أخاذة تحوي أفكارا جديدة على يد «هارولد إنيس» 
)١1507- 1844(‏ الذي كتب حول «تحيز الاتصالات». و«مارشال ماكلوهان» 
)198٠-141١(‏ الذي تحدث عن «القرية الكونية»» ودجاك جودي» الذي 
تعقب «ترويض العقل الهمجي»: و«يورغين هابرماس». عالم الاجتماع 
الألماني الذي عرف «الحيز أو المجال العام» باعتباره منطقة الخطاب التي 
فيها يجري ارتياد الأفكار والتعبير عن «الرأي العام». 

يأتي هذا الكتاب ليؤكد أنه أيا ما كانت نقطة الانطلاق: فمن الأهمية 
بمكان للعاملين في دراسات الاتصال والدراسات الثقافية؛ وهو عدد في 
ازدياد مستمر أن يهتموا بالتاريخ بجدية: كما يفعل المؤرخون:ء أيا كانت 
فترات تخصصهم أو اهتماماتهم, أن يأخذوا الاتصال (بما في ذلك نظرية 
الاتصال) مأخن الجد. 
























































مقدمة 


فطلاب الاتصالء على سبيل المثال؛ عليهم أن يدركوا أن بعض الظواهر في 
الوسائط أقدم مما هو شائع عنها. وهو ما يتضح من مثالينء فالمسلسلات 
التلفزيونية الحالية تتبع نموذج المسلسلات الإذاعية: التي بدورها تتبع نموذج 
القصص التي كانت تنشر على نحو متسلسل في مجلات القرن التاسع عشر 
(الروائيون بدءا من «ديكنز» إلى «دوستويفسكي» كانت أعمالهم تنشر في الأصل 
بهذه الطريقة). كما أن بعض تقاليد كتب القرن العشرين الكوميدية تستند, 
بشكل مباشر أو غير مباشرء إلى تقاليد بصرية أبعد. حتى أن بالونات الحوار(*) 
في مطبوعات القرن التاسع عشر ليست إلا تطويرا للأدراج النصية التي تخرج 
من أغواه العذراء والشخصيات الأخرى في الفن الديني في العضور الوسطى 
(الشكل؟) ومن ذلك أيضا أن «القديس مارك» في لوحة «جاكويو تينتوريتو» 
(48-1014).: المعروفة باسم «القديس مارك ينقذ عبدا!».؛ يُعرضء مثله مثل 
سوبرمان في الرسوم الهزلية في الصحف بعد ذلك بأربعماتة سنة؛ هابطا من 
السماء ورأسه إلى أسفل ك «الطائر الهابط» لينقذ أسيرا مسيحيا (الشكل .)١‏ 








3 سي 











00 


الشكل )١(‏ آنون: رؤيا القديس بيرنارد؛ من كتاب 110155 01 8001 حوالى ١17١‏ 








)*) الإطار المطوق للكلمات التي يفترض. أنها صادرة من فم إحدى الشخصيات (ضي 
القصص المصورة). 




















التاريخ الاجتماعي للوسائط 


وفي المقام الثالث نجد أن الاتهامات التي توجه إلى الوسائط الجديدة تتبع 
نمطا متشابهاء سواء أكان موضوعها هو التليفزيون أم الإنترنت. وهذه 
الاتهامات تعيدنا إلى الجدل حول التأثيرات غير المرغوبة التي كانت تحدثها 
الروايات الرومانسية في قرائها والمسرحيات في جماهيرهاء في القرن الثامن 
مشر أو حتى السادس عشرء وهي الاتهامات التي كانت تتمحور حول إثارة 
الغرائز. ومن ذلك أن «سان كارلو بوروميو» )١084 - ١058(‏ رئيس أساقفة 
ميلانو وصف المسرحيات بأنها «طقس الشيطان». كما جاء الفصل الآول من 
كتاب «دينيس» و «ميريل» «حجج أربع للتخلص من التلفزيون» بعنوان «الشهوة 
البهيمية». وكذلك كان دور الصحافة:؛ والصحافيين الذين يكسبون عيشهم 
منهاء دائما محل جدلء وكان انعدام الثقة بالصحافيين شائعا في القرن 
السابع عشرء كما أن تهمة «القذف» ليست بالجديدة. 





الشكل (؟) تينتوريتو, القديس مارك ينقذ عبداء ١014‏ 









































مقدمة 


وعلى رغم أشكال الاستمرارية هذه كلها؛ فسوف يركز الكتاب الحالي 
على التغيرات في الوسائط. بيد أننا عند القيام بهذه المهمة سنحاول تجنب 
خطرين: تأكيد أن كل شيء أصبح أسوأء أو افتراض أن تحسنا مستمرا قد 
حدث. فالقول بأن الأشياء كانت تتحرك في اتجاه واحد قول مرفوضء على 
رغم أن الكتاب الذين يأخذون به كانوا في الفالب أصحاب بلاغة ومتميزين 
في مجالاتهم. ومن ثم فقد شدد المؤرخ الإيطالي «كارلو سيبولا» في دراسته 
«الإلمام بالقراءة والكتابة والتطور في الغرب» )١1579(‏ على إسهام المعرفة 
بالقراءة والكتابة في التحول إلى الصناعة: وبشكل أعم في التقدم 
والحضارة. بما يوحي بأن «انتشار المعرفة بالقراءة والكتابة كان يعني مدخلا 
إلى الحياة أكثر عقلانية وتفاعلا». ولا يفوتنا أن نشدد على أن دراسة 
«سيبولا» تعد مثالا لإيمان منتصف القرن العشرين بالتحديث. وهو الإيمان 
الذي يمثل الأساس لحملات محو الأمية التي ينظمها اليونسكو وحكومات 
دول العالم الثالث مثل كويا. 

غير أن المشكلات التي يطرحها مثل هذا المدخل تحتاج إلى نقاش؛ وهو 
ما ينطبق على الأحكام حول الإنترنت وممكنات عملها كعامل «مقرطة» إذ 
ليس من الممكن عند هذه النقطة في تاريخ الإنترنت أن نستنتج أنها من 
خلال توسيع نطاق الإتاحة والتحول «من القاعدة» ستنجز هذا الدور على 
المدى الطويل. بل إن هناك من النقاد من يخشون بالفعل من أن تقوض 
الإنترنت كل أشكال السلطة: وأن تؤثر سلبا في السلوكء وأن تعرّض 
الأمن الفردي والجماعي للخطر. وعليه فقد ركز عدد من المتخصصين 
في دراسات الوسائط؛ عن حق؛ على ما يسمونه «مجادلات الوسائط». 
55 216018 ويهتمون في الوقت نفسه بالقضايا ذات الأهمية الحالية 
والعمليات بعيدة المدى. 

إن تاريخا «قصيرا» نسبيا كهذا لابد أن يكون انتقائيا لأقصى درجة:؛ وأن 
يحابي موضوعات بعينهاء مثل الحيز العام وتوفير المعلومات ونشرها ونشأة 
التسلية المتوسطة 65165]2818170686 126013]60, على حساب موضوعات أخرى. 
ولابد أيضا أن يركز على التغير على حساب الاستمرارية: على رغم أننا 
سنذكر القراء من وقت إلى آخر بأنه مع إدخال وسائط جديدة لا يجري 
التخلي كلية عن الوسائط الأقدم؛ بل على العكس من ذلك تتعايش الوسائط 





التاريخ الاجتماعي للوسائط 


القديمة وتتفاعل مع القادمين الجدد. فالمخطوطات مشلا ظل لها دور في 
عصر الطباعة تماما كما بقيت الكتب والإذاعة في عصر التلفزيون. لذلك. 
من الضروري النظر إلى الوسائط كنظام في تغير دائم؛ تلعب فيه عناصر 
مختلفة أدوارا متفاوتة التأثير. 

لذاء فإنه من الضروري أن يكون هذا الكتاب تاريخا اجتماعيا وثقافيا 
يتضمن المؤثرات السياسية والاقتصادية. ناهيك عن التقنيات الموظفة في هذا 
المجال؛ بينما يرفض الحتمية التكنولوجية التي تقوم على تبسيطات مخلة. 
لقد تأثرنا بالصيغة الكلاسيكية البسيطة والشهيرة؛ عن استحقاق:؛ لعالم 
السياسة الأمريكي «هارولد لازويل» (1907 -/1417) الذي وصف الاتصال من 
حيث «من يقول» ود«لمن» و«عبر أي وسيط» ودما التأثير»؛ حيث تشير «ما» إلى 
المحتوى و«من» إلى السيطرة وهلمن» إلى الجمهورء وجميعها كانت على القدر 
نفسه من الأهمية. كما أن للسياق أهميته» فاستجابات مجموعات مختلفة من 
الناس لما يسمعونه أو يشاهدونه أو يقرأونه ترتبط جزئيا بوسيط الاتصال؛ 
كما ترتبط بحجم الجماعات المختلفة؛ وما إذا كانت تشكل جمهورا أو لا. 
علاوة على أن لغة الجماهير التي ظهرت في القرن التاسع عشر تدعونا إلى 
النظر في سؤال «لمن» عند لازويل من حيث «كم عدد الجمهور». 

ومن الضروري عند كل نقطة في هذه القصة. ريط النوايا المباشرة لمن 
يمارسون الاتصال واستراتيجياتهم وتكتيكاتهم بالسياق الذي يعملون فيه. 
فضلا عن الرسائل التي يقومون بتوصيلها. على أنه من الصعب فصل 
التأثيرات بعيدة المدى: وبخاصة النتائكج غير المقصودة والمفاجئة أحيانا 
لاستخدام أحد أساليب الاتصال من دون غيره؛: حتى مع ميزة الإدراك اللاحق 
اعزة لصط أو المؤخر لها. أما مسألة ما إذا كانت كلمة «تأثيرات» هي المصطلح 
الصحيح: إذ توحي بعلاقة سببية أحادية الاتجاه؛ فهي ذاتها مسألة خلافية. 
وكلمتا «الشبكة» 26701 ودبيت العنكبوت» 7866 كانتا تستخدمان بالفعل في 
القرن التاسع عشر. 
يركز الكتاب الذي بين أيدينا على الغرب الحديث من أواخر القرن 

الخامس عشر فصاعدا . وتبدا القصة بالطباعة (حوالي ١55١0‏ بعد الميلاد 
تقريبا) وليس بحروف الهجاء (حوالي 7٠٠٠١‏ قبل الميلاد) أو الكتابة (حوالي 
٠‏ قبل الميلاد) أو الكلام. وعلى الرغم من الأهمية الكبيرة التي غالبا ما 





مقدمة 


تنسب إلى «جوهان غتتبرغ» (حوالي :)١15358 - ١1٠١‏ الذي صوت له قراء 
صحيفة بريطانية أخيرا باعتباره «رجل الألفية» (صنداي تايمزء 7١‏ فبراير 
65ا) فإنه ليس ثمة حد فاصل أو نقطة صفر واضحة تبداً القصة عندهاء 
وعلى خلاف ذلك سيكون من الضروريء في بعض الأحيان: أن نشير بإيجاز 
إلى فترات تاريخية أعمق؛ إلى العوالم القديمة وعوالم القرون الوسطى. 
صحيح أن الاتصالات في تلك الأيام لم تكن فورية: لكنها وصلت بالفعل إلى 
كل أقطار العالم المعروف. 

كان هارولد إنيس الكندي في القرن العشرينء وأحدا من عدة باحثين نبهوا 
إلى أهمية الوسائط في العالم القديم. ونتيجة لتعليمه الاقتصادي صنع 
«إنيس» شهرته من خلال ما يسمى «نظرية السلعة الرئيسية» لتفسير التطور 
الكندي. مشيرا إلى الهيمنة المتوالية لتجارة الفراء والأسماك والورق وتأثيرات 
هذه الحلقات في المجتمع الكندي. فكل سلعة رئيسية من هذه تركت بصمتهاء 
وكان التحول إلى سلع رئيسية جديدة يؤدي حتما إلى فترات من التأزم. إن 
دراسة «إنيس» للورق قادته إلى تاريخ الصحاغة؛ في حين أخذته دراسة كنداء 
التي كان للاتصالات فيها أهمية كبيرة في التطور الاقتصادي والسياسيء 
سواء الاستعماري أو ما بعد الاستعماريء إلى التاريخ المقارن للاميراطوريات 
ووسائط الاتصال فيهاء بداية من آشوريا ومصر القديمتين إلى الحاضر. وضي 
كتابه «الإمبراطورية والاتصالات» )١505٠(‏ يؤكد «إنيمن» مثلا أن الإمبراطورية 
الآشورية كانت رائدة في تشييد الطرق. ومما يقال في هذا الصدد إن الرسالة 
كانت ترسل من أي نقطة إلى مركز الإمبراطورية ويصل الرد عليها خلال 
أسبوع وكمؤرخ اقتصادي جيد كان «إنيس»؛ عندما كتب عن الوسائطء فإنه 
يعني المواد المستخدمة في الاتصالء وقارن في ذلك بين المواد المتينة نسبيا مثل 
البرشمان والفخار والصخور والمنتجات سريعة الزوال نسبيا كالبردي والورق 
(وأجزاء هذا الكتاب المتعلقة بما يسمى عصور البخار والكهرياء سوف تؤكد 
هذه النقطة حول وسائط الاتصال المادية). ذهب «إنيس» إلى القول إن 
استخدام المواد الأثقل؛ كما في حالة آشورياء أدى إلى تحيز ثقافي نحو الزمن 
ونحو المنظمات الدينية, بينما أدت المواد الأخفء التي يمكن نقلها بسرعة 
لمسافات طويلة: إلى تحيز نحو المكان والمنظمات السياسية. بيد أن بعض 
كتابات «إنيس» التاريخية المبكرة ضعيفة كما أن بعض مفاهيمه سيئة التحديد. 





التاريخ الاجتماعي للوسائط 


لكن أفكاره ومدخله المقارن الواسع تظل دافعا وإلهاما للعاملين اللاحقين ضي 
المجال. ومن المأمول أن يحلل المؤرخون في المستقبل نتائج استخدام البلاستك 
والأسلاك بالطريقة التي عالج بها «إنئيس» الصخور والبردي. 
ثمة مفهوم مركزي آخر في نظرية «إنيس» الرائدة. وهو فكرة أن كل 
وسيط اتصال يميل إلى خلق احتكار خطير للمعرفة. قبل أن يحسم «إنيس» 
أمره لدراسة الاقتصاد فكر بجدية في أن يكون كاهنا معمدانيا. ولذلك؛ فإن 
اهتمام رجل الاقتصاد بالمنافسة ‏ في هذه الحالة بين الوسائط ‏ ارتبط بنقد 
البروتستانتي الراديكالي للكهانة. ومن ثم. فقد أكد أن الاحتكار الفكري الذي 
مارسه رهبان العصور الوسطىء معتمدين على البرشمان. قوض بواسطة 
الورق والطباعة؛ تماما كما دمرت السلطة الاحتكارية للكهنة المصريين على 
الكتابة في العصر الهيروغليفي بوصول اليونانيين وحروفهم الهجاتية. 
وفي حالة اليونان القديمة؛ شدد «إنيس» على الكلام أكثر من تشديده على 
الحروف الهجائية. وكتب أن الحضارة اليونانية كانت انعكاسا لقوة 
الكلمة المنطوقة. وهو في هذا يتبع زميلا من «تورنتو» هو «إريك هافيلوك» 
(*140- 1988) الذي ركز كتابه «مقدمة عن أفلاطون» )١1577(‏ على الثقافة 
الشفهية لليونانيين الأوائل. فالخطب في الجمعية التشريعية في أثيتاء 
والممسرحيات التي كانت تؤدى في المدرجات المفتوحة: كانت عناصر مهمة 
لحضارة اليونان القديمة. وفي هذه الثقافة: كما في غيرها من الثقافات 
الشفهية؛ جاءت الأغاني والقصص في شكل مائع أكثر منه ثابتاء وكانت عملية 
الإبداع جماعية: بمعنى أن المغنين والقصاصين كانوا دائما يقتيسون الأغاني 
والقصص بعضهم من بعضء ويعدلون الموضوعات والعيارات. وهو ما يفعله 
الدارسون في يومنا هذاء على رغم أن السرقة الأدبية شيء مرفوضء» 
ومفهومنا عن الملكية الفكرية يتطلب أن يجري الاعتراف بمصدر المادة 
المقتبسة ولو في الحاشية. 
عند توضيح عملية الإبداع هذه. أكد «ميلمان باري» -15-١(‏ 0؟15), 
الأستاذ في جامعة هارفارد أن الإلياذة والأوديسة ‏ على رغم أنهما لم تبقيا 
إلى يومنا هذا إلا لأنهما حفظتا كتابة ‏ كانتا في الأساس قصائد شفهية 
مرتجلة. ومن أجل اختبار نظريته؛ أجرى باري في الثلاثينيات عملا ميدانيا 
في يوغوسلافيا الريفية (كما كانت في ذلك الوقت): حيث سجل الحفلات 





































































































الموسيقية للشعراء القصاصين على مسجلة سلكية (أصل المسجلة الشريطية). 
وذهب إلى تحليل الصيغ المتواترة (التي رسخت تعبيرات مثل «بحر الخمر 
المظلم». والموضوعات المتواترة مثل «مجلس الحرب؟» أو «تسليح المحارب». 
والعناصر سابقة التجهيز التي مكنت المفنين من ارتجال قصصهم لساعات 
طويلة في المرة الواحدة. 

وضي أعمال «باري» التي طورها مساعده السابق «ألبرت لورد» في كتابه 
«مغني الحكايات» )١1170(‏ تضرب يوغوسلافيا ‏ وبالتناظر اليونان الهومرية - 
المثل للجوانب الإيجابية للثقافات الشفهية التي غالبا ما كانت؛ وما زالت, 
ترفض باعتبارها ثقافات أمية. وحقيقة أن الاتصال الشفهي كان يهيمن على 
ثقافة اليونان القديمة تمثل الآن رؤية هي محل اتفاق من جانب عدد كبير من 
الدارسين الكلاسيكيين. 

ومع ذلك فقد حمل الإسكندر الأكبر إلياذة هومر معه أثناء حملاته ضي 
علبة ثمينة إلى حيث أنشئثت مكتبة ضخمة تضم حوالي نصف مليون 
مخطوطة في المدينة التي سميت على اسمه: الإسكندرية. وليس من قبيل 
المصادفة أن يتزامن قيام مكتبة المخطوطات الضخمة هذهء تلك التي سمحت 
بتجاور ومقارنة معلومات وأفكار من أفراد وأماكن وأزمان مختلفة. مع ظهور 
مدرسة من النقاد استفادوا من ميزة توافر المصادر المتاحة في المكتبة في 
تطوير ممارسات ما كانت لتنتشر إلا في عصر الطباعة. وقد ناقش «روزالند 
توماس» التوازن بين الوسائط في كتابه «معرفة القراءة والكتابة والشفهية ضفي 
اليونان القديمة» (1597). 

كانت الصور وبخاصة التماثيل شكلا آخر مهما من أشكال الاتصالء بل 
والدعاية أيضاء في العالم القديم؛ ومن أبرز أمثلة ذلك روما في عصر أغسطس. 
وسوف يؤثر هذا الفن الرسمي الروماني فيما بعد في أيقنة لإطصهمعمدمءا 
الكنيسة المبكرة» فصورة المسيح مثلا كانت تعديلا لصورة الإمبراطور. وبالنسبة 
إلى المسيحيين كانت الصور وسيلة إلى نقل المعلومات إلى جانب كونها وسيلة 
للإقناع. وعلى حد تعبير عالم اللاهوت اليوناني «بازل القيصري» (حوالي 
4--١5؟).‏ فإن «الفنانين من خلال صورهم يقدمون للدين ما يقدمه الخطباء من 
خلال بلاغتهم». وعلى نحو مماثل؛ وصف البابا «غريغوري الأكبر» (حوالي٠‏ 54 - 
4 الصور بأنها تقدم لمن لا يعرفون القراءة ‏ وهم الأغليية ‏ ما تقدمه الكتابة 





التاريخ الاجتماعي للوسائط 


لمن يعرفونها. كما يجب مراعاة جانب اللمس الذي تتيحه الصور. فتقبيل اللوحات 
والتماثيل كان من الممارسات الشائعة للتعبير عن التقوىء ومازال موجودا حتى 
اليوم في العالمين الكاثوليكي والأرثوذكسي. 

بيد أن الكنيسة البيزنطية هي التى ظلت وفية للنماذج القديمة. حيث كان 
المسيح يصور في جلالة؛ أي باعتباره «حاكم الجميع». في الفسيفساءات التي 
تزين داخل قباب الكنائس البيزنطية. فالثقافة البيزنطية؛ التي تطورت في جزء 
من أوروباء كانت فيه المعرفة بالقراءة والكتابة في أدنى مستوياتهاء كانت ثقافة 
أيقونات مرسومة للمسيح والعذراء والقديسين. وكما أعلنت راهبة في القرن 
الثامن؛ فإن الأناجيل كانت تكتب بالكلمات؛ في حين كانت الأيقونات تكتب 
بالذهب. ومصطلح «الأيقونة» سينتقل فيما بعد إلى الثقافة الراقية ثم إلى 
الثقافة الشعبية؛ إذ سوف تستخدم الأيقونة للإشارة إلى أحد المشاهير الدنيويين 
مثل مادونا مطرية البوب. 

كانت الأيقونات البيزنطية منتشرة في المنازل والشوارع؛ كما في الكنائس التي 
كانت تعرض فيها على الفاصل الأيقوني وأكقاة معز وهو الحاجز المزدان بالأيقونات 
الذي يفصل المذبح عن الجزء الرئيسي 19:07 في الكنائس الشرقية؛ في حين لم يكن 
مثل هذا الفصل قائما في الكنائس الكائوليكية الرومانية. وفي كلتا هاتين العقيدتين 
كانت الرمزية خاصية للفن الديني والرسائل التي ينقلها. بينما في بيزنطة؛ على 
خلاف الغرب حتى عصر الإصلاح الديني, كان التعليم من خلال الثقافة البصرية 
محل هجوم: وكانت الصور محل هجوم من حين إلى آخر باعتبارها أوثاناء بل وتهشم 
من جانب محطمي الصور الدينية. وهي الحركة التي وصلت ذروتها عام 1لا . 

أما الإسلام فقد حرم استخدام الشكل الإنساني في الفن الديني. وهو نفسه 
ما قالت به اليهودية. ولذلك يختلف شكل المساجد الإسلامية والمعايد اليهودية 
تماما عن الكنائس. ومع ذلك برزت في فارسء بدءا من القرن الرابع عشرء 
الأشكال الإنسانية إلى جانب الطيور والحيوانات في المخطوطات المزخرفة: وهو 
ما سيزدهر في الإمبراطورية العثمانية والهند المغولية. وكانت هذه المخطوطات 
تصور التاريخ أو الخرافات. وأشهر مثال غربي مقابل هو عمل الإبرة الذي يحمل 
اسم لاتادءعم12 «ناعنرة8 (حوالي عام )٠5٠١‏ الذي صور الغزو التورماندي 
لإنجلترا عام :٠١77‏ وهو شقة بطول 7١7‏ قدما تعرض قصة بصرية تشبه 
الأفلام في أساليبها ومؤثراتها . 





في كاتدرائيات العصور الوسطى كانت الصور المحفورة على الخشب والصخور 
والبرونزء وتلك المرسومة على النوافن الزجاجية الملونة تشكل نظام اتصال قويا. 
وضي روايته «نوتردام الباريسي» )١11١75- ١851(‏ صور «فيكتور هوجو»ء الكاتدرائية 
والكتاب كنظامين متنافسين «يحاول كل منهما أن يقضي على الآخر». بيد أن 
الواقع هو أن النظامين تعايشا وتفاعلا لوقت طويل؛ تماما كما حدث بين 
المخطوطات والطباعة فيما بعد. ووفقا للمؤرخ الفني الفرنسي «إميل ميل» 
(1905-1875) «كان الفن في العصور الوسطى تعليميا». فالناس كانوا يتعلمون من 
الصور كل ما يلزمهم معرفته من تاريخ العالم منذ بدء الخليقة إلى عقائد الدين 
وقدوة القديسين وهرم الفضائل ومجموعة العلوم والفنون والمهارات: وكان ذلك كله 
يدرس لهم من خلال نوافن الكنائس أو التماثيل في الأروقة. 

كانت الطقوس وسيطا آخر مهما في العصور الوسطى. وأهمية الطقوس 
العامة في أوروباء بما في ذلك المهرجانات: في الألف عام الممتدة من 5٠١‏ إلى 
٠‏ تتضح من انخفاض مستوى المعرفة بالقراءة والكتابة في ذلك الوقت. فما 
لا يمكن تسجيله كان من الضروري تذكره؛ وما يجب تذكره كان من الضروري 
تقديمه بطريقة تستعصي على النسيان. وقد كانت الطقوس المفصلة والدرامية. 
مثل تتويج الملوك وولاء التابعين الراكمين لسادتهم الجالسينء تظهر للناظرين أن 
حدثا مهما وقع. كما كانت عمليات انتقال الأرض تصاحب أحيانا بهدايا رمزية 
كجزء من العشب أو سيف. والطقوس بمكونها البصري القوي كانت تمثل شكلا 
رئيسيا من أشكال الإعلام. وستعود إلى هذه الوظيفة مرة أخرى في عصر 
الأحداث المتلفزة مثل حفل تتويج الملكة إليزابيث الثانية. 

بيد أن أوروبا العصور الوسطىء؛ شأنها شأن اليونان القديمة؛ كانت ثقافة 
شفهية في الأساس.ء لعب الوعظ فيها دورا مهما لنشر المعلومات. حتى أن ما 
نسميه اليوم أدب المصور الوسطى أنتج في الأصل. حسب تعبير أحد 
الدارسين الرواد لهذا الموضوع. لجمهور من المستمعين وليس القراء. وكانت 
القراءة غاليا ما تتلى بصوت عال. وكما علق رئيس كامبردج «شايتور» في كتابه 
«من المخطوطة إلى الطباعة» :)١1510(‏ لو ملأت حجرة القراءة في المكتبة 
البريطانية؛ مثلاء بقراء العصور الوسطى لكان «أزيز أصواتهم لا يطاق». وقد 
كانت كتابات العصور الوسطى «تدقق» بالمعنى الحرفي لشخص يستمع إليها 
وهي تقرأ بصوت عال. وكذا كانت الحال مع القصائد بكل أنواعها سواء الدينية 





التاريخ الاجتماعي للوسائط 


أو الدنيوية. ومن ذلك أن الساغة الأيساندية (*) 2 مع نلصداءء1 15 (التي تعود 
إلى ماض غير إغريقي - روماني) استمدت اسمها من كونها تقرأ بصوت عال؛ 
بمعنى أنها كانت تنطق أو تقال. 
وبداية من القرن الحادي عشر فصاعداء بدأ تدريجيا على نحو يتسم بالبطء 
في توظيف الكتابة لعديد من الأسباب العملية من جانب الباباوات والملوك» ضفي 
. حين أن الثقة في الكتابة (كما أوضح «مايكل كلانشي» في كتابه «من الذاكرة إلى 
التسجيل المكتوب»: 19179) تطورت بشكل أكثر بطنًا. ففي إنجلترا عام ١١١١‏ 
مثلاء فضل بعض الناس الاعتماد على كلمة ثلاثة أساقفة على الاعتماد على 
وثيقة بابوية وصفوها بازدراء بأنها «جلود كباش مسودة بالحبر». 
ومع ذلك وبصرف النظر عن أمثلة المقاومة هذهء كان لاختراق الكتابة 
التدريجي للحياة اليومية في أواخر العصور الوسطى نتائج مهمة؛ من بيتها 
إحلال القانون المكتوب محل الأعراف التقليدية: وظهور التزييف, وسيطرة 
رجال الدين (المتعلمين) على الإدارة. وكذلك ‏ كما أوضح «بريان ستوك» في 
كتابه «مضامين الإلمام بالقراءة والكتابة»  )١1977(‏ ظهور المهرطقين الذين 
برروا آراءهم غير القويمة بالاحتكام إلى النصوص التوراتية, وشكلوا بذلك 
تهديدا لما أسماه إنيس «احتكار» المعرفة من جانب رجال دين العصور 
الوسطى. لهذه الأسباب وغيرها يتحدث الدارسون عن نشأة الثقافة المكتوبة 
في القرنين الثاني عشر والثالث عشر. 
إن المخطوطاتء بما في ذلك المزخرف منهاء كانت تنتج بأعداد كبيرة في 
القرنين السابقين على اختراع الطباعةء وهي التكنولوجيا الجديدة التي 
أدخلت من أجل إشباع الطلب المتنامي على مواد القراءة. وفي هذين القرنين 
أيضا كان الفن البصري يطور ما سمي: يعد ذلك. فن الوصف أو التصوير 
بالقلم عتناائة:مم؛ كان الشاعر «دانتي» والفنان «جيوتى --1١511(‏ ١؟١1١)‏ 
متعاصرين: وكانا مفتونين بالشهرةء كما كان «بترارك» ١١١4(‏ - 15174) بعد 
ذلك بجيل. وقد حقق ثلاثتهم الشهرة في حياتهم. وهو ما حدث مع «بوكاكيو» 
(1777 - 1778) و«تشوسر» (1710 - )١1٠١‏ في إنجلترا . كتب الأخير قصيدة 
رائعة, «منزل الشهرة». اعتمدت من خلال تشبيهات الحلم على مخزونه 
العقلي لتأمل معنى الشهرة. وكتب «بترارك» «خطابا إلى الأجيال القادمة» قدم 


(*) قصة أيسلندية قديمة حافلة بالأعمال البطولية اسمها مستمد من الفعل الإنجليزي 58100 قال». 








مقدمة 


فيه تفاصيل شخصية: منها تفاصيل لمظهره الشخصيء. وصرح بفخر بأن 
«المجيد سيظل مجيدا إلى الأآبد». وهذا التأكيد على الاستمرارية سيظل 
موجودا بقوة فضي عصر الطباعة. 

وبعد تطوير الاتصال الإلكترونيء الذي استهل بالتلغرافء نما إحساس بأن 
تغيرا وشيكا وفوريا واقع لا محالة, كما أن مجادلات الوسائط في النصف الثاني 

من القرن العشرين شجعت على إعادة تقييم اختراع الطباعة. وكل التكنولوجيات 
الأخرى التي كانت تعامل في بدايتها باعتبارها عجائب. ولكون التغفيرات في 
الوسائط تؤدي إلى نتائج اجتماعية وثقافية مهمة تعد حقيقة تحظى بقبول 
واسع؛ في حين أن الشيء محل الخلاف هو طبيعة ومدى هذه النتائج: فهل هذه 
النتائج سياسية أم نفسية في الأساس5 وحتى من الناحية السياسية تثار أسئلة 
مثل: هل تدعم الديموقراطية أم الدكتاتورية؟ إن عصر الإذاعة لم يكن فقط 
عصر «روزفلت» و«تشرشل». بل كان أيضا عصر «هتلر» و«موسوليني» و«ستالين». 
ومن الناحية النفسية تثار أسئلة مثل: هل القراءة تشجع التوحد مع الآخرين أم 
تشجع الانسحاب إلى العالم الخاص5 هل التلفزيون أو «الشبكة» تدمر المجتمعات 
أم تخلق أنواعا جديدة من المجتمعات لا يهم فيها القرب المكاني؟ 

ومجددا يثار التساؤل: هل نتائج الإلمام بالقراءة والكتابة أو نتائج التلفزيون 
واحدة في كل المجتمعات. أم تختلف وفقا للسياق الاجتماعي والثقافي؟ وهل من 
الممكن تمييز ثقافات العين التي يرجح فيها ما يرى على ما يسمع وثقافات الأذن 
المولفة أكثر على المشاهد الصوتية؟ ومن الناحية التأريخية: هل هناك فجوة كبيرة 
بين الثقافات الشفهية والمكتوبة أو بين مجتمعات ما قبل وما بعد التلفزيون وما 
بعدهة وما علاقة المحرك البخاري بهذه الفجوة؟ إن اختراع القاطرات والسفن 
البخارية وتبنيها وتطويرها أدت إلى اختزال أوقات السفر وتوسيع الأسواق. أما 
الإلكترونيات ‏ وهي كلمة لم تستخدم في القرن التاسع عشر ‏ فقد جعلت الفورية 
أقرب إلى التحقق؛ وهو ما كان مراقبو القرن التاسع عشر يعرفونه بالفعل. 

إن بعض الأشخاص الذين استهلوا مجادلات الوسائط قدموا إجابات إيجابية, 
ومنهم؛ إلى جانب «سيبولا»: منظرون من خلفيات أكاديمية مختلفة مثل «مارشال 
ماكلوهان» وتلميذه «ولتر أونج» الذي اشتهر بكتابه «الشفهية والإلمام بالقراءة 
والكتابة» .)١1947(‏ وسرعان ما حقق الأول شهرته, في حين قنع الأخير بأن يكون 
قسا ودارسا. وفي أعماله «كوكبة غتنبرغ» (1177) الذي كتب بصيغة تجريبية 





التاريخ الاجتماعي للوسائط 


ودفهم الوسائط» )١954(‏ وغيرها. أكد «ماكلوهان». متبعا في ذلك خطى زميليه 
من تورنتو «إنيس» و«هافيلوك». مركزية الوسائط. وحدد خصائصها المحددة 
وتعقبها بصرف النظر عن الناس الذين يستخدمونهاء والأبنية التنظيمية التي 
يعمل منتجوها في إطارهاء والأغراض التي تستخدم من أجلها. 

يرى «ماكلوهان» ‏ الذي تدرب في الأصل ليصبح ناقدا أدبيا ‏ أن المهم ليس 
محتوى الاتصال بقدر ما هو الشكل الذي يتخذه هذا الاتصال. وقد ضمن 
«ماكلوهان» تفسيراته في تعبيرات لا تنسى من قبيل «الوسيط هو الرسالة» 
والتمييز بين الوسائط «الحارة» مثل الإذاعة والسينما والوسائط «الباردة» مثل 
التلفزيون والتليفون. وحديثا ابتكر عالم النفس الكندي ‏ هو الآخر ‏ «ديفيد 
أولسون» في كتابه «العالم على ورق» (1946) عبارة «العقل المتعلم» ليوجز بها 
التفيرات التي أحدثتها ممارسة القراءة والكتابة كما يرى: في طرق تفكيرنا ضفي 
اللغة والعقل والعالم؛ بدءا من نشأة الذاتية إلى صورة العالم ككتاب. 

أما «أونغ». الذي اهتم أكثر بالسياق؛ فقد اعترف بفضل مدرسة نظرية 
الوسائط في تورنتو عليه (وهذا الاسم شأنه شأن اسم مدرسة فرانكفورت, 
يذكرنا بالأهممية المستمرة للمدن في الاتصال الأكاديمي). وقد أكد 
الاختلافات في العقلية بين الثقافات الشفهية والثقافات الخطية أو المكتوية, 
مميزا بين «التفكير القائم على الشفهية... وذلك القائم على الخطء والقائم 

أعلى الطباعة العادية؛ والقاكم على الطباعة الإلكترونية». وموضحا على سبيل 

' المثال؛ دور الكتابة في «نقض سياقية» الأفكار, بمعنى انتزاعها من مواقف 
الوجه للوجه التي صيغت فيها في الأصل لتطبيقها في أماكن أخرى. 

أما عالم الأنثروبولوجيا «جاك جودي»: فقد ناقش كلا من النتائج 
الاجتماعية والسيكولوجية لمعرفة القراءة والكتابة بطرق تتوازى مع تلك التي 
عالج بها «أونغ» هذه المسألة. ضفي «ترويض العقل الهمجي» (151717): وبناء 
على تحليل لقوائم مكتوبة من الشرق الأوسط القديم؛ على سبيل المثال؛ يؤكد 
«جودي» إعادة تنظيم أو إعادة تصنيف المعلومات, وهي شكل آخر من نقض 
السياقية التي أحدثتها الكتابة. وبالاستناد إلى عمله الميداني في غرب 
أفريقياء لاحظ جودي ميل الثقافات الشفهية إلى الإصابة بما يسميه «فقد 
الذاكرة البنائي»» أي نسيان الماضي أو بالأحرى تذكر الماضي كما لو كان مثل 
الحاضر. وفي مقابل ذلك يعمل دوام السجلات المكتوبة كمائق لهذا النوع من 





فقدان الذاكرة. ويشجع بذلك على الوعي بالفرق بين الماضي والحاضر. 
فالنظام الشفهي أكثر ميوعة ومرونة؛ في حين أن النظام المكتوب أكثر ثياتا . 
وقد قدم محللون آخرون ادعاءات أكثر تطرفا حول نتائج المعرفة بالقراءة 
والكتابة كشرط لنشأة التفكير المجرد والناقد (فضلا عن التوحد والعقلانية). 

غير أن هذه الادعاءات حول نتائج المعرفة بالقراءة والكتابة حددت بشكل 
فن من جانب عالم أنثروبولوجيا بريطاني آخر هو «برايان ستريت». في كتابه 
«المعرقة بالقراءة والكتابة في النظرية والتطبيق» :.)١984(‏ انتقد «ستريت» 
ليس فقط مفهوم «الفجوة الكبيرة» وإنما أيضا ما يسميه «النموذج المستقل» 
للمعرفة بالقراءة والكتابة؛ باعتبارها «تكنولوجيا محايدة يمكن فصلها عن 
السياقات الاجتماعية المحددة». واقترح بدلا منه نموذج المعرفات [في صيغة 
الجمع] بالقراءة والكتابة الذي يشدد على السياق الاجتماعي لممارسات مثل 
القراءة والكتابة والدور النشط للناس العاديين الذين يستخدمون المعرفة 
بالقراءة والكتابة. وباستخدام أمثلة من عمله الميداني في إيران في 
السبعينيات: قارن «ستريت» بين شكلين من المعرفة بالقراءة والكتابة: فن 
القراءة الذي يدرس في المدارس القرآنية؛ وفن إمساك الدفاتر الذي يدرس 
في المدارس التجارية في القرية نفسها. 

ثمة نقطة مماثلة يمكن إثارتها حول تركيا الحديثة التي أمر قائدها «كمال 
أتاتورك» في عام ١19559‏ باستبدال الحروف اللاتينية بالحروف العربية: معلنا 
أن «أمتنا ستظهر بحروفها وعقلها أن مكانها مع العالم المتحضر». وهو التغيير 
الذي يوضح بجلاء الأهمية الرمزية لوسائط الاتصالء ويرتبط أيضا بمسألة 
الذاكرة. فأتاتورك الذي أراد أن يحدث بلده قطع بتغييره الحروف صلة 
الأجيال الصغيرة بالتقاليد المكتوبة. ومع ذلك فالكتابة التقليدية بالأحرف 
العربية لا تزال تدرس ضي المدارس القرآنية في تركيا ‏ كما في إيران. 

إن الانتقال بين «جودي» و «ستريت» إلى جانب الجدل الأحدث حول الواقع 
الافتراضي والفضاء الرمزي ‏ موضوع الفصل الأخير من هذا الكتاب ‏ يقدم 
أمثلة توضيحية قوية لا تفقد صلتها بكل من النظرات والقيود التي تصاحب 
التحيزات الخاصة بالفرع المعرفي الذي ينطلق منه المفكر. ففي أثناء عملهم 
الميداني يتاح لعلماء الأنثرويولوجياء مثلاء فرص أكثر من المؤرخين لفحص 
السياق الاجتماعي بعمقء ولكن تتاح لهم فرص أقل لملاحظة التغيرات التي 





التاريخ الاجتماعي للوسائط 


تحدث على مر القرون. وعليه؛ ففي العقد الأخير من القرن العشرين نحى 
الكتاب (منهم روائيون وصناع سينما) تحليلات علماء الأنثرويولوجيا 
والمؤرخين للوسائط جانبا. ومن ذلك أن «هاينز باجيلز» و «سكوت بوكاتمان» 
يقابلان في «أحلام العقل» )١1585(‏ و «الهوية الطرفية» (1995) بين انفجار 
التكتولوجيات الميكانيكية والإلكترونية والانفجار الداخلي لعصر الوسائط. بيد 
أن بعض المنتجين وكتاب السيناريو. متجاوزين مشكلة علاقة العلم 

بالتكنولوجياء يختزلون «كل الأشياء في العالم إلى صور على الشاشة وإلى 
بيانات وإلى وحدات الرسالة المتضمنة في المخ ونظيره الحاسب». في حين 
يسهب آخرون في الحديث عن التعقد والطريقة التي من خلالها غير 
الحاسب «بنية العلوم [والفنون ] وصورتنا عن الواقع المادي». 

وفيما يتعاق بالمؤرخين ومتخصصي الدراسات الاجتماعية فهناك فجوة 
دائمة بين أولكك الذين يؤكدون على البنية والذين يؤكدون على الفاعلية. فمن 
ناحية. هناك من يدعون أن نتائج الحاسب لا تتجاوز في كثير نتائج المعرفة 
بالقراءة والكتابة (بما في ذلك المعرفة البصرية والمعرفة الحاسوبية). كل ما 
هنالك فقط هو تلك النتائج التي تحققت ضفي الأفراد الذين يستخدمون هذه 
الأجهزة. ومن ناحية أخرى هناك من يقترحون أن استخدام وسيط اتصال 
جديد يغير حتما من رؤى الناس للعالم على المدى الطويل؛ إن لم يكن على 
مدى أقصر. ومن ناحية, يتهم أحد الجانبين الآخر بأنه يتعامل مع الناس 
العاديين على أنهم سلبيون. مجرد موضوعات تخضع لتأثير المعرفة بالقراءة 
والكتابة أو الحوسبة دمناة:تمعنامدرمء. والاتهام المضاد هو معاملة الوسائط 
بما في ذلك الصحافة باعتبارها سلبية. مجرد مرايا للثقافة والمجتمع وليس 
كفاعلات تغير الثقافة والمجتمع. 

على أن هذا ليس مكان حسم هذا الجدلء بل على العكس من ذلك نطلب 
من القراء أن يضعوا وجهات النظر البديلة في اعتبارهم عند قراءة الصفحات 
التالية. فليس ثمة نظرية تصمد كأداة توجيه كاملة للعالم المعاصرء عالم 
«تكنولوجيات الاتصال عالية التحديد 155-01101805 التي يدفع بعضها 
بعضا والتي تتقارب معا». ذلك العالم الذي تتعرض فيه العلاقات الفردية 
والاجتماعية؛: سواء المحلية أو العالمية. لتقلب مستمر. 





لاه 
«كانت الفارات على 
الطباعين الذين يشتبه في 
اتجارهم في الكتب الممنوعة 
شائعة؛ لذلك كانت المطابع 
توضع أحيانا في المنازل ١‏ 
الخاصة. وتنقل من مكان 
إلى آخر في الريف من أجل 
تجنب انكشاف أمرهاء» 
المؤلفان 21 





ثورة الطباعة في السباق 


يعرض هذا الفصل والذي يليه لأورويا في 
الفترة التي يسميها المؤرخون «أوائل العصر 
الحديث». ذلك العصر الذي يمتد من حوالي 
إلى حوالي 1785: وهي الفترة نفسها التي 
تمتد من ثورة الطباعة إلى الثورتين المفرنسية 
والصناعية. إن العام ١465٠‏ هو التاريخ التقريبي 
لاختراع المطبعة في أوروباء التي يحتمل أن تكون 
من اختراع جوهان غتنبرغ من مدينة مينزء الذي 
ريما يكون قد استلهم فكرتها من معاصر العنب 
التي كانت منتشرة في وادي الراين الذي ينتمي 
إليه غتنبرغ. إذ تقوم كلتا الآلتين على فكرة 
القالب المعدني المتحرك. 

وفي الصين واليابان كانت الطباعة تمارس من 
قبل ذلك بوقت طويلء مند القرن الثامن إن لم يكن 
من قبله؛ ولكن الطريقة التي كانت تستخدم هناك 
كانت تلك التي تعرف بطباعة القوالب. حيث 
يُستخدم اللوح الخشبي المنقوش لطباعة صفحة 


1 واحدة من أي نص. وقد كانت هذه الطريقة تلائم 


صورة أو رمز يمثل كلمة كاملة) وليس حروفا 





التاريخ الاجتماعي للوسائط 


هجائية لا تتجاوز الثلاثين حرفا . وربما لهذا السبب لم تكن لاختراع الصينيين 
للوحة الأحرف المتحركة في القرن الحادي عشر أهمية كبيرة. وفي مطلع القرن 
الخامس عشر اخترع الكوريون شكلا من لوحة الأحرف المتحركة يكاد يتطابق 
بالكامل ‏ على حد تعبير الدارس الفرنسي هنري جين مارتن ‏ مع اختراع 
غتنبرغ. وربما يكون الاختراع الغربي قد ظهر إلى حيز الوجود يفضل الأخيار 
التي وصلت إلى أورويا عما كان يحدث في الشرق. 
2 وقد انتشرت ممارسة الطباعة في كل أرجاء أوروبا عن طريق عمال 
الطباعة من اليهود الألمان» وبحلول العام ١٠٠١‏ أنشئت مطابع في أكثر من 
0 مكانا في أورويا: 8١‏ منها في إيطائلياء 07 في ألمانيا: "2 في فرنسا. 
وقد وصل الطباعون بازل العام ١517‏ وروما )١8117(‏ وباريس وبيلزن )١514(‏ 
وفينيسيا )١4115(‏ وليوفين وفالينسيا وكراكو وبودا )١47(‏ ثم وستمنستر 
(حي في مدينة لندن) )١8171(‏ وبراغ .)١4177(‏ وبحلول العام ١6٠١‏ كانت هذه 
المطابع قد أنتجت حوالي 77 ألف طبعة جرى تداولها في هذه المدن؛ وهو ما 
يعني - على افتراض مدى طباعي قدره 0٠١‏ نسخة في الطبعة الواحدة ‏ 
انتشار حوالي ؟١‏ مليون كتاب في وقت كان فيه سكان أورويا ٠٠١‏ مليون 
نسمة. ومن هذه الكتب أنتج مليونان تقريبا في فينيسيا وحدها. في حين 
كانت باريس مركزا مهما آخر للطباعة. حيث كانت تضم بين جنباتها ١8١‏ 
ورشة طباعة في العام .١5٠١‏ 

وفي مقابل ذلك نجد أن الطباعة كانت بطيئة في اختراق روسيا والعالم 
المسيحي الأرثوذكسي بوجه عام وهي منطقة تضم حاليا صربيا ورومانيا 
وبلغاريا. كانت السريالية هي الهجائية السائدة, وكانت المعرفة بالقراءة 
والكتابة مقتصرة فقط على رجال الدين. وفي العام ١574‏ عاد أحد أبناء 
روسيا الييضاء ‏ تدرب في بولندا ‏ إلى موسكو بمطبعة؛ ولكن سرعان ما دمر 
الغوغاء ورشته. بيد أن هذا الموقف تغير في بدايات القرن الثامن عشر. وذلك 
بفضل جهود القيصر بيتر الأكبر (حكم من )١1770-١7487‏ الذي أنشاً في العام 
١‏ مطبعة في سان بطرسبرغ؛ وتلا ذلك إنشاء مطابع مجالس الشيوخ 
(1719) في بطرسبرغ وموسكو ومطبعة الأكاديمية البحرية )١751١(‏ ومطبعة 
أكاديمية العلوم .)١7717(‏ على أن أماكن إنشاء هذه المطايع توحي بأن القيصر 
كان مهتما بنشر القراءة والكتابة والتعليم في المقام الأول من أجل نشر العلم 





ثورة الطباعة فى السياق 


الحديث والتكنولوجيا. وخاصة التكنولوجيا العسكرية, بين أبناء الشعب 
الروسي. وحقيقة أن الطباعة وصلت في وقت متأخر جدا إلى روسيا تكشف 
أن الطباعة لم تكن فاعلا مستقلاء وأن ثورة الطباعة لم تكن فقط تعتمد على 
التكنولوجيا. فالطباعة تحتاج إلى ظروف اجتماعية وثقافية مواتية لكي 
تنتشرء وقد كان افتقاد روسيا جمهورا متعلما يمثل عائقا رئيسيا أمام نشوء 
ثقافة الطباعة. 

وفي العالم الإسلامي ظلت مقاومة الطياعة قوية على امتداد أوائل 
العصر الحديث. حتى أن الدول الإسلامية كانت بالفعل هي العائق أمام 
انتقال الطباعة من الصين إلى الغرب. ووفقا لسفير إمبريالي فضي 
إسطنبول في منتصف القرن السادس عشر كان الأتراك يرون أن طباعة 
الكتاب المقدس [القرآن] شيء محرم: وقد كان الخوف من الهرطقة هو 
الأساس في معارضة الطباعة والتعليم الغربي. وفي العام ١6١0‏ أصدر 
السلطان سليم الأول ([حكم من )١67١ 10١7‏ مرسوما يقضي بتنفيذ 
عقوبة الإعدام فيمن يمارس الطباعة. وفي نهاية القرن السادس عشر 
سمح السلطان مراد الثالث (حكم من 5ا0١  )١1050‏ بتداول الكتب 
المطبوعة غير الدينية المكتوبة بأحرف عرييةء وهذه الكتب كانت في الغالب 
مستوردة من إيطاليا. 

كان بعض الأوروبيين فخورين بتفوقهم التقني في هذا المجال. وفي ذلك 
يربط هنري أولدنبرغ, السكرتير الأول للجمعية الملكية بلندن وأحد المهتمين 
بالاتصال العلمي؛ يربط غياب الطباعة بالاستبداد قائلا في خطاب يعود إلى 
العام ١109‏ «إن الحاكم التركي عدو لتعليم رعاياه. إذ يرى أن جهلهم في 
مصلحته:؛ ولذلك فإنه لا يطيق فكرة وجود الطباعة على أرضه معتقدا أن 
الطباعة والتعليم. وبخاصة من ذلك النوع الموجود في الجامعات: هما الوقود 
الرئيسي للانقسام بين المسيحيين». 

إن تاريخ الطباعة المتقلب في الإمبراطورية العثمانية يكشف عن قوة 
العوائتق التي حالت دون انتشار هذا الشكل من أشكال الاتصالء وهو نفسه ما 
حدث مع الصور البصرية. فأول مطبعة تركية لم تعرف طريقها إلى الوجود 
إلا في القرن الثامن عشرء أي بعد أكثر من ٠٠١‏ عام من إنشاء أول مطبعة 
عيرية .)١554(‏ وبعد أكثر من ١٠١‏ سنة من إنشاء أول مطبعة أمريكية 





التاريخ الاجتماعي للوسائط 


(15519). وقد جاء إنشاء هذه المطبعة يعد أن أرسل مجري اعتنق الإسلام 
(كان في السابق رجل دين بروتستانتيا) بمذكرة إلى السلطان حول أهمية 
الطباعة؛ وفي العام ١717‏ صرح له السلطان بطبع الكتب. ماعدا الدينية 
منها. ومع ذلك ظلت هناك مقاومة من جانب النساخ والقادة الدينيين. إلا أن 
هذه المطبعة الجديدة لم تطبع سوى عدد قليل من الكتب؛ بل لم تدم هي 
نفسها طويلا. وبالمثل لم تنشأ الصحيفة العثمانية الرسمية إلا في العام 
:»١‏ في حين ظهرت أول صحيفة غير رسمية باللفة التركية في العام 
4 (أنشأها رجل إنجليزي). 

إن الفكرة القائلة بأن اختراع الطباعة كان فاتحة لعهد جديد فكرة قديمة, 
سواء أتمت مناقشة التقنية الجديدة [الطباعة] بمفردهاء أو مع اختراع 
البارود. أو كجزء من ثلاثية: الطباعة والبارود والبوصلة, تلك الثلاثية التي 
يرى الفيلسوف الإنجليزي فرنسيس بيكون (10151--1171) أنها هي التي 
«غيرت كل الأشياء في كل أنحاء العالم» في حين كتب الكاتب الفرنسي 
ميشيل دي مونتيني (1077 - 47) قبل ذلك بجيل مذكرا قراءه بأآن الصينيين 
كانوا يستفيدون بالفعل بفوائد الطباعة منذ «ألف عام». وفي عام ١741١‏ كتب 
صمويل هارتليبء الأوروبي الشرقي الذي كان منفيا في بريطانياء وكان من 
أنصار الإصلاح الاجتماعي والثقافي: أن «فن الطباعة سوف ينشر المعرفة 
لدرجة أن الناس العاديين سيرفضون الحكم الاستبدادي؛ إذ سيصبحون 
بفضل الطباعة على معرفة بحقوقهم وحرياتهم». 

لقد احتفل بالمكوية الثانية للطباعة العام :114٠‏ أي قبل موعدها بعشر 
ستوات وفقا للدارسين الحديثين؛ والمثوية الثالثة العام 2174١‏ وفي موجز 
تاريخ العالم الشهير الذي نشر العام ١7464‏ وضع ماركس دي كوندرسيه 
)١784-1747(‏ الطباعة مع الكتابة باعتبارها من المعالم الأساسية فيما 
يسميه المؤلف «تقدم العقل البشري». وقد رافقت رفع الستار عن تمثال 
غتنبرغ في مدينة مينز العام 1877 احتفالات حماسية؛ «بين إصلاء المدافع 
رفع الستار عن التمثال» واشتركت آلاف الأصوات في غناء ترتيلة» ويعد 
ذلك جاءت الخطب.ء ثم العشاء والولائم؛ ثم الحفلات الراقصة والخطب 
الدينية وسباقات القوارب ومسيرات أضواء الكشافات... وقد شرب 
الجميع نخب غتنبرغ». 


ثورة الطباعة في السياق 


ومع ذلك. فإن بعض المعلقين تمنوا لو لم يظهر هذا العهد الجديد الذي 
كانت الطباعة فاتحته. ففي مقابل هذا الوصف الانتصاري للاختراع 
الجديد كان هناك ما يمكن أن نسميه قصصا أو تفسيرات كارثية: 
فالناسخون الذين هددت التكنولوجيا الجديدة عملهم استهجنوا مجيء 
الطباعة من البداية. وبالنسبة إلى رجال الكنيسة تمثلت المشكلة في أن 
الطباعة ستسمح للقراء ذوي المكانة المتدنية في الهرم الاجتماعي والثقاضي 
بأن يدرسوا النصوص الدينية بأنفسهم دون الاعتماد على ما تقوله 
المرجعيات. وبالنسبة إلى الحكومات لم تكن الطباعة: كما أوضح هارتليب. 
محل ترحيب- 

وجاءت الصحافة في القرن السابع عشر لتزيد من القلق من تأثيرات 
الطباعة. غفي إنجلترا في ستينيات القرن السابع عشر كان رئيس الرقابة 
على الكتب السير روجر لوسترانغ مازال يطرح السؤال القديم نفسه «عما إذا 
كان الضرر الذي لحق بالعالم المسيحي من جراء اختراع الطباعة يفوق ما 
أحدثته من فوائد». وفي العام ١177‏ كتب الشاعر الإنجليزي أندروا مارفيل 
78-115١(‏ ) مخاطبا الطباعة «أيتها الطباعة كم عكرت صفو البشرية». 

وعوضا عن ذلك هناك مشكلات أخرى تواجه الدارسين وجميع 
الباحثين عن المعرفة بوجه عام. ومن هذا المنظور يمكن أن نتتاول ما يسمى 
«الانفجار» المعلوماتي ‏ وهو في حد ذاته تشبيه منفر يذكر بالبارود ‏ الذي 
تلا اختراع الطباعة. كانت أخطر المشكلات هي تلك المتعلقة باسترجاع 
المعلومات وما يرتبط بذلك من انتقاء ونقد الكتب والمؤلفين. وي الأيام 
الأولى للإنترنت ظهرت الحاجة إلى طرق جديدة لإدارة المعلومات كتلك 
الموجودة اليوم. 

في بدايات العصور الوسطى كانت المشكلة تتمثل في نقص الكتب وندرتهاء 
ولكن بحلول القرن السادس عشر كانت المشكلة تعود إلى الوفرة. ومن ذلك أن 
اشتكى كاتب إيطالي في العام ١06١‏ من أن «الكتب أصبحت من الكثرة بحيث 
إن الوقت لا يكفي حتى لقراءة عناوينها». فقد أصبحت الكتب. على حد تعبير 
المصلح جين كالفين  ١6١5(‏ 15).: غابة يتوه غيها القراء. إذ أصبحت محيطا 
على القراء أن يبحروا فيه: أو طوفانا من المادة المطبوعة يصعب فيه النجاة 


من الغرق. 


التاريخ الاجتماعي للوسائط 


ومع تضاعف أعداد الكتب. كان على المكتبات أن تتسع: ومع اتساع 
المكتبات أصبح من الصعوية بمكان العثور على كتاب معين من على 
الأرفف. وعليه أصبحت الفهارس ضرورة ملحة. وقد كان على مؤلفي 
الفهارس أن يختاروا بين ترتيب المعلومات وفقا للموضوع أو الترتيب 
الأبجدي للمؤلفين. ومنذ منتصف القرن السادس عشر ظهرت 
الببليوغرافيات المطبوعة مشتملة على معلومات عما كتب. ولكن مع تزايد 
حجم هذه المؤلفات أصبحت بيليوغرافيات الموضوع ضرورة ملحة. 

وقد واجه أمناء المكتبات مشكلات تحديث الفهارس ومعرقفة المؤلفات 
الجديدة. وقد كانت الدوريات العلمية تقدم المعلومات عن الكتب الجديدة, 
ولكن مع تضاعف أعداد هذه الدوريات أصبح من الضروري البحث في مكان 
آخر عن المعلومات حول الكتب. وحيث إن عدد الكتب الموجودة كان يفوق ما 
يمكن أن يقرأه المرء طوال حياته؛ لذا كان من الضروري مساعدة القراء على 
التمييز عن طريق ببليوغرافيات منتقاة. ومنذ أواخر القرن السابع عشر 
ظهرت مراجعات المنشورات الجديدة. 

إن التعايش بين الرؤى الانتصارية والكارثية للطباعة يكشف عن 
الحاجة إلى الدقة في أي مناقشة لنتائجها. كان المؤرخ الفكتوري 
لورد أكتون أكثر دقة من أسلافه عندما أكد ما يمكن تسميته 
التأثيرات الجانبية للطباعة: تلك المتمثلة في جعل المعرفة متاحة 
لجمهور واسعء إلى جانب تأثيراتها العمودية أو التراكمية المتمثلة ضفي 
تمكين الأجيال اللاحقة من البناء على الأعمال الفكرية للأجيال 
السابقة. والطباعة عند أكتون. كما جاء في محاضرته «حول دراسة 
التاريخ» ,)١1844(‏ «ضمنت بقاء أعمال عصر التنويرء كما ضمنت أن 
تظل الكتابات متاحة للأجيال اللاحقة, بحيث إن كسوف المعرفة 
والأفكار الذي أضعف العصور الوسطى لن يحدث ثانية؛ ولن تضيع 
فكرة واحدة بعد الآن». 

إن هذا التقييم للعصور الوسطى لا يعدو كونه تقييما أحادي الجائب 
وكتبيا [يركز فقط على الكتب والثقافة المستمدة منها] يتجاهل التقاليد 
الشفهية ويتناسى كثيرا مما نعتبره الآن من الأساسيات. أما الدراسات 
الأحدث. وبخاصة تلك التي صاحبت الجدل حول الوسائطء فإن بعضها 





ثورة الطباعة في السياق 


رفض النظرات القديمة؛ في حين طورها البعض الآخرء بل وغالى فيها في 
بعض الأحيان . ومثال ذلك أن رأى المؤرخون الاجتماعيون في اختراع 
الطباعة أنه غير البنية الوظيفية في المدن الأوروبية. ومن ذلك أن 
الطباعين. أولئك الحرفيين الذين كانت المعرفة بالقراءة والكتابة أساسية 
لعملهم: أصبحوا يشكلون مجموعة جديدة. وكذلك أصبح تصحيح البروفة 
الطباعية عملا جديدا ظهر إلى الوجود بفضل الطباعة. إضافة إلى أن 
الزيادة في أعداد بائعي الكتب وأمناء المكتبات كانت بالطبع تتبع الانفجار 
في أعداد الكتب. 

وبشكل ينطوي على جرأة وتأمل أكثر من المؤرخين أكد مارشال 
ماكلوهان التحول من علامات الترقيم السمعي إلى الترقيم البصريء بل 
وذهب أحيانا أبعد من ذلك إلى الحديث عن «الانفصال الذي أحدثته 
الطباعة بين العقل والقلب». إن كلا من نقاط القوة والضعف في مدخل 
ماكلوهان اجتمعت في واحد من المفاهيم الكثيرة التي اجتهد في الترويج 
لهاء وهو مفهوم «ثقافة الطباعة». الذي يقترح وجود ارتباطات بين 
الاختراع الجديد والتغيرات الثقافية في تلك الفترة. وذلك في الغالب 
دون أن يحدد ماهية هذه الارتياطات. كان أونج أكشثر حذراء لكنه أيضا 
كان يؤّمن بالآثار السيكولوجية بعيدة المدى للطباعة؛ «فعلى رغم أن 
اختراع الطباعة دائما ما كان يناقش في السابق من حيث قيمته في نشر 
الأفكارء فإن إسهامه الأكبر يكمن في تعميقه للتحول طويل الأمد ضي 
العلاقة بين المكان والخطاب». كما أكد أونج كذلك على ظهور الرسوم 
البيانية والتنظيم البصري أو المكاني لكتب القرن السادس عشر 
الأكاديمية ذات فهارس المحتويات المزدوجة؛ «وهو ما يعني كل شيء 
بالنسبة إلى العين: ولا شيء بالنسبة إلى الأذن». وذلك لاستحالة قراءتها 
بصوت مسموع. وعلى سبيل المثال» كانت محتويات الطبعة الأولى من 
كتاب «تشريح الانقباض» لروبرت برتون )١77١(‏ تختصر بالطريقة 
الموضحة في الشكل (؟). وهذه النقطة نفسها عن المعلومات المصممة 
خصيصا للعين يمكن أن تقال عن جداول المواعيد والجداول الفلكية 
(بداية من القرن السادس عشر فصاعدا) وجداول اللوغاريتمات (التي 
طبعت لأول مرة في القرن السابع عشر). 


التاريخ الاجتماعي للوسائط 


وواعربسو"2 إرج عبأذاه بإ ودمرق 
١‏ وو/طة مقرم درصاردمة كامؤل01 الركوس لعي مباأدب 8 1 
0 عسف الراقماطيي نخدت 11 

3 العمتممو م و8 به م81 

بالددتصه الصتم يللد تجرعمامة طعط م 101 

١‏ 0 امم قر فنصم ,أنه بممممعام 

رقع ده ,المءعدصعم1 7 ” 00 1 ممتاع وك 
7 يمتمتسده 0 













فم مقر 1ك 1 2 
٠‏ كنال اتفعط رعمتدعط عتاسد اانه بن ذ ‏ طعتطهمز 





4 إة كه مدع إطن 
5 ل 7 . : 65 معدم 
,> بالقلاة + ات 000 و عه 0 
8 7 فد 5 رمه ماعنا سد غلنده1.5 د ون 
11 10 و ]دك للمعمفدة + 0 الوطءصمك 20 


00 مه 1ه مسقد مف تمق6 0 .10 1 :ملعلتلمه» 
ٍ مإطوة جقرتده 64 هرل 16د ممتصدم فده عدم عط 
بد إامدة عرلا سياد مط رلله »نمدم رلعجاء مط عدم له ممع ج11 : 


عمو علعط 3-5 رتل عصمله للمعطع 1 1 
0 عه التمعم لدم هر م وعبر 2 


عسو كملع ,رم طعساءم ون ين نم5 
وني 11 0 لساك 00 5 طزطم مما 
بولضط عط امع يناي اراد اميه لانن 600 
ااا 0 رهق 0 نود 


0 
4 


مه جور لكوم ملست بع | 
2 العموتاعه عدفم هر عاد د , 
5084 .سداماظعنفهل جو وجاعنارمصووطظ عد 


الل ا ا 
الشكل (؟) جدول محتويات من كتاب «تشريح الانقباض» لروبرت برتونء الطبعة الأولى. ١5171١‏ 


كان مثل هذه الكتب غالية وتقنية إلى درجة جعلتها لا تروق إلا لأقلية 
صغيرة من الناس؛ وأيضا وضعت المواد المطبوعة ضي أشكال أرخص وأسهل 
مثل «الكتيبات»» التي كانت غالبا ما تزود برسوم توضيحية؛ على رغم أن 
هذه الرسوم كانت في بعض الأحيان مأخوذة من كتب سابقة وليس لها 
علاقة بالنص الحالي. كانت هذه الكتيبات تباع عن طريق التجار والباعة 
الجائلين في معظم أنحاء أوروبا في بدايات العصر الحديثء وفي بعضص 
المناطق في القرنين التاسع عشر والعشرين. ومنذ ستينيات القرن العشرين: 
والمؤرخون يبدون اهتماما بدراسة الكتيبات الفرنسية. أو «المكتبة الزرقاء» 
كما كانت تسمىء وهو ما يشير إلى أن هذه الكتيبات كانت تجلّد بالورق 
الأزرق الخشن الذي يستخدم في تعبئة السكر. وقد كانت «ترويز» في شمال 
شرق فرنسا هي المركز الرئيسي لإنتاج هذه الكتب؛ ولكن بفضل شبكة 























ثورة الطباعة في السياق 


الباعة الجائلين كانت هذه الكتيبات توزع على نطاق واسع في الريف والمدن. 
أما الموضوعات الشائعة في هذه الكتيبات فكانت تدور حول حياة القديسين 
وروايات الفرسان الرومانسية؛ وهو ما أدى ببعض المؤرخين إلى استنتاج أن 
هذا الأدب كان هروبياء أو أنه شكل من المهدتات؛ وأنه كان يمثل الانتشار 
لأسفل حيث الحرفيون والقرويون بنماذج ثقافية روج لها رجال الدين 
والنبلاء من أجل مصلحتهم. 

وهذا الاستنتاج من البساطة بحيث لا يمكن قبوله من دون بحث. فمن 
ناحية لم تكن هذه الكتب حكرا على الناس العاديين فقطء فمن المعروف أن 
النبيلات أيضا كن يقرأنهاء ومن ناحية أخرىء. فإن الكتب الزرقاء لم تكن 
تمثل الثقافة الكلية لقرائهاء إذ ربما كانت الثقافة الشفهية لهؤلاء القراء 
أكثر أهمية. وعلى أي حال فنحن لا نعرف كيف كان رد فعل القراء أو 
المستمعين حيال هذه القصص. فلا نعرف مثلا إن كانوا قد توحدوا مع 
شاللمان (بطل إحدى القصصء وهو حاكم تمرد عليه رعاياه) أم مع 
المتمردين ضده. ويصرف النظر عن المشكلات التي تطرحها دراسة هذه 
الحالة. فمن الواضح أنه بحلول القرن السابع عشرء إن لم يكن من قبله. 
أصبحت المواد المطبوعة تمثل جزءا مهما من الثقافة الشعبية في فرنسا 
ودول أوروبية أخرى مثل إيطاليا وإنجلترا وهولندا . 

وفي تلخيص لعمل جيل كامل حول الموضوع. أكدت المؤرخة الأمريكية 
إليزابيث إيزينشتين في دراسة طموحة نشرت عام 19074: أن الطباعة كانت 
«الثورة المغبونة»» وأن دورها كدفاعل تغيير» لم يأخن حقه الواجب من التقدير 
في التفسيرات التقليدية تعصر النهضة وحركة الإصلاح والثورة العلمية. وقد 
استخدمت إيزينشتين أفكار كل من ماكلوهان وأونج وروجتها من خلال 
ترجمتها إلى صورة تقبلها جماعتها المهنية. جماعة المؤرخين وأمناء المكتبات. 
وعلى رغم أنها كانت حذرة في الخروج باستنتاجات عامة: فإنها أكدت 
نتيجتين بعيدتي المدى لاختراع الطباعة: الأولى أن الطباعة قننت المعرفة 
وحفظتهاء تلك المعرفة التي كانت أكثر ميوعة في عصر الانتشار الشفهي أو 
الانتشار بالمخطوطات. أما النتيجة الثانية فتتجسد في أن الطباعة قد 
شجعت نقد السلطة. حيث جعلت الطباعة الرؤى المتعارضة عن الموضوع 
نفسه متاحة بشكل أوسع من ذي قبل. ومن أجل توضيح هذه النقطة أخذت 


التاريخ الاجتماعي للوسائط 


إيزينشتين مثال مونتيني الذي يبدو أن شكوكيته كانت ثمرة لقراءاته الواسعة. 
وقد أرجعت السبب في أن مونتيني رأى ضفي الأعمال التي راجعها د«صراعا 
وتنوعا» أكثر مما رأى فيها معلقو العصور الوسطى من قبل إلى أن «ذلك يعود 
بالتأكيد إلى العدد الكبير من النصوص التى كانت فى متناوله». 


إعاد: نظر في تورة الطباعة 

وتظل لكتاب إيزينشتين قيمتهء على رغم أنه في السنوات العشرين التي 
مرت على نشره ظهرت للمؤلفة ادعاءات حول التغيرات الثورية التي تلت 
اختراع الطباعة لا تخلو من مغالاة. ضفي المقام الأول؛ نجد أن التغيرات التي 
حددتها المؤلفة حدثت على مدار ثلاثة قرون على الأقل: أي من «الكتاب 
المقدس» لفتتبرغ [أول عمل مطبوع] إلى «موسوعة» «ديدرو» (وهو ما 
سنناقشه لاحقا). كما أن التكيف مع هذا الوسيط الجديد كان تدريجياء 
سواء أكان ذلك في أساليب العرض أم في عادات القراءة؛ بمعنى أن ما 
تناقشه الآن ‏ مثل الثورة الصناعية في عيون مؤرخيها الأحدث ‏ هو ما 
أسماه الناقد البريطاني رايموند ويليامز (1188-1571) «ثورة طويلة». على 
أن هذا الطرح يثير سؤالا شائكا حول مدى إمكان اعتبار الثورة التي لا تتسم 
بالسرعة ثورة أساسا. 

وهناك مشكلة ثانية. وهي مشكلة الفاعلينء فالحديث عن الطباعة 
باعتبارها فاعل التفييرء يضع بالتأكيد أهمية أكثر مما ينبغي على وسيط 
الاتصال على حساب المؤلفين والطباعين والقراء الذين استخدموا هذه 
التكنولوجيا الجديدة: كل لمآربه الخاصة منها. وقد يكون من الواقعي أكثر أن 
ننظر إلى الطباعة مثل الوسائط الجديدة في قرون لاحقة (التلفزيون مثلا) 
كعامل مساعد يدعم التغيرات الاجتماعية: وليس ينشئها . 

وفي المقام الثالث نجد أن إيزينشتين تنظر إلى الطباعة في عزلة نسبية؛ 
فمن الضروريء من أجل تقييم النتائج الاجتماعية والثقافية لاختراع الطباعة: 
النظر إلى الوسائط ككلء أعني النظر إلى وسائل الاتصال المختلفة على أن 
بينها اعتمادية متبادلة: والتعامل معها كحزمة أو مجموعة أو منظومة: أو كما 
يسميه الفرنسيون «نظاما». سواء أكان هذا النظام سلطويا أم ديموقراطيا أم 
بيروقراطيا أم رأسماليا. 





ثورة الطباعة في السياق 


ومن الضروري كذلك تأكيد أن هذا النظام كان في تغير دائم. حتى وإن 
كانت بعض التغيرات لم يجر إدراكها إلا على المدى اليعيد . ومشال ذلك أن 
تكنولوجيا الطباعة لم تقف جامدة بعد غتنبرغ؛ إذ طور الطباع الهولندي 
ويليام بلو في القرن السابع عشر تصميم المكبس الخشبيء ثم جاءت المكابس 
الضخمة من أجل طباعة الخرائطء ثم ساعدت مكابس ستانهوب اليدوية 
الحديدية (غ١18)‏ على مضاعفة المعدل العادي للإنتاج؛ ثم جاء مى ى 
فريدريك كوينج )18١١(‏ ليضاعف الإنتاجية أربعة أضعاف ما كان ينتجه 
مكبس ستائهوب. 

إن التفكير بلغة نظام الوسائط يعني التأكيد على تقسنيم العمل بين 
وسائط الاتصال المختلفة المتاحة في زمان ومكان محددين: من دون نسيان أن 
الوسائط القديمة والجديدة يمكن أن. بل بالفعلء تتعايش جنبا إلى جنب وأن 
الوسائط المختلفة يمكن أن تتنافس أو يقلد بعضها بعضا أو حتى يكمل بعضها 
بعضا وعلاوة على ذلك فمن الضروري ربط التغيرات في نظام الوسائط 
بالتغيرات في نظام المواصلات وحركة الناس والبضائع عبر المكان: سواء عن 
طريق البر أو البحر (النهر أو القناة أو البحر). حيث إن توصيل الرسائل كان, 
ولا يزال» جزءا من نظام الاتصال المادي. 


الأتصال المادى 
كان من التقليديء بالطبع؛ أن يتيع تدفق المعلومات تدقق التجارة: حيث 
كان التجار الذين يتنقلون عبر البحر والبر يحضرون معهم الأخبار جنبا 
إلى جنب مع البضائع. بل انتشرت الطباعة ذاتها عبر أوروبا عن طريق نهر 
الرين من مينزء مدينة غتنبرغ: إلى فرانكفورت وستراسبورغ وبازل. وضي 
القرون من السادس عشر إلى الثامن عشرء كانت الرسائل الورقية تتبع 
طريق الفضة من المكسيك أو بيرو إلى العالم القديم. أو طريق السكر من 
الكاريبي إلى لندن. غير أن ما استجد في القرنين السادس عشر والسابع 
عشر كان الوعي المتزايد بمشكلات الاتصال المادي. إن حماسة إنسانيي 
النهضة لروما القديمة تضمنت الاهتمام بالطرق الرومانية التي نوقشت, 
على سبيل المثال لا الحصرء في بحث أندريا بلاديو الشهير «أربعة كتب في 
العمارة» .)١017١(‏ وقد نشرت أدلة للطرق في دول بعينها. ومن أبرزها دليل 








التاريخ الاجتماعي للوسائط 


طرق فرنسا لهنري إيزتينء وطرق «بريطانيا» ١1170‏ (الشكل 4) لجون 
أوجلبي: وهو أول أطلمن طرق إنجليزي. وفيه عرضت الطرق على ما 
أسماه المؤلف «أدراج تخيلية». وفي العام 17١9‏ أنتجت نسخ محدثة من 
هذه الخرائط في قطع أصغر. وصدرت الطبعة الثانية والعشرون منها 
في العام 116 وكانت دليلا موسعا يلبي حاجة المسافرين إلى مثل 
هذه الكتب. 
كانت الحكومات أيضا مهتمة إلى حد كبير بالطرق» حتى إن كان من 

الصعب رؤية التحسينات الرئيسية في النظام الأوروبي قبل منتصف 
القرن الثامن عشر. ففي فرنسا استحدث حوالي عام ٠‏ متصيا 
جديدا للإشراف على نظام الطرق. وكان أحد أسباب هذا الاهتمام 
بالطرق هو الحاجة المتزايدة إلى نقل الأوامر بسرعة أكبر من العاصمة 
إلى الأقاليم, ضفي وقت كانت فيه الدول الأوروبية شديدة المركزية. وقد 
كان الاهتمام بالاتصال من جانب الحكومات سببا رئيسيا في التوسع 
السريع في النظام البريدي في بداية العصر الحديثء مع أن التجار 
وغيرهم من الأفراد الخاصين استفادوا منه كذلكء. غير أنه ضفي أوروبا 
في أوائل العصر الحديث. كان النقل عن طريق البحر أرخص بكثير من 
النقل البري. ومن شواهد ذلك أن أحد الطباعين الإيطاليين في العام 

١8 قدر أن إرسال طرد من الكتب من روما إلى ليون قد يتكلف‎ ٠ 
سكودي [عملة إيطائية] إذا ما نقل باليرء مقارنة بأريعة سكوديات إذا ما‎ 
نقل عن طريق البحر. كانت الخطابات عادة ما تنقل عن طريق البرء‎ 
ولكن في الجمهورية الهولندية تطور نظام لنقل الخطابات والصحف,‎ 
والناس كذلكء. عن طريق بوارج بحرية في القرن السابع عشر. كان‎ 
متوسط سرعة اليوارج يزيد بقليل على أربعة أميال في الساعة؛ وهي‎ 
سرعة بطيئة إذا ما قورنت بالنقل على ظهور الجياد . ومع ذلك كانت‎ 
الخدمة منتظمة ومتكررة ورخيصة: وسمحت بالاتصال ليس فقط بين‎ 
أمستردام والمدن الأصغرء ولكن أيضا بين المدن الصغيرة: وهو ما أدى‎ 
218517 إلى المساواة في فرص الوصول إلي المعلومات. وفقط في عام‎ 
ومع اختراع التلغراف الكهربائي كسر الارتباط التقليدي بين النقل‎ 
وتوصيل الرسائل.‎ 


ثورة الطباعة في السياق 





الشكل (1) جون أوجلبيء خريطة طرق من كتابه «بريطانياء. 17170 توضح كامبردج 


ال مبراطورية والاتصال 

تمثل الاتصالات: كما يرى عالم السياسة الأمريكي كارل دويتشء «الجهاز 
العصبي للحكومة»», وتزداد أهميتها في الدول الواسعة؛ وفي مقدمتها 
بالطبع الإمبراطوريات مترامية الأطراف. حاول تشارلز الخامس (حكم 
08-65). الذي امتد سلطانه إلى إسيانيا وهولندا! وألمانيا وأجزاء كبيرة 
من إيطاليا إلى جانب المكسيك وبيرو. حل مشكلة الاتصال عن طريق السفر 
المستمر عبر أوروبا. ويتتضح من خطبته. التي ألقاها عند التنازل عن 
العرشء أنه قام في أثناء عقود حكمه الأربعة بأربعين رحلة بحرية: عشر 
منها إلى مقاطعات إسكتلندا وهولندا وتسع إلى ألمانيا وسبع إلى إيطاليا 
وست إلى إسبانيا وأريع إلى فرنسا واثنتين إلى إنجلترا واثنتين إلى شمال 
أفريقيا. ومع ذلك فإن أسلوب الملك البدوي الرحالة: الذي كان سائدا في 
القسرون الوسطىء لم يعد يلبي حاجات تشارلز. ومن ثم جاء عصر 
«إمبراطورية الورق» ومعه نظام دوري لنقل الرسائل ‏ النظام البريدي ‏ الذي 
سمي بهذا الاسم لأنه تضمن إنشاء مكاتب بريد بها رجال وخيول تتمركز 
على طرق معينة تسمى طرق البريد . 





























التاريخ الاجتماعي للوسائط 


في القرن السادس عشرء سيطرت أسرة واحدة على النظام البريدي 
الأوروبي وهي أسرة «تاسيس» أو «تاكسيس» (كلمة «تاكسي» المتداولة عالميا 
الآن مشتقة من اسم هذه الأسرة)؛ وهذه الأسرة: التي كانت تسيطر على 
البريد لدى أباطرة هابزبرغ: هي التي طورت نظام السعاة العاديين الذين 
كانوا يعملون وفق جداول زمنية محددة (أصبحت مطبوعة بداية من العام 
07 1). وقد كانت مدينة بروسيل ‏ التي تمثل الآن مركزا لأشياء أخرى كثيرة 
- هي قلب هذا النظامء وكان أحد طرق البريد يمتد عبر «أوغزبرغ وإنسبروك 
إلى بولونيا وفلورنسا وروما ونابلسء في حين امتد طريق آخر إلى باريس ومن 
فرنسا إلى توليدو وغرانادا». 

كان السعاة الخاصون الذين يستبدلون الجياد في مراكز البريد المتتالية 
قادرين على السفر حوالي ميلا في اليوم؛ وهو ما ساعدهم على نقل أخبار 
الأحداث المهمة بشكل سريع نسبيا. من ذلك أنه في عام مثلاء وصلت 
أخبار مذبحة البروتستانت في باريس (المعروفة باسم مذبحة القديس 
بارثولوميو) إلى مدريد بعد ثلاثة أيام. كان السفر «بأقصى سرعة» [وهو مقترن 
بالبريد كما يبدو في المصطلح الإنجليزي عاكقط ]05م] تعبيرا شائعا في هذه 
الفترة. ومع ذلك فإن الوقت اللازم عادة لوصول الرسائل كان طويلا بالفعل؛ 
حيث كان متوسط سرعة السعاة العاديين من ستة إلى ثمانية أميال في الساعة. 
فكانوا مثلا يستغرقون من يومين إلى ثلاثة أيام ‏ وفقا للفصل من السنة - ضي 
السفر من روما إلى ميلانو. و7١ ١5‏ يوما من روما إلى فييناء وحوالي 
٠‏ يوما من روما إلى باريس؛ في حين كان الأمر يستفرق من 70 - 7١‏ يوما حتى 
يصل السعاة من روما إلى لندن أو كراكوء وحوالي ١١‏ يوما من مدريد (ألتي 
أصبحت عاصمة إسبانيا بداية من العام )١001‏ إلى باريسء و١١‏ - ؟1 يوما من 
مدريد إلى نابلس (التي كانت جزءا من الإمبراظورية الإسبانية). 

في دراسته الشهيرة «البحر المتوسط وعالمه في عصر فيليب الثاني» 
(1545). قدم المؤرخ الفرنسي الكبير فيرناند بروديل 18١7(‏ - 86) وصفا 
للامبراطورية الإسبانية في عصر ابن تشارلز الخامس وخليفته فيليب 
الثاني (حكم من :)48-1١005‏ على رغم أنها كانت أقل امتدادا عن ذي قبل» 
بأنها «دكيان ضحم من النقل البحري والبري يتطلب الإرسال اليومي لمات 
الأوامر والتقارير». وكانت إستراتيجية فيليب. على عكس والده؛ هي أن 





ثورة الطباعة في السياق 


يبقى قدر الإمكان في مكان واجد فيء أو بالقرب من مدريد. وأن يجلس في 
مكتبه لساعات طويلة يوميا يقرأ ويعلق كتابة على الوثائق التي كانت تصله 
من كل أرجاء مملكته؛ وليس من عجب إذن أن يطلق عليه رعاياه كنية تهكمية 
«ملك الورق». 

كانت المشكلة الكبيرة هي طول الوقت الذي تستغرقه الوثائق لكي تصل 
فيليب والعكسء أي الوقت الذي تستفرقه أوامره لكي تصل إلى حكام 
الأقاليم. وقد أكد بروديل استحواذ وصول البريد على رجال الدولة والسفراء 
في القرن السادس عشر. وقد شاعت السمعة السيئة لتأخر رسائل الحكومة 
الإسبانية؛ إلى درجة أن أحد مسؤوليها تمنى أن يصل شيء منن إسبانيا ولو 
كان الموت نفسه. ولم يكن السبب وراء هذه التأخيرات أن الملك فيليب الثاني 
لم يكن حاسماء ولكن كان السبب يكمن في مشكلات الاتصال عبر 
إمبراطورية امتدت عبر البحر المتوسط من إسبانيا إلى صقلية؛ وعبر المحيط 
الأطلنطي إلى المكسيك وبيرو وعبر المحيط الهادي إلى جزر الفليبين (التي 
سميت بهذا الاسم لأنها أصبحت من الممتلكات الإسبانية في عهد فيليب 
الثاني). في هذا الوقت كان المعتاد أن تستغرق السفينة أسبوعا أو أسبوعين 
حسب الرياح لتعبر البحر المتوسط من الشمال إلى الجنوب؛ وشهرين أو ثلاثة 
لتعبره من الشرق إلى الغرب. ولعل ذلك كان السبب في أن يطلق بروديل على 
عالم البحر المتوسط في ذلك الوقت «عالم الأيام الستين». 

ومع ذلك؛ فإن الاتصال عن طريق البحر كان في العادة أسرع وأسهل من 
الاتصال البري. ضفي المكسيك مثلاء كان على الإسبان أن يشيدوا ما أسموه 
«الطرق الملكية» مثل «طريق الفضة» الشهير الذي امتد من المناجم في 
زاكاتيكس إلى مدينة المكسيك؛ وأسماء هذه الطرق مازالت قائمة في 
كاليفورنيا ومدينة المكسيك الجديدة الحاليتين. وفي أوروبا الشرقية: حيث 
كان السكان أقل كثافة: وكانت المدن أصغر حجما وأقل عددا مما كانت عليه 
الحال في الغرب. كان الاتصال هو الآخر أبطأ. ضفي الإمبراطورية الروسية 
في عهد كاترين الكبرى (حكمت 1157 7 43) على سبيل المثالء كان الأمر 
الإمبراطوري يستغرق ١8‏ شهرا ليصل من سان بطرسبرغ إلى كامشاتكا في 
صريياء و ١8‏ شهرا أخرى ليصل الرد إلى العاصمة. إن مشكلات الاتصال 
تساعد في تفسير السبب في أن إمبراطوريات أوروبا في بدايات العصر 





التاريخ الاجتماعي للوسائط 


الحديث ‏ باستثناء الإمبراطورية الروسية ‏ كانت إمبراطوريات بحرية في 
الأساسء ومنها الإمبراطورية البرتغالية والإسبانية والهولندية والفرنسية 
والبريطانية؛ التي امتدت عبر القارات: والإمبراطورية السويدية في أورويا 
حول بحر البلطيق. 


الاتصال عبر الأطلنطيى 

من أجل الاتصال بنوابهم في المكسيك وبيرو كان فيليب الثاني وخلفاؤه 
يعتمدون على الرحلات السنوية للسفن التي كانت تتقل الفضة من العالم 
الجديد إلى ميناء سيفلي والتي كانت. لأسباب أمنية؛ تبحر مرة واحدة في 
العام في قواذل. على سبيل المثال» كانت القافلة المتجهة إلى المكسيك تبحر 
في الصيف وتبداً رحلة العودة من العالم الجديد في الخريف. وكانت 
الخطابات القادمة من إسبانيا إلى المكسيك تستغرق أكثر من أربعة أشهر لكي 
تصل إلى المكسيكء ومن ستة إلى تسعة أشهر حتى تصل إلى ليماء وحوالي 
سنتين حتى تصل إلى جزر الفليبين. كانت الاتصالات بين إنجلترا ونيوإنغلتد 
في أمريكا الشمالية أسرع كثيراء لكن الخطابات كانت عرضة للضياع 
والتأخير. فمثلا الخطاب الذي كان يحمل أنباء إعدام تشارلز الأول الذي 
كتب في مارس 4 4 لم يصل نيوإنجلند إلا في يونيو من العام نفسه. وكان 
من الشائع أن تكتب أكثر من نسخة من الخطاب نفسه وترسل على سن 
مختلفة. وذلك لتقليل مخاطر فقدها. 

وفي القرن الثامن عشر فقط ساعدت التحسينات في الاتصال على تقليص 
المحيط الأطلنطيء على الأقل بالنسبة إلى الإمبراطورية البريطانية» وقد 
تضاعف السفر البحري بين إنجلترا وأمريكا الشمالية بين العامين 11/8٠‏ 
و١17.‏ وفي العام 17١7‏ أنشى نظام للسفن (يعرف باسم «سفن البريد») لنقل 
الخطابات من لندن إلى باربادوسا وجامايكاء يقوم برحلات شهرية تستغرق مائة 
يوم وتحمل الواحدة منها 66٠١‏ خطاب. ونتيجة لذلك؛ ومن منظور الاتصالء 
تقلص المحيط الأطلنطي إلى مساحة البحر المتوسط في عهد ديليب الثاني. 

غير أن السفن التي كانت تعبر الأطلنطي لم تكن تحمل الخطابات فقط؛ 
ولكن إلى جانبها تحمل الكتب والصحف أيضا. ولأن الكتب أشياء مادية ثقيلة: 
فقد كانت غالبية النسخ تتركز حول المكان الذي أنتجت فيه ومع ذلك فهناك 





ثورة الطباعة في السياق 


أدلة على توزيع الكتب عبر مسافات بعيدة. منها مثلا أن روايات الفروسية 
الرومانسية في القرن السادس عشر كانت تصدر إلى المكسيك وبيرو بأعداد 
كبيرة على رغم معارضة رجال الدين: ومنها أيضا أنه في العام ١01١‏ كان 
طياع واحد في مدينة المكسيك يعرض 5+ نتسخة للبيع من إحدى الروايات 
الرومانسية الشعبية؛ وكانت هذه الرواية نفسها من المؤلفات المفضلة في ليما 
العام .١08*‏ وفي العام ١٠٠١‏ كان ما لا يقل عن عشرة آلاف نسخة من رواية 
رومانسية أخرى قد وصلت مدينة المكسيك. وعلى العكس من ذلك كان 
الطلب في نيوإنجلند التطهرية أكثر على المواعظ المطبوعة: فأفراد مثل رجل 
الدين إنكريس ماتر (1777-1779) كانوا يتلقون شحنات منتظمة تتضمن 
صناديق من الكتب من لندن. كما كانت الصحف ترسل إلى بوسطون أثناء 
الحرب الأهلية الإنجليزية. وبحلول القرن الثامن عشر. شجع الوصول المنتظم 
للأخبار على إنشاء صحف أخبار محلية مثل صحيفة بوسطون .)١7١4(‏ 
وبالتدريج. تقوض ما أسماه المؤرخ الأسترالي جيوفري بليني «استبداد البعد». 


الاتصال الشنهيى 

يقال أحيانا إن اختراع المطبعة لم يغير الطبيعة الشفهية: في الأساس: 
للثقافة الأوروبية. وكما يوضح الكتاب الذي بين أيدينا. فإن هذا القول فيه 
مبالغة (إن محاولة وصف الثقافة الأوروبية بوسيط واحد محاولة مضللة)» 
لكن خلف هذه المبالغة تكمن نقطة مهمة:؛ فعلى رغم الأدبيات الدراسية 
الضخمة حول أهمية الاتصال الشفهيء وبخاصة ما يسمى في الغالب «الأدب 
الشفهي». فإن مكانة الوسيط الشفهي في تاريخ أورويا أواتل العصر الحديث 
- وعلاقته بالتغفيرات في الثقافة البصرية ‏ لم تحظ بالاهتمام الكافي. 

في العصور الوسطى. كان مذبح الكنيسة وليس منير الوعظ هو مركز 
الكنائس المسيحية: ومع ذلك كان الوعظ أحد الواجبات التي يقبلها رجال 
الدين» وقد مارس الرهبان الوعظ في الشوارع والميادين. كما مارسوه في 
الكنائس. على أن هناك فروقا بين عظات الآحاد وعظات الاحتفالات في 
مناسبات المهرجانات الكثيرة» وكان أسلوب الوعظ (الصريح أو البلاغي. الجدي 
أو اللين» المقيد أو المتكلف) يعدل عن وعي وقصد وفقا للجمهور. سواء أكانوا 
حضريين أم ريفيين» من رجال الدين أم من الكافة. باختصارء كان أساتذة ما 























التاريخ الاجتماعي للوسائط 


عرف في القرن السادس عشر ب «قفن الخطابة الكنسي» يستغلون بوعي 
إمكانات الوسيط الشفهي. وعلى ذلك فليس من عجب أن يصف عالم 
الاجتماع زيغمونت بومان وعاظ الكنيسة الكاثوليكية بأنهم «وسيط جماهيري». 

ويعد حركة الإصلاح أصبح وعظ الآأحاد جزءا بالغ الأهمية من التعاليم 
الدينية للبروتستانت والكاثوليك على حد سواء. وعلى رغم أن مارتن لوثر 
)١1057-1485(‏ رحب بالمطبعة باعتبارها «أسمى هبات النعمة الإلهية»» فإنه كان 
لا يزال ينظر إلى الكنيسة باعتبارها «دار فم وليست دار قلم». وقد جذب بعض 
الوعاظ جماهير ضخمة: من بينهم الشاعر جون دن (حوالي 1751-1077) 
الذي كان عميد كاتدرائية سان بول في لندن. وقد اعترف الكاثوليك الرومان 
أيضا بالدور الجماهيري للوعظ. وبخاصة بعد «مجلس الترنت». وظهر وعاظ 
كاثوليك عظماء من أمثال جاكس بوسيه )17١5-17717(‏ في بلاط لويس الرابع 
عشر. وقد يصعب علينا الآن أن نصدق تلك الحماسة التي كانت تجعل بعض 
أفراد جمهور العظات يظلون منتبهين لتلك العظات التي كانت تستمر لساعتين 
أو ثلاث» ما لم يكن ذلك مثبتا في مذكرات هذه الفترة. 

وقد كانت الحكومات على وعي تام بقيمة منبر الوعظ في توصيل 
المعلومات: وبخاصة في المناطق الريفية؛ وأيضا لتشجيع الطاعة. ومن ذلك أن 
الملكة إليزابيث الأولى تحدثت عن الحاجة إلى «ضبط نفمة منبر الوعظ», 
واتفق معها تشارلز الأول في ذلك معلنا أن «ما يحكم الناس في أوقات السلم 
هو منير الوعظ وليس السيف».: وهو ما يعتبر تعبيرا كلاسيكيا مبكرا عن 
فكرة الهيمنة الثقافية. 

ثمة نوع آخر من الاتصال الشفهي وهو الاتصال الأكاديمي. كان التدريس 
في الجامعات يجري من خلال المحاضرات والمناظرات الشكلية (لاختبار 
القدرات المنطقية لدى الطلاب) والخطب والقصائد الخطابية الشكلية 
(لاختبار قدرتهم البلاغية)؛ وكان دارسو البلاغة يعتبرون فن التحدث في 
أهمية فن الكتابة نفسه. وعلى النقيض من ذلك لم يكن المقال المكتوب. شأنه 
شأن الامتحان المكتوب: معروفا في الدوائر الآكاديمية في ذلك الوقت؛ ضفي 
المدارس الثانوية كان الاهتمام منصبا في الأساس على تحدث اللاتينية: وكان 
المعلمون يؤلفون الحوارات والمسرحيات من أجل إعطاء طلابهم الفرصة 
لممارسة التحدث بشكل جيد. 





ثورة الطباعة في السياق 


ويبقى مجال آخر مهم من مجالات الاتصال الشفهي وهو الأغاني. وبخاصة 
الأغاني القصصية. إن نظريتي باري ولورد اللتين ناقشناهما من قبل ترتبطان 
بشكل وثيق بالأغاني القصصية التي كانت منتشرة في أوروبا أوائل العصر 
الحديث. وفي حالة أغاني الحدود القصصية الخاصة بشمال إنجلترا - 
ومنخفضات إسكتلنداء على سبيل المثال؛ وكما هي الحال مع مثيلاتها في 
إسكندنافيا وإسبانياء ليس من الصعب تحديد كل من الصيغ والموضوعات. 
فتعبيرات مثل «الخمر الأحمر الدموي» و«الجواد الأبيض الشاهق» أصبحت 
صيغا متداولة مثلها مثل «بحر الخمر الداكن» عند هومر. ومن الموضوعات 
المتواترة في الأغاني القصصية البريطانية إرسال خطاب والجلوس في الكوخ 
الريفي والعدو على ظهور الجياد. والنباتات التي تنمو من قبور أبطال قصص 
الحب المأساوية وتتحد معهم في النهاية. إن بقاء الأغاني القصصية بروايات 
مختلفة. مثلما هي الحال مع أغاني إيرل موراي الوسيم أو باربرا ألين مثلاء 
سواء جاءت إلينا في مخطوطات أو مطبوعة أو بأطوال وصياغات مختلفة, 
يكشف ‏ كما هي الحال مع يوغوسلافيا في دراسة باري ‏ أن المغنين الفرديين 
طوروا أساليبهم الخاصة في الإلقاء الذي ربما كان شبه ارتجالي. 

كانت الشائعات بمنزلة «خدمة بريدية شفهية» تنتشر بسرعة كبيرة. 
والرسائل التي كانت تنقلها الشائعات لم تكن دوما عفوية؛ ففي بعض الأحيان 
كان يجري نشر الشائعات لأسباب سياسية. وفي أوقات الصراع؛ يكون من 
المتوقع أن يتهم أحد أطراف الصراع الطرف الآخر بنشر الشائعات. وهناك 
أمثلة ثلاثة شهيرة للشائعات وتأثيرها في أوروبا في أوائل العصر الحديث سواء 
أكانت عفوية أم مقصودة. أولها حركة تحطيم التماثيل الدينية العام ١517‏ ضي 
شمال فرنسا وهولنداء وثانيها «المؤامرة الكاثوليكية» الإنجليزية في العقد التاسع 
من القرن السابع عشر. وثالثها ما سمي «الخوف الكبير» في الريف الفرنسي 
العام 1744 الذي درسه مؤرخ الثورة الفرنسية جورج ليفبفر  1475(‏ 195084) 
بعمق في ثلاثينيات القرن العشرين. في المثال الأخيرء انتشرت الأخبار بين 
الفلاحين بأن قطاع الطرق قادمون لذبحهم أو مهاجمة محاصيلهم: وربما تكون 
هذه الشائعات قد نشرت بأوامر من البريطانيين أو الطبقة الأرستقراطية. 
وبعيدا عن تصديق هذه الشائعات أو رفضهاء درس ليفبفر تاريخ وجغرافية هذه 
الشائعات بعناية. واستخدمها دليلا على التوترات الاجتماعية. 





التاريخ الاجتماعي للوسائط 


غير أنه لا يجب التفكير في الثقافة الشفهية في هذه الفترة فقط من 
حيث بقاؤها أو ما اسماه أونخ «البقية الشفهية». ففي هذه الفترة تطورت 
المؤسسات الجديدة التي نظمت الاتصال الشفهيء ومنها مجموعات المناقشة 
الشكلية. مثل الأكاديميات والجمعيات العلمية والصالونات والمقاهي. ويتضح 
من الأبحاث حول الموضوع:؛ أن فن المحادثة كان يحظى بعناية خاصة حينذاك. 
كما عملت المكتبات ومحلات بيع الكتب كمراكز اجتماعية. ومن ذلك أن 
جيمس بوزويل التقى صمويل جونسون لأول مرة في الردهة الخلفية لمكتبة كان 
يمتلكها توم دافيز. 

كان لنمو التجارة انعكاسات مهمة على الاتصال الشفهيء ومن أبرزها 
البورصات. ومنها بورصة بروجز )١11١5(‏ وأنتويرب )١115١(‏ وليونز )١577(‏ 
وأمستردام )١157١(‏ ولندن (غ00١)‏ وهامبورغ )١100(‏ وكوينهاغن .)١174(‏ وقد 
قدم التاجر اليهودي الشرقي جوزيف بينسو دي لا فيغا وصفا حيا لإحدى هذه 
البورصات ‏ بورصة أمستردام ‏ في حوار بالإسبانية بعنوان «تشوش التشوشات» 
(خكالع) أوضح فيه أن ممارسة المضاربة بحصص أو أسهم الشركات؛ بل حتى 
«المضارية على الصعود والهبوط في البورصة». كانت قد أصبحت ممارسة 
معتادة في ذلك الوقت. وكان من المعتاد كذلك النشر المتعمد للإشاعات لرفع 
الأسعار أو خفضها. وقد يكون من الضروري تفسير تقلبات تداول الأسهم 
وتأثرها بتقلبات الحالة النفسية من الهوس إلى الاكتثاب. وهو ما تجلى في هذه 
الفترة في الصعود والانهيار السريعين لفقاعة البحر الجنوبي (أي المضارية على 
رأس مال شركة البحر الجنوبي بلندن عام 17٠١‏ التي شبه صعودها 
وانخفاضها السريعين بالفقاعة). تفسيرهاء ولو جزئيا على الأقل؛ من منظور 
الوسيط الشفهي. وهي الظاهرة التي مازالت موجودة في بورصات اليوم. 

وفضلا عن ذلك. شملت مراكز الاتصال الشفهي الحانات والحمامات 
العامة والمقاهي. وهده الأخيرة من مستحدثات هذه الفترة. وقد اشتهرت 
إسطنبول في أواخر القرن السادس عشر بمقاهيهاء حيث ضمت حوالي 
٠‏ مقهىء وكان الرواة يؤدون أغانيهم وأشعارهم فيهاء كما كانت الحال فضي 
يوغوسلافيا حتى العقد الرابع من القرن العشرين عندما زار باري ولورد 
مقاهيهاء التي كانت تسمى كافاناس:؛ ومعهما أجهزة التسجيل الشريطية. وضي 
عهد الملكة آن (حكمت من )١7/14 - 17١7‏ ضمت لندن 50١‏ مقهى على الأقل. 


























ثورة الطباعة في السياق 


إن هذه المؤوسسات على تعددهاء كانت تتعامل مع أنواع مختلفة من الزيائن 
وموضوعات المحادثة. فمناقشة الموضوعات العلمية كان من الممكن سماعها 
في مقهى تشيلد أو غاراواي أو المقهى اليوناني» حيث يمكن أن ترى وتسمع 
السير إسحاق نيوتن ١147(‏ - 1777). أما مسألة التأمين فكانت تناقش في 
مقهى ليود الذي تحول في أواخر القرن السابع عشر إلى مؤسسة مستقلة. 
وفي منتصف القرن الثامن عشر كان مقهى «سلوتر» بمنزلة ناد للفنانين 
ومنهم وليام هوغارت (1791 - .)١1768‏ وفي القرن الثامن عشرء كان من أبرز 
مقاهي باريس مقهى موغيز الذي كان مركزا للهجوم على الدين» ومقهى 
بروكوب الذي أنشى عام ١189‏ (ما زال مفتوحا)» وكان يتردد :عليه مفكرون 
بارزون من مفكري التنوير مثل دينيس ديدرو ١71١7(‏ - 1784). وقد اهتمت 
السلطات ضي معظم المدن بالمقاهي باعتبارها أماكن تشجع على التعليقات 
الهدامة حول الحكومة ووضعتها تحت المراقية. 

كانت النوادي والمقاهي بمنزلة الملهم لخلق مجتمعات متخيلة للاتصال 
الشفهي؛ وأفضل مثال إنجليزي هو «نادي المشاهد» التخيلي الذي كان يضم 
شخصيات متنوعة: منها ريفيون وتجار ورجال دين وضباط جيش؛ وقد 
عمل هذا النادي كإطار لصحيفة «المشاهد» التي حررها جوزيف إديسون 
(1777- 1775) وجوزيف ستيل (17177- )١7754‏ ونشرت العام 217111١‏ 
وسوف نتاقشها فيما بعد. وفي العام ١154‏ تأسست في ليبيزغ مجلة باسم 
«مقهى الفضوليين بفينيسيا»» والأشهر منها مجلة «المقهى» الميلانية (1714 - 
)١‏ التي لعبت دورا مهما في التنوير الإيطالي. علاوة على ذلك؛ كان يقدم في 
المقاهي عدد من المسرحياتء وهو الاتجاه الذي بلغ أوجه في كوميديا فولتير 
(1760) عقتةوومع8 '1 ناه ككده ع1 التي يظهر فيها الزبائن وهم يصدرون 
تعليقات نقدية حول المسرحيات الأخرى. 

ويطريقة ممائلة. ساعدت بعض صحف القرن الثامن عشرء بداية من 
صحيفة إه06)وه2 8:15]01 إلى صحيفة أمعلوط عطءواع:نا :113 على خلق 
مجتمعات محلية متخيلة: بالطريقة نفسها التي أسهمت بها صحف القرن 
التاسع عشرء. على حد زعم أندرسون في كتابه «المجتمعات المتخيلة» 2))١1545(‏ 
في تشكيل الوعي القومي عن طريق معاملة قرائها باعتبارهم جماعة واحدة, 
أي جمهورا وطنيا. 





التاريخ الاجتماعي للوسائط 


الاتصال المكتوب 

إن أهمية السياقات التي يجري فيها تعلم الكتابة أو الاستفادة منها كانت 
واضحة بالفعل في أوروبا في أوائل العصر الحديث, التي كان تعليم القراءة 
وتعليم الكتابة فيها يتمان باستقلالية كل عن الآخر. وفيما يتعلق بالسياق 
التجاري لمعرفة القراءة والكتابة والطلب التجاري على معرفة الكتابة والحساب, 
يمكن الرجوع إلى فلورنسا في القرنين الرايع عشر والخامس عشرء التي أنشئت 
فيها مدارس لتعليم الكتابة والحساب للصبية الذين سيصبحون تجارا أو كاتبي 
حسابات. وفلورنساء شأنها شأن المدن الأخرى في عالم البحر المتوسط؛ يمكن 
وصفها بأنها ثقافة توثيقية: إذ كان للوثائق المكتوبة وظيفة لا غنى عنهاء وبخاصة 
في تسجيل انتقالات الملكية في حالات الزواج والموت. كانت معرفة العامة 
بالقراءة والكتابة مرتفعة نسبيا في فلورنساء وكذلك عادة كاتبة اليوميات 
والمذكرات. ويمكن العثور على أمثلة لهذا النوع من الوثائق الشخصية في مدن 
أخرى مثل أوغزبرغ وبرشلونة وبولونيا ولندن ونورمبرغ وباريس. كانت هذه السير 
الذاتية تركز على الأسرة أو المدينة أكثر منها على الفردء وأحيانا ما كان يجري 
تداولها في شكل مخطوطات داخل الأحياء الحضرية. 

أما السياق الديني لمعرفة القراءة والكتابة فيتجلى بوجه خاص في أوروبا 
البروتستانتية في القرنين السابع عشر والثامن عشر. ومن الأمثلة الكلاسيكية 
على ذلك السويد اللوثرية. حيث كانت الكنيسة فيها تجري امتحانات سنوية 
لكل الأسر للوقوف على مدى معرفة أعضائها بالقراءة ومدى معرفتهم 
بالتعاليم الدينية وما شابه. وكانت النتائج تسجل بشكل منظم: وكانت المعرفة 
بالقراءة والكتابة تصنف إلى مستويات مثل: «مبتدئى في القراءة»» أو «يقرأ 
قليلا»؛ وما إلى ذلك. وكانت سجلات النتاكج تحفظ بعناية وتظل مصدرا ثريا 
ومتفردا لدراسة الإلمام بالقراءة والكتابة في بدايات العصر الحديث. تكشف 
هذه السجلات: إلى جانب أشياء أخرىء أن انتشار القدرة على القراءة: التي 
امتدت حتى إلى النساء والأطفال في المناطق الريفية: كانت ناتجة عن الحملة 
الضخمة التي جرت بين العامين 117١‏ و١177.‏ وعلى كل فإن أوروبا في أوائكل 
العصر الحديث كانت مجتمعا ذا مستوى محدود من الإلمام بالقراءة والكتابة, 
فأقلية من السكان (وبخاصة الذكور وسكان المدن والبروتستانت) فقط كان 
يمكنها القراءة. وأقلية أصغر كان يمكنها الكتاية. 





ثورة الطباعة في السياق 


وهنا تكمن أهمية ما يسمى «معرفة القراءة والكتابة الملتوسطة». أي 
استخدام المعرفة بالقراءة والكتابة من أجل مصلحة الأميين. ففي مدن هذه 
الحقبة ‏ كما هي الحال في مدينة المكسيك وإسطنبول اليوم؛ أو على الأقل 
حتى وقت قصير ‏ كانت وظيفة الكاتب العام وظيفة شائعة؛ وهو رجل له 
«مكتب» في الشارع يؤلف ويكتب الخطابات للناس الذين تنقصهم هذه 
المهارات. وفي باريس مثلاء كان بعض هؤلاء الكتبة يعملون في جبانة الأبرياء, 
وقد وصفهم الرحالة الإنجليزي جون إيفيلين ( 1770 - )١17١7‏ بأنهم «ينظمون 
خطابات للخادمات الفقيرات وغيرهن من الأميين الذين كانوا يأتون إليهم 
طلبا للنصيحة: ولكي يكتبوا لهم خطابات إلى أحبائهم وذويهم-وأصدقائهم: 
فنلندا القرن الثامن عشر كان الفلاحون الأميون يحتاجون إلى الاتصال 
بالحكومة كتابة لتجنب التجنيد في الجيش السويديء وفي هذه الحالة كان 
الكاهن المحلي. الذي كان يعمل كناسخ: هو الوسيط المهم. 

وثمة مثال توضيحي حي للمعرفة المتوسطة بالقراءة والكتابة ونتائجها غير 
المقصودة. يتمثل في الدعوى التي نظرت أمام محكمة حاكم روما العام ١107‏ 
حول خطاب غرامي موقع باسم جيوفانانتونيو إلى جارته مارغريتا ابنة 
السادسة عشرة. فمن سوء الحظ أن مارغريتا لم تكن تعرف القراءة» ولذلك 
كان عليها أن تذهب بالخطاب إلى أحد جيرانها تيقرأه لهاء وهو ما زاد من 
فرص اكتشاف والديها للأمرء وهو ما حدث بالفعل: وبالتالي رفعوا دعوى 
قضائية أمام المحكمة. 

إن نتائج انتشار المعرفة بالقراءة والكتابة واختراقها المتزايد للحياة اليومية 
كثيرة ومتنوعة. منها حدوث زيادة في عدد الناس الذين يشغلون وظائف ترتبط 
بالكتابة. مثل الكتبة في المحلات وكاتبي الحسابات والكتبة العموميين وسعاة 
البريد. وقد كان لبعض هذه الوظائف مكانة اجتماعية عالية نسبياء ومنها وظيفة 
السكرتير الخاص الذي كان يعمل في خدمة الأشخاص المهمين الذين ليس لديهم 
وقت لكتابة خطاباتهم. إن المعرفة بالقراءة والكتابة, التي كانت تمثل عائقا لعملية 
«فقدان الذاكرة البنائي» التقليدي. شجعت على الإحساس بالابتعاد بين الماضي 
والحاضر. ومن ذلك مثلا أن الإحساس بالمفارقة التاريخية أصبح حادا إلى درجة 
كبيرة بداية من القرنين الرابع عشر والخامس عشر. 





التاريخ الاجتماعي للوسائط 


ومن النتائج السياسية لمعرفة القراءة والكتابة انتشار السجلات المكتوبة - 
على الأرجح بحلول القرن الثالث عشر إن لم يكن قبله ‏ وما صاحبها من 
اعتماد كبير على معالجة المعلومات, وهو المصطلح الذي سيبرز في نظريات 
الاتصال المستقبلية: ومنها على سبيل المثال نظرية «مجتمع المعلومات» ضي 
أواخر القرن العشرين. وكما ترتبط المعلومات بالحقائق: يمكن أن ترتبط أيضا 
بالأعداد (فيما سمي لاحقا «الإحصاء»). ومع توافر المعلومات وإتاحتها اقترب 
أسلوب الحكم أكثر من نموذج الإدارة عن طريق العمل الورقي أو 
البيروقراطية, كما أسماها عالم الاجتماع الآلماني ماكس فيبر (19170-185715). 
ففي منافشته لما أسماه «السلطة القانونية العقلانية»», أكد فيبر العلاقة بين 
الاستخدام المتزايد للكتابة لصياغة القرارات وتسجيلهاء وتزايد لاشخصنة 
الإدارة التي تتسم بفرض قواعد شكلية تحكم عملية تعيين المسؤولين ومجال 
مسؤولية كل منهم ومكانتهم داخل هرم السلطة. ومنن ذلك الوقت. امتدت 
حجج فيبر من السياسة إلى مجالات الدين والمشروعات والقانون. 

لم يكن فيليب الثاني الذي سبق أن ناقشنا مشكلات الاتصال التي 
واجهته - ملك الورق الوحيد في أوروبا أوائل العصر الحديث؛ فالنبلاء الكبار 
الذين رأوا أن مشاركتهم في صنع القرار قد تآكلت, كانوا يشتكون دائكما مما 
أسموه «حكم الأمناء [السكرتارية], لقد كان الاستخدام المتزايد للكتابة ضي 
عملية الإدارة شرطا ضروريا للحكم عن بعدء وبالتالي لظهور الدولة المركزية. 
ومع ذلك فإن الزيادة في عدد الوثائق اللازم قراءتها وتوقيعها كانت كبيرة 
جدا حتى بالنسبة إلى الملوك اليقظين؛ مثل فيليب إسبانيا أو لويس فرنسا 
الرابع عشر في القرن السابع عشر. لذلك: كان من الضروري تفويض الأمناء 
سلطة تزييف توقيع الملك على الوثائق التي لم يرها؛ وقد نتج عن ذلك عدم 
إطاعة الأوامر إذا لم يتضح أنها قادمة من الملك رأسا. وكالعادة. ظلت 
الممارسات الاجتماعية متخلفة عن التجديدات التقنية. 

ومن الواجب كذلك عدم تجاهل الاستخدامات السياسية للمعرفة بالقراءة 
والكتابة بالنسبة إلى الناس العاديين. إن الثورات عادة ما كان يصاحبها رفع 
مظالم مكتوبة, وهو ما حدث مثلا أثتاء حرب الفلاحين الألمانية في العام 
4ل أو المذكرات التي ظهرت في بداية الثورة الفرنسية على سبيل المشال 
للا االحصر. وتوقيع الالتماسات من جانب عدد كبير من الناس. كان من 























ثورة الطباعة في السياق 


الممارسات التي دخلت السياسة الإنجليزية في القرن السابع عشر. ومن أمثلة 
ذلك؛ أن وفّع ١6‏ ألف مواطن في لندن في بداية الحرب الأهلية على التماس 
«الأصل والفرع» في العام هزر ضمت التماسات لاحقة مايناهز 
“٠‏ ألف توقيع: وقيل إن عدد التوقيعات وصل ملايين في القرن التاسع عشر. 
أوائكل العصر الحديث كانت النقوش المرسومة والمنقوشة تمثل شكلا مميزا من 
أشكال الاتصالء وكانت النقوش التي توضع على شواهد الأضرحة وأنصاب 
الكنائس تختار بعناية؛ وكان الزوار الأجانب يقرأونها بترو واهتمام. وهي 
الممارسات التى كانت ميسرة قيل القرن الثامن عشر عندما كانت معظم هذه 
النقوش تكتب باللاتينية. إن تاريخ الاتصال لا يمكنه تجاهل الوسيط اللغوي 
الذي من خلاله ‏ كان الاتصال يحدث. 


لغات الاتصال 

إن نشأة مجتمع الطباعة غالبا ما تصحبها نشأة اللغات الوطنية في 
الحالة الأوروبية» في مقابل مجتمع ما قبل الطباعة في القرون الوسطى, 
الذي كانت اللفة اللاتينية تهيمن فيه على الاتصال المكتوب: في حين كان 
الاتصال الشفهي يجري عبر اللهجات المحلية. على أن التوظيف المتزايد 
للهجات العامية في أغراض القراءة والكتابة صوحب بتقنين هذه 
اللهجات وتشفيرهاء؛ وهي العملية التي دعمتها الطباعة. وعادة ما تذكر 
ترجمة مارتن لوثر للكتاب المقدس إلى الألمانية بوصفها مثالا لهذا 
الاتجاه الجديدء وهو مثال مهم في ذاته. وأيضا نموذجا لترجمات أخرى 
مثل الكتاب المقدس لتندال والكتاب المقدس التشيكي لفترة ١6514١6018‏ 
(الكتاب المقدس لكراليس) والكتاب المقدس الإنجليزي لمام ١11١‏ 
(النسخة المعتمدة). 

ومن ذلك أن دانتي وتشوسر كتبا قصائدهما بالإيطالية والإنجليزية. وحتى 
بترارك. على رغم اهتمامه باللاتينية. فقد وظف الإيطالية في شعره 
الاستبطاني ومدائحه في لوراء مصدر وحيه. وخارج إيطاليا كان الفرنسي 
جوشيم دو بيلاي (1077 - )1١‏ والألماني مارتن أوبيتز ( 1091 )١779‏ من 
بين الكتاب الذين تغنوا باللهجات المحلية بصفتها وسيطا للشعر. 





التاريخ الاجتماعي للوسائط 


وفي مجال السياسة هناك تاريخ غالبا ما يرجع إليه وهو العام ٠68‏ 
العام الذي أمر فيه الملك فرنسيس الأول ملك فرنسا ‏ بأن تكتب الوثائق 
القانونية باللغة الفرنسية بدلا من اللاتينية التقليدية. وشي المجال الأكاديمي, 
كان الطبيب الألماني تيوفراستوس فون هوهينهيم المعروف باسم باراسيلوسس 
(؟قغ )١1081-١‏ أول من انحرف عن التقاليد بالتدريس والمحاضرة باللهجة 
المحلية في جامعة بازل؛ على رغم أن معظم زملائه قاوموا هذا التجديد. ومع 
ذلك ضفي القرن الثامن عشر فقط؛ وليس قبله؛ كان من الممكن سماع الألمانية 
أو الإنجليزية أو الإيطالية بانتظام في حجرات الدراسة في الجامعات. وضي 
هذه الفترة نفسها تقريبا: حلت اللغة الفرنسية محل اللاتينية باعتبارها اللغة 
الرئيسية للديبلوماسية الدولية. 

ومع ذلك. وكما يوحي المثالان الأخيرانء فإن انتهاء اللاتينية لا يمكن رده 
إلى فترة مبكرة. فالترجمات من اللهجات المحلية إلى اللاتينية كانت شائعة: 
وبخاصة الترجمات من الإيطالية والفرنسية لجمهور شمال أوروياء فما 
لا يقل عن 4٠١‏ من هذه الترجمات تمت في الفترة بين أواخر القرن 
الخامس عشر وأواخر القرن الثامن عشر. وبلغت ذروتها في النصف الأول 
من القرن السابع عشر. وما مقالات فرانسيس بيكون؛ وفلسفة جون لوك. 
والكيمياتي الشكوكي وغيرهاء وما أعمال روبرت بويل: وبصريات نيوتن. 
حتى «الجنة المفقودة» لميلتون, و«رثاء في فناء كنيسة ريفية» لغراي. وهي 
جميعها أمثلة إنجليزية. سوى أشهر الأمثلة لما كان متداولا في كل أنحاء 
أوروبا باللغة اللاتينية؛ إذ لم تكن اللغة الإنجليزية معروفة جيدا خارج 
بريطانيا حتى النصف الثاني من القرن الثامن عشر. 


ا#تصال البصرى 

كانت لغة الإيماءات: التي كانت موضع اهتمام في أورويا في أوائل 
العصر الحديثء؛ تدرس في المدارس كجزء من علم البلاغة: وكانت 
موضوعا لعدد من البحوث بداية من «ظن الإيماءات» (1717) للقاضي 
الإيطالي جيوفاني بونيفاسيو إلى «شيرولوغيا» للطبيب الإنجليزي جون 
بولورء وقد كانت هذه البحوث تهتم ب «البلاغة اليدوية», أي «اللفة 
الطبيعية للأيدي». 





















































ثورة الطباعة في السياق 


وفيما يتعلق بالاتصال البصري بالمعنى الأوسع.؛ لم يتعلم إنسانيو النهضة 
إلا القليل من الناقد الفرنسي رولان بارت (1980-1510) حول ما أسماه 
«بلاغة الصور»». وربما كان بارت أول من فطن إلى ذلك.؛ حيث حلل الإعلانات 
الحديثة بمساعدة «بلاغة» أرسطو. 

إن ما يعرف عموماء إلى حد ما بشكل ينطوي على مفارقة تاريخية؛ 
ب «الأعمال الفنية» لعصر النهضة؛ وبصرف النظر عن تجديداتها الملحوظة في 
الأسلوب: يجب النظر إليها باعتبارها صورا دينية؛ أو حتى ما يسميه علماء 
الاجتماع «أحداثا اتصالية». فمثلا لوحة «عقاب كورام» للرسام الفلورنسي 
ساندرو بوتشيلي )1١1١-١4140(‏ الموجودة في كنيسة «سيستين» فني روما تصور 
الكرة الأرضية تنفتح لتبتلع إنسانا تجرأ وتمرد على سلطة موسى. وهذه اللوحة 
الجصية: التي كلفه بها البابا سيكستس الرابع في أواخر القرن الخامس عشرء 
الوقت الذي ثار فيه الحديث عن عقد مجلس الكنيسة للحد من سلطة الباباء 
تحمل رسالة قوية مؤداها أن البابا هو موسى الجديد وأن العصيان لن ينجح. 
وحتى اللوحات الدينية الشهيرة لعصر النهضة مثل «يوم الحساب» لمايكل انغلو أو 
«القديس مارك ينقذ عبدأ» لتينتوريتو (الشكل ") لا تشذ عن ذلك؛ على رغم أن 
ثلاثية الأبعاد الجديدة فيها ريما جعلتها أكثر فعالية كاتصال ديني؛ حيث كان 
استخدام الصور في إثارة مشاعر المشاهدين من الأشياء المعروفة آنذاك. 

أما اللوحات غير الدينية؛ التي أصبحت مرتبطة برسامين فرديين بداية 
من حوالي العام ١٠٠١‏ فصاعداء فكائت تنقل رسائل متنوعة لجماهير 
أصغر. ضفي حين كان عدد كبير من اللوحات الدينية يعرض في الكنائس؛ 
حيث يمكن لأي شخص أن يراهاء كانت معظم اللوحات غير الدينية التي 
تعود إلى عصر التنوير يشتريها أفراد خاصون لتعلق في منازلهم. فمثلا 
لوحة «الربيع» لبوتشيليء التي اكتسبت اليوم شهرة بفضل المعارض الفنية 
والنسخ: كانت في عصر التتوير مجهولة لمعظم الناسء؛ إذ كانت حبيسة 
الجدران داخل فيلا خاصة. 

وعموماء كانت كل من الأعمال الفنية الدينية وغير الدينية تصنع بناء على 
طلب زبائن معينين ووفقا لمواصفاتهم: التي كانت في بعض الأحيان دفيقة 
للغاية. كما توضح العقود الباقية من هذا النوع. والأعمال الأدبية أيضا كانت 
تكتب في الغالب لرعاة محددين وتهدى لهم. وفي أوائل العصر الحديث 











التاريخ الاجتماعي للوسائط 


(القرن السادس عشر في هولندا والثامن عشر في فرنسا وإنجلترا) فقط بدأ 
الفنانون والكتاب العمل من أجل السوقء بمعنى أن ينتجوا أعمالهم أولاء ثه 


الصور المطبوعة 

اقترنت نشأة السوق بظهور الصور التي كانت تنسخ ميكانيكياء وبخاصة 
«الصور المطبوعة», وهو مصطلح عام يضم الصور المطبوعة سواء أكان 
الوسيط المستخدم في صنعها قالبا خشبيا أم لوحا نحاسيا أم حديدياء وسواء 
أكانت الصورة منقوشة على لوح أم منحوتة بفعل الأحماض (كما في حالة 
حفر الكليشهات). 

. يعود أول مطبوع خشبي إلى أواخر القرن الرابع عشر, ويحتمل أنه كان 
مستلهما من طبع الأشكال على النسيج. حقيقة كانت تنتج بالفعل مجموعات 
من المطيوعات الخشبية لصور تمثل مناظر دينية قبل جيل كامل من إنتاج 
غتنبرغ للكتاب المقدس. وقد تطور حفر الكليشهات في القرنين السادس عشر 
والسابع عشر (أشهرها كليشهات «ريمبراندت»). وهذه الطريقة: التي تقوم على 
تغطية لوح معدني بطبقة شمعية ترسم عليها الخطوط ثم يغمر اللوح ضي 
الحمض. تتميز بإمكان تنويع درجات اللون من خلال غمر اللوح في الحمض 
أكثر من مرة وإضافة خطوط جديدة, بحيث تصبح الخطوط القديمة أكثر 
عمقا وسوادا. وفي القرن الثامن عشرء جاء اختراع النقش التظليلي باستخدام 
ثقوب بالغة الصغر ذات أعماق مختلفة كبديل عن الخطوط على الألواح ليحقق 
مزيدا من التدرجات البارعة؛ ويمكن من إنتاج نسخ واقعية بالأبيض والأسود 
من اللوحات الزيتية. وفي العام 7 اخترع أليوز سينيفيلدر (١لال١١ ‏ 14514) 
الطباعة الحجرية. وهذا الوسيط الجديد الذي كان ينتج بالرسم بأقلام زيتية 
على حجر. مكن لأول مرة من إنتاج صور ملونة رخيصة. 

كان ظهور الصوز المطبوعة أكثر التفيرات عمقا في الاتصال البصري عبر 
هذه الفترة على طولهاء إذ يسرت إتاحة الصور على نطاق أوسع من ذي قبل. 
وسرعان ما اجتذب صنع الصور المطبوعة فنانين بارزين من فناني عصر 
النهضة من أمثال بوتشيللي؛ الذي أنتج سلسلة من الرسوم التوضيحية 
«للكوميديا الإلهية» لدانتي على قوالب خشبية. 





ثورة الطباعة في السياقا 


كانت الصور المطبوعة رخيصة نسبيا في إنتاجها ونقلهاء وهو ما مكن 
مصمميها من الوصول إلى أعداد أكبر من الناس بسرعة أكبر. ومن المحتمل 
في هذا الصددء أن صور العالم الجديد التي لا تنسى والنابضة بالحياة لم 
تتشكل عن طريق كلمات كريستوفر كولمبس أو من تبعه من المكتشفين: بقدر ما 
تشكلت عن طريق الصور المطبوعة على كليشهات خشبية لهنود يرتدون 
أغطية رأس مكسوة بالريش يطبخون ويأكلون لحوم البشر. وقد ساعدت 
صور القديسينء التي كانت توزع في أعيادهم الدينية. على تشجيع التقوى بين 
العامة» وبالمثل عملت صور ممائلة للوثر على نشر أفكار مصلحي الكنيسة في 
عشرينيات القرن السادس عشر. كما نسخت لوحات ليوناردو ورافييل ومايكل 
أنفلو في شكل لوحات خشبية ونقوش. وهو ما ساعد في تقديمها لجمهور 
أوسع. مثلما حدث للوحات روبنز في القرن السابع عشر. وقد ساعدت 
الصور المطبوعة أيضا على نشر صور أوروبية غربية بين ثقافات أخرى. حيث 
استخدمت نماذج لرسامي الصور الدينية في العالم الأرثوذكسي الروسي 
بداية من منتصف القرن السابع عشرء وقد أثرت هذه الصور في أساليب 
التصوير في ثقافات أبعد ما تكون عن الثقافات الفربية مثل فارس والهند 
والصين والمكسيك وبيرو. 
فضلا عن ذلك تدعم الوعي السياسي الشعبي ‏ وهو ما سنعرض له 
بمزيد من التفصيل في الفصل التالي ‏ عن طريق نشر الصور الساخرة؛ 
وبخاصة في إنجلترا القرنين السابع عشر والثامن عشر وفرنسا الثورية. 
ومن المعروف أن بعض هذه الصور كانت تحقق مبيعات عالية: ومن أمثلتها 
الصورة المطبوعة التي تمجد إلفاء قانون الطابع في العام ١756‏ الذي 
اعترضت عليه المستعمرات الأمريكية بقوة» إذ بيع منها ٠٠٠١‏ نسخة؛ ثمن 
الواحدة منها شيلينغ؛. خلال فترة لا تتجاوز أربعة أيام؛ ويقال إن ١١‏ ألف 
نسخة أخرى منها بيعت بشكل غير فانوني (الشكل 0). وفي غضون هذه 
الفترة تغيرت تقاليد التصويرء حيث استبدل بالصور المطبوعة المجازية. مثل 
«الجنازة المزيفة». الكاريكاتير السياسي الأكثر مباشرية لفنانين من أمثال 
سير روبرت ولبول أو تشارلز جيمس فوكس. أو أمير ويلز الذي كان الهدف 
الرئيسي للفنان جيمس غيلري في العقد التاسع من القرن الثامن عشر قبل 
أن يتحول إلى نقد الثورة الفرنسية. 
ل 





التاريخ الاجتماعي للوسائط 


سمس صمح ] و إع دروي إل بور 
«الت عق عبد مدهل عه بوم وترمجاق ميج وا 





الشكل (0) الإلغاء أو الموكب الجنائزي للآنسة «قانون الطباعة» ١0‏ 


وفي عالم الدراسة, نجد أن المناقشات الشاملة لأهمية الصورة المطبوعة 
بوصفها وسيط اتصالء توازي البحوث المفصلة للنصوص المطبوعة. إذ 
انشغل متخصصو الببليوغرافيا في القرنين التاسع عشر والعشرين بالمظهر, 
أي تحديد تاريخ طباعة الكتب؛ ونظر مؤرخو الفن إلى الصور المطبوعة. 
بطريقة مماثلة. كان من المفترض أن تهتم مجموعتا الدارسين هاتان بعملية 
النسخ وعدد النسخ المتداولة؛ ولكن ذلك لم يحدث كثيرا. وكما يرى الناقد 
الماركسي الألماني ولتر بنيامين ))١19١-1855(‏ فإن الأعمال الفنية غيرت من 
أسلوبها بعد الثورة الصناعية؛ «إن ما انزوى في عصر النسخ الميكانيكي هو 
عبير العمل الفني», فالماكينة «تضع عديدا من النسخ محل ذلك الوجود 
المتفرد». وهي بذلك أحدثت تحولا من «قيمة الصورة كمبادة» إلى «قيمتها 
في العرض». ومسألة ما إذا كان شذى الصورة يضيع بنسخها تعد فرضية 
يصعب اختبارهاء حتى أنه يمكن القول بأن الألفة بالنسخ تزيد من الرغبة 
في رؤية الأصلء وليس إشباع هذه الرغبة. 







































































ثورة الطباعة في السياق 


كان بنيامين في ذلك يفكر في وسائط القرن التاسع عشر كالطباعة 
الحجرية والتصوير الفوتوغرافيء لكن وليام إيفنز الابن :)١1911-14/١(‏ 
أمين الصور المطبوعة بمتحف الفن المطراني» ساق الحجج على أهمية 
صور القرن السادس عشر المطبوعة باعتبارها «عروضا مصورة يمكن 
تكرارها بالضبطء. وأكد إيفنز أن الصور المطبوعة كانت «من بين أهم 
وأقوى أدوات الحياة والفكر». وأوضح أن اليونانيين القدماء؛. على سبيل 
المثال» توقفوا عن تزويد البحوث النباتية بالرسوم التوضيحية بسبب 
استحالة إنتاج صور متماثلة من النبات نفسه في النسخ المختلفة من 
الأعمال نفسها المخطوطة باليد. وفي مقابل ذلك. أصبحت كتب الأعشاب 
بداية من أواخر القرن الخامس عشر تزود بانتظام بالرسوم التوضيحية 
باستخدام القوالب الخشبية. 

إن الخرائطء التي بدأت تطبع العام 1477: تعد مثالا آخر للطريقة التي 
من خلالها عملت إمكانية التكرار التي صاحبت المطبعة على تسهيل توصيل 
المعلومات عن طريق الصور. ويمعنى أكثر ليبرالية من ذلك الذي قصده دفيد 
أولسونء؛ قدمت الخرائط للقراء «العالم على ورق». وسهلت عن ذي قبل 
للمجموعات المسلحة بهذه الوثائق أن تسيطر على أجزاء من الكرة الأرضية, 
سواء أكانت هذه السيطرة عسكرية أم سياسية أم اقتصادية أم أيديولوجية. 
وقد شجع الرؤساء والحكومات والتجار والمبشرون على صنع خرائط 
مخطوطة باليد للعالم أبعد من أوروباء وكانوا في الغالب يودون الاحتفاظ 
بهذه المعلومات لأنفسهم, ولكنها تسربت بالتدريج إلى عالم الطباعة وبالتالي 
إلى الميدان العام. 

أما انتقال الخريطة ثنائية الأبعاد إلى الكرة الجغرافية ثلاثية الأبعاد ‏ 
أقدم مثال باق لها هو كرة مارتن بيهيم التي تعود إلى عام ١447‏ فقد سهل 
التفكير في الكرة الأرضية ككل. وعندما جمعت الخرائط في أطالسء بدءا 
من «مسرح العالم» لأبراهام أورتيليس (الذي نشر لأول مرة في «أنتويرب» 
العام ,)١51١‏ سمحت هذه الأطالس للمشاهدين برؤية العالم ككل وبالتفصيل. 
وعلى رغم أن غاية العالمية تعود بعيدا إلى الفلاسفة الرواقيين في عهد 
الإمبراطورية الرومانية؛ فإن انتشار هذه الكرات الجغرافية والخرائط 
المطبوعة شجع ‏ بالتاكيد ‏ على الوعي العالمي. 





التاريخ الاجتماعي للوسائط 


ثمة تطور آخر يعود إلى هذه الفترة وهو السلاسل القصصية أو القصص 
المصورة؛ وهي سلف السلاسل الهزلية في القرن العشرين. فالقصص 
البصرية التي فيها يقرأ المشاهد الأحداث ‏ عادة من اليسار إلى اليمين ومن 
أعلى إلى أسفل ‏ كانت معروفة بالفعل في العصور الوسطىء؛ لكن أهميتها 
ازدادت مع نشأة القوالب الخشبية في عصر النهضة. كانت المطبوعات 
الخشبية للمسلسلات الطويلة تنتج لتسجيل أحداث مثل المواكب التي كانت 
تجوب الشوارع. وهذه المسلسلات, وهي النظير المطبوع لدواليب الخطوط 
الزخرفية التي كانت سائدة في العصور الوسطىء كانت تعطي المشاهدين 
انطباعا بمشاهدة الموكب وهو يمر. لكن «الصور المتحركة» الحقيقية لأوائل 
العصر الحديث كانت هي المواكب ذاتها . 


الاتصال عبر الوسافط المتعددة 

ربما كان أكثر أشكال الاتصال فاعلية في ذلك الوقت ‏ كما هو اليوم - 
تلك الأشكال التي تخاطب العين والأذن ضي الوقت نفسه. وتجمع الرسائل 
اللفظية وغير اللفظية. موسيقية كانت أو بصرية:؛ بداية من طبول وأبواق 
الاستعراضات العسكرية إلى آلات الكمان المصاحبة للحفلات غير الخلوية. 
وضي أوروبا أوائل العصر الحديث,؛ كانت هذه الأشكال تضم الطقوس 
والعروض المسرحية والمسرحيات وعروض الباليه والأوبرا. 

كانت الطقوس رسائلء لكنها كانت أكثرء وفي الوقت نفسه أقلء من 
مجرد طريقة لتوصيل المعلومات: إذ كانت أقل من أن تكون طريقة لتوصيل 
المعلومات. لأنه ليس من المؤكد أن يستوعب غالبية المشاهدين قدرا كبيرا 
من المعلومات المتضمنة فيهاء إما لفشل المشاهدين في فهم التلميحات إلى 
التاريخ القديم أو الميثولوجيا الكلاسيكية:, وإما لأنهم لم يكونوا في موقف 
يسمح لهم برؤية ما يحدث. وفي مقابل ذلك؛ كانت الطقوس أكثر من 
مجرد طريقة لتوصيل ال معلومات من حيث إنها خلقت التكافل: سواء بين 
الكاهن وجماعة المصلين أو بين الحاكم ورعاياه أو بين أعضاء نقابة أو 
اتحاد يسيرون معا في مسيرة. ومن الضروري أن نضيف إلى ذلكء أنه كان 
من الاعتقادات الشائعة في ذلك الوقت أن الطقوس وسيلة إلى إحداث 
تغييرات في العالمء. ومن ذلك أن تحول رسامة خبز القربان المقدس فضي 



































ثورة الطباعة في السياق 


الطقس إلى جسم ودم المسيح: في حين أن طقس التتويج حول الشخص 
إلى ملك. وكان من المعتقد أن اللمسة من ملوك فرنسا وإنجلترا تشفي 
المرضى؛: وبخاصة أولئك الذين كانوا يعانون المرض الجلدي المعروف باسم 
داء الملك 7*): وقد كان هؤلاء المرضى يتوافدون على القصور الملكية بالآلاف 
في أيام معينة من السنة. 

إن كلمة «طقس» ليست دائما الكلمة المثلى لوصف كثير من أحداث هذه 
الوسائط المتعددة؛ وقد يكون من الأفضل أن نتبع استخدام القرن السابع 
عشر ونصف بعضها على الأقل بأنها عروضء والشكل الرئيسي للعروض 
العامة في ذلك الوقت كان المواكب (التي كانت دينية بوجه عام وأحيانا 
دنيوية كما في حالة الدخول الملكي إلى المدن). كما يمكن اعتبار مباريات 
المبارزة في العصور الوسطى من أشكال العروض الخلوية. ومن الطقوس 
التي ظلت مهمة في هذه الفترة ‏ من دون أن يكون فيها شيء «صوري» - 
عمليات الإعدام التي كانت من الأشكال الشائعة للمروض في ذلك الوقت. 
وكانت عمليات الإعدام هذه تجري على الملا عن عمد وذلك للتأثير في 
المشاهدين. وتوصيل رسالئة مؤّداها أن محاولة مقاومة السلطات شيء 
ميئوس منه. وأن الأشرار سيؤولون حتما إلى نهاية سيئة. ثمة نوع آخر من 
العروض يمكن وصفه بمسرح الحياة اليومية للحاكم: الذي كان غالبا ما 
يتناول وجباته على الملأء بل وريما أيضا حول استيقاظه في الصباح وذهابه 
إلى النوم ليلا إلى طقوسء كما فِي الحالة الشهيرة للويس الرابع عشر ملك 
فرنسا (حكم من ”174 - .)١17١0‏ وكذلك الملكة إليزابيث الأولى ‏ التي 
أعلنت أن الأمراء «منصبّون على خشبة مسرح» ‏ التي كانت ماهرة في 
استغلال هذا الموقف لأغراض سياسية؛ إذ حولت نفسها إلى إلهة أو 
أسطورة لا تقل تأثيرا عن إيفا بيرون في نظام وسائط منتصف القرن 
العشرين المختلف تماما. 

تكشف هذه الأمثلة عن أن دارسي الوسائط عليهم أن يضعوا ادعاء روجر 
غيرارد شوارتزنبرغ أن نشأة «دولة العرض» و«نظام النجم» في السياسة كانت 
ناتجة عن ظهور التلفزيون: أو تأكيد غاي ديبورد أن مجتمع القرن العشرين 
«مجتمع العرض» «تتحدث فيه الطبقة الحاكمة بلا نهاية عن نفسها في 


(*) سل الغدد اللمفاوية وبخاصة العنق. [المترجم]. 1 











التاريخ الاجتماعي للوسائط 


مونولوج من ثناء ‏ لا يقاطع ‏ على الذات»؛ أن يضعوها في منظور تاريخي. 
فريما يكون التليفزيون مسؤولا عن إحياء المسرح السياسيء ومن المؤكد أنه 
أعطى هذا المسرح أشكالا جديدة زمن خلال تمكين عدد كبير من الناس من 
مشاهدة القادة السياسيين في لقطة مأخوذة عن قرب). لكن المسرحة العامة 
وشخصنة السياسة؛ مثلهما مثل مونولوج مديح الذات الرسميء تعودان إلى 
أزمان بعيدة. 

يعتبر المهرجان الفلورنسي للقديس حنا المعمدان في أواخر القرن الخامس 
عشر ذا أهمية خاصة كدراسة حالة للعروض باعتبارها من أشكال الاتصال؛ 
وذلك لأنه كان احتفالا بشراء فلورنسا وقوتها؛ وبخاصة حكومتها. كانت 
فلورنسا مدينة كبيرة في هذه الفترة يقطنها حوالي +١‏ ألف نسمة: وكانت 
أيضا دولة ‏ مدينة سيطرت على جزء كبير من توسكانياء والقديس 
حنا المعمدان كان النصير والحامي الرئيسي للمدينة؛ ولذلك كان عيده ضي 
4 يونيو مناسبة ذات روعة خاصة. ومن الأحداث المهرجانية الرئيسية في 
هذا المهرجان المسيرة من الكاتدرائية إلى نهر أرئو والعودة. وهي مسيرة كان 
يشارك فيها النساك والرهيان ورجال الدين العلمانيون وغلمان الكورس 
والجمعيات الخيرية الدينية. كان هؤلاء جميعا يمشون عبر شوارع مزدانة ' 
بالأقمشة الغالية ومليئة بالمشاهدين تصحيهم الموسيقى حاملين الآثار المقدسة 
للقديسء وتتبعهم العريات ذات المنصات تعرض مشاهد دينية مثل ميلاد 
القديس حنا وتعميده للمسيح. 

تضمن الجرء الدنيوي من الاحتفالات في فلورنسا عرض بضائع الترف 
التي كان ينتجها حرفيو المدينة» ومن أبرزها الأقمشة والحلي والأشغال 
الذهبية التي كانت تعرض خارج الورشء وكانت تعرض كذلك في سباق 
لا يختلف عن السباق الذي مازال يحدث في سينا مرتين في العام ترتدي 
فيه الخيول والفرسان ملابس ملونة. كان الجانب المدني من المهرجان يتميز 
بمأدبة العمدة أو نائب الملك بمشاركة حراس المدينة المختلفين. ووصول 
ومغادرة وفود المدن التوسكانية: التي كانت خاضعة لفلورنساء ومنها بيزا 
وأريزو وبيستويا وفولتيرا وكارتونا لتقديم الولاء للقديس وبالتالي للمدينة التي 
كان يحميها. ومن هنا يمكن وصف هذه الطقوس بأنها تعبير عن الهوية 
الجماعية للفلورنسيين. 







































































ثورة الطباعة في السياق 


تغير أسلوب الطقس الأوروبي في القرنين السادس عشر والسابع عشر. 
ومن بين هذه التغيرات هناك اثتان يستحقان اهتماما خاصا: إعادة بناء 
الطقوس وكق خطوط رومانئية قديمة. ونشأة المسرح الذي بلغ دروته مع 
واحد من أشهر «الشعارات» التي صاحبت الاتصالات وهو «العالم كله خشية 
النهضة الطابع الكلاسيكي على الطقوس. كما في حالة المعركة البحرية 
فلورنساء الذي كان يملا بالماء من أجل هذه المناسبة. وفي عدد من المدن 
الأخرى ‏ المبعثرة الآن في دول مختلفة - قدمت نسخ متواترة من هذا المشهد 
الرومان القدماء. كان الأمير يركب عرية تجرها الخيول؛ ويمر خلال أقواس 
النصر وبصحبته شخصيات تمثل الشهرة والنصر والعدل. ومن الأمثلة 
الشهيرة لذلك دخول الإمبراطور تشارلز الخامس إلى بولونيا لتتويجه العام 
ودخول الملك هنري الثاني إلى روين العام ,» ودخول الملك 
تشارلز التاسع إلى باريس العام 7١‏ وقد أصيبحت هذه الممارسة واسعة 
الانتشار ولم تعد مقتصرة على الأمراء. ضفي لندن القرن السابع عشر مر 
توليته. وهو ما أصبح عرضا سنويا. 

إلى أي مدى كانت هذه العروض مفهومة من جانب ال مشاهدين؟ من أجل 
مساعدة المشاهدين في فهم ما كان يحدث في وقت العرض» كان من 
فقصاصات مكتوية بشخصيات معينة: وهو الإجراء الذي سخر منه الكاتب 
جمهور العامة. ومن أمثلته الساخرة في ذلك «هذا كلب» و«هذا أرنب». كما 
كانت هذه العروض توصف عادة في كتب مطبوعة ومزودة بالرسوم 
التوضيحية توزع في يوم المهرجان ذاته؛ أو بعد مروره بفترة قصيرة. بحيث 
يعرف المشاهدون: أو على الأقل بعضهم. ما يمكن توقعه. وكيف يفهمون ما 
شاهدوه.: أو يكتشفون معناه. 














التاريخ الاجتماعي للوسائط 


ما الرسائل التي كانت متضمنة في هذه الطقوسء ومن كان يوصلهاء 
ولمن؟ الإجابة الواضحة في حالة زيارات الدولة إلى المدن هي أن تظهر 
المدينة ولاءها للأميرء وهذه الإجابة ليست خاطثة:؛ ولكنها غير كاملة. 
فالاتصال كان عملية ثنائية الاتجاه. أي أنها كانت تتخذ شكلا من أشكال 
الحوارء بمعنى أن الأمراء أيضا كانوا يظهرون نيتهم الحسنة تجاه رعاياهم 
في الوقت نفسه الذي يتلقون فيه تهليل الجماهير. وعلاوة على ذلك: كانت 
الطقوس في بعض الأحيان تؤدى لأمراء أجانب. ومعهم يصبح التعبير عن 
الولاء غير ملائكم. ومن أمثلة ذلك أن بولونيا كانت جزءا من ولايات 
الكنيسة عندما استقبات الملك تشارلز الخامس العام 1079: وكانت 
فينيسيا جمهورية مستقلة عندما قام هنري الثالث ملك فرنسا بزيارة 
رسمية لها العام 10174: وأخيرا كانت المدن في بعض الحالات تستخدم 
الطقوس لإرسال نوع آخر من الرسائل إلى الأميرء أبعد ما تكون عن المديح 
أو الالتماس. فعندما دخل تشارلز الخامس بروجز العام ١0١6‏ أثارت 
المواكب مسألة الانهيار الاقتصادي الذي حل بالمدينة نتيجة نقل مركز 
التجارة الذي كان بها إلى ميناء أنتويرب: ولذا كان من بين المشاهد التي 
شاهدها تشارلز مشهد عجلة الحظ وبروجز فى قاعهاء وكانت الرسالة 
واضحة؛ أي مناشدة الأمير لإعادة رخاء المدينة المفقود . 

كانت المهرجانات الكبيرة الوقت التقليدي لعرض المسرحيات. كالمسرحيات 
الدينية في عيد القربان والمسرحيات غير الدينية أثناء عيد الرفعء؛ وهذه 
العروض عادة ما كانت تحدث إما في الشوارع أو القصور الملكية أو في المنازل 
الخاصة. وقد حدث تطور رئيسي جديد بداية من أواخر القرن المسادس 
عشرء تمثل في نشأة المسرح العام في لندن ومدريد وياريس وأماكن أخرى. 
حيث بدأ في تمثيل المسرحيات من جانب ممثلين محترفين في الحانات أو ضفي 
المسارح التي أعدت خصيصا لهذا الفرضء مثل مسرح أوتيل دي بورني في 
باريس )١15048(‏ أو الممسرح )١0116(‏ أو غلوب )١1018(‏ بلندن: وكانت هذه 
الأماكن تفتح أبوابها للجميع بمقابل زهيدء فكان دخول مسرح شكسبير بلندن 
يتكلف بنسا واحداء وهو ثمن كان في متناول صبيان المهن: وبالتالي التجار 
وأصحاب الثروة. وقد بدأت الأوبرا التجارية بعد ذلك في فينيسياء حيث 
افتتح أول مسرح العام 15317 . ا 





ثورة الطباعة في السياقا 


إن نشأة المسرح التجاري في الوقت نفسه تقريبا في دول مختلفة توحي 
بأن من العوامل الأساسية في تطوره ‏ بعيدا عن تقليد نماذج أجنبية جديدة ‏ 
كانت زيادة سكان المدن فوق عتبة الماكة ألف نسمةمإذ مع وجود جمهور بهذا 
التجوال عبر المدن المختلفة بحثا عن مشاهدين جدد. كما أصبح بمقدورهم 
عرض المسرحية نفسها لمشاهدين مختلفين ليلة بعد أخرى أو وهذا هو 
الغالب ‏ عرض المسرحيتين أو الثلاثة نفسها على مدى أسابيع قليلة. 


التفاعل بين الوسائط 

ليست أحداث الوسائط المتعددة هي الأمثلة الوحيدة للتفاعل بين وسائل 
الاتصالء أو التداخل بين الوسائط الذي يعود إلى هذه الفترة. ثمة نوع آخر 
يسمى النص المصورء وهو صورة تعتمد في تفسيرها على نصوص مدمجة 
فيها كأسماء القديسين مثلاء أو كتابة الكلام الخارج من فم الشخصية: أو 
تعليقات على الصور أعلى أو أسفل الصفحة. فمثلا كانت صور وليام هوغارت 
المطبوعة مثل «جين لين» أو «رحلة البغي» أو «الصبي الكادح» تعتمد في 
شرحها على مواد نصية تكتب في أركان الصورة. وقد طلب من هوغارت 
كذلك أن ينتج لوحات توضح مشاهد من مسرحية موسيقية حققت نجاحا 
باهرا في ذلك الوقت؛ «أوبرا الشحاذ» لجون غاي. 

ثمة نوع آخر من التفاعل تمثل في وظيفة المخطوطات في أورويا أوائل العصر 
الحديث. فمن الموضوعات المتواترة في التاريخ الثقافي أنه عندما يظهر نوع أو 
وسيط جديد [الطباعة في الحالة التي نحن بصددها]. فإن الأنواع أو الوسائط 
القديمة لا تختفي كلية, إذ يتعايش القديم والجديد ‏ كالسينما والتلفزيون مثلا - 
ويتنافسان إلى أن يحدث نوع من تقسيم العمل بينهما. ومن أمثلة ذلك استمرار 
استخدام المخطوطات لأغراض الاتصال الشخصي كالخطابات الأسرية أو التجارية. 
ومع ذلك. فمن الجدير بالملاحظة أن الخطابات المخطوطة تأثرت هي أيضا 
بالطباعة في هذه الفترة. وذلك من خلال الأبحاث الكثيرة عن فن كتابة الخطابات 
التي نشرت بأعداد كبيرة في إيطاليا وبعض الأماكن الأخرى بداية من القرن 
السادس عشر. فقد قدمت هذه البحوث المطبوعة نماذج مفيدة لخطابات التهنئة أو 
التعزية أو الخطابات الغرامية أو خطابات الاعتذار أو خطابات طلب المال. 












































التاريخ الاجتماعي للوسائط 


إن ما يحتاج حقا إلى بحث مطول هنا هو بقاء المخطوطات في أوروبا أوائل 
العصر الحديث كوسيلة رئيسية للتداول العام للرسائل. ومن الدقة أن نقول إن 
المخطوطات ظلت تستخدم لنقل الرسائل بطريقة شبه عامة. وضي روسيا ظل 
الأدب غير الديني حتى وقت متأخر ‏ تحديدا العام ١7٠١‏ يجري تداوله في 
شكل مخطوطات وشفهياء وذلك لآن المطابع القليلة الموجودة آنذاك كانت في 
الأديرة وتستخدم لإنتاج الكتب الدينية. وحتى في أوروبا الغربية التي كانت مليئة 
بالمطابع» كما رأيناء استمر التداول عبر المخطوطات يؤدي وظائف مفيدة. 

في القرنين السادس عشر والسابع عشرء كان الرجال ذوو المكانة الرفيعة 
(وعلى الأخص النساء) لا تروق لهم فكرة نشر الكتب: على أساس أن هذه الكتب 
قد تباع للعامة؛. وهو ما قد يجعل المؤلفين كالتجار. ونتيجة لهذا الحكم المسبق 
كان شعراء الزمرة وغيرهم من الكتاب يفضلون تداول أعمالهم في نسخ 
مخطوطة باليد مع أصدقائهم ومعارفهم. وهذا هو الشكل الذي انتشرت من 
خلاله قصائد السير فيليب سيدني )١1081-١004(‏ - ومنها المتتالية السوينتية ‏ 

في إنجاترا الإليزابيثية. ولهذا السبب أيضا لم تنشر قصائد جون دن في الحب 
التي كتتبت ضي العقد الأخير من القرن السادس عشر إلا في العام 1755, أي 
بعد وفاة مؤلفها بعامين . ومن المحتمل أن دن لم يكن يرغب في نشر قصائد 
الحب لأنه دخل الكنيسة وأصبح واعظا ذا شهرة واسعة. 

إن هذا الشكل من أشكال التداول عبر المخطوطات يختلف عن التداول المطبوع 
في جوانب عدة. فهو أولا كان وسيلة إلى الترابط الاجتماعي بين الأفراد المنخرطين 
فيه الذين كانوا في الغالب مجموعة من الأصدقاء. كما أن جمال الخط في هذه 
المخطوطات كان أحيانا يحولها إلى عمل فني في ذاتها. وإلى جانب ذلك؛ كانت 
النصوص أقل ثباتا وأكثر قابلية للتعديل من النصوص المطبوعة؛ حيث كان 
الناسخون غالبا ما تكون لديهم الحرية في الإضافة أو الحذف من الأبيات التي 
ينسخونهاء أو تغيير الأسماء بغرض تكييف ما هو مكتوب مع مواقفهم الخاصة. 
وبذلك كانت المخطوطات بمنزئة ما نسميه الآن وسيطا «تفاعليا». 

وهناك سبب آخر أهم للتداول عن طريق المخطوطات. هو التهرب من الرقابة 
الدينية والأخلاقية والسياسية. وهو ما يعني وفق مصطلح كان متداولا حتى 
سنوات قليلة مضت:؛ أن المخطوطات كانت الحيلة التي يلجأ إليها للتهرب من 
الرقابة في أوائل العصر الحديث. وهي بذلك كانت تؤدي وظيفة المطبوعات المسماة 





ثورة الطباعة في السياق 


«انشرها أنت بنفسك» التي انتشرت بشكل غير رسمي في الاتحاد السوفييتي 
وبولندا وأماكن أخرى قبل عام 1584 لنقد النظم الشيوعية. ومن أمثلة هذه 
المخطوطات «خطاب إلى الدوقة الكبيرة» لغاليليو غاليلي )1١47  ١047(‏ الذي 
تضمن مناقشة للقضية الحساسة الخاصة بالعلاقة بين الدين والعلم وألذي انتشر 
على نطاق واسع قبل نشره العام 15775, وفضي فرنسا وقرب نهاية حكم لويس 
الرابع عشر (حكم من )١716 ١175١‏ انتشرت مخطوطات كثيرة تنتقد الملك 
وأسرته ووزراءه. ويهذه الطريقة السرية نفسها انتشرت الكتب التي كانت تهاجم 
السيحية. وفي بعض الحالات كانت الكتب المطبوعة تنسخ بغرض توزيعها سرا في 
المناطق التي كان يحظر إنتاجها فيهاء ومن ذلك مثلا أن التجارة في النسخ 
الملخطوطة باليد من الكتب غير القويمة؛ كانت منظمة بشكل جيد في باريس في 
أوائل القرن الثامن عشر. إذ عمد أصحاب هذه التجارة؛ الذين كانوا يبيعون سلعتهم 
بالقرب من المقاهي؛ إلى استئجار نساخ محترفين. وقد انتشر ما يزيد على المائة 
من هذه النصوص بهذه الطريقة في النصف الأول من القرن الثامن عشر. 

ومن بين هذين النوعين من المخطوطات اللذين ذكرناهما جاءت النشرات 
الإخبارية المخطوطة؛ وكانت خطابات أرسلت بنسخ عديدة إلى عدد محدود من 
المشتركين وخاصة بين العامين ١06١‏ و0١114.‏ أي قبل نشأة الصحف بجيل أو 
جيلين. إن مرونة شكل المخطوطة جعل بالإمكان إجراء بعض التغييرات في 
الأخبار التي كانت ترسل إلى المشتركين الفرديين وفقا لاهتماماتهم واحتياجاتهم. 
وعلى رغم أن هذه الخدمة الإخبارية الشخصية لم تكن متاحة إلا للأثرياء: فإنها 
ساعدت على نشر المعلومات التي كانت الحكومات تفضل الاحتفاظ بسريتها. 
ولذلك ظل هناك سوق للنشرات المخطوطة بعد 1160 على الرغم من ظهور 
النشرات الإخبارية المطبوعة. قفي فرنسا مثلاء كان كومت دي ليون مركزا لشبكة 
النشرات المخطوطة في باريس حول العام ١177؛‏ وكان موظفوه يتبعون الجيوش 
الفرنسية في الخارج؛ ويرسلون تقاريرها إلى باريس لمن يساعد في نشرها. 

هناك مثال آخر للتفاعل بين المخطوطات والطباعة يعيدنا إلى الخطابات. 
كان محررو الصحف اليومية على اختلاف أنواعها من صحيفة «معاملات 
المجتمع الملكي» إلى «المشاهد» غالبا ما يحثون قراءهم على مراسلتهم. وكانوا 
يتلقون هذه المراسلات؛: وبعض هذه الخطابات كان يطبع في الصحف. وأثر 
بعضها في موضوعات وآراء الصحف. 


التاريخ الاجتماعي للوسائط 


وكمثال أخير للتفاعل بين الوسائطء يمكننا الرجوع إلى العلاقة بين 
الشفهية والطباعة. إن النصوص المطبوعة غاليا ما كانت تخلف ما أسماه أونغ 
«البقية الشفهية». أي جعل الصياغات اللغوية والتركيبات النحوية أكثر ملاءعمة 
للكلام منها للكتابة؛ وللأذن منها للعين. شالكتب التي كانت تصاغ في شكل 
حواري تلك النوعية التي كانت رائجة في أوائل العصر الحديث: بداية من 
كتاب كاستيغليون «المتودد» (8؟0١)‏ إلى كتاب ديدرو «ابن أخي راميو» (الذي 
كتب في العقد السابع من القرن الثامن عشر ولم ينشر حتى عام :)١187١‏ 
كانت تجد في المجادلات الشفهية في المحاكم والأكاديميات والصالونات زادا 
لها. وكان الوعاظ غالبا ما يستلهمون أفكارهم من النصوص؛ بداية من 
الكتاب المقدس وانتهاء بموجز المواعظ التي كانت متاحة في شكل مطبوع في 
القرن الخامس عشرء ولذلك لم يعد رجال الدين في حاجة إلى قضاء ليالي 
الآحاد يقظين يفكرون فيما سيقولونه للمصلين في اليوم التالي. كما كان 
الوعاظ يرسلون نصوصا لهم إلى الطباعين ‏ أو يقوم آخرون بذلك نيابة عنهم 
- لتكتب بشكل مختزل ثم يحولوها إلى الكتابة العادية بعد ذلك. 

إن استخدامات الكتب المطبوعة في هذه الفترة تكشف أيضا عن التفاعل ‏ 
بين الكلام والطباعة. ومثال ذلك: أن واحدا من أشهر كتب الوعظ في القرن 
السادس عشر وهو «التمارين الروحية» (1084) لمؤسس جماعة اليسوعيين 
اغناطيوس ثويولاء كان دئيلا للتأمل وامتحان الضميرء وهذا الكتاب؛ نتيجة 
لنشره باللاتينية: لم يكن موجها إلى الجمهور الكاثوليكيء بل كان وصايا 
للكهنة أو المرشدين الروحيين الذين يمكنهم بدورهم أن ينقلوا الرسالة إلى 
جمهور المؤمنين عن طريق الكلمة المنطوقة. وبطريقة مشابهة, كانت كتيبات 
التدريبات التي بدأت تظهر في شكل مطبوع في القرنين السابع عشر والثامن 
عشرء موجهة إلى الضباط أو الرقباء وليس إلى صف الجنود . 

في إنجلترا أوائل القرن السابع عشرء كانت القصائد القصصية الغنائية 
المطبوعة تستخدم أحيانا لمساعدة الأداء الشفهيء. فكانت النصوص تلصق 
على جدران الحانات بحيث تساعد الناسء الذين لا يعرفون أو يتذكرون 
كلمات القصيدة:؛ على الغناء مع الآخرين. كانت الثقافة الشفهية في هذه 
الفترة مازالت مملوءة بالحيوية. حيث عبر كثير من الناس من خلالها عن 
الإبداع؛ ومن أمثلة ذلك تأليف قصائد قصصية عن الجيران والأعداء. 





ثورة الطباعة في السياق 


وأحيانا تكون القصائد القصصية المؤلفة في المنزل يمنزلة تحريف لأبيات 
نصوص مطبوعة بطريقة تشبه تدخل كتاب المخطوطات الذين سبق أن أشرنا 
إليهم؛ وكانت عادة ما تغنى على نغمات الأغاني القصصية المتداولة. 

لقد تأثر فن المحادثة: إن لم يكن قد تغير كلية؛ بفعل انتشار الكتب المطوعة 
حول المحادثة. بداية من إيطاليا القرن السادس عشر بكتاب «المتودد» )١0178(‏ 
لكاستيفليون وكتاب 06831360 )١1508(‏ لجيوفانى ديلا كاسا و«المحادثة المدنية» 
(19174) لستيفانوا غوازو. ومرورا بسلسلة الأبحاث الفرنسية والإسبانية والألمانية 
وتأملات سويفت وفيلدنغ ولورد شيسترفيلد حول الموضوع. كانت هذه البحوث 
تقدم للرجال والنساء من الأعمار والجماعات الاجتماعية المختلفة التعليم 
والتوجيه حول: متى يتحدثون؛ ومتى يصمتون., ولمن؛ وعمء وبأي أسلوب يجب أن 
يتحدثوا. إن عدد طبعات هذه البحوث؛ إلى جانب الأجزاء التي وضع القراء 
تحتها خطا لأهميتها وحواشي بعض النسخ الباقية إلى اليوم؛ توحي بأن هذه 
النصائح كانت تؤّخذ مأخذ الجد. بمعنى أن الطباعة أسهمت فيما أسماه مؤلفو 
الأبحعاث تهذيب الكلام؛ وأيضا التمائل المتزايد للكلام: وهي العملية التي دعمت 
أيضا من خلال نشر قواعد اللغات الأوروبية المختلفة. تمثل اللغة بالفعل واحدة 
من المجالات التي توضح: على أفضل نحوء. وجهة نظر إيزينشتين حول 
الارتباطات بين الطباعة والتقنين. 

إن التفاعلات بين الشفهية والطباعة يمكن دراستها بتفصيل أكثر من 
خلال فحص بعض الطبعات الإيطالية؛ مما يسميه الدارسون الإنجليز 
«كتيبات القصص الشعيية». ففحص بعض هده الكتيبات» التي نشرت في 
إيطاليا في أواخر القرن الخامس عشر وأوائل السادس عشرء يكشف الأهمية 
المستمرة لروايات الفرسان الرومانسية: كما كانت الحال في فرنسا بعد ذلك 
بأكثر من قرن. ويكشف دفتر حسابات مدونة به نفقات ورشة طباعة قرب 
فلورنسا بين العامين ١51١1‏ و581١‏ أن حوالي 5٠0١‏ نسخة من إحدى هذه 
الروايات بيعت جملة لرجل وصفه الدفتر بأنه «بيرناردينو الذي يغني على 
منصة». وعلى ذلك يبدو من المعقول القول بأن ما كان يمارسه بيرناردينو هو 
ذلك الذي مازال يمارس في أجزاء نائية من البرازيل وأماكن أخرى من العالم 
الثالث: وهو إلقاء القصيدة وبعد ذلك بيع نسخ مطبوعة منهاء إذ كان الآداء 
شكلا من أشكال التسويق» حيث كان يجذب جمهورا من القراء ويعطيهم 








التاريخ الاجتماعي للوسائط 


الفرصة للتأكد من جودة المنتج. كما كان شراء النصوص يسمح للمستمعين 
بتكرار الأداء لأسرهم وأصدقائهم, أما لو كان الممستمعون أميين؛ فكان من 
الممكن لهم أن يطلبوا من شخص آخر أن يقرأ القصائد لهم أو يلقيها عليهم. 

كانت نصوص أخرى كثيرة؛ نشرت في فلورنسا أو فينيسيا في تلك الفترة؛ 
تفتتح أو تختتم بصيغ تكشف أن المفتي يغني على ملأ من الناس؛ فكانت 
البدايات تطلب العون من الله والانتباه من المشاهدينء ومن أمثلتها «انتبهوا 
إليّ فسوف ألقي عليكم قصيدة جديدة مقفاة». أو «إذا انتبهتم فسوف 
أمتعكم». أو «السادة الأفاضل, سأخبركم قصصا كثيرة تعلمتها ومازلت 
أذكرها». أما صيغ الخاتمة فتعبر عن الأمل في أن يكون المستمعون قد 
استمتعوا بالحكايات: وربما يصاحب ذلك تمرير قبعة ليضع المستمعون فيها 
بعض النقودء ومن أمثلثها «أيها السادة. حكيت هذه القصة على شرفكم, 
ضفكروا في احتياجاتي أيها المستمعون الكرماء». أو «أيتها السيدات الجميلات 
الأنيقات الكريمات؛ أشكركن على حسن انتباهكن لبلاغتي المتواضعة». مثل 
هذه البدايات والخواتم تذكرنا بالقطع ‏ الشعرية في الغالب ‏ التي تلقى في 
بدايات ونهايات المسرحيات (وعروض الأويرا فيما بعد) عندما يخاطب 
الكاتب المسرحي (أو الملحن) الجمهور مباشرة. 

ليس من المتعذر التعرف في هذه النصوص على صيغ وموضوعات من 

ذلك النوع الذي ناقشه ميلمان باري وألبرت لوردء ومنها بعض الموضوعات 
الشائعة لدى الشعراء اليوغوسلاف في القرن العشرين مثل عقد مجلس أو 
إرسال خطاب (وهو ما يذكرنا بأهمية الكتابة في ثقافة شبه شفهية). ومن 
أمثلة هذه الصيغ «بكلام حلو» وداطرحه أرضاء و«يشبه القطة» ودإنه كالتنين» 
وما شابه ذلك. تقدم هذه النصوص كذلك أمثلة كثيرة للإسهاب الذي يميز 
الأداء الشفهيء كما في عبارات «يصرخ ويبكي بحزن», أو «كان يوما حارا 
للغاية وكانت حرارته محرقة». على أن الإسهاب من هذا النوع لا يجوز 
إرجاعه إلى ضعف من جاتب الشاعرء إذ يمثل الإسهاب أداة تسهل على 
الجمهور متابعة القصة. 

باختصارء كان هناك تعايش وتفاعل بين الوسائط الشفهية والمطبوعة في 
إيطاليا القرنين الخامس عشر والسادس عشرء كما حدث على الحدود 
الأنجلو إسكتلندية في القرن الثامن عشر. في دراسته الشهيرة عن الشعر 







































































ثورة الطباعة في السياق 


الشفهيء حاول لورد أن يثبت أن المعرفة بالقراءة والكتابة والطباعة تدمر 
حتما الثقافة الشفهية التقليدية: بل ذهب إلى أبعد من ذلك للحديث عن 
«موت» التقاليد الشفهية. وعلى العكس من ذلك. تكشف هذه الأمثلة الإيطالية 
عن أن الثقافة الشفهية والثقافة الطباعية كانتا قادرتين على التعايش معا 
لفترة طويلة. وبفضل هذا التعايشء طبعاء بقيت القصائد القصصية التقليدية 
لإسكتلندا وإنجلترا وإسكندينافياء ووصلت إلينا تلك القصائد, التي بد'ت 
تكتب وتطبع؛ بداية من القرن السادس عشر. 
الرقابية 

كما توحي التعليقات الواردة في الجزء السابق حول الاتصال السري عن 
طريق المخطوطات بأن الرقابة على الوسائط في أوائل العصر الحديث من 
الهواجس الرئيسية للسلطات في الدول والكنائس الأوروبية البروتستانتية 
والكاثوليكية على حد سواءء سواء أكان شاغلها هو الهرطقة أم التحريض على 
العصيان أم الفسوق. 

وفي مجتمع كانت أقلية صغيرة منه فقط تعرف القراءة والكتابة لم يكن 
القمع يقتصر على الكتب وحدهاء فالمسرحيات مثلا كانت في الغالب تخضع 
للرفقابة. وفي لندن كان من الضروري الحصول على تصريح من «سيد المرح» 
قبل عرض المسرحيات. وكانت النصوص تمحص بحثا عن أي إشارات إلى 
الأشخاص المهمين في الداخل أو الخارج: أو أي تعليقات على قضايا دينية أو 
سياسية جارية. وكانت المشكلة التي تواجه المراقب هي أن إخضاع نصوص 
المسرحيات للفحص قبل العرض لا يضمن منع الممثلين من ارتجال ملاحظات 
مدمرة في أثناء العرض. ولهذا السبب أوقف عرض بعض المسرحيات في 
لندن مثل مسرحية توماس ميدلتون سيئة السمعة «مباراة في الشطرنج» 
)١176(‏ التي أوقفت بأمر من الأسقف أو مجلس شورى الملك لتمريضصها 
بالأسرة المالكة الإسبانية. 

وقد تحدث رئيس أساقفة مصلح من بولونيا عن وضع قائمة بالعسور 
الممنوعة. لكن شيئًا من هذا لم يحدث قطء ربما لأنه كان من الصعب جدا 
تنظيم مثل هذا العمل؛ ومع ذلك فإن صورا معينة كانت تنتقد أو تدسر او 
يحذف منها أشياء عن طريق إعادة الرسم. وفيما يتعلق بلوحة «يوم الحساب» 





التاريخ الاجتماعي للوسائط 


لمايكل أنغلو. فقد أمر الرسام بستر الأجسام العارية بأوراق التين. وقد 
استدعي الرسام بولو فيرونيز )١1988 - ١078(‏ للمثول أمام محكمة التفتيش 
الفينيسة لأن لوحته «العشاء الأخير»». اشتملت على ما أسماه أعضاء المحكمة 
«مهرجين وسكارى وراقصين وأقزاما إلى غير ذلك من الأشياء المبتذلة». وقد 
حطم بعض البروتستانت الصور باعتبارها أوثاناء في حين حرق الكاثوليك 
الصور التي رأوا أنها غير لائتفة مثل القديس سباستيان العاري وصور 
القديس مارتن جنديا والقديس إيلوي صائفا. 

كانت الكنيسة الكائوليكية أكثر نظم الرقابة شهرة واتساعا في تلك الفترة: 
وقد اعتمدت «قائمة للكتب الممنوعة». كانت فهرسا ‏ أو بالأحرى فهرسا 
مضادا ‏ مطبوعا بالكتب المطبوعة التي يُحظر على المؤمنين قراءتها. وإلى 
جانب ذلكء كانت هناك قوائم محلية كثيرة بداية من قائمة نشرتها السوريون 
(كلية اللاهوت بجامعة باريس) العام 1044١ء‏ بيد أن القوائم المهمة كانت تلك 
الصادرة عن السلطات البابوية وملزمة للكنيسة ككل؛ من منتصف القرن 
السادس عشر إلى منتصف القرن الثامن عشر. 

يمكن القول إن القائمة ابتكرت في الأصل للحماية من البروتستانتية 
والطباعة:. إذ كانت محاولة لمحارية الطباعة بالطباعة. بدأت القائمة الأصلية, 
التي صدرت العام 1574١؛:‏ بمجموعة من القواعد العامة التي تحظر ثلاثة أنواع 
رئيسية من الكتب: كتب الهرطقة والفسوق والسحر. وبعد ذلك وضعت قائمة 
أبجدية بالمؤلفين والعناوين» وقسم المؤلفون إلى مؤلفين من الدرجة الأوئى (كل 
كتاباتهم ممنوعة) ومؤلفين من الدرجة الثانية (بعض كتاباتهم فقط محظورة). 
كانت معظم كتب قائمة الكنئيسة مكرسة للاهوت البروتستانتي باللغة اللاتينية, 
لكنها ضمت إلى جانب ذلك بعض الأعمال الأدبية التي أصبحت فيما بعد 
من الكلاسيكياتء منها الأعمال النقدية للإنساني إرازموسء و كتاب 
«اعتدعهامةط لصة قتاصدعقة» لرابليس (ليس بسبب الفحش الذي كان يقلق 
بعض قراء القرنين الثامن عشر والتاسع عشرء ولكن بسبب انتقادات المؤلف 
للكنيسة). كما ضمت القاتمة أيضا كتاب مكيافيللي «الأمير». وبحث دانتي 
«حول الملكية» (بسبب رفعه للامبراطور فوق مرتية البابا). وقصائد بترارك 
السونيتية *) ضد الباباوات؛ وكتاب « 708عصتهءه2» لبوكاكيو. 


(*) قصائد تتكون الواحدة منها من ١‏ بيتا. [المترجم ]. 








ثورة الطباعة في السياق 


لم يكن هناك اتفاق بين المراقبين حول مدى الرقابة. ففي حين اتخذ 
اليسوعي الإيطالي أنطونيو بوسيفينو (1111-1574) خطا متشدداء إذ هاجم 
رومانسيات الفروسية باعتبارها خدعا شيطانية (ريما لتركيزها على الحب 
وريما لما فيها من سحر). دافع يسوعي إيطائي آخرء هو روبرتو بيلارمينو 
(1751-1087). عن ثلاثي الكتاب التوسكانيين الكبار: دانتي وبترارك وبوكاكيو 
على أساس أنهم جميعا كانوا كاثوليكيين جيدين. 

ثمة مثالان للرقابة على الأعمال يمكن أن يظهرا بجلاء ما كان يبحث عنه 
المفتشون. فعندما زار مونتيني إيطاليا أخضع كتابه حديث النشر «مقالات» 
لمراقب بابوي اقترح بعض التعديلات مثل أن تُستبدل بكلمة الحظ العناية 
الإلهية, مع إلفاء الإشارات إلى الشعراء المهرطقين تماما. وقبل السماح بنشره 
في جنيف. عرض هذا الكتاب على قس كالفيني استبعد منه إشارة تأييد 
للاميراطور الروماني جوليان «المرتد» الذي ارتد عن المسيحية إلى الوثنية. 

المثال الثاني هو كتاب بوكاكيو «608تتةع106» الذي ظل فترة طويلة هدفا 
للنقاد من رجال الدين. كانت إدانة هذا العمل قد نوقشت ضفي «مجلس الترنت» 
الذي اجتمع في منتصف القرن السادس عشر لمناقشة إصلاح الكنيسة: إلا أن 
دوق فلورنسا أرسل سفيرا إلى المجلس يلتمس إرجاء تنفيذ أي حكم في 
الكتاب. حيث كان هذا الدوق يعتمد في أبهته على رأس المال الثقافي المتمثل 
في الكتاب المحليين: دانتي وبترارك وبوكاكيو. وبفضل تدخله الديبلوماسي 
خففت العقوبة على الكتاب من الإدانة إلى التهذيب عن طريق الحذف. كانت 
محكمة التفتيش غالبا حساسة للغاية فيما يتصل بسمعتها؛ ولذلك ففي 
النسخة المهذبة من الكتاب اختفت قصة بالكامل (تتناول رياء أحد أعضاء 
محكمة التفتيش). وفي أماكن أخرى من النص استبعدت أسماء لقديسين 
ورجال دين» على حساب جعل بعض القصص غامضة بالفعل. وكما في حالة 
رابليسء فإن ما كان يقلق أعضاء محكمة التفتيش ليس الفحش المتكرر ضفي 
فصص بوكاكيوء ولكن معاداتها لرجال الدين. 

كان لحملة القمع هذه جانبها العبثي. وهو ما اعتبر نجاحا كبيرا من 
منظور منفذيها. فالكتب كانت خطيرة من وجهة نظر الأرثوذكس. ومثال 
مينوكيو الطحان الإيطالي الذي شجعته الكتب على أن يفكر لنفسه يكشف 
عن أنهم كانوا محقين. ومن الصعوبة بمكان قياس فاعلية هذا القمع؛ لكن 


التاريخ الاجتماعي للوسائط 


المحظورة. مثل نسخ كتابي إرازموس ومكياشيللي التي ظلت ترب إلى فينيسيا 
في العقدين الثامن والتاسع من القرن السادس. 

كانت الرقابة البروتستانتية أقل كفاءة من مثيلتها الكاثوليكية: ليس لأن 
البروتستانت كانوا أكثر تسامحا من الكاثوليك؛ بل لأنهم كانوا أكثر انقساما 
إلى كنائس مختلفة بهياكل إدارية مختلفة كالكنيسة اللوثرية والكالفينية. وضي 
جنيف الكالفينية كان الطباعون يحيلون الكتب قبل النشر إلى خبراء في 
اللاهوت والقانون والطب وغيرها من المجالات ليقرأوها قبل إعطاء تصريح 
مكتوب بالطياعة. ومن أجل التأكد من تتفين الأوامر. كانت دور الطباعة عادة 
ما تخضع للتفتيش ومصادرة الكتب المحظورة. وريما حرقها عن طريق الجلاد 
المام. وكانت الرقابة غير الدينية في فرنسا وإنجلترا والجمهورية الهولندية 

وفي 00 كانت الطباعة مقتصرة على لندن وأكسفورد وكامبردج, 
وكانت تحت سيطرة شركة 5]280066 التي كانت تسجل المنشورات الجديدة. 
وكذلك كانت مخطوطات الكتب تخضع للفحص فقيل النشر. وقد أوجب قانون 
الترخيص الإنجليزي للعام ١117‏ إخضاع كتب القانون للفحص من جانب 
رئيس مجلس اللوردات والرئيس الأعلى للقضاءء, وكتب التاريخ من جانب وزير 
الخارجية؛ ومعظم أنواع الكتب الأخرى من جانب رئيس أساقفة كانتريري 
وأسقف لندن أو وكيليهما. وقد انتهى العمل بهذا النظام في العام ١16‏ 
عندما أبطل قانون الترخيص. 


الاتصال العرى 
المقصودة لهذا النظام أنه كان يثير الاهتمام بالعناوين المحظورة التي م ما كان 
لكثير من القراء أن يعرفوا عنها شيئًا من دون منعها. وهناك رد فعل آخر 
ومتنوع من الرسائل كان يجري توصيله سرا بداية من أسرار الحكومة إلى 
الأسرار التجارية أو التقنية: ومن الأفكار الدينية غير القويمة إلى الأدب أو 
الفن الإباحي. 


ثورة الطباعة في السياق 


إن مصطاح «الأدب الإباحي». الذي ابتكر في القرن الثامن عشر. ليس من 
اليسير تعريفه, فَإِذا ما استخدم هذا المصطلح للإشارة ليس فقط إلى تلك 
النصوص التي يقصد بها إثارة الشهوة: ولكن أيضا للترويج للأعمال؛ فإنه 
بذلك ينطيق على عدد من الأعمال في أورويا الحديثة. ولذلك كان كتاب 
ماركيز ساد ١٠١١‏ يوما في الرذيلة». وهو من الكتب سيئة السمعة للغاية: كان 
أبعد ما يكون عن الفئة الأولى؛ بمعنى أنه لم يقصد به الإثارة بل مجرد 
الترويج. وقبل ذلك بقرن: كان كتاب فينوس في الدير (1187).: الغفل من 
الاسمء لا يقل سوءا في السمعة. وفي بدايات القرن السادس عشرء انتشرت 
في روما صور لأوضاع جنسية مختلفة رسمها جيوليو رومانو )١0435-1499(‏ 
ونقشها ماركانتونيو رايموندي (توضي 1014) ومعها أشعار لبيترو أرينتينو. قبل 
أن يفتضح أمرها وتحظر. 

بيد أنه ليس من اليسير التمييز بين الاتصال العام والخاص. ونقل 
الأسرار عن طريق اللسان. على رغم أنه يبدو آمناء فإنه لم يكن يخلو من 
إمكان أن يسترق أحد السمع ويبلغ عن الفاعل» وهو ما كان يحدث عن عمد 
في بعض الأحيان. ومن ذلك أن ثقب بعض الفينيسيين في العام ١41/8‏ فتحة 
في سقف «قصر دوج» ليسترقوا منها آخر أخبار إسطنبول. وبخاصة الأخبار 
ذات القيمة التجارية. وليس من عجب في أن يجري الحفاظ على الأسرار 
داخل جماعة معينة باللجوء إلى استخدام لغة خاصة,؛ كما في حالة لغة 
الشحاذين واللصوص المحترفين. 

كانت أعمال التنجيم والسحر ‏ إلى جانب أعمال الهرطقة والأعمال 
الهدامة ‏ تنتشر من خلال نُسخ مخطوطة باليد. وفي حالات أخرى كانت 
الكتابة تجري بالرموزء كما شي حالة التقرير الذي قدمه السفير الفينيسي 
إلى مجلس شيوخ فينيسيا إثر عودته من الخارج. وضي القرن السابع عشر. 
كانت نسخ غير رسمية من هذه التقارير تباع في روما. ومجددا في باريس 
القرن الثامن عشرء كانت تقارير الشرطة تنتشر أحيانا بين العامة. 

ومن أجل منع التسرب من هذا النوعء كان التجار والحكومات حتى العلماء 
(أو فلاسفة الطبيعة كما كانوا يسمون في القرن السابع عشر).؛ وغيرهم ممن 
يريدون ضمان ألا يسرق منافسوهم أفكارهم, كانوا يستخدمون الشفرات 
وكتاب الشفرات. ومن الأمثلة الشهيرة من علم الفلك مثال المسيحي الهولندي 





التاريخ الاجتماعي للوسائط 


هويجنز (1179 - 160) الذي اكتشف العام ١100‏ أن كوكب زحل تحيطه دائرة. 
فلكي يضمن السبق في اكتشافه. ولكي يتجنب السرقة الأدبيةء أعلن اكتشافه 
لأول مرة باستخدام الجناس التصحيفي/*) اللاتيني التالي: خفففهه 
0 22 0000 1111711717111171771 110ل[ امآ 1111111 11 © تاتاتطظاظ 1١‏ 00000 
تالالآنانآ 711317 815 الذي يعني «تطوقه حلقة رفيعة ومسطحة ليست 
متماسكة إطلاقا وتميل نحو الدائرة الظاهرية لمسير الشمس». وكانت 
الحكومات كثيرا ما تستخدم الشفرات. كما أصبح كتاب الشفرات وصتاعها 
وحلالوها أكثر حنكة بفضل الرياضيين الأوائل في أوروبا العصر الحديث. 
كما استخدم الأفراد الخاصون الشفرات أيضاء فلم يكن كاتب اليوميات 
صامويل بيبيز هو الوحيد الذي استخدم اللفات الأجنبية لإخفاء بعض 
الأنشطة التي دونها عن القراء الممكنين؛ ومنهم زوجته. 

وفي المقام الثالث تأتي المنشورات السرية. كانت الغارات على الطباعين 
الذين يشتبه في اتجارهم في الكتب الممنوعة شائعة. لذلك كانت المطابع 
توضع أحيانا في المنازل الخاصة؛ وتنقل من مكان إلى آخر في الريف من أجل 
تجنب انكشاف أمرها. غفي إنجلترا الإليزابيثية على سبيل المثال: كانت 
الكتيبات التي تهاجم هيئة الأساقفة تطبع في منزل ريفي في «سوري» وفيما 
بعد في «نورثامبتون» و«وارويك». من ذلك أن كتاب المؤلف المثقف بليز باسكال 
17779 -175) «الأدب الساذج» )١1501(‏ الشهيرء الذي كان يهاجم اليسوعيين؛ 
طبع سرا. كما أن كتاب «رحلة من بطرسبرج إلى موسكو». الذي كان يحمل 
نقدا لعبودية الإقطاع والرقابة والحكم المطلق. نشره مؤلفه ألكسندر 
نيكوليفيتش راديشكيف (1407-1745) في مطبعة خاصة في ضيعته في 
الريف. وسرعان ما أودع المؤلف السجن ونفي فيما بعد إلى صربيا . 

كان مؤلفو هذه المنشورات عادة ما يدثرون أنفسهم بدثار الغفلية(**, 
حيث كانوا يشيرون إلى أنفسهم بأسماء مستعارة. من ذلك أن الأعمال التي 
كانت تهاجم الأساقفة الإليزابيثيين كانت موقعة باسم مارتن ماربريليه؛ وكانت 
أعمال باسكال التي كانت تهاجم اليسوعيين موقعة باسم لويس من مونتليه. 
كان الطباعون كذلك يخفون هوياتهم. ومكان النشرء إذا ذكر أساساء يكون 
(*) تغيير يجرى في ترتيب أحرف كلمة ما بغية تشكيل كلمة جديدة. [المترجم] . 
(**) عدم وضع اسم المؤلف الحقيقي على العمل. [المترجم]. 







































































ثورة الطباعة في السياق 


مزيفاء وغالبا ما كانت توضع أماكن خيالية. وكما شكا اثنان كرادئة إيطاليا 
فقد كانت الدعاية البروتستانتية: من أجل خداع الكاثوليك بسهولة أكبرء 
تصل بأسماء مدن كاثوليكية. حتى أن بعض الطباعين كانوا يقلدون أسلوب 
الطباعة الذي يميز طباعي باريس الكائوليك مثل ليونز وأنتويرب. ومن 
الأماكن الخيالية المفضلة كأماكن للنشر مدينة فريتون [«المدينة الحرة» لاحظ 
المغزى من اختيار الاسم] أو ما يقابلها في اللغات الأخرىء وهناك مكان آخر 
هو كولون الذي ظل ١6٠١‏ عاما مكانا لطباع غير موجودء اسمه بيير من 
مارتيو؛ الذي ربما سمي بهذا الاسم لأنه كان يدق ضحاياه [كما يتضح من 
اسمه الفرنسي]. وقد زعم الطباع الذي طبع كتيبات «ماربريليه» أن أعماله 
كانت تصل إلى الخارج: إلى أوروباء بخطى أسرع من خطى كاهن يثب. 
وزعمت بعض أعمال القرن الثامن عشر الإباحية الفرنسية أنها نشرت في 
مطبعة حريم السلطان في إسطنبول أو حتى في الفاتيكان ذاته. 

ومن الاحتمالات الواردة في أورويا العصر الحديث ‏ كما فعل كثير من 
كتاب أوروبا الشرقية في زمن الحرب الباردة ‏ أن الطباعة كانت في الحقيقة 
تجري في الخارج؛ وليست مجرد ادعاء ذلك. ومن أمثلة القرن السابع عشر 
الشهيرة كتاب «تاريخ مجلس الترنت» المعادي للباباء الذي كتبه الراهب 
الفينيسي باولو ساربي .)١775 -1١007(‏ إذ نشر لأول مرة في لندن باللغة 
الإيطالية في العام .١1١19‏ كانت مخطوطة الكتاب قد هريت سرا من فينيسيا 


جوسحوكوت 


إلى لندن عن طريق السفير البريطاني على دفعات وصفت في المراسلات 
بالاسم الشفري «أغاني». ْ ْ 

كانت الكتب المطبوعة تهرب هى الأخرى عبر الحدود . ومنن وقت مبكر. 
في خمسينيات القرن السادس عشر تحديدا كانت هناك طرق سرية معتادة 
من سويسرا إلى فينيسيا لتهريب كتب الهرطقة. ومجددا في القرن السابع 
عشر كانت الكتب المحظورة؛ التي كانت في العادة غير مجلدة, تُهرّب إلى 
إسبانياء فكانت الكتب المقدسة كبيرة ة الحجم تخفى في لفات القماش. في 
حين كانت كتيبات العقيدة الصغيرة: التي تكتب في شكل سؤال وجواب, 
تهرب في صورة رزم من أوراق اللعب. أما الكتب التي كانت تنتقد الملك 
لويس الرابع عشرء فكانت تنشر بالفرنسية في أمستردام؛ وبعد ذلك كرب 


إلى فرنسا. 


التاريخ الاجتماعي للوسائط 


وأخيراء كان من الممكن بالطبع النشر بالطريقة العادية على أن يجري توصيل 
الرسائل على مستويين: ظاهر ومستتر. ففي بولنداء في ظل النظام الشيوعي 
مثلاء كان نقاد الحكومة يستخدمون ما كانوا يسمونه «طريقة أسوب»». نسبة إلى 
الكاتب اليوناني مؤلف خرافات الحيوانات التي يمكن تطبيقها بسهولة على العالم 
الإنساني. وفي أوائل العصر الحديث أيضا اتبع الكتاب هذا الأسلوب: ومن 
الأمثلة الشهيرة على ذلك «خرافات» جين دي لافونتين  17571(‏ 1196). وهذه 
النوعية من الكتابات تعامل الآن باعتبارها قصص أطفالء: ولكن حقيقة أن 
لافونتين رفض خدمة لويس الرابع عشرء وظل وفيا لراعيه الذي وقع في العار 
السياسي؛ تكشف أن شخصية الأسد المستبد مثلا يجب قراءتها بمغزى سياسي. 

وفي مقابل ذلكء يمكن لرسالة عن أحد الموضوعات الجارية أن تتخفى 
باعتبارها تاريخا لأحداث مشابهة في الماضي؛ فمثلا خلع هنري من 
بولنجبروك (الملك هنري الرابع فيما بعد) للملك ريتشارد الثاني الذي كان له 
صدى سياسي كبير في نهايات عهد الملكة إليزابيث حيث وضع إيرل إسيكس 
في دور هنريء ولذلك فلا عجب عندئت أن تسأل الملكة إليزابيث في العام 
65 ,؛: عندما نشر سيرجون هايوارد «تاريخ حياة وعهد الملك هنري الرابع»» 
أن تسأل فرانسيس بيكون عما إذا كان الكتاب يتضمن خيانة. ومجددا عندما 
ثار إيرل إسيكس )١11١0١-1511(‏ ضد الملكة. قدم أتباعه المال للممثلين لعرض 
مسرحية شكسبير «ريتشارد الثاني». ويقال إن إليزابيث علقت على ذلك قائلة 
«أنا ريتشارد الثاني. ألا ترون ذلك5».: وقد استخدمت أساليب مجازية مشابهة 
في إنجلترا أواخر القرن السابع عشر في أثناء ما سمي «أزمة الإقصاء». 

هذه الطريقة المجازية مازالت تستخدم عند الضرورة. كما هي الحال مع 
أرثر ميلر الذي قدم عمله «البوتقة» (؟190١)‏ نقدا لحملة مطاردة الشيوعيين 
من جانب السناتور جو مكرثي 1١١9(‏ - 07) في شكل مسرحية؛ حول محاكمة 
لساحرة في نيوإنجلند في القرن السابع عشر. 
شكأة السوق 

ربما كانت الطباعة مصدر خطرء لكنها كانت مربحة في الوقت نفسه. 


وكان بعض الطباعين (وليس كلهم) مرتزقة يعملون لمصلحة الكاثوليك 





ثورة الطباعة في السياق 


اختراع الطباعة انخراط المقاولين بشكل أكبر في عملية نشر المعرفة. 
وهناك كتب كثيرة. من نوع الكتب الأكشر رواجاء تعود إلى الأيام الأولى 
لاختراع الطباعة؛ من أمثلة ذلك «تقليد المسيح»؛ وهو كتاب وعظ ينسب إلى 
هولندي القرن الرابع عشر «توماس كيمبس». الذي ظهر منه ما لا يقل عن 
9 طبعة قبل العام .١15٠١‏ كان الكتاب المقدس أيضا يحقق مبيعات عالية 
في ذلك الوقت. وبخاصة العهد الجديد والمزامير. على رغم أن الكنيسة 
الكاثوليكية حرمت الكتب المقدسة باللفات الوطنية فى أواخر القرن السادس 
عشر على أساس أنها تشجع على الهرطقة. كانت معدلات عمل المطابع 
صغيرة وفقا للمعايير التي ستتحقق فيما بعدء إذ كانت تتراوح بين 0٠١‏ 
و١٠٠٠‏ نسخة:؛ ومع ذلك طبع ثلاثة أو أربعة ملايين نسخة من التقويم ضي 
إنجلترا القرن السابع عشر. 

ومن أجل بيع المزيد من الكتبء كان الطباعونء الذين كانت قوائم منتجاتهم 
تضم كثيرا مما نسميه الآن «أدب١»»,‏ ينشرون فهارس ويمارسون أشكالا أخرى 
من الإعلان. وفي إيطاليا يعود أول فهرس معروف للكتب بأسعارها إلى العام 
0١‏ وضي القرن السادس عشر (وكما هي الحال اليوم) أسهم معرض 
الكتاب في فرانكفورت ونظيره في ليبزج في جعل كتب بعينها معروفة على 
المستوى العالمى. كما كانت صفحت الغلاف تضمان إعلانات عن أعمال أخرى 
يبيعها الطباع نفسه أو بائع الكتب (التمييز الحديث بين الطباع والناشر وبائع 
الكتب لم يكن قائما في ذلك الوقت). 

كما تطور الإعلان المطبوع أيضا في القرن السابع عشر. ففي لندن حول 
العام 1160 كانت الصحيفة تحمل ستة إعلانات في المتوسط؛ وبعد ذلك 
بماكة عام كانت تحمل ٠:‏ إعلانا. ومن بين السلع والخدمات التي كان يجري 
الإعلان عنها في إنجاترا في ذلك الوقت. المسرحيات وحفلات سباق الخيول 
والأطباء الدجالون و «مسحوق حبر هولمان»؛ ومن المحتمل أن هذا الأخير كان 
أول اسم لعلامة تجارية مسجلة العام /114. 

كانت الأنباء ذاتها سلعة وتعامل على هذا النحو في ذلك الوقت,؛ ولو 
على الأقل من جانب الكتاب الساخرين من أمشال بن جونسسون في 
مسرحيته «وكالة الأنباء» )١1777(‏ التي يتخيل الكاتب فنبها محاولة لاحتكار 
التجارة في الأنباء. وكما يؤكد عالم الاجتماع كولين كامبل؛ فإن روايات 


التاريخ الاجتماعي للوسائط 


القرن الثامن عشرء. شأنها شأن مسلسلات اليوم التلفزيونية. كانت تعطي 
للقراء متعة بديلة عن السلع الاستهلاكية المكلفة؛ وكانت أيضا 
تشجعهم على الشراءء وكانت بذلك بمنزلة قابلة لما سمي «ميلاد 
المجتمع الاستهلاكي». 

جاء ظهور فكرة الملكية الفكرية استجابة لانبثاق المجتمع الاستهلاكي 
وانتشار الطباعة. على أن بعض الإحساس بالملكية الأدبية يعود إلى القرن 
الخامسء إن لم يكن قبله. ولذا اتهم الإنسانيون بعضهم البعض بالسرقة 
الأدبية, في حين كانوا هم أنفسهم يدعون ممارسة التقليد الإبداعي. وهناك 
مثال إسباني شهير للسرقة الأدبية يمثل هذه الفترة خير تمثيل: وهو أن الجزء 
الثاني من الكتاب «106ا0 1202». الذي نشر العام ١11١4‏ لم ينسب إلى 
سيرقانتس» بل نسب إلى شخص يدعى أفيلانيدا . لكن ذلك شكل غير معتاد 
من السرقة الأدبية» إذ إنه كان سرقة لشخصية أكثر منه سرقة لنص أو سرقة 
لاسم شخص آخر أو لعمله بهدف الاستفادة من شهرة الكاتب أو الكتاب. ومع 
ذلك فقد استاء المؤلف الأصلي من ذلكء؛ وحتى ينبذ سيرفانتس عمل منافسه.: 
كان عليه أن ينتج الجزء الثاني الخاص به. 

بهذه الطريقة عملت قوى السوق على تشجيع فكرة التأليف الفردي؛ وهي 
الفكرة التي دعمت عن طريق الممارسات الجديدة؛ مثل طبع صورة المؤلف على 
واجهة العملء أو تقديم طبعة من الأعمال المجمعة للمؤلف بسيرة ذاتية له. 
وبحلول عام .١1١١‏ كان في مقدور الإصدار الأول من مجلة «المشاهد» أن 
يسخر برقة من القارئ الذي لا يستطيع الاستمتاع بكتاب «حتى يعرف ما إذا 
كان مؤلفه أسود أم أشقرء ذا مزاج هادئ أم سريع الغضبء متزوجا أم 
أعزب». وقد أصبحت الكتابة سبيلا إلى الشهرة أكثر مما كانت علية في 
القرون الوسطى. 

كما عمل التنظيم القانوني ‏ إبان القرن الثامن عشر ‏ على دعم فكرة 
الملكية الأدبية أو الفكرية» وممارسة منح احتكارات قصيرة المدى لطباعة كتب 
معينة. ففي إنجلترا مثلاء صدر في العام ١7١5‏ قانون حقوق النشر والتأليف 
الذي أعطى للمؤلفين أو من ينوب عنهم الحق الوحيد في طبع أعمالهم لمدة 
أربعة عشر عاما. وقد شن ويليام هوغارت ١7591(‏ - 1714): الذي عانى من 
انتحال سلسلة نقوشه الشعبية «رحلة البغي» :)١7557(‏ حملة ناجحة من أجل 


















































ثورة الطباعة في السياق 


إصدار قانون جديد لحقوق النشر والتأليف (1750)., أعطى لأمثاله من 
الفنانين التصويريين حقوقا مشابهة لتلك التي كان يتمتع بها المؤلفون. وقد 
اتضخ معنى قانون العام 17١4‏ شي المحاكم في قضايا مثل قضية ميلر تايلر 
(17715) وقضية دونالدسن ضد بيكيت (1774). وفيما يتعلق بحقوق التأليف 
والنشر العالمية: فقد كان من الضروري انتظار اتفاقية بيرن (/1441). 

ومن أجل الحصول على صورة مكبرة دور السوق في الوسائطء؛ قد يكون 
من المفيد فحص التتابع التاريخي لثلاثة من المراكز الرئيسية لتجارة الكتب 
في أورويا في أواكل العصر الحديث: فينيسيا القرن السادس عشرء 
وأمستردام القرن السايع عشرء ولندن القرن الثامن عشر. 

في القرن الخامس عشر كان عدد الكتب التي تطبع في فينيسيا يفوق 
عدد ما يطبع في أي مدينة أخرى في أوروبا (حوالي 165٠١‏ طبعة. وهو ما 
يساوي حوالي مليوني نسخة أو 2٠١‏ من السوق الأوروبي). وقد كانت 
صناعة الكتاب ذات تنظيم رأسماليء إذ كانت مجموعة صغيرة تسيطر عليها 
مع مساندة مالية من التجارء الذين كانت اهتماماتهم الاقتصادية أوسع من 
الكتب بكثير. وضي القرن السادس عشر.ء قدر أن حوالي ٠٠١‏ طباع وناشر 
أنتجوا من ١١5‏ ألف عنوان إلى ١7.05‏ ألف عنوان: وحوالي 18 مليون نسخة. 
ومن أشهر هؤلاء الطباعين ألدو مانوزيو (حوالي )١١10-116٠‏ الذي حقق 
شهرته. وحتى ثروته. من نشر طبعات من الكلاسيكيات اليونانية واللاتينية 
في قطع صغير مكن الدارسين والطلاب من حملها بسهولة (امتدح أحد 
العملاء في رسالة مجلدات هذا الطباع التي يمكن قراءتها حتى في أثناء 
السير). كانت المنافسة شديدة بين الطباعين.: الذين كانوا عادة يتجاهل 
بعضهم امتيازات بعضء وينشرون الكتب نفسها التي ينشرها منافسوهم. 
زاعمين أن طباعتهم أكثر صحة أو تتضمن إضافات. حتى لو لم يكن ذلك 
صحيحا. وقد كان العدد الكبير من الطباعين والناشرين في فينيسيا يمثل 
أحد مصادر جذب المدينة للأدباء والكتاب. إذ وفرت لهم رعاة مستقلين 
أحياء. حتى إن لم تجعلهم أثرياء. 

أطلق على مجموعة من هؤلاء الأدباء اسم «الكتاب المرتزقة». لأنهم كانوا 
يكتبون كثيرا وفي موضوعات متتوعة لمجرد البقاء. وهؤلاء الكتاب فريبو 
الشبه من المقابل الإنجليزي في القرن الثامن عشر «الكتاب الماجورين». أي 


التاريخ الاجتماعي للوسائط 


أولتك الكتاب الذين كانوا معروضين للإيجار مثل عريات الأجرة. وقد 
تضمنت أعمالهم الشعر والنثرء والتأليف والترجمة: والتتقيح والسرقة من 
مؤلفين آخرين. بيد أن هؤلاء الكتاب تخصصوا في نوع معين هو الأعمال 
التي تقدم معلومات عملية: بما في ذلك كتب السلوك مثل البحوث التي 
تشرح طريقة كتابة الخطابات حول موضوعات مختلفة: ودليل فينيسيا للزوار 
الأجانب الذي أعيدت طباعته في القرن السابع عشر. كان بعض هؤلاء 
الكتاب يعملون لمصلحة طباعين معينين (من أبرزهم غابريل غيوليتو الذي 
نشر حوالي 66١‏ كتابا على مدى حياته العملية) كمحررين ومصححي 
بروفات وكذلك مؤلفين. وبمعنى من المعاني. كان الكتاب المأجورون يقعون 
على الحد الفاصل بين عالمين: فقد كانوا في الأساس جامعين يعملون بتقاليد 
القرون الوسطىء إذ كانوا يعيدون تدوير أعمال الآخرينء لكن من عاش منهم 
في عصر الطباعة كان يعامل كمؤلف فردي يوضع اسمه على صفحة 
العنوان. ونتيجة لذلك؛ كان منافسوهم يتهمونهم بالسرقة الأدبية» وهو اتهام 
نجا منه كتاب القرون الوسطى. 

استغل الطباعون المكانة الاقتصادية والسياسية لفينيسيا يمهارة. كما 
اعتمد الفينيسيون على مهارات مجموعات مختلفة من المهاجرين إلى المدينة 
في طباعة كتب بالإسبانية والكرواتية واليونانية الديموطيقية وسلافية 
الكنيسة القديمة والعبرية والعربية والأرمينية» كما نظروا أيضا خارج أوروبا 
كما كانت عادة مدينة فينيسيا. ومن الأنواع التي تخصصوا فيها تلك التي 
تصف اكتشاف الأراضي الجديدة النائية. في القرن السادس عشرء لم يسبق 
فينيسيا سوى باريس في نشر كتب حول الأمريكتين؛ منها طبعات عديدة 
من خطابات كريستوفر كولومبس )١16١1-١460١(‏ وهيرنان كوريتس 
.)١1047-١440(‏ ومن الممكن وصف منتجات المطابع الفينئيسية في القرن 
السادس عشر بأنها متعددة الثقافات: إلى جانب كونها متعددة اللغات. 

بيد أن الإسهام الفينيسي المميز في تجارة الكتب؛ إضافة إلى تقاليد 
المدينة المتسمة بالتسامح مع الثقافات والأديان الأخرى. والاتجاه العملي 
للتجار المتمثل في «عش ودع الآخرين يعيشوا». تقوضت بسبب انتشار 
الإصلاح المضاد. إذ أسست في فينيسيا العام /1غ0١‏ محكمة تفتيش, وحرقت 
الكتب في ميدان سان ماركو. وبالقرب من ريالتو العام :١1048‏ وفي العام 





ثورة الطباعة في السياق 


التاليء صدرت قائمة فينيسيا بالكتب المحظورة (قبل أن تصبح القائمة ملزمة 
لكل الكنيسة بخمسة عشر عاما)» وفي العام ١554‏ حظرت الطباعة بالعبرية, 
كما بدأ استجواب بائعي الكتب بتهمة تهريب كتب الهرطقة وغيرها من الكتب 
الضارة من الخارج. ولذا هاجر بعض الطباعين إلى مدن أخرى مثل تورين 
وروما ونابلس؛ في حين عمد آخرون مثل غابريل غيوليتو إلى تغيير 
اهتماماتهم نحو نشر الكتب الدينية باللفة الإيطالية لسوق محدود جغرافيا 
أكثر بكثير من قبل. 

وفضي القرن السابع عشر. حلت الجمهورية الهولندية محل فينيسيا كجزيرة 
للتسامح النسبي مع التنوع الديني: وكمركز وسوق رئيسي للمعلومات. كان 
لتصدير المواد المطبوعة باللغة اللاتينية والفرنسية والإنجليزية والألمانية دور 
مهم في رخاء هذه الأمة الجديدة» كما أن الطباعين الرواد في الجمهورية 
(عائلة إلزيفر)» اقتدوا بألدو مانوزيو شي نشر طبعات من الأعمال الكلاسيكية 
بقطع صغير. وقد استهلت عائلة إلزيفر ما يمكن اعتباره أول سلسلة كتب 
لمحرر أكاديميء. هو كاسبار بارلوس الذي كان مسؤولا عن عدد من 
استخلاصات المعلومات حول تنظيم وموارد دول مختلفة في العالم من فرنسا 
إلى الهند. 

ويمكن وصف بارئوس بأنه النظير الهولتندي للمؤلفين المأجورين 
الفينيسيين. كان من بين الكتاب المأجورين الرعاة الكالفينيون الفرنسهون 
الذين جاءوا إلى الجمهورية الهولندية بعد أن اضطرهم لويس الرابع عشر 
العام 1180 إلى الاختيار بين التحول إلى الكاثوليكية أو الهجرة. وإلى 
جانيهم كان هناك رعاة أكثر بكثير من حاجة الكنائس البروتستانتية 
الفرنسية شي المنفى؛ ولذلك تحول بعض هؤلاء الأشخاص المتعلمين إلى 
الكتابة لكسب العيش. فمثلا بيير بايل (1741 )17١5-‏ الذي هاجر من 
فرنسا إلى روتردام حرر مجلة أدبية هي «أخبار جمهورية الأدب» التي كالث 
تصدر شهريا بدءا من العام 7484١ء‏ كما جمع عمله الشهير «القاموس 
التاريخي والنقدي» (1197). 

كانت مدينة أمستردام هي مركز النشر الهولندي. كما كان للصنامة 
والتمويل الأوروبيين مراكز أخرى. غفي أوائكل القرن السابع عشر. كانت 
أمستردام بالفعل مركز أوروبا الرئيسي للصحف. وهو نوع أدبي جديد يعد 





التاريخ الاجتماعي للوسائط 


مثالا لفكرة الاتجار في المعلومات أكثر من أي نوع آخر. فالصحف التي كانت 
تظهر مرة أو مرتين أو ثلاثا في الأسبوع باللفغة اللاتينية أو الفرنسية أو 
الإنجليزية إلى جانب الهولندية. ضمت أول صحيفتين باللغة الإنجليزية 
والفرنسية بدأتا النشر العام ١17١‏ وبدءا من العام ١777‏ وفرت صحيفة 
أسبوعية باللغة الفرنسية معلومات حول الشؤون الأوروبية. وكذلك انتقادات 
للكنيسة الكاثوليكية وسياسات الحكومة الفرنسية. 
بحلول النصف الثاني من القرن السايع عشرء كانت أمستردام قد أصبحت 
آأهم مركز لإنتاج الكتب في أوروباء كما كانت فينيسيا من قبل. ضفي الفترة من 
155-16 كان يعمل في أمستردام ما يزيد على 77١‏ من باعة الكتب 
والطباعينء كانت نسبة كبيرة منهم؛ مثل الكتاب المحترفين: من اللاجئين 
البروتستانت من فرنسا. 
وكما كانت الحال في فينيسياء شكلت الخرائط والرحلات البحرية إلى 
الأماكن الغريبة جزءا مهما من ذخيرة الطباعين. كانت مؤسسة «جون بلو» 
(حوالي ١094‏ - 1117). التابعة لشركة متخصصة في إنتاج الأطالس: أهم 
مؤسسة طباعة في أمستردام, وكانت تضم تسع مطابع للكتابة وستا للنقوش, 
وهو ما جعلها مؤسسة ضخمة أصبحت أحد المزارات التي يقصدها زوار 
المدينة الأجانب. وفي العام 1774, أعلنت عائلة بلو في إحدى الصحف أنها 
تعد لإنتاج أطلس للعالم باللفات الأجنبية: اللاتينية والهولندية والفرنسية 
والألمانية, وقد ظهر هذا الأطلس في مجلدين في الوقت المحدد له العام 
ا وضم "7١1‏ خرائط. وبعد ذلك يعدة سنوات نشر ناشر مناخفس من 
أمستردام أطلسا أكثر شمولاء وسرعان ما تبعته الطبعة الثانية من أطلس 
«بلو» التي نشرت العام 1100: ولكن هذه المرة في ستة مجلدات. 
كانت الكتب في أمستردام؛ كما كانت الحال في سابقتها فينيسيا؛ أي 
بالاعتماد على مهارات مجموعات مختلفة من المهاجرين: تطبع بلغات متعددة 
منها الروسية واليديشية والأرمينية والجورجية. وفي العام /1517, وجد زائر 
إنجليزي للمدينة دار طباعة هولندية تنتج الكتب المقدسة باللغة الإنجليزية, 
وعلق فائلا «يمكنك في أمستردام أن تشتري كتبا بكل اللغات أرخص من 
: الأماكن التي طبعت فيها هذه الكتب لأول مرة». وكان القراء الألمان يشترون 
الكتب الفرنسية من خلال وساطة الهولنديين العاملين في مجال الطباعة. 





ثورة الطباعة في السياق 


كما كان الطباعون البروتستانت أيضا ينتجون كتب القداس اللاتينية (مع 
كتابة كلمة «سري» على صفحة العنوان) لبيعها شي العالم الكاثوليكي. ولم يكن 
الطباعون يعبأون كثيرا بانتهاك حقوق منافسيهم. 

في أثناء القرن الثامن عشر انتقلت صدارة أمستردام إلى لندن. واشتهر 
باعة الكتب في لندنء كما كانت الحال في فينيسيا وأمستردام من قبلهاء في 
أواخر القرن السابع عشر بسرقة الملكية الأدبية لمنافسيهم: وهي الممارسة التي 
عرفت باسم «التزييف» أو «الانتحال» (وهو المصطلاح الذي اتسع في القرن 
العشرين ليضم محطات الإذاعة غير الرسمية). وكنوع من الحماية ضد 
الانتحال أو السرقة الأدبية, بدأ الطباعون يشكلون اتحادات ويشتركون فضي 
النفقات والأرباح والخسائر. كما أن إسهام الطباعين في صندوق مشترك بهذا 
الحجم مكنهم من تمويل الأعمال الضخمة والمكلفة. مثل الأطالس والموسوعات 
التي كانت تتطلب استثمارات كبيرة. وكانت الأعمال من هذا النوع عادة ما 
تنشر عن طريق الاكتتاب. وغائبا ما تتصدرها قوائم مطبوعة بالمكتتبين في 
مقدمة الكتب. ونظام الشراكة هذا يشبه الشركات المحاصة؛ وكانت الحخصص 
من الطبعات تباع وتشترى من جانب بائعي الكتب الذين كانوا يلتقون سرا. بيد 
أن الاشتراك في التكاليف والمخاطر مكن الناشرين (مجموعة جديدة ظهرت 
بين الطباعين وبائعي الكتب) من الاستغناء عن الاكتتاب. 

وقد بدأ عدد قليل من المؤلفين في الحصول على أموال من ناشريهم 
تكفيهم ليبدأوا في التخلي عن رعاتهم.: وأن يتعيشوا من عائدات كتاباتهم. 
على سبيل المثال» حصل الدكتور جونسون 17١9(‏ - 1784): الذي كان يعرف 
بكراهيته لنظام الرعاية. على ١0170‏ جنيها مقدما من خمسة من بائعي الكتب 
مقابل عمله «القاموس»»؛ كان من بينهم توماس لونفمان وأندرو ميلر. وبالمثل 
أعطى ميلر الفيلسوف والمؤرخ دافيد هيوم )177/1-1١17١١(‏ مقدما قدرة 
٠‏ جنيه للمجلد الثالث من عمله «تاريخ بريطانيا»» وأعطى وليام روبرتس 
)١7/9”-31751(‏ مقدما قدره "+٠٠‏ جنيه مقابل عمله «تاريخ تشارلز 
الخامس». كما حصل الشاعر ألكسندر بوب )١1744  ١88(‏ على مبلغ أعلى 
07٠‏ جنيه - مقابل ترجمة إلياذة هوميروس. وقد عرض خليفتا ميلر. 
الشريكان «وليام ستراهان» و«توماس كاديل». مبلغ ٠٠٠١‏ جنيه في مقابل 
شراء حق نشر «اكتشافات كابتن كوك». 





التاريخ الاجتماعي للوسائط 


على أننا يجب ألا نتسرع في تعميم هذا الموقف على كل الكتاب في لندن 
القرن الثامن عشر. فمجموعة منهم: معروفة باسم «حي غراب». نسبة إلى المكان 
الفقير الذي كانوا يعيشون فيه بلندن؛ كانوا يناضلون لمجرد كسب أقواتهم: وهي 
بذلك تشبه مجموعات أخرى سبقتها في أمستردام وفينيسيا. وكما كانت الحال 
في أمستردامء ضمت هذه المجموعة عددا من المهاجرين البروتستانت الفرنسيين 
الذين كان لهم نشاط ملحوظ في الصحافة. وحتى بالنسبة إلى الأفراد الأكثر 
نجاحا كان للحرية الجديدة ثمنها؛ فمن المؤكد أن جونسون كان يفضل أن يكتب 
أعماله وليس مجرد تجميع قاموسء: وأن بوب كان يفضل أن يكتب قصائده بدلا 
من ترجمة شعر هوميروس. أما هيوم فقد كتب في التاريخ لأنه كان يحقق 
مبيعات أعلى من الفلسفة, وظني أنه لو عاد إلى الحياة وراجع فهرس المكتبة 
البريطانية فلن يسره توصيفه «دافيد هيوم: مؤرخ». ومع ذلك فقد تمتع بعض 
أدباء القرن الثامن عشر بدرجة من الاستقلالية أكبر مما أتيح لسلفهم في القرن 
السادس من أمثال الكتاب المأجورين. 

إن السياق الأوسع لهذه التطورات في النشر هو ما اصطلح المؤرخون على 
تسميته «ميلاد المجتمع الاستهلاكي» في القرن الثامن عشرء وهو التحول الذي كان 
في أوضح صوره في لندن. لكنه امتد إلى أجزاء أخرى من أوروباء بل خارجها . ومن 
الأمثلة الإنجليزية للاتجار في وقت الفراغ آنذاك كانت سباقات الخيول في 
«نيوماركت» والحفلات الموسيقية (بدءا من )١77١‏ في لندن وبعض المدن الريفية, 
وعروض الأوبرا في الأكاديمية الملكية للموسيقى (أسسيت العام )1١4‏ ومعرض 
اللوحات في الأكاديمية الملكية للفنون (أسست العام )١778‏ والمحاضرات حول العلم 
في المقاهي وحفلات الرقص والحفلات التنكرية في الأماكن العامة حديثة الإنشاء 
في لندن و«باث» وأماكن أخرى. كانت هذه الأحداث: شأنها شأن المسرحيات التي 
كانت تعرض على مسرح جلوب وغيره من المسارح العامة الأخرى بدءا من أواخر 
القرن السادس عشرء متاحة للجميع ممن يتحملون أسعار التذاكر. 
تاريخ الشراءة 

إن الاتجار في وقت الفراغ تضمن القراءة أيضا. ونحن عندما نتناول ممارسة 


قراءة الكتب والصحفء أو مشاهدة الصور المطبوعة: ننتقل من جانب العرض إلى 
الطلب. وللوهلة الأولى تبدو فكرة تاريخ القراءة فكرة شاذة. ذلك أن القراءة 





ثورة الطباعة فى السياق 


نشاط يعتقد معظمنا أنه شيء مسلم به. فبأي معنى يمكن القول إن القراءة 
تغيرت مع الزمن؟ وافترض أنها فعلا تغيرت: فعلى اعتبار أن حركة العين لا تترك 
أثرا على الصفحة, فكيف يمكن للمؤرخين بأي حال من الأحوال أن يقولوا أي 
شيء موثوق به عن هذه التغييرات؟ كانت هذه المشكلات تشغل الجيل السابق من 
المؤرخين. وبالاعتماد على شواهد من القطع المادي للكتب والملاحظات المكتوية 
في هوامش الكتب وأوصاف القراء أو صورهمء خلص هؤلاء المؤرخون إلى أن 
تفيرا في أساليب القراءة قد حدث بين العامين ١6٠١‏ و .18٠١‏ 

ثمة خمسة أنواع من القراءة تستحق اهتماما خاصا: القراءة الناقدة, 
والقراءة الخطرة: والقراءة الإبداعية, والقراءة المكثفة: والقراءة الخاصة. 

-١‏ إن التفسيرات التقليدية لتأثيرات الطباعة ‏ كما رأينا ‏ تؤكد ظهور 
القراءة الناقدة بفضل زيادة فرص مقارنة الآراء المتنوعة حول الموضوع نفسه 
في الكتب المختلفة. غير أننا يجب ألا نبالغ في تقدير التغير في العادات, 
فالقراءة لم تكن دائما ناقدة؛ فهناك أدلة غزيرة تؤكد احترام؛ بل حتى توقير, 
الكتب في بدايات العصر الحديث. كان الكتاب الساخرون يسخرون من أولئك 
الناس الذين يصدقون أي شيء يرونه مطبوعا. وبالطبع كان الكتاب المقدس - 
الذي لم يكن قد أخضع بعد لفحص ناقد من جانب الدارسين باستشناء 
أفراد قلائل غير تقليديين من أمثال الفيلسوف اليهودي باروخ سبينوزا 
(1557-/11/7) محل تبجيل خاصء حتى قيل إن سان كارلو بوروميو رئيس 
أساقفة ميلانو كان يقرأ الكتاب المقدس وهو راكع على ركبتيه. وكان الكتاب 
المقدس يستخدم في بعض الأحيان ترياقا يوضع تحت وسادة المريض. وكان 
من الممارسات الشائعة أن يفتح الكتاب المقدس بالمصادفة على أي صفحة, 
وينظر إلى القطعة الموجودة فيها كتوجيه إلهي لحل مشكلات القارئ. 

؟"- كانت أخطار القراءة الخاصة تناقش على نحو متكرر في ذلك الوقت. 
وبصرف النظر عما إذا كانت القراءة تعمل بوصفها مهدئاء كان المعاصرون 
ينظرون إليها أحيانا على أنها نشاط خطيرء خاصة عندما تمارسه جماعات 
خاضعة كالنساء والعامة. إن أوجه الشبه كبيرة بين هذه الآراء ومجادلات 
القرن العشرين حول «الثقافة الجماهيرية» وأخطار التلفزيون؛ وهي المجادلات 
التي أشار إليها عالم الاجتماع ليو لوينتال منذ أكثر من جيل. وقد أدى ظهور 
الإنترنت هذه الأيام إلى نشوب جدل آخر من هذا النوع. 





التاريخ الاجتماعي للوسائط 


غير أنه عند تحديد القضايا بشكل أوسع؛ يمكن وضع هذه المجادلات في 
منظور أطول. إن التدهور الذي حدث بعد العام ١67١‏ لصور العذراء المباركة 
وهي تقرأ؛ تلك الصور التي كانت شائعة نسبيا في أواخر العصور الوسطى, 
يبدو أنه كان استجابة مبكرة لما يمكن تسميته تشطين القراءة [اعتبارها 
نشاطا شيطانيا] من جانب الكنيسة الكاثوليكية. ففي فينيسيا أواخر القرن 
السادس عشرء على سبيل المثال. دانت محكمة التفتيش أحد عمال الحرير 
لأنه كان «يقرأ طوال الوقت». كما دانت أحد حدادي السيوف لأنه كان 
يقضي الليل كله في القراءة. وعلى نحو مماثلء في هذه الفترة وما تلاهاء 
كانت السلطات غير الدينية تعتبر القراءة من دون مراقبة أمرا مدمرا. 
وكانت قراءة الصحفء بوجه خاص. ينظر إليها على أنها تشجع الناس 
العاديين على نقد الحكومة. 

وكانت مخاطر قراءة القتصص؛ بخاصة على النساء؛ تناقش في العادة من 
جانب الكتاب الذكور بدءا من مطلع القرن السادس عشر. وكما كانت الحال 
مع المسرح؛ كان يخشى من قدرة الروايات على إثارة عواطف ومشاعر خطرة 
مثل الحب. وكان بعض الرجال يرون أن النساء يجب ألا يتعلمن القراءة من 
الأساس خوفا من الخطابات الغرامية؛ على رغم أن الأمية ‏ كما رأينا ‏ لم 
تكن حائلا منيعا دون ذلك. ورأى آخرون أنه يمكن السماح للنساء بقليل من 
القراءة. كأن يقتصرن فقط على قراءة الكتاب المقدس والكتب الدينية. وكان 
هناك؛ على رغم ذلك قلة من الرجال الشجعان أكدوا أن نساء الطبقة العليا 
يمكن؛ بل يجبء أن يقرأن الكلاسيكيات. 

في حين تكشف مصادر كثيرة أنه من الناحية العملية, مارست أنواع أكثر 
من النساء قراءة أنواع من الكتب أكثر مما كان يسمح به النقاد. ففي إسبانيا 
مثلاء لم تخجل القديسة تيريزا من أفيلا (617١-؟1087١)‏ من التصريح 
بشغفها بروايات الفروسية الرومانسية. في حين أن بعض الشواهد لا يأتي 
من السير الذاتية؛ بل من اللوحات التي تصور فيها النساء أحيانا وكتب الشعر 
في أيديهن. كما تشير الأدلة المستمدة من القصص إلى هذا الاتجاه نفسه. 
ومن ذلك أن بطلة قصة إيطالية للكاهن ماتيو بانديلو (حوالي )١511 - ١480‏ 
توصف بأنها تقرأ لبوكاكيو وأرسطو قبل النوم. وفي فرنسا لويس الرابع عشر 
كان أهم الروائيين من النساء. ومن أبرزهن مدام دي لافايت (1554 - 1399), 





ثورة الطباعة في السياق 


وكن يكتين أساسا للنساء الأخريات. وقد ازدادت فرص القراءة أمام النساء 
في القرن الثامن عشر. حيث كانت الروايات وبعض الكتابات التاريخية. بما 
سوق النساء. ومن ذلك أن تصف «ليليان لف» الكتب في العام 75 بأنها 
«رفيق الخلوة», وأن تصور عددا من لوحات التنساء التي تعود إلى القرن الثامن 
عشر النساء والكتب في أيديهن (الشكل 5). كان بعض النساء في تلك الآونة 





3-5 


الشكل )١1(‏ مارغريت جيرارد: جين أونر فراجونارد. «القارنة» 


"'- إن الوقوف على مدى انتشار القراءة الإبداعية يتطلب فحصا من نوع 
مختلف. كانت معاني التصوص من الموضوعات الجدلية الرئيسية في الدراسات 





التاريخ الاجتماعي للوسائط 


النصوص يمكن:. بل بالفعل؛ تقرأ بطرق تناقض قصد المؤلف ليست بالجديدة بل 
تعود إلى زمن بعيد . ومن أمثلة ذلك أن «يوطوبيا» توماس مور )١0570  ١8178(‏ 
كانت تعامل ليس فقط كنقد وسخرية من إنجلترا ذلك الوقت؛ ولكن أيضا 
كمخطط لمجتمع مثاليء أي «يوطوبيا» بالمعنى الحديث للكلمة. وكذلك كتاب 
«المتودد» لبالدسير كاستجليون .)١055 - ١478(‏ وهو حوار مفتوح يناقش السلوك 
الملائم في مواقف اجتماعية مختلفة؛ قدمه طباعو القرن السادس عشرء وتعامل 
معه بعض القراء (كما يتضح لنا من حواشي الهوامش في كتب هؤلاء القراء) 
باعتباره دليلا للسلوك الجيدء حتى أن أعمال دانيال ديفو (770١1-١51ا١)‏ 
وجوناثان سويفت (17737 - )١740‏ الساخرة لم يدرك فحواها حتى بعض القراء 
ذوي العقليات الأدبية؛ إذ اعتقدوا أن كتاب ديفو «أقصر طريق مع المنشقين» كان 
يؤيد اضطهاد المنشقين» وأن كتاب سويفت «اقتراح متواضع» كان يؤيد الوحشية. 

يقدم إيطالي القرن السادس عشر ميللر مينوكيوء الذي أسهم المؤرخ 
الإيطالي كارلو جينزبرغ في توضيح أفكاره؛ مثالا أخاذا للقراءة غير القويمة 
بأكثر من معنى لهذا المصطلح. فعندما استجوبت محكمة التفتيش مينوكيو 
بتهمة الهرطقة وسألته عن الكتب التي قرأهاء جاء من بينها «الكتاب المقدس» 
وكتاب «ديكاميرون» لبوكاكيو و«الرحلات» الخيالية لمؤلف يدعى السير جون 
مانديفيل (كتاب مشهور في القرنين الخامس عشر والسادس عشر) وريما 
القرآن أيضا. وقد اتضح أن ما قرأه مينوكيو لم يدهش أعضاء محكمة 
التفتيش بقدر ما أدهشتهم الطريقة التي قرأها بها والتفسيرات التي قدمها 
للنصوص. فمن قصة بوكاكيو عن الحلقات الثلاث خلص مينوكيو إلى استنتاج 
أنه لو ولد مسلما لما ترك الإسلام. 

4 يعد مينوكيو مثالا للقارئ الكثيفء الذي يعيد قراءة عدد قليل من 
النصوص ويعمل التفكير فيهاء وهو أسلوب في القراءة كان يميز القرون الأولى 
للطباعة؛ وكذلك عصر المخطوطات الذي سبقها. ومع ذلك فهناك من يحاولون 
تأكيد أن أواخر القرن الشامن عشر شهدت «تثورة قراءة»» أي تحولا تجاه 
ممارسات التصفح والاستعراض والقراءة السريعة في أثناء مراجعة الكتب بحثا 
عن المعلومات المتعلقة بموضوع معين. ففي فترة ما قبل ,170١‏ كان عدد الكتب 
أقل وكانت الطياعة تعتبر شيئًا مقدساء في حين وصفت فترة ما يعد ١70١‏ بأنها 
فترة القراءة الواسعة» إذ تميزت بتكاثر. وبالتالي عدم تقديسء الكتب. 


























ثورة الطباعة في السياق 


غير أننا يجب ألا نفالي في تقدير هذا التحول؛ إذ من الممكن للجميع 
ممارسة الأساليب الواسعة والمكثفة؛ كل في حينه وحسب الحاجة. ومن 
ناحية؛ هناك أدلة في أواخر العصور الوسطى على القراءة بحثا عن الأسانيد, 
وبخاصة في الدوائر الأكاديمية. ومن ناحية أخرىء هناك أمثلة في أواخر 
القرن الثامن عشر لقراء مستغرقين كانوا يدطنون أنفسهم في إحدى الروايات 
الرومانسية المشجية التى كانت منتشرة آنذاك بدءا من ءؤأماء1] 78 لجان 
جاك روسو (؟١/١ ‏ 00 إلى تعطاء/17 06 5010/5 156" لجوهان ولففائغ 
فون غوته  ١1/49(‏ 35 187). 

5 يحتمل. مع ذلكء: أن تحولا في الأهمية النسبية لأسلوبي القراءة 
هذين قد حدث نتيجة للاتجاه نحو خصخصة القراءة. فعلى أي حال 
تغير قطع الكتب بطرق سهلت عمليات التصفح والاستعراض. كما 
أصبحت النصوص تقسم إلى فصول والفصول إلى فقرات. وجاءت 
الملاحظات المطبوعة في الهوامش لتلخص الرسالة التي يريد كل جزء أن 
ينقلها. وعملت جداول المحتويات والفهارس المفصلة المنظمة وفق 
الترتيب الأبجدي على مساعدة القراء الذين يبحثون في عجالة عن 
معلومات معينة. 

إن خصخصة القراءة ينظر إليها غالبا كجزء من نشأة النزعة الفردية. 
وكذلك التوحد أو «التعيئة النفسية» كما يسميها عالم اجتماع الوسائطظ 
دانييل ليرنر في كتابه «موت المجتمع التقليدي» .)١1908(‏ ويمكن فهم 
الفكرة الأساسية الكامنة خلف هذه التعبيرات بشكل جيد من خلال الصور 
التي تعرض رجلا أو امرأة ‏ بمفرده يقرأ كتابا وهو جالس أو متمدد على 
الأرض متتاسيا العالم الخارجيء تلك الصور التي كانت شائعة نسبها بدءا 
من القرن الثامن عشر. وينعكس الاتجاه طويل المدى نحو الخصخصة من 
القرن الرابع عشر إلى القرن العشرين أيضا في قطع الكتب. طفد كانت 
كتب القرن الخامس عشر هي كتبا من القطع الأعظم بطباعة كبيرة لابد 
من قراءتها على حوامل أو مقرآت. في حين أصبحت الكتب الصغفيرة في 
القرنين السادس عشر والسابع عشر أكثر انتشاراء مثل قطع الثمن أو حتى 
القطوع الأصغرء كتلك التي استخدمها الطباع الفينيسي الشهير الدو 
مانوزيو في طبعاته من الكلاسيكيات. 





التاريخ الاجتماعي للوسائط 


في السيرة الموجزة لحياة توماس هويز -١08/8(‏ 1775). ذكر المترجم جون 
أوبري (11517-1557) قصة تروي أن الفيلسوف عندما كان يعمل وصيفا لإيرل 
ديفونشاير اشترى كتبا من إنتاج مطابع أمستردام يمكن وضعها في الجيب 
(بخاصة شروح قيصر).: كان يقرأها في الرواق أو الحجرة الخلفية ضي أثناء 
قيام سيده بزياراته الخارجية. هذه الفقرة تعطينا رؤية القارئّ ‏ هوبز ‏ 
لاستخدام «كلاسيكيات» إلزيفر ذات القطع الصغير التي ناقشناها من قبل. 
وكانت كتب الشعر على وجه الخصوص تطبع في هذا القطع. وهو ما شجع 
القراءة في السريرء خاصة في القرن الثامن عشرء وهو الوقت الذي تحولت فيه 
غرف النوم في منازل الطبقتين العليا والمتوسطة بالتدريج لتصبح أماكن خاصة. 

بيد أن تناول تاريخ القراءة باعتباره انتقالا من العام إلى الخاص يعد 
تبسيطا لا يخلو من إخلالء شأنه شأن النظر إلى تاريخ القراءة باعتباره تحولا 
بسيطا من الطريقة المكثفة إلى الواسعة. فقد كانت القراءة الصامتة تمارس 
أحيانا في العصور الوسطى. وفي مقابل ذلك استمرت القراءة المسموعة على 
الملأ في بدايات العصر الحديث؛ كما كان يحدث في حلقات الطبقة العاملة 
في القرن التاسع عشر. وتقدم حركة الإصلاح الألمانية بعض الأمثلة الحية 
للقراءة كنشاط عام. 

كما أنه من الممكن التمييز بين عادات القراءة حسب الطبقة الاجتماعية. خففى 
حين كانت الطبقات الوسطى تميل إلى القراءة الخاصة:؛ كانت الطبقات العاملة 
تستمع للقراءة الجهرية. ومن الضروري كذلك أن نضع بعض التمييزات وفقا 
للموقف. فمثلا ممارسة القراءة بصوت عال على الموائد. سواء في حجرات 
الطعام بالأديرة أو القصور الملكية في العصور الوسطىء استمرت في القرنين 
السادس عشر والسابع عشرء كما استمرت القراءة بصوت عال في الحلقات 
العائلية إلى القرن التاسع عشرء ولو على الأقل كفاية. كما تؤكد الكثير من 
الصور. ومن المحتمل أن كتب «المكتبة الزرفاء». التي ناقشناها من قبل؛ والتي 
انتشرت في مناطق كانت معدلات المعرفة بالقراءة والكتابة فيها منخفضة؛ كانت 
تقرآً بصوت مسموع في المناسبات التي كان الجيران يجتمعون فيها لقضاء المساء 
في العمل والاستماع. كما عمل ظهور الصحف أيضا على تشجيع القراءة بصوت 
عال على الإفطار أو في أثناء العمل» علما أن قراءة أناس كثيرين للأخبار نفسها 
في الوقت نفسه تقريبا ساعدت على خلق مجتمع القراء. 





























ثورة الطباعة فى السياق 


التعليم والتسلية 

كانت استخدامات القراءة في أوروبا أواكل العصر الحديث بالقدر نفسه 
من التنوع الذي نلحظه اليوم» على رغم أن هذه الاستخدامات لم تكن توصف 
بالطريقة نفسها التي توصف بها اليوم. وكانت فئات الكتب الرئيسية هي 
المعلومات والتعليم: إلى جانب نوع ثالث اكتسب شرعيته ببطء شديد. وهو 
الكتب التي تميل نحو التسلية. حيث جرى الاعتراف بها كاستخدام مشروع 
لوقت القراء. إن الأهمية المتزايدة التي اكتسبتها القراءة من أجل الحصول 
على المعلومات بين العامين ١26١‏ و١٠16‏ تتضح من خلال تكاثر ما نسميه 
المراجع متعددة الأنواع: من معاجم وموسوعات وجداول كرونولوجية (*) 
ومعاجم جغرافية؛ وسلاسل الكتب العملية حول موضوعات متنوعة كالزراعة 
والأخلاق الطيبة والطبخ والخط. إن أهمية التعليم الأخلاقي تتكشف من عدد 
المواعظ التي ظهرت مطبوعة والأبحاث حول الفضائل الضرورية لآدوار معينة 
في المجتمع (من أبرزها الزوجة والتاجر وما إلى غير ذلك). 

وضي مقابل ذلك يكشف تاريخ كلمة «تسلية» عن العوائق التي حالت دون 
ظهور هذا النوع من الكتب أو الكتيبات. في أوائل القرن السابع عشر كانت 
«التسلية» «عصرمنتها,ع:مء تصاحب كرم الضيافة الذي يقدم للضيوف والزوارء 
وفقط حوالي عام :170٠‏ اكتسبت الكلمة المعنى الإضافي المتمثل في شيء 
ما ممتع؛ ومع مطلع القرن الثامن عشر فقط كان من الممكن وصف العروض؛ 
كالمسرحيات مثلاء بأنها «من أشكال التسلية» (من أجل التاريخ اللاحق 
للوسائط باعتبارها من أشكال التسلية: راجع الفقصل السادس). 

على أن الكتب التي يمكن وصفها بأنها كتب تسلية؛ بدءا من كتب النكات 
إلى الروايات الرومانسية؛ كانت تطبع منذ وقت مبكرء في القرن الخامس 
تحديداء لكنها كانت في الغالب تزود بإطار ذي طابع أخلاقي أو تعبويء ريما 
من أجل تقليل احتمال مقاومة رجال الدين وأرباب الأسر وغيرهم من 
«الحراس» ضد هذا التوع من النصوص. كما كانت الكتيبات والنشرات 
المطوية المكونة من ورقة واحدة تروي أعمال المجرمين الفذة (وهو نوع أدبي 
جديد ظهر في القرن السادس عشر لمجموعة جديدة من القراء) تقدم 
بطريقة مماثلة مؤكدة العقاب. وفي بعض الحالات التوبة القلبية للمجرم. 


(*) تبين التواريخ الدقيقة للأحداث مرتبة حسب تسلسلها الزمني. [المترجم]. 








التاريخ الاجتماعي للوسائط 


ومع ذلك؛ فإن هذا المدخل الأخلاقي كان يضيع بسبب اللغة المثيرة» من 
ذلك أن صفحات العناوين ‏ مثل العناوين الحديثة ‏ كانت تشير إلى أحداث 
«مرعبة» أو «رائعة» أو «مفزعة». أو «أعمال وحشية ودموية»»؛ أو «عمليات 
قتل غريبة أو غير إنسانية». وما شابه. وعلى المدى الطويل. خاصة في 
القرن الثامن عشرء كسر أدب التسلية طوق الإطار الأخلاقي ليصبح جزءا 
من الاتجار في وقت الفراغ: إلى جانب الحفلات الموسيقية وسباقات 
الخيول والسيرك. 
زيارة ثاشية لثورة الطباعة 

بعد هذا المسح لوسائط أوائكل العصر الحديثء قد يكون من المفيد أن 
نعود إلى مناقشة ثورة الطباعة. ثمة تواز واضح بين الجدل حول منطق 
الكتابة والجدل حول منطق الطباعة: تمامًا مثل ذلك التوازي القائم بين 
الجدل حول نتائج الطباعة ونتائج المعرفة بالقراءة والكتابة. بل حتى تفاصيل 
مثل ظهور النصوص الثابتة ومشكلات الوثوق بوسيط جديد. إن نقاد 
أطروحة الثورة غالبا ما يحاولون إثبات أن الطباعة ليست فاعلة, بل مجرد 
تكنولوجيا يوظفها الأفراد والجماعات لأغراض مختلفة في أماكن مختلفة: 
وهمء لهذا السبب. يفضلون دراسة استخدامات الطباعة فى سياقات 
اجتماعية أو ثقافية مختلفة. 

أما مؤيدو أطروحة الثورة؛ في مقابل ذلك فينظرون إلى الطباعة مثلها 
مثل الكتابة كأحد عوامل نقض السياقية. ومن الواضح أتنا عدنا إلى 
الصراع بين النموذج المستقل والنموذج السياقي. وهي مشكلة سبق أن 
ناقشناها. فهل يجب أن نتحدث عن ثقافة الطباعة بصيفة المفرد أم ثقافات 
الطبعة بصيغة الجمء؟ 

بيد أنه ليس من الضروري بالطبع تبني موقف متطرف في هذا الجدل؛ بل 
الأنفع بحث النظرات التي تقدمها كل جماعة من الدارسين؛ وأن نرى. من خلال 
القيام بالتمييزات والتكييفات الملائمة؛ إذا كان من الممكن الجمع بين هذين 
الطرفين. ويمكن أن نبدأ برفض الصيغ المتطرفة في كلا الجانبين: أي رفض كل 
من الحتمية المتضمنة ضي الموقف الثوري واللاإرادية الموجودة عند السياقيين. 
وقد يكون من المفيد أكثر أن نتحدث,. كما فعل إنيس؛ عن التحيز الكامن في كل 





ثورة الطباعة في السياق 


وسيط اتصال. كما أن من الحكمة:؛ من المنظور الجغرافيء أن نفكر في التأثيرات 
المتماثلة للطباعة في الأماكن المختلفة, وليس التأثيرات التي كانت إما متماثلة في 
كل الأماكن أو مختلفة كلية من مكان إلى آخر. وإلى جانب ذلك فمن المفيدء من 
المنظور الكرونولوجيء أن نميز بين النتائج الفورية المباشرة والنتائج بعيدة المدى 
لدخول الطباعة. فالسياقيون يتعاملون بمزيد من الرضا مع النتائج قصيرة المدى 
ونوايا وتكتيكات وإستراتيجيات الأفراد. في حين يتلمس الثوريون: في مقابل 
ذلك. نتاكج هذا التغير بعيدة المدى وغير المقصودة. 

في أوروبا أواكل العصر الحديثء كما في أماكن وعصور أخرى: كان التغير 
الثقاخي في الغالب تراكميا وليس استبدالياء خاصة في مراحل التجديد 
المبكرة. وكما تبين فإن الوسائط القديمة؛ مثل الاتصال الشفهي والمخطوطات, 
تعايشت وتضاعلت مع وسيط الطباعة الجديد في أوروبا أوائل العصر 
الحديثء تماما كما تتعايش الطباعة:ء التي أصبحت الآن وسيطا قديماء مع 
التلفزيون والإنترنت في مطلع القرن الواحد والعشرين. 

وعند هذه النقطة يمكن الرجوع إلى الحجج حول الدوام والثبات؛ تلك 
التي ناقشناها فيما سبق. مضيفين إليها التكييفات اللازمة. من المتفق عليه 
أن الكتابة شجعت على تثبيت النصوص قبل أن تعرف الطباعة بوقت طويلء 
ومن المتفق عليه أيضا أن كثيرا من الأعمال المطبوعة كان المعاصرون يتعاملون 
معها باعتبارها أشياء سريعة الزوال. فالاختلافات بين نسخ العمل المطبوع 
نفسه كانت شيئًا شائعا في هذه الفترة المبكرةء وذلك لأن البروفات الطباعية 
كانت تصحح في الورش ضي أثناء عملية الإنتاج. كما أن الطباعة. خاصة على 
أيدي «القراصنة». غالبا ما كانت تروج لنصوص خاطئة. ومع ذلك؛ فهذه 
التكييفات لا تقلب القول المعتدل بأن المطبعة دعمت الثبات النسبي للنصوص. 

ويمكن تقديم إجابة مماثلة عن السؤال الأكبر عن ثبات المعرفة» فقد سهلت 
الطباعة تراكم المعرفة من خلال جعل الاكتشافات معروفة بشكل أوسع؛ وتقليل 
احتمال ضياع المعلومات. وفي مقابل ذلك. كما أوضحنا من قبلء عملت 
الطباعة على زعزعة المعرفة: أو ما يعتقد أنه معرفة؛ إذ جعلت القراء أكثر وعيا 
بوجود روايات وتفسيرات متعارضة. ولذلك كما في حالة النصوصء فإن ثبات 
المعرفة الذي شجعته الطباعة كان نسبيا وليس مطلقا. إن التغيرات التي 
حدثت. أيا كانت أهميتهاء كانت تغيرات في الدرجة وليس في النوع. 


























التاريخ الاجتماعي للوسائط 


ومن هذه التغيرات مفهوم جديد نسبيا للكتابة نسميه الآن «الأدب». وهذا 
المفهوم. إلى جانب مفهوم «المؤلف», ارتبطا بفكرة النسخة الصحيحة أو 
المعتمدة من النص. وكما لاحظنا من قبل. فإن الثقافة الشفهية مائعة والإنتاج 
الشفهي عمل تعاوني. في ثقافة المخطوطات كان هناك بالفعل ميل نحو 
التثبيت؛ ولكنه كان يلقى مقاومة بسبب عدم الدقة وأيضاء كما رأينا من قبل. 
بسبب إبداع الناسخين. إن ما نسميه الانتحال أو السرقة الأدبية؛ شأنه شأن 
الملكية الفكرية التي يهددهاء في الأساس من منتجات ثورة الطباعة. 

ثمة نتيجة أخرى مهمة لاختراع الطباعة؛ هي اشتراك المقاولين وأصحاب 
المشروعات بشكل أكبر في عملية نشر المعرفة. إذ إن استخدام هذا الوسيط الجديد 
شجع على زيادة الوعي بأهمية الدعاية سواء أكانت اقتصادية (الإعلان) أم سياسية 
(ما نسميه دعاية؛ وهو مصطلح بدأ يستخدم في أواخر القرن الثامن عشر). فشهرة 
لويس الرابع عشر على سبيل المثال: أو «مجده» كما يسميه هوء يدين بالكثير 
للطباعة. حيث روجت مئات من الصور المنقوشة لهذا الملك في أثناء فترة حكمه. 

هناك شكل آخر من النسخ الميكانيكي هو الميداليات البرونزية. اتباعا 
للسوابق الكلاسيكية جرى إحياء الميداليات في إيطاليا القرن الخامس عشرء 
وسرعان ما عدلها الحكام كوسيلة لنشر صور مفضلة لهم ولسياساتهم. صحيح 
أن عدد النسخ التي كانت تصك منها كان منخفضا نسبياء ريما لا يزيد على 
المائة. لكنها كانت توزع على السفراء الأجانب ورؤساء الحكومات الأجانب لكي 
تحدث انطباعا في الأماكن المهمة. وقد أصيح الإقناع عن طريق الميداليات ذا 
أهمية كبيرة في القرن السابع عشر. وفي حين كان الحكام السابقون يرضون 
بثلاثين أو أربعين ميدالية مختلفة. جرى صك ٠٠١‏ ميدالية مختلفة لإحياء ذكرى 
الأحداث الرئيسية في عهد لويس الرابع عشر. كانت تعرض في مجلس الوزراء 
والمجلس الاستشاريء لكن المجلدات التي عرضت الصور المنقوشة للميداليات 
والتعليقات التوضيحية والتمجيدية كانت تصل بالطبع إلى جمهور أكبر. وقد 
تغنى الشعراء الرسميون بمديح لويس الرابع عشر وغيره من ملوك هذه الفترة 
في أعمال مطبوعة: ونشر المؤرخون الرسميون كتابات حول مآثره الرائعة 
لمعاصريهم وللأجيال القادمة على حد سواء. وكذلك كانت المهرجانات الملكية 
الرئيسية, التي كانت أحداثا مكلفة ولكنها سريعة الزوال» تثبت في الذاكرة عن 
طريق التوصيفات المطبوعة والمزودة برسوم توضيحية. 


ثورة الطباعة في السياق 


ومن بين الأحدات التي صورت بهذه الطريقة أحداث لم تقع أساسا. 
فوفقا للمؤرخ الأمريكي دانييل بورستن في كتابه «الصورة» )١1917(‏ كان تلفيق 
«أحداث مزيفة» ناتجا عما أسماه «ثورة التصوير» في القرنين التاسع عشر 
والعشرينء أي عصر التصوير الفوتوغرافي والتلفزيون. ومع ذلك فليس من 
الصعب العثور على أمثلة لهذه الأحداث في عصر القوالب الخشبية والنقوش. 
ومشال ذلك خطب ال موت الأخيرة المزودة برسوم توضيحية للمجرمين الذين 
أعدموا في نيوجيت بلندن في القرن الثامن عشرء والتي كانت تباع في يوم 
تنفيذ الإعدام. وفي الحالات التي كان يرجأ فيها تنفيذ الأحكام في آخر 
لحظة؛ كان في مقدور المجرم أن يقرأ حول موته. وقد نشر نقش للملك لويس 
الرابع عشر وهو بجوار الأكاديمية الملكية للعلوم في باريس العام 2171/1 في 
وقت كان الملك فيه لم يزر بعد هذه الأكاديمية حديثة الإنشاء. 

لقد أصبحت المواد المطيوعة بصرف النظر عن موثوقيتها جزءا مهما 
جدا من الحياة اليومية. ومن الضروري تأكيد هذا الانتشارء فانتشار الكتب 
والكتيبات والصحف كان مجرد جزء من قصة تضمنت أيضا ظهور نوعين 
تلازما فقط مع القرنين التاسع عشر والعشرين: وهما الملصقات والصيغ 
الرسمية. تكاثرت الصيغ الرسمية على جوانب الشوارع وأبواب الكنائس. 
غفي فلورنسا مشلا عرضت القائمة الجديدة بالكتب المحظورة العام ١00/8‏ 
على أبواب كنيسة المدينة. وفي لندن بدءا من ١17١‏ تقريباء بدأ إعلان 
الممسرحيات على لافتات تعلق في الشوارع. وفي العام 17287, اندهش زائر 
سويدي من انتشار أسماء المحلات أكثر من علامات الطريق. كما كانت 
أسماء الشوارع تكتب على الجدران: وهو ما جعل الأمية تبدو عائقا كبيرا 
وواضحا أمام سكان المدن الأوروبية الكبرى. والزائر الغربي لطوكيو اليوم قد 
يكون في موقف جيد لتقدير قلق أولئك الذين يدركون أن رسائل كثيسرة 
تعرض في الشارع (من الممكن أن تكون مهمة) من دون أن يكونوا قادرين 
مطلقا على حل شفرتها. 

كانت الصيغ المطبوعة تستخدم بالفعل في أوائل العصر الحديث في عقود 
الإيجار والإعلانات الضريبية وإيصالات التسلم والتعدادات. شفي فيئيسيا 
القرن السادس عشر مثلا؛ لم يكن على القائمين بالإحصاء إلا أن يملأوا 
الخانات الملائمة: ويصنفوا المنازل إلى منازل نبلاء أو مواطنين أو حرفيين: 





التاريخ الاجتماعي للوسائط 


ويحصوا عدد الخدم والكراسي المنجدة. والكنيسة مثلها مثل الدولة كانت 
تستخدم الصيغء وكان كهنة الأبرشية يملأون نماذج تشهد أن الشايات 
اليتيمات اللاتي على وشك الزواج كن كاثوليكيات جيدات. وبحلول القرن 
السابع عشرء كان الكرادلة يستخدمون النماذج في اجتماع الكرادلة لانتتخاب 
بابا جديد. وكانت هذه النماذج تضم أماكن يكتبون ضيها باللاتينية أسماءهم 
واسم المرشح الذي يؤيدونه. 

كان الفضل للصحف اليومية قبل أي شيء آخر ‏ وهي شيء سريع 
الزوال أصبح فيما بعد ذا قيمة كبيرة للمؤرخين الاجتماعيين ‏ في جعل 
الطباعة جزءا من الحياة اليومية في القرن الثامن عشرء ولو على الأقل 
في بعض أجزاء أوروبا (عندما زار غوته مدينة كالتانيسيتا في سيسيلي 
العام 1747 اكتشف أن السكان لم يعلموا بعد بوفاة فريدريك الأكبر ضي 
العام الماضي). وفي إنجلترا وحدها قدر عدد الصحف التي بيعت العام 
47 بخمسة عشر مليون صحيفة . كما كانت الصحف اليومية أو 
الأسبوعية أو نصف الأسبوعية تلحق بمنشورات شهرية أو فصلية؛ وهو ما 
أصبح يعرف بالدوريات والمجلات. إلى جانب ذلك؛ كانت هناك صحف 
علمية مثل «أعمال الجمعية الملكية بلندن» )١170(‏ أو «أخبار جمهورية 
الأدب» )١185(‏ التي نشرت المعلومات عن الاكتشافات الجديدة ووفيات 
الدارسين وكذلك الكتب الجديدة. وكانت مراجعات الكتب أيضا من 
مستحدتات أواخر القرن السابع عشر. وبهذه الطريقة كان أحد أشكال 
الطباعة يعلن أشكالا أخرى ويعززها. 

أما المجلات الأخرى. مثل المجلة الفرنسية « ]08120 56ده2/6» التي أسست 
العام ,١111!7‏ فقد كانت موجهة إلى جمهور أقل اهتماما بالعلم. فهذه الأخيرة: 
التي كان يكتبها رجل في الأساس.ء الكاتب المسرحي جين دونيو دي فيز 
,)171١-1154(‏ كانت موجهة إلى القراء الإناث في المقام الأول ومزودة 
بالرسوم التوضيحية. واتخذت شكل خطاب كتبته سيدة من باريس إلى أخرى 
من الريف. وكان الخطاب يقدم أخبار القصر ولمدينة وآخر المسرحيات 
وأحدث الموضات في الملابس والديكورات الداخلية. إضافة إلى ذلك. حملت 
المجلة أيضا قصصا قصيرة موضوعها الأساسي هو الحب. وكان القراء 
يدعون إلى إرسال الشعر وحل الألغاز. وكانت أسماء وعناوين القراء الذين 





ثورة الطباعة في السياق 


يفوزون تنشر في المجلة؛ إلى جانب الفائزين في مسابقات كتابة الشعر. كما 
تضمنت هذه المجلة كذلك تقارير لا تخلو من الإطراء حول أعمال لويس الرابع 
عشر وانتصارات جيوشه؛ وهو شكل من الدعاية حصل المحرر في مقابله على 
منحة كبيرة من الحكومة. 

وعلى عكس ذلك كانت المجلة الإنجليزية «المشاهد» 2605اءع»عم5 186 
التي بدأت النشر العام 0١7١١‏ أي بعد عامين من نشر مجلة 156 
1216 تفخر باستقلالها . وأهمية اسم هذه الصحيفة تبرز في التأكيد 
على ابتعادها عن السياسة الحزبية. ورغبة محرريها في أن يشاهدوا. 
النزاعات من دون أن يشتركوا فيها. وكان هدفها المعلن هو إخراج 
الفلسفة من المؤسسات الأكاديمية: وطرحها في النوادي والجمعيات 
وعلى موائد الشاي وفي المقاهي. وكانت تغطية هذه الصحيفة تمتد من 
الأسئلة الأخلاقية والجمالية العميقة إلى آخر موضات القفازات. ومثل 
«دينو دي فيز» شجع محرراها (جوزيف أديسون وريتشارد ستيل اللذان 
كانا يتخفيان وراء قناع «الأستاذ مشاهد» و«نادي المشاهد») قراءهم 
على المشاركة في الصحيفة:, وأعلنوا في العدد الأول من الصحيفة 
يطلبون ممن لديهم آراء أن يراسلوهما وأن يوجهوا خطاباتهم إلى 
الطباع؛ وبالفعل أرسل كثير من الناس خطابات إلى الصحيفة ونشر 
بعض هذه الخطايات. 

وبطريقة ممالة» وقبل أديسون وستيل بسنوات قليلة: أسس بائع الكتب 
اللندني جون دنتون (17175-1195) مجلة «عطارد الأثيني» لحل كل الأسئلة 
الدقيقة واللافتة للنظر التي يطرحها المبدعون. وي أثناء حياتها التي دامت 
ميت سنوات. قدمت المجلة إجابات عن حوالي ١‏ آلاف سؤال من قرائها. 
وبذلك نجد أن فكرة الوسيط التفاعلي التي تحظى اليوم بنقاش مكثف تعود 
بجذورها إلى هذا الماضي» وهو ما يجعل دنتون رائدا أصيلا. 

ويمكن قياس نجاح صيغة أديسون ‏ ستيل جزئيا بعدد الطبعات المجمعة 
من «المشاهد» التي استمرت في الصدور بقية القرن: وجزتيا بترجمتها إلى 
اللفات الأجنبية: وقبل كل ذلك ب «الأسبوعيات الأخلاقية» الكثيرة التي 
فرضت أسلوبها ومدخلها الخاصين في إنجلترا وفرنسا وهولندا وألمانيا 
وإيطاليا وإسبانيا وأماكن أخرى. 





التاريخ الاجتماعي للوسائط 


إن تأثيرات نشأة الصحف وغيرها من الدوريات تناقش منذ تلك 
الأيام إلى يومنا هذا. وهناك منن البداية نقاد لهاء منهم من يأخن عليها 
أنها تفضح الأسرارء ومنهم من يتهمها بالتفاهة. لكن كان لها أيضا 
معجبون: ومن ذلك أن تقول صحيفة «المقهى» الميلانية: إن الصحف 
وسعت المدارك وآنهاء على نح وأدق. حولت الرومان [سكان روما] 
والفلورنسيين إلى أوروبيين. إن ظهور أنواع جديدة من المراجع مثل «معجم 
الصحف» أو المعجم الجفرافضي (معجم بالأسماء والأماكن التي تذكر فضي 
الصحف) يكشف عن أن هذه الصحف وسعت آفاق قرائها من خلال 
توعيتهم بما لا يعرفون. 
اتجاهات قرائها: الانتحار والشكوكية. في كتابهما «أرواح لا تنام» (1950) أكد 
مايكل ماكدونالد وتيرئس مورفطي أن «أسلوب واتجاه قصص الصحف حول 
عمليات الانتحار دعما اتجاها دنيويا متعاطفا إلى حد كبير مع فقتل النفس» 
في إنجاترا القرن الثامن عشر. فمن خلال تكرار وتتابع التقارير تولد انطباع 
الخطابات المطبوعة بدورها أثرت في أسلوب المذكرات التي تركها المنتحرون 

ويمكن القول إن الصحف شجعت على الشكوكية أيضاء فالتناقضات 
بين تقارير الصحف المختلفة عن الحدث نفسه:؛ التي تقدم مثالا أكثر 
تطرفا للتناقضات بين الكتبء تلك التي لاحظها إيزنشتين: ولدت إحساسا 
بعدم الثقة ضفي الطباعة. حتى عندما كان الناس يقرأون صحيفة واحدة:ء لم 
يكن في مقدورهم أن ينجوا من التأثر بالتناقض الذي يظهر في التقارير 
للتفسيرات غير الموثوقة الأحداث. وبالنسبة إلى أولئك الذين شاركوا في 
هذه الأحداثء أو على الأقل شاهدوهاء كانت تفسيرات الأحداث التي 
الأقل في التفاصيل. 

















ثورة الطباعة في السياق 


كانت هذه هي النتائج السلبية. وبشكل عام؛ أسهمت الصحف في نشأة 
الرأي العام. وهو مصطلح دون لأول مرة باللغة الفرنسية في العام ١76١‏ 
تقريباء وبالإنجليزية العام 1871١‏ وبالألمانية العام ”1174 . وقد أعيد تعريف هذا 
التطور في الجيل الماضي بأنه نشأة «الحيز العام» بفضل كتاب مؤثر 
لهابرماس(*) «التحول البنائي للحيز العام». نشر لأول مرة في العام ١577‏ 
ولزيد من الدقة نقول إن هذا التعبير انتشر بفضل ترجمة مصطلح هابرماس 
«العمومية» بمعنى «جعل الشيء عاما» إلى تعبير مكاني: وهو تحول ينبىٌ ضي' 
ذاته بشيء ما عن عملية الاتصال بين الثقافات. وكما في حالة إيزنشتين 
فيما يتعلق بثورة الطباعة. فإن ما قدمه لنا هابرماس ليس حجة جديدة بقدر 
ماهو إعادة صياغة لحجة قديمة. فبدلا من الحديث عن الرأي العام الذي 
كما يبدو يفترض الإجماع؛ يتحدث هابرماس عن ميدان حدث فيه جدل؛ 
ويقدم حجة حول الحجة. يقول هابرماس إن القرن الثامن عشر (باعتباره 
يبدأ من العقد الأخير من القرن السابع عشر) كان فترة مهمة في نشأة الفكر 
العقلاني والنقدي الذي ظهر داخل «حيز عام» بورجوازي ليبرالي. كان على 
الأقل من حيث المبدأ - مفتوحا لمشاركة الجميع. إن دراسة هابرماس ذات 
أهمية خاصة بسبب نظرتها إلى الوسائط كنظام (يتضمن الصحف والمقاهي 
والنوادي والصالونات) تعمل عناصره المختلفة معا. يؤكد الكتاب التحول 
البنائي لهذا الحيز في آخر القرن الثامن عشر في إنجاترا وفرنساء أي نقض 
وسيلتيه [بمعنى تحرره من التدخل المغرض] وإسهامه في ظهور اتجاهات 
عقلانية وناقدة نحو ما سيعرف بعد الثورة الفرنسية ب «النظام القديم». 
(*) يورغين هابرماس فيلسوف وعالم اجتماع ألماني؛ ولد في العام 1474 ودرس في جامعات غوتنغن 
وزيورخ وبونء وحصل على الدكتوراه في فلسفة شلنغ. ومن أهم أعماله «النظرية والتطبيق» (1551) 
و«المعرفة والاهتمامات الإنسانية» (1514) و«نظرية الفعل الاتصالي» .)154١(‏ ويظل كتابه «التحول 
البنائي للحيز العام (15377) الأهم بين أعماله جميعاء وفيه يفحص هابرماس ذلك النوع من 
العمومية لإاذهناطنام الذي نشأ في القرن الثامن عشرء والذي يسميه «الحيز العام البورجوازي». 
ويعرفه بأنه ذلك الحيز من الناس الخاصين الذين تجمعوا معا لتشكيل «جمهور» هذاانام . قبل الحيز 


العام البورجوازي كانت تسود العصور الوسطى. وكما يقرر هابرماس, العمومية 
التمثيلية )1ع نآطام 106)هنمءوعهمع: التي كانت تضم الملك أو السيد الإقطاعي نفسه أمام «الجمهور» 
ععمع للنلة : حيث كان الملك هو الشخص العام الوحيد, في حين لم يكن الآخرون إلا متفرجين. إذ لم 
يكن الحيزان العام والخاص قد انفصلا بعد. وعلى النقيض من تلك الرؤية الماركسية التي ترجع 
التحول في الحيز العام إلى التحول من الإقطاع إلى الرأسمالية. يدفع مؤلفا هذا الكتاب بآن 


الوسائط لعبت دورا بارزا في هذا التحول. [المترجم]. 











التاريخ الاجتماعي للوسائط 


إن رؤى هابرماس حول الجدل العام أدت هي ذاتها إلى جدل عام انتقد 
فيه هابرماس لتقديمه تفسيرا «يوطوبيا» لهذا القرن. ولفشله ضفي ملاحظة 
تأثير الوسائط في الجمهور ولتشديده الضعيف للغاية على المجموعات التي 
كانت في الواقع مستبعدة من المناقشة (الرجال والنساء العاديين): ولتشديده 
القوي للفاية على ما يسميه «الحالة النموذج» المتمثلة في بريطانيا في أواخر 
القرن الثامن عشر على حساب أماكن وفترات أخرى. وقد أكد البعض وجود 
أكثر من حيز عام واحد في أوروبا في بدايات العصر الحديثء منها الحيز 
العام الخاص بالقصور الملكية» حيث كانت المعلومات السياسية متاحة بوفرة 
وكانت تناقش بقوة. فالحكام من أمثال لويس الرابع عشر (كما عرضنا من 
قبل في هذا الفصل) كانوا يعون جيدا حاجتهم إلى أن يقدموا بشكل محبب 
إلى جمهور القصر عن طريق عدد كبير من الوسائطء بدءا من القصائد 
والمسرحيات وانتهاء باللوحات والنقوش والصور النسيجية والميداليات. 

وعلى ذلك؛ فإن من أهداف الفصل التائي اختبار أفكار هابرماس عن 
طريق بحث أكثر تفصيلا لعدد من المناقشات العامة للدين والسياسة في 
أوروبا من عصر النهضة والإصلاح إلى الثورة الفرنسية. إن تطورات القرن 
العشرين التي بدأت بالإذاعة والتلفزيون ونمو الإعلان تغير سياق أطروحة 
هابرماس كلية؛ وهو ما اعترف به هو نفسه. وهذه التطورات هي ما سنناقشه 
في الفصول الثالث والرابع والخامس من هذا الكتاب. 








م 





«كانت قوة الوسائط تكمن 
في قدرتها على بعث ذكريات 


الماضي الثوري» 


المؤلغان 






الوسائط والحيز العام في أوروبا 
أوائل العصر الحديث 


يقدم هذا الفصل سردا للتغيرات التي 
حدثت في الوسائطء إذ يعرض تحليلا تتابعيا 
للأحداث الاتصالية من بداية العقد السادس 
من القرن الخامس عشر إلى العقد الأخير من 
القرن الثامن عشرء مركزا على الأحداث أو 
سلاسل الأحداث التي ألصقت بها مسميات: 
«حركة الإصلاح» و«الحروب الدينية». 
و«الحرب الأهلية الإنجليزية»»: و«الثورة المجيدة 


العام 244.» ودالثورة الفرنسية العام لال . 
٠‏ ويركز الفصل,. مع ذلك على موضوع واحد 


قدمنا له في نهاية الفصل السابق وهو نشأة 
السياسية. أي تلك المعلومات والاتجاهات 


. والقيم السياسية التي اشتركت فيها مجتمعات 


أوروبية معيئة أو جماعات اجتماعية معينة 


0 داخل المجتمع نفسه أو ذاك. وسوف نفحص 


كيف أثرت الوسائط المختلفة في هده 
الأحداث وكيف أثرت الأحداث ذاتها في نشوء 
وتعديل نظام الوسائط. 


التاريخ الاجتماعي للوسائط 


في دراسة حديثة عن الصحف الأولى: بعنوان «اختراع الصحيفة» 
(1597). حذر «جود رايموند» القراء من التفسير الخطي التقليدي «للتوسع 
في التحرر السياسي الذي انعكس في الإتاحة المتزايدة للأخبارء وانهيار 
الرقابة» ونشوء الحرية السياسية: أي بإيجازء الانتقال من نظام قديم إلى آخر 
ديموقراطي». وعلى النقيض من ذلكء. يمكن وصف القصة التي سنحكيها على 
هذه الصفحات بأنها قصة متعرجة تنتقل من منطقة إلى أخرى. وتتضمن 
لحظات معينة تضيق فيها إتاحة المعلومات ولا تتسع. وعلى كل فهناك تفيرات 
بعيدة المدى يمكن رؤيتها في الفترة من عشرينيات القرن السادس عشر إلى 
العقد الأخير من القرن الثامن عشر. 

وكما في حالة ثورة الطباعة؛ فليس هناك تاريخ معلم واحد نبدأ من عنده 
القصة,؛ كما أنه ئيس هناك انقطاع واضح عما حدث من قبل. قبل حركة 
الإصلاح كان في الدول ‏ المدن الإيطالية. خاصة فلورنسا في القرون الثالث 
عشر والرابع عشر والخامس عشرء إشارات دائمة إلى «الشعب» (أي أعضاء 
النقابات التجارية والحرفية). ومع الوقت شاركت أعداد أكبر نسبيا من 
السكان في الحياة السياسية الفلورنسية؛ حوالي + ه آلاف من الذكور 
البالغين في مدينة لا يتجاوز تعدادها في ذلك الوقت مائة ألف نسمة. وكانت 
المناصب السياسية المهمة تشغل عن طريق القرعة وكانت مدة بعض هذه 
المناصب لا تتجاوز الشهرين. وقد كانت الثقافة السياسية الفلورنسية:» مثلها 
مثل ثقافة أثينا الكلاسيكية. شفهية وبصرية في الأساسء وكانت ميادين 
المدينةء لا سيما ميدان «بيازا ديلا سينوريا» في فلورنسا بمنزلة نوع من الحيز 
العام تلقى فيه الخطب وتناقش فيه السياسة. وفي هذه الثقافة كانت الخطب 
البليغة محل تقدير كبير. وذلك لأهميتها لما كان إيطاليو تلك الفترة يسمونه 
الحياة السياسية النشطة للمواطن. 

كان مؤرخو المدن الإخباريون يسجلون أحيانا الملصقات السياسية التي 
كانت تعرضء والكتابات والصور السياسية البذيئة والساخرة التي كانت تكتب 
على الجدران: كما أن العلاقات العامة للمدينة لم تكن تتم شفويا فقط عن 
طريق إرسال السفراء للمدن الأخرىء بل أيضا عن طريق الكتابة. ومن ذلك 
أن مكتب محفوظات فلورنسا الذي كانت تكتب فيه الخطابات الرسمية باسم 
الحكومة كان يديره الإنسانيون: وهم تلامين ثقافة الأعمال الكلاسيكية الذين 


الوسائط والحيز العام في أورويا أوائل العصر الحديث 


كانت لديهم القدرة على الكتابة بأسلوب بليغ ومقنع باللغة اللاتينية. ويقال إن 
دوق ميلانو وهو العدو الرئيسي للجمهورية الفلورنسية علق بأنه كان يخاف 
خوفه من قوة من الفرسان. وعلى نطاق أضيق من فلورنسا أو فينيسيا طورت 
بعض المدن في هولندا وألمانيا وسويسراء مثل «أنتويرب» و«تورمبرغ» و«بازل». 


حركة ا 8 صلاع الدينى 

إذا كانت الدولة ‏ المدينة الإيطالية هي الوسط الذي نشأت فيه النهضة, 
فإن الدولة ‏ المدينة الألمانية أو «المدينة الحرة» مثل «نورم برغ أو 
«ستراسبورغ» (التي لم تكن قد أدمجت في فرنسا بعد) كانت وسط حركة 
الإصلاحء. وهي الصراع الأيديولوجي الرئيسي الأول الذي لعبت فيه المادة 
المطبوعة دورا رئيسيا. إن حركة الإصلاح. على الأقل ضي جيلها الأول؛ كانت 
حركة اجتماعية؛ أي مشروعا جماعيا شعورياء حتى إن كان هدفه الشعوري 
هو إصلاح الكنيسة القديمة وليس ‏ وهو ما حدث بالفعل ‏ تأسيس كنائس 
جديدة. لقد استاء مارتن لوثر (؟585١ .)١601‏ الراهب الذي اتهم 
بالهرطقة والذي كان أستاذا بجامعة ويتنبرغ بألمانيا الشرقية. بشدة مما 
اعتبره الهيمنة الإيطالية على الكنيسة وممارستها للسحر والتربح. ودعما 
لمزيد من الانخراط من جانب جمهور المؤمنين أو الكافة في الأنشطة 
الدينية شجع لوثر قراءة الكتاب المقدس باللفات الوطنية, وقد تضمن ذلك 
ترجمات جديدة للكتاب المقدس؛ واستخدام اللغات الوطنية في الطقوس 
الدينية, وقد برر لوثر هذا الانخراط بما أسماه «كهانة» الكافة؛ وهي فكرة 
مؤداها أن الجميع يمكنهم الوصول مباشرة إلى الله دون حاجة إلى وساطة 
رجال الدين. 

شدد هابرماس على ما أسماه «الآثار الخصخصية» لحركة الإصلاح: أي 
انسحاب المؤمنين إلى العالم الداخلي. وهو الانسحاب الذي عززه إيمان 
لوثر بأن طاعة الحاكم واجبة على المسيحي الجيد (يجب أن نضع في 
اعتبارنا أن لوثر لم يعش في مدينة حرة تتمتع بالحكم الذاتي. بل كان من 
رعايا أمير ساكسونيا). وربما من منظور العصر الحديث وبالنظر إلى 





التاريخ الاجتماعي للوسائط 


النتاكج بعيدة المدى لحركة الإصلاح يكون هابرماس محقا فيما ذهب إليه. 
ومع ذلك ففي السنوات الأولى لحركة الإصلاح أسهم الجدل القويء الذي 
حدت أولا في ألمانيا وفيما بعد في أجزاء أخرى من أوروباء حول وظائف 
وسلطات البايا والكنيسة وطبيعة الدين. أسهم بشكل كبير في نشأة الفكر 
الناقد والرأي العام. 

وقعت هذه الأحداث وفق نموذج متواتر يمكن وصفه بنموذج التغير 
السياسي الذي يشبه التدريب على «إطلاق الجن» (التسبب في أحداث ثم 
العجز عن وقفها) في أوروبا أوائل العصر الحديث. ومجددا كان الجدل بين 
النخب يؤدى بهم إلى طلب الدعم من جماعة أوسع: غالبا ما توصف بأتها 
«الشعب»: ومن أجل الوصول إلى هذه الجماعة الأوسع لم يكن أمام النخب 
مغر من تجاوز الاتصال وجها لوجه إلى المناظرات العامة والكتيبات. 
والاحتكام إلى الناس كان غالبا ما ينجح: حتى أنه في بعض الأحيان كان أنجح 
مما توقع ‏ أو حتى أراد ‏ بادئه. وفي بعض الحالات كانت النخب مدفوعة 
بالخوف مما بدأته تحاول إخماد الجدل لتكتشف أن تلك المحاولة جاءت بعد 
فوات الآوان وأن حريق الغابة كان خارج السيطرة. 

وعلى رغم أن مصطلح «الرأي العام» لم يكن يستخدم في أوائل القرن 
السادس عشرء فإن آراء الناس كانت تشغل الحكومات في ذلك الوقت, 
وذلك لأسياب عملية, سواء كانت تحاول إخماد هذه الآراء أو قوليتها أو 
وهو ما كان نادرا بالفعل ‏ اتياعها (كما حدث في مدن قليلة في ألمانيا ضي 
العقد الثالث من القرن السادس عشرء حيث دعا المجلس يها المواطنين 
للتصويت على ما إذا كانوا يريدون أن يظلوا كاثوليكيين أو يتحولوا إلى 
البروتستانتية). إن انخراط الناس في حركة الإصلاح كان في الوقت نفسه 
سببا ونتيجة لانخراط الوسائط في هذه العملية: فاختراع الطباعة قوض 
ما سمي مع بعض المبالغة ‏ احتكار المعلومات من جانب كنيسة العصور 
الوسطىء. وقد كان بعض الناس واعين لهذه النقطة في ذلك الحين. وعلى ‏ 
سبيل المثال قال البروتستانتي الإنجليزي «جون فوكس» «إن على البابا أن . 
يلغي المعرفة والطباعة أو أن تقتلعه الطباعة على المدى الطويل». وكما ' 
رأينا فإن الباباوات يبدو أنهم اتفقوا مع فوكسء ولهذا السبب نفسه وضعت 
قوائم الكتب المحظورة. 





الوسائط والحيز العام في أورويا أوائل العصر الحديث 


بعد تأسيس الكنائس البروتستانتية اللوثرية والكالفينية الإتزونغلية 
كان بمقدورها أن تنشر تقاليدها من خلال تعليم الأطفالء وقد كانت 
الكلمة ‏ سواء أكانت مطيوعة أو منطوقة, أو الكتاب المقدس أو المواعظ 
- تفضل على المسرحيات واللوحات والمطبوعات. وفي مقابل ذلك نجد 
أنه في الجيل الأول (فترة قصيرة بعض الشيء, وتتمثل أساسا في 
العقدين الثالث والرابع من القرن السادس عشر) كان البروتستانت 
يعتمدون على ما يمكن تسميته «هجوم الوسائط».؛ ليس فقط لتوصيل 
رسائلهم. ولكن أيضا لإضعاف الكنيسة الكاثوليكية من خلال التشهير 
بهاء معتمدين في ذلك على المخزون التقليدي من الفكاهة الشعبية من 
أجل تدمير عدوهم بالضحك. في هذه الفترة. وعلى خلاف سلوكهم فيما 
بعد كان المتحمسون البروتستانت غالبا هجاثئيين [ لعّانين] وهدامين 
وغير محترمين. 

كان من الأهداف الرئيسية للمصلحين الاتصال بكل المسيحيين. وضي 
حين كان الإنساني الكبير إرازموس (حوالي ,))١1055-١455‏ الذي أراد 
أيضا أن يصلح الكنيسة, يكتب باللاتينية بحيث يمكن لأعماله أن تقرأ 
في الدوائر الآكاديمية في كل أنحاء أوروباء اتبع لوثر الإستراتيجية 
المضادة, إذ كان يكتب بلغته الوطنية بحيث يمكن للناس العاديين أن 
يفهموا رسالته. وذلك على حساب قصر هذه الرسالة في المقام الأول 
على العالم المتحدث بالألمانية. 

وبفضل الوسيط الجديد تعذر إسكات لوثر بالطريقة التي عومل 
بها الممرطقون السابقون من أمثال المصلح التشيكي جان هوز 
:.)١51١65- ١515(‏ الذي تتشابه أفكاره مع أفكار لوثر في جوائب عديدة. 
الذي أسكت بالإعدام حرقا على الخازوق. وبهذا المعنى حولت الطباعة 
حركة الإصلاح إلى ثورة دائمة: فما جدوى أن تقوم الكنيسة الكاثوليكية 
بحرق لوثر باعتباره مهرصطقاء. بعد أن أصبحت كتاباته متاحة بأعداد 
كييرة وبأسعار منخفضة إلى حد ماء فقد بيع حوالي اربمة آلاف نسخة 
من خطيته «إلى النبلاء المسيحيين في الأمة الألمانية؛ ضي ايام قليلة من 
نشرها العام ١0١‏ عن طريق الطباع «ميلكيور لوتره من ويتنبرغ؛ الذي 


التاريخ الاجتماعي للوسائط 


وقد كانت ترجمة لوثر للكتاب المقدس أكثر أهمية من كتيباته في تطوير 
البروتستانتية على المدى الطويل» ولكنه مع ذلك لم يكن سعيدا تماما 
بالنص المطبوع من العهد الجديد في العام 15١7‏ إذ كانت به بعض 
الأخطاءء ولكن ترجمة الكتاب المقدس إلى اللغات الوطنية مكنت أناسا 
أكثر بكثير من قبل من قراءة الكتاب المقدس. ومن ذلك أن طياعا واحدا 
«هائز لوفت»., باع في ويتتبرغ ٠٠١‏ ألف نسخة من الكتاب المقدس في 
الأربعين سنة بين غ67١ :١01/4‏ بل حقق كتاب لوثر الصغير «العقيدة» 
(595ه ع( انتشارا أوسع من ذلك. 

على أنه لا يجوز الاستخفاف بهذا الإنجازء فحتى ذلك الوقت لم تكن. 
هناك لغة ألمانية وطنية مقننة, وهو ما يمكن إرجاعه: ولو بشكل جزئيء إلى 
ندرة الأدب الشعبي المطبوع: وهو ما يعود بدوره إلى عدم وجود لغة وطنية 
مقننة. وبطريقة أو بأخرى نجح لوثر في كسر هذه الحلقة المفرغة: فلم يكتب 
لوثر بلهجته الساكسونية. بل بلهجة كانت مفهومة للناس من الشرق إلى 
الغرب. من ساكسونيا إلى وادي الرين. وبهذه الطريقة تضاعف عدد قراء 
كتابات لوثرء وهو ما جعل طبعها مسأئة تجارية. في حين أنه على المدى 
البعيد ساعدت ترحمة لوثر للكتاب المقدس على تقنين اللغة الألمانية المكتوبة؛ 
لم تكن الطباعة وحدها؛ ولا لوثر وحده؛ بل كلاهما معا هما اللذان جعلا مثل 
هذا الإنجاز ممكنا. 

كان بعض الطباعين في ستراسبورغ وغيرها من المدن على استعداد 
لطباعة كتابات لوثر وفي الوقت نفسه كتابات خصومه الكاثوليك, كما لو 
كانوا مجرد مرتزقة لا تهمهم إلا الكتابات التي تحقق مبيعات. ومع ذلك كان 
هناك طباعون آخرون ‏ من أمثال «لوفت» و«لوتر» ‏ ملتزمون بالأفكار التي 
روج لها لوثر وأتباعه, ولذلك قصروا عملهم على الكتابات البروتستانتية. لم 
يكن هذان الطباعان وحدهما بل كان هناك آخرونء خفي خطاب إلى المصلح 
السويسري إتزونفلي )١1951-1484(‏ ذكر أن هناك بائعا متجولا كان يبيع 
كتابات لوثر من باب إلى بابء ولا شيء غيرها. 

وعلى الرغم من صغر حجم جامعة مدينة ويتنبرغ التي عاش فيها لوثر 
ومارس التدريس فإنها كانت مركز الاتصالات للمذهب اللوثري. ومن 
أسباب انتشار أفكار لوثر في شمال شرق ألمانيا في مقابل الجنوب الغربي. 


الوسائط والحيز العام في أوروبا أوائل العصر الحديث 


الذي هيمنت عليه أفكار إتزونغلي. سهولة وصول الوعاظ والمادة المطبوعة 
من ويتنبرغ إلى هذه المنطقة. وفي الحالين كانت الكتيبات التي تخاطتٍ 
الناس العاديين بلغتهم الوطنية ذات أهمية كبيرة في نجاح حركة الإصلاح, 
فأكشر من ٠١خ“‏ من الكتب بالألمانية نشرت العام ١077‏ تحديدا 418 
عنوانا من 58+ عنوانا ‏ كانت تتعامل مع إصلاح الكنيسة. وفي العام ١570‏ 
تم طيع 0" ألف نسخة من «المقالات الاثني عشر» للفلاحين الثائرين. وقد 
ظهر في مدينة ستراسبورج وحدها 545 من الكتيبات الجدلية بين العامين 
0591 .» وبحلول العام ١66١‏ كان هناك حوالي ٠١‏ آلاف كتاب 
مطبوع بالألمانية. 

وقد وصفت هذه الكتيبات بنوع من المبالغقة بأنها «وسيط جماهيري». 
والمبالغة تكمن في أن أقلية صغيرة فقط من الناطقين بالألمانية كانت 
تتحمل شراء هذه الكتيبات: بل وأقلية أصفر كانت تعرف القراءة: ولكن 
ربما كانت النصوص تقرأ على الملأ بصوت عال وليس بشكل خاص؛ وهو 
ما مكن من وصول رسائلها إلى أناس أكثر بكثير ممن كانوا يعرضون 
القراءة. وهناك ادعاء آخر يبدو الآن مبالغا فيه وهو تأكيد أنه لولا الكتاب 
لا حدثت حركة الإصلاح. 

إن مثل هذه الادعاءات تتجاهل الدور المهم: في ذلك الوقت. لكل من 
الدعاية الشفهية والبصرية. ولكي نفهم انتشار حركة الإصلاح طمن 
الضروري ألا ننظر إلى الطباعة وحدهاء بل إلى نظام الوسائط ككل, 
فنتيجة لأن أقلية صغيرة فقط من السكان كانت تعرف القراءة ‏ ناهيك هن 
الكتابة ‏ فمن المؤكد أن الاتصال الشفهي استمر في الهيمنة على ما يسمس 
عصر المطبعة؛ وقد اتخذ الاتصال الشفهي أشكالا مختلفة كثيسرة طي 
البيئات المختلفة بداية من المواعظ والمحاضرات في الكنائس والججاصعابق 
وانتهاء بالإشاعات والقيل والقال في الأسواق والحانات؛ وقد كان للوعفل 
أهمية خاصة في الستوات الأولى من حركة الإصلاح؛ شغطسلا عن أن 
الترانيم باللغات الوطنية مكنت الجمهور من المشاركة طي اللخدمايق الدينية 
بشكل أنشط من تلك الأيام التي كانوا فيها «يسممون موسيقي القداس», 
ولوثر نفسه كتب ترانيم لهذا الغرضء من أبرزها ترليمة ٠إلهذا‏ هر حصلنا 
الحصين». التي مازالت تغنى. 

_ 





التاريخ الاجتماعي للوسائط 


ويضم الأرشيف القضائي الذي كان يسجل محاولات كبح الهرطقة 
الكثير مما ينبئنا عن استقبال الوسائط المختلفة للأفكار الجديدة: فمثلا 
تكشف هذه المحفوظات تكرار غناء الأغاني القصصية المطبوعة التي 
تتعامل مع الأحداث الدينية والسياسية الجارية؛ وهو مثال آخر للتفاعل 
بين الوسائط؛ سبق أن ناقشناه في الفصل السابق. وكثير من هذه 
السجلات يلقي ضوءا كاشفا على ألحانة» على وجه الخصوص, إذ كانت 
مركزا مهما لتبادل الأفكار والإشاعات. وهذه الوظيفة الاتصالية للحانات 
ربما تكون وظيفة تقليدية:ء ولكنها لم تكن تسجل في الغالب في العصور 
الوسطى. وفي ألمانياء التي كانت مقسمة في العقد الثالث من القرن 
السادس عشرء قُبض على عدد من الأفراد ممن ينتقدون رجال الدين؛ أو 
يناقشون الكتيبات: أو يشككون في المبادئّ الكاثوليكية, مثل تحول خيز' 
القريان وخمره إلى جسد المسيح ودمه (الاستحالة) أو الحيل بلا دنس. 

تكشف هذه السجلات عن أهمية المناقشات العامة لأفكار الهرطقة: 
وكذلك دور الكتاب والكتيب في إثارة هذه المناقشات. ولذلك فإن محاكمات 
الهرطقة تدعم ما يسمى نظرية الاتصال ذي الخطوتين: التي نتجت عن 
دراسة انتخابات الرئاسة الأمريكية العام :١154٠‏ فوفقا لهذه النظرية ‏ التي 
وضعها «إيلياهو كاتز» و«بول لازارزفيد» في بحثهما «التأثير الشخصي» 
 )1550(‏ نجد أن الناخبين الذين غيروا رأيهم لم يجر التأثير فيهم بشكل 
مباشر عن طريقة الرسائل التي كانت تصلهم من الصحف والراديو. وما 
ستشعره المؤلفان» في مقابل ذلكء هو «التأثير الشخصي» ل «قادة الرأي» 
المحليين؛ فهؤلاء القادة يتابعون الأحداث في الوسائط [في حالتنا هذه 
الكتيبات البروتستانتية] باهتمام أكثر من أتباعهم: وبعد ذلك يؤثرون في 
أتباعهم بشكل أساسي من خلال الاتصال وجها لوجه. 

إلى جانب ذلك نم تجنيد الصور في الصراع الدينيء فلوثر. على خخلاف 
كالفينء؛ لم يرفضهاء بل ضم مكتبه صورة لمريم العذراء. ولكن ما عارضه 
لوثر هو الخرافات التي أسماها وثنية: أي تبجيل الوسيط وهو الصورة 
على حساب ما تعبر عنه. وفي الكنائس اللوثرية ظل يعرض عدد قليل من 
اللوحات الدينية» هي في الأساس لوحات للمسيح موضوعها الأساسي هو 


بعث المسيح. 





الوسائط والحيز العام في أوروبا أوائل العصر الحديث 


إن الصور المطبوعة كشكل من أشكال الاتصال مع الأميين كانت لا تزال 
وسيلة مهمة لنشر الأفكار البروتستانتية» وهو ما كان يعيه لوثر نفسه جيدا 
عتدما كان يتاشد «البسطاء». كما كان يسميهم. وقد أنتج صديقه «لوكاس 
كراناخ» )١1007 - ١877(‏ ليس فقط لوحات للوثر وزوجته؛ بل أيضا كثيرا 
من المطبوعات الجدلية؛ مثل آلام المسيح وأعداء المسيح. التي أبرزت 
التناقض بين حياة المسيح البسيطة وفخامة نائبه ‏ البابا. ولذلك توضح 
صورتان مطبوعتان على قوالب خشبية المسيح وهو يهرب من اليهود لأنهم 
حاولوا أن يجعلوه ملكهم. في حين يدافع الباباء في مقابل ذلك؛ بالسيف 
عن ادعائه بالحق في الحكم الزمني على ممتلكات الكنيسة (إشارة واضحة 
إلى البابا المحارب بوليس الثاني الذي مات في العام )١677‏ وتعرض هاتان 
الصورتان لعدد من التقابلات والتناقضات:؛ ففي حين توج رأس المسيح 
بالأشواك يعلو رأس البابا التاج المثلث؛ وفي الوقت الذي يفغسل المسيح 
فيه أقدام أتباعه. يقدم البابا قدمه للمسيحيين لكي يقبلوها. وضفي 
مقابل المسيح الذي كان يسافر على قدميه يُعرض البابا محمولا على 
المحفة (الشكل 7). 


قرس اتساج اقتمراتم 


ال-0 





نيك 
وفرع تاربع بمطوررهر مسيم ع معط ةدج عاط حاورا وج 
عأ و سماو اربج أومة مل دأمسمقد م ال ساي ون تلود 
عمال #مجاهل معام عاووج محر طن 16 ود سمل! !0 نعر ثم طعا 
ومممع ر القبجا ب«الحصيم مح« جام رع سوا وج امم جا عه عوط 
ع مجمط وعاممل بمازام نوه جكقه روه جمس بصم ١‏ هيد 
طق كسد مجو افج جح و لشر ام ا وقط! لاك عجاوم مجك قر 





الشكل () لوكاس كراناخ؛ ورسم خشبي لآلام المسيح وأعداء المسيح 






































التاريخ الاجتماعي للوسائط 


إن كثيرا من لوحات لوثر أنتجت في ورشة آل «كراناخ» في ويتنبرغ لتعلق 
دون شك في المنازل الخاصة رمزا للولاء لحركة الإصلاح. بعض هذه الصور ‏ 
ومن أبرزها صور مطبوعة على الخشب ‏ تعود إلى العام ,.1017١‏ تعرض هذا 
المصلح كقديس تطوق رأسه هالة القداسة وتحلق فوقه حمامة؛ وهو ما يعبر 
عن تقبله للوحي من الروح القدس (الشكل 8). ومثل هذا الاستخدام للتقاليد 
سهل التواصل مع الناس العاديين ذوي العقليات التقليدية؛ وثمن هذا التسهيل ‏ 
وهو الثمن الذي دفع مرات عديدة في تاريخ الاتصال ‏ هو إضعاف الرسالة 
البروتستانتية؛ وذلك بتبني الممارسات نفسها التي كان يفترض أن تقضي عليها. 

وأيضا كانت الطقوس وسيلة إلى جانب كونها موضوعا للجدل في ذلك 
الوقت, وقد قام أحد المواكب البروتستانتية بتقليد ساخر للطقوس الكاثوليكية 
في ساكسونيا في العقد الثالث من القرن السادس عشر متخذين عظام 
الجياد بديلا عن الرفات المقدس في احتجاج على تطويب حدث أخيرا 
لقديس محلى وهو القديس «بينو» من ساكسونيا. وفي السنوات الأولى لحركة 
الإصلاح لجأ البروتستانت أيضا لمسرح الشارع لإثارة الناس ضد الكنيسة, 
ومن أمثلة ذلك أن قدم الطباع السويسري «بامفليس غينغنباخ» (حوالي 
)١1075‏ من بازل في العام ١67١‏ عرضا مسرحيا للهجوم على الأرياح 
التي يحققها رجال الدين من مذهب التطهيرء وسميت هذه المسرحية «آكلو 
الموتى».» حيث عرضت أسقفا وراهبا ورجال دين آخرين يجلسون حول مائدة 
ينهشون لحم جثة بشرية. ومجددا قام الرسام السويسري «نيكولاس مانويل» 
(حوالي )١102١ - ١584‏ من بيرن بعرض مسرحية بعنوان «بائع الغفران» سخر 
فيها من الاتجاز الكاثوليكي بالدين: كما فعل لوثر من قبل. 

وعلى الجانب المقابل لم يرد الكاثوليك على التحدي البروتستانتي 
بالوسائط نفسهاء أو على الأقل ليس على النطاق نفسه وللجمهور العريض 
نفسه. وكذلك لم ينتجوا كتيبات كثيرة للدفاع عن الكنيسة كما أنتج 
البروتستانت للهجوم عليهاء ولم ينتجوا ترجمات خاصة بهم من الكتاب 
المقدسء إذ رأت الكنيسة في ترجمة الكتاب المقدس خطرا كبيرا. وعندما 
أنتج الكاثوليك مسرحيات دينية كانت موجهة بشكل عام لجمهور النخبة؛ مثل 
أولياء أمور الطلاب النبلاء في الكليات اليسوعية في فرنسا وإيطاليا وأوروبا 
الوسطىء وليس لجمهور شعبي مثلما فعل اليروتستانت. 





الوسائط والحيز العام في أوروبا أوائل العصر الحديث 





الشكل (8) هانز بالدونغ غرين؛ ورسم خشبي لمارتن لوثر في الجلالة؛ حوالي ١977‏ 


هذه النقطة توضح تموذجا عاما للاتصال يمكن تسميته القياس الأقرن 
المحافظء. كان منتشرا في النظم السلطوية ‏ أو على الأقل في المجتمعات 
التي تقل فيها المعرفة بالقراءة والكتابة ‏ متى كانت معرضة للهجوم. خففي 
حالة القرن السادس عشر قد يعتقد الناس أن المهرطقين على حق إن لم 
ترد الكنيسة على لوثرء وحتى إذا ردت الكنيسة فإن ذلك قد يشجع الكافة؛ 
بالشكل الذي ناقشناه من قبلء على المقارنة بين الجانبين وأن يفكروا 
لأنفسهم وأن يختاروا من بين البدائل بدلا من أن يفعلوا ما يقال لهم 
وحسب. وبالنسبة إلى المدافعين عن النظم القديمة الذين يعتمدون على 
عادات الطاعة؛ فإن الرد الصحيح على مستوى الرسالة قد يكون الرد 
الخاطىئٌ على مستوى الوسيط. 





التاريخ الاجتماعي للوسائط 


ومن جانبهم استمر الكاثوليك في بذل جهد كبير في إنتاج الصور الدينية, 
خصوصا بعد أن حطم البروتستانت ‏ الرافضون للصور والتماثيل الدينية - 
الصور داخل الكنائس وخارجها في غضون عملية تغيير مظهر الأماكن 
المقدسة. وقد اهتم الكاثوليك كثيرا ببلاغة الصور فجعلوا اللوحات والتماثيل 
الدينية وسائل إقناع أكثر درامية, كما اعتقدواء بل حتى أكثر فاعلية؛ مما 
كانت عليه قبل ما يسمى الإصلاح المضادء الذي تلا «مجلس الترنت» 
.)١6575-1١040(‏ كانت الأيقنة تستخدم في الغالب للإشارة إلى المذاهب التي 
كان يهاجمها البروتستانت. وقد تم اختيار منظر التوبة للقديس «بيتر» أو 
القديسة «مريم المجدلية» على سبيل المثال؛ لأنها في نظرهم تبرر قدسية 
الاعتراف. والقديسون؛ أيضاء أعيدت إليهم هالاتهم التي كان بعضها قد محي 
(ما عدا هالة لوثر). 

إن تطور مؤسسات الدعاية والرقابة المضادة؛ التي ينظر إليها الآن عند 
التذكر باعتبارها مكملة؛ ربما كانت من النتائج الحتمية لاختراع الطباعة. 
ولكنها كانت النتائج المباشرة للحروب الدينية في القرن السادس عشر. 
فالدعاية والرقابة كانتا دينيتين قبل أن تكونا سياسيتين. وكما ضمنت 
الطباعة لحركة الإصلاح البروتستانتي البقاء. حيث جعلت من المستحيل 
إخماد أفكار لوثر كما حدث من قبل مع أفكار مهرطقي العصور الوسطى. 
كانت حركة الإصلاح أيضا بدورها نافعة اقتصاديا للطباعين سواء من 
حيث الكتيبات الرائجة أو على المدى الطويل - الكتب المقدسة 
باللغات المحلية. 

وعلى التقيض من أطروحة هابرماس يمكن القول إن حركة الإصلاح 
الألمانية أسهمت في نشأة «حيز مهم» ولو لبعض الوقت على الأقل. وقد 
استخدم مؤلفو الكتيبات إستراتيجيات الإقناع الشعورية: وحاولوا مناشدة 
جمهور عريضء وشجعوا نقد الكنيسة؛ ثم بعد أن نوقشت الأفكار الجديدة 
على نحو موسع على الملا إبان السنوات الأولى من حياة الحركة ‏ أفسحوا 
مكانا لبعض الكاثوليك. وبالنسبة إلى السلطات الدنيوية فقد اكتشفت أيضا 
أن الوسيط الجديد يمثل قوة كبيرة يمكن أن تخدم الفايات السياسية: ومن 
ذلك أن الصراع بين الإمبراطور تشارلز الخامس وخصمه الملك فرانسيس 
الأول ملك فرنسا جرى عبر صفحات الكتيبات: جنبا إلى جنب مع ميادين 





الوسائط والحيز العام في أورويا أوائل العصر الحديث 


المعارك» يداية من منتصف العقد الثالث من القرن السادس عشر 
قصاعداء وتوقفيت هذه الحملة الورقية يوحي بأن هذين الحاكمين تعلما 
الدرس من لوثر. 


الحروب الدينية والثورة الهولندية 

بعد انقضاء العقد الثالث من القرن السادس عشر؛ تراجع الجدل العام مع 
تحول اللوثريين إلى كنيسة:؛ إذ عملوا هم أنفسهم على تحجيم أو قمع الجدل 
الشعبي. وتحول التركيز من كهانة الكافة إلى أهمية وجود جماعة كهنوتية 
متعلمة تخير الناس يما يجب أن يؤمتوا به. وتفسر لهم الكتاب المقدس» وقد 
حدثت تطورات مماثلة في أجزاء أخرى من أورويا في وقت لاحق من القرن. 

ومن منظور الوسائط كانت المعركة بين الكاثوليك والبروتستانت غالبا ما 
تقدم كحرب بين ثقافة الصورة وثقافة الكتاب. وتلك رؤية تبسيطية مخلة: إذ 
إنه في العالم الكاثوليكي اتفق تقنين الممارسات الدينية: الذي صاحب 
الإصلاح المضادء مع حاجات الطباعين بقدر اتفاقه نفسه مع حاجات صناع 
الصور. ولذلك ازداد الطلب على كتب القداس وكتب الصلوات و فوق ذلك 
كله كتب العقيدة التي كانت تصاغ على هيئة سؤال وجوابء. حتى إن بعض 
الطباعين مثل «كريستوفر بلاتين» من «أنتويرب» أثروا من إنتاج هذه 
المنتجات المعيارية» وكان بعض العامة يقرأون سير حياة القديسين وغيرها 
من الكتابات الدينية. 

ومع ذلك فقد كان هناك تناقض نسبي بين ثقافة الكتاب البروتستانتية 
وثقافة الصورة الكاثوليكية. فعلى سبيل المثال؛ وقبل الإصلاح المضاد بوقت 
طويل: في الوقت الذي كانت فيه طباعة الأدب البروتستانتي تنطوي على 
خطورة في فرنسا أو إيطاليا أو في إنجلترا هنري الثامن كانت مدينة انتويرب 
مركزا لصناعة تصديرية مزدهرة. وهي طباعة الكتاب المقدس والكتيبات 
باللفة الفرنسية والإيطالية والإنجليزية؛ ومن ذلك أنه في عملية واحدة طقط 
وبناء على أوامر أسقف لندن (الذي يبدو أنه لم يكن على دراية باقتصاديات 
الطباعة) اشترى تاجر إنجليزي كاثوليكي في انتويرب ‏ هو أولمهستين 
باكينغتون ‏ طبعة كاملة من العهد الجديد من ويليام تندال (التي نشرت في 
الأصل في مدينة ورمز في العام )١0577‏ من أجل حرقها. 





التاريخ الاجتماعي للوسائط 


ووفقا لمصدر معاصرء وهو كتاب «التأريخ» لإدوارد هول. جاء أوغستين 
باكينفتون إلى ويليام تندال وقال: «ويليام أعرف أنك رجل فقير ولديك كومة من 
كتب العهد الجديد وكتب لك خاطرت من أجلها بأصدقائك وأفقرت نفسك. لقد 
جثت لك بتاجر سيشترى بماله الجاهز كل ما لديكء إذا رأيت أن ذلك سيكون 
مربحا لك» فسأل تتدال «ومن التاجرة»» فرد باكينفتون «أسقف لندن». فقال تندال 
«لكي يحرقها؟», فرد باكينفتون بالإيجاب؛ وهنا قال تندال «أنا المستفيد إذ سأحقق 
فائدتين من ذلك فسوف أحصل في مقابل هذه الكتب على امال الذي يخرجني من 
الدين؛ كما أن العالم بأسره سوف يصرخ محتجا على حرق كلام الله وما سيبقى 
من هذا المال سأستخدمه في تصحيح العهد الجديد وطبعه ثانية, وأنا على يقين 
من أن الطبعة الثانية ستعجبك أكثر بكثير من الأولى». وعلى ذلك تمت الصفقة 
فأخذن الأسسقف الكتب بفضل «باكينغتون» وحصل «تتدال» على المال. 

وفي القرن السادس عشر شجع الكالفينيون؛ على وجه الخصوص؛ موجة 
تحطيم التماثيل الدينية التي انتشرت في معظم أرجاء أوروبا وكانت موجهة أساسا 
ضصد التماثيل (على رغم أن الزجاج الملون لم ينج هو أيضا). وفي بعض الأحيان 
كانت التماثيل تحطم وفي أحيان أخرى كانت تستبعد فقط. وكانت هذه الحركة 
ماضية قدما في العالم الناطق بالألمانية في العقد الثالث من القرن السادس عشر' 
مدعومة من جانب «أندرياس فون كارلستادت» في ويتتبُرغ و«إتزونفلى» في زيورخ, 
وامتدت إلى جنيف وأجزاء من إنجلترا وفرنسا في العقد الرابع من القرن السادس, 
ووصلت ذروتها في فرنسا وهولندا في صيف العام ١017‏ عندما كان من الممكن 
تسجيل تحطيم الأيقونات في 10 مكانا بين العاشر والتاسع والعشرين من سبتمبر. 
وخريطة تحطيم الأيقونات (الشكل 9) توحي بأن هذه العملية تمت في أجزاء كثيرة 
كرد فعل لأنباء أو إشاعات عن تحطيم الصور في أماكن أخرى. ومن المغري أن 
نفسر هذه العملية المنظمة (الأولى في اتساع مداها منذ الإمبراطورية البيزنطية 
في القرن الثامن) باعتبارها رد فعل للزيادة في تكاثر الصورء وبخاصة القوة 
الاتصالية للتماثيل في أواخر العصور الوسطى وعصر النهضة. 

وضي حين لم يكن اللوثريون من محطمي الصور الدينية: وهو ما جعل 
«كارلستادت» لا يقوم إلا باستبعاد الصور من كنائس ويتنبرغ عندما كان لوثر غاتباء 
لكن الاتصال عن طريق الصور كان ممنوعا خاصة في المناطق الكالفينية. في 
المعبد الكالفيني ‏ كالمسجد تماما ‏ يهيمن على المجال البصري للمصلى النصوص 














الوسائط والحيز العام في أوروبا أوائل العصر الحديث 


المرسومة مثل الوصايا العشر. وقد كان الكالفينيون أصحاب السبق في صراعين 
في أواخر القرن السادس عشر: الحروب الدينية في فرنسا من أوائل العقد السابع 
من القرن السادس عشر حتى منتصف العقد الأخير من القرن نفسه. وثورة هولندا 
من العقد السابع من القرن السادس عشر وحتى العام 1104؛ وهذان الصراعان 
مهمان في سياق هذا الكتاب, وذلك للدور الذي لعبته الوسائط فيهماء وأيضا لأن 
مزيج المجادلات الدينية والسياسية ‏ الذي شجعه هذان الصراعان ‏ يكشف أثنا 
يمكن أن نتحدث عن نشأة الحيز العام في هاتين الدولتين الجارتين في وقت مبكر, 
العقدين الثامن والتاسع من القرن السادس عشر. 


118 8165 


ونم 8 


إباعاانه8 ,مع 2 أمممعهك والقمونا 18 وريم 8 
فيد وبيس 


نت عسي عومابومه5 ويلة 4 
ا 801 ب وماق ,قعام/ا وديهة 
1 1 «أقطنيه 8‏ وعم 6 
- لي مل مهما قمع 0نم وبلق 8 
الما 5 محماء دمع 4 وعيجم وني 20 
1 0 اناه ©! هدام ,همع8ة ,موهلا مه وننفع2 
2 


0 0 ص ل اقيم 
1 5علالةم؟ ,أ58 10 وده 22 
امعان ,كمامعتممولة/ وزيم 24 








1 
ا 
ا : معام لمن ,وروا 14 وتلة 25: 
بصية 5 مبفامهمونر ‏ 5لدع:05ه0 بووته0 نواناةا عليها ونفروة ‏ | 
١‏ 1 / «وتروسع 19 اارع5 8 | 

اع علاهع01 ثم الممامع 944/57 وييف ايمسر 1 1 
1 3 : ب 1 اطع اعهقاا إرق5 23 | 
1 

«عروم يا 


نا وضا 

/ سر ب 1 > 0 0 

٠‏ و ار يا 
7 5 ده ها عنه 3‏ 8/038 

عه امام 


2 
القع مم8 ممم 50 
غاب 1 8 


لل اذ 





ومعمسمص ممبروالة 


اناه" 0 
4 1 7 6 تسمه 00 ماه 1 
#اماماة مقاا سا سل !4108 0 01 


#اعلص 0 
8 دمل 





عمامقيي هو ير ١‏ لفلف 00و" © كموبعتمههيم 
0 3 97 1 جونوامع 






ا 52 8 5 اميا 
عه 5 





صم م 1 | 
|| 

0 1 0 لمعف‎ 
١ 





عن لاونم 
|0 مسنم فسعدينا 






نا طانم مسا ا 
3 عمجيو بع 


3185 نامط أمصو و8 سس 





وتبمطاموعينا مكة تنهواقةا بمعمه"ا أن كععناام! عدوم 
00 5 
اهمع ل نينا 


م 100 0 
اضغ 0ه ا تهحصد نهنا ققيكة 1 م اعجابنا ميزه" 








ا 


م ا م سه ممعم موسي مسج حمسيو عد مدعي ممع اج ع ا و معط ع م 


الشكل (4) المقاطعات السبع عشرة والمدن الرئيسية التي شهدت حركة تحطيم التماثيل في العام ١037‏ 











التاريخ الاجتماعي للوسائط 


كانت الحروب الدينية الفرنسية حروب وسائط. إلى جانب كونها صراعات 
بالسيوف والبنادق. صراعات احتلت فيها الكتيبات وصنع وتحطيم الصور 
والاتصال الشفهي مكانة مهمة. ففي العام ١0”4‏ اتجه البروتستانت 
الفرنسيون إلى الصحافة لنشر أفكارهم والدعاية لهاء وكانت الإعلانات التي 
تهاجم الجمهور الكاثوليكي تطبع في سويسرا وتهرب إلى فرنسا وتعرض في 
الأماكن العامة وحتى على باب حجرة نوم الملك. وفي العقد الثامن من القرن 
السادس عشر تحول الصراع إلى صراع ثلاثي عندما اتهمت عائلة «دغيز» 
»كنا القوية الحكومة بالتهاون مع البروتستانت ونظمت اتحادا كاثوليكيا 
بدعم إسباني. وقد شن هذا التحالف ما يمكن أن نسميه حملة وساكط 
ألصقت فيها الأشعار على الجدران؛ ولعبت فيها الصور الساخرة والمواعظ 
النارية والكتيبات الملتهبة دورا بارزا . 

إن الفضل في إمكان الحديث عن هذه الحملة اليوم يعود لأنشطة 
المحامي الباريسي «بيير لاستويل» (حوالي 1047 )171١‏ الذي جعل 
شغله الشاغل تدوين الإشاعات والمواعظ والإعلانات الجدارية والنقوش 
اليومية في صحيفته: وبفضل هذا الرجل نعرف اليوم أن الحروب المدنية . 
الفرنسية كانت جزئيا حروب صورء كثير منها أنتج في شارع واحد في 
باريس وهو شارع مونتريال. فعلى جانب انتشرت «خريطة بابوية 
كاثوليكية» ساخرة, في حين فضل الجانب الآخر صورة قدر كبير يحتوي 
على بروتستانت وملحدين يطبخون على النار. وعندما شارك هنري 
الثالث (حكم )١085 - ١970‏ في اغتيال عدوه «هنري» عميد آل «غيز» 
وأخوه الكاردينال «غيز» ظهرت على الفور صور خشبية تحيي ذكرى 
«ميتتهم الوحشية». 

وقد لعبت الكلمة المطبوعة دورها في هذا الصراع: فمثلها مثل ألمانيا 
في العقد الثالث من القرن السادس عشر كانت فرنسا في أواخر هذا 
القرن في عصر الكتيبات, حيث كان ينتج فيها أكثر من ٠١‏ كتيبا سنويا _ 
بين العامين ١6١69‏ والاه١,‏ وبعد مذبحة القديس «بارثولوميو» التي قتل 
فيها بروتستانت كثيرون أصبحت الكتيبات أكثر عنفا في هجومها على 
أفخراد مثل «اليغي» أو «السفاحة الملكة كاترين دى ميديس» -١0١5(‏ 
غ4). وانخفض عددها عندما أعيد السلام؛ ثم عادت الكتيبات على 





























الوسائط والحيز العام في أورويا أوائل العصر الحديث 


نطاق أوسع في أثناء الأزمة السياسية في الأعوام ١111-1714‏ عندما 
ثار مجموعة من النيلاء ضد الملك. إذ أنتج ما يزيد على ١٠٠١‏ ألف كتيب 
سياسي في هذه الفترة القصيرة:؛ وييدو أن الكاردينال «ريتشيلو» الذي 
حكم فرنسا بالاشتراك مع الملك لويس الثامن بين العامين ١77١‏ و747١‏ 
قد تعلم درس الأهمية السياسية للوسائط من هذه الأزمة. فقد شجع 
«ريتشيلو» على تأسيس جريدة رسمية هي 622606 العام ,١771١‏ وفي 
بعض الأحيان كان يرسل مواد إخبارية للمحرر لتضمينها في الصحيفة. 
وقد كان «جين بابتشت كولبرت» ‏ أهم وزراء لويس من العام ١171١‏ حتى 
العام 1185 - أكثر وعيا بأهمية الوسائطء وكان يشرف بنفسه على فريق 
من الفنانين والكتاب وظيفتهم خلق صورة محببة للملك أمام الجمهور 
الخارجي والوطني عن طريق التقارير الصحافية والتواريخ الرسمية 
والقصائد والمسرحيات وحفلات الباليه والأويرا واللوحات والتماثيل 
والنقوش والميداليات. 

على كل كان الدور العام للوسائط في هولندا أكبر مما كان عليه هذا 
الدور في فرنساء بداية من الثورة ضد يليب الثاني ملك إسبانياء أو كما 
يسميه الهولنديون اليوم «حرب الثمانين سنة»؛ من العام ١614‏ حتى 
: وقد بقيت سبعة آلاف كتيب من هذه الفترة إلى يومنا في 
المكتبات الهولندية. وبلغ المدى الطباعي للكتيبات عموما من ٠٠٠١‏ إلى 
كتيباء كانت سرعان ما يعاد إنتاجها استجابة للطلب. وهذه 
الكتيبات مثلا هي التي نشرت ما سمي «الأسطورة السوداء» عن 
الاستبداد والظلامية والتعصب الإسيائي. والكتاب الذين كانوا يعملون 
في خدمة قائد الشورة «ويليام الصامت» )١044  1677(‏ قدموا 
فيليب الثاني كطاغية فشل في احترام الحريات والامتيازات التقليدية 
لمدن هولندا. 

إن الأشعار المطولة التي تمجد الثوار وتدين فيليب الثاني؛ باعتباره 
«هيرود» أو الفرعونء والإسبان باعتبارهم نسل اليهود الكفار. كانت منتشرة 
أيضاء وريما كانت هذه القصائد أوسع انتشارا من الكتيبات,. حيث كانت تغنى 
وتسمع أكثر بكثير مما كانت تقرأ. وقد أسهمت الصور المطبوعة في حملة 
الثوارء ومن ذلك أنه سرعان ما انتشرت في هولندا صور خشبية لإعدام 





التاريخ الاجتماعي للوسائط 


«كونتي إغمونت» و«هورن» العام ١514‏ بأمر ضيليب الثاني وكانت التعليقات 
التي بأسفل الصور تخبر المشاهدين كيف يجب أن يفكروا في الأحداث 
المعروضة في الصور. 

لم تكن الكتيبات الهولندية تنتج بشكل متواصلء بل في شكل مجموعات 
استجابة للأحداث التاريخية الكبرى. ومن أبرزها الفترة ,١6480 ١61/8‏ 
والفترة :.15١1- ١9054‏ والعام 1514., والفترة 1147 - 1748, وقد حدثت 
زيادة في الإنتاج حول العام 111 أي سنوات قليلة قبل تدفق الكتيبات في 
الأزمة الفرنسية في الفترة ١117 ١1١4‏ التي تحدثنا عنها من قبل. وقد 
أصبح الكتيب السياسي جزءا من الثقافة السياسية الهولندية. حتى أنه دار 
جدل حول الجدلء أي حوار مثلا يناقش ما إذا كان للجميع الحق في التعبير 
عن رأيهم حول أمور الدولة. 

ليس من قبيل المصادفة بالتأكيد أنه في الجمهورية الهولندية. وبخاصة 
في أمستردام. أصبحت الصحف (التي كانت تكتب في البداية بالألمانية 
العام )١15‏ مؤسسات شعبية؛ فعلى خلاف الكتيبات كانت الصحف تظهر 
على فترات منتظمة, ربما مرة أو مرتين في الأسبوع, وكانت أعدادها 
تأخذ أرقاماء وهو ما مكن القراء من معرفة ما إذا كان بعضها قد فاتهم. 
وفي مجتمع الجمهورية الهولتدية الحضري الملم بالقراءة والكتابة على 
غير عادة القرن السابع عشر أصبح الحيز العام المؤقت حيزا دائما. وعلى 
العكس من نظيره الهولندي كان الكتيب الإنجليزي قبل العام ١11٠‏ 
أخلاقيا أكثر منه سياسياء ولكن الموقف اختلف بسرعة كبيرة مع اندلاع 
الحرب الأهلية. 


من الثورة البيوريتانية إلى الثورة المجيدة 

في العقد الخامس من القرن السابع عشر, وهو عقد أزمة؛ كان لدى 
الوسائط الأوروبية وضرة من الأنياء لتنشرهاء ففي البرتغفال قدم مشهد 
الصراع من أجل الاستقلال عن إسبانيا أنباء الحرب من العام 114١‏ إلى 
ا وفي فرنسا أصبح للكتيبات مجددا دور سياسي رئيسي. إذ 
استخدمت بشكل موسع في الهجوم على الحكومة وعلى الوزير الأول 
«يوليوس مازارين» في الحرب الأهلية )١167 - ١544(‏ التي عرفت باسم 


الوسائط والحيز العام في أورويا أوائل العصر الحديث 


«ع1"5020». وفضي ذلك الوقفت أنتج حوالي 6 آللاف كتيب سعر الواحد منها 
نصف أو ريع سوء وهو يفوق ما أنتج في الفترة غ1- 21١797‏ إد فاقت 
كتيبات هذه الفترة كتيبات الحروب الدينية. وقد كانت أعداد صحيفة 
«الغازيت» الرسمية أطول بكثير من العادي بين العامين ١548‏ و316-0, 
بسبب وفرة الأخبار التي يمكن أن توردهاء كما انتشرت كذلك صحف غير 
رسمية مثل 5نداء0:0ط #عتهناه") وبعد العام :١16١‏ وبشكل أكثر وضوحا بعد 
الفرنسي ثانية . 

ومثل الحرب الأهلية الفرنسية جرت الحرب الأهلية الإنجليزية, التي 
النتصوص والصور وفي الأعمال الطقوسية كالمسيرات وتحطيم الصور. 
ومجددا نجد موقفا تنقسم فيه النخب ويحتكم كلا الجائيين إلى الشعب 
للحصول على دعمه؛ وهو ما ترتبت عليه نتاكج لم يكن في مقدورهما التتبؤ 
بهاأو التحكم فيهاء منها أن رجال الدين فقدوا السيطرة على المواعظ؛ 
وأصبح عليهم أن ينافسوا الوعاظ غير الإكليريكيين من أمثال الحرفيين؛ 
ومنهم الحداد السابق «جون بوينان» ١114(‏ - 84 ومنهم النساء مثل 
الواعظة المعمدانية السيدة «أتاواي». 
الإعلانات التي تلصق في الأماكن العامة والالتماسات والمظاهرات. ومن 
ذلك أنه في العام ١114٠‏ وقع حوالي ١5‏ ألف شخص على الالتماس المسمى 
«الأصل والفرع» ضد الأساقفة وقد ذهب به أكثر من ألف شخص إلي 
اليرلمان» وفضي العام 47 تلقى البرلمان التماس النبيلات وزوجات التجار 
وغيرهن من الإناث. حتى كان الحرفيون وصبيتهم ينخرطون في السياسة 
يوميا. ولكل ذلك فليس من عجب أن يتحدث بعض مؤرخي هذه الفشرة 
الحديثين عن نشأة السياسة الجماهيريةء. على رغم الطبيعة الإشكالية 
لهذا المفهوم. 

كانت أواسط القرن السابع عشر سنوات مهمة للكتيبات والصسصف الثي 
عبر الملكيون والبرلمانيون من خلالها عن رؤاهم الخاصة؛ وفهي الفثرة من 
إلى ١7775‏ تمكن بائع الكتب «جورج تومسون». المقابل الإنجليزي 


التاريخ الاجتماعي للوسائط 


للفرنسي «لاستويل». من جمع حوالي ١١‏ ألف كتيب وأكثر من ؛ آلاف 
صحيفة, وهي المجموعة المحفوظة حاليا في المكتبة البريطانية وتعرف باسم 
«كراسات تومسون». وقد تزامن اندلاع الحرب الأهلية أيضا مع ما سمي 
«الصحف الإنجليزية» في العام .١54١‏ وقد كانت وناءنانة د5مدع14 
الصحيفة الرائدة للجانب الأو ل (الملكيين) وصحيفة 5ناءتصصما8 كد11 
للجانب الثاني (البرلمانيين)؛ وكان لكل من الجانبين رؤيته الخاصة للأحداث. 
وتبعتهما صحف أخرى كثيرة. 

كان هذا الانفجار في المواد المطبوعة السياق للجدل الشهير حول حرية 
الصحافة الذي شارك فيه الشاعر البيوريتانى «جون ميلتون» الذي نشر كتابه 
(1644) وعتانتوهممعتة الذي كان بمنزلة همجوم على قانون الصحافة الذي 
أصدره «البرلمان الطويل» ودفاع عن «حرية الطباعة المشروطة». انتقد فيه 
الرقابة بكل أنواعها على أسس متنوعة, منها أن الأشخاص المستقلين يجب أن 
يكونوا أحرارا في الاختيار, وربط الرقابة بالكثلكة موضحا أن الباباوات «مدوا 
سلطانهم على أعين البشر باختراع قائمة بالكتب الجديدة المحظورة». 

لم تقتصر الرسائل على الكتيبات والصحف. إن كانت الملصقات 
السياسية على جدران لندن وغيرها من الأماكن العامة تقدم رسوما 
توضيحية حية لتوسع الحيز العام في ذلك الوقت. وقد كانت الدعاية 
المصورة بارزة أيضاء فقد وصل إلينا حوالي ١6١‏ مطبوعة مصورة تعود 
للعام ١14١‏ وحدهء بعضها يهاجم وزراء تشارلز الأول مثل «إيرل 
ستراضورد» ورئيس الأساقفة «لويد» (الشكل .)٠١‏ ومشهد «لويد» وراء 
القضبان يقدم مثالا لأسلوب مسرح الشارع: الذي ازدهر في لندن في 
ذلك الوقت. كما ازدهر في المدن الألمانية في أثناء حركة الإصلاحء بينما 
كانت محاكمة تشارلز الأول التي تبعها إعدامه في مكان عام بالمشنقة 
خارج «بانكتنغ هوس» في «ويتهول» العام ١144‏ دراما سياسية عالية 
عوضت جزئيا عن إغلاق المسارح في العام :١147‏ وتتكشف الأهمية 
الدائمة للاتصال الشفهي فيما يسمى «مجادلات بيوتني» العام ١7417‏ 
التي نوقشت فيها مسودة دستور عرف «باتفاق الشعب» فى مجلس 
عسكري مثلت فيه كل الطبقات؛ كما نوقشت ادعاءات الملكية والمطالبة 
بتوسيع الحق في التصويت. 


























الوسائط والحيز العام في أوروبا أوائل العصر الحديث 


0111015 5ذا6 111 إلا 101-86 اط 2 ملم رعتام ورع راق 7 
ملودق5 عط ولك عط ملاع 1 ع 





الشكل )١٠١(‏ ريتشارد أوفرتونء كانتريريء وتغيير المجلس التشريعي؛ صفحة غلاف. ١14١‏ 


كانت الطباعة كذلك مهمة في مناشدة الشعب وما تلا ذلك من توسيع 
للحيز العام. ومن أدلة ذلك أنه في العام ١14١‏ جرى توزيع ما لا يقل عن 
٠‏ ألف نسخة من «الإصحاح الكبير» للبرلمان ضد نظام حكم تشارلز الأول. 
كما عملت تقارير مناقشات مجلس العموم ‏ التي طبعت آنذاك لأول مرة - 
على زيادة عدد الجمهور الذي يقرأ خطب أعضاء البرلمان. 

والسؤال المهم. هنا كما في كل أجزاء هذه الدراسة؛ هو مدى إسهام 
الوسائط ورسائلها في تغيير اتجاهات الناس وعقلياتهم. في ذلك أكد بعض 
الدارسين تفاهة القضايا السياسية التي كانت تحويها النشرات: ولكن على 
الجانب الآخر من العملة كان دخول السياسة القومية إلى الحياة اليومية 
بفضل انتشار الوسائط. ومن ذلك أن أحد حرفيي لندن الورعين؛ وهو 
«نيهمياه واليغتون», يرجع في دوريته إلى أكثر من ٠٠١‏ كتيبء ويعلن أحد 
معاصريه أن البرلمان كان يخاف صحيفة كناءأأناخ وناكنا1160 أكثر مما يخاف 
من ألفين من جنود الملك, وهي ملاحظة لا تختلف عن التعليق على خطابات 
سالوتاتي. وقد أعلن أحد الكتاب في العام 187 وهو ينظر إلى الوراء من 





التاريخ الاجتماعي للوسائط 


منظور جيل لاحق. موسعا المجاز أنه لم يعرف «شيئًا كان يخيف الملك الراحل 
أكثر من الرصاصات الورقية للصحافة». ومن ذلك أيضا أن استخدم أحد 
الكتاب كتييه كقذيفة يقذفها على الحافلة الملكية ضي العام ١614١‏ وعندما 
أعلن الجترال الألماني «ايريك فون لوديندورف» (1597-1481) في أثناء 
الحرب العالمية الأولى أن «الكلمات أصبحت معارك». فإنه لم يأت بجديد بل 
نطق بشيء مألوف. حتى وإن كانت التطورات في أساليب الدعاية أعطت 
لملاحظته هده مغزى جديدا. 

ويظل التأثير الدقيق لهذا الانفجار الحادث في الأنباء والتعليقات مسألة 
خلافية؛ فما زال المؤرخون يتجادلون حول ما إذا كانت الثقافة السياسية 
الإنجليزية محلية أو قومية في أساسها في ذلك الوقت. مع اعترافهم بأن 
الصحف جعالت المقاطعات على علم بالأحداث القومية وشجعت المناقشة 
وكتابة الالتماسات المحلية للتأثير في السياسة في لندن. إن قول «دويتش» في 
كتابه «الجهاز العصبي للحكومة» (1517) إن المجتمع عبارة عن «شبكة من 
قنوات الاتصال» تؤكده حقيقة أن انتشار الأخبار كون ارتباطات أوثق بين 
المركز السياسي والأقاليم وساعد بذلك على بناء ثقافة سياسية قومية. 

وكما كانت الحال في ألمانيا العقد الثالث من القرن السادس عشر ظهر 
إلى حيز الوجود في إنجلترا حيز سياسي عام بل حتى حيز عام شعبي. 
وبخاصة في لندن في السنوات العشرين التي انقضت بين انعقاد «البرلمان 
الطويل» ضي العام ١14١‏ وعودة الملكية في إنجلترا في العام .١117١‏ مع اعتلاء 
تشاراز الثاني عرش المملكة. وبتعبير «نيفل سميث» فهي «المرة الأولى ضي 
التاريخ الإنجليزي الذي يلعب فيها الأدب المكتوب والمطبوع مثل هذا الدور 
المهيمن في الشؤون العامة؛ والمرة الأولى التي يشعر فيها المعاصرون بأهميته 
البالغة هذم». 

إن عودة الملكية مع تشارلز الثاني في العام ١77١‏ وضعت أمام صناعها 
مشكلة غالبا ما تقع في مثل هذه المواقف, هي العودة من نظام مفتوح نسبيا 
إلى آخر مغلق. وقد استعيض عن تلك الكثرة المتنافسة من الصحف ينوع من 
الاحتكار مارسته صحيفة عناء022 مولمه.] وهي صحيفة رسمية على النمط 
الفرنسي (وهناك مثال أحدث يتمثل في صحيفة 08 في عهد ستالين أو 
بريجينيف).: كما أعيد النظر في طريقة الترخيص للكتب. وفي العام 1177اتم 


الوسائط والحيز العام في أوروبا أوائل العصر الحديث 


تعيين السير «روجر لاسترانغ». الذي سبق وأشرنا إلى رفضه للطباعة: 
لتطبيق اللوائح الحكوميةء ولقبه ‏ «معاين» الصحف ‏ ليس سوى تخفيف من 
حدة لقب «المراقب» الذي كان محل امتعاض. 

كان «لاسترانة» يعي جيدا ما وصفناه من قبل بالقياس الأقرن المحافظ - 
المشكلة التي واجهت الكنيسة الكاثوليكية في عهد لوثر ‏ فهل يتجاهل 
الانتقادات العامة التي يوجهها الراديكاليون أم يحاربهم بأسلحتهم نفسها. 
وكتب ذات مرة «لا أعتقد أن أي صحيفة عامة يمكن أن تحصل أبدا على 
تأييديء لأنني أرى أنها تجعل العامة على معرفة أكثر من اللازم بأفعال وآراء 
أسيادهم». ولكنه مع دلك حرر ما لا يقل عن ثلاث صحف: أولاها 
«ناقل الأخبار» »مم6 11اء121 16 التي كانت تهدف ‏ حسب تعبيرها ‏ «إلى 
إشباع وإعلام الناس». وثانيتها «الأخبار» 21685 ع1' وآخرها «المراقب» 
107 1116 بين العامين ١14١‏ و1747 . وكما كتب في «المراقب» في أبريل 
١‏ فإن «الصحافة هي التي هيّجت الجماهيرء وهي أيضا التي يقع على 
كاهلها إصلاحهم». وبهذه الطريقة اضطرت الحكومات. على مضض من 
النخب. إلى الإسهام من خلال الصحافة في نشر نوع من الوعي السياسي 
الشعبي. وهو ما أسهم في ظهور الصحافيين (كما كانوا يسمون في إنجلترا 
القرن السابع عشر) كقوة جديدة في الشؤون السياسية. ستوصف فيما بعد 
ب «السلطة الرابعة». 

إن تأثير نظام الوسائط في فترة إعادة الملكية يتجلى في حدث اتصالي 
رئيسي في العام 19174 يسمى «المؤامرة البابوية» لاغتيال تشارلز الثاني ليحل 
محله أخوه الكاثوليكي جيمسء دوق يورك. قفي السادس من سبتمبر من العام 
تقدم «نيتس أوتس». الذي سبق أن اعتنق الكاثوليكية وهو متدرب 
يسوعي سابق: إلى القاضي سير «إدموند بيري جودفري» ليخبره عن المؤامرة, 
وكرر قصته أمام المجلس الكنسي ضي الثامن والعشرين من الشهر نفسه. وبعد 
ذلك بقليل عثر على جودفري مقتولاء وعندما جرت مراسم جنازته في الواحد 
والثلاثين من أكتوبر قرر مجلس العموم أنه كانت هناك «مؤامرة لعينة 
وشيطانية دبرها ونفذها المتمردون البابويون لاغتيال وقتل الملك». وعند 
محاكمة المتآمرين قدم أوتيس أدلة. ولكنه فشل في إقناع المحكمة بإدانتهم, 
ومنن ذلك الوقت بدأ يفقد مصداقيته تماما كما حدث مع السيناتور «جو 





التاريخ الاجتماعي للوسائط 


مكارثي» (19017-1504) وقصصه عن المؤامرات الشيوعية: الذي فقد 
مصداقيته فجأة أمام الرأي العام الأمريكي في العقد السادس من القرن 
العشرين: وبالفعل أدين «أوتيس» بالحنث باليمين. 

على أن أفضل دراسة نعرفها عن المؤامرة البابوية. كتبها المؤرخ «جون 
كينيون», وهي تتميز بقبول قوي, وتوضح بشكل حيوي كلا من نقاط القوة 
والضعف في مثل هذا المدخل. وفي اهتمامه باستيضاح ما حدث بالفعل؛ أو 
ما فشل في أن يحدث. يركز «كينيون» على توضيح أنه لم تكن هناك أي 
مؤامرة على الإطلاق؛ رافضا الاعتقادات المعاصرة باعتبارها غير عقلانية 
وبأنها هلع أو هستيريا أو خوف مرضي من الكاثوليكية؛ أو حتى «تنويم 
مغناطيسي جماهيري». ومع ذلك فإننا نؤكد أن المؤامرة البابوية يجب دراستها 
بالطريقة التي درس بها المؤرخ الفرنسي «جورج ليفبفر» الخوف الكبير الذي 
حدث عام 17/45 الذي لعبت فيه وسائط الاتصال دورا كبيرا. وكما شي أزمات 
سياسية كثيرة جدا تعبت الصور العقلية المشتركة 5»م506:60097: ومنها مثلا 
«الكاثوليكي الخائن» أو «اليسوعي الماكر» وغيرها. وقد عملت هذه الأزمة 
على إحياء الذكريات الشعبية عن مؤامرة البارود «لجوي فاوكس» وحريق لندن 
الكبير عام ١117‏ (الذي أدين فيه الكاثوليك). 

لم تذكر الجريدة الرسمية: «الغازيت» المؤؤامرة من قريب أو بعيدء ونتيجة 
لأنه لم يكن في ذلك الوقت صحف غير رسمية:؛ فقد انتشرت أخبار الأحداث 
بشكل غير مباشرء سواء عن طريق الخطابات الخاصة أو عن طريق الكلام 
المباشر أو الإشاعات. وعليه فهذه الأزمة تؤكد بوضوح شديد مقولة «تاموتسو 
شيبوتاني»: في كتابه «الأخبار المرتجلة» :.)١511(‏ بأن الإشاعات تزدهر عندما 
يكون عرض المعلومات غير كاف لتلبية الطلب عليها. وفي حالتنا هذه انتشرت 
إشاعة عن «فرسان الليل» في يوركشاير ويلتشاير وغلوسسترشاير وأماكن 
أخرى, تبعتها أقاويل عن غزو فرنسي. وقد عملت الصور المطبوعة كذلك على 
نشر الوعي «بالمؤامرة البابوية البشعة». ومن أبرزها سلسلة نقوش على ورق 
اللعب تصور مشاهد مثل «المتآمرين يوقعون قرار قتل الملك». 

وعلاوة على ذلك فبعد أن اتضح في النهاية أن المؤامرة لم تكن سوى تلفيق 
استمرت موضوعاتها تستغل من جانب حزب «الهويغ» الذي كان يعادي 
الكاثوليك ويريد تقليص سلطات الملك. وعلى ذلك فإن هتاك ارتباطا مباشرا 





الوسائط والحيز العام في أوروبا أوائل العصر الحديث 


بين هذه المؤامرة وما سمي «أزمة الإقصاء» (17179 - 1141).: أي إقصاء أخي 
تشارئز جيمس عن خلافة أخيه على العرش (حيث كان جيمس هو ولي 
العهدء إذ لم يكن لتشارلز وريث شرعي ذكر). وقد رفع أعضاء حزب الهويغ 
التماسات ونشروا أغاني قصصية ومطبوعات ونظموا عددا من المسيرات: 
أبرزها في لندن الأعوام 9 و1786 و1541.أحرقت فيها صور وتماثيل 
للبابا. وكان نادي الوشاح الأخضر ‏ إحدى منظمات الهويغ ‏ هو من دفع 
فاتورة هذه المظاهرات السياسية: وضي هذه المناسبات كان يجري استتكجار 
كاتب محترف ‏ في هذه الحالة كان الكاتب «إلكاناه سيتل» ‏ لتصميم مواكب 
البابا والكاردينالات والرهبان وأعضاء محكمة التفتيش والراهبات: كما يجري 
توظيف مناد ليصرخ «تذكروا القاضي جودفري» وكان يلصق على كل شخصية 
رقعة تعريف مكتوبة لضمان أن يفهم الجميع الرسالة. وكانت صور هذه 
المسيرات تصور في نقوش وتطبع هي الأخرىء وقد كانت قضية الهويغ تلقى 
دعما كبيرا من النحات «ستيفن كوليدغ» (أعدم لهذا السبب في العام )١141‏ 
الذي صور املك لاعب عرائس ذا وجهين: أو «صاحب صندوق الدنيا». . 

وفي مقابل ذنك اشتكى أعضاء حزب «التوري» في أعمال مطبوعة من 
إساءات الصحافةء ميرزين الشبه بين نشر الكتابات والصور التحريضية من 
جانب خصومهم وأحداث العام .174١‏ وبين العامين ١175‏ و181١‏ قدر عدد 
نسخ الكتيبات المتداولة سواء المؤيدة أو المعارضة لإبعاذ جيمس من خمسة 
إلى عشرة ملايين. ومع ذلك لم تغفل الوسائط التقليدية ومنه أن كتب 
الشاعر جون دريدن -١1751١(‏ )أو اشترك في تأليف مسرحية «دوق 
الغيز» موضحا ما أسماه «التوازي» بين العامين 1087 في فرنسا و187١‏ 

فى إنجلتراء قوضع قائد الهويغ «إيرل شافتسبري» الأول )1١147 - ١571١(‏ 
في مكان الدوق ووضع المنشقين في مكان التحالف الكاثوليكي؛ بمعنى أن 
التوازي كان نسخة معكوسة فوضع البروتستانت المغالين في إنجلترا مكان 
الكاثوئيك المغالين في فرنسا. وقد حظيت هذه المسرحية باستحسان تشارلز 
الثاني الذي طلب من دريدن أن يترجم التاريخ الحديث للاتحاد الكاثوليكي 
للفيز. وهو ما فعله دريدن وأهدى العمل للملكء واقترح أن مقارنة أحداث 
4 في فرنسا بأحداث ١184‏ في إنجلترا توضح أن «خصائصهما 


متشايهة في كل شيء». 


التاريخ الاجتماعي للوسائط 


على رغم كل ذلك خلف جيمس دوق يورك أخاه تشارلز وتوج ملكا باسم 
جيمس الثانيء ولكنه فيما بعد أقصي عن العرش لمدة ثلاث سنوات. عندما غزا 
البروتستانتي «ويليام من اورائغ» 116 00 ذوج أخت جيمس «مارية», 
إنجلترا من هولندا. وفد كانت للوسائط مكانة مهمة في هذه الأحداث الثورية. 
ففي البداية طبع «إعلان» المبررات التي دفعت «ويليام» لغزو إنجلتراء وبدأ يوزع 
في إنجلترا قبل وقوع الغزو. وحقيقة أننا مازلنا نشير إلى أحداث العام ١78/‏ 
باعتبارها «الثورة المجيدة» تبرهن قوة الصورة التي جرى تخليقها عن عمد في 
ذلك الوقت. ومن ذلك مثلا أن عرض «لورد ماير» 580 212:65 00] العام 
65 يعنوان «يوبيل لندن العظيم» قدم ويليام الثالث بصفته بطلا بروتستانتيا 
فاتحاء وهو العرض الذي كتبه الشاعر المحترف «ماثيو توبمان» (الذي كان قبل 
ذلك يكتب ضد الهويغ). وقد أكملت هذه الرسالة بأغان قصصية ومسيرات 
ومطبوعات وميداليات وأوراق لعب ومواعظء وكان من أكثرها تأثيرا الموعظة 
التي قدمها الأسقف «جيلبرت بيرنت» 1١145(‏ - 17150) في كنيسة القويس . 
جيمس في ديسمبر العام 1144: التي سرعان ما طبعت وروجت. ش 

أما الاتصال عبر المسافات الطويلة فقد ظلت فيه كثير من الصعوبات. 
غفي أمريكا الشمالية استفرقت أنياء أحدات العام ١7484‏ وقتا حتى تصل 
إليهاء فغزو ويليام من أورانغ وطرار جيمس الثاني وقعا في نوفمبر وديسمير. 
وهو «وقت غير مناسب من العام لوصول التقارير السريعة إلى نيوإنجلند». 
ولذلك فإن وصول «ويليام» إلى إنجلترا لم يعرف في بوسطون حتى أوائل 
أبريل 15486 وفطي كارولينا تم إعلان «ويليام» ملكا يعد أن حدث ذلك في 
نيوإنجلند؛ وذلك لآن أخبار تتويجه استغرقت وقتا أطول لتصل إليها. 

وعلى الرغم من أن أهمية الثورة الإنجليزية في منتصف القرن السابع 
عشر في تاريخ الوسائط لا يمكن إنكارهاء فإن المؤرخين لم يعيروا اهتماما 
كبيرا لهذا التتابع للأحداث. ومع ذلك أشار المؤرخون إلى إلغاء قانون 
الترخيص العام ١0‏ وهو ما أنهى ليس نظام الرقابة فحسبء بل أنهى في 
الوقت نفسه السيطرة على الطباعة من جانب شركة تعدمفماق وهي 
السيطرة التي دامت منذ أن منحت الشركة أمتيازا ملكيا العام ١001‏ وكذلك 
قانون الطابع للعام 17١١‏ ذلك القانون الذي حاول كبح القوة الناشئة 
للصحافة من خلال فرض رسم الطابع. 


الوسائط والحيز العام في أوروبا أوائل العصر الحديث 


وفي هذه السنوات ظهر فيض من المذكرات السياسية والمواعظ المطبوعة, 
من أبرزها الموعظة التي قدمها كاهن التوري «هنري ساكفيريل» (حوالي 
74-- 1771) ضد حكومة الهويغ عام :17١١‏ والتي بيع منها +١‏ ألف نسخة 
خلال أيام قليلة. وموعظة «ساكفيريل» هذه توضح طريقة انتقال أو انعكاس 
أداء وسيط معين إلى وسيط آخرء. على رغم كون هذا النص حقق عشرة 
أضعاف المبيعات التي حققها كتاب لوثر «خطاب إلى النبلاء الألمان»» يبرهن 
على الأهمية المتزايدة للمادة المطبوعة فضي الثقافة الأوروبية. 

على أن الأهم من ذلك كله كان ظهور الصحافة الدورية غير الرسمية: 
ومنها صحف مثل د38 غ05 عط" ونزه8 2056 ع1" اللتين أسستا عام 1١1560‏ 
وأده عستز11 عط1 ونتدهمء]38 أصمنوعامءط ع1" وقد كانت هذه الصحف أطول 
من صحيفة «غازيت لندن» الرسمية. وكانت تظهر على فترات أقصر ‏ ثلاث 
مرات في الأسبوع بدلا من مرتين ‏ وكانت أيضا ذات اتجاه تثقيفي أوضح من 
الجريدة الرسمية. وكانت معدلات البيع مرتفعة نسبياء ففي مقابل ستة 
الآلاف نسخة التي كانت «غازيت لندن» تبيعها في أوائل القرن الثامن عشر 
كانت 2130 ]205 تبيع غ آلاف نسخة:؛ و80 ]205 ثلاثة آلاف نسخة. 

وبفضل هذه الصحف غير الرسمية تحول الحيز العام المؤقت السابق إلى 
حيز عام دائم وهو ما جعل السياسة جزءا من الحياة اليومية لنسبة كبيرة من 
السكان؛ وبخاصة في لندن. وكانت الصحف غالبا ما تقرأ بصوت عال 
وتناقش في المقاهي التي كانت بمنزلة منتديات سياسية يشارك فيهاً 
الحرفيون إلى جانب السادة, والنساء إلى جانب الرجالء على رغم أن 
المستمعين لم يكونوا ينصتون للجميع بالدرجة نفسها من الاهتمام. وهناك 
أنواع أخرى من المعلومات أصبحت أكثر عمومية ومنها المعلومات الاقتصادية 
التي انتشرت بفضل البورصة والصحف, وكذلك دخل العلم إلى الحيز العام 
بفضل المحاضرات العامة ومحاضر جلسات الجمعية الملكية التي كانت تحمل 
أنباء آخر التجارب والاكتشافات. وإن كانت جلساتها مازالت شبه عامة في 
الغالب ومتاحة لأعضاء النادي فقط. 

إن الثقاقة البريطانية هي التي أنتجت السياسي الراديكالي «جون ويكيز». 
الذي اعتمد عمله الفن ‏ بوصفه مدافعا عن الحرية ومناديا بقوانين سياسية 
- على الدعم الشعبي الذي كان يُحشّد من خلال الوسائط؛ ليس فقط 

















التاريخ الاجتماعي للوسائط 


الصحف التي كان من أبرزها ه80 210:05 ولكن أيضا المطبوعات السياسية 
والبيانات اليدوية والمسيرات. وقد جرى نسخ ملامح «ويكيز» المميزة على 
الميداليات والأزرار والأباريق وعلب الستّعوط 05 اكنام5 وأباريق الشاي. وقد 
ظلت المهرجانات لوقت طويل تحمل رسائل سياسية كما رأينا؛ ولكن ما استجد 
في هذه الفترة كان ظهور ما سوف يسمى في القرن التاسع عشر 
«بالتظاهرات». وهي حدث مهرجاني ينظم تأييدا لسياسة معينة. 

وهناك شيء آخر استحدث وهو ما يمكن أن نسميه مأسسة الطباعة 
السياسية التي ظهرت الآن بشكل منتظم وليس فقط في أوقات الأزمات. لقد 
شجعت المطبوعات الفكر الناقد في مجال السياسة من خلال نقد كلا 
الجانبين (هجوم الهويغ على التوري والعكس). وحتى العائلة الملكية لم تستثن 
من الهجوم؛ ومن ذلك أن «دوق كمبرلاند» قدم في صورة سفاح بسبيب وحشيته 
في إخماد الثورة الجيمسية أو الستيوارتية عام ,١7504‏ وقد كان الأمير 
«ريجنت». الذي أصبح غيما بعد الملك جورج الرابع؛ هدفا دائما للنقد البصري 
في أوائل القرن التاسع عشر. 


التنوير والثورة في فر نسا 

في كل أنحاء القارة الأوروبية: باستثناء الجمهورية الهولندية؛ كان مستوى 
تطور حيز عام متخلفا دائما عن نظيره في بريطانيا. ضفي فرنسا مثلا انتهت 
الحرب الآهلية بفشرة حكم لويس الرابع عشر الطويلة (حكم من 1770 إلى 
0) التي جرت فيها السيطرة على الوسائط وتقليص النقد العام للنظام. 
ولكن هذا الموقف اختلف فضي أثناء القرن الثامن عشر بحيث لا يمكن لأي 
تأريخ للوسائط تجاهل التنوير الفرنسيء الذي لعب دورا رائدا في حركة 
التعليم والنقد والإصلاح الأوروبية؛ التي كان لها مراكز أخرى في إسكتلندا 
وسويسرا وأثرت كذلك في أمريكا الشمالية والجنوبية. 

وقد استخدم المشاركون في هذه الحركة مجاز «النور» عن قصد في 
تعريض حركتهم. وكان النور هو نور «العقل» وهي من الكلمات الأساسية في 
ذلك الوقت, العقل الذي وضع في مقابل الإيمان والخرافة والتقاليد والأحكام 
المسبقة. ومن الكلمات الأساسية الأخرى لهذه الفترة كلمة «ناقد». في تأكيده 
على الفكر العقلاني الناقد في القرن الثامن عشر. كما في تأكيده على فكرة 





الوسائط والحيز العام في أوروبا أوائل العصر الحديث 


«العام»» كرر هابرماسء أو ترجم إلى مصطلحات القرن العشرين: ما كان 
أعلام «التنوير» يقولون عن أنفسهم. وحيث إنهم كانوا يحثون على الإصلاح: 
وليس الثورة» فقد كانوا ينظرون إلى دورهم باعتباره تعليميا بأوسع ما في 
الكلمة من معان. وكانت الوسائط هي أدواتهم الأساسية. 

وفي هذه الحركة لعب المفكرون الفرنسيون أو من يسمون الفلاسفة:؛ دورا 
رئيسياء ومنهم فولتير )١718-1١594(‏ وروسو (؟١11١-778١)‏ وديدرو 
)17828-771١5(‏ ودالمبرت ١71١7(‏ - 1785). ولأنهم كانوا يسمون أنفسهم 
«أدباء» فقد كانوا يوصفون أحيانا بالمفكرين الأوائل المستقلين عن الرعاة: بل 
أيضا باعتبارهم أول نخبة مثقفة في إشارة إلى نقدهم المستمر للنظام الذي 
كانوا يعيشون في ظله. وقد حاولوا أن ينشروا رسالتهم على نطاق واسع داخل 
فرنسا وخارجهاء وبين النساء كما بين الرجال: على رغم أنهم لم يحاولوا 
الوصول إلى «الشعب». حتى أن فولتيرء على وجه الخصوصء كان يزدري من 
أسماهم الجماهير. 

كان هؤلاء الأدباء يفكرون ويكتبون في إطار نظام كانت الرقابة فيه مازالت 
قائمة رغم كونها أصبحت أخف مما كانت عليه في عهد لويس الرابع عشر. 
ومن القيود.ء التي كان لا يزال معمولا بهاء منع الصحف من معالجة 
الموضوعات السياسية. وقد أدت هذه القيود الرسمية إلى جعل الثقافة 
الشفهية للمقاهي ذات أهمية سياسية؛ مثل ثقافة الصالونات التي 
نظمت فيها السيدات الأرستقراطيات حوارات فكرية. وقد كانت 
المراسلات الشخصية ‏ ليس فقط في عهد حكام مثل «فريدريك بروسيا» 
(حكم 1174١‏ -1787) ودكاثرين روسياء (1777 -1757) - طريقة أخرى ينشر 
الفلاسفة من خلالها أفكارهم. 

وفي بعض الأحيان كانت الأنواع الفنية كالمسرحيات واللوحات أو 
الدراسات التاريخية تشكل أداة لنقل الرسائل السياسية. ومن أمظلة ذلك - 
مسرحية «زواج فيفارو» للكاتب المسرحي الفرنسي «بيير اوغستين بيوماركيز» 
(1795-1751).: التي عرضت لأول مرة العام :١784‏ يعد صعويات مع 
المراقبين الذين رأوا فيها نقدا للنظام. وقد خففت آراء بيوماركيز السياسية 
في النص الأوبرالي الإيطالي لأوبرا موزار (1787) مع الاحتفاظ بشيء من 


الرسالة السياسية الأصلية. 





التاريخ الاجتماعي للوسائط 


وعلاوة على كل ذلك كانت «الموسوعة» الشهيرة التي نشرت بين العامين 
0١‏ و710١‏ وسيطا مهما للسياسة. وهذه الموسوعة, التي كان من 
المخطط لها أن تكون ترجمة لموسوعة تشامبرز الإنجليزية في أربعة 
مجلدات. تحولت إلى عمل مستقل من 50 مجلدا. وقد شارك «دالمبيرت» 
و«ديدرو» و«فولتير» و«روسوء» مع آخرين كثيرين في كتاب قصد منه أن 
يكون أداة لإيقاظ الوعي السياسي إلى جانب تقديم المعلومات. وقد كان 
نشر الموسوعة حدثا رئيسيا في تاريخ الاتصال. في البداية كان الأثرياء 
فقط في مقدورهم شراء الموسوعة, ولكن سرعان ما ظهرت طبعات 
أرخص منهاء إلى جانب أن أناسا كثيرين كان في مقدورهم قراءة هذا 
العمل في المكتبات العامة. 

ومن ردود الأفعال الأخرى حيال الرقاية كان تنظيم الاتصال السري 
سواء أكان مطبوعا أم مخطوطاء وسواء أكانت الكتب مهربة من الخارج أو 
منتجة سرا في فرنسا. وكان بائعو الكتب الفرنسيون يشيرون إلى هذه 
المنشورات السرية باسم «الكتب الفلسفية», وهو تصنيف عام شمل الأعمال 
الإياحية إلى جانب أعمال الهرطقة والأعمال الهدامة سياسيا. بل ويرى 
المؤرخ الأمريكي «روبرت دارنتون» أن الأدب الإباحي ارتبط بالتنوير وحركة 
الإصلاح من خلال عملية كانت تهدف إلى القضاء على المركزية. ومن ذلك 
أن الهجوم على السلوك الجنسي لزوجة لويس «ماري أنطوانيت», أو 
«البغي» كما أطلقوا عليهاء شجع ليس الإصلاح وحسب ولكن أيضا الثورة. ' 
إن طرق تقديم العائلات الملكية في الوسائط ريما كان لها نتائج سياسية 
بعيدة الأثر. 

وكما كانت الحال مع الحركات التي وصفناها من قبل في هذا الفصل كان 
انخراط «الشعب» في الثورة الفرنسية في العام ١785‏ سببا ونتيجة ضي الوقت 
ذاته لانخراط الوسائط. بل ويمكن الخروج بهذا الافتراض نفسه عن الثورة 
الأمريكية في العام 27771 إذ تدعمت قضية الاستقلال الأمريكي الذي اعتمد 
على سابقة بريطانية - حيث كان الاحتجاج الكبير الإنجليزي في القرن التاسع 
عشر أحد مصادر إعلان الاستقلال الأمريكي ‏ ليس فقط عن طريق 
الكتيبات ولكن أيضا الصحف- ففي العام ١776‏ كان في المستعمرات 
الأمريكية بالفعل اثنتان وأربعون صحيفة؛ تبنى بعضها مثل «نيويورك جورنال» 





الوسائط والحيز العام في أوروبا أوائل العصر الحديث 


و«فيلادلفيا إيفننغ بوست» و«ماساشوستس سباي» القضية الثورية من خلال 
وصف الفظائع التي ارتكبها الجيش البريطاني. وعلى المدى الطويل عملت 
هذه الصحف على خلق ثقافة سياسية قومية من خلال الأخبار التي كانت 
تنقلها (كما حدث في إنجلترا في أثناء الحرب الأهلية) وساعدت في ظهور 
مجتمع متخيل جديد في مقابل المجتمع البريطاني. وعندما لاحظ زائر 
فرنسي لأمريكا إعادة الطبع المتكررة لكتيب «توماس بين» «الحس ااشترك» 
في الصحف الدورية قال إنه «بدون الصحف ما كان للثورة الأمريكية أن يكتب 
لها النجاح أبد!». وعلق زوار أوروبيون آخرون على عدد الصحف التي كانت 
تصدر في الولايات المتحدة. إذ بحلول عام 16٠١‏ كان يصدر في الولايات 
المتحدة ١/8١‏ صحيفة أسبوعية و74" صحيفة يومية. 

وفيما يتعلق بالثورة الفرنسية وعلافتها بحركة التنوير التي سبقتها فقد 
كانت محلا لكثير من الجدل. في أواخر القرن الثامن عشر اعترفت الحكومة 
بالرأي العام, باعتباره شيئًا يجب مخاطبته؛ ويذلك ساعدت المعارضة في 
الإطاحة بالنظام القديم. وبهذه الطريقة يمكن وصف الثورة بأنها استمرار 
لحركة التنوير ولكن بوسائل أخرىء فالاحتكام إلى العقل باعتباره الإله المعبود 
- والى «حقوق الإنسان» التي اعتبرت عالمية ‏ يتبع تقاليد حركة التتوير. بل 
وقد أصبح الفلاسفة محل احترام؛ ومن ذلك أن رفات فولتير نقل في موكب 
مهيب ليدخل في معبد البانتويون «02عطاهة2» في العام .١74١‏ ومع ذلك فقد 
كان البرنامج الثوري أكثر راديكالية» إذ أراد أن يغير النظام. لا أن يصلحه. 
وقد كانت إعادة تنظيم التقويم ليبدأ من العام ١797‏ عملا رمزيا مهماء إذ 
كان بمنزئة إعلان الاستقلال عن الماضي. 

لقد اعتاد المؤرخون النظر إلى الثورة باعتبارها في الأساس استجابة 
للمشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي كانت سائدة في العقد قبل 
الأخير من القرن الثامن عشر. أما الآن فهناك تركيز أكبر على النظر 
إليهاء باعتبارها اختراع ثقافة سياسية جديدة. وتشييد مجتمع جديد من 
المواطنين أتيح فيه مكان «للطبقة الثالثة» (المحامين والتجار والحرفيين 
والفلاحين) إلى جانب طبقتي رجال الدين والنبلاء اللتين كانتا تتمتعان 
بالامتيازات. وفي عمليتي الاختراع واليناء هاتين لعبت الوسائط مجددا 


دورا بارزا. 


التاريخ الاجتماعي للوسائط 


وقد لعبت المادة المطبوعة دورا مهما في الثورة الفرنسية التي بدأت 
بالمطالبة بصحافة حرة. منها قيام «كومت دي ميرابيو» (55/ا١-781١)‏ 
بمعالجة كتاب ميلتون (1788) 416003811168 : ونشر «ماري جوزيف كينير» 
عملها القوي «شجب محاكم التفتيش على الفكر» »)١1784(‏ وإنتاج جاكس بيير 
بريسوت «مذكرة حول الحاجة إلى تحرير الصحافة» .)١784(‏ كان «بريسوت» 
يفكر بوجه خاص في الصحف. إذ إنه في الوقت الذي ظهرت فيه مذكرته 
كانت الأحداث تتوالى بسرعة كبيرة بالنسبة إلى الكتب وحتى الكتيبات: حيث 
حدث انفجار في المنشورات الجديدة. وضي الشهور الستة الأخيرة من العام 
65 أنشي ما لا يقل عن ١6٠؟‏ صحيفة. وكانت الصحف المختلفة تخاطب 
جماهير مختلفة بمن في ذلك الفلاحون (الذين كانت تخاطبهم صحيفة: 
11128015 ع 1ائناء1 1.2) كان حجم هذه الصحف صغيرا عادة, ولكن الصحيفة 
القومية استعارت القطع الكبير من الصحف الإنجليزية. 

كانت الثورة مفيدة للصحافة إذ أصبحت هناك وفرة من الأخبار يمكن 
للصحف نقلهاء كما أصبح عدد القراء لا بأس يه. ومن أدلة انتشار قراءة 
الصحف أن الطاهية التي قالت العام 0١‏ أنها تقرأ أربع صحف لم تكن 
استثناء في ذلك الوقت. والصحافة بدورها كانت مفيدة للثورة. فهناك ‏ 
من أمثال «جيرمي بوبكن» ‏ من يقترحون أن الصحافة الدورية كان 
«لا غنى عنها لإضفاء الشرعية على قوانين الثورة بالإعلان عنها». ومع 
ذلك فيجب عدم المبالغة في قوة الصحافة:؛ ففي العام ١785‏ كان معظم 
الشعب الفرنسي أمياء وعليه فإن إسهام كل أجزاء نظام الاتصال يجب 
دراستها كما في حال الحركات السابقة مثل حركة الإصلاح. 

لقد كان الاتصال الشفهي ذا أهمية خاصة في الثورة: إذ كانت الثورة 
وقتا لجدل مكثف وللخطب في الجمعية الوطنية والنوادي السياسية التي 
أنشئت حديثا في باريس وغيرها من المدن . وكانت المناقشات تتم «بلغة 
ثورية جديدة» تناشد العواطف وليس العقل وتعتمد على «سحر» كلمات 
مثل الحرية والإخاء والأمة. وخارج الجمعيات والنوادي كانت الإشاعات في 
أوج فاعليتها في ذلك الوقت الذي وقعت فيه سلسلة متسارعة من 
الأحداث المفاجئة, وقد كان «الفزع الكبير» الشهير في العام 74١ء‏ الذي 
ناقشناه من قبلء أهم الإشاعات الكثيرة التي انتشرت عن الثورة. 


الوسائط والحيز العام في أوروبا أوائل العصر الحديث 


كذتك كان الاتصال البصريء بما في ذلك تحطيم التماثيل؛ على درجة 
كبيرة من الأهمية: إذ كان تحطيم الصور الدينية يعبر عن إدراك الكنيسة؛ 
باعتبارها جزءا من النظام القديم» وكذلك حدث تحطيم للتماثيل غير الدينية 
أو «تخريب الممتلكات العامة» كما كانت تسمى في ذلك الوقتء وهو ما تجلى 
في تحطيم تمائيل لويس الرابع عشر التي كانت معروضة في اثنين من أهم 
ميادين باريس حتى العام 1757؛ ومن الناحية الإيجابية ظهرت لغة جديدة 
للصور لخدمة النظام الجديد» ومن أمثلة ذلك أن الرسام «جاك لويس دافيد» 
(1870-1748) كان يعمل نيابة عن الثورة داخل وخارج مرسمه. ولوحته عن 
«مارات» المقتول كانت إسهاما ضي سجل شهداء الثورة. وفي عهد الثورة أنتج 
ما يزيد على ٠٠٠١‏ مطبوعة بصرية لتوسيع الجدل السياسي إلى الأميين؛ 
ومنها النقش الخشبي الذي يصور سقوط الباستيل كرمز لسقوط النظام 
القديم. وحتى مراوح اليد والأطباق كانت تحمل رسائل سياسية مثل «تعيش 
الطبقة الثالثة» (الشكل :.)١١‏ وكذلك كان ورق اللعب. 

ويمكن وصف الثورة بأنها مسرح سياسي طويلء: ليست مشاهد عمليات 
الإعدام العامة للويس السادس عشر وماري أنطوانيت, وفيما يعد, 


لثوريين فياديين من أمثال «دانتون و«روبيسبير» ‏ سوى أكثر مشاهده 





الشكل )١١(‏ طبق سياسيء حوالي ١744‏ 





التاريخ الاجتماعي للوسائط 


مأساوية. وإلى جانب ذلك كانت هناك المهرجانات العامة سواء في باريس 
- ولا سيما في الأماكن المفتوحة ‏ أو في المقاطعات؛ ومن أمثلتها مهرجان 
الاتجاد الفيدرالي أو مهرجانات موت الملك أو سيادة الشعب أو الكائن 
الأسمي أو العقل. وكان الرسام «ديفيد» مصمم وملحن بعض هذه 
الممرجانات. وكان النطاق الواسع لهذه المهرجانات (بالنسبة إلى عيون 
القرن العشرين يذكرنا باجتماع نورمبرغ الجماهيريء أو استعراضات عيد 
العمال في الاتحاد السوفييتي) يعبر عن الاتجاهات الديموقراطية الجديدة 
في ذلك الوقت بإشراك آلاف الناس في هذه المهرجانات. وكانت هذه 
المهرجانات أيضا تعبيرا عن عملية العلمنة؛ التي تعنيء حسب تعبير المؤرخ 
الفرنسي «مونا أوزوف». «نقل القداسة» من الكنيسة إلى الدولة. 
إن التعبئة الواعية للوسائط بهدف تغيير الاتجاهات يمكن وصفها 
بالدعاية. ومصطلح دعاية ‏ الذي كان في الأصل مصطلحا دينيا ابتكر 
لوصف نشر المسيحية ‏ اكتسب معنى ازدرائيا سيئًا في أواخر القرن 
الشامن عشر عندما استخدمه البروتستانت لوصف أساليب الكنيسة 
الكاثوليكية. وفي أثناء الثورة الفرنسية استخدم هذا المصطلح في 
السياسة. من ذلك أن قارن الصحافي الثوري «كاميل ديمولينز» 
(1794-1710) بين «نشر الوطنية» ونشر المسيحية:؛ في الوقت الذي كان , 
فيه الملكيون ضي المنفى يشجبون الدعاية التي تمارسها الثورة. وهذه الكلمة' 
الجديدة كانت تشير إلى ظاهرة جديدة. فعلى رغم أن استخدامات الصور 
والنصوص لتشكيل الاتجاهات تعود إلى فترات مبكرة من تاريخ البشرية إلا 
أن قصدية ونطاق حملة الوسائط الثورية كانت شيكئا مستحدا. 
ووفقا لهابرماس فإن «الثورة في فرنسا خلقت بين عشية وضحاها ما 
استغرق في بريطانيا العظمى أكشر من قرن من التطور المطردء وهو 
المؤسسات.. من أجل النقاش العام الناقد للأمور السياسية». ومنن ذلك 
الحين هناك نقد لقيود هذا «الحيز العام» الفرنسيء من أبرزها استبعاد 
النساء. ومع ذلك فقد لعبت الوسائط الفرنسية دورا أساسيا في تحطيم 
التقاليدء وكذلك في اختراع تقاليد جديدة. أعني محاولة خلق ثقافة 
سياسية جديدة بلا كنيسة أو ملك. وليس من قبيل المصادفة إذن أن تدخل 
عبارة الرأي العامء مثلها مثل «الدعاية»؛ في اللغة المعتادة في ذلك الوقت. 


الوسائط والحيز العام في أوروبا أوائل العصر الحديث 


وعلى العكس من ذلك دخلت كلمة «القطع» سيئة السمعة في لفة 
الاتصالات. سواء للإشارة إلى الماكينة التي يستخدمها الطباعون لقص 
أطراف الأوراق. أو للإشارة إلى محاولة إنهاء المناقشات البرمانية حول 
موضوع معين. 

وكما كانت الحال في إنجلترا بعد إعادة الملكية مع تشارلز الثاني مرت 
فرنسا في ظل حكم نابليون )181١0-1/99(‏ بنوع من الردة إلى موقف ما 
قبل الثورة: علما بأن الأشياء ما كان لها أن تعود بالضبط إلى ما كانت 
عليه من قبل ما دام الناس مازالوا يذكرون ما وقع فيها من أحداث. كانت 
قوة الوسائط تكمن في قدرتها على بعث ذكريات الماضي الثوريء. وقد 
أنعش نابليون التشابه القديم بين الصحف والجيش عندما أعلن أن أربع 
صحف معادية تخيف أكثر من ماثتة ألف من حملة الحراب. 

وعودة إلى نقطة جدلية دوت في أجزاءء مختلفة سابقة من هذه 
الدراسة؛ وسوف تدوي في الأجزاء اللاحقة؛ نقول إن من العبث إنكار 
إبداعية أغراد مثل «ديدور» أو «روبسبيير» في السياسة: وفي نظام 
الاتصال في حركة التتوير والثورة. وكما رأينا من قبل فإن نظام الاتصال 
تضمن الخطب والصور والمهرجانات إلى جانب المواد المطبوعة. ومع ذلك 
فعند تناول الطريقة التي أسهمت بها المواد المطبوعة في تشجيع الوعي 
السياسي - مع العلم أن زيادة الوعي السياسي أدت بدورها إلى زيادة 
استهلاك المواد المطيوعة ‏ نجد أن من الصعب تجنب عبارة مثل «منطق 
الطباعة». تماما كما أن من الصعبء عند الحديث عن فترة لاحقة, تجنب 
عبارة مثل «منطق التكنولوجيا». 

إن الثورة (واللإميراطورية فيما بعد) شجعت العلوم ومنها علم الاتصال 
الذي بدأ بالطرق البرية. وأصبح المهندسون محل تقدير وتم الارتقاء بنوعية 
التعليم الذي يحصلون عليه. وكذلك شجعت الثورة الاختراع؛: ومن ذلك أنه 
في الفترة بين العامين ١79”‏ و798١‏ كان يقدم مشروع اختراع جديد سنويا. 
ومن ذلك أيضا أن رائد التلغراف «كلود شاب» (1600-1777). الشاب الذي 
بدأ تجاربه في مجال الكهرباء؛ كان يعتقد أن الثوريين سيكافئون التجارب 
التي «تفيد الشعب»» فقدم في العام ١757‏ مذكرة للجمعية التشريعية 
ملتمسا منها الدعم لإقامة نظام إشارة سيمافوري لنقل الرسائل يمكنه أن 


التاريخ الاجتماعي للوسائط 


يتلقى ردا سريعا من برج إلى برج. ومن الآراء التي دعمت في العام التالي, 
بعد أن بدأت فرنسا حربها مع إمبراطورية هابزيرغ: أن مثل هذا النظام من 
شأنه أن يوحد الأمة, إذ أصبح له أهمية عسكرية. وكان الخط السيمافوري 
الأول بين باريس و«ليل» قد شيد للاتصال بالجيش في الشمالء ومن 
مبادرات نابليون الأولى كانت البناء السريع لخط يريط بين ليون وميلانو. 
وفي ذلك الوقت ظهر الحديث عن العمومية في أشياء مثل إعلانات الحقوق 
والنظام المتري. وعندما تطور التلفراف الكهربي لم يعد في مقدور القوة. 
الفرنسية التأثير في قرارات الدول الأخرى. حتى أن فرنسا حافظت على 
نظام السيمافور أو التعديلات الهجينية التي أدخلت عليه إلى أن أصبح من 
الأشياء التي عفى عليها الزمن. 

وكانت القصة في بريطانيا تسير في اتجاه معاكس لذلك؛ إذ رخضت 
الحكومة البريطانية في العام ١8١5‏ عروضا من «فرانسيس رينولدز»»؛ «أبو 
التلغراف الإنجليزي». لتوفير «طريقة سريعة لنقل الأنباء». ولكن مع نهضة 
الصناعة, التي سنعرض لها في الفصل التالي. قام مستثمرون خاصون 
برعاية السكك الحديدية والتلفراف الكهربي. حتى أن «رينولدز» نفسه منح' 
لقب فارس في العام 147١‏ عندما دخل تطور الاتصالات مرحلة جديدة. 


أشكال متنوعة من الحهيز العام 

حاول هذا الفصل دعم وأيضا في بعض النواحي تفنيد - فكرة نشأة 
الحيز العام عند يورغن هابرماس الذي قال» ردا على منتقديه؛ إن العودة 
بفكرة الحيز العام بعيدا إلى القرنين السادس عشر والسابع عشر تتضمن 
«تغيير مفهوم الحيز العام نفسه بدرجة يختفي معها المفهوم ويستحيل شيئا 
آخر». ومن جانبتا أكدنا الضعف البناتي لهذا الحيز في النظم القديمة. 
وميزنا بين نوعين من الحيز العام: الحيز العام المؤقت والدائم؛ أو الحيز 
العام البنائي والمرتبط بأزمة. 

انتقلنا من حركة الإصلاح الألمانية في عشرينيات القرن السادس عشر 
إلى الثورتين الأمريكية والفرنسية مرورا بالحروب الأهلية في هولندا 
وفرنسا وإنجلترا . ولاحظنا وجود تتابع لمواقف متشابهة لجأت فيها النخب» 
التي اشتركت في صراع مريرء إلى الشعبء وساعدت فيها الوسائط. 





الوسائط والحيز العام في أوروبا أوائل العصر الحديث 


ولا سيما المطبوع منها على رفع الوعي السياسي. وفي كل هذه المواقف 
كانت هناك أزمة تؤدي إلى جدل قوي ولكن قصير الأمد نسبيا. جدل يمكن 
اعتباره تأسيسا لحيز عام مؤقت أو حيز عام مرتبط بأزمة. 

إن بعض - على الأقل ‏ شخصيات هذه القصة الطويلة كانوا على وعي 
بسلفهم» وحاولوا أن يبنوا على إنجازاتهم. ومن ذلك مثلا أن الحرب الأهلية 
الإنجليزية كان ينظر إليها في وقتها باعتبارها إعادة للحروب الدينية 
الفرنسية في أواخر القرن السادس عشر. وكذلك أزمة الإقصاء كان يتم 
التعامل معها بلفة الحروب الدينية الفرنسية؛ مع وضع «شافتسبري» في 
مكان آل «غيز». وبالمنطق نفسه أصيح الاحتجاج الكبير البريطائي في 
القرن السابع عشر نموذجا لإعلان الاستقلال الأمريكي. وأخيرا وليس 
آخرا استخدم كتاب ميلتون مءتانعدممه:47 الذي عالجه «ميرابو» في الحملة 
الفرنسية من أجل حرية الصحافة؛ في حين ذكر إعدام الملك تشارلز الأول 
كسابقة عند إعدام لويس السادس عشر بالمقصلة. 

وقد تم تدوين السوابق طباعة:. إذ ضمنت الكتيبات تذكر الثورات؛ 
وساعدت بذلك في بناء ما يمكن تسميته تقاليد الثورة» في حين ساهمت 
الصحف والدوريات في جعل عملية نقد السلطة عملية تراكمية. وبحلول 
العام 5 كانت الصحافة تمثل بالفعل قوة في المجتمع إلى جانب رجال 
الدين والنبلاء وغيرهم. وفي إنجلترا ساندت الصحافة السلطة أكثر مما 
هاجمتها في أثناء الحروب الطويلة مع نابليون التي حسمت نهائيا من 
خلال القوة الاقتصادية والبحرية الأعظم: في حين يرجع كثير من 
المعاصرين هذا النصر إلى السمات الأخلاقية (والدينية) الأسمى. 

إن هذا التاريخ؛ مع ذلك؛ لم يكن بمنزلة تقدم خطي بقدر ما كان تقدما 
متعرجاء إذ انتقل من منطقة في أوروبا إلى منطقة أخرىء مع عودة خطوة 
إلى الوراء بعد خطوتين إلى الأمام. وهو ما يستلزم تعقبه في إطار جغرافيا 
كونية متغيرة. وقد دخلت كلمة «اكتشافات» إلى قاموس اللغة المستخدمة 
مع تكشف محيطات العالم. ومع ذلك. ومن منظور الوسائطء فإننا حتى 
ذلك الوقت لا نرى «عالما واحدا». فالدول الإسلامية؛ء كما رأيناء أبدت 
مقاومة قوية للطباعة: فالصحافة والحركات السياسية الثورية لم تظهر 
كلية في الشرق الأآوسط إلا بعد العام .186٠١‏ 





التاريخ الاجتماعي للوسائط 


وفي مقابل ذلك نجد أنه في شرق آسيا ‏ حيث ظهرت ثقافة الطباعة إلى 
الوجود قبل الغرب بوقت طويل ‏ اختافت النتائج عما كانت عليه في أوروبا. 
حيث ظهر هناك ما أسماه «بندكت أندرسون» رأسمالية الطباعة. وبخاصة على 
المستوى الشعبي. فمثلا المطبوعات اليابانية التي تعود إلى القرن الثامن عشر. 
والتي يبحث عنها هواة الجمع الآن. نشأت كملصقات للاعلان عن الممثلين 
والمقاهي والمومسات أو حتى أنواع الساكي [نوع من الكحول الياباني]. وضي 
الصينء وكذلك اليابان؛ كانت الطباعة تحت سيطرة الدولة أكثر مما كانت عليه 
الحال في أوروياء وهو ما أخر تطور الحيز العام لعدة قرون (حتى أن مسألة 
وجود حيز عام اليوم في الصين ومداه مازالت مسألة جدلية إلى اليوم). 

وفي مقابل ذلك نجد أنه في حالة أوروباء بداية من حركة الإصلاح 
فصاعداء أدى تجزيء السلطة الدينية: وكذلك السياسية:؛ إلى استحالة 
السيطرة الكاملة من جانب الحكومات على الطباعة؛ وهو ما يعود ضفي جزء 
منه إلى دوافع اقتصادية قوية. أصبحت أكثر قوة. بل أصيحت من القوة 
بحيث يتعذر إلغاؤها ومقاومتها في القرنين التاسع عشر والعشرين. حيث 
أصبحت الطباعة واحدة من مجموعة أوسع من تكنولوجيات الوسائكط: 
اللفظية والبصرية, تقف وراءها أشكال جديدة من القوة. مهدت الطريق 
في النهاية إلى تقارب جديد في البيئة الكونية. 

إن الطباعة بمجموعة الأحرف الطباعية المتحركة من جانب أصحاب 
مشروعات مستقلين تبدو لنا الآن عند التذكر ‏ كما بالنسبة إلى المعاصرين ‏ 
كمجموعة متفجرة» على رغم أن نسبة كبيرة من الطباعة كانت تهتم بالأنشطة 
الاقتصادية غير ذات الصلة بظهور الوسائط. إن فشل الحكومات في أوروبا 
في السيطرة الكاملة على الطباعة ترك الطريق مفتوحا لتطورات أخرى في 
الاتصال. ذلك الطريق الذي بدأ بالنقل؛ الذي سرعان ما جرى النظر إليه 
باعتباره: شأنه شأن نشأة حركة التصنيع بقوة البخار, ينطوي على ثورة. 


التجارة والصناعة والاتصال 


من غير الممكن فصل التكنولوجيا عن الاقتصاد. فمفهوم الثورة 
الصناعية سبق مفهوم ثورة الاتصالات بوقت طويلء: ومازال باقياء ولن 
ينتهي . والمفهوم الثاني, الذي صيغ بوضوح فقط في أواخر القرن العشرين: 








الوسائط والحيز العام في أوروبا أوائل العصر الحديث 


بدأ في التشكل في القرن التاسع عشر. وبعد ما أسماه «تشارلز نايت» 
(71791- 1875). رائد الكتب الرخيصة والصحافة الشعبية؛ «الانتصار 
على الزمان والمكان» أعيد تعريف الزمن (والمسافة) تحت تأثير السكك 
الحديدية والسفن البخارية أولا. ثم مجموعة من الوسائط الجديدة 
المترابطة التي شملت التلفراف والراديو والتصوير الفوتوغرافي 
والصور المتحركة. 
وحتى قبل السكك الحديدية كان الملعاصرون يشبهون الثائرين 

الفرنسيين «دانتون» و«رويسبيير» بجيمس وات )١148195-1١751(‏ مخترع 
المحرك البخاري ود«ريتشارد اركرايت» (1797-11757) من أول «ملوك 
الصناعة» (الذي بدأ مثل كثيرين غيره من أصحاب مصانع القطن 
باستخدام المياه وليس البخار). وسرعان ما ظهر نابليون أيضا في الصورة؛ 
فإذا كان لنابليون انتصاراته في مجال الحرب فإن انتصارات «وات» 
و«اركرايت» كانت انتصارات للسلام. حيث كانت هذه الاختراعات غالبا ما 
ينظر إليهاء بلغة توراتية: باعتبارها اختراعات ستكون لها نتائج كونية. حتى 
أنها ستغير صحراوات العالم: 

أي بخارء إذا كانت الأمم لا تشيخ 

فلماذا إذن لا ترفرف رايتك 

على الأراضي التي بلا بحارء بلا بخار 

وتجعل من البشرية كلها أمة واحدة 

وقبل أن تبدأ «المتوالية الصناعية». التي استهلت بالحرف وانتهت 

بالتكنوتوجيا اعتمادا على العلم» عملت التجارة على تمهيد الترية. وبخاصة 
في بريطانيا التي كانت الاختراعات التكنولوجية الأولى تقابل فيها بحفاوة, 
ولكن نادرا ما كان يتم ذلك بدون جدل. كان للتجار السبق على أصحاب 
المشروعات الصناعيين. حيث كانوا يتطلعون عبر المحيطات بحثا عن 
الفرص الاقتصادية. وفي غضون عملية فتح أسواق جديدة كان التجار قد 
أصبحوا يعتمدون إلى حد كبير على توصيل المعلومات. وقد لاحظ «دانييل 
ديفو» ,)١77١-157١(‏ مؤلف رواية «روينسون كروزو» :.)١7١5(‏ قبل أن 
يكتب روايته بثلاثة عشر عاماء كيف «يوفق التاجر عن طريق مراسلاته بين 
هذا التتوع اللامحدود: الذي بعثرته الحكمة اللامحدودة للعناية الإلهية 








التاريخ الاجتماعي للوسائط 


على وجه الأرض.. فكل دولة لديها ما تعطيه لدولة أخرى.. ولا توجد دولة 
قاحلة تماماء أو بلا أي مورد بل لابد من وجود شيء ما لا يوجد في 
مكان آخر». 

كان «ديفو» مهتما أيضا بالمشروعات التجديدية التي يمكن أن تغير مدى 
ومواقع التجارة؛ وفيما بعد في القرن الثامن عشر كان الشريك التجاري 
لجيمس وات «ماثيو بولتون» (0-11778 )4٠‏ الذي غير نشاطه من إنتاج 
لعب الأطفال إلى المحركات البخارية: يفخر بأنه أسس «مراكز مراسلة في 
كل مدينة تجارية في أوروبا تقوم بانتظام بتزويده بالطلبيات». كان «بولتون» 
يؤمن بأن «الطاقة هي ما يحتاج إليه العالم كله». 





















































من المبخار إلى الكهوبا. 


إن مائيو بولتون الذي كان يتباهى بأن 
باستطاعته تقديم كل ما يحتاج إليه العالم: ألا 
وهو القوة. كان يعتمد على براءات اختراع 
جيمس واط للمحرك البخاريء التي سجل أولاها 
في العام :١714‏ قبل خمسة أعوام من اتحاد 
واط مع بولتون في شراكة هي الأشهر من نوعها 
بين مخترع ورجل أعمال. قبل ستينيات القرن 
الثامن عشر كان عدد براءات الاختراع التي 
تسجل سنويا في بريطانيا لا يتجاوز العشرء ثم 
ارتفع هذا العدد في العام ١779‏ إلى "؟: وضي 
العام 1187, عندما وضعت حرب الاستقلال 
الأمريكية أوزارهاء وصل هذا العدد إلى 54: كان 
كثير منها يرتبط بالاتصالات. 

إن لقوة البخار تاريخها الطويلء إذ تمتد 
بجذورها إلى العالم القديم؛ وقد كانت تستخدم 
في المناجم لعقود قبل أن تستخدم لتحريك 
الماكينات. وعندما انقضت براءات واط في العام 
٠‏ كان المحرك البخاري قد أسس نفسه 
باعتباره أهم الاختراعات على الإطلاق: وباعتباره 
الاختراع الذي تعتمد عليه اختراعات أخرى 






فنحن نسافر من مكان 
إلى آخر بسرعات هائلة 
نسبياء ونتحدث معا عبر 
مسافات شاسعة ونحارب 
أعداءنا يكفاءة مدهشة:, 
كل ذلك بمساعدة 
الاختراعات الميكانيكية» 


وثيام شوكلي 








التاريخ الاجتماعي للوسائط 


كثيرة. وقد وصفه ديونيسيس لاردنر ١74”(‏ - 1404) - الكاتب غزير الإنتاج 
حول الماكينات وقوة البخار ومحرر «قنلعةمم1ء:0 أعصاطة0» وصفا لا يخلو 
من مبالغة بأنه «النتاج المتفرد للعبقرية البريطانية: الذي جاء نتيجة تشجيع 
الرأسمالية البريطانية ودعمها». ومع ذلك ذفي فرنساء التي كانت تطبيقات قوة 
البخار بها منخفضة نسبياء على رغم توافر مجار مائية كثيرة وأنهار وقنوات 
صالحة للملاحة» كما كانت الحال في التجمعات الصناعية الأمريكية الجديدة 
مثل «لوويل» في ماساشوستس (مدينة عمود الدوران)؛ تساءل كاتب معروف في 
العام 1844 وعينه على الماضي على العام 1744 : «هل من اكتشاف للعقل 
أحدث تأثيرا في قوة تأثير اكتشاف قوة البخار5» كان ذلك في عام شهد مزيدا 
من الثورات السياسية في فرنسا ودول أوروبية أخرى, وكان الكاتب هو أرنست 
رينان (1877 - )١1897‏ مؤلف أحد الكتب محل الخلاف حول حياة المسيح. وضي 
الولايات المتحدة علق رجل الصناعة إراستس بريفام بيجيلو -14١5(‏ 1474) 
من لوويل «كيف أصبح من الممكن في ذلك الوقت, نتيجة لتزايد استخدام قوة 
البخار؛ إنجاز ما كان الأقدمون يحلمون به في خرافاتهم». 
ومن هذه الإنجازات الجديدة السرعة التي تتجاوز سرعة الجياد بدرجات 
كبيرة (مازالت فوة الحصان تستخدم كوحدة قياس مع البخار. كما ستستخدم 
فيما بعد مع محرك الاحتراق الداخلي). كان هناك بالفعل اهتمام بالسرعة 
قبل وصول البجارء ولكنها الآن أصبحت ضرورة. وقد عبر عن ذلك الشاعر 
صامويل تايتر كوليردج )1851-1١1/7(‏ العام 1877 ممجدا دور البخار في 
الحركة؛ تلك الحركة التي تدفع ليس السفن فحسب بل أيضا «الجولات 
والرحلات عبر البر وعبر البحر؛ والتسكع وركوب الخيل والتشمس والتصفح 
والرسم والنزهة وحديث السفر». ومدركا أنه صائع عصر جديد حين قال: 
«تحرك فهذا هو وفت الثورة: قانون وموضة العصر». كما حملت رسوم 
الكاريكاتير هذه الرسالة. إلى جانب الكتيبات والروايات. وعلى حد تعبير 
إحدى شخصيات رواية جورج إليوت «المصنع القابع على النهر» )١181١(‏ فإن 
«العالم أصبح أسرع مما كان عندما كنت صغيرا... إنه البخار كما تعلم». 
في إطار هذه المنظورات يمكن رؤية الشورة الصناعية وثورة الاتصالات 
كجزء من العملية نفسهاء مع مجيء ثورة النقل أولا في تتابع تكنولوجي كان له 
منطقه الخاص, لا سيما بعد أن قدمت الكهرباء مصدرا جديدا! للقوة كان؛ في 








من البخار إلى الكهرياء 


البداية على الأقل, أكثر غموضا من البخار (جاءت كلمة إلكترونيات بعد ذلك 
بوقت طويل). وفي القرن العشرين سبق التلفزيون أجهزة الكمبيوتر: تماما 
مثلما سبقت المطبعة المحرك البخاريء وكما سبق الراديو التلفزيون؛ وكما 
سبقت السكك الحديدية والسفن البخارية السيارات والطائرات. كانت هناك 
نويات تأخر في هذا التتابع يحتاج كل منها إلى تفسيرء وقد كان على «الماكينة 
الطائرة العملية». والتي كانت معقدا لكثير من الآمال؛ أن تنتظر إلى أن يصبح 
اختراع محرك الاحتراق الداخلي ممكنا من الناحية التقنية. وكذلك سبق 
التلغراف التليفون: والراديو بدأ كتلغراف لاسلكيء وفي وقت لاحق» وبعد 
اختراع التليفون اللاسلكي, وظف لإعلان مقدم «عصر البث». أولا للصوت 
وبعد ذلك للصور. 

في معالجته لمجيء قوة البخارء التي ظلت لوقت طويل تعتبر السبب وراء 
كل هذه الاختراعات. ركز المؤرخ الأمريكي المتميز لعملية التصنيع الطويلة 
ديفيد لاندز على إحلال الوسائل الميكانيكية محل المهارات البشرية. واستبدال 
قوة غير حية بقوة البشر والحيوان» والتحسن الكبير في الحصول على المواد 
الخام وتشغيلها. ومع ذلك. كما أدرك المعاصرونء لم يكن هناك شيء نهائي 
في تلازم هذه التطورات مع البخار. وبدلا من ذلك كان الرأي السائد هو أن 
عملية تصنيع مستمرة قد بدأت بالفعل؛ وفيها نمت مهارات بشرية أكثر 
تعقيدا وتطورت أشكال جديدة من القوة غير الحية ‏ بما في ذلك الطاقة 
النووية والشمسية بعد الكهرياء ‏ وابتكرت مواد بديلة من خلال التقدم في 
الكيمياء وعلم المواد الذي ظهر في القرن العشرين. 

كانت عملية الاختراع في مركز ما اعتبره معظم المعاصرين «التقدم» 
الذي كانت الوسائط تمجده. ومن بين الجهات التي كانت تشجع على 
التقدم في بريطانيا القرن الثامن عشر «جمعية تشجيع الفنون والصناعات 
والتجارة»» التي أسست العام 4, والتي شرعت في تصنيف الاختراعات 
إلى فثات: كان لما يرتبط منها بالنقل أهمية خاصة. وعلى قوائم هذه 
الجمعية ظهر «النقل اليري» و «خطوط الطول البحرية» و «العجلات 
والعربات والطرق» منن ستينيات القرن الثامن عشر. وفي القرن التاسع 
عشر كانت «جمعية نشر المعرفة المفيدة». التي أسست العام 1871 تكنى 
بجمعية علماء البخار. 





انتاريخ الاجتماعي للوسائط 


وسواء في عصر البخار أو عصر الكهرباء التالي كان من دواعي الفخر ضي 
كل الدول أن تكون الدولة أول من يقدم أي اختراع. على رغم أنه لم يكن من 
السهل قط الحصول على اعتراف بذلك من الدول الأخرى. وهناك بالفعل 
اختراعات كثيرة جرى التوصل إليها بشكل مستقل في أماكن مختلفة: وعبر 
عمليات أدركت منذ ذلك الوقت على أنها عمليات عابرة تحدود الدول. لذلك 
كان التقاضصي حول حقوق براءات الاختراع شيئًا متكرر الحدوث؛. وكانت هذه 
المنازعات القانونية صراعات من أجل القوة والمال» وكان مقدار المال يعتمد 
على طول مدة براءة الاختراع ومدى إمكان تحديها. وكان القانون: الذي كان 
يُلجأ إليه على نحو متكررء يختلف من دولة إلى أخرى. ومع ذلك فقد كانت 
اللغة حافلة بالحديث عن «غزو الطبيعة». وهو ما عبر عنه أحد الشعراء العام 
1: وهو عام إعلان الاستقلال الأمريكي وصدور كتاب «ثروة الأمم» لآدم 
سميثء بأنه «في يوم ما في ال مستقبل سوف نفتح باب الطبيعة بمفتاح براءة 
الاختراع». كان هذا «اليوم المستقبلي» يشغل المخترعين ورجال الأعمال 
البريطانيينء الذين كانوا دائما يلقون تعضيدا ليس ذقط من ناظمي الشعرء. 
ولكن من الشعراء الكبار أيضاء بقدر ما كان يشغل الثوريين الفرنسيين: الذي 
صك مصطلح «الثورة الصناعية» للمرة الأولى في بلدهم في العام 1851 على 
يد عالم الاقتصاد السياسي أدولف بلانكي. 

ويرى أرازموس دارون 175١(‏ -1807): جد عالم البيولوجيا الكبير 
تشارلز دارون: الذي كان يعيش على حافة الريف الأسود البريطاني؛ والذي 
كان يكتب في العام الأول للثورة الفرنسية الأولى (1784): يرى أن النقل هو 
المفتاح الرئيسي للمستقبل؛ إذ «سرعان ما سيستخدم البخار لسحب المركب... 
أو دفع السيارة السريعة, أو الأجنحة المريضة... للمركبة الطائرة عبر 
مجالات الهواء». كان داروين ‏ الطبيب ‏ عضوا في «الجمعية القمرية»» وهي 
حلقة من الأصدقاء في الغرب الأوسط أسست بشكل رسمي العام 2178١‏ 
وكان من أعضائها أيضا بولتون و واط. كان أعضاء هذه الجمعية واعين 
بيعدهم عن لندنء: على رغم أن الوقت المستغرق للوصول إليها باستخدام ما 
يسمى «العربات الطائرة» اختزل إلى حد كبير (في الطقس الجيد) بعد تشييد 
الطرق الرئيسية؛ حيث تضاعف التعويض الميلي خمسة أضعاف بين العامين 
٠6ل/الاو١ثلا١.‏ 


من اليخار إلى الكهرباء 


لم يكن السفر البري أو السفر بالعربات البخارية هو شكل النقل العملي 
الذي كان يهم أعضاء الجمعية أكثر من غيرهء بل السفر المائي عبر القنوات» 
الذي كان؛ على رغم المعارضة,؛ يغير وجه الحياة الاقتصادية في الأجزاء 
الداخلية من بريطانيا بالفعل. وقد أسهم أحد أعضاء الجمعية وهو الخزاف 
جوزياه ويد جود (١؟7١  )١740‏ الذي كان من أصحاب المصالح في النقل» 
إلى حد كبير في تلك المرحلة من تاريخ النقل ‏ مرحلة القنوات. وصلت 
المرحلة الأولى ذروتها في بريطانيا بين العامين ١7/6١‏ و11797, عندما شجعت 
التكاليف الزهيدة «هوس» القنوات. حيث صدق البرلمان على إنشاء "0 وثيقة 
للقنوات والملاحة. وهذه الحماسة الكبيرة تشبه هوس السكك الحديدية في 
أربعينيات القرن التاسع عشر. وقد برزت المضاربة بأهمية لا تقل عن أهمية 
الاستثمار في التاريخ التالي للوسائط؛ بما شي ذلك تاريخ الإنترنت. كانت 
الضغوط من أجل التشريع بارزة أيضا هي الأخرى. كانت الأسئلة المتعلقة 
بطريقة؛ وما إذا كان من الضروري؛ تنظيم عمليات الاتصالات؛ ومازالت. 
أسئلة أساسية. 

وفي أوروبا ‏ باستثناء بريطانيا - التي كان بها أنهار صالحة للملاحة كانت 
القنوات مشهدا مألوفاء قبل أن تصبح كذلك في بريطانياء وقد بدأ عصر 
القنوات شي أوروبا في نهاية القرن السابع عشر. ضفي العام 18٠١‏ اكتملت في 
فرنسا قناة القديس كوينتن لتريط بين بحر الشمال ومجموعة أنهار سكلدت 
وليز بالقنال الإنجليزيء وبين باريس و لي هافر. كان نابليون هو الإمبراطور 
في ذلك الوقت,؛ وكانت بريطانيا مشتبكة في حرب طويلة معه. وقد جاء شراء 
تويزيانا منه من جانب الولايات المتحدة العام 187 ليعطي الأخيرة السيطرة 
على ممر مائي ملاحي رئيسي. سيصبح في نهاية القرن التاسع عشر جزءا 
من شبكة ملاحية قارية شملت أربعة آلاف ميل من القنوات. في العام 16٠١‏ 
لم يكن هناك سوى ماتئة ميل فقط من القنوات؛ وبين العامين ١48١١/‏ و856١‏ 
حفرت حكومة نيويورك قناة إيري. وهي رابط حيوي في هذه الشبكة ساهمت 
في فتح أول غرب أمريكي. 

وقبل أن تنجر إنجلترا إلى صراع مسلح مع فرنسا الثورية قبل النابليونية 
في العام 1757: كان دارون يكمل أشعاره «الحديقة النباتية» (10/14 - 41) 
التي تعاملت مع أشياء أكثر بكثير من النقل, إذ جند «الخيال تحت راية العلم». 





التاريخ الاجتماعي للوسائط 


وفي هذه الأثناء كان الشاب ويليام ووردزورث  1١77١(‏ +186): الذي حيا 
الثورة الفرنسية مثله مثل كوليردج باعتبارها ذجرا جديداء يطري في قصيدته 
«مشية مسائية» (1788 - 4) على «أولئك الذين فتحت لهم أبواب العلم 
المتتاغمة الشواطيٌ السماوية؛ الذين أعطتهم الطاقة المشتعلة تلك العين 
الأخرى التي تندفع بين الأرض والسماء». وكما يتضع. فإن العلم والتكنولوجيا 
كانا شيئا واحدا في إطار هذه المنظورات. 

في الحقيقة كانت علاقة العلم والتكتولوجيا معقدة. لم تكن أي من كلمة 
«عالم» أو كلمة «تقني» فد اخترعت بعد . فكلمة «عالم» ظهرت ككلمة جديدة 
العام 1844: في حين أن كلمة «تكنولوجيا» التي صكت في فرنسا في 
«الموسوعة» لم تكن مستخدمة بعد في بريطانيا . ومع ذلك فكلمة «اختراع»- 
التي سبقتها كلمة «اكتشاف» ‏ كانت جزءا من المفردات اليومية في أواخر 
القرن الثامن عشر إلى جانب كلمة «تحسين» . وكانت كلمة اختراع غالبا ما 
تريط باللعب؛ وليس بعرض معين. ولذلك كانت كلمة «لعبة», التي كان 
الفرنسيون يريطونها بالاختراع من قبل الإنجليز. جزءا من هذه المفردات. إن 
الرغبة في الجديد ريما عضدت الاختراع؛ إلى جانب ما سمي بعد ذلك 
«الضرورة الاقتصادية». ولذلك أطلق اسم «الجدة» 71076119 على إحدى 
القاطرات التي صنعت في محاولات الجر البخاري العام 1874 والتي فاز 
بها «الصاروخ» لصاحبه جورج ستيفنسونء وكلمة صاروخ هذه سيكون لها 
مستقبل ضخم في أواخر القرن العشرين ‏ ومازالت كلمة الجدة من كلمات 
القرن التاسع عشر المفضلة. 

كان من الشخصيات البارزة في هذا القرن كارل ماركس (1818 - 85) 
الذي رأى في اختراع المحرك أكبر تقدم في التاريخ الإنساني. فهو الاختراع 
الذي فصل الماضي عن الحاضر وفتح مستقبلا ثوريا. وفي البيان الشيوعي 
العام (184). أسهب ماركس ببلاغة حول «عجائب التصنيع التي تحققت», 
ولكنه تنبأ بأن الثورة لن تأتي من خلال التكنولوجيا نفسها. ولكن من خلال 
الصراع الطبقي بين الرأسماليين الذين يملكون ويسيطرون على محركات 
البخار والماكينات: والطبقة العاملة الصناعية المستغلة التي تشغل هذه 
المحركات والماكينات. وفي مذكراته التي كتبها في منتصف أريعينيات القرن 
التاسع عشرء عدد ماركس التغيرات الصناعية الرئيسية منذ الثورة الفرنسية, 





من البخار إلى الكهرياء 


وأوضح أن «الطبيعة لا تصنع ماكينات أو قاطرات أو سككا حديدية أو أجهزة 
تلغراف كهربائية... إلخ: فهذه نتاج لكد الإنسان» بمعنى أن المواد الطبيعية 
تتحول إلى وسائل للإرادة الإنسانية». 

إن إشارة ماركس إلى التلغراف الكهربائي تضمنت ذلك الاختراع 
الكهربائي الذي استهل عملية إعادة تشكيل ما سيسمى فيما يعد «الوسائط». 
إن ماركس عندما تساءل: «ماذا حدث للشائعات والسمعة عندما بدأت 
صحيفة « 11065 » تنشر الأنياء في الداخل والخارج6» كان يركز على البخار 
والعلاقة بين البخار والطباعة. كانت هذه الصحيفة تسمى في الأصل في 
العام 1764 «السجل العمومي اليومي». ثم اتخذت اسمها المألوف بعد ذلك 
بثلاث سنوات على يد مالكها جون ولتر الأول ١759(‏ - 14817) الذي عمل في 
البداية صبيا لبائع كتب وناشر. في العام 14١4‏ ركب ابنه جون ولتر الثاني في 
المكتب الرئيسي للصحيفة الكائن بشارع الصحافة مطبعة بخارية ضخمة 
مصنوعة من الحديد مسجلة في إنجلترا باسم فريدريك كوينغ؛ وهذه المطبعة 
الجديدة لم توفر العمل فقطء بل جعلت من الممكن أيضا إنتاج ٠٠٠١‏ ورقة في 
الساعة؛ وبذلك أصبحت الصحيفة قادرة على أن تطبع في وقت متأخر وتضم 
أحدث الأخبار. 

إن فكرة استخدام مكبس دوار في الطباعة لم تكن جديدة, ولكن مكبس 
كوينغ كان جديدا بالفعلء. وكما قالت 15065 في 755 نوفمبر 181١4‏ من دون 
الإشارة إلى البخارء فإن عددها الصادر في هذا اليوم كان «النتاج العملي 
لأعظم تطور في الطباعة منن اكتشاف الطباعة ذاتها». وكان ينظر إلى كوينغ 
«كفنان». لكنه مع ذلك لم يكن الشخص الأول الذي استعمله ولتر من هذا النوع 
من الرجال: ويعد أن ترك الخدمة في «التايمز» وأثنى على قانون براءات 
الاختراع؛ حدثت تغيرات تقنية أخرى مهمة في شارع الصحافة [الذي كان 
يقتصر حينذاك على التايمز] في العام 1478ء حيث جرى تركيب طابعة ذات 
أربعة مكابس. وكان من الشائع في ذلك الوقت وصف الصحف بأنها «محركات 
اجتماعية». وهو ما لا يشير إلى البخارء بل إلى قوتها في تشكيل الرأي. 

لم يلاحظ ماركس (أو يعرف) أن «التايمز» كمنظمة أسست سطوتها 
برخضها توظيف عمال اتحاد التجارة في صناعة كانت فيها ائكتلافات أو 
اتحادات المنضدين والطباعين قوية منذ العام 17804: وقبل اللجوء إلى 




















التاريخ الاجتماعي للوسائط 


«كوينغ»» الذي عمل في البداية ناشر كتبء قدم ولتر منحة لمخترع بريطاني 
لتطوير مطبعة تقل معها الحاجة إلى العمل اليدوي. لقد تمن ماركس 
وصديقه ورفيقه فريدريك إنغلز ( 18 66 ). الذي عاش معظم حياته في 
مائنشستر الصناعيةء. قوة وسيط الطباعة وكتيا في صحف من بينها «نناعآ] 
عصباطت]” 011لا»؛ وهو ما ينظر إليه الآن باعتياره من المفارقات. كان ماركس 
وإنفلز مراسلين متحمسينء وإلى جانب الخطابات المتبادلة بينهما التي تملاً 
مجلدات عديدة؛ ألفا كتيبات وكتبا تمتد من «البيان الشيوعي» إلى «رأس 
المال». وهو من كلاسيكيات الاقتصاد السياسي. 

ميز الماركسيون بين البنية التحتية الاقتصادية والبنية الفوقية السياسية, 
ومنهم الماركسي الإيطالي أنطونيو غرامشي (1841 - 1917) الذي كان مهتما 
بشغف بالوسائط؛ وقدم إسهاما خاصا للجدل في القرن العشرين. وضي 
تعاملهم مع البنية التحتية؛ ركز الماركسيون على الفجوة بين أصحاب العمل 
والعمالء ولم يتكهنوا بزيادة عامة في الشروة المادية, أو زيادة في الوسائط 
الجماهيرية: وبخاصة التلفزيون الذي سيسهم أكثر من غيره ضي تشكيل البنية 
الفوقية الثقافية في المستقبل. فإلى جانب التزويد بالمعلومات. انخرطت 
الوسائط في عمليات الإقناع. في ذلك الوقت كان إنفلز يحصل على دخله من 
البنية التحتية: في حين كان ماركسء الذي كان يعمل في حجرة القراءة الجديدة 
العظيمة بالمتحف البريطاني؛ يحصل عليه من البنية الفوقية (ومن إنغلز). 

كان عالم ماركس وإنفلز عالما تتوسطه الكتب وغيرها من الأشكال 
المطبوعة؛ بما فيها كتب الرحلات والفضاء؛ إلى جانب الصحف التي كانت 

تؤرخ للفترة التاريخية. في حياتهما ازداد عدد كتب الاقتصاد السياسي بشكل 

كبيرء وكان معظمها يؤسس رؤية مختلفة عن رؤيتهماء ولكن هذه الكتب في كل 
الدول الأوروبية لم تكن تقارن بأعداد كتب الدين الذي رفضه ماركس وإنغلز 
باعتباره أفيون الشعوب. ومع ذلك ففي عصر مليء بالأحداث؛ كان الطلب فيه 
على الأخبار أكبر من أي وقت سابق, لا سيما ضي أثناء حرب القرم 
نه ممعصستن (05م١ا‏ - 01) التي أرسل مراسلون لتغطيتها وفنانون ومصورون 
لرسم المشاهد القرمية؛ ظل للنصوص الدينية المطبوعة سوق واسعة. وضي 
القرن العشرين أثير كلام عن التلفزيون: ليس فقط باعتباره صحافة مصورة 
أو شكلا من التسلية بل باعتباره شكلا حديثا من الدين. 





من البخار إلى الكهرياء 


كان الشكل الأدبي الأكشر إبداعا في نثر القرن التاسع عشر هو الرواية, 
وهي كلمة لم تؤسس لنفسها إلا في أواخر القرن الثامن عشرء وهو الوقت 
الذي نشرت فيه روايات كثيرة. وفي وقت سابق من القرن: ركز عدد من 
الكتاب من بينهم ديفو على الجديد (الأصيل) والغريب والمثيرء وهي صفات 
شكلت جزءا من عنوان روايته «روبنسون كروزو». وقد كان تشجيع الجدة في 
انتظار دفعة مختلفة في إنجلترا من جانب هنري فيلدنغ ١7١7(‏ - 05) الذي 
كانت أولى كتاباته للمسرح ومنافسه صامويل ريتشاردسون »)١11١-1١145(‏ 
الطباع الذي كتب روايته «باميلا» )١741١(‏ في شكل خطابات. كان في الرواية؛ 
كما في غيرهاء شعور بالاستمرارية» ولكن أيضا كما عبر فيلدنغ عن ذلك فضي 
روايته «توم جونز» .)١1745(‏ التي أسماها «قصيدة ملحمية كوميدية نثرية», 
فقد كان واعيا بأنه يدخل «فرعا جديدا من الكتابة». 

إن الإنتاج السنوي من الأعمال الأدبية في بريطانياء الذي كان يتراوح 
بين العامين ١7/4٠ ١7٠١‏ حول سبعة أعمالء ارتفع إلى ثلاثة أضعافه على 
الأقل بين ١74١‏ و/ 177١‏ وتضاعف مرة أخرى بين ١/7١‏ و١180‏ في ذلك 
الوقت جذب شكل الرواية الكاتبات النساء وكذلك أعدادا كبيرة من القراء 
النساء؛ ريما لقدرة هذا الشكل الأدبي الكبيرة على التعديل والتهيؤ. على أن 
القوة الحقيقية الكامنة في هذا الشكل الأدبي لم تتحقق بعد إذ كانت في 
انتظار التلفزيون والسينما. وفي العام ١76١‏ رسم أحد كبار معاصري 
فيلدنغ وريتشاردسون وهو صامويل جونسون 77١5(‏ - 84). الذي لم يعلق 
على الكاتبات والقاركات من النساءء خطا واضحا بين الأدب القصصي 
الجديد عن «الرومانسيات البطولية» القديمة التى كانت حافلة بالعمالقة 
والفرسان والقلاع الخيالية. إن الأعمال القصصية التي يسعد بها الجيل 
الحالي تعرض الحياة في حالتها الحقيقية: وتكتسب تنوعها من الحوادث 
التي تحدث يوميا في العالم. وقد كان جونسون الذي اقترح أن «لا أحد 
يقرأ كتابا علميا بسبب الميل الخالص.ء فالكتب التي نقرأها باستمتاع هي 
المؤلفات الخفيفة التي تتضمن تتابعا سريعا للأحداث». ومع ذلك فرأي 
جونسون في الصحافيين الذين يتعاملون في الغالب على نحو غير ملائم؛ 
أن تدفق الأحداث الواقعية كان سلبياء إذ أسماهم «كتاب الصحف التافهين 
بذيئي اللسان». 





التاريخ الاجتماعي للوسائط 


وقد حدثت تغيرات كبيرة في عالم النشر بين العامين ١7٠١‏ و ١/60‏ 
مع ظهور دورية جديدة مهمة هي «6مذجدع112 واسمقصسع لاص 6» (1721) التي 
أسسها بائع الكتب والصحافي إدموند كيف. وخلفه فيها محررون أقل 
تجاحاء وكتب جونسون فيها . كانت هذه المجلة ترضي أذواقا متنوعة أكثر 
من مجلة «المشاهد» 526018]606, حيث شملت المعلومات بما في ذلك 
تفاصيل الاختراعات والتسلية. وقد نشرت بالفعل كثيرا من القضايا التي 
ستطرح فيما بعد في تاريخ الوسائطء منها العلاقة بين المؤلف والجمهور, 
والمحتوى والشكل. 

قبل استخدام كلمة الوسائط كان بائعو الكتب يمرفون بالوسطاء بين 
الكتاب والقراء. وكان هناك بالفعل إحساس بوجود السوقء وكما كتب جيمس 
رالف. صديق وشريك «فيلدنغ». في «حالة المؤلفين» )١17054(‏ فإن: «صناعة 
الكتاب هي الصناعة التي ينجح فيها بائع الكتب. وقواعد التجارة تضطره إلى 
الشراء بأرخص ما يستطيع والبيع بأغلى ما يستطيع.. وبناء على معرفته 
الجيدة بما يناسب السوق يعطي أوامره. وهو ممتاز في تحديد وقت النشر 
كما في توزيع حصص الأجور... إن بائع الكتب الحصيف يتحسس نبض 
الزمن» ووفقا لذلك يصفء ليس ما يعالج المرض بل ما يزيده. فكلما استمر 
المريض في البلع استمر هو في إعطاء الدواء؛ وعند أول أعراض الفثيان يغير 
الجرعة: ومن هنا جاء إدخال القصص والروايات والقصص 
الرومانسية...إلخ». 

في وقت لاحق من القرن نفسه جاء التمييز بين باتعي الكتب 
والناشرين؛ وهو التمييز الذي بدأ يتضح في قاموس «صامويل جونسون» 
العظيم للعام 6 :؛ في الماضي كانت كلمة «ينشر» ذات دلالة دينية» تتمثل 
في إعلان أنباء سارة لكل البشرء أما الآن ومع التمييز المتزايد بين 
الطباعين والناشرين. ذلك التمييز الذي يبلغ من الضخامة مبلغ التمييز 
بين الشعراء والكتاب المأجورين من حي «غراب» م5666 6ن:ء أصبح النشر 
يعني وضع الكتاب بين يدي العالم. 

إن تقديم أشياء أكثر للعالم, بما في ذلك الإعلانات. وهو ما سيصبح أحد 
الشواغل الأساسية في القرون القادمة: اعتمد في المدى الطويل على تقدم 
التكنولوجياء ولكن في مراحله الأولى في بريطانيا كان ذلك مسألة زيادة في 




















من البخار إلى الكهرياء 


المهارات أكثر منه استفادة من المعرفة العلمية. ولا يختلف الجانب الآخر من 
الأطلنطي عن ذلك. ضفي العام 87 قال بنيامين فرانكلين )9١ -11١5(‏ 
الذي أحب الكتب وطبعها ولعب بالكهرياء ‏ عند نهاية حرب الاستقلال 
الأمريكية: إن الصناعة التي لا يتعلم عمالها في أثناء العملء ولا يخترعون 
بعض العمليات المفيدة التي توفر الوقت والمواد وتحسن البراعة. ليست 
صناعة مهمة على الإطلاق. 





الشكل )١7(‏ الملك بخار والملك فحم يراقبان بقلق ذلك الرضيع المسمى كهرياء. كرتون بمجلة (00نا!آ العام 
١‏ يصور التكنولوجيا الجديدة والقديمة في حالة تعارض رمزي. وعلى عكس ذلك تعايشت التكنولوجيا 
الجديدة والقديمة معا. وبعد ذلك سوف يشهد القرن العشرون تطور الإلكترونيات. 


وفي فرنسا القرن الشامن عشرء .كاتنت هناك علاقة أو ثق بين النظرية 
العلمية والتطويرات ت التقنية الجديدة. وكلاهما لاقى دعم الحكومة أثناء الثورة 
وفي عهد نابليون. وقد جذب أحد المفكرين الفرنسيين ما بعد النابليونيين 
وهو القديس سيمون عددا من الحواريين أو من يسمون السيمونيين؛ الذين 





التاريخ الاجتماعي للوسائط 


أعطوا للدولة؛ وفقا لتقاليدهم التي تعود إلى كولبرت. دورا أساسيا 
ضي التنمية التقنية والاقتصادية. وقد كتب أحدهم هو ميشيل شيفالير 
(74-185) أنه «متى كانت المصلحة العامة في خطر وجب على الحكومة 
التدخل». وقد كان تأثير القديس سيمون أوضح ما يكون في فرنسا في ظل 
حكم ابن أخي نابليون (نابليون الثالث) .)7١ - ١848(‏ 

دخلت كلمة التكنولوجيا إلى الولايات المتحدة العام 1678؛ وهو تقريبا 
الوقت نفسه الذي عرفت فيه فرنسا مصطلع الثورة الصناعية؛ وفي العام 
7 نشر الرياضي وعالم الاقتصاد السياسي البريطاني المعاصر تشارلز 
بابدج (117457 - 171) كتابه «جول اقتصاد الماكينات والصناعات» مرحبا 
بالحقيقة التي تتمثل في أن «عمل مائة عامل يمكن الآن إنجازه عن طريق 
عمليات ماكينة واحدة». و بابدج هذا؛ الذي كان على علم بما يدور في شارع 
الصحافة, اخترع كمبيوترا ميكانيكيا يعتبر من المعالم المهمة. وصف بأنه 
«محرك» ولكنة, وهو ما يعبر عن روح العصرء فشل في الحصول على دعم 
مالي حكومي. ومع ذلك عرض هذا الجهاز في معرض الأجهزة العلمية بمعهد 
«كينغز كوليدج» العام 1847. 

في هذه الأثناء كانت هناك تلميحات إلى أن الولايات المتحدة, التي كانت 
حتى العام 1844 من دون أكاديمية أو مؤسسة تشبه جمعية الفنون. سوف 
تبرز في المستقبل باعتبارها جمهورية التكنولوجيا. تلك التكنولوجيا التي 
لا تشبع الحاجات الإنسانية فقط بل تخترعها أيضا. وهذه العملية كانت ضفي 
طريقها إلى أن تكتسب زخما قوياء على رغم أنه بعد العام 1844, وكما قبله. 
حدثت نوبات ازدهار وركود اقتصادي عالمية في مداها. عرفت بدورات 
التجارة؛ كانت ضي رأي الماركسيين وغير الماركسيين. على السواء. من متريات 
الرأسمالية. كما تعقب بعض المؤرخين «موجات طويلة» أيضاء إحداها 
صاحبت الكهرياء. وأخرى صاحيت الإنترنت بعد ذلك بقرن. وقد أنتج عالم 
الاقتصاد الأمريكي سكمبتر (1885 - )110١‏ نموذجا لنظام اقتصادي يدفعه 
التقدم في التكنولوجيا ويقوده أصحاب المشروعات الإبداعيون. 

كان علم السياسة الطبيعية؛ إلى جانب العلم الطبيعي والاقتصاد تؤثر 
دوما في طريقة تطور تكنولوجيا الوسائط؛ وكان السبق إلى الاختراع مسألة 
منافسة بين الدول كما بين الأفرادء ومن أمثلة ذلك القلق الذي انتاب 





من البخار إلى الكهرياء 


الولايات المتحدة عندما توصل السوفييت إلى صنع «سبوتنيك» (رفيق 
السفر) )١901!/(‏ قبل أن يصنعوا هم «تلستار» :)١1557(‏ حتى أن التعاون في 
مجال الفضاء لم يحدث إلا بعد انهيار الاتحاد السوفييتي. وكان النسيان 
التاريخي ضي انتظار اختراعات مرفوضة بعينهاء آيا كان أصلها أو مخترعهاء 
لأنها لا تؤدي إلى نتائج اقتصادية, ولكن مع كل اختراع كانت له نتائج 
اقتصادية. حدث تفير في المنظورات التاريخية. والآن فقط في المرحلة 
الحالية من تاريخ الوسائطء وفي الأطوار الأولى ل «عصر الشبكة»: وهي 
ليست مجازا جديداء يمكن أن نرى بوضوح كيف ارتبطت تتابعات مختلفة 
من تطورات الاتصالات بعضها ببعض في الثقافات المختلفة. في تصور 
المستقبل والحلم به تم اللجوء إلى الأسطورة: إلى جانب العلم؛ مثل إكاروس؛ 
الذي حاول الطيران؛ والأشباح و برومثيس: الذي سرق النار. حتى ماركس 
تحدث عن فولكان وقاد الأفران. 

في القرن السابع عشر تتبأ فرانسيس بيكون )١15151-1051١(‏ بفتح باب 
الطبيعة؛ ورؤيته لبيت «سولومون» في كتابه «أطلانطا الجديدة»»: الذي كتب قبل 
اشتملت على كلية للمخترعين تضم بين جنباتها بيوت المحركات؛ التي 
تُصنع فيها المحركات وأدوات كل أنواع الحركة: وبجوار هذه الكلية معرضان 
أحدهما ل «ماضي المخترعين» والآخر ل «وضع الأساسيات للمخترعين الجدد». 
وفي بيت «سولومون» «تقليد لطيران الطيور... وسفن ومراكب للغوص في فاع 
البحار وفوقها.. وساعات دقيقة, حتى بعض الحركات الدائمة». إن بيكون؛ على 
خلاف ليوناردو دافينشي و أرازموس دارون: لم يخلف صورا لماكينات جديدة. 
ومع ذلك ضفي منتصف القرن المشرينء: عندما تحولت بعض أجزاء العالم 
الغربي إلى بيت «سولومون». كتب الكيميائي العضوي الألماني الكبير «جستس 
فون ليبيغ» (5٠8١1-؟7)‏ أن «اسم بيكون يتوهج كاسم لامع». وحتى تشارلز 
دارون ١8059‏ 1887) وفق منطقه الخاص في التطورء أكد يعد نشر «أصل 
الأنواع» العام 1805 أنه يعمل على مبادئ بيكونية حقة. 

كان المؤرخ البريطاني توماس بابنفتون ماكوالي )01-16٠١(‏ لا يقل عن 
بيكون بلاغة عندما مجدء في مقال حول الأخير نشر العام ا141: وهو عام 
تتويج الملكة فيكتورياء الفوائد التي تحققت للجنس البشري نتيجة للاكتشاف. 
وكما توفع بيكون فقد جرى تسخير الطبيعة؛ وتشييد الجسور عابرة الأنهار 





التاريخ الاجتماعي للوسائط 


الكبيرة ومصياتهاء وقهر المسافة. كما سهل الاتصال والمراسلات ونقل 
المشروعات. إن الفلسفة البيكونية. كما اتضحت مع الزمنء فلسفة لا تركن 
أبدا إلى الراحة: فقد كان قانونها هو التقدم. 

وفي رأي هربرت سبنسر )11١7 - 187١(‏ (كاتب وعالم اجتماع لاحق اعتمد 
بشقة على تفكيره المستقل). أن التقدم «ليس حادثة بل ضرورة.. إنه جزء من 
الطبيعة». لقد دعا سبنسر إلى هذه الفرضية في العام 180١‏ عندما كان التقدم 
ماثلا أمام العيون في «المعرض الكبير لكل الأمم» في القصر البلوري بلندن. 
وسوف يشهد القرنان التاسع عشر والعشرون سلسلة من المعارضء غالبا ما تضم 
وسائل الاتصال الجديدة التي تكتب الصحف عنها بإسهاب؛ وكثير من هذه 
المعارض كان دوليا وكذلك الأفكار خلفها . كان تأثير سبنسر في الولايات المتحدة, 
التي أقامت معرضا مئويا ضخما العام 18177: أكبر منه في بريطانيا. 

بيد أن «سبنسر» لم يتعامل بالتفصيل مع عالم الوسائط أو عالم العمل 
اللدين تفيراء شأنهما شأن عالم الأشياءء في القرن التاسع عشر من خلال 
عمليات التمدين والتصنيع. فعندما يجري تركيز أعداد كبيرة من العمال تحت 
سقف مصنع واحد تتطور أشكال جديدة من الاتصال الجماعي؛ وهو ما 
يحدث عندما تتركز أعداد كبيرة من الناس» الذين ليست بينهم معرفة سابقة, 
في مراكز صناعية جديدة ضخمة: ومثالها الأول هو مانشستر (المدينة 
الغبراء). ويمكن القول إن مجرد تكتل الناس معا يعمل على توصيل الذكاء 
والطاقة إلى المحرومين اجتماعيا. ويرى مراقب إنجليزي واسع المعرفة, كان 
يكتب العام 1875 قبل ابتكار كلمة «اشتراكية»: أن وضع العمال معا بأعداد 
كبيرة يقوي ويحسن من قدراتهم عن طريق الاتصال المباشر. وكان القادة 
الذين انبثقوا من العمالء والذين تحدثوا عن الاتحادات وليس المنافسة, 
ينظرون إلى أنفسهم باعتيارهم قادة حركة. وهو مجاز مأخوذ من مجال 
النقل. وهناك مجاز آخرء هو الطريق السريع؛ ستعاد ولادته في العقد الأخير 
من القرن العشرين ليطبق على الثورة الإلكترونية. 

إن مجرد وجود الحشود الحضرية التي يستنهضها القادة العسكريون أو, 
وهو الأخطر, تلك الجماهير التي تحتشد من دون قادة؛ قد يثير الخوف بين 
أصحاب الأملاك: وهو ما يتضح في لغتهم؛ مثل الخوف من «الغوغاء» في " 
عصور ما قبل الصناعة؛ وفي أواخر القرن التاسع عشرء وخاصة في فرنساء 





من البخار إلى الكهرباء 


بدأت الدراسات السيكولوجية والاجتماعية تركز على الجماهير. من ذلك أن 
غوستاف لو بون كتب العام 1846 كتابه المؤثر الذي ترجم بعد ذلك بعام إلى 
الإنجليزية باسم «الجمهور». وفي العام ١11١١‏ نشر تارد كتابه «رأي الجمهور» 
الذي لم يترجم إلى الإنجليزية (الأمريكية) (في شكل محرر) حتى العام 
8 حيث سميء بتغيير في الكلمات لا يخلو من مغزى؛ «حول الاتصال 
والتأثير الاجتماعي». 

وأيا ما كانت لغة الكتابة. وبصرف النظر عن الاختلافات الكبيرة بين 
بون وتاردء ووعي الأخير بأهمية الوسائط؛ وبصرف النظر عن طول الفترة 
الزمنية التي تفصل الكتابات عن ترجمتهاء فإنه بحلول العام 1514 كانت 
فكرة «مجتمع الجماهير» قد شقت طريقها إلى التتاول العام» وخاصة في 
الدول الأوروبية. ماعدا إنجلترا. وقد تممت هذه الفكرة في سياق ثقافي 
في القرن العشرين بكلمات «النخبة» و «الثقافات الجماهيرية». وفي رأي 
جيمس بريسء؛ الذي كان يكتب حول السياسة (وما سوف يسمى فيما يعد 
«الوسائط الجماهيرية») في العام :15٠١‏ فإن «الفعل ورد الفعل المتبادل 
بين صناع أو قادة الرأي على الجماهير وللجماهير عليهم هما أهم جزء 
في عملية تشكيل الرأي». 

ثمة عنصر آخر يجب أن يبرز في مثل هذه الحسابات. وخاصة في الدولتين 
اللتين يعرفهما بريس جيداء بريطانيا والولايات المتحدة, وهو ازدهار الجمعيات 
التطوعية التي يسمي بعضها نفسه «فلسفية» وبيعضها «إحصائية» وبعضها ذات 
أهداف خاصة تتعلق بالإسكان أو الصحة أو التعليم. ومعظم هذه الجمعيات تنتج 
تقارير ومسوحاء غالبا ما تمثل أداة الاتصال الأكثر فعالية في المدن المعزولة 
اجتماعيا مثل ليفريول وبوسطون ولندن ونيويورك. وفي نهاية القرن التاأسع 
عشرء قدر المراقبون الفرنسيون أن غالبية كبيرة من البريطانيين البالغين تنتمي 
في المتوسط إلى من 0 إلى " منظمات تطوعية:؛ منها اتحادات التجارة 
والجمعيات التي تقوم على الصداقة, بينما أطلق المؤرخ الأمريكي شليسنغر على 
بلده «أمة من المنضمين إلى المنظمات». وبعد ذلك بقرن تقريياء عبر عالم 
السياسة والاجتماع الأمريكي روبرت بوتتام عن مخاوفه من زوال - لأسباب 
متنوعة ‏ هذه السمة من الأمريكيين» وحذر من النتائج المحتملة لزوالهاء ليس 
فقط على المجتمع الأمريكي بل الديموقراطية أيضا. 





التاريخ الاجتماعي للوسائط 


وشبل ماركس ثمن المراقب والمحلل الفرنسي اللماح أليكسيس دي توكفيل 
«قوة الجمعيات»». التي ينظر إليها عموما الآنء باعتبارها القوة الدائعة خلف 
ما يسمى القطاع غير الربحي في أمريكا. وقد وصل القطاع غير الريحي في 
الولايات المتحدةء في رأي توكفيل: إلى ذروة تطوره حتى قبل وصول السكك 
الحديدية التي فتحت الفرب [الأمريكي] أمام حركة الناس. وسوف تزداد 
أهمية هذا القطاع في القرن العشرين: وكذلك مبدأً «التنظيم الذاتي» كبديل 
عن تنظيم الدولة. وقد كان هناك تناقض حاد بين الولايات المتحدة وفرنسا 
في هذا الصدد. 

قبل ابتكار مصطلح «السوق الجماهيري» تحدث البائعون بكل أنواعهم 
على كلا جانبي الأطلنطي كثيرا حول ملايين العملاء؛ وضي مقدمة هؤلاء 
البائعين ناشرو الكتب والدوريات الرخيصة, ومن أكثرهم بلاغة وعلما تشارلز 
نايت: من مؤّسسي «جمعية نشر المعرفة المفيدة». الذي بدأ في العام 4 ١85”‏ 
دراسة نقدية بعنوان «ماكينة الطباعة ‏ إعادة نظر من أجل الجميع». وحتى 
فبل ذلك بإحدى عشرة سنة عرض أركيبولد كونستابل في غلاسغو «سلسلة 
من الكتب يجب أن تباع ليس بالآلاف أو عشرات الآلاف بل بمئات الآلاف 
وبملايين النسخ». وفي القرن العشرين تولدت نزعة جديدة ‏ الاستهلاكية ‏ 
كانت في طريقها من خلال مفهوم المجتمع الاستهلاكي إلى إعادة تشكيل 
المنظورات التاريخية, تماما كما فعلت التكنولوجيا الجديدة. وكان لباريس, 
التي كانت محل ميلاد المتاجر في القرن التاسع عشرء الريادة في ذلك؛ ثم 
تبعتها مدن ليفريول ولندن ونيويورك وهلسنكي وطوكيو. 

إن المتجرء الذي يمثل بالفعل ظاهرة كبيرة في المدن في كل مكان: كان مكانا 
لقضاء الوقت إلى جانب المال. كما كانت أنماط الإنفاق مهمة للغاية. إن الكاتب 
الأمريكي تورستين فيبلن ( 1401 - 1557) هو الذي أدخل فكرة «الاستهلاك 
الضخم». وهي عملية تضمنت. شأنها شأن إدخال الإدارة العلمية إلى مجال 
العمل علم النفس والاقتصاد والتكنولوجياء وهو ما حدث نفسه مع الإعلان. 

في الوقت الذي كان فيبلن يكتب فيه بعد جيلين أو ثلاثة من التصنيع, 
ازداد معدل سرعة الحياة: أسرع حتى مما توقع نايت. وقبل انتشار الكهرياء, 
فرض شكل من الروتين أو النظام نفسه على جوانب كثيرة من النشاط 
الاقتصادي. فكل من نظام المصنع ونظام السكك الحديدية أضفيا أهمية 


من اليخار إلى الكهرياء 


جديدة على كل من الاتنضباط والوقت. وأصبحت العطلات أقل أهمية 
في المدن: إذ أصبح منادو المصائع: وليس أجراس الكنيسة؛ هم من يعلنون 
يوم العمل: 
وفي الساعة المحددة يسمع جرس 
أكثر إيلاما من ناقوس الغروب 
فيجتمع الناس للكدح الذي لإا ينتهي 
إن نظام السكك الحديدية كان يعتمد على جداول محددة المواعيد 
(استخدمت جداول زمنية للبريد في إيطاليا من أواخر القرن السادس عشرء 
وجداول للقنوات في هولندا من القرن السابع عشرء وجداول للمركبات في 
بريطانيا وفرنسا من القرن الثامن عشر). 
ظهرت قائمة برادشو الكاملة بمواعيد القطارات البريطانية لأول مرة 
العام 1659؛ وتبعتها فضي ذلك الولايات المتحدة والدول الأوروبية. وعلى جانبي 
بحر الشمال والأطلنطي أصبح «عدم اللحاق بالقطار» مجازا مثله مثل «في 
المسار الصحيح» [نسبة إلى القطار]. وقد خلص يورغن هابرماس فيما بعد 
إلى أن العالم أصبح الآن عالم نظم له تقويم جديد. وفي الولايات المتحدة لم 
يحدث ذلك إلا من خلال الصراع. من نوع الصراع الداروني الاجتماعيء الذي 
استحسنه سبنسر باعتياره تحقيقا ل «لانتقاء الطبيعي»», ودانه أرنولد توينيبي 
(1805- 85) عندما نشر مصطلح «الثورة الصناعية» في المحاضرات التي 
ألقاها حول الموضوع: والتي نشرت بعد وفاته العام 1884. إن الصناعة 
أصبحت تبدو الآن مجرد جزء واحد من هذه العملية. ومع ذلك, فقد كان 
هناك مجال لنوبات جديدة من التقدم المفاجىٌ» وهو ما أوضحه سكمبتر 
عندما ربط انتشار الكهرياء بالمشروعات وكسر الروتين. كما يجب ربطها 
كذلك بظهور الخيراءء ومنهم العدد الكبير من مهندسي الكهرباء: الذين كان 
عليهم أن يناضلوا لتتأسيس مهنتهم إلى جانب المهندسين المدئيين 
والميكانيكيينء وكان من المهام الأولى أمامهم توصيل الكهرياء للترام والسكك 
الحديدية؛ ومع الوقت وضعوا روتينهم الخاص في القرن العشرين. 
وبصرف النظر عن كل نوبات التقدم المفاجئ والانكماشات: مازالت لفة 
البخار تدوي في لغة أواخر القرن العشرين؛ فمثلاء جاء في موضوع إنشاء 
كتبه وليام شوكلي :)44-1597١١(‏ وهو واحد من المخترعين الأمريكيين 





التاريخ الاجتماعي للوسائط 


للترانزيستور الكهربائي في القرن العشرين؛ عندما كان في السنة النهائية 
بمدرسة هوليوود العالية العام ١97‏ «أن عصرنا هو عصر ميكانيكي في 
الأساس. فنحن نسافر من مكان إلى آخر بسرعات هائلة نسبياء ونتحدث معا 
عبر مسافات شاسعة:. ونحارب أعداءنا يكفاءة مدهشة, كل ذلك بمساعدة 
الاختراعات الميكانيكية». 

لم يذكر شوكلي شيئًا عن الكهرياء. على رغم أنه في العام 6 صنع 
جهازا بلوريا للاستماع إلى الراديو. وبعد أن انتقل إلى معهد كاليفورنيا 
للتكنولوجيا درس ميكانيكا الكم. وقد حصل شوكلي مناصفة على جائزة نويل 
في الفيزياء العام 1507, عندما كانت نمنمة الدوائر الكهربائية في بداية 
طريقها إلى تغيير كل أوجه الاستخدام والتصميم التكنولوجي. لم يكن شوكلي . 
وحده هو الذي تنبأ بحدوث تقدمات تقنية واجتماعية كبيرة جديدة. كان . 
الطلب على الترانزيستورء على رغم ذلك. يطيئًا بحيث لا يحدث مثل هذا 
التقدم. وفقط بعد وصول الدائرة المتكاملة بدأ الطلب عليه يزداد بقوة. 
فا مستهلكون التجاريون الأوائل كانوا مهتمين بأجهزة الراديو المحمولة 
الصغيرة: وأجهزة الراديو هذه. وليس الأدوات الكهربائية التي تشملها. هي 
ما كان يحمل اسم الترانزيستور. 





عمليات وأنماط 


يتناول هذا الفصلء واحدة فواحدة: بقدر ما 
يسمح به المكان من تفاصيل. قصة أدوات 
الاتصال الكثيرة الجديدة التي مهدت الطريق ‏ 
قبل الترانزيستور بوقت طويل لما سمي بما 
لا يخلو من بعض المبالفة ثورة الوسائط فضي 
القرن العشرين. وفي مقدمة هذه القصة تأتي 
السكك الحديدية: وذلك لأنها قدمت النموذج 
لأشياء أخرى كثيرة في الفن والأدب كما في 
التكنولوجيا والاقتصاد والسياسة والإدارة. لم 
يكن من قبيل المصادفة إذن أن تعلق لوحات 
لقاطرات أمريكية عظيمة في العام ٠٠٠١‏ في 
أروقة المركز الزرئيسي لشركة «ا7/076»: وهي 








أله 3 دودسم 355 . . 5 0 م 
“ل .ى بيه ب ٠.‏ شركة التكنولوجيا المتقدمة في أواخر القرن 
ولكنهم أبدا لم يحلموا العشرين بوادي السيليكون. وقد علق زائر 


بالنتائج الكبيرة التي تلت 
عصر البخار العظيمء 
فالجبال واليحيرات والأنهار 
جميعها أصبحت شعلة نار. 
إننا الآن نرسل أنباءنا بالضوء - 


بريطاني إلى الولايات المتحدة العام 180١‏ على 
الود الطبيعي بين طبيعة «اليانكي» دائمة الحركة 
ومحرك القاطرة... وأيا ما كان السبب وراء هذا 
التشبيهء فمن المؤكد أن الإنسان يعامل المحرك. 


على السلك التلغراضي» ١‏ / 
أغنية شعبية أمريكية كما يسمون القطارء كصديق حميم أكثر منه ذلك 


مص 5 الشيء الخطير والموحش في حقيقته. 








التاريخ الاجتماعي للوسائط 


السكك الحد يد بة 

لم يكن من الغريب أن يأتي عنوان دراسة لألبرو مارتن عن السكك 
الحديدية الأمريكية «السكك الحديدية المنتصرة» :)١1597(‏ يصف فيها كيف 
هيمنت فكرة السكك الحديدية في أمريكا بسرعة كبيرة؛ ومدى السوء الذي 
كانت عليه السكك الحديدية الأمريكية الأولى؛ وإن كانت رخيصة في تكاليف 
تشييدهاء حتى بعد الحرب الأهلية. وكيف تلا ذلك العصر العظيم لبناء 
السكك الحديدية بين العام 1814 ونهاية القرن. وليس أدل على ذلك من أنه 
في العام 1810 كان في الولايات المتحدة حوالي 0؟ ألف ميل من خطوط 
السكك الحديدية:؛ ازداد فى منتصف السبعينيات إلى حوالى ٠٠١‏ ألف ميل. 

وقد شهدت العقود الأخيرة من القرن تصنيعا مكثفاء في الوقت الذي كان 
فيه عمالقة السكك الحديدية يحققون ثروات طائلة. وهو الوقت نفسه الذي 
انبثق فيه فولكلور شعبي للسكك الحديدية. ومجددا نجد أنه كانت هناك 
دائما رؤية من أعلى وأخرى من أسفلء حتى داخل البلد الواحد الذي كان 
أبناؤه مواطنين وليسوا رعايا. استحدثت السكك الحديدية بين الناس سرعة 
في الخطى ودقة في الحديث لم تكن لتوجد مطلقا في مدينة لا يصلها هقط 
إلا مركبات الخيولء وهذا ما أكده بنيامين تايلور في كتابه «العالم على 
عجلات» (14174): 

«إن القاطرة مرب ماهرء فهي تعلم الجميع أن الفضيلة... 
هي الدقة؛ فهي لا تنتظر أحدا وتظهر مدى أهمية الدقيقة في 
تنظيم الأشياء وعملها». 

وقد أظهر بناء السكك الحديدية أيضا كلا من المشكلات المتضمنة في 
صنع النظام ‏ ومنها نقاط الالتقاء والإشارات وعرض السكك الحديدية 
وأماكن انتظار المسافرين ‏ والرغبة الأمريكية الحثيثة في توحيد قارة؛ وهو 
الانتصار الذي سجل في كل من الفولكلور والصحافة. 

كان دق المسمار الذهبي الضخم في الأرض عند تلك البقعة التي التقت 
عندها قاطرتان إحداهما قادمة من الشرق والأخرى من الغرب؛ معلنة اكتمال 
أول خط حديدي عابر للقارة في العاشر من مايو العام 1816ء كانت هذه 
اللحظة هي الأهم ضي قصة السكك الحديدية الأمريكية؛ وقد جرى إحياء 
ذكرى هذه المراسم الرمزية في صورة لرسل انتشرت بشكل واسع عبر 





عمليات وأتماط 


الولايات المتحدة على نقش خشبي بعد هذا الحدث بشهر. وقد ذاعت أخبار 
هذا الحدث فور وقوعه عن طريق التلفراف: حيث عمل السلك الموصل 
بالمسمار الذهبي على تمكين جموع الناس البعيدة من سماع كل ضرية 
مطرقة؛ وكانت هناك احتفالات تلقائية ضفي سان فرانسيسكو وشيكاغو. حيث 
دقت أجراس الكنائس وتبادل عمدتا سان فرانسيسكو ونيويورك التلغرافات. 

كانت شيكاغو ‏ إحدى المدن الأمريكية الأصفر عمرا ‏ في طريقها إلى أن 
تصبح أكبر مركز سكك حديدية في العالم» وفيها حملت قاطرة كبيرة: هي 
دء(11 موتازوهم :28 الآلاف من الناس في العام إلى معرض كولومبيا 
الضخم الذي كان يحيي ذكرى مرور أربعة قرون على اكتشاف كولبس 
لأمريكاء كثيرون منهم جاءوا من مدن صغيرة أغلبها ظهر إلى الوجود (أيضا 
بمراسم مصاحبة) بفضل وصول السكك الحديدية إليها. وليس ببعيد عن 
ذلك أن الشاعر الأمريكي والت ويتمان (1819 - ؟55) فرحا بالتكنولوجيا 
الأساسية؛ اعتبر السكك الحديدية تحقيق حلم «كولمبس»: «زواج القارات 
والمناخات والمحيطات». 

وقد كتب مؤلف بريطاني قبل ذلك بثمانية أعوام (في مجلة 
ع0أتمع13 5'هذااتس 213 عدد مايو/أكتوبر )١187١‏ عن انفتاح العالم ليس فقط 
أمام المهاجرين: بل أيضا أمام السائحين؛ وهم أولئك الذين أدركوا بوضوح 
أكثر من غيرهم أن العالم صغير وليس ضخماء «فنحن الآن أكثر ألفة من 
أجدادنا بفكرة الأبعاد المحدودة للكرة الأرضية؛ كرة ضخمة طول محورها 
ثمانية آلاف ميل». كانت هناك كذلك أبعاد سيكولوجية «إذ كان من الفوائد 
الشهيرة للسفر الاعتماد على الذات وما ينميه من إبداع عام». ومع ذلك فقد 
كان من الممكن الاشتراك في الافتتان بالأماكن الغريبة عن بعد عن طريق كتب 
الرحلات والروايات التي تدور حول الدول الأجنبية:؛ تلك الكتب التي كانت 
رائجة على نطاق واسع قبل التحسينات وبعدهاء التي حدثت في النقل المادي. 

وعلى الجانب الأوروبي من الأطلنطي؛ أكد كاتب في يناير ١41/‏ في مجلة 
داع بتع 1 013111217 » البريطانية, أنه يمكن القول بآن سككنا الحديدية تمثل 
أبعد نقطة وصل إليها تقدم الحضارة الأوروبية» قد قدمت السكك الحديدية 
أكثر بكثير مما أنجزته الأجيال السابقة لتغيير تأثير الزمان والمكان 
وياعتبارها وسيلة عامة ومألوفة للعمل والمتعة... يمكن وصفها من دون مبالغة 


























التاريخ الاجتماعي للوسائط 


بأنها أوضح تجليات سيطرة الإنسان على النظام المادي للكون. وهو ما يجعل 
أضهم الآثار الكلاسيكية وقبل الكلاسيكية ليست سوى انتصارات واهنة 
للمهارة الإنسانية؛ إلى جانب عمل مهندس السكك الحديدية الذي غطى وجه 
الكرة الأرضية بطرق حديدية تعبر الأودية وتخترق الجبالء وتجوس خلال 
المكان بجياد مطهمة أسرع بكثير مما جال بخاطر الشعراء. 

إن تلك اللغة المشيعة بالمجاز لم تكن غريبة على القرن التاسع عشر من 
أوله إلى آخره؛ إذ انتعشت هذه اللغة إلى جانب الجداول الإحصائية؛ وتشكيلة 
ضخمة من المطبوعات واللوحات تتعامل مع وسيط التقل بالسكك الحديدية 
وما تلا ذلك من ملصقات وأفلام. فضلا عن ذلك انخرطت الموسيقى والشعر 
في هذه العملية. ومن ذلك أن وصف وايتمان القاطرة ذات «الغمغمة الرهيبة» 
بأنها «رمز الحداثة ونبض القارة». وضي كل القارات اتخن المجاز القديم 
للرحلة أشكالا جديدة. من أمثلة ذلك أحد النقوش الأوروبية واسعة الانتشار 
الذي يعرض خط سكة حديد يمتد إلى السماء: 

«من الأرض إلى السماء يمتد الخط. 
إلى حيث تنتهى الحياة الأبدية». 

وقد جاء في النسخة الجديدة من كتاب بوينان «رحلة الحاج». أنه من 
الممكن في محطة مركزية أن تستقل قطارا غير الذي تريدء ويمكن بسهولة أن 
ينتقل القطار من خط إلى آخر. 

وفي أوروبا تطور أدب السكك الحديدية؛ وكان بوينان واحدا من المؤلفين 
المفضلين فيه. وفي العام 1859١؛‏ أعاد ناشرو «ع00608ناه1» طباعة سلسلة 
رخيصة (ثمن الواحدة منها شيلينغ) من القصص باسم «مكتبة السكك 
الحديدية», وبعد ذلك بعامين حصل سميث على احتكار أكشاك الكتب في 
سكك حديد لندن والشمال الغربىء وتلا ذلك احتكاره لخطوط أخرى. أما 
الطبعات الألمانية الرخيصة من «أفضل ما في الأدب» المعروفة باسم 
«#اتصطءدونة1», التي كانت معروفة بين المسافرينء فلم تكن تباع هناك أو في 
أي مكان آخر في بريطانياء ولكن كان من السهل العثور عليها واقتناؤها ضي 
محطات السكك الحديدية في سويسرا وإيطاليا وإسبانيا إضافة إلى ألمانياء 
وكذلك كان المسافرون على ألفة بسلسلة «عااعطء118» وهي المقابل الفرنسي 
لمكتبة سميث على رغم أنها كانت تختلف في الأسلوب. 





عمليات وأثماط 


وعلى حد تعبير الروائي ثاكيريء فإن المعاصرين البريطاتيين الذين 
اعتبروا الاتصال بواسطة السكك الحديدية انتصارا لعصر البخارء 
«فإننا الذين عشنا قبل السكك الحديدية؛ وبقينا بعدها من العالم 
القديم نشبه النبي نوح الذي نجا هو وأسرته في الفلك». في حين كان 
روائي آخرء هو تشارلز ديكنز متناقضا في رد فعله. فقد وصف 
السكك الحديدية بأنها «القوة التي فرضت نفسها على طريقها 
الحديدي». ولكنه في واحدة من أفضل رواياته. «دومبي وابنه» 
(1844). آثر توظيف مجاز الموت إلى جانب التقدم: وهذه الرواية لها 
مكانها البارز في أدب الاتصالات مثلما تبرز لوحة تيرنر «المطر 
والبخار والسرعة» في عالم الفن؛ وفيما بعد شي القرن نفسه؛ أضاف 
الانطباعيون الفرنسيون إضافات لا تنسى إلى المجموعة الدولية 
للوحات القاطرات والمحطات. 

وبعد أريبعين عاما فقط من تحويل واط للمحرك البخاري من لعبة 
علمية إلى أداة حقيقية في خدمة الإنسانء كانت بريطانيا تقود مسيرة 
تطوير السكك الحديدية؛ وقد لافى افتتاح الخط الحديدي بين ليفريبول 
. ومانشستر العام 18١‏ (الذي تزامنت معه بالمصادفة كارثة موت وزير مهم 
هو ويليام سكينسون) من الاستحسان ما لاقته مراسم المسمار الذهبي في 
أمريكاء ولكن من جانب جيل مختلف. وكان التعليق الفوري لصحيفة 
إسكتلندية على هذا الحدث هو أنه أسس مبادئٌ سوف تعطي دفعة 
للحضارة أكبر من أي دفعة تلقتها من أي شيء آخرء منذ أن فتحت 
الصحافة لأول مرة أبواب المعرفة للجنس البشري على اتساعه. 

ومع ذلك: كانت هناك مشكلات قانونية موهتها الصحف, من ذلك الجدل 
حول حقوق ملكية الأرض التي تحتاجها شركات السكك الحديدية:؛ الذي 
لا يقل تعقدا عن الجدل حول براءات الاختراع. كانت سلطة الشراء الإجباري 
هي التي مكنت من ظهور الخط الحديدي بين ليفربول ومانشسترء وكان 
بإمكان شركات السكك الحديدية أيضاء على خلاف شركات الترع والطرق 
الرئيسية,؛ أن تملك المشروعات برمتهاء وبعد ذلك اتضح ارتباط السكك 
الحديدية برأسمالية عصر الفحم ارتباطا يتعذر فصله في كل من بريطانيا 
والولايات المتحدة الأمريكية. 





التاريخ الاجتماعي للوسائط 


كانت هناك شكاوى على كلا جانبي الأطلنطي؛ منها أن مجلة «أنباء لندن 
المصورة», وهي دورية جديدة ذات نجاح باهر في العام ؟1645١:‏ وصفت السلطات 
الممنوحة لشركات السكك الحديدية يأنها انتهاك لحقوق الملكية الخاصة لا يقل 
استبدادا عن المراسيم القيصرية في روسيا. أما في الولايات المتحدة: فقد 
حدثت حركة ضخمة من الاحتجاج الشعبي عرفت باسم الجمعية الزراعية 
بقيادة مزارعي الغرب الأوسط أو أنصار الزراعة في أواخر الستينيات 
والسبعينيات. وبعد قضايا قانونية شهيرة: أكدت المحكمة العليا العام /ا141 أن 
للهيئات التشريعية للولايات سلطة تنظيم المشروعات ذات النفع العام. 

وهذا التنظيم من أجل المصلحة العامة سيكون له تاريخ مستقبلي طويل 
ومعقد مع كل الوسائط. وفي غضون ذلك؛ عملت السكك الحديدية في عصر 
البخار ئيس فقط على توفير سرعة غير مسبوقة للركاب؛ بل أوجدت أيضا 
طلبا ضخما على الفحم والحديد؛ وخلقت مجتمعات جديدة؛ وفي بعض 
الأحيان دمرت أخرى قديمة. وقد اختلفت خريطتا كل من الولايات المتحدة 
وبريطانيا عما كانتا عليه من نصف قرنء ففي بريطانيا كانت لندن نقطة 
الالتقاء. حيث كانت كل خطوط السكك الحديدية الرئيسية تمر بهاء وفي 
المقاطعات: بعيدا عن مدن السكك الحديدية الجديدة مثل كرو وسويندون, 
جرى ربط معظم المجتمعات معاء وفي الولايات المتحدة ظهرت إلى حيز 
الوجود مجتمعات جديدة كلية سرعان ما نمت, وكانت السكك الحديدية في 
هذه الأخيرة قارية أكثر منها قومية. 

ش لم يسر الاقتصاد أبدا في مسارات مباشرة؛ فمشترو أسهم السكك 
الحديدية المتلهفون في بريطانيا في أربعينيات القرن التاسع عشر تعلموا دروسا 
قاسية حول الفرق بين الاستثمار والمضارية؛ قبل أن تصبح مثل هذه الأسهم 
جزءا من سندات منتصف العصر الفيكتوري الثابتة. وقد كانت هناك سنوات من 
الهوس وسنوات من الأزمة؛ ولم يكن من السهل أبدا التحقق من المخاطرة: وليس 
أدل على ذلك من انهيار مشروعات جورج هدسون )7١ - 18٠١(‏ تماما العام 
؛ وهو ملك السكك الحديدية؛ الذي كان مقره الرئيسي في يورك والذي 
أطلق عليه ديكنز «همبرغ الكبير». كانت هناك بالتاكيد خطط لسكك حديدية 
أكثر بكثير من الخطوط والمحطات التي نفذت بالفعل؛ ولم يكن من اليسير بحال 
من الأحوال التكهن بكل المشكلات الهندسية. 





عمليات وأتماط 


قبل افتتاح خط ليفريول مانشستر كانت هناك تجارب؛ فازت فيها شركة 
«:©ع1001» لصاحيها رويرت ستيفنسون. ومع بناء خطوط أكثر وأكثر. كانت 
هناك معركة مستمرة حول عرض خطوط السكك الحديدية» وحتى وقت 
متأخر (1770) كان هناك ما لا يقل عن ٠١‏ مكانا في بريطانيا وحدها يضطر 
الركاب فيها إلى تغيير القطارات لهذا | السبب. لم تتحول خطوط الغرب اكير 
ذات العرض الكبيرء الذي كان يفضله «برونيل من مملكة أزامبا دع 
(1807- 08) الذي شيد أشياء أخرى كثيرة غير السكك الحديدية, بالكامل 
إلى ما أصبحت عليهء وهو العرض القياسيء حتى العام 1857 أي بعد ثلاثين 
عاما من موته. 

في غضون ذلك. حُطم كثير من الأرقام القياسية في الغرب الأكبر 
الذي كان به مجموعة من الشركات بقيت إلى القرن العشرين. منذ البداية 
كان هناك حافز على اندماج المشروعات. وهو ما سيحدث لوسائط 
الاتصال في القرن العشرين؛ ومع ذلك غفي العام غ164 كان هناك ما 
لا يقل عن ٠١4‏ شركات منفصلة. ومع تضاعف الطول ال ميلي الإجمالي 
ثلاثة أضعاف بين العامين 186٠0‏ و-150: عندما كان هناك ١15‏ ألف ميل 
من السكك الحديدية. ظهرت أربع مجموعات رتيسية لكل منها إقليمها 
وتنظيمها الخاصان وسجلاتها الإحصائية المتعلقة بالسرعة وعدد الركاب 
الذين يجري نقلهم. في الغرب الكبير كانت شركة ««معه6عة». لصاحبها 
دانيل جوشء التي كانت تقوم العام 1854 بالرحلة من محطة 
بادنفتون بلندن إلى إغزيتر من دون توقف. وهو إنجاز لا يقل عن 
إنجاز أشهر القاطرات البريطانية في القرن العشرينء. وهي القاطرة 
« مقطتتكامه5 عمانز11» رقم /اغ22 التابعة لشركة سكك حديد لندن والشمال 
الشرقيء التي سجلت في العام 1584 ماثة ميل في الساعة على خط لندن 
أدنبرة. وقد وصف إنجاز شركة جوش بعد أكثر من قرن بأنه أعظم أداء 
لقاطرة شهدها العالم. 

حقيقة: لم يشهد عالم 1844 هذه القاطرة أو حتى فكر فيها بشكل 
شعوري؛ إذ إن الخط لم يفتتح لسياحة المساضرين التي أعلنها توماس كوك 
(05-1484) بعد أن أصبحت أكثر سهولة من خلال الأدلة واسعة 
الاستخدام التي أعدها جون موراي وكارل بيدكر (1801- 04). ولكن 





التاريخ الاجتماعي للوسائط 


السياحة لم تحظ باستحسان عامء نتيجة لأن السفر ذا التاريخ الطويل كان 
يبدو مختلفا تماما عن السياحة. كان من الناس كذلك من يكرهون السكك 
الحديدية بصرف النظر عما تحمله القطارات؛ بل ورفض أناس أكثشر 
اعتبار الطول الإجمالي للسكك الحديدية مؤشرا للحضارة: ومنهم جون 
هنري (فيما بعد الكاردينال) نيومان (1801 - 40).: وعضو البرئان المحافظ 
غريب الأطوار عن مدينة لنكولن الكولونيل سيبثورب الذي كان يفخر بأنه 
لا يسافر بالسكك الحديدية؛ بل كان يكره مجرد ذكر اسم السكك 
الحديدية. كما صرح في البرلمان: كما يكره الشيطان: وريما لحسن الحظء 
على الأقل بالنسبة إليهء أن لنكولن كانت تقع على خط حديدي فرعي: 
وليس على خط رئيسي. 

كان لكل دولة ‏ كما لكل شركة سكة حديد ‏ تاريخها الخاص بما فيه من 
أيام تعتبر من العلامات. وبحلول العام 14465.: كان هناك بالفعل تسع دول في 
أوروبا بها سكك حديدية (صدرت بريطانيا نسبة كبيرة من الحديد 
والقاطرات), وضي العام 6 زاد هذا العدد إلى أربع عشرة دولة. وخارج 
أوروياء حيث كانت بريطانيا تحصل على مشروعات السكك الحديدية من 
خلال توماس براسي (1600 - .)7١‏ أكبر مقاولي القرن التاسع عشرء كان 
هناك في العام ١449‏ سكك حديدية في خمس قارات. وكان براسي وشركاؤه 
غالبا ما يأخذون عمالهم معهم: ولذلك عندما كانوا يعملون في أستراليا ضي 
أوائل ستينيات القرن التاسع عشرء نظموا نقل ألفي عامل من ذوي الخبرة من 
إنجلترا وإسكتلندا . 

لم يكن مد السكك الحديدية يعتمد فقط على مهارة المهندسين بل على 
العمل الشاق أيضا للعمال غير البارعين: وهو الاسم الذي ورث عن عصر 
الترع؛ وقد كان هؤلاء العمال يواجهون مخاطر كثيرة؛ فقد وقعت حوادث 
كثيرة كانت من المصادر الأساسية للمجلات والصحف (وفيما بعد الراديو 
والتلفزيون). وكانت هذه الكوارث أيضا تعرض مصورة في النقوش التي 
كان بعضها ميلودراميا. وفي الدول الكاثوليكية الرومانية كإسبانيا 
والمكسيك, كان الفن النذري في العقود الأخيرة من القرن التاسع عشر 
يصور الناس الذين أنقذتهم العناية الإلهية ضي آخر لحظة من كوارث 
السكك الحديدية. 





عمليات وأتماط 


إن قصة السكك الحديدية الهندية التي شيدها المهندسون البريطانيون 
كانت قصة متفردة فالعمل في الخطين الأولين لم يبدأ إلا في العام 2185٠‏ 
ومع ذلك ففي العام ١806”‏ جرت أول قاطرة في الهند؛ وهي 20ة1"0111 010آ؛ 
قطارا من بومباي إلى ثانا. وهي مسافة لا تزيد على 5؟ ميلا. ومع ذلك ففي 
وقت سابق ‏ تحديدا العام 18:4 - في ذروة هوس السكك الحديدية 
البريطانية أعد رولاند ماكدونالد ستيفنسون. أحد حالمي السكك الحديدية 
غي العالم. مخططا للربط الحديدي بين بومباي وكالكتا ومدراس ودلهي في 
كلماته البسيطة الخالية من المجاز: 

إن الاعتبار الأول هو المحك العسكري الذي يعني تحقيق أمن أفضل 
بتكلفة أقل لكل الإقليم (الذي كانت تسيطر عليه عندئذ شركة الهند 
الشرقية). والثاني هو المنظور التجاريء وهدفه الأساسي هو توفير وسيلة 
لنقل المنتجات الغالية والمتنوعة لهذه الدوئة من المناطق الداخلية إلى أقرب 
الموانئ البحرية؛ ونقل ‏ في الاتجاه المعاكس ‏ البضائع المصنعة من بريطانيا 
العظمى مثل الملح وغيره إلى الداخل. 

كان «مركيز دالهوزي» الحاكم العام للهند يتفق مع هذا الخط الفكري, 
وقد كتب مذكرة تاريخية حول السكك الحديدية لمديري شركة الهند 
الشرقية بعد أيام قليلة من افتتاح خط بومباي - ثاناء وكان دالهوزي يؤمن 
بقوة بأن «المزايا التجارية والاجتماعية التي يمكن أن تجنيها الهند من ذلك 
أعظم من كل الحسابات الحالية». 

إن ما لم يستسغه دالهوزي وغيره من مهندسي السكك الحديدية 
عند معالجة الموضوع من أعلى هو: كيف سيستقبل الهنود السكك 
الحديدية الشعبية التي سيدركونها من أسفل. ومنذ وقت مبكر 
(1806) أكدت صحيفة ناطقة باللفغة الإنجليزية. وهي «صديق الهند». 
باستخدام اللفة الاجتماعية الطبقية التي كانت سائدة في هذه الفترة, 
أن الولع بالسفر بالسكك الحديدية أصبح تقريبا شغفا قوميا بين 
الطبقات الدنياء وأنها بذلك أحدثت تغيرا اجتماعيا في عادات المجتمع 
العام أعمق أثرا من أي تغير أحدثته الثورات السياسية في القرون 
الأخيرة. بحلول العام ,١5٠١‏ كان في الهند أكثر من 560 ألف ميل من 
السكك الحديدية؛ من أعلى مثيلاتها تكلفة في العالم: في مقابل 





التاريخ الاجتماعي للوسائط 


1 ألف ميل في بريطانيا. و0, 7١‏ ميل في فرنساء و١٠‏ ألف ميل في 
ألمانياء و؟؟ ألف ميل في روسياء وه./ا١‏ ألف ميل في كنداء و7860 ألف 
ميل في الولايات المتحدة. 


السفن 

إذا كان هناك في بريطانيا في العام 1474 من يصف السكك الحديدية 
بأنها أبعد نقطة وصلها تقدم الحضارة الأوروبية؛ فإن الشيء نفسه يمكن 
أن يقال عن السفن البخارية فيما يتعلق بالحضارة بين القارات. وعلى نحو 
ملائم؛ اختار مؤرخ النقل البحري البريطاني فريزر ماكدونالد كعنوان 
لكتابه العام ١447‏ حول الموضوع «السكك الحديدية في محيطاتنا». وصل 
بين العامين ١1/1‏ و١54١‏ ما لا يقل عن ٠١‏ مليون مهاجر من أورويا إلى 
مقصدهم المفضلء الولايات المتحدة الأمريكية. بعضهم جاءوا كلاجئين 
سياسيين: وبعضهم من الباحثين الطموحين عن الثروة: وبيعضهم جاءوا 
للهدفين معا. وقد صمم الفرنسي فريدريك أوغست بارتولدي تمثال 
الحرية (1887) الذي جمع جزء كبير من تكلفة قاعدته من قراء صحيفة 
أمريكية شعبية هي صحيفة «العالم». 

إن الرحلة الشاقة عبر الأطلنطي أصبحت أكثر سرعة من خلال قوة 
البخارء وقد كان الأمريكيون بارزين في تطوير البخار من أجل النقل 
المائي. مستفيدين في ذلك من ميزة وجود بحيرات وأنهار كثيرة كمصادر 
للطاقة المائية. قبل الاستقلال: في العام ١775‏ تحديداء صنع ويليام 
هنري من بتسلفانيا محركا بخاريا قبل واط؛ وكان هنري قد زار إنجلترا 
قبل ثلاث سنوات. وفي العام ,١786‏ بعد الاستقلال؛ جرب جون فيتش» 
وهو ميكانيكي من كونيكتكت. قاربا بعجلات تجديف. سمي «قارب يحمل 
النار»» سجل براءة اختراعه في غضون العامين التاليين. وفي العام 
قيل إن جيمس رمزي سيّر قاريا بخاريا في نهر بوتوماك. وحصل 
على براءة اختراعه بعد ذلك بشثلاث سنوات من فرنسا . أما روبرت 
فولتون:؛ الذي عاش في أوروبا في كل من بريطانيا (يما في ذلك 
إسكتلندا) وفرنساء فقد استخدم العام 1801 محرك واط في صناعة 
السفينة «01622070©» التي حملت الركاب في رحلات ترفيهية في نهر 


























عمليات وأثماط 


هدسون. أما أول باخرة تقوم برحلة في المحيط الأطلنطي فكانت 
«<نمءهط5» تلصاحبها الكولونيل جون ستيفين التي أبحرت العام ١8٠١9‏ 
ثلاثة عشر ميلا من بوكين إلى فيلاد لفيا . 

في العام أكملت السفينة البريطانية «51105» رحلة عبر الأطلنطي 
عن طريق البخار بالكامل في ١6‏ يوما وعشر ساعاتء ويعد ذلك بساعات 
قليلة وصلت سفينة ««نهماوء/11 /ه01» جيدة الصنع إلى نيويورك قادمة من 
بريستول في 5 يوما و6١‏ ساعةء ويعد ذلك بأريع سنوات دشن الأمير ألبرت 
في بريستول السفينة «8:1]810 /6168©» لشركة أزامبارد كينغدم برونيل؛ وهي 
أول سفينة ضخمة من الحديد بها مروحة دفع لولبية. وقد قطعت الرحلة في 
ع١‏ يوما و١؟‏ ساعة,. وقد حظيت سفينة مععاوء71 ]0168 لشركة يرونيل بأكبر 
دعاية من نوعها في الصحف عندما عبرت الأطلنطي العام ,١470‏ حيث كانت 
تمد أول كابل يعبر إلى الأطلنطيء وفي ذلك الوقت كان صامويل كونارد؛ 
المولود في كندا العام 17817, قد أسس شركة النقل البحري البريطانية 
الأمريكية الشمالية بأسطول مكون من خمس سفن على أولاها سافر 
البريطاني تشارلز ديكنز العام 1847. 

كان العام 1818 هو عام الذروة في بناء السفن الشراعية الجديدة في 
بريطانياء وحتى بعد ذلك لم يحل البخار كلية محل الأشرعة:؛ ولم يكن التحول 
من الأشرعة إلى البخار هو التطور الكبير الوحيد: فعندما نزلت أول سفينة من 
الصلب إلى البحارء وهي «صرييا»» العام :.144١‏ كانت أيضا أول سفينة مزودة 
بإضاءة كهريائية. فقد كان محرك التوربين الذي جرى اختراعه في بريطانيا. 
تفيرا تكنولوجيا ضخما. وفي هذا الوقت نفسه عملت القنوات: التي ربطت 
المحيطات مثل قناة السويس وبنماء على تقصير زمن الرحلات. كانت الأولى. 
التي افتتحت بمواكب ضخمة وموسيقى فيردي في العام 1875, حلم الفرنسي 
ديليسبس.ء الذي كان يؤمن: مثل القديس سيمون ‏ وهو أحد ملهميه ‏ بأنه عبر 
هذه القنوات يمكن للصناعة والاتصالات أن تغير وجه التاريخ. كان رجال 
الأعمال البريطانيون يشاركونه هذا الاعتقاد. ومنهم توماس كوك الذي حضر 
افتتاح القناة. وهناك تاريخ أقل شهرة في قصة هذه القناة وهو العام 21441 
الذي زودت فيه السفن العابرة بالقناة لأول مرة بمصابيح كهربائية أمامية 
تسمح بالسير ليلاء وهو ما يقلل الرحلة الطويلة لهذه السفن بمقدار ١7‏ ساعة. 






































التاريخ الاجتماعي للوسائط 





الشكل (؟1) مد الكابل العابر للأطلنطي العام 1810. كانت السفينة «الفرب العظيم» (التي تزن 726٠١‏ طن) 
السفينة الوحيدة القادرة على حمل الكابل. بيد أن هذه المهمة لم تكتمل إلا في يوليو 1437 


في ثمانينيات القرن التاسع عشرء برزت دلائل على حدوث تقدم جديد 
مفاجئ في الاختراع ‏ مع الأخذ في الحسبان أن قوة البخار مهدت الطريق 
للكهرباء. وأن الوسائط كانت ضفي مركز النشاط ‏ إذ بدأت الشوارع الأمريكية, 
القابس الكهربائي. ومع ذلك ضفي هذا العقد والعقد الذي تلاه. ظهر أول 
حديث عن مجتمع الضغط على الأزرار المستقبلي . في تلك الأثناء تغير مفهوم 
الوقت بشكل أكثر عمتنر مما حدث شي أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن 
على رغم أن ذلك لم يحدث مرة واحدة أو ف كل مكان. 

وضي العام غ188 التقى ممثلو 60 دولة في واشنطن, » وبعد جدل كبير 
جرى تبني نظام يتخذ خط غرينتش باعتباره خط الطول الرئيسى وحتى قبل 
ذلك. كانت بريطانيا والسويد وكندا والولايات المتحدة قد تبنته بالفعل؛ فى في 
حين اعترضت فرنسا على اختيار خط طول بريطاني ولم تتبنه حتى العام 
5 على رغم أن حكومتها كانت قد قبلت بالكامل فكرة الوقت القياسي. 
وفي مؤتمر دولي حول الوقت في باريس العام 5 ١؛‏ شدد الفرنسيون على 


عمليات وأنماط 


ضرورة إرسال إشارات وقت دقيقة عبر العالم: وضي هذه المرة اختيرت فرنسا. 
التي كان مارسيل بروست يبحث فيها بالكلمات أسرار الوقت [الزمن]؛ كمركز 
لذلك. وأرسلت أول إشارات لضبط الوقت من ضوق برج إيفل في الأول من 
يوليو العام 19311 


البريد 

لم تكن السكك الحديدية تنقل الناس والبضائع عبر المناطق الزمنية فقط؛ 
ولكن الخطابات أيضاء وهو شكل اتصالي لا غنى عنه قوميا ودوليا. وضي 
نهاية القرن كانت السفن تحمل أيضا البطاقات البريدية: وقد صدرت أول 
بطاقة بريدية تصدرها هيئة بريدء هي البطاقة البريدية المفتوحة, في 
أستراليا العام 1874 ثم أدخلت ضي آلمانيا وبريطانيا العام .1417١‏ وقد أثارت 
البطاقات البريدية قضايا جدلية مثل السرية التي كانت مهمة أيضا في 
وسائط اتصال أخرى, فلماذا تكتب معلومات خاصة على بطاقة مفتوحة يمكن 
لعشرة أفراد أن يقرأوها قبل أن تصل إلى الشخص المطلوب5 على أن مسألة 
قراءة محتوى البطاقات لم تكن ذات أهمية كبرى. وخاصة بعد إدخال 
البطاقات البريدية المصورة في العقد التالي؛ وقد كانت لفرنسا وألمانيا 
وسويسرا الريادة في ذلك. حيث أصبح ما يكتب على هذه البطاقات معياريا 
على نحو متزايد. 

وفي العام ,15٠١‏ حكى الصحافي الإنجليزي سيمز في مجلة «رفري» كيف 
أنهم بعد أن وصلوا إلى قمة جبل في سويسراء تلك الدولة السياحية المفضلة 
لدى الكثيرينء اندفعوا جميعا مباشرة إلى الفندق يتسابقون لشراء البطاقات 
البريدية. وبعد خمس دقائق كان الجميع يكتبون لأصدقائهم عن الحياة 
الجميلة. وهو ما جعل هذا الصحافي يجزم بأن المجموعة كلها صمدت إلى 
قمة الجبلء ليس بغرض اكتساب الخبرة أو مشاهدة المناظر الطبيعية, ولكن 
لكي تكتب بطاقات بريدية من فوق قمة الجبل. 

ولقد سبق تسريع البريد في بريطانيا إدخال أول طابع بريدي لاصق 
مثقب في العالم؛ الذي كان يحمل رأس الملكة فيكتوريا الصفيرة. وسرعان ما 
سيتحول جمع الطوابع البريدية إلى هواية تستهوي الكثيرين. وقد كان طابع 
البريد اللاصق نفسه من الابتكارات المهمة للقرن التاسع عشرء على رغم أن 











التاريخ الاجتماعي للوسائط 


كلمة طابع لم تكن جديدة ولا حتى؛ فكرة ضريبة الطابع. لكن الجديد كان 
الطابع. لا سيما في الولايات المتحدة سابق الدفع والرسم البريدي البنسي 
الرخيص وتوحيده على مستوى الدولء أيا كانت وجهة الخطاب. وكان من 
النتائج الثانوية لذلك الأظرف المزودة بالصمغ. 
وقد رحب هارتلي ابن الشاعر كوليريدج بالبريد البنسي باعتباره ابتكارا 
مفيدا للجميع قائلا: 
«... أفضل إجراء تنفيذي 
الأب والأم والأخ والأخت والابن 
والزوج والزوجة يعلنون حمدا واحدا». 
بيد أن هذه الرؤية لما حدث لا تخلو من المثالية» فمعدلات الأمية على رغم 
انخفاضها بين العامين و1870 كانت لا تزال مرتفعة:؛ وكان من 
الضروري توظيف وسطاء من جانب كثير من الفقراء لكتابة الخطابات 
الصادرة وقراءة الخطابات الواردة؛ وقد رحب القائد السياسي ريتشارد كوبدن 
بالبريد البنسيء ليس فقط على أسس سياسية. حيث جعل هذا البريد من 
الممكن تعبئة الآراء لمصلحة التجارة الحرة؛ ولكن على أسس أخلاقية أيضا 
حيث سيقدم حافزا جديدا على التعلم. 
وقد جاء تطور النظام البريدي قبل ابتكار نظام التعليم القومي: وقد أطلق 
رولاند هيل :)1875-1١156(‏ الصانع الأول لهذا النظام والمدافع المتحمس عن 
التعليم الشعبيء على هيئة اليريد «المحرك القوي للحضارة». وفي رأي أخيه 
ماثيو؛ الذي عبر عنه العام 1877 فإن كم مراسلات هيئة البريد يقيس. على 
نحو من الدقة؛ الارتفاع الذي بلفه الجمهور في الحضارة الحقيقية: فمثلا 
عندما نجد أن عدد خطابات مدينة مثل مانشستر تساوي عدد خطابات 
إمبراطورية الروس, فإننا يمكن أن نحصل على وسيلة لتقدير كل من 
الحضارتين البريطانية والروسية. وقد خرج معلقون آخرون بهذا الاستنتاج 
نفسه عندما عقدوا مقارنات مع الماضي ومع قارات أخرى. 
بعد مرور 0؟ عاماء في وقت الاحتفال باليوبيل الماسي للملكة فيكتوريا. 
وعندما كانت كل الإنجازات التقنية والاجتماعية للقرن التاسع عشر تحت 
المراجعة وخاصة في الصحفء عقد البرلماني المحافظ هينيكر هيتون كلا هذين 





عمليات وأتماط 


النوعين من المقارنة. أكد هيتون؛ كناطق متحمس باسم الصحافة البنسية 
الإمبريالية. مركزا على الخطابات الخاصة, أنه عندما اعتلت الملكة العرش في 
العام 187, كانت الجماهير تقريبا لا تعرف سوى الاتصال الشفهي والتجارة 
المحلية؛ تماما مثل أجدادهم تحت حكم عائلة ستيوارت أو الأتراك تحت حكم 
السلطان عبد الحميد؛ حيث كان كل من أجزاء بريطانيا المختلفة منهمكا في 
شؤونه, ولا يعرف عن المجتمعات الأخرى أكثر مما تعرف قرية روسية عن أخرى 
تبعد عنها ١٠٠ميل.‏ لقد كان بين رجال الطبقة العليا والمهنيين في المناطق الريفية 
ومواطني المدن الكبرى اتصال كاف ولكن في حين كانت النقاط الأكثر رقيا في 
ذلك الوقت مطوقة بالضوء؛ ظل الظلام سائدا . ْ 

إن الصور المتقابلة للظلام والضوء تنتمي إلى عصر الكهرباء الجديد: ومع 
ذلك فقد جرت المقابلة بين الظلام والضوء بشدة في القرن الثامن عشر من 
جانب كتاب التنوير. وفي ذلك الوقت بدأ البريد لأول مرة يسرع بشكل غير 
مسبوق؛ حيث عملت المركبات» التي كانت تحمل البريد الملكي؛ على تقصير 
زمن الرحلة. إن لغة الجماهير التي استخدمها هيتون تنتمي بالتحديد إلى 
القرن التاسع عشرء وقد حلت إلى حد ما محل اللفة الطبقية»: وكلمة طبقة 
التي صاحبت التصنيع. ومع ذلك فالتوقعات التي غالبا ما كان يجري التعبير 
عنها بلغة عاطفية بأن البريد البنسي سوف يزيد كثيرا من حجم المراسلات 
الخاصة للطبقة العاملة؛ لم تتحقق في العقد الأول من تطبيقه: فالطبقة 
الوسطى هي التي استفادت أكثر من رسم البريد الثابت الجديد؛ في حين 
حدث التسريع المستمر للبريد استجابة لمطالب المشروعات وليس مطالب 
الجماهير. إن مقالات أو لوحات أو نقوش منتصف العصر الفيكتوري التي 
تصف وقت الذروة بمكتب البريد العام الشهير في لندن الكائن بميدان 
القديس مارتن؛ توضح بجلاء معنى المشروعات في ذلك الوقت. وقد يكون من 
المفيد مقارنتها بلوحات ونقوش محطات السكك الحديدية الكبيرة. كان 
حوالي نصف خطابات لندنء التي بلغت ١1١‏ مليونا العام 1877, تصدر من 
داخل المدينة؛ وكانت توصل إلى الجزء الداخلي منها ١7‏ مرة في اليوم. 

في معرض تأييده لإدخال البريد البنسي الإمبراطوري في العام 2.185٠‏ 
أسس هيتون حججا أخرى إلى جانب الفائدة التي يمكن أن تعود على 
المشروعات, مؤكدا أن هذا البريد ئن يدفع التجارة فقطء بل من شأنه أيضا 





التاريخ الاجتماعي للوسائط 


أن يرمز إلى كل من الوحدة الإمبراطورية والأخوة الأنفلو سكسونية. وقد كان 
هناك أمريكيون. من أبرزهم الحداد المتعلم الياهو بوريت ,)0/9-14٠١(‏ 
يؤيدون» مثل هيتونء توفير بريد عمومي رخيص من أجل الأخوة العالمية. ومع 
ذلك فقد كانت نيوزيلندا, وليس الولايات المتحدة. هي الدولة الأولى 
التى أخذت بزمام المبادرة في العام :140١‏ وهو العام الذي ماتت فيه 
الملكة فيكتوريا. 

وفي الولايات المتحدة لم يصدر أول طابع إلا في العام 1807: وهو العام 
الذي اكتمل فيه الربط الحديدي بين نيويورك وشيكاغو. ولكن منذ البداية 
كان البريد الأمريكي رخيصاء وتضاعف عدد المواد التي يحملها إلى ؛ . /ا بلايين 
بين العامين 1847 و1١15.‏ وكان من النتائج المباشرة لذلك النمو ضفي مشروعات 
التجزئة التي تعتمد على الطلب البريدي» على رغم وجود شركات خاصة لنقل 
المنتجات إلى العملاء من أشهرها «0عئة5 9776115». لم تتحمل هيئة البريد 
الأمريكية؛ التي كان موظفوها يعينون بالمحسوبية. مسؤولية تحديد السياسات 
القومية المتعلقة بالسكك الحديدية والتلفراف والتلفون وما سمي لاحقا 
«الاتصالات عن بعد» 0211020085تسرروعء1616: إلى جائب الخدمات البريدية, 
تلك المسؤولية التي تبنتها هيئات البريد الأوروبية أو فرضت عليها من 
جانب الحكومات. 

وفي العام 2.1814 أسس اتحاد بريدي عام هو الاتحاد العالمي للبريد. 

وكانت بريطانيا من الأعضاء المؤأسسين له. وكانت شركة دعن هآ ءو22 
البريطانية تنتج في ذلك الوقت طوابع لدول مختلفة كثيرة حول العالم؛ وكان 
من قواعد الاتحاد العالمي تقنين ألوان الطوابع. وقبل تسعة أعوام من ذلك. 
وقعت ٠١‏ دولة في باريس على الاتفاقية الدولية للتلغراف. وشكل بذلك 
الاتحاد الدولي للتلغراف. ولم تدع بريطانيا ضفي أي منهماء وذلك لأن خدمة 
التلغراف فيها كانت في أيدي الشركات الخاصة. وكانعكاس لتلك الفترة؛ كما 
هي الحال دائماء كان على أحد الوفود الممثلة في الاتحاد (الوفد التركي) أن 
يقطع جزءا من الطريق إلى باريس على ظهور الجياد. 

وبعد مائة عام: في الاحتفال بالذكرى المئوية لتأسيس الاتحادء إلذي أقيم 
في مقره الرئيسي بمدينة برن السويسرية العام 1874: كانت القضايا التى 
تعامل معهاء باعتباره منظمة حكومية؛ مختلفة جذرياء فقبل عامين. نظم 





عمليات وأتماط 


الاتحاد أول مؤتمر عالمي للاتصالات الفضائية. وفي العام ,١6051‏ عقدت في 
برلين أول اتفاقية دولية للتلغراف اللاسلكيء وفي العام 1577, في مؤتمر 
بمدريد حول حزم الراديو الموجية. أسس الاتحاد الدولي للاتصالات عن بعد, 
الذي أصبح في العام :١1941‏ وبعد مؤتمرين آخرين في مدينة أطلانطاء إحدى 
وكالات الأمم المتحدة المتخصصة. 


التلفراف 

كان التلغراف أول طفرة إلكترونية كبيرة. وصفها رئيس الوزراء البريطاني 
مركيز ساليسبري العام 1884 بأنها اكتشاف غريب وساحرء ذو تأثير مباشر 
في الطبيعة والفعل الأخلاقيين والفكريين للبشرية. حيث جمع كل البشرية 
على سطح واحد كبيرء يمكن لهم من خلاله رؤية كل شيء يجري وسماع كل 
شيء يقال والحكم على كل سياسة تتبع في اللحظة نفسها التي تحدث فيها 
هذه الأحداث. . 

لم يكن من الواضح إذا ما كان كل البشر مجموعين في هذا الموضع الواحد 
أو لا؛ لكن كان من الواضح بالتأكيد أن السياسيين أصبح تحت تصرفهم الآن 
وسيلة جديدة قوية كانت محل استحسانهم بوجه عام. ولذلك فإن دالهوزي 
عند مغادرته الهند العام ١647‏ وضع مذكرة لحكام شركة الهند الشرقية: أشار 
فيها إلى البريد الموحد والتلفراف الكهرباتيء. إلى جانب السكك الحديدية, 
باعتبارها محركات ثلاثة كبيرة للتطور الاجتماعي. منحها (ربما يكون قد قال 
«قصرهاء) الذكاء والعلم في العصر الحديث للأمم الغربية. كان دالهوزي 
يتحدث إلى كثير من رجال الساطة؛ وفي اعتبارهم جميعا الارتباط الوثيق بين 
السكك الحديدية التي تتقل الناس والبضائع والصحف والكتب من جانب. 
وأجهزة التلفراف التي كانت أول اختراع كهربائي في القرن التاسع عشر 
ينقل الرسائلء سواء كانت عامة أو خاصة من جانب آخر. 

إن الفمصل ‏ وفقا للإدراك المّخر ‏ بين السكك الحديدية التي تبعتها 
الدراجات والسيارات والطائترات باعتبارها تنتمي إلى تاريخ النقل؛ والتلغراف 
الذي تبعه الراديو والتلفزيون باعتبارها تنتمي إلى تاريخ الوسائط؛ لاا يعدو 
كونه فصلا مصطنعا. فتطور التلغراف اقترن بشكل وثيق مع تطور السكك 
الحديدية» ومن ذلك أن أساليب الإشارة الفورية كانت ضرورية على خطوط 





التاريخ الاجتماعي للوسائط 


السكك الحديدية الفردية» على رغم أن بعض أسلاك التلغراف كانت تتبع 
القنوات المائية وليس خطوط السكك الحديدية. وقد أشار بابدج إلى اقتران 
أقدم من ذلك عندما اقترح أن يستخدم كل برج كنيسة كسارية تلغراف. 
وفضلا عن ذلك كانت هناك تلميحات كلاسيكية, منها أن نبأ سقوط طروادة 
وصل إلى أجروس تلغرافيا. 

وفي إحدى الدول ‏ أستراليا ‏ كان التلغراف أكثر أهمية من السكك الحديدية. 
ففي العام ٠185؛‏ كان العدد الإجمالي للسكان الذين؛ على حد تعبير جيوفري 
بليني؛ يقمعهم استبداد المسافة 7١‏ ألف شخص فقط في أسترالياء كانوا يعتمدون 
على الخدمة البريدية؛ «خدمة الناس». وهي خدمة كانت مكلفة ولكن مضمونة, 
وكان الاتصال الرسمي عبر المسافات القصيرة يجري عن طريق السيماقورء وهو 
نظام ميكانيكي بصريء إلى أن حدثت الاندفاعة الذهبية في خمسينيات القرن 
التاسع عشرء عندما افتتح أول خط تلغراف بين ملبورن وبورت ملبورن في الثامن 
من مارس ١1804‏ قبل ستة أشهر من افتتاح أول خط حديدي بين المدينتين» الذي 
كان لأسباب عديدة الخط الحديدي الوحيد المربح ضي أستراليا. أما بقية قصة 
التلغراف في أسترالياء فقد سردتها آن مويال بطريقة أخاذة في كتابها «تاريخ 
الاتصالات عن بعد في أستراليا» (15984). وعلى النقيض من ذلك. كانت قصة 
السكك الحديدية التي شيدتها الحكومة الأسترالية مؤلفة من رقع ممزقة, 
أفسدها الاختلاف في عرض خطوط السكك الحديدية على رغم أن طول 
السكك الحديدية ازداد من 17٠١‏ ميل إلى ٠١‏ آلاف ميل بين العامين ١11070‏ 
و1640: ووصل هذا الطول إلى ذروته (71 ألف ميل) في القرن العشرين. 

كان مجيء روابط الكابل طويلة المسافات ذا أهمية بالفة لأستراليا 
ونيوزيلنداء وقد جرى تركيبها في وقت متأخر نسبيا بعد أن عبرت روابط 
الكابل البرية والبحرية أوروبا وآسيا قبل أن تصل إلى ميناء دارون الأسترالي 
في العام ١477‏ عن طريق أرخبيل إندونيسيا. وحتى بعد ذلك؛ كان على هذه 
الروابط أن تشق طريقها بصعوبة عبر وسط أسترالياء حيث كان على شركات 
التلغراف أن تعبر مائة ميل تقريبا في مناطق غير مأهولة للوصول إلى المدن. 
كانت الخدمة مكلفة في البداية؛ ولكن مع حلول العقد الأول من القرن 
العشرين انخفضت التكلفة بشكل كبيرء ومع الخدمة التلفونية فقط بدأت 
الفواكد الخاصة للأفراد تتحقق. 





عمليات وأتماط 


كان مد الكابلات البحرية لخطوط التلغراف تحت مياه المحيطات؛ ذلك 
الإنجاز الضخم والصعبء غير ممكن من دون تحسن وتوسع النقل البحري 
البخاري؛ وقد لعبت التجارة الغالمية دور المحفز الرئيسي في هذه العملية. 
وقد أثر الإنجاز التقني ذاته بقوة في المعاصرين. من ذلك أن وصفت صحيفة 
 »11065«‏ بمناسبة منح تشارلز برايت الذي مد أول كابل عبر الأطلنطي العام 
(هعلى رغم أن هذا الكابل لم يعمل) وسام الفروسية في عمر السادسة 
والعشرين - الكابل بأنه «أعظم اكتشاف منن اكتشاف كولمبسء إذ جاء كتعظيم 
فائق...لحيز النشاط الإنساني»»: وبالنسبة إلى ديكنز كان «التلغراف الأكثر 
روعة بين كل العجائب الحديثة في عصر القطارات السريعة والعمليات 
الجراحية التي تتم من دون ألم والقصور الزجاجية؛ ومئات غيرها من الأشياء 
الأخرى التي لم يحلم بها أجدادنا». 

منن البداية؛ كان ينظر إلى الآثار الاجتماعية والاقتصادية للتلغراف في 
بريطانيا باعتبارها عميقة؛ مظها مثل الإنجاز التقني نفسه؛ ومن ذلك أنه بعد . 
إنشاء أول شركة خاصة:؛ وهى شركة التلغراف الكهربائي: أكد كاتب في مجلة 
««0010 اعسطه01» في يناير 1814 «أن التلغراف بالنسبة إلى الناس 
العاديين أكثر من مجرد فضول فلسفيء إذ تحول إلى إمبراطورية من الاتصال 
العام المتبادل». كان الكاتب في ذلك يحلل ويقيم النتائج الاقتصادية 
والاجتماعية المتنوعة لتطور التلغراف, تلك النتائج التي لم يجر التنبؤ 
بجميعهاء في العام الذي تلا تصديق البرلمان؛ في ظل حكومة دزرائيلي 
المحافظة. على قانون التلغراف للعام 1818: ذلك القانون الذي نقل إدارة 
نظام التلغراف من الشركات الخاصة إلى هيئة البريد. 

وقد ساعد التلفراف, شأنه شأن القنوات والسكك الحديدية والطرق 
البحرية؛ في ربط الأسواق القومية والعالمية: بما في ذلك أسواق الأوراق 
المالية وأسواق السلع (مثل القطن والقمح والأسماك). كما ساعد كذلك على 
تسريع نقل المعلومات العامة والخاصة المحلية والإقليمية والقومية 
والإمبراطورية. وقد اتضح على المدى الطويل أن ذلك من أهم نتائج التلغراف. 
لقد جرى بالفعل قهر المسافة؛ إذ أصبح من الممكن إرسال المعلومات المرتبطة 
بشؤون الحكم والمشروعات والشؤون الأسرية والطقس والكوارث الطبيعية 
والبشرية؛ وكانت هذه المعلومات تنقل في شكل أنباء. ثم ظهرت وكالات الأنباء 





التاريخ الاجتماعي للوسائط 


إلى الوجود لنقل الأنياء عبر الحدود؛ وكانت أولاها «5ة1187 ءددءيوق». التي 
أسست في باريس العام 1850., تلتها شركة «165ناء1» للتلغراف» التي أسست 
في لندن العام 185١‏ على يد البارون يوليوس رويتر الألماني الأصلء والتي 
اشتهرت باسم «5]عاناء18»: ويوليوس هذا هو الذي نشر أنباء معارك نابليون 
الثالث في إيطاليا ونص الرسائل العشرين القصيرة التي كان الإمبراطور 
يرسلها يوميا إلى الجبهة. وحتى العام 1447. لم تكن هناك وكالة أنباء 
أمريكية إلى أن أنشكئت «كوعء2 2160 00وكة». التي كانت تعرف في البداية 
ب « كاممتلل] أه ووعوط لعتماعمووفق . 

إن الاختراعات الرئيسية في مجال التلغراف ‏ كما في المجالات الأخرى ‏ 
جرى التوصل إلى كل منها بشكل مستقل عن الأخرىء وفي دول مختلفة؛ في 
عملية تراكمية لم تقتصر على مخترع واحد. وبالمثل لم ترتبط نظرية 
المغناطيسية الكهربية باسم عالم واحد. على الرغم من أندريه ماري أمبير 
١776(‏ -18751).: الذي وسع أعمال دان هانز كريس تان أورستيد 
(0//ا1801-1).: أطلق اسمه على الوحدة المستخدمة في عنصر حمل التيار 
في الدائرة الكهربائية. ضفي بريطانياء صاغ جيمس ماكسويل (1851 - 1414) 
المعادلات الرياضية الأساسية لما عرف بعد ذلك بالمجال المغناطيسي الكهربي. 

وفي بريطانيا كان ويليام فوذرجيل كوك وتشارلز ويتستون: اللذان اقترن 
بهما - على وجه الخصوص ‏ اختراع التلغراف. كانا أول شريكين ناجحين في 
مجال التلغراف؛ وقد حملت براءة الاختراع المشتركة التي منحت لهما ذلك 
التوصيف الرائع: «إدخال تحسينات في إرسال إشارات وتنبيهات صوتية إلى 
أماكن بعيدة عن طريق تيارات كهربائية تنقل من خلال دوائر معدنية». في 
حين استخدم كوك نفسه لفة أقل قوة عندما قال إن التلغراف من شأنه أن 
يجعل خطوط السكك الحديدية مثل الطرق السريعة؛ وهو التشبيه الذي 
سيجري إحياؤه مرة أخرى في الولايات المتحدة في أوائل القرن العشرين. 
وهذا التشبيه. الذي كان جديدا آنذاك, راق على الفور في العام 1١847‏ 
لصحيفة «دعطةا' نته انه ؟1)» . 

وفي الولايات المتحدة كان صامويل مورس ١151(‏ - 18177). الفنان الذي 
كان أبوه قسا من خريجي يال هو الذي ابتكر شيفرة النقاط والشرط؛ التي 
يمكن قراءتها بمعدل +١‏ كلمة في الدقيقة؛ والتي أصبحت تستخدم بشكل 





عمليات وأتماط 


عام في الإرسال التلفرافي. وكانت الأدوات الأساسية التي استخدمها مورس 
تتمثل في مفتاح ومرحل ومسبار وعداد وبطارية وآداة تغيير للدائرة. وفي هذه 
الأثناء ولكن في قارة بعيدة كان ويليام أوشونيسيء الجراح المساعد في 
الجيش الهندي ومن المتحمسين للتلفراف. يجري تجارب على التلفراف في 
كلكتاء تعلق في أوائل العقد الخامس من القرن التاسع عشر أسلاكا معدنية 
على الأشجارء على رغم أن أول خط تلغراف بين كلكتا وبومباي لم يكتمل إلا 
في العام 18604. 

منن البداية كانت هناك احتكاكات دولية: ومن ذلك أن كوك استمع إلى 
الأستاذ مونكي يحاضر حول التلغراف في جامعة هيدلبرغ: وشاهد تجريبة 
عملية لتلغراف إبري من إعداد ديبلوماسي روسي هو البارون باول شيلينغ. 
ومن ذلك أيضا أن مورس خاطب أكاديمية العلوم في باريس العام /1/7, 
وعلى رغم سبق كوك وويتستون بتسجيل براءة اختراع التلغراف باسميهما 
في لندن: فإنه سجل براءة اختراع جهازه في باريس العام /187: قبل عامين 
من تسجيلها في الولايات المتحدة, التي صدر فيها قانون جديد لبراءات 
الاختراع العام 71 ؛: وأسس فيها مكتب جديد لبراءات الاختراع. كان 
الشاب الكندي من أصل إيرلندي. صامويل ووكر ماكفوفان الذي أدخل 
التلغراف إلى أسترالياء يعمل مع مورس وزميله عزرا كورنيل» مخترع أول 
عوازل تلغرافية. وفي العام 14177 نقلت أول رسالة عبر مسافات طويلة: بعد 
أن ربطت أستراليا بأوروبا وآسيا عبر ميناء دارون؛ وقد كان نصها «تقدمي 
يا أستراليا»» على رغم أنها اختتمت أملا في أن يتحدث خط الكابل المائي 
طويلا عن السلام. 

أما أول رسالة تلغرافية بريطانية فقد أرسلها كوك إلى ويتستون:ء الفيزيائتي 
الذي كان له أيضا اهتمامات بالموسيقى واخترع الكونسترينة [نوع من 
الأكورديون]: الذي كان في البداية يعمل بمفرده؛ وهما الرفيقان اللذان كان كل 
منهما ينظر إلى الآخر بنوع من الريبة. وباستخدام نظام الإبرة. أبرق كوك إلى 
ويتستون من محطة مدينة كامدن, قبل أسبوع من الافتتاح الرسمي لخط سكة 
حديد لندن-برمنغهام العام 18717: رسالة إلى ويتستونء ورد ويتستون في 
الحال من غرفة حقيرة لا تضيئها سوى شمعة واحدة فقط بمحطة إيستون؛ 
وقد انتابه -.حسب تعبيره ‏ «شعور مضطرب» لم يشعر به من قبل: «وأنا 





التاريخ الاجتماعي للوسائط 


وحدي في الغرفة الساكنة إذا بي أسمع نقر الإبر. وشعرت ساعتها بكل عظمة 
الاختراع العملي والمفيد على رغم الجدل والاعتراضات التافهة». إن ذكريات 
المشاعر والمحادثات الأولى ستصبح لاحقا جزءا من فولكلور الوسائط؛ وسوف 
يقدم التلفزيون والراديو والإنترنت أجزاء أخرى لهذا الفولكلور. 

وفي السياق العسكريء الذي كان مهما دائما في تاريخ الاتصالات عن 
بعد. أثر التلغراف في كل من التخطيط والعمليات في البر والبحر. وهو الدور 
نفسه الذي لعبه التلغراف السيمافوري في الحروب الثورية النابليونية. وقد 
نُظم التلغراف من خلال سلسلة من الأوامر العامة والخاصة. وقد كانت حرب 
القرم هي الأولى التي يستخدم فيها التلغراف بشكل مهم في الحروب؛ عندما ' 
جرى مد كابل طوله 54١‏ ميلا عبر البحر الأسود . وقد تأكدت أهميته بشكل 
أوضح في الحرب الأهلية الأمريكية, حيث استفيد من ١6‏ ألف ميل من 
أسلاك التلغراف وأكثر من ٠٠١‏ محطة تشغيل تعمل داخل هذا النظام. كانت 
وكالة 5تعاداءخ1 في ذلك الوقت تبرق عبر الأطلنطي بتفاصيل المعارك وأشياء 
أخرى كثيرة. وفي العام 65 بدأت 5بع1ا1 خدمة خاصة للهند والصين. 
وبعد ذلك بقرن تقريبا قدر للهند؛ على حد تعبير مؤرخها دونالد ريد؛ أن 
تلعب دورا رئيسيا في إمبراطورية 5 داخل الإمبراطورية اليريطانية, 
تلك الإمبراطورية التي اعتمدت على التلفراف؛ وفيما بعد تكونت أيضا روابط 
حميمة مع اليابان. ‏ . 

وصلت أولى مراحل تطور التلغراف إلى نهايتها شي بريطانيا العام 1/47 
بإنشاء شركة التلغراف الكهربائي, قبل خمسة أعوام من إعلان اكتمال الكابل 
الممتد من لندن إلى باريس. وهو ما تلا إعلان الملكة فيكتورياء التي لم تعد 
بعد إمبراطورة الهند؛ والتي كانت من المتحمسين للنظام الجديد كما كانت مع 
كل الاختراعات الأخرى. إغلاق المعرض الكبير. وبعد ذلك بعامين. اندمجت 
شركة التلغراف الكهربائي مع منافستها شركة التلغراف المفناطيسي 
الإنجليزية الإيرلندية لينتج عن ذلك شركة «ءناعمع813» الجديدة, التي كانت 
تمتلك مكاتب مهيبة بالقرب من بنك إنجلترا. 

ومع اتساع مشروعات التلفراف كانت تثار باستمرار أسئلة أساسية حول 
الأدوار الخاصة بكل من القطاعين العام والخاصء أو دور كل من الدولة 
والسوقء. منها السؤال الذي طرحته مجلة «/7ا116916 2010311611 الفصلية العام 





عمليات وأنماط 


4 أليس الاتصال التلفرافي من وظائف الحكومة شأنه شأن نقل 
الخطابات: في وقت كانت فيه أكثر من ١١٠١‏ صحيفة إفليمية ‏ في أوج ازدهار 
الصحافة الإقليمية ‏ تتلقى أعمدة عن أنباء اليرلمان عن طريق التلغراف5؟ وقد 
عقدت مقارنات مع حالات أخرى تسيطر الدول فيها على التلفراف. مثل 
سويسرا التي كان فيها 7,1 مكتب تلغراف لكل ٠٠١‏ ألف نسمة: في مقابل 
7 في بريطانيا. 

وفي الولايات المتحدة كان للدولة دور منذ البداية» عندما منحت مورس 
اعتمادات مالية حكومية لبناء خط أعمدة تجريبي من واشنطن إلى بلتيمورء 
وكانت أول رسالة شهيرة تبعث على هذا الخط هي: «من عمل الرب». وقد قرر 
المدير العام لهيئة البريد بقوة أن أداة بهذه القوة. سواء للخير أو للشرء لا يمكن 
تركها بأمان في أيدي أفراد خاصين لا يخضعون لسيطرة القانون. وفي العام 
6: طرح هذا المدير السؤال المهم: إلى أي مدى تسمح الحكومة للأفراد بأن 
يتقاسموا معها مشروعات نقل الأنباء؟ وقد حظي هذا السؤال باهتمام كبير من 
جانب الدستور. ونتيجة لعدم إقبال الاستثمار الخاص في الولايات المتحدة على 
تطوير نظام لم يجر تجريبه بعد. فسرعان ما أعيدت السيطرة إلى مورس 
ومؤيديه. كان هذا القرار بترك التلغراف لقطاع الأعمال ذا أهمية بالفة في 
تاريخ الاتصالات في الولايات المتحدة؛ إذ شكلت نتيجة لذلك شركة الاتحاد 
الغربي 0ه متعادء7 الضخمة التي اتخذت هذا الاسم العام .١804‏ 

وضي فرنساء منذ البداية» اعتبرت سيطرة الدوئة على الاتصالات أساسية 
لأسباب عدة؛ ولكن التقدم في التلفراف الكهريائي كان بطيئا نتيجة لأن 
إدخال السيمافور الذي ابتكره الأخوان «شاب» تحقق بنجاح في أثناء الثورة, 
وعليه غفي أريعينيات القرن التاسع عشرء كان في فرنسا أكثر من ثلاثة آلاف 
ميل من خطوط السيمافور تديرها وزارة الحرب. وقد أوجب قانون العام 
7 استمرار احتكار الحكومة للاتصالات عن بعد وبعد ذلك بعشر سنوات 
قرر وزير الداخلية الفرنسي بقوة أن التلغراف يجب أن يكون أداة سياسية 
وليس تجارية. وقد كان خلفاء هذا الوزير. بصرف النظر عن النظام 
الدستوري المطبق في فرنسا, يتفقون معه في ذلك. وفي القرن العشرين؛ 
اتسمت السياسة الفرنسية باتجاهات مماثلة نحو الفضاء الوطني؛ فيما يتعلق 
بالراديو والاتصالات عن بعد. 





التاريخ الاجتماعي للوسائط 


وفي النظم الأوروبية ما قبل العام ١844‏ وصل التلغراف قبل الثورات؛ 
وكان من المؤكد, بناء على سياساته غير الليبرالية أن يؤيد مترنيخ: إمبراطور 
هابسبرغ؛ احتكار الحكومة للتلفرافء وأن تغلقه في وجه الجمهورء وهو ما 
حدث نفسه في بروسيا. وقد استمر هذا الوضع أيضا بعد ثورات العام ١844‏ 
التي أطاحت به؛ على رغم أنه عند إدخال التلفون؛ في وقت لاحق من القرن 
التاسع عشرء كانت قد حدثت تطورات مذهلة في المجر. وفي روسيا ربط 
نيكولاس الأول مدينة سانت بطرسبرغ بمدينة وارسو ثم إلى الحدود الألمانية 
بخط سيمافور, ثم افتتح خط فرعي من سان بطرسبرغ إلى موسكو بأبراج 
يعمل بكل واحد منها ستة رجالء ويفصل بين البرج والآخر من خمسة إلى 
ستة أميال؛ وقد حظر نيكولاس نشر أي معلومات تتعلق بالتلغراف الكهريائي 
على أساس أنها يمكن أن تكون مدمرة؛ على رغم أن أحد النبلاء الروس. هو 
البارون شيلينغ: ابتكر نظام تلغراف باستخدام جلفانومتر مزود بيطارية 
وشيفرة ثنائية. 

قبل العام 1844 وبعدهء كانت الدولة في بلجيكا تبني خطوط التلغراف مثل 
خطوط السكك الحديدية:؛ وتعد بلجيكا مثالا لذلك. وفي العام 1874: كان يقال 
إن خطوطها مصممة بشكل ممتاز ومبنية بتكلفة رخيصة:؛ ونتيجة لذلك كانت 
التعريفات المفروضة ‏ التي كانت دائما مصدر قلق في بريطانيا - منخفضة 
نسبيا. كانت البورصة في ذلك الوقت تستحوذ على نصف الاتصالات عبر 
التلفراف: في حين استحوذت الشؤون الأسرية على ؟١2:‏ وعلى خلاف ما هو 
متوقع؛ استحوذت الصحافة على 4 فقط والحكومة على 7/. 

وداخل هيئة البريد البريطانية كان المسؤول الطموح, فرانك سكودامور الذي 
أنشأ من قبل صندوق توفير البريد؛ يؤيد بقوة سيطرة هيئة البريد على شركات 
التلغراف. وبموجب قانون العام 1474: اشترت الهيئة هذه الشركات. إلى جائب 
مشروعات التلغراف التابعة لشركات السكك الحديدية. لم يكن السياسي 
الليبرالي غلادستون 18١4(‏ - 48). الذي كان وقتذاك في المعارضة وأصبح 
فيما بعد رئيسا للوزراء. إلى جانب أن غرف التجارة والصحافة, لم يكونوا ضفي 
صف شركات السكك الحديدية والتلفراف. وهو ما جعل هذه الشركات تبدي 
معارضة قوية ولكن غير ناجحة؛ تلك الشركات التي كانت مترابطة بشكل وثيق 
من خلال إدارة متشابكة. كانت مثالا مبكرا لتركيز السيطرة على الوسائكط. 





عمليات وأتماط 


وقد حظيت شركات السكك الحديدية هي الأخرى باهتمام في البرلمان 
من الحكومة والمعارضة؛ وأوضحت قوتها منذ وقت مبكر (أربعينيات القرن 
التاسع عشر) عندما أجبرت الشاب غلادستون:؛ الذي كان عندئذ رئيس 
مجلس التجارة؛ على سحب فقرة من وثيقة تنظيم السكك الحديدية العام 
4 لتعطي الحكومة فقط سلطة تأميم السكك الحديدية التي بدأت العمل 
بعد التصديق على القانون. وقد أوجب قانون تنظيم السكك الحديدية في 
صورته النهائية غلى كل شركات السكك الحديدية المستقبلية أن توفر مكانا 
للدرجة الثالثة. على الأقل في قطار واحد يوميا في كلا الاتجاهين؛ وقد ظلت 
هذه القطارات: التي سميت القطارات البرمانية (كلمة هجين أيضا). إلى وقت 
متأخر من القرن العشرين. 

وفي العام 1474: جرى التوصل إلى اتفاق مالي مع شركات التلفراف 
قبل أن تستولي عليها هيئة البريد؛ وقد حذر النقاد من دون جدوى من 
الجمود والروتين الشديدين اللذين يلازمان التنظيم الرسمي الذي سيتلو 
التأميم. ولكن الحكومة تعهدت بأن شركات التلفراف سيجري التعامل 
معها بطريقة الخدمات البريدية نفسهاء وأنه سيجري تعريف سعر موحد 
لرسائل التلغراف المكونة من عشرين كلمة بصرف النظر عن المسافة, 
وضي العام 1444.: لم يحدث مثل هذا التنظيم للسكك الحديدية بعد 
سحب فقرة التأميم. 

كان احتكار هيئة البريد في طريقه إلى اجتياز مشكلات مالية في القرن 
التاسع عشرء على رغم أن عدد الرسائل المتبادلة ارتفع من 1,6 مليون يعد 
صدور القانون مباشرة إلى ١1.4‏ مليون رسالة بعد ذلك بعشر سنوات؛ وهي 
زيادة ضخمة مقارنة بدول أوروبية أخرى بما في ذلك الولايات المتحدة. كان 
هناك مع ذلك أشياء أكثر من الإحصاءات المقارنة» فمع زيادة خسائر هيئة 
البريد بسبب المنقولات التي من دون مقابلء والتي وصفها التقاد بأنها 
«إعانة». والتي زادت مع زيادة الرسائل المنقولة؛ كان من المحتم أن يظهر نقد 
من جانب البرلمان والجمهورء والذي طرح أيضا قضايا أخرى من قضايا 
الوسائط. وقد دافعت الصحافة؛ بسبب استفادتها من هذه الخدمة المجانية؛ 
على اعتبار أن ذلك شجع على الاهتمام بالأنباء؛ بل إنه أنتج اهتماما لم يكن 
موجودا من قبل. 





التاريخ الاجتماعي للوسائط 


بعد الانتقال إلى الملكية العامة, اشترى كثير من مديري شركات التلفراف 
الخاصة القديمة بالتعويضات التي حصلوا عليهاء أسهما في شركات 
التلفراف التي تعمل في مشروعات دولية؛ وضي العام 14177 أسست شركة 
اندماجية ضخمة هي شركة التلغراف الشرقية؛ التي وزعت على مدى ربع 
قرن تقريبا حصص أرباح تتراوح بين 1,0 إلى ,/٠١‏ وكانت إحدى المؤسسات 
الرئيسية التي دعمت السيادة البريطانية في مشروعات الكابل الدولية عند 
نهاية القرن التاسع عشر. 

كان هناك اهتمام قومي معترف به بذلكء فكما عبرت لجنة رسمية العام 
؟ ١15ء‏ فققد «كان من المفيد أن تمتلك كل مستعمرة مهمة أو قاعدة بحرية خط 
كابل مع الدول التي تلاصق الأراضي البريطانية أو أي أرض محايدة 
وصديقة». وقيل إن الحوافز التجارية تأتي في المرتبة الثانية» «وبعد ذلك كان 
من الضروري أن يكون هناك أكبر عدد ممكن من الكابلات البديلة». ويجب 
السماح لها باتباع الطرق العادية التي تؤيدها الاعتبارات التجارية. ولم يكن 
من المستغرب في أواخر القرن التاسع عشر أن يتتامى في أوروبا الشك في 
المصالح المالية البريطانية. ذلك الشك الذي كان موجودا منذ البداية. وتساءل 
صحافيون باريسيون العام :١18414‏ هل سيكون أمن الدول الأخرى في مأمن إذا 
ما سيطرت بريطانيا على كل مصادر المعلومات؟ 

وخارج أوروبا كان للتلفراف تأثير وحدوي قوي عبر الأراضي النائية. حيث 
كان يحمل عددا من الرسائل لكل ميل يفوق نظيره في أورويا. فمشلا بعد أربعة 
أعوام من افتتاح خط تورنتو-موبيك. كان هذا الخط يحمل ضعف عدد الرسائل 
لكل ميل مقارنة بالخطوط البريطانية: وفي أستراليا أعلن حاكم ملبورن 
(أرغوس) العام 1804 أنه «بالنسبة إلينا نحن المستعمرين القدامى الذين تركنا 
بريطانيا منذ وقت طويل نجد بهجة في التفكير في هذا الاختراع الذي يمثل 
أفضل الاختراعات الحديثة... فليس هناك شيء أكثر كمالا من هذا الاختراع. 
وقد بدأنا بالفعل نتساءل هل بقي للأجيال اللاحقة ما تضيفه إلى سجل إنجازات 
العقل الإنساني...؟ هيا نبدأ من الآن في نشر التلغراف الكهربائي». 

وفي خمسينيات القرن التاسع عشرء حتى قبل الحركة الكبيرة نحو 
الغرب: كانت الولايات المتحدة تفخر بإنجازها في مجال التلغراف. وهو ما 
تعبر عنه أغنية شعبية تعود إلى العام :187٠‏ 





عمليات وأنماط 


«لقد منحنا آباؤنا الحرية ولكنهم أبدا لم يحلموا 
بالنتائج الكبيرة التي تلت عصر البخار العظيم 
فالجبال والبحيرات والأنهار جميعها أصبحت شعلة نار 
إننا الآن نرسل أنباءنا بالضوء على السلك التلفرافي». . 
وبحلول العام :١1647‏ كان هناك أكثر من ألف ميل من خطوط التلفراف؛ 
منها 15١‏ ميلا بين نيويورك وبوفالوء وضي العام 1454 اكتمل الخط التلغراضي 
بين نيويورك وسان فرانسيسكوء وبنهاية الحرب الأهلية؛ التي حفزت شركات 
التلغراف وبخاصة مشروعات شركة الاتحاد الغربيء كان في الولايات المتحدة 
7" ألف ميل من خطوط التلغراف. ا 1 
وبعيدا عن المساعدة في تشييد أول خط تلغرافيء لعبت حكومة واشنطن 
دورا صغيرا في هذه القصة التي كانت متروكة للقطاع الخاص غير المنظم؛ 
مع تصادم قوى السوق بقوة في السنوات الأولى؛ مما سمي «التوسع المتهور». 
ووفقا لمؤرخ المشروعات الأمريكي تشاندلرء مؤلف الكتاب المهم «اليد المرئية» 
)١ 91/7‏ كانت شركات التلغراف المتنافسة:؛ التي تكونت في ذلك الوقت»؛ أول 
مشروعات حديثة تظهر في الولايات المتحدة. ومع ذلك فمن المنافسة بين 
الشركات الكثيرة جاء احتكار القلة مع بقاء شركات قليلة تنافس بشكل غير 
كاملء: ومن احتكار القلة جاءت محاولات الاحتكار. 
إن شركة الاتحاد الغربي العملاقة. التي كانت تتمتع بمزايا كبيرة في الإيجار 
وبعض الامتيازات: واستفادت من تحالفاتها مع أصحاب المصالح في السكك 
الحديدية, أكدت أن الاحتكار شيء طبيعي. وبين العامين 181١‏ و1850, ارتفعت 
أرباحها حتى في السنوات التي عانت فيها قطاعات رئيسية في الاقتصاد 
الأمريكي الكساد. وازداد عدد مكاتبها من 5917 إلى 19587 أكبرها في 
نيويورك. الذي كان يضم 454 من عمال التلغراف في صالة عمليات ضحمة. كان 
توماس إديسون (/!144 - .)١1991‏ أشهر المخترعين الأمريكيين؛ قد بدأ عمله 
الطويل عامل تلغراف في مكتب الاتحاد الغربي ببوسطن العام 1818. 
وفي العام :كان 6١‏ من حجم الرسائل في أمريكا في أيدي شركة 
الاتحاد الغربي: وقد كان من الممكن التخلص من نقاد الاحتكار» على رغم أنهم 
كانوا موجودين باستمرارء طبقا لقاعدة أنه وفقا للقانون يجب أن يدار العمل 
في هذا المجال من جانب منظمة ضخمة واحدة. ومورس نفسه تمنى من 





التاريخ الاجتماعي للوسائط 


البداية أن يتشكل من شبكة التلفراف كل كبير واحد مثل هيئّة البريد. وضفي 
العقود الأخيرة من القرن حدث مزيد من التأييد للاحتكار. فهو وحده يجعل 

من الممكن إجراء البحوث الإبداعية الضرورية. 

لم يكن هناك نقص في هذا الجانب وهو البحوث الإبداعية؛ فمع تطور 
الخط المزدوج؛ أمكن استخدام خط تلغرافي واحد لنقل رسالتين في اتجاهين 
متقابلين» وفي العام 1474: عندما ابتكر إديسون الخط الرباعي ضاعف هذه 
السعة مرة أخرى. وبعد ذلك بخمسة أعوام حدث إضراب تلغرافي قومي كبير 
نظمته أخوية عمال التلغراف في الولايات المتحدة وكنداء لكن الاتحاد الغربي 
نجح في كسره. إن التحدي الأساسي أمام مشروعات التلغراف لم يكن ليأتي 
من العمال؛ وإنما من تطور التلفون خارج حظيرته. 


التلفون 

قبل ذلك بعدة سنوات؛ وتحديدا في مارس 146756, بدأت قصة التلفون, 
الذي أصبح أداة للاتصالات الخاصة والعامة. عندما سجل ألكسندر غراهام 
بل (1977-18417) المخترع الأمريكي المولود في إسكتلند! براءة اختراع 
التلفون؛ وهي كلمة استخدمت أول مرة العام 1747 للاشارة إلى طريقة 
اتصال سمعية صرف. في العام /1877, اكتشف الأمريكي بيدج أن تفييرات 
متسارعة في مغنطة الحديد أنتجت نفمة موسيقية. أي موسيقى جلفانية, 
وقد استخدم بعض المجربين الذين تبعوه طبلة لزيادة مخرج الصوت. ومن 
أبرزهم فيليب ريس مدرس فرانكفورت الذي زعم أنه أرسل كلاما مفهوما. 

إن هذا ما يبدو زعما طموحا للفاية؛ فإذا كان الكلام قد جرى استقباله. 
فمن المؤكد أن ذلك حدث بالمصادفة لفترات قصيرة: بل كان بمقدوره فقط أن 
يزعم بحق أنه جعل التلفون يعمل حيث قدم عرضا له في المعرض المتثوي في 
فيلادلفيا العام 1,؛ وأصبحت مكالمته التلفونية الأولى مع شريكه توماس 
واطسون واحدة من الرسائل التي أصبحت فولكلورا : «سيد واطسونء تعال 
إلى هناء فأنا أريدك». وضي بريطانيا أيضا كان هناك عنصر الفولكلور 
التلفوني الملكي, فالملكة فيكتورياء التي أرسلت إلى بل ليحضر ليقدم نفسه لها 
في العام 71 » استمعت باهتمام إلى كيت فيلد يغني «ادخل أيها السيد 
الفجري». حول ما وصفته بأنه «نموذج التلفون الرائع» الذي أحضره بل معه. 


عمليات وأثماط 


قيل في العام ١877‏ «إنه ليس من حاجة إلى التلفونء فالمجتمع يسير 
جيدا من دونه» ولكن هذا التعليق» الذي لم يكن من الممكن إصداره حول 
التلغرافء تعليق مضللء فالتلفون الذي قوبل في البداية بنوع من الشك؛ 
أصبح في القرن العشرين ضرورة لكثير من الناس؛ سواء في أماكن العمل أو 
في المنازل ‏ وفيما بعد في الشوارع عن طريق التلفون المحمول. وهو ما يؤكده 
تعليق مجلة «مدءنعسخ عتانمعك 2,5 العام 188١‏ أن «التلفون يؤذن بتنظيم 
جديد للمجتمع؛ وهو حالة جديدة يكون فيها بمقدور أي فرد مهما كان 
معزولا أن يتصل بأي فرد آخر في المجتمع: وهو ما يؤدي إلى توفير كثير من 
التعقيدات الاجتماعية وتعقيدات المشروعات. واختزال عدد عمليات الذهاب 
والإياب غير الضرورية». 

لقد قرر أستاذ هندسة أسترالي بجامعة ميلبورن في كلمة العام /1851 أنه 
«لو فرض وقدم في العام 87 نبوءة بالإنجازات المستقبلية... فمن بين كل 
الاختراعات لم يكن أحد ‏ حتى الأذكياء ‏ ليصدق نبوءة التلفون». أما السير 
ويليام تومسون: العالم الإسكتلندي الذي أصبح فيما بعد اللورد كيلفين 
(16017-1474): فقد وصف التلفون بعد تجريب تلفون بل في فيلادلفيا التي 
كان يعمل بها محكما في المعرض المثوي, بأنه «أروع شيء صادفه في أمريكا». 

وتومسون الذي كان من أوائل الناس في بريطانيا الذين ركبوا مصابيح 
إضاءة كهريائية في منازلهم: عاد إلى بريطانيا وفي حوزته اثقان من تلفونات 
بل عرضهما العام 141 هو والسير ويليام بريس (874١-15115)؛‏ وهو 
شخصية رئيسية في تاريخ هيئة البريد وأصبح لاحقا كبير مهندسيهاء أمام 
أعضاء الجمعية البريطانية لتقدم العلوم. وضي هذا العام نفسه. نقلت 
صحافية أمريكية تعمل لحساب بل افتتاح البرلمان. وفي أستراليا وصلت 
أنباء الاختراع الجديد إلى سيدني وملبورن في العام نفسه عن طريق الكلمة 
المكتوبة. وذلك من خلال مجلات «ععمعك5 02 210ه117 لمة عتمقطءء81 طدتاعمظ 
وعالنامعلء5 موعلتعمرث». وضي الحال بدأ الأستراليون في إنتاج تلفونات 

وضي العام 1670: فكر بل؛ الذي كان يعمل في السابق في مجال صعوبات 
تعليم الكلام للصمء: في إرسال الكلام عن طريق الموجات الكهربائية؛ وفي 
العام غ141 صمم مخطوطة صوتية ‏ وهي كلمة من ابتكار مجرب آخر ‏ على 





التاريخ الاجتماعي للوسائط 


غرار الأذن البشرية. أما جهازه الذي اخترعه العام 14177 وسجلت براءة 
اختراعه في يوم عيد ميلاده في مارس من العام كلامل فقد تقدم بطلب 
تسجيل براءة اختراعه في الرابع عشر من فبراير وهو اليوم نفسه الذي 
تقدم فيه مخترع أمريكي آخرء هو إليشا غرايء لنيل براءة اختراع جهاز 
تلفون. وتلا ذلك دعوى قضائية حسمت لصالح بلء في انتصار كان ومازال 
مثار جدل إلى يومنا هذاء وذلك مرده إلى أن المرسل السائل الذي استخدمه 
بل في رسالته إلى واطسون كان يشبه ذلك المرسل الذي ابتكره غراي. 

ومع ذلك؛ فلم يكن بل وغراي هما المخترعين الوحيدين اللذين برزا في 
هذه القصة المبكرة؛ تلك القصة التي تضمنت ما يسمى الآن تقاربا لتاريخين 
طويلين: تاريخ الصوتيات وتاريخ الكهرباء. في البداية كان الاتصال أحادي 
الاتجاه فقطء. وقد جاء في براءة الاختراع التي نالها بل عن أول جهاز تلفون 
أنه مجرد: «تحسين للتلغراف». ومن الجدير بالملاحظة أنها لم تشر إلى الكلام 
على وجه الخصوصء ولكن سرعان ما جرى التغلب على هذا العيب الفني في 
العام 1411, ولذا فقد جاء الكلام متضمنا في براءة الاختراع الثانية التي 
نالها بل وعلى ذلك قررت النشرة التمهيدية الأولى لشركة «بل للتلفونات» من 
دون لبس في يوليو من العام //14817 أن «التلفون يتحدث بالفعلء وأنه لهذا 
السبب يمكن الاستفادة منه في كل الأغراض التي يوظف الكلام من أجلها». 

وفي هذه القصة برزت المشروعات أيضاء حيث حدث تقارب بينها وبين 
التكتولوجياء فبعد أن فشل بل في كسب تأييد ويليام أورتون رئيس شركة 
الاتحاد الغربي أسس في العام /ا/41١‏ شركة خاصة؛ تحولت بعد ذلك بثلاثة 
أعوام إلى شركة عامة باسم «شركة بل الوطتية». وعندما أدرك أورتون خطأه 
الفادح توجه يحدوه الأمل إلى إديسون؛ مخترع المخترعين, طالبا التوجيه 
الفنيء ضي الوقت الذي كان إديسون قد أنتج فيه جهاز إرسال“كريوني ناجحاء 
وهو ما جعل بل يفكر في رفع دعوى قضائية؛ ولكن جرى التوصل إلى اتفاق 
خارج المحكمة في نوفمبر 14175 استفاد منه غراي أيضا بشكل متواضع. نص 
الاتفاق على أن تكون «شركة الاتحاد الغربي» هي الصانع الوحيد لتلفون بل» 
على أن يترك تشفيل نظام التلفون إلى شركة جديدة تحمل اسم «شركة بل 
الوطنية» يكون باستطاعتها أيضا الاستفادة من كل براءات الاختراع ذات 
الصلة الخاصة بشركة الاتحاد الغربي. 





عمليات وأتماط 


وقد نجح هذا الاتفاق لأسباب عديدة منها: أن شركة بل الوطنية 
استقطبت كمدير عام لها شخصية بارزة مثل تيودور فيل )1570-١810(‏ ابن 
عم أحد مساعدي مورس. كان فيل قبل أن ينضم إلى شركة بل الوطنية؛ يدير 
الشبكة البريدية الحديدية الأمريكية» وتحت قيادته الفعالة نمت فوة الشركة: 
ونجحت في الدفاع عن كل حقوق البراءة الخاصة ببل؛ التي تعرضت لما لا يقل 
عن ٠٠١‏ اعتراض قبل أن تنتهي في العام 57 .. وفي أثناء سريان هذه 
الحقوقء تمتعت شركة بل الوطنية بنوع المزايا الملشروعاتية نفسها التي تمتع 
بها بولتون وواط قبل ذلك بقرن. أما بل الذي أصبح الآن من الأثرياء. فقد 
ظل حتى وفاته العام 1977 مهتما بكل أوجه تطور التلفون وأشياء أخرى كثيرة 
في مجال الاتصالات عن بعد. 


3 





























الشكل )١5(‏ «ناسجات الكلام»: إعلان لشركة بل للتليفون يعتمد على استعارات من «ماض أسطوري ومستقبل 
تكنولوجي وتجاري». وفي الصورة رقصة النسج على أنفام فاغنرية [ نسبة إلى الموسيقار فاغنر] ولحة إلى 
الشبكة العنكبوتية العائية. 


ملاعم 


أثبت بل منث البداية أنه أكثر من مخترععء إد كان صاحب «رؤية» قدمها 
للعالم» وهو ما سيفعله فيل بعد ذلك. فبعد أن زار بل بريطانيا العام 2141/7 
شرع فيما أسماه «نظاما ضخما»» شيء ماقد يبدو مثاليا. وهو «شبكة عالمية 























التاريخ الاجتماعي للوسائط 


مفاتيح ومراكز تلفون [ سنترالات]؛ إلى جانب إجراء تحسينات ضرورية في 
إرسال الكلام. وعلى رغم أن هذه الاختراعات جاءت بسرعة كبيرة (أول لوحة 
مفاتيح في نيوهافين العام 14174: وافتتح أول سنترال في شارع كوئان بلندن 
العام 1474 فإن التلفون استغرق وقتا لكي يكون في متناول الأسر العادية. 
على أن نظام الترقيم لم يظهر إلا في العام ١88١‏ على يد طبيب من مدينة 
لويل؛ تلك المدينة التي كان لها ذات مرة صولة في تاريخ الاتصال. في حين أن 
استخدام القرص التلفوني لم يصل إلا العام 18697 (في مدينة ميلووكي). 

أما التحويل الميكانيكي الذي اقترن باسم ستروجر. صاحب مشروعات من 
مدينة كنساسء فقد أدخل في لابورت في إنديانا العام 184”7: وللمرة الأولى 
أصبح في مقدور المشتركين أن يجروا مكالمة من دون مساعدة عامل التلفون, 
ومع ذلك فقد كان إدخال السنترالات الميكانيكية بطيئا حتى في الولايات 
المتحدة ذاتها. أما ضي بريطانياء وخارج مدينة لندن التي رُكٌب فيها أحد 
سنترالات ستروجر العام 1841ء فلم يكن هناك سوى سنترال واحد من النوع 
السابق نفسه في «إبسوم سيري» القريبة من مضمار سباق «ديربي». ركب في 
مايو 1414. وفي وقت لاحق من العام نفسه؛ ركب نظام مماثل في مدينة 
دارلئغتون» ذات الشهرة في مجال السكك الحديدية. 

في سنوات التلفون الأولى: قرنه الكثيرون بالترفيه الذى يقدم لجمهور 
مبعثر. أو الذي يحدث بين نقطتين (الاتصال من فرد إلى آخر). ولهذا السبب 
فإن التلفون سيبرز أكثر من التلفراف في تاريخ ما قبل البث. ومع ذلك؛ فإن 
اقترانا مماثلا حدث قبل ذلك بين الترفيه والتلغرافء. من ذلك فقرة الأنياء 
الكاذبة التي وردت في صحيفة «08مد2». والتي كانت أغنية أرسلت بالبرق من 
بوسطن إلى نيويوركء؛ ومن ذلك أيضا ما تنبأت به صحيفة «ععدنةل2» العام 
1 حول «إمكان الحصول في المستقبل على موسيقى الفالس أو موسيقى 
راقصة مرحة أو أي نوع آخر من الموسيقى يحلو لك عن طريق دفع اشتراك 
لأحد رجال الأعمال الذين سيعملون فى هذا الميدان». 

ومن نيوءات صحيفة حضهه تاطتامع ع 4م في العام 1817 أنه عن 
طريق التلفون يمكن بث كل موسيقى مغنية الأوبرا الأولى في الدولة وهي 
تغنيء وهو ما يمكن أن يساعد في نشر الموسيقى الجيدة إلى درجة لم نعهدها 
من قبل. وبعيدا عن هذه الصحيفة. في سويسراء بث مهندس في العام ١41/6‏ 





عمليات وأتماط 


تسجيلا لإحدى أوبرات دونيزيتي. وبعد طريق طويل شهدت المجر أكبر 
مشروع لاستخدام التلفون في الترفيه على يد المخترع المجري تيودور 
بوشكاش؛ الذي عمل لحساب شركة إديسون: والذي عرض مشروعه في 
معرض الكهرباء في باريس العام :144١‏ وحصل في العام نفسه على حق 
احتكار تطوير التلفون في المجر. 

كان يساعد بوشكاش صديقه العبقري نيقولا تيسلا :)١19517  1١807(‏ وهو 
من رواد الكهرياء. وخاصة استخدام التيار المترددء وهو شكل الطاقة الذي 
كان يفضله ويستنفهاوس. كان تيسلا المولود في كرواتيا عادة ما ينخرط في 
جدل حول مزايا الأجهزة الكهريائية: في حين اعتمد رائد آخر من رواد 
الكهرباء هو الكاتب الأمريكي بارك بنيامين على البلاغة في كتابه «عصر 
الكهرياء» (/1841) عندما وصف الاستخدامات المتعددة للكهرباء بأنها «بالفعل 
لا تحصى»؛ منها استخدامها الضروري فيما عرف فيما بعد بالبث؛ الذي 
«سوف يحمل أصواتنا لمئات الأميال (كان البث في ذلك الوقت أبعد ما يكون 
عن أداء ذلك)» وسوف يسجل الانتخابات التى غيرت مصير هذه الأمة 
العظيمة أو ينشر آخر الأغانى الشعبية». 00 

هذا ما كان بوشكاش ينتوي عمله عندما افتتح في بودابست العام 1١857‏ 
(وهو ما أكمله أخوه) إذاعة تلفونية قدمت للمشتركين بالفعل أول نظام بث في 
العالم. فعن طريق تزويد المشتركين في المنازل بأسلاك مرنة وسماعتين 
مستديرتين ملساوين» قدم بوشكاش برنامجا يوميا من المواد التي يمكن 
للمشتركين أن يستمعوا إليها. تضمن هذا البرنامج نشرات إخبارية وقراءات 
موجزة للصحف وتقارير البورصة ومحاضرات وأنياء رياضية و«زيارات 
للأويرا»» إلى جانب ذلكء كان هناك برنامج أسبوعي للأطفال ومحاضرات 
لغوية في اللغات الإنجليزية والإيطالية والفرئسية. 

كلمة «00ههمة11» (إذاعة) كلمة لها تاريخ فهي تترجم إلى «مذيع أنباء» 
وتستدعي الكلمة القديمة «منادي المدينة». وكان البرنامج اليومي الذي يذاع 
على المشتركين يعلن عما سيقدم في المستقبل. وريما بسبب فكرة الجدول 
التي استخدمها بوشكاش رأى أرثر ميء وهو من أوائل الكتاب الإنجليز الذين 
كتبوا حول عمل هذه المحطة؛ والذي أصبح في العام ١40‏ محرر «صحيفة 
الأطفال». أن المحطة صممت على غرار السكك الحديدية: وأطلقت مجلة 





التاريخ الاجتماعي للوسائط 


«الاختراع» عليه اسم «برنامج». كانت رؤية مي عالمية «فإذا لم يكن من 
المستبعد ‏ كما يقال أن يطبق مبدأ الصورة على التلفون إلى جانب مبدآً 
الصوت في المستقبل القريب؛ فإن الكرة الأرضية سوف تتحول بالفعل إلى 
جنة؛. وسوف تفقد المسافة تأثيرها بل ستلفى تماما». لم يزد عدد 
مشتركي محطة بوشكاش في العام ١5٠١‏ على عددهم في العام ١841‏ 
٠0‏ مشترك). ولكنها بقيت حتى اندلاع الحرب العالمية الأولى. 

كانت هذه الخدمة المجرية أكثر طموحا ونجاحا بكثير من مثيلتها 
البريطانية التي كانت تقدم عن طريق شركة «عمهمطمممان»81» والتي كانت تنقل 
في العام 1884: نظير اشتراك سنويء. عروضا من المسارح والحفلات 
الموسيقية. وحتى خدمات الكنيسة:؛ وكان أبرز الكهنة هم الذين يقدمون 
العظات. كانت المحطة المجرية كذلك أكثر طموحا ونجاحا من مشروع أمريكي 
بدأ بعد سبعة أعوام من توقف «شركة لندن» العام :١15١4‏ وهو 
1165810 عممطامعاء1» في نيوارك بنيوجيرسي. وفي فرنسا أيضا انهار عديد 
من برامج المسرح الصوتية؛ على رغم اهتمام مارسيل بروست,. التي سبقت 
إلى كثير من الاستخدامات الأخرى للتلفون. وفي الوقت الذي كان يتطور فيه 
تلفون المتعة كوسيلة ترفيه (كان يرى فيه بعض المعلقين «مجرد» لعبة)» كان بل 
محقا في التنبؤ بأن «الاستخدامات الجادة» للتلفون سوف تسود . لقد كانت 
بصيرته النافذة دائما في مقدمة التكنولوجيا الحالية. 

وعلى رغم اختلاف نظام التلفون وقاعدة مشتركيه عن نظام التلغراف. فإن 
الحكومة البريطانية: بدعم من المحاكم, قررت في العام 1880 أن التلفون؛ وفقا 
لقانون التلغراف في العام 1414: هو تلغراف. وقد جاء هذا القرار بعد الاندماج 
بين شركتي «بل البريطانية» و«إديسون البريطانية»؛ وهو الاندماج الذي شجع 
هيئة البريد. مدعومة بأصحاب المصالح الأقوياء في مجال التلغراف؛ على 
محاولة السيطرة على كل نشاط التلفون في بريطانيا. وقد جرى تشغيل النظام 
من خلال نظام ترخيص يلزم الشركات المرخص لها بدفع رسوم على أعمالهاء . 
ولكن هيئّة البريد احتفظت لنفسها بيعض السنترالات؛ كما كان هناك كذلك عدد 
من شركات التلفون المحلية مثل «11011» وهي أطول هذه الشركات عمرا. وقد 
حققت كبرى الشركات المرخص لها وهي شركة التلفون الوطنية ما يشبه 
الاحتكارء قبل أن تستولي عليها هيئة البريد بالكامل في العام 1517. 





عمليات وأتماط 


وفي هذه الأثناء كان نظام الترنك قد تطور ببطء هو أيضاء وازدادت 
الاتصالات الدولية؛ ضفي العام 184١‏ افتتح الربط المائي بين إنجلترا وفرنساء 
ولكن لم يتحقق الربط القومي الكامل إلا بعد ذلك بأربعة أعوام. وعبر المحيط 
الأطلنطي؛ اكتمل في العام 14 أول خط مسافات طويلة بين بوسطن ولويل؛ 
وفي العام 1657 كانت هناك خطوط مفتوحة بين نيويورك وشيكاغوء وضي 
العام 151 بين نيويورك وسان فرانسيسكو. وثمة اختراعان أمريكيان. مرشح 
الموجات وملف الشحن: ساعدا في جعل هذه الاتصالات أكثر اقتصاداء ومما 
يقال في هذا الصدد إن إحلال المكبرات أو المكررات الإلكترونية محل المكررات 
الكهرياتية الميكانيكية كان بمنزلة إعلان عن مولد عصر جديد . 

إذا قارنا بريطانيا بالولايات المتحدة (وكندا) فإننا نجد التقدم في توسيع 
استخدام التلفون في بريطانياء التي قادت العالم في صناعة الكابلات وفي 
دول أوروبية أخرىء بطيئًا. خضي العام ١4١"‏ لم يكن هناك. كما قررت 65تهأ1: 
إحساسا بأن التلفون سيكون شيئا يهم الملايين. بل مجرد إحدى وسائل الراحة 
للموسرين وأداة تجارية للأشخاص الذين يستطيعون تحمل نفقاتهاء في حين 
كانت الأغلبية الساحقة من السكان لا يستخدمونه؛ اللهم إلا باستثناء بعض 
الرسائل القليلة من مراكز التافون العامة. حتى أنه قبل ذلك بعام قال وزير 
المالية إن العقل الريفي لا يتقبل الاتصال التليفوني, في حين أنه في كندا 
والولايات المتحدة وأستراليا كان أعلى طلب على التلفون في المناطق الريفية. 
لقد كان انقضاء حقوق براءة بل في مصاحة الاستفادة التجارية؛ فبعد العام 
ظهرت الشركات المستقلة ضفي الصورة مع التوسع الكبير في استخدام 
التلفون: وكانت الدلائل في ذلك الوقت تشير إلى أن استخدام التلفون كان 
يسهل اللامركزية ويمكن الأسر المبعثرة من الاتصال بعضها ببعض بسهولة 
أكشر. ويجعل حياة المزارع أقل انعزالا. ويغير طرق التسويق والممارسة الطبية 
والسياسة والصحافة. وإضافة إلى ذلك. غير استخدام التلفون العادات 
الاجتماعية: ليس فقط للنساء اللاتي سرعان ما اكتشفن في التلفون وسيلة 
للثرثرة. وهو ما ينب بالفعل عن أن «لغة وثقافة التلفون» كانت تنبثق. 

كان التنبؤ الشعبي شي الولايات المتحدة وكندا أكثر نشاطا وحيوية من أي 
دولة أخرى؛ على رغم أن كثيرا منه لم يكن في ذكاء تنبؤات بل وفيل؛ حتى 
أنه قبل عام من انضمام فيل إلى شركة بل العام 14178 كتبت مجلة 





التاريخ الاجتماعي للوسائط 


ضوع[ [طتامع؟1 2610عملءم5 «لقد أصيحنا على ألفة كبيرة بالإضافات الجديدة 
والمدهشة لقوة التلغراف إلى درجة أنه لم يعد هناك شيء يبدو مستحيلا في 
رأيناء وأنه ليس هناك مبرر للشك في تأكيد بل على أنه أوشك أن يتمكن من 
إرسال صوته عبر الأطلنطيء؛ وأن يتحدث مع أناس يبعدون عنه ٠٠١‏ ميل كما 
لو كان في الغرفة المجاورة لهم». 
وكما سيحدث بعد ذلك في تاريخ الإنترنت؛ عبر الكثيرون على كلا جانبي 
الأطلنطي عن الخوف من أن تصبح «الحقيقة» في خطرء وحتى قبل ذلك 
اشتكت مجلة «طءعصدا©» من «الأكاذيب» التلغرافية: وليس التلفونية: 
«يالها من أكاذيب مروعة تلك التي تنشرها الأسلاك الكهرباتية 
ويا لهزات هذه الأسلاك. إنها زيف في زيف " 
الحقيقة أن أشكال التسلل من جانب البريد كانت أبطأً 
مقارنة بالأخبار المباشرة التي تشبه القفزات الضوثية 
التي تجعلنا نصدق ما لا يستحق التصديق». 
وفي العام 1507: كان ويلز أكثر دقة عندما قال إن «رجل الأعمال يمكن أن 
يجلس في بيته... ويحكي من الأكاذيب ما لا يجرؤٌ على كتابته». 
لم يكن ذلك هو خط النقد الوحيدء ضغالبا ما كان يجري الهجوم على 
تطفل التلفون على المنازل: كما سيقال عن تطفل التلفزيون بعد ذلك بعقود . إن 
السب عبر التلفون طرح قضايا أخلاقية مثل: هل يجب اعتباره جريمة؟ إن 
جريمة التلفون كانت تنتزع من سياقها. وفي العام 15-1: نشرت «المجلة 
الكونية» مقالا يستبق المقالات التي ستكثر بعد ذلك بقرن تقرييا حول 
الإنترنت بعنوان «شركات التلفراف والتلفون [وكانت تعامل هنا باعتبارها 
شركات متلازمة وليست متتافسة] يجمعها تخالف إجرامي للقضاء على 
المنافسة». ولم يكن من الغريب أن ينظر إليها نقاد آخرون باعتبارها حليفة 
للبوليس»؛ وعادة ما كانت تتعايش فئتان متقابلتان من الآراء حول مثل هذه 
القضاياء وهي سمة مآلوفة لعصر البث وما تلاه. 
كان هناك؛ على رغم ذلكء اتفاق على أن التلفون «حليف الصحافة» 
والنظم المصرفية والبورصة. حيث استدعيت الأخيرة لتوفير رأس ال مال 
الضروري لتطوير أنظمة التلفون. ومنذ فترة مبكرة: في أبريل العام /ا/ا2141 
وهو الوقت الذي كان فيه سماسرة بورصة نيويورك يستخدمون الوسيط 








عمليات وأنماط 


الجديد,ء بّثت رسالة أنباء تلفونية تتعلق بواحدة من محاضرات بل باعتبارها 
فقرة إعلانية من محطة «ساليم» إلى صحيفة «.ء0106 «ه:2805». وبالمثل في 
لندن أنشأت 11265 منذ وقت مبكر (تحديدا )188٠‏ ريطا تلفونيا مع مجلس 
العموم من أجل تضمين تقرير مناقشات آخر الليل في طبعات اليوم التالي. 
وبحلول العام :15٠١‏ أصبحت الصحافة الجماهيرية اليومية في الولايات 
المتحدة تعتمد على الاتصال التلفوني أكثر من الاتصال التلفرافي. وفمر فرنسا 
كان هناك تركيز مختلف, فا مقابل الفرنسي لكلمة «مركز تلفون» كان 
«سنترال». وهو ما يكشف عن معالجة مختلفة تماما عن المعالجة الأمريكية ' 
و(البريطانية) في النظر إلى ما سيجري اعتباره شبكة؛ فحتى وقت متأخر١‏ 
(تحديدا العام ؟197١)‏ كان يقال إن باريس تزدري التلفون «فبعد نصف فرن 
تقريبا من اختراعه ظل التلفون أداة تقتصر في الأساس على المهنيين». 

كانت الولايات المتحدة العام ١٠٠١‏ تسبق كل الدول الأوروبية قاطبة وبفارق 
كبير في انتشار التلفون. وكان معدل انتشاره تلفونا واحدا لكل ستين شخصاء 
وكانت السويد هي الأولى بين الدول الأوروبية بمعدل انتشار تلفون لكل 5١0‏ 
شخصاء في مقابل تلفون لكل ١7١7‏ شخصا فى فرنساء وتلفون: لكل 590/4 
شخصا في روسيا. وفي العام 104: كان في مانهاتن 1,5 تلفون لكل مائة 
شخص.ء في مقابل 4 تلفون لكل مائة شخص في لندن. كان الدفع الدينامي 
الأمريكيء الذي عبر عنه عنوان مقال نشر في مجلة «81001056»: «تلفونات 
للملايين», يأتي من الشركة الأمريكية للتلفون والتلغراف «8141» التي ظهرت 
إلى الوجود في نيويورك العام ١4/5‏ كشركة شبكية طويلة المسافات تابعة 
لشركة بل الوطنية التي تمركزت منذ البداية في بوسطن: وفي حركة خيالية 
(بمعنيين) في العام ١445‏ أصبحت شركة 478:1 هي الشركة الأم وأصبحت 
في نيويورك الفروع الرئيسية. وبالمثل استوعبت هذه الشركة شركة أخرى من 
شركات صناعة الأجهزة الكهربائية وهي الشركة الغربية للأجهزة الكهريائية 
في عملية تراكمية بدأت العام .184١‏ 

كان طموح فيل منذ البداية أن يسيطر على ما اعتبره «النظام العصبي» 
للمشروعات والحياة الاجتماعية الأمريكية من خلال ما أدرك أنه سيكون 
احتكارا منظما من جانب الدولة. فالعمليات المحلية يمكن: بل يجب. نزع 
مركزيتها وأن تنفذ من جانب أصحاب التراخيصء ومع ذلك يظل التكامل 





التاريخ الاجتماعي للوسائط 


ضروريا. وعندما عاد فيل إلى شركة 478:1 العام :16٠١‏ بعد أن كون ثروته 
من خارجهاء تولى رئاستها العام :١16١1‏ وبعد عامين تمكن فيل من شراء 
شركة الاتحاد الغربي وهي شركة التلفراف الرئيسية. كما أحكم فيل السيطرة 
على تمويل شركات الترخيص. 

ازداد عدد شركات الترخيص بدرجة ملحوظة بعد بدء حقوق براءة بل 
العام ”164: ولكن حدثت أيضا زيادة في عدد شركات التلفون المحلية المستقلة: 
حيث بلغ عددها /ا4 شركة العام 1844: وأكثر من ثلاثة آلاف بعد عشر 
سنوات؛ كثير منها في الغرب الأوسط. وفي العقد الثاني من القرن العشرين 
كان فيل ماكرا في الاستفادة من زيادة الاقتناع العام بأن المنافسة قد تكون 
مدمرة إذا كانت الخدمة العمومية هي الهدف. وهو ما اتضح في قرار المحكمة 
العليا لولاية كنساس العام 1516 بأن «وجود نظامين تلفونيين يخدمان الجمهور 
نفسه يضع [كان من الأفضل أن تستخدم عبارة «يمكن أن يضع»] عبئًا غير 
ضروري على المجتمع. حيث يسبب حزن القلب وإغاظة الروح». 

ومع ذلك؛ وبصرف النظر عما يمكن أن يكتبه فيل حول أهمية سيطرة 
الدولة أو التنظيم: كانت هناك اعتراضات أمريكية قوية على المستويين المحلي 
والقوميء داخل الحكومة وخارجهاء ضد احتكار شركة 478:7 كبديل عن 
المنافسة. وفي العام ,15١١‏ أعلنت الجمعية الوطنية لشركات التلفون المستقلة 
التي أسست العام 1857: «إننا لا نطالب الحكومة بأن تخوض معاركنا نيابة 
عناء ولكننا نطالب بالحماية من طرق الصراع الوحشية غير القانونية والمدمرة 
من أجل المصلحة العامة». كان غيل في هذا الصراع., من النوع الداروني من 
أجل البقاء. يتمتع بميزة نسبية؛ وهي أنه كان يؤمن بالبحث على خلاف كثير 
من الشركات المستقلة. وبعد جيل من انتهاء براءات بل الأصلية؛ وفي العام 
0 ,وانشاً شركة «1260180325 عدوطام1616 28611 التي ستحظى بشهرة 
عالمية فيما بعد. 

وفيما يتعلق بمسألة الاحتكار. جرى في العام ؟١11١‏ التوصل إلى تسوية 
بين المداخل التي بدت مختلفة جذريا نحو قضايا شائكة. تطبيقية ونظرية, 
وهي التسوية التي أعيد تأكيدها بعد الحرب العالمية الأولى في قانون غراهام 
العام .197١‏ ففي العام 1917 تخلت شركة 418:17 عن شركة الاتحاد الغربي, 
وجعلت خطوطها الطويلة متاحة للشركات المستقلة في مقابل ضريبة» ووافقت 





عمليات وأنماط 


على العمل مع لجنة التجارة بين الولايات: وأن تحصل على إذن مسبق قبل 
افتتاح أنظمة تلفون جديدة. وفي مقابل ذلك: استثنى قانون غراهام شركة 
4747 من تدابير قانون مناهضة الاحتكار. وعلى رغم أن شركة 818:1 ظلت 
تواجه عداوة من خصوم الاحتكار وعلى رغم أنها أخضعت بداية من العام 
9*4 للمساءلة المنتظمة من جانب الوكالة الفدرالية للاتصالات «©80): 
فإنها كانت في عشية اندلاع الحرب العالمية الثانية تسيطر على 87 من 
إجمالي تلفونات الولايات المتحدة و58“ من الأسلاك طويلة المسافات. كما 
حققت احتكارا كاملا لتلفون الراديو عبر البحار. لقد كانت هذه الشركة 
بالفعل أضخم شركة في التاريخ. 

كانت هناك أمثلة مشابهة عبر البحار. حيث كانث دول مختلفة تتقدم 
ببطء نحو غاية «الخدمة العمومية». كما فعلت في تطوير نظمها البريدية؛ 
ولكن هذه الدول كانت تعتمد كلية على هيئات البريد بها في فرض سياسة 
الاتصالات عن بعد. وعلى رغم أنه بعد العام 191 استمر عدد التلفونات 
لكل ألف شخص في الزيادة؛ باستثناء فترة الكساد الكبير والحرب العالمية 
الثانية» فإنه في الخمسينيات فقط أصبحت هذه الزيادة تمثل نزوعا 
اجتماعيا رئيسيا. 

وفي بريطانيا تكونت في العام ١474‏ «جمعية تطوير التلفون» التي نفذت 
حملات إعلائية. ولكن على الرغم من الزيادة +٠‏ في معدل التأجير من 
هيئة البريد والزيادة “0٠‏ في مكالمات الترنك, فإن معدل انتشار 
التلفونات ظل 7١‏ تلفونا فقط لكل ألف من السكان في العام ١978‏ 
مقارنة ب١16‏ تلفونا في الولايات المتحدة. وبال مثل كانت التكنولوجيا في 
الأولى متخلفة عنها في الأخيرة؛ فعلى رغم استمرار ما سمي «الأتمتة 
المطردة» ه0ه2نقصدمانج نزلدء)5 خلال الثلاثينيات: لم يكن هناك نظام قومي 
للطلب حتى في العام /197. 
اللا سلكى 


ارتبط التاريخ المبكر لللاسلكي بالتلغراف أكثر من ارتباطه بالتلفون؛ على 


التاريخ الاجتماعي للوسائط 


هيئة البريد البريطانية التي أدت إلى إنشاء هيئة الإذاعة البريطانية؛ أن 
التلفون يمتلك كلا من خصائص الخطابات والصحف. فيمكن أن يكتسي 
السرية... أو يمكن بثه للملايين في الوقت نفسه. 
إن التاريخ القابع خلف اللاسلكي طويل: يسبق حتى أعمال العالم الألماني 
هنريك هيرتز (1801 - 1854): الذي أثبت تجريبيا العمل النظري الرائع 
الذي ظهر قبل ذلك بجيل على يد العالم البريطاني جيمس كليرك ماكسويل 
(14891 - 78), والذي صاغ في العام 1814 المعادلات الرياضية الأساسية 
للمجال الكهريائي المغناطيسي. ومن الجدير بالذكر أن كلا هذين العالمين 
توفيا في سن مبكرة. كان أوليفر لودج. الذي ولد في العام 180١‏ وتوفي بعد 
عمر مديد العام :١151+-٠‏ هو الذي أثيت بالدليل العملي الموجات الهيرتزية: كما 
كانت تسمى: أمام أعضاء المعهد الملكي العام 1850 واخترع أيضا ما أسماه 
«ملتحم». وكان مستقبل موجات هيرتزية بأنبوب حفظ حديديء من دون أن 
يدرك الأهمية الاقتصادية لعمله؛ فالملتحم في رأيه كان مجرد أداة تعليمية. 
إلى جانب ذلك. كان هناك رواد آخرون من رواد الراديو في دول أخرى. 
مثل بوبوف )15١05- ١805(‏ في روسيا وإدوارد برائلي (1844 - )١154١‏ في 
فرنسا وأوغستو ريغي )١197١  1800(‏ في إيطالياء ولذلك عندما وصل 
جوغليمو ماركوني 1417١(‏ - 19137) إلى بريطانيا في يونيو 1847 لعرض ما 
' اسماه «تحسينات في إرسال النبضات والإشارات الكهربائية». كتب صحافي 
في مجلة «/لاع1691 [0103111» أن «السيد ماركوني قدم طريقة أخرى لإجراء 
ما كان يجري بالفعل من قبل ليس إلا». وما لفت انتباه الصحافة فقط هو 
«جنسيته وشيايه والمحاولات الظالمة للتقليل من نجاحه». وقد خلص هذا 
الكاتب المجهول نفسه إلى أن «الصحافة يجب أن تدرك أن العلم العملي 
يتقدم سريها إلى الأمام؛ وأن الحضارة تقدمت بعمل المهندسين أكثر من 
كلام السياسيين». 
كان ماركوني في الحقيقة يتحدث. إن لم يكن إلى السياسيين: فإلى 
الموظفين المدنيين والضباط والجنود البحريين إلى جانب العلماء؛ ومنهم كامبل 
سوينتون. نبي التلفزيون الذي تعرف عليه. والذي دعاه للقاء السير ويليام 
بريس الذي كانت له معه محادثة ودية في هيئة البريد. كان أحد الضباط 
البحريين: هو الكابتن هنري جاكسون (فيما بعد السير هنري). قد بدأ بالفعل 





عمليات وأتماط 


في تجريب الراديو بنفسه قبل ذلك بعام باستقلال كبير عن الآخرين. وأجرى 
بعد ذلك مع ماركوني تجارب ميدانية مع الأسطول الإنجليزي مماثلة لتلك 
التي أجراها بوبوف مع الأسطول الروسي. إن الحاجة وليس تقدم العلم هي 
التي كانت تدفعهم, فالشرائح المكسوة بالحديد كانت في حاجة إلى طرق 
إرسال جديدة, وهو ما كانت تحتاجه نفسه «الجياد الحديدية» في السكك 
الحديدية قبل ذلك بجيلين. 

في هذا السياق كان ينظر إلى اللاسلكيء وهو ذروة تاريخ الاتصالات في 
القرن التاسع عشر: باعتباره مجرد بديل عن التلفون السلكيء تماما كما كان 
ينظر إلى السيارات؛ وهي ذروة تاريخ النقل في القرن التاسع عشرء باعتبارها 
مجرد عربات بلا جياد تلزم فقط من لديهم عربات الجياد . تلا ذلك إدراك أن 
الراديو يمكن أن يكون ذا فائدة عملية عبر المحيطات أو القارات ذات المناطق 
السكنية المتنائرة. غير أن حقيقة أن رسائل الراديو المبثوثة (كلها بطريقة مورس) 
يمكن التقاطها من جانب أناس غير أولئك المرسلة إليهم؛ كانت توضع في حساب 
السلب وليس الإيجاب. وبا مثل كانت السيارة من منتجات الرفاهية. ولم يكن أحد 
يتخيل أن توجد سيارة في منزل من منازل الضواحي مخصص لها جراج. تماما 
كما لم يتصور أحد أن تنتشر أجهزة اللاسلكي في مثل هذه المنازل. 

كان غرض ماركوني من زيارة إنجلترا هي أن يحقق نتائكج سريعة؛ وعندما 
أسس شركة التلغراف اللاسلكي والإشارة في العام 18417:, ركز بشكل رئيسي 
على ابتكار جهاز لاسلكي وبيعه لعملاء كبار تجاريين وحكوميين. كما كانت 
تبادل أكثر من مائة رسالة بين الملكة فيكتوريا في قصر أوسبرن على جزيرة 
وايت واليخت الملكي لأمير ويلز خارج كاويز. حيث كان يرقد مريضا. لم يكن 
«راديو» ولم يكن هو الوحيد في ذلك. قفي العام 65إمثلا أكدت مجلة 
«مقاعتناءه81 ع15» أن «الرسائل التي تبحث ليست سوى إهدار للطاقة من 
خلال السفر بإصرار عقيم تجاه الفضاء السماوي». 

إن بريس» الذي كان من الأعضاء المؤسسين لجمعية مهندسي التلغراف., 
تلك الجمعية التى أنشئكت العام ١41/١‏ وغيرت اسمها في العام 1885 إلى 
معهد مهندسي الكهرباء؛ كان حذرا في معالجة الإمكانات المستقبلية لبراءات 


التاريخ الاجتماعي للوسائط 


الاختراع الخاصة بماركوني حتى في السياق الذي وضعها فيه ماركوني نفسه. 
وحتى بعد أن أرسل ماركوني في العام 1445 رسائل عبر القنال الإنجليزي 
إلى فرنساء حذر بريس من أن التلغراف اللاسلكي بشكله الحالي وسرعته 
المحدودة (عيب أصيل) لا يمكن وضعه في تصنيف «النظام القديم» نفسه. 
ولأن بريس كان بيروق راطيا أكثر منه رجل أعمال في مدخله إلى تطور 
الاتصالات. فقد كان يؤمن بأن «أسوأ ما يمكن أن يتعرض له أي اختراع (مثل 
اختراع ماركوني) هو أن يوضع في يدي شركة:؛ ويكفي أن ننظر إلى التلفون 
لنقتنع بذلك». ومع ذلك فإن موقف بريس لم يمر من دون نقدء ومن ذلك أن 
صحيفة «3010081 05320366155 » عندما أوردت إحدى خطبه وضعتها بجانب 
فقرة بعنوان «الحمام الزاجل لجلالة الملكة». 

وكما علق كاتب مجلة «اعتمع8] لإاتعتيةن0» العام :١854‏ حول وسيط 
إرسال رسائل ماركوني: فقد حدث اهتمام شعبي فوريء وقال إن «الأثير 
وسيط رائع غير معيب». واقترح بطريقة عفى عليها الزمن أن التسمية 
الأفضل يمكن أن تكون «التلغراف الأثيري». وذلك لأنه «لم يكن لاسلكيا 
بالفعل. فالأسلاك كانت تستخدم عند كل نهاية كجزء لا يتجزأ من النظام». 
وقال كاتب آخر إن «معجزة» اللاسلكي تكمن في حقيقة أنه «مكتنف بالأسرار» 
مثله مثل أشعة إكس التي اكتشفت حديثا في العام 1856 لقد كان اللاسلكي 
أقرب شيء للتخاطر وصل إليه العالم. 

لم تتضح إمكانات اللاسلكي لمعظم الناس؛ كما لم تتضح للخبراء الذين ادعوا 
أنهم يتحدثون بنوع من السلطة:؛ إلا عندما دخل الراديو المنازل في الولايات 
المتحدة أولا ثم بريطانيا وهولندا بعد ذلك. ومع ذلك فقبل إنشاء المؤوسسات 
الجديدة لتقديم «البرامج» كونت شبكة هواة من المتحمسين للراديو. عرفت ياسم 
«الهواة»» روابط فومية ودولية, معظمها يستخدم نظام مورسء والبعض يستخدم 
نظام التلفون. وبرؤية ثاقبة وصف الأمريكي كولينز هؤلاء الهواة العام ١117‏ في 
كتابه «الإنسان اللاسلكي» بأنهم أكبر جمهور في العالم: وقد قدر عدد نوادي 
اللاسلكي في الولايات المتحدة في ذلك الوقت ب ١77‏ ناديا. 

وبفضل سلسلة من الاختراعات في الفترة الواقعة بين تسعينيات القرن 
التاسع عشر وعشرينيات القرن العشرين (بعضها كان نتاجا لبحوث علمية 
متأنية وبعضها دفعت إليه ظروف الحرب العالمية الأولى عندما وُظف الراديو 





عمليات وأتماط 


لأغراض عسكرية) أصبحت الكتابة عن حجم الجمهور ممكنة. وكان من 
الممكن التنبؤ بالتطبيقات المستقبلية للتكنولوجيا إذا ما وُضعت العوامل 
الاجتماعية ضفي الاعتبار. وليس تجاهلها كما حدث مع اللاسلكي. من ذلك أن 
السير ويليام كروكس عندما قدم في مقال شهير ومتواتر له العام ١8557‏ 
«الإمكانات المذهلة للتلغراف اللاسلكي والكابلات وغيرها من الأجهزة المكلفة 
حاليا». لم يقترح ما يمكن أن يحدث يعد ذلك. 

لقد اتبع ماركوني خط تطوير خاصا به؛ وقد أثار الخيال الأمريكي عندما 
قبل في العام ١844‏ عمولة من جيمس جوردون بينت. صاحب صحيفة «لاءلا 
عادولا 1161310 ». في مقابل تغطية كأس مسابقات اليخوت الأمريكية. واستحوذ 
على الخيال الأمريكي والأوروبي العام 15١١‏ عندما أرسل رسالة لاسلكية 
لمسافة ألفي ميل عبر الأطلنطي إلى كورنول من نيوفوندلاند . وقد حدث تحول 
مشروعاتي في هذه القصة. عندما حصلت شركة التلغراف الأنجلو ‏ أمريكية 
على احتكار التلفراف في نيوفوندلاند؛ وطردت فريق ماركوني من الجزيرة 
التي كانت حتى ذلك الوقت مستقلة عن كندا. 

إن الانتشار الذي جرى بعد ذلك لم يكن في حاجة إلى من يحدثه؛. ففي 
العام 4 احتل اللاسلكي عناوين الصحف عندما استخدم لنقل أخبار 
اعتقال دكتور كريبن السفاح الذي هرب من إنجلترا إلى كندا عن طريق البحر 
مع زوجته. وبعد ذلك بثمانية أعوامء كانت محطة ماركوني على جزيرة لونغ 
هي التي التقطت رسائل الاستفاثة من السفينة تيتانيك الغارقة؛ وأرسلت 
الخبر إلى البيت الأبيض. وقد كان ديفيد سارنوف (1831- :.)١191١‏ الذي 
سيكون له نصيب من الشهرة في المجال بعد ذلك, عامل تلغراف فيها . وفي 
العام 1505 وافق المؤتمر العالمي الثاني حول التلغراف اللاسلكي الذي عقد 
في برلين (الأول عقد في العام 1507).: على أن يكون الاختصار 505 
[أنقذونا] هو إشارة نداء الاستغاثة. كانت برلين خارج إمبراطورية ماركوني؛ 
حيث كان للألمان نظام لاسلكي خاص بهم هو «معلمباعاء1». 

بالنسبة إلى ماركونيء كان الحصول على المزيد من براءات الاختراع 
لأجهزة الراديو وحماية براءاته في أهمية الانتشار نفسهاء وقد كون شركة 
تابعة في أمريكا في العام 1444 ظلت لا تواجه منافسة من داخل أمريكا 
إلا من شركات الكابل حتى العام ١‏ . وقد حكت إحدى الدراسات 





التاريخ الاجتماعي للوسائط 


التاريخية المبكرة؛ وهي «الراديو: الإشارات اللاسلكية والبث» لمورس في العام 
6 إ(بعد بدء البث) قصة تطور الراديو من واقع سجلات مكتب براءات 
الاختراع «للاختراعات المستخدمة اليوم أو سلفها المباشرين». وقد اتخذت 
هذه القصة تحولا جديدا فى الولايات المتحدة بعد تشكيل هيئّة جديدة فى 
أكتوبر ١919‏ هي هيئة الراديو الأمريكية +104». (وهي شكل مدني من 
الاحتكار العسكري الذي سيطر على الراديو في أثناء الحرب). وقد استولت 
على كل براءات ماركوني. ولو كان ماركوني مواطنا أمريكياء لتمكنت شركته 
ذات النجاح الكبير من اتباع المسلك البديل الذي اتخذته شركة 87801 . 

كانت هيئة الراديو الأمريكية 2084 شركة قامت بتفويض من الحكومة, 
وكونت ارتباطات وثيقة مع شركة 0٠15:1ئخ»‏ وشركة دلصة عتتاععاظ لورعمء0 
ع5نامطع هناكء17» التي كانت في ذلك الوقت تصنع أجهزة لاسلكي مدنية؛ ولكن 
كان على هذه الشركات كلها أن تنشغل ليس فقط ببراءات الاختراع 
والمنافسينء وإنما أيضا بالمنافسة للحصول على طيف الراديو من الحكومة, 
وبخاصة القوات المسلحة؛ وكذلك الجيش السلمي الضخم من هواة الراديو, 
وهو جيش له كتائب أيضا على الجانب الآخر من الأطلنطي. 

ووفما لقانون الراديو للعام ؟١151,‏ وهو أول قانون من نوعه يصدر في الولايات 
الملتحدة, كان على رسائل راديو «الهواة» ألا تتجاوز ٠٠١‏ متر من حيث الأطوال 
الموجية: وقد ازداد هذا الحد في بعض الولايات ليصل إلى 50؛ مترا في العام 
60 . وعلى رغم الضغوط العسكرية والبحرية: كانت هناك مقاومة داخل 
الكونفرس وخارجه لأي شكل من التنظيم من جانب الدولة حيث ثار التساؤل «لقد 
ربينا على أن الهواء ملك للجميع: فلماذا لا يكون كذلك في حالة الراديو؟», وقد أثير 
السؤال نفسه في بريطانيا كما أثير في الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الأولى. 
عندما لم يسمح لمحطة الهواة بالعمل لأسباب عسكرية وبحرية. وفي رأى المتحدث 
الرسمي باسم «جمعية اللاسلكي» في لندن في العام ١؟15,‏ فإنه الآن بفضل 
تليفون الراديو «أصبح كل بريطاني مؤهلا للاستماع إلى ما يجري على أثيره بشرط 
ألا يسبب جهاز الاستماع الخاص به إزعاجا لجيرانه». 

كان «الهواة» في كل الدول يستخدمون أجهزة بلورية رخيصة يصنعونها 
بانفسهم. ومن حسن حظهم أن اكتشف في أواخر القرن التاسع عشر أن أنواعا 
عديدة من البلور يمكنها التقاط موجات اللاسلكيء وبالفعل قبل العام 1514 كان 





عمليات وأثماط 


هناك مقوم بلوري مشهورء هو مقوم «بيريكون», تمثل في رأس نحاسي مثبت على 
سطح مصقول أو غير مصقول من قطعة من السيليكونء وهي المادة التي سيكون 
لها مستقبل أكشر رومانسية حتى من «الهواة» أنفسهم. ولآهمية البلور. سيسمى 
أول تاريخ مفصل للترانزيستور وميلاد عصر المعلومات «الانفجار البلوري». 

وفي بريطانياء وفقا لقانون التلغراف اللاسلكي للعام 1504: كان على كل 
محطات إرسال واستقبال إشارات اللاسلكي أن تحصل على ترخيص من هيئة 
البريد. وفي العام .157١‏ حصلت شركة ماركوني على ترخيص عام لعمل 
تليفون تجريبيء: وقد قوبل هذا الترخيص بمعارضة قوية من جانب هيئة 
التلغراف اللاسلكيء التي كان فيها تمثيل عسكري قويء بعد أن بدأت بث 
حفلات ماركوني الموسيقية من «شيلمسفورد». وقد أكدت الهيئة أن مثل هذا 
البث لا يتداخل فقط مع رسائل الدفاع؛ بل يحول اللاسلكي؛ الذي كان خادما 
للبشرية؛ إلى لعبة لتسلية الأطفال؛ وبناء على نصيحتهم ألغي في خريف العام 
نفسه تصريح البث من شيلمسفورد . 

وقد أدى ذلك بدوره إلى احتجاج الهواة؛ فالهواة الذين يرغبون في 
الاتصال بعضهم مع بعض والاستماع إلى برامج الراديو التي توضع لهم,؛ 
أعدوا التماسا وقعته 77 من جمعيات اللاسلكي. أجبر المدير العام لهيئة 
البريد ‏ الذي وصف هو نفسه الحفلات الموسيقية بأنها «تافهة» ‏ على إعادة 
النظر في الموضوع. وعندما تراجع في ديسمبر ,157١‏ كان حريصا على أن 
يعلن أن استئتاف الحفلات الموسيقية جاء «من أجل مصلحة جمعيات 
اللاسلكي». إذ لم يكن الإحساس بالجمهور الكبير فد تبلور بعد. 

كانت محطة «ريتل» بالقرب من شيلمسفورد أول محطة ماركونية تقدم 
حفلات موسيقية مدتها نصف ساعة بعد الاستتناف. كانت الحفلة الأولى: 
التي بثت في الرايع عشر من فبراير 157”7: كما وصفها صناعها بتواضع؛ من 
عمل مهندسينء وقد بثت آخر حفلة في السابع عشر من ديسمبر ؟117. لقد 
أثبت المهندسون أنهم مذيعون متألقون ومحبوبون للغاية, وقد كانت تسجيلات 
الجرامافون من الفقرات الرئيسية, لكنهم إلى جانب ذلك بثوا أول مسرحية 
إذاعية. أما بيتر إكيرسلي, القائد الطبيعي لهذه المجموعة؛ فسوف يصبح 
فيما بعد أول كبير للمهندسين لهيئة الإذاعة البريطانية التي أنشئت في 
خريف العام 1477 قبل أن تفلق محطة «ريتل». 

































































التاريخ الاجتماعي للوسائط 


قبل عام :.14١4‏ كان هناك ثلاثة مخترعين بارزين: أولهم بريطاني وثانيهم 
أمريكي وثالثهم كندي. الذي قاد الطريق نحو البث الصوتي. في العام 215١4‏ 
ابتكر أمبروس فليمنغ .)١1940  ١445(‏ الأستاذ الجامعي في لندن الذي 
حضر محاضرات ماكسويل.: صمام تيرميوني. وصفء قبل وقت طويل من 
الرقائق الدقيقة؛ بأنه أصغر عملاق في التاريخ. وحدثت خطوة أكبر إلى 
الأمام بعد ذلك بعامين من جانب لي دي فوريست (14877 - 1917) في بالو 
أولتوه حيث أضاف إلكترودا ثالثا بين كاثود وأنود صمام فليمنج الثنائي: وهو 
ما وصف في الولايات المتحدة بالأنبوب الفارغ. كان هذا الاختراع الأخير 
مسجلا باسم شركة ماركوني البريطانية. شأنه شأن براءة الاختراع المهمة 
التي كانت مسجلة باسم «راوند»» واستمرت الصراعات حول براءات الاختراع 
حتى بعد انتهاء براءة فوريست في العام .١977‏ وفي العام ١947‏ فقطء قررت 
المحكمة العليا الأمريكية أن لفوريست فقط حق براءة اختراع «الصمام 
الثلاثي», أو «الصمام الترميوني» كما أسماه. وقد كان هذا الاختراع أكثر من 
مجرد تحسينء. حيث مكن من تكبير إشارات الراديو الضعيفة ‏ ليس لإشارات 
مورس فقط بل أيضا للكلام والموسيقى ‏ وتغطية مسافات أطولء وأطلق 
فوريست على نفسه بفخر أنه «أبو الراديو». 

كان الكندي ريفينالد فيسيندن (1877 - 1587). الرجل الشالث في هذه 
الثلاثية. هو الذي استخدم محولا عالي التردد ليضع الحدث الأول في عقد 
ما قبل ,.١15١5‏ وهو أول حفلة موسيقية لاسلكية بثها من «برانت روك» 
بماساشوستس في ليلة رأس السنة العام 1 1١5+‏ في أماكن بعيدة جدا مثل 
الكاريبي. وإلى جائب كونه مخترعا بارزاء كان فيسيندن يعزف الكمان ويغني 
ترانيم أعياد الميلاد ويقدم برامج. وكان يقول لجمهوره المجهول: «على من 
يسمعني أن يكتب إلى السيد فيسيندن في برانت روك». وبعد ذلك بسنوات 
وصل فوريست, الذي كان يبث من فوق سفن البحرية الأمريكية؛ إلى جمهور 
مختلف ومجهول عندما أرسل رسائل من برج إيفيل في باريسء؛ الذي كان يبث 
بالفعل إشارات ضبط الوقت. 

فطن فوريست. الذى قيل عنه إنه كان يفتقد حس رجل الأعمال ولكنه 
«هاو بالفطرة». إلى الحاجة لمثل هذه الخدمة قبل العام 1514, ولذلك فقد 
ألح على أنه يجب أن يستمر في تقديم بث الحفلات الموسيقية بعد أن توصل 





عمليات وأثماط 


في العام 1915 إلى اتفاق مع شركة 4784:7: باع لها بمقتضاه براءات الصمام 
الترميوني الخاصة بهء ووافق في الوقت نفسه على أن يبقى بعيدا عن 
الإرسال الصوتي من نقطة إلى نقطة عن طريق الراديو من محطات إرسال 
محددة إلى محطات استقبال محددة. كان فوريست يركز على إرسال 
الموسيقىء: وخاصة الأوبرا إلى المنازل» وفي العام ١1٠١‏ قدم بثا مباشرا من 
«دار أوبرا متروبوليتان» في نيويوركء؛ وكان إنريكو كاروسو من بين المغنين في 
هذا الحفل. كان فوريست يفكر بجدية في البث باعتباره وسيطاء وآمن قبل 
أن تكون التكنولوجيا مستعدة لذلك؛ لا سيما تلك الخاصة بإنتاج المستقبلات: 
أن البث يمكن أن يكون مجالا ضخما للمشروعات. وفي العام 1151 اعندما 
كانت أوروبا - قبل دخول الولايات المتحدة ‏ في الحرب بث فوريست مباراة 
كرة قدم بين فريقي جامعتي يال وهارفارد. وفي عشية انتخابات العام 
نفسه بث تغطية لمدة ست ساعات لنتائج انتخابات الرئاسة التي أتت 
ب «ودرو ويلسون» (1807 - ؟159١)‏ إلى البيت الأبيض. (ومما لا ينسى أنه أورد 
على سبيل الخطأ أن ويلسون لم يفز بالانتخابات وهو الخطأ الذي وفعت فيه 
بعض الصحف). 

وحتى وقت متأآخر ‏ تحديدا 19111 كان معظم خبراء اللاسلكي 
البريطانيين. بمن فيهم الشخصيات الرائدة في الجمعية اللاسلكية بلندن التي 
كان كروكس ولودج عضوين شرفيين فيهاء غير مقتنعين بأن التليفون 
اللاسلكي سيكون له المستقبل الذي تنيأ به فوريست؛ فلم يكن من الواضح 
بالنسبة إليهم, كما كتب واحد منهم العام :١1917‏ «من أي جهة سيأتي أول 
طلب محدد على التليفون اللاسلكي؟). ومع ذلك. عرضت جريدة لندن 
المصورة في العام نفسه صورا لمستمعين بريطانيين في زي المساء منهمكين في 
الاستماع من خلال سماعات الأذن: ليس إلى كلمات أو موسيقىء وإنما إلى 
إشارات ضبط الوقت. 

كان رئيس الجمعية اللاسلكية في لندن العام ١914‏ كامبل سوينتون حدرا 
وبعيد النظرء عندما أخبر أعضاء الجمعية أنه بقليل من الخيال يمكن للمرء 
أن يتخيل في المستقبل القريب وجود محطات استقبال لاسلكية يمكن تركيبها 
في صالات تشبه معرض الصورء وأن الناس سيكون في مقدورهم أن يذهبوا 
هناك و«يستمعوا إلى كل متحدثي اليوم البارزين الذين ريما يتحدثون من على 





التاريخ الاجتماعي للوسائط 


بعد مئات الأميال». ولكن ذلك التخيل لم يصدق في المستقبل؛ فالتلفون 
اللاسلكي مثله مثل التلفون غزا البيوت. وهو ما حدا قاضيا لندنيا في العام 
4 في مقال له يعنوان «عودة الحياة الأسرية» على أن يعتبره سندا 
جديدا للأسرة. 

بعد فوريست كان أرثر بيروز )١1547-1885(‏ هو الذي أدرك هذا الجانب 
من جوانب مستقبل اللاسلكي؛ وقد عمل في شركة ماركوني في أثناء الحرب 
في جمع رسائل اللاسلكي وتحريرها وتوزيعهاء وديفيد سارنوف على الجانب 
الآخر من الأطلنطي الذي أصبح فيما بعد أول مدير تجارى لهيئة «804». ضفي 
أثناء الحرب فكر سارنوف في «جهاز راديو بسيط للموسيقى... معد لأطوال 
موجية مختلفة كثيرة يمكن تغييره بتغيير مفتاح واحد أو الضغط على زر 
واحد». وقال إن مشكلة إرسال الموسيقى جرى حلها بالفعل ولم تعد في حاجة 
إلى تصور حل لهاء وإلى جانب الموسيقى بثت بالطبع فقرات إخبارية 
ومحاضرات وقطع موسيقية. 

كان سارنوف يفكر في البث على رغم أنه لم يستخدم هذه الكلمة التي 
شتقت ‏ شأنها في ذلك شأن كلمات من مثل «الثقافة» و«التهذيب» ‏ ليست 
من التكنولوجيا أو الصناعة؛ وإنما من الزراعة: البذور المبثوثة أو المنثورة هي 
تلك التي تبعثر بحرية وليست في خطوط أو صفوف, وهو المعنى الذي كان 
ينظر إليه منذ البداية باعتباره يمثل ضررا تجاريا كما رأينا. ومع ذلك فما أن 
جرى التفكير في البث كوسيط تحول هذا الضرر إلى مبرر وجود. كان 
سارنوف يأمل في أن يجعل الراديو جهازا منزليا مفيدا مثله مثل البيانو أو 
الفونوغراف, واقترح أيضا أن ترسل إلى كل مشترك جديد في هذه الخدمة 
نسخا من مجلة شركة ماركوني «عصر اللاسلكي» التي غيرت اسمها إلى 
«طمومع نممعة831» العام ,١51١1‏ 

ولعل من المفارقات أن المتنبئّ البريطاني؛ وليس الأمريكي؛ هو الذي دمج 
الإعلان في حلم البث. فقد كان بيروز هو الذي أكد أنه «لن تكون هناك 
صعوبة تقنية تحول دون إنشاء وكالة إعلان تنظم ملء الفترات الفاصلة بين 
البرامج الموسيقية بإعلانات مسموعة, وإغراءات مثيرة تقدم بلهجات ملائمة 
نيابة عن شركات الصايون أو صلصة الطماطم». وقد كانت هناك مفارقات 
أخرىء منها أن سارنوف اعتمد في تمويل البرامج المبثوثة على اتحاد أعلى 









































عمليات وأنماط 


لصناع وتجار الراديو يغطي الدولة بكاملهاء لا يختلف عن اتحاد هيئة البريد. 
البريطانية الذي دعي إلى الاجتماع في لندن العام 21977 ومنه انبثقت هيئة 
الإذاعة البريطانية كشركة احتكارية. كان سارنوف يرى أن الصناعة نفسها 
مسؤولة عن توفير محطات بث مناسبة ودعمها بحيث لا تكون أجهزة الراديو 
التي ب يشتريها الجمهور بمنزلة براد [ثلاجة] من دون ثلج. 

وقد حصلت هيئة الإذاعة البريطانية: التي أنشئت كشركة احتكارية لأسباب 
تقنية في الأساس؛ على عوائدها الأولى ليس من الإعلان ولكن من الضريبة التي 
كانت تفرض على مبيعات أجهزة اللاسلكي ورسوم الترخيصء وقد جاءت هذه 
الشركة احتكارية بسبب قرار الحكومة بأنه نظرا إلى التنافس في الحصول على 
الطيف النادر لابد من وجود منظمة بث واحدة. أما في الولايات المتحدة: التي لم 
يكن فيها هيئة بريد ولا رغبة في تنظيم الطيف النادر؛ فلم يلق مثل هذا الحل 
رواجاء قهيئة الراديو الأمريكية «808» ليس بمقدورها أن تعمل كشركة 
احتكارية. وكذلك لم تنجح شركة 814:70». باعتبارها حاملا مشتركاء في 
جهدها للارتقاء بالبرمجة من خلال بيع وقت على الشبكة لمن تيسر من العملاء 
في مقابل ضريبة بالطريقة نفسها التي تبيع بها وقت التليفون للمشتركين. 

قدر للبث الأمريكي أن يبدأ بشكل مختلف نوعا ماء فالولايات المتحدة 
كانت في انتظار رواج الراديو في العام 7 , ذلك الرواج الذي وصفء شأنه 
شأن ازدهار القنوات والسكك الحديدية: بالهوس الذي أصاب الولايات 
المتحدة. واستجابة لذلك ظهر عدد كبير من المحطات من كل الأنواع: بعضها 
ارتبط بالسحف وبعضها بمنظمات التجزئة: وبعضها بالمدن ويعضها بالمدارس 
والجامعات. وعلى حد تعبير أحد المراقبين: أصبح «أي شيء يتحدث يسمى 
محطة بث». ومنذ وقت مبكر ‏ تحديدا في مايو - منحت وزارة التجارة 
مايزيد على ٠٠١‏ ترخيص بثء وكانت المحطات الأولى: كما كان الوضع مع 
شيلمسفورد وريتل في إنجلتراء تعرف بعلامات استدعاتها . وفي العام 151١‏ 
بدأت محطة «1514» في بتسبيرج:؛ التي يقال إنها أول محطة من هذا النوع. 
على يد أحد هواة الراديو: هو فرانك كونراد؛ أحد مهندسي وستتنغهاوس» 
الذي استخدم متجرا للإعلان عن حفلاته الموسيقية اللاسلكية. وعندما وجد 
وستنغهاوس أن تسجيلات الجرامافون, التي يقدمها كونراد تحقق مبيعات 
أعلى في المتجر نتيجة للبث. انخرط في هذا العمل. 





التاريخ الاجتماعي للوسائط 


كانت عمليات إعادة تنظيم المحطات مكلفة للغاية. وفي البداية كانت جميع 
المحطات تستخدم الطول الموجي نفسه وهو 510 متراء وهو ما أدى إلى 
تشوش ضي الأثيرء أو «الفوضى» التي جرى التكهن بها قبل الحرب. وفي نهاية 
العام ١9757‏ وصل عدد التراخيص إلى 017 ترخيصا. وقد خصصت الصحف 
والمجلات ملاحق للراديو. ما شجع الناس على شراء أجهزة الراديو؛ فقي العام 
7 بيع مائة ألف جهازء وفي العام التالي بيع أكثر من نصف مليون جهاز. 
وفي العام 1470.: كان في الولايات المتحدة خمسة ملايين ونصف مليون جهاز, 
وهو عدد يناهز نصف عدد أجهزة الراديو في العالم كله. أما عدد مشروعات 
الب الفردية فقد انخفض مفسحا المجال أمام الشبكات القوية؛ وأولاها 
شركة البث الوطنية «8180)» التي أنشأها سارنوف كخدمة عامة,. وثانيتها 
كانت نظام بث كولومبيا «85©» التي بدأت العام 19717 على يد الرجل الذي 
أصبح خصم سارنوف الرئيسي:. ويليام بالي .)4١  140١1(‏ الذي بدأ عمله في 
الراديو بالإعلان عن السيجار الذي كان ينتجه أبوه؛ والذي عمل من خلال 
الوكالة المستقلة المتحدة لليث. 

وقد ازدادت حصة الشيكات في محطات البث من 21,5 في العام 
إلى 5٠‏ العام ,157١‏ حيث انزوى الهواة الذين ناضلوا من أجل 
إدخال برامج البث. كما انزوى أيضا كثير من أصحاب المحطات الصغيرة. 
وبالنسبة إلى الهواة ظلوا يجدون المتعة في محاولة التقاط أبعد الرسائل؛ 
ولكن بالنسية إلى أصحاب المشروعات المحلية الذين حاولوا: كما في 
شيكاغوء التركيز ليس على الرسائل البعيدة ولكن القريبة» فقد أحبطتهم 
القوة المتنامية للشبكات التي عبرت عن نفسها في البرمجة المتزايدة وفق 
الطلب. وفى حين كان الراديو بالنسبة إلى الهواة المتحمسين الذين لم 
يهتموا بالمرة بمحتوى الرسائل الملتقطة بمنزلة رياضة,؛ كان بالنسبة إلى 
الشبكات مشروعا ضخما. 

جاء الإعلان ليمثل الدينامية المالية. إن الإعلان الذي تبلور في أقسام 
كثيرة من الصحف؛ هوجم أيضا في العامين 1977 و1977 من جانب هيريرت 
هوفر (1911-148174١).؛‏ الرئيس المستقبلي للولايات المتحدة, الذي كان وقتئذ 
وزيرا للتجارة؛ والذي أعلن عبارة شهيرة: أنه «من غير المعقول أن نترك 
إمكانات كبيرة إلى هذا الحد يمكن توظيفها في الخدمة والأنباء والتسلية 





عمليات وأنئماط 


والتعليم والأغراض التجارية الحيوية تغرق في لغو من الإعلانات». كان هوفر 
مخطًًا ؛ وضي العام 7 :» عندما كان رئيسا للولايات المتحدة. صدر أول قانون 
حكومي أنشئت يمقتضاه لجنة الراديو القومية «7180» (كانت ممارسة 
محدودة للتنظيم من جانب الدولة) حملت لفة المصلحة العامة والملاءمة 
والضرورة» وليس الخدمة. 
كان إدغر فليكس من أوائل مستشاري ترويج الراديوء وقد نظر بحماس 
إلى الماضي وإلى عملية التوسع قبل أن يحدث أي شكل من أشكال 
التنظيم قائلا: 
يالها من فرصة رائعة؛ تلك التي كانت تتاح لرجال الإعلان لنشر الدعاية 
لمبيعاتهم» حيث كان هناك جمهور لا يحصى مؤيد وباحث عن المتعة ومتحمس 
وحدر ومهتم؛ يمكن الوصول إليه داخل المنازل. 
يتفق وستنغهاوس مع ذلك فبث الإعلان. كما أكدت شركته. كان 
الوسيط الذي أفطرزته الحداثة للتعبير عن المشروعات. وقد جعل الصناعة 
معروفة للجميع. فبفضل الراديو أصبح في به رجال الأعمال الأمريكيين 
مفتاح لكل منازل الأمريكيين تقريبا. وقد ذهب فرانك أرتولد.» مدير 
التطوير فضي هيئة البث الوطنية 27818 أيعد من ذلكء عندما أطلق على 
البث «البعد الرابع للإعلان». 
لم يكن البث ينظر إليه على هذا النحو في بريطانيا أو معظم الدول 
الأوروبية. كانت هولندا هي الرائدة في البث المنتظم: إذ كانت في نوفمبر 
5 تقدم برامج من خلال محطة «50068) التي أنشأتها هيئة صناعات 
الراديد المويي” . وحتى العام 1477؛ كان هناك محطة إرسال هولندية واحدة 
ك فيها على غير العادة ‏ على رغم أن ذلك يتفق مع التاريخ الهولندي - 
خمس خمس منظمات أساسية كلها ذات توجه ديني. أما البث البريطاني فقد اتخد 
مسارا مختلفاء فشركة البث البريطانية؛ نتيجة أنها لم تحصل على ترخيصها 
من هيئة البريد إلا في يناير 1517 لم تبث أول برامجها إلا في الرابع عشر 
من نوفمبر ”157. كان بيروز يقرأ نشرة أنباء الساعة السادسة بسرعتين 
(بطيئة وسريعة) في مستقبل تليفون عادى موصل بمحطة إرسال تابعة لشركة 
ماركوني. وبعيدا وضي الجزء المقابل من الكرة الأرضية. بثت نيوزيلندا أول 
رسالة راديو لها في اليوم نفسه. 





التاريخ الاجتماعي للوسائط 


كان توزيع الأطوال الموجية النادرة يجري عبر صفقات قومية عسيرة 
أصبحت دولية في العام 71 . وفى يوليو من العام نفسهء جرى تبني خطة 
جنيف للأطوال الموجية الأوروبية؛ التي توصل إليها المهندسونء وبعد ذلك بعام 
درس المؤتمر العالمي للاسلكي في واشنطن: وهو أول مؤتمر من هذا النوع منذ 
العام 1517؛ ما أسماه هوضر «ازدحام الممرات التي يجري توصيل الاتصالات 
عبرها». وضي العام 5؟19, عقد في براغ مؤتمر آخر برعاية الحكومات 
والمنظمات ترك للإدارات الوطنية (بما في ذلك الاتحاد السوفييتي الذي لم 
يكن ممثلا في جنيف أو واشنطن) أن توزع حصصا مفصلة في إطار الحصة 
الإجمالية المخصصة للدول. في كل عام يحتفل الاتحاد السوفييتي في السابع 
من مايو بالذكرى السنوية لعرض بوبوف للراديو في العام 184964: وقد جرى 
أول بث في العام 1514: ولكن ظل الاستماع إلى الراديو منخفضا على مستوى 
الجماهير حتى أواخر العشرينيات. 

في كل الدول المهتمة بتطوير البثء كان النشاط متروكا لمؤسسات البث حديثة 
النشأة المحلية منها والإقليمية والقومية. التي نمت بسرعة في العشرينيات. 
وظفت هذه الدول تكنولوجيا الراديو نفسهاء ولكن هياكل هذه المؤسسات كانت 
مختلفة. فبعضها كان تجاريا وبعضها كانت تسيطر عليه الحكومات؛ وبعضهاء 
مثل هيئة الإذاعة البريطانية؛ التي أنشأها ريث (1885 - .)197١‏ الذي اشتقت 
من اسمه صفة لأهميته في تاريخ البث. لم تكن تجارية ولم تسيطر عليها 
الحكومات. ومع ذلك وأيا ما كانت هياكل هذه المؤسسات فقد كان عليها أن 
تتخرط فيما سمي «دور السمسرة الثقافية» إلى جانب صناعة أسطوانات 
الجرامافون والسينما والفنون الاستعراضية والرياضة بل والصحف إلى حد ماء 
التي كان لكل منها تاريخها وتنظيمها الخاصان. 

على أن هذا التاريخ لم يخل من الوقفات الرمزية؛ فبعد أن أسس البث 
نفسه؛ عندما وصلت قصة اللاسلكي المبكر إلى نهايتهاء حدثت وقفة صمت, 
لقد توفي ماركوني في العشرين من يوليو 1577 وضي اليوم التالي صمتت كل 
محطات اللاسلكي تقريبا على مستوى العالم, بما في ذلك محطات البث التي 
لم يهتم بها كثيرا. لدقيقة أو دقيقتين, وهي لحظة فريدة في تاريخ هذه 
المحطات لا يمكن أن تتكرر إلا في الخيال؛ كأن يأتي يوم مشلا لا تجد فيه 
الصحف ما تنشره. 





عمليات وأنماط 


السينما والتلفزيون 

لقد أحدث الراديو مزيدا من الضوضاء في العالم؛ بما في ذلك الموسيقى 
التصويرية: التي مقتها أناس كثيرون كانوا يرون أن الموسيقى تستحق الاستماع 
المتأني. في هذه الأثناء لم يقدم تاريخ السينماء التي كانت صامتة في البداية؛ 
ذلك التاريخ الذي يمتد أبعد من ماركونيء لم يقدم لريث النموذج: وضي 
الولايات المتحدة؛ كما في بريطانياء كانت أصول الراديو والسينما مختلفة 
تماما. ومع ذلك فقد كان هناك تفاعل بين الراديو والتلفزيون؛ أي بث الصور 
والكلمات. لم يكن التلفزيون في شكله الأصلي يسمح للمشاهدين بأن يختاروا 
بين محطات مختلفة: وهو ما كانت تسنمح به أجهزة الراديو. على رغم وجود 
تبادل دولي متنام في الصورء وكان إنتاج الصور التي تعرض على شاشة 
التلفزيون والسيطرة عليها في أيدي هيات البث. التي كانت تتعامل مع 
الصوت قبل مجيء الصورء في وقت كانت السينما فيه تعرض صورا من 
دون صوت. 

اعتمد تطور كل من السينما والتلفزيون على الكاميراء التي تحفل بتاريخ 
طويل من ورائهاء فكاميرا الحجرة المظلمة كانت من بين أدوات الفنانين منذ 
قرون. أما كاميرا القرن التاسع عشر الجديدة: فقد تطورت أولا في فرنسا 
وفي بريطانيا وبعد ذلك. بشكل ثوريء في الولايات المتحدة. وفي وفت مبكر ‏ 
تحديدا العام ١607‏ كتب أحد أفراد أسرة ويدجود «وصفا لطريقة لنسخ 
اللوحات على الزجاج ولعمل المسلوتات بتأثير الضوء على نترات الفضة:؛ ولكن 
المجرب الفرنسي جوزيف نيسيفور (صائع النصر) نيبس كان هو الذي أنتجء 
عن طريق ما أسماه الهليوجرافيء «أول صورة فوتوغرافية من الحياة» بعد 
نهاية الحروب النابليونية بفترة وجيزة. (كلمة «صورة» طأمممع0:0طم من 
ابتكار ويتستون). 

وفي العام 14717, عرض نيبس إنجازه على الجمعية الملكية في لندن: ولكن 
شريكه الأصغر لويس داغرء الذي تبناه نيبس في العام 5؟185: هو الذي طور 
أول صور فوتوغرافية دقيقة أسماها صورا داغرية, ثم أعلن تفاصيل عملية 
التصوير الخاصة به العام 1859 في باريسء «من أجل نفع العلوم والفنون». 
وقد اشترت الدولة التي كانت فخورة بالبراعة العلمية الفرنسية. حقوق 
احتكار عمل داغرء ولكنها سرعان ما تخلت عن حقوق الاحتكار هذه. وأعلنت 





التاريخ الاجتماعي للوسائط 


أن التصوير مفتوح لكل العالم؛ وهو الإعلان الذي كان أقل أثرا مما حاول 
الفرنسيون إظهاره؛ وذلك لأن هذا الاختراع كان قد سئُجل بالفعل في وقت. 
سابق في لندن ولكنه ظل محميا هناك. ومع ذلك ظلت هناك منافسة. 

وفي العام 1855 في لندن؛ أمام محبي العلم والطبيعة في الجمعية الملكية, 
عرض ويليام هتري تالبوت ١/٠١0(‏ - ا): الذي كان يعمل بشكل متزامن مع 
داغرء صوره التي أسماها صورا ضوئية من خلال عملية مختلفة تماما 
باستخدام نترات الفضة, كما أنتج كذلك الصور السلبية على الورق. وقد 
كانت صور تالبوت مريحة للنظر أكثر من صور داغرء وقد قيل منذ وقت 
مبكر. تحديدا :184١‏ إن السويسري جورهان بابتست ايزنرنج ناقش طريقة 
لتلوين هذه الصور. ومع ذلك ضفي العام 187١‏ فقطء تمكن العالم جيمس 
كليرك ماكسويلء الشهير أيضا في مجالات أخرى. من التقاط أول صورة 
حقيقية ثلاثية الألوان» وهي صورة لا يمكن رؤيتها إلا من خلال مسلاط. أما 
التطور اللاحق في التصوير بالألوان فكان من إنجازات القرئ العشرين. 

كانت صور داغر الأولى الناجحة أشياء فريدة: وكان ينظر إليها باعتبارها 
تعبيرات فنية وهو ما لا يسمح بالنسخ المتعدد. ويمكن إحصائيا الوقوف على 
مدى نجاحها من التزايد السريع في عدد المصورين الذين يستخدمون طريقة 
داغر. بدءا من فرنسا التي دار فيها حديث عن الهوس بصور داغرء في حين 
بلغ عددهم في الولايات المتحدة عشرة آلاف مصور في العام 18607 منهم 
صامويل مورسء وحوائي ألفي مصور مسجلين في تعداد العام 181١‏ في 
بريطانياء وهو العام الذي وصفت فيه صحيفة «الأخيار المصورة» الصور 
الفوتوغرافية بأنها «أفضل ما أفرزته عبقرية الإنسان للملايين في مجال 
الفنون الراقيةء حيث أزالت كثيرا من التمايزات غير الليبرالية ضي المكانة 
والثروة». ومع ذلك. فقد حظي التصوير بتأييد ملكي وسياسي خاصين. حيث 
اشترت فيكتوريا وألبرت أول صور داغرية لهما من العام :184١‏ وقد أهدى 
داغر صورة لميترنيخ إمبراطور هابسبرغ. 

وفي لندن حدث صراع قانوني حول براءات داغرء ويعد اقتراح من 
الجمعية الملكية في العام 1807 فقطء. خففت حقوق البراءة الخاصة بفوكس 
تالبوت العام 1804. وفي العام :160١‏ الذي توفي فيه داغر. بدأ عهد اللوح 
الزجاجي الرطب الجديد. عندما توصل فريدريك سكوت أركورء وهو واحد 





عمليات وأتماط 


من الأعضاء الاثني عشر المؤسسين لنادي فوكس تالبوت» إلى عملية جعلت 
صور تالبوت أكثر وضوحا باستخدام الكولوديون (الكولوديون هو قطن متفجر 
مخفف بالأثير). وقد استمرت عملية التقدم التكنولوجيء. كما نوفشت حتى 
أصغر التحسينات في العمليات وأصغر التفييرات في النتائج بتفاصيل مفعمة 
بالحيوية «كما لو كانت على حد تعبير السيدة إيستلاك زوجة رئيس الجمعية 
الفوتوغرافية في لندن: تعلق بمستقبل البشرية». 

ومع ذلك لم تكن كل الأشياء صغيرة: إذ كانت هناك تجارب جديدة ممتعة 
في التصوير الفوتوغرافي المجسم؛ وقد كان شعار شركة المجسام اللندنية 
«لا منزل بلا مجسام 561605605 »: بل ولا مدرسة أيضاء ومع ذلك فقد تحول 
المجسام إلى «موضة» وهي كلمة كثيرة الاستخدام في تاريخ الوسائط. وقد 
اتخن تحسين التصوير مسارا مختلفا في سبعينيات القرن التاسع عشر عندما 
استخدمت ألواح الجيلاتين الجافة؛ التي يمكن إنتاجها صناعياء في بريطانيا 
وفرنسا والولايات المتحدة. وضي الوقت نفسه انخفض حجم الكاميرات 
وسعرهاء حيث طور رجل أعمال أمريكي هو جورج إيستمان (من مواليد العام 
4: وهو مصرفي تحول إلى صناعة التصوير) سوقا واسعا. وإيستمان 
هذاء الذي تأثر بعمق بالمعرض المتوي في فيلادلفيا العام 1/171: أسهم بعد 
اثني عشر عاما بإضافة واحد من أشهر منجزات هذا القرن وهو كاميرا 
كوداك التي يمكن لأي شخص في أي مكان استخدامها. وقد رأى إيستمان» 
وكان محقاء أن كوداك اسم يسهل ذكره في كل اللغات: كما أعد أيضا شعارا 
لها: «كل ما عليك هو أن تضغط الزر واترك الباقي علينا». 

وفي خلال خمسة أعوام بيع ما لا يقل عن ٠١‏ ألفا من كاميرات كوداك 
الرخيصة: وهذه الكاميرات: مقارنة بالكاميرات التي طورت بعد ذلكء؛ لم يكن 
بها أداة تبكيرء وكان لها درجة حساسية واحدة تلضوء عند مصراع الكاميراء 
وكان وقت التعرض فيها واحدا من عشرين من الثانية فقطء وكانت تباع 
مزودة بفيلم يكفي لإنتاج مائة صورة؛ وعندما تلتقط هذه الصور المائة تعاد 
الكاميرا إلى مصنع إيستمان, حيث ينزع الفيلم منها وتحمل بفيلم جديد وتعاد 
إلى العميل ضفي خلال عشرة أيام. وكما في أشياء أخرى كثيرة كانت الولايات 
المتحدة هي الرائدة في تطوير مجتمع استهلاكي. وذلك مسجل بوضرة: وإن 
كان بشكل موجزء في اللقطات الفوتوغرافية. كانت الكاميرا الصندوقية, 





التاريخ الاجتماعي للوسائط 


شأنها شأن أجهزة التليفون واللاسلكيء تنتج من أجل الأغراض المنزلية, 
وكانت تنتج بالملايين؛ وهو ما حدث بعد ذلك للأجهزة الكهربائية المنزلية على . 
نطاق أوسع مما تنب به متنبئ الكهرباء. إن التكنولوجياء التي ستصبح صديقة 
للمستخدم: ولكن ليس شي كل الحالات بالتاكيد؛ كانت في طريقها إلى اجتياز 
تطور كبير في القرن العشرين. وقد تأثر التصميم أيضا بالموضة. 

إن الاتجاهات الاجتماعية الجديدة؛ التي عكست أيضا تغيرا ديموغرافياء 
كانت واضحة؛ ليس في الولاياتٍ المتحدة وحدها. فقد أحدث التصنيع زيادة 
كبيرة في الشروة المادية وساعات الفراغ في كل الدول الصناعية. وثمة أمثلة 
كثيرة للكماليات التي أصبحت من الضرورات. فالأطعمة والمنتجات الأخرى, 
بما في ذلك المواد الاستوائية المستوردة. أعطيت علامات تجارية؛ واستخدم 
الإعلان: الذي كان بعضه كهربائيا مثل لافتات النيون. لتدشين منتجات 
جديدة أو زيادة مبيعات منتجات قائمة. كما اتسعت مساحات المدن هنا 
وهناك؛ إذ امتدت إلى ضواح جديدة: بعد أن أصبحت حركة الأشخاص 
اليومية من المدن وإليها أكثر سهولة من خلال الترام ومترو الأنفاق. 
وقبل الكمبيوتر كان هناك جهاز المفير ]تامهم إذ كان العالم معدا 
لازدهار ما عرف ب «الوسائط الجماهيرية». وكانت القيادة في ذلك 
لوسيط قديم ‏ الصحافة. 

كان إدخال الصور المتحركة أكبر تغير تكنولوجيء بيد أنه قبل أن تصبح 
هذه الصور عملية بالفعل دار جدل حول اعتبار التصوير شكلا فنيا؛ وهو ما 
كان بمنزلة استباق إلى أشكال مماثلة من الجدل حول السينما. لم يكن لدى 
فوكس تالبوت شك في كون التصوير عملا فنياء وقد أطلق على المصورة 
جوليا مارجريت كاميرون؛ التي زودت كتاب «القصائد القتصصية للملك» 
بالصور التوضيحية؛ لقب «ريمبراندت الفن الفوتوغراضي الإنجليزي». وضي 
هذه المجموعة نفسهاء كان السويدي أوسكار جوستاف ريغلاندر والإنجليزي 
هنري روبنسون الذي انبرى في تفسير كيف ولماذا توجد خصائص فردية 
كثيرة في الصورة الجيدة كما في رسم اللوحات. 

جاءت الصور المتحركة لتعطي زخما لهذا الجدلء ولكن أصول هذه الصور 
ميكانيكية وتنتمي إلى عالم الألعاب. وقد كانت لها أسماء أقل ذكرا من 
كوداك. وقد كان إدوارد مويبريدج )١11١5 - 187١(‏ أول من وظف سلسلة من 


عمليات وأتماط 


الصور لنقل الإحساس بالحركة؛ مع أنه سبقت ذلك محاولات كثيرة ناجحة, 
وقد أثبتت السلسلة الفوتوغرافية الزمنية تحركات الحصان التي التقطتها 
العام 1477 لحاكم كاليفورنياء محب الخيول؛ أن الحصان في أوقات معينة 
لا تكون أي من أقدامه ملامسة للأرض. 

وفي العام 14884 نشر إدوارد مويبريدج. المولود في إنجلترا بمدينة 
كينفستون على نهر التيمزء الذي اتهم بالقتل ثم أخلي سبيله. كتابه «النقل 
الحيواني». كما نشر كتاب «الحيوانات والنقل» في العام 1894. وبالتوازي مع 
ذلك نشر فيزيائي فرنسي وأستاذ جامعيء هو اتيني ماري :)11١1-147(‏ 
كتابه «الحركة» )١18914(‏ زوده بصور عديدة للطيور في أثناء طيرانها على فيلم 
واحد. وقد افتتح مويبريدج صالة لهذه الصور في معرض شيكاغو بكولومبيا 
العام 1855 قدم فيها البروسي اوتومار انشوتز عرضا فوتوغرافيا لقفز 
الخيول والرياضيين» وهو ما جذب اهتمام الجمهور. 

بعد ذلك بعام عرض إديسون, الذي كان قد أنشأ معملا في «مينلو بارك» 
في العام 1815: وهو العام الذي عقد فيه معرض سابق؛: عرض للبيع جهاز 
الكينتوسكوب المسجل باسمه:؛ وهو الآلة التي مكنت من مشاهدة فيلم متحرك 
بشكل فردي باستخدام عدسة. وإديسون في ذلك شرع في أن يقدم للعين ما 
يقدمه الفونوغراف للأذنء وريما يكون قد استلهمه من مويبريدج: وريما من 
ماري. على أن طموحه العملي كان محدوداء ومن ذلك أنه كان في البداية 
يفكر في الكينتوسكوب في سياق صندوق الدنياء الذي يتفرج عليه شخص 
واحد في المرة بعد أن يدفع عملة معدنيةء حيث كان يرى في الكينتوسكوب 
مجرد ملهى بنسي؛ ولم ير في استخدام جهازه لعرض صور على شاشة أمرا 
مربحا من الناحية المالية. 

غير أن إديسون عدل عن رأيه هذا بعد ذلك بعد أن عرض لويس 
لومير (1454 )١1948-‏ الذي يصغره بسبعة عشر عاماء والذي لم يكن أول 
مخترع يهتم بعرض الصور المتحركة على شاشة: المسلاط السينماتي على 
جمهور من ه”؟ شخصا بالمقهى الكبير في باريس العام 1850: وفي العام 
التالي على جمهور أكبر بالصالة الإمبراطورية للموسيقى بميدان ليستر 
في لندن. كان برنامج لندن متنوعا حيث كان يبدأ بمقدمة موسيقية؛ 


وتضمن مجموعة من الراقصين الروس وألعاب أكروبات مثيرة: ومن بين 





التاريخ الاجتماعي للوسائط 


الأفلام التي عرضت «وصول الرسالة الباريسية» و«الإبحار في البحر 
الملتوسط». إن لوميرء في أثناء عمله بحقوق براءة العام 16564, اكتشف 
جمهورا وخلق وسيطا. 

كان لومير أحد أخوين اشتغلا بصناعة أفلام سميت فيما بعد أفلاما وثائقية 
قال عنها الكاتب الروسي ماكسيم غوركي (1918-1815): بعد أن شاهد بعضها 
وأعجب بهء إن الفيلم «يولد من الحياة». كان هناك صناع أغفلام آخرون مثل جورج 
ميلي (1851 -8؟15). الذي كانت له خبرة بالسحرء ورأى أن الخدع هي نقطة 
القوة فيما عرف بعد ذلك بالسينما. وآخرون من صناع السينما تطلعوا إلى 
المسرح. ومن ذلك أن أحد المراقبين أكد أنه بدلا من أن يحل المسلاط السينمائي 
محل الورق المزود بالصور, وهو ما كان يقتصر عليه المسلاط في البداية. عليه أن 
يحل محل المسرح. . فشكل الفيلم في الحقيقة أثبت أنه متغير مثله مثل الرواية 
التي يعتمد عليها. . وفي حين كان هدف بعض صناع الأفلام هو الفن نفسه., 
خلقت الأفلام جمهورا جديدا ضخما أكبر بكثير من جمهور المسرحفيما 
سيسمى بعد ذلك العصر الذهبي للسينما؛ وهو مصطلح سوف ينطبق على 
وسائط أخرىء منها البث الذي خلق أيضا عددا كبيرا من البرامج المتنوعة. 

وقد استغرق ذلك وقتا طويلا كالوقت الذي استغرقته السينما لتطور 
أشكالها ومؤسساتهاء على رغم أن إديسون أسرع في التحول إلى الوسيط 
الجديد مستفيدا من حقوق البراءة الخاصة به وتعاون في ذلك مع إيستمان. 
في هذه الفترة هيمنت فرنسا على الإنتاج المبكر ولكن كان هناك صناع أفلام 
نشطون في أماكن أخرى كثيرة. من ذلك بريطانيا التي كانت مدينتها بريتون 
من أوائل مراكز السينماء وقد أعيد تقييم أعمال تلك الفترة في السنوات 
الأخيرة. اعتمدت سينما المفاتن: كما سميت. على جمع متنوع من تقاليد 
الأداء . فمثلا صانع الأفلام الإنجليزي وردزورث دونيسروب. مخترع 
الكينسيجراف (147): صنع فيلما موجزا لميدان «ترافالفر» العام 140.: كما 
أنتج بول؛ الذي بدأ حياته السينمائية بمضاعفة كينتوسكوب إديسون الذي لم 
يكن مسجلا في إنجاترا آنذاك. فيلما من 71 ثانية عن سباق الخيول بديربي, 
وي أمريكا أنتج صانع أفلام شاب هو سيسيل هيبورث؛ الذي سرعان ما 
أصبح محاضرا حول الفانوس السحريء فيلما من دقيقة ونصف لبلاكتون 
رسام الكاريكاتير الذي كان يرسم إديسون. 





عمليات وأتماط 


وبحلول العام ١1414‏ احتلت الولايات المتحدة المرتبة الثانية في سوق 
تصدير الأفلام. وفي ذلك الوقت كانت هوليوود بكاليفورنيا ‏ مركز العصر 
الذهبي القادم ‏ قد صنعت فيلمها الأول وكانت لا تزال قرية صغيرة من 
ثلاثة شوارع: أما حدائق البرتقال فقد أدخلت حديثا (1507) في الجزء 
العاصمي من لوس أنجليس. ومع ذلك: فحتى قبل العام :١415‏ ضمت هوليود 
نجوما سينمائيين منهم تشارئي شابلن (1845 - /1917). المولود في لندن, 
ذو الخلفية في المسرح الهزلي. 

وفي مجال السينماء الذي تأثر بقوة باعتبارات السوقء ساد في أوروبا 
الفصل بين الإنتاج والتوزيع أكبر من الفصل القائتم بين الأداء والإنتاج. وكان 
أصحاب صالات الموسيقى والمخرجون المسرحيون أول من قدموا الأفلام في 
بريطانيا وفرنساء على أن تأجير الأفلام» وليس شراءها: لم يصبح ممكنا إلا 
في العام 4 ؛ وفي وقت لاحق من ذلك العقد افتتحت صالات خاصة 
لعرض الأفلام: كانت أولاها في بريطانيا في كولن لانكشاير. وقد افتتح أول 
مسرح للعرض السينمائي [سينما] في الولايات المتحدة في بتسبرغ العام 
0 وفي فرنسا أنشا تشارلز باتي صالات العرض التابعة له. وهو ما 
نفسه فعله جومونت الذي أطلق اسمه على عدد من هذه الدور. وكانت هناك 
كلمة أخرى تستخدم لتسمية المسارح والصالات هي المسلاط السينمائي 
عمه1050: وهي كلمة استخدمها مخترع ألماني. 

في غضون العصر الذهبي تحولت كبريات دور العرض السينمائي؛ وهي 
كلمة جرى تبنيها فيما بعد لوصف هذه الأماكن؛ إلى قصور أحلام ساحرة 
تقدم أشكالا أخرى من الترفيه غير الأفلام: مثل الموسيقى التي تعزف على 
أرغونات ضخمة: إلى جانب القهوة والكيك في المقاهي الملحقة بدور العرض. 
إضافة إلى ذلك كانت بعض دور العرض السينمائي تستخدم كصالات 
أوركستراء وذلك ليس بجديدء هفي الأيام الصامتة كان يعمل في دور العرض 
هذه عازف بيانو لمصاحبة الأفلام المعروضة على الشاشة. وبين العامين ١51١7‏ 
و؟؟15., ارتفع عدد دور العرض السينمائي في مدينة ليفريول مثلا من ؟؟ 
إلى 19 (ضي حين انخفض عدد المسارح من ١١‏ إلى :)١‏ وفي العام ١577‏ قدر 
أن أربعة من كل عشرة أشخاص كانوا يدخلون السينما مرة أسبوعياء وواحدا 
من كل أربعة يدخلونها مرتين أسبوعيا. 





التاريخ الاجتماعي للوسائط 


في هذه الآونة. على نحو بطيء ولكن ينطوي على مثابرة: انتقلت 
مشروعات الأضلام من أيدي الجهلة العدوانيين؛ الذين ليس لديهم ذوق أو 
تقاليد ولكن لديهم إحساس عال بالمشروعات؛ كما أسماهم غيلبرت سيلدز 
المؤلف الأمريكي صاحب التحليل الرائد «الجمهور الكبير» (1901). ! إلى أيدي 
شركات أكبر. . غفي العام ,.١15١9‏ أنشتت شركة «طمهدعهاقسعمك لوأعمتوممط 
4 665امع1» في بريطانيا برأس مال أولي قدره ٠٠١‏ ألف جنيه. وبعد ذلك 
بعشرين عاما كانت هناك مؤسستان ضخمتان تكونتا من خلال اندماجات: 
الأولى «دمنه ممه متتل لكنا مهمه س0 عط )١5517(‏ التى كان لها 
ارتباطات مع شركة فوكس للسينما في الولايات المتحدة, وتمتلك 7٠0‏ دار 
عرض سينمائية:؛ والثانية «مقتزعمان) طكتاترظ لعنمزعمووفض (5178 )١‏ التي كانت 
مرتبطة بشركة فيرست ناشيونال وشركة باتيء وقد بدأت ب 78 دار عرض 
سينمائية؛ ازدادت في خلال العام إلى 8: وفي عام 1577 ظهرت شركة 
ثالثة, هي «أنناه10ن 0م006)» لكنها لم تصنع أفلاما. 

تأثر نمط صناعة الأغلام بوجود براءات الاختراع الخاصة بإديسون, التي 
كانت قومية وليس عالمية. ٠‏ وفي العام 4 ؛: حدثت محاولة من جانب عشر 
شركات أمريكية رائدة شي الإنتاج والتوزيع - جميعها تستخدم حقوق البراءة 
الخاصة بإديسون بالاتفاق مع إديسون ‏ لتأسيس شركة اندماجية احتكارية, 
هي «شركة الصور المتحركة» زمةصصره0 5أمعنو2 سونط و10 . . في ذلك 
الوقت كانت الشركات المستقلة. وهو مصطلح كان في السابق يستخدم مع 
الفن والمشروعات. قد وصلت إلى هوليوود. كما وصل إليها أيضا شارلي 
تشابلنء الذي كان يعمل من قبل في نيويورك في استديوهات كيستون 
لصاحبها ماك سينت (1888- 1510). ليلمع كنجم في أفلام آلكوميديا 
الرخيصة. وكان أول أفلامه في هوليوود «البحث عن لقمة العيش» ,)191١4(‏ 
الذي حصل تشابلن من خلاله على ثناء عالمي وعقود سخية. وحيث لا يمكن 
أن يوجد نجوم بلا معجبين. فقد كان هناك بالفعل كلا هذين النوعين قبل 
ظهور هوليوود . وفيما يتعلق بالمسرح كان هناك ما يسمى معيودي المساء. 

كانت مبررات تشابلن للانتقال إلى هوليوود تتعلق بالعمل؛ وليس بالرغبة 
في نحقيق مزيد من الثروة. فبعد أن ضجر تشابلن من «حروب فطيرة 
الكسترد» على مسرح سينت؛: أسس لنفسه في العام ١5١19‏ استديو وشركة, 






































عمليات وأتماط 


الفنانين المتحدين: مع دوجلاس فيربانكس (1887 -1959) وماري بيكفورد 
(1895 - 19175) التي أصبحت نجمة؛ وهي بالفعل أول سيدة تصبح نجمة: 
وغريفيث (14170 - .)١1954‏ وفي العام 1410.: أنتج غريفيث, الذي كان يكبر 
تشابلن بأربعة عشر عاماء فيلم «ميلاد أمة» :)١1510(‏ وهو واحد من أوائل 
أعمال هوليوود الكلاسيكية (كلمة أصبحت شائعة في المستقبل). وقد 
استخدمت في هذا الفيلم الطويل؛ الذي لم يمثل فيه إلا الممثلون البيض؛ 
مؤثرات كثيرة. ومنن العام 1516: وهذا الفيلم يعاد تفسيره باستمرار كأي 
أويرا من أوبرات فيردي. وقد وصف الرئيس وودرو ويلسون مشاهدة هذا 
الفيلم بأنها تشبه «قراءة التاريخ بومضات من الضوء» لكنه لم يعلق على 
طول الفيلم. 

في العام 157١‏ دار حديث عن التشابلنية [نسبة إلى تشابلن] مع تضمين 
منتجات أخرى إلى جانب الأفلام: أغان ورقصات ودمىء وأيضا الكوكتيل؛ 
وهي تشكيلة أصبحت فيما بعد مألوفة في الأفلام؛ ثم في الرياضة. وقد 
اكتسبت أطلام تشابلن في العشرينياتء لا سيما فيلمه مؤت 0014 16» 
(1478). طابعا أسطوريا. أحب الناس في تشابلن الذي كان يوصف بالمتسكع 
أو الرفيق ضئيل الحجم.: الرحمة وخفة الظل والانضباط والشفقة: وقد 
اعتبره سينت أعظم فنان على الإطلاق» وقد استمرت شهرته في النمو 
حتى مع ظهور نجوم آخرين مختلفين عنه تماماء مثل رودلف فالنتينو 
(1975-1856): المحب الكبير. وبعد ازدهار أمريكا غير المسبوق في 
العشرينيات والكساد اللاحقء غير المسبوق أيضاء الذي بدأ في العام 21559 
افتتن المؤرخون الاجتماعيون بفيلم تشابلن «العصر الحديث» (1957): الذي 
قدم خطوط تجميع من ذلك النوع الذي قدمه هنري فورد ,)١1417  1477(‏ 
تماما كما افتتن الرئيس ويلسون في العام 15١6‏ بفيلم «ميلاد أمة». 

هناك أفلام أخرى أنتجت أثناء العشرينيات والثلاثينيات حققت الشهرة 
نفسهاء منها فيلم «0115م0]ء221» لفريتز لانغ: الذي أنتج في ألمانيا العام 21951 
وكان تصويرا كثيفا لحياة المدينة. كان لانغ (1850 - 19775). الذي ولد بعد 
تشابلن بعام؛ يتعامل مباشرة مع الأسطورة. وبدأ أفلام الجريمة بفيلم ,2 
تعاعام5 نعل عقناطو/ة» )١5715(‏ وكان فيلمه الناطق الأول» «30» الذي صنع 


العام ,.١195١‏ أحب أفلامه إلى قلبه. 





التاريخ الاجتماعي للوسائط 


كان الفيلم. شأنه شأن الرواية. شكلا دولياء ومن بين المخرجين الكبار نجد 
الروسي سيرجي ايزينشتين )١1558-1854(‏ والياباني أكيرا كوروساوا 
)918-16٠(‏ والسويدي انفمار بيرغمان (151).: ابن القس اللوثري الذي 
كان قس العائلة الملكية السويدية. بيد أنه في تاريخ الرواية لم؛ ولن تكون 
هناك مدينة واحدة مثل هوليوود. بمنظومة استديوهاتها القوية. مركزا 
للأفلام وصناعة السينما. ولأسباب عديدة؛ منها ما هو سياسيء تدفق عليها 
الممثلون والمخرجون من الخارج. وقد كان على تشابلن؛ الذي لم يصبح قط 
مواطنا أمريكياء أن يهاجر في العام 1507: عندما قامت وكالة الاستخبارات 
الأمريكية بحملة مطاردات ضد الشيوعيين. حتى هوليوود كان بهاء مند فترة 
طويلة نظام رقابة يأخذ شكل المدونة أبتكره هيس )١1504 ١817/5(‏ في العام 
9 .. كان هيس في السابق مديرا عاما للبريد في حكومة الرئيس هارينغ 
قبل أن ينقل إلى هوليود العام 1517. 

إن السياق المشروعاتي للفيلم والرواية كان مختلفا تماماء ومن بين 
المستقلين الذين انتقلوا إلى هوليوود ادولف روكور (1477 - 15177) الذي: 
يعد أن ساعد في تحطيم شركة «كامعاوط عمنغءلط 2100600 عط1ا». تحول هو 
نفسه إلى الدمج وانتقل من الإنتاج إلى التوزيع» وهو أيضا الذي قاد الطريق 
من هوليود إلى وول ستريت. عندما اشترك في العام ١5١5‏ في جمع 
اعتمادات مالية بلغت ٠١‏ ملايين دولار في أول محاولة كبيرة من نوعها. 
لتمويل السينما من سوق رأس المال. وسيطر بعد ذلك بعامين على 7٠١‏ دار 
عرض سينمائية . وعندئذ ظهرت شكاوى ضده.؛ كما اشتكى هو من قبل؛ من 
قبيل أنه جعل من الصعب على صغار منتجي وموزعي الأفلام والمستقلين 
منهم الدخول والاستمرار في صناعة الصور المتحركة, أو استئجار شركات 
سينمائية فردية قوية. وقد ظلت الصعوبات من هذا النوع قائمة وظل الكبار 
يسيطرون على النظام. 

ظهرت مؤسسة جديدة تصاحبيها الأخوين وورئرء اللذين كانا يعملان في 
المسرح النيكلي دمعلمع اعنم قبل أ ن يصبحا من الكبار في عالم صناعة 
السينما. وقد استخدما وصنعا نجوما كثيرين في أفلام كثيرة؛ فمن خلال 
مؤسستهما ٠‏ وهو ما سجل في أفلام, أنتج فيلم «مطرب الجاز» العام /11 5 
وهو أول فيلم صوتي شهير أذن بدخول العصر الذهبي للسينما. (في أثناء 







































































عمليات وأثماط 


إنتاجه كان ميكي ماوس لوالت ديزني مازال على لوحات الرسم). تكلف فيلم 
مغني الجاز ٠5٠١‏ ألف دولار. وحقق أرباحا خمسة أضعاف هذا المبلغ من 
شباك التذاكر, وهو المحك النهائي لأي فيلم تجاري. وفي العام 1574: قدرت 
الأصول المالية لمؤسسة الأخوين وورنر ب ١1‏ مليون دولارء وفي العام 2197١‏ 
مع الانهيار المالي المفاجنٌ في نهاية عام 19795ء صمدت هذه الأصول عند 
٠‏ مليونا. 

كان من الصعب على أصحاب المصالح في قطاع السينما في الدول 
الأخرى أن يواجهوا هوليوود. على رغم أنه مع نهاية الأغلام الصامتة ودخول 
الصوت ساعد التعدد الكبير في اللفات في العالم؛ وهو ما وصف ضي دوائر 
الراديو بأنه رطانة. على إعطاء منتجي الأفلام غير الأمريكيين فرصة:؛ كانت 
غائبة فى بريطانيا أيا ما كانت الاختلافات بين اللفتين الأمريكية والإنجليزية. 
لقد عبرت الأفلام عن الثقافات الوطنية المختلفة. وهو ما كان يجري في 
الغالب بشكل غير شعوري أو مقصودء وفي بعض الأحيان بشكل متعمدء وقد 
كانت فرنسا على طول الخط وألمانياء حتى مجيء هتلر في العام ؟1555, 
تؤكدان دور الأفلام كفن. كان هناك إحساس قوي بوجود رواد مبدعين في 
مجال السينماء وكان هناك صناع أفلام يضعون حدودا قاطعة بين إنتاجهم 
والأفلام التجارية التي تعرض في دور العرض. وقد استبق جورج جيسنج في 
القرن التاسع عشر إلى ما سوف يقوله هؤلاء فيما كتبه حول الأدب في روايته 
«حي غراب الجديد» (1851). 

مع دخول الثلاثينيات حدث تحول جديد؛. حيث دفع الكساد إلى صنع 
أفلام تعبر عن الضمير الاجتماعي لصناعها. وفي أوروبا تأثرت الأفلام 
بصناع الأفلام الوثائقية. كما كان للراديو تأثير. يرى الفرنسي أندريه 
مالارو أن الأفلام الناطقة لم تصبح شكلا فتيا إلا عندما أدرك المخرجون أن 
النموذج الذي يجب أن يتتبعوه هو أسلوب الراديوء وليس أسطوانة 
الفونوغراف. ومع ذلك فليس هناك أشياء مشتركة كثيرة بين أسلوب الراديو 
والأفلام الموسيقية الملونة الكثيرة التي كانت تنتج قرب نهاية الثلاثينيات. مثل 
«ساحر أوز» (1975) أو الفيلم الملحمي «ذهب مع الريح» الذي ظهر في العام 
نفسه. وفي أثناء الحرب العالمية الثانية» كانت جماهير ضخمة تقبل على 
مشاهدة هذه الأفلام. 





التاريخ الاجتماعي للوسائط 


وفي بريطانيا برز في دوائر الحكومة بدءا من 1477 اتجاه حمائي إزاء 
السينما. وحتى ذلك الوقتء كان إجراء السيطرة الوحيد من جانب الحكومة 
على صناعة السينما هو قانون العام :15١4‏ الذي أعطى السلطات المحلية قوة 
التترخيص للأبنية التي تريد أن تصبح دور عرض والرقابة على الأفلام 
(الصناعة ذاتها أسست الهيئة البريطانية للرقابة السينمائية العام 1917). 
والحكومة, التي لم تجد ما يبرر تقديم مساعدة مالية لصناعة السينما 
البريطانية: اعترفت في العام /ا147 أن هناك أسبابا تدعوها إلى التدخل. 
وذلك لضخامة ما وصفه البرلمان بالمصالح الصناعية والتجارية والتعليمية 
والإمبريالية المتضمنة في هذه الصناعة. وحتى العام 1417: كان 0 فقط من 
الأفلام التي تعرض في بريطانيا تصنع في الداخل. وجاء القانون البريطاني 
للأفلام السينماتية العام 19717, الذي وصفه جيفري ريتشاردز بأنه خرق 
صريح لمذهب التجارة الحرة؛ ليهيمن على تقدم صناعة السينماء واستحدث 
نظام حصص (ظل هذا النظام في قانون العام 19517).: وأنشاً لجنة استشارية 
للأفلام السينمائية لتقديم النصح لمجلس التجارة حول تطبيق القانون. 

في غضون ذلك. لم يكن التلفزيون قد أصبح منتظما بعد في أي دولة, 
على رغم أن كلمة تلفزيون كانت قد ابتكرت؛ في فرنساء العام :15٠١‏ بل 
ويمتد تاريخ التجريب إلى أبعد من ذلك في القرن التاسع عشر. تحديدا العام 
59 :؛ وهو العام الذي يمثل نقطة تحول في تاريخ التصوير. ففي العام 
17 ويعد تجارب إدوارد بيكويريل؛ لاحظ ويلوغبي سميث ‏ مهندس 
التلغفراف الذي أشرف على مد الكابل العابر للأطلنطي ‏ الارتباط بين 
السلوك الشاذ لمقاومات السيلينيوم وضوء الشمس. وفي العقد نفسه. عرض 
محام فرنسي كيف يمكن استخدام السيلينيوم في جهاز مسح الضوء؛ ولكنه 
كان يمصد فقط نقل صور فردية لحظية ولكن سريعة الزوال: وليس صورا 
متواصلة على شاشة. أما تلغراف الصور. وهو تعريف أو تسمية متواضعة 
بالضرورة: الذي عرضه الإنجليزي شيلفورد بيدويل بعد ذلك بثلاث سنوات 
أمام الجمعية الفيزيائية بلندن؛ فهو أبو الفاكس وليس التلفزيون. 

إن الأساس التقني للتلفزيون يختلف عن الأساس التقني لإرسال الصور 
غير المتحركة التي عرضها «بيدويل»؛ فالأساس التقني للأول يتضمن مسح 
صورة بحزمة أشعة في سلسلة من الخطوط المتتابعة تتحرك من أعلى إلى 


عمليات وأتماط 


أسفل ومن اليسار إلى اليمين. وكل جزء من الصورة عندما يمر عليه الضوء 
ينتج إشارات تتحول إلى نبضات كهربائية قوية أو ضعيفة: وهذه النبضات يتم 
تقويتها وإرسالها عبر الأسلاك أو الهواء عن طريق موجات الراديو التي تحول 
ثانية إلى إشارات ضوئية بالترتيب نفسه. وبالقوة نفسها التي كانت عليها في 
المصدر الأصلي. وقدرة هذه الصور على الظهور للعين البشرية كصور كاملة 
ومتحركة على شاشة تعتمد على استبقاء الرؤية. ولم يحدث أي تطور آخر في 
هذا المجال إلا بعد اختراع المكبر الصمامي الذي كان الأساس لتلفون الراديو. 

ثمة أسلوبان ممكنان للمسح: المسح الميكانيكي عن طريق أسطوانة, 
والإلكتروني عن طريق شعاع إلكترونيء وقد أجريت تجارب على كل منهما 
قبل العام 1514. قفي عام 1144 فكر «بول بيبكو», أحد طلاب العلوم ببرلين. 
في أول ماسح ميكانيكي؛ على رغم أنه لم يتمكن من اختراعه؛ وكان يفكر في 
جهاز ميكانيكي يتمثل في أسطوانة دوارة مثقبة بشكل حلزوني بثقوب صغيرة 
يشع منها ضوء قوي. أما المسح الإلكتروني الذي أثبت أساسيته للتلفزيون 
الجماهيري فقد تعامل معه «كامبل سوينتون» في العام 11١4‏ على هذا 
الأساس. واقترح توظيف شعاعين من أشعة الكاثود: واحد في محطة الإرسال 
وواحد في محطة الاستقبال يحرفان بشكل متزامن عن طريق مجالين 

«وفيما يتعلق بجهاز الاستقبال [لم يسمه تلفزيون] فإن شعاع الكاثود يجب 
تعديله فقط ليصطدم على شاشة فلوريسنت حساسة:؛ كما يجب أن يعطى 
التغيير المناسب للحصول على النتائج المرغوية». 

عندما كتب «سوينتون» هذه الكلمات لم يكن يعرف شيئًا عن التجارب التي 
تجرى في سانت بطرسبرغ على يد «بوريس روزنغ». الأستاذ في المعهد التقني؛ 
الذي تقدم العام 101 لتسجيل جهاز تلفزيون باستخدام أنبوب كاثود 
كمستقبل. كان العمل في مثل هذه الأنابيب قد بدأ في ألمانياء لكن روزنغ 
أخذها خطوات للأمام مطورا تماذج أصلية لهاء وقد انتهت حقوق براءة 
اختراعه في روسيا في أثتاء الحرب العالمية الأولى. 

وبعد الثورة [البلشفية] سجل «ضلاديمير زوروكين». أحد تلاميذ روزنغ؛ 
الذي هاجر مرتين إلى الولايات المتحدة (عاد في المرة الأولى إثر فشله في 
العثور على فرصة عمل)؛ سجل بنجاح جهاز تلفزيون كهريائيا بالكامل العام 


















































التاريخ الاجتماعي للوسائط 


55 . وانضم «زوروكين» فيما بعد إلى هيئة الراديو الأمريكية 204 ,؛ وأخذه 
سارتوف سر لإدارة أحد معاملهة:؛ وطور أنبوب كاميرا جديدة هي 
الأيقونوسكوب ذات 5*١‏ خطا التي وصفها. دون أن يعرضهاء أمام مؤتمر في 
شيكاغو العام ”157 يأنها نسخة جديدة من الغين الكهريائية. 

هناك فارق شاسع بين التنبؤ على أساس المعرفة العلمية. كما فعل 
زوروكين؛ والتأمل الشعبي لمستقبل الصور على الشاشة. ومع ذلك فإن النوع 
الأول من التنبؤ لا يضع في اعتباره دائما كما عرف ماركوني جيداء الحاجة 
إلى المشروعات والانتشارء إلى جانب المعرفة. بل وفي جوانب معينة يكون 
التتبؤ الشعبي أقرب إلى الواقع؛ وإن كان يبعد عنه تماما في جوانب أخرى. 
وقد كان أحد كتاب مجلة عداماطعن1ء وهي واحدة من مجلات العلوم الشعبية 
الكثيرة: أقرب إلى الصواب عندما قال في العام 1855 إنه: 

«قبل أن ينتهي القرن المقبل سيكون في مقدور أحفاد الجيل الحالي أن 
يرى بعضهم بعضا عبر الأطلنطي؛ وسوف تعرض الأحداث الاحتفالية العالمية 
الكبيرة التي تنقلها الكاميرا في لحظة حدوثها نفسها أمام البشرية». 

كانت السينماء أكثر من المنزل: في حسبان كاتب آخر عندما تنيأ بأنه: 

«سيكون في مقدور مخرجي المستقبل أن يسافروا مع سباق الخيل بدربي. 
أو جائزة الففران» أو مع مباريات الكريكيت [التي لم تستمر لأسباب لم يتنبآ 
بها ]؛ أو بطولة المصارعة:؛ أو سباق القوارب الجامعي. أو جولة كبيرة 
بالقفازات في النادي الرياضي القومي ليعرضوا لكم المتفرجين والمسؤولين 
والحكام والقضاة والخيول والفرسان والقوارب وال ماء والملاعب وغيرها كثيراء 
ويصطحبوكم إلى الأحداث الرياضية اليومية, أيا كان مكانها الذي تريدون أو 
أينما كنتم تريدون المشاهدة». 

كان هذا الكاتب. مثل متنبئين كثيرين: يقارن العين بالآذن؛ ومع ذلك فإن 
أيا من هؤلاء الكتاب لم يركز على المخترعين الذين سيجعلون هذه الأشياء 
ممكنة؛ أو على الأجهزة؛ ومنها الشاشات, التي ستمكن المشاهدين ‏ كلمة 
مستقبلية ‏ من متابعة الأحداث البعيدة. 

وبعد ذلك بجيل؛ عندما كون التلفزيون العملي أول جمهورء كان الموقف 
مختلفا. عرضت أجهزة التلفزيون للبيع في أواخر العشرينيات؛ ولم تكن قد 

٠‏ نوقشت كثيرا قبل ذلك. كان التركيز في بريطانياء في ذلك الوقت. منصبا 





عمليات وأتماط 


على مخترع محدد هو الإسكتلندي جون لوغي بيرد (1947-1844): ابن 
قسيس مولود في هيلينسبرغ. كان أول ماسح ميكانيكي لهذا الإسكتلندي, 
المنعزل رث الملبس ولكنه مبدع ومتقن في الوقت ذاته. مصنوعا من صندوق 
القبعات. وقد ثمن «بيرد» الحاجة إلى الانتشارء حيث كان يعتمد على جمع 
أموال من الآخرين؛ وبالتالي اجتهد لنشر التلفزيون على جانبي الأطلنطي أكثر 
من أي شخص آخر. وقد كان بيرد في قمة الإثارة. عندما رأى أصابع 
مساعده الصغير «ميلز» تظهر على الشاشة:؛ وازداد إثارة عندما رأى رأس 
وكتفي ساعي مكتبه «ويليام تايتون» الذي أفزعه الضوء الأبيض الكثيف 
للمصباح القوسي الذي كان بيرد يستخدمه في الإستوديو؛ ومن مبلغ سعادة 
بيرد أنه منح تايتون مكافأة ضخمة. 

ويعد يوم الثلاثين من سبتمبر من العام 1575: اليوم الذي أعطت فيه هيئة 
الإذاعة البريطانية لبيرد. على مضض وبعد مفاوضات مطولة: الإذن ببدء 
خدمة تلفزيون تجريبية, يعد من التواريخ الفارقة. وقد أخبر رئيس هيئة 
التجارة البريطانية المشاهدين (الذين لم يتم وصفهم بهذا الاسم بعد) أنه 
يتطلع من هذا العلم التطبيقي الجديد إلى أن يشجع ويوفر صناعة جديدة 
ليس فقط في بريطانيا أو الإمبراطورية البريطانية: وإنما لكل العالم. 

قبل ذلك بعام حذر الفيلسوف وعالم الرياضيات البارز «برتراند رسل» 
قراءه من أنه على الرغم من أن الجهازء الذي جرى تركيبه قادر على إرسال 
صور واضحة لأشياء حية غير متحركة؛ كرسم أو صفحة كتابة أو وجه مضيء 
غير متحرك إلا أنه. كما رأى؛ لم ولن يتطور في المستقبل جهاز يمكنه إرسال 
صور حية حقيقية متحركة مثل سباق القوارب أو الخيول... ووجد أن من 
الواجب أن ننصح الجمهور بإسقاط تلك النبوءات المسرفة التي ظهرت في 
صحف غير متخصصة حول الموضوع. 

كان رسل مخطئاء كما كان «ويلز» في بداية القرن العشرين؛ عندما ناقش 
مستقبل الطيران. فقد أصبعح التلفزيون حقيقة «واقعة». عندما بثت إحدى 
مسرحيات «بيرانديلو» تلفزيونيا في يوليو .157١‏ وبالتوازي مع بيرد كان 
المهندسون الألمان بقيادة البارون «مانفريد فون اندريه» يجريون جهاز ٠١‏ خطا 
إلكترونيا بالكامل. عرض بمعرض برلين للراديو العام ١؟19‏ مع جهاز 
استقبال. كان هؤلاء يعملون بشركة 1865256 وهي شركة تابعة لإحدى مصائع 





التاريخ الاجتماعي للوسائط 


الكاميرات التي كانت تستخدم حقوق البراءة الخاصة بييرد. وقد واجهت هذه 
الشركة منذ البداية منافسة داخلية من جانب شركة تلفونكن «ععلستقعاء1” التي 
كانت تعتمد على حقوق البراءة الخاصة بهيئة الراديو الأمريكية 1204؛: وقد 
كان أنبوب أشعة الكاثود منخفض التكاليف لألين كالكوم دو مونت في العام 
١‏ أحد الخطوط المهمة للاختراعات الأمريكية. وبعد ذلك بسيع سنوات 
تم تسويق أول مستقبل تلفزيوني إلكتروني بالكامل. 

في بريطانيا كانت علاقات «بيرد» بهيئة الإذاعة البريطانية وهيئة البريد, 
التي كان من الضروري الحصول على موافقتها على البث التلفزيوني 
التجريبي. علاقات معقدة. ليس فقط لأن هيئة الإذاعة كانت مرتابة ضفي 
التلفزيون: حيث كان بعض مديريها البارزين مرتابين بالفعل: ولكن أيضا لأنها 
كانت ترتاب في بيرد نفسه وزملائهء ومنهم «إيزودور أوسترر» الذي كان يدير 
(لبعض الوقت) شركة جومونت البريطانية للأفلام واشترى صحيفة (008ناك 
5566 . كان بيرد مهتما بكل جوانب التلفزيون بما في ذلك البث لمسافات 
بعيدة: والتلفزيون الملون ذو الشاشة الكبيرة: ولكنه وجد صعوبة أيضا في 
العمل في الولايات المتحدة التي قوبل فيهاء كما في بريطانياء بمقاومة من 
جانب الأمريكيين المتحصنين من أصحاب المصالح في الراديو. 

كل هذه العوامل بالإضافة إلى التكنولوجيا حددت مستقبل التلفزيون, 
بما في ذلك توقيت ظهوره؛ ومنن البداية كانت كل المزايا المشروعاتية فضي 
جانب الشركات الضخمة وليس المخترعين الفرديين. من هذه الشركات 
الشركة المتحدة للصناعات الكهربائية والموسيقية 5341 التي تكونت حديثا 
بالاندماج. وفي الثلاثينيات لم يكن هناك تبادل للمعلومات بينها وشركة 
ماركوني للاسلكي وهيئة الراديو الأمريكية 804 وشركة بيردء الذي ترك 
على الهامش كما حدث مع المخترع الأمريكي «جينكينز»» الذي أسهم من قبل 
في تطوير المسلاط السينمائي والذي. مثل بيرد أيضاء قام بتجريب 
الماسحات الميكانيكية. 

ساعد مخترع أمريكي آخر, هو «فيلو فرانزورث» المولود في إحدى مزارع 
«إيداهو». على تطوير تلفزيون إلكتروني بالكامل باستخدام آلات مختلفة 
تماما عن تلك التي استخدمها «زوروكين». كان فرانزورث محظوظا.؛ إذ انضم 
إلى فريق شركة فيلادلفيا للبطاريات؛ منافسة هيئة الراديو الأمريكيةً 2ع8, 








عمليات وأتماط 


التي كانت تنتج أجهزة الراديو بما في ذلك أجهزة راديو السيارات. ترك 
فرانزورث شركة فيلادلفيا وديا بعد أن حقق الأمان المادي؛ ولكن قبل أن 
يتركها منح حقوق البراءة الخاصة به لبيرد الذي كان في ذلك الوقت قد 
تحول إلى المسح الإلكتروني. في ذلك الوقت شكلت الشركة المتحدة 
للصناعات الكهربائية والموسيقية 8211 التي اشترت حقوق البراءة الخاصة 
بهيئة الراديو الأمريكية 204 : فريقا رائعا بقيادة خبير آخر من تلاميذ 
«روزنغ» هو «إيزاك شونبرغ», الذي كان يعمل في السابق مع شركة ماركوني: 
وكان من بين أعضاء الفريق أيضا «آلان بلومين»: العبقري الذي كان ذهته 
لا يجف من الأفكار المبدعة. بدأ هذا الفريق, باستخدام كاميرا «إميرتون». 
في تطوير جهاز :0٠‏ خطا لبريطانيا. وفي هذه الأثناء نفسها كانت شركة 
1 في ألمانيا؛ التي كانت مهتمة بالغراموفون إلى جانب الراديو 
والتلفزيون. تنجرب تصميم «زوروكين». 

بحلول منتصف الثلاتينيات كان في كل من بريطانيا وألمانيا نظاما تلفزيون 
يحرض كل منتهما ضد الآخر في صراع وصل ذروته في بريطانياء عندما 
وضع الاثتان في المواجهة من أجل الااختبار ‏ كما حدث من قبل في تاريخ 
السكك الحديدية ‏ في خريف العام 1577. وفي يناير من العام 1950 أوصى 
تحقيق حكومي رسمي بافتتاح خدمة محدودة ولكن عامة بمعشى الكلمة (دون 
تحديد مقترحات محددة حول التمويل)؛ وإنشاء لجنة استشارية للتلفزيون. 
واستجابة لذلك نظمت هيثة الإذاعة البريطانية في أغسطس من العام ١575‏ 
أول إرسال تلفزيوني من «راديو ليمبيا». معرض تجارة الراديو الرئيسي. 
وسمي أول برنامج «ها نحن ننظر إليك». وبدأ التجريب بجدية في الثاني من 
توفظمبرء عندما أعطي نظام بيردء بعد إجراء قرعة. الفرصة للبث. وصف 
نظام بيرد بأنه صنع «بالكد الإنجليزي المعهود فجاء بنفس متانة البارجة». في 
حين اتخذت شركة 1-5111ه313:00 «نظام اليوم والغد» شعارا لها. 

كانت أول استوديوهات استخدمتها هيئة الإذاعة في قصر الإسكندرية, 
وهو أحد مراكز الترفيه الكبيرة في القرن التاسع عشر حين كان مزودا 
بأرغون ومضمار سباق. أما بيرد نفسه فقد كان يعمل في ذلك الوقت في 
القصر البلوري. وهو ما يعني أن تكنولوجيا التلفزيون المتقدمة الجديدة كانت 
تتطور في لندن الفيكتورية. مع ذلك وكما يرى «سيسيل مادين». كانت 





التاريخ الاجتماعي للوسائط 


تكنولوجيا الشركة المتحدة للصناعات الكهرياتية والموسيقية 5211 أكثر تقدما 
بكثير من نظام بيرد الذي كان أشبه بشفرة مورس. لم يكن ذلك رأي مادين 
وحدهء فعندما رأى مهندس هيئة الإذاعة «بيركينشو» نظام 1/1ظ-نهم:ة11 
الذي كان مزودا بكاميرات إميرتون جديدة لأول مرة في العام 4؟19 لم يشك 
في أنه يمكن أن ينتصر على غيره وكان لديه سبب آخر: 

«فصوره لا تنتج بوسائل ميكانيكية؛ وليس هناك أسطوانات تثز أو أصوات 
منعكسة؛ بل صمت وخفة وقابلية للنقل» ويوضح اتجاه الأشياء. ومن السهل أن 
ترى حتى في ذلك الوقت أن نظام بيرد لا يمكنه أن يعمل في أي مكان... بل 
وليس باستطاعته عمل بث خارجي. وفي رأيي أن كل ما اخترعه بيرد أو 
تصوره يمكنه أن يعمل بثا خارجيا». 

كان «بيركنشر» محقاء فبيرد الذي عمل أكثر من أي شخص آخر في 
العالم على نشر التلفزيون العملي. خسر المنافسة عن استحقاق وخسر معها 
أشياء أخرى كثيرة؛ ولكنه مع ذلك ظل يعمل في التلفزيون حتى وفاته؛ ولكن 
شركته وضعت تحت سيطرة الحارس القضائي في العام 1975. 

حاول أحد المهندسين. الذين عملوا مع بيرد وأصبح خبيرا في الرادار, 
وهذا الأخير جزء من نظام لبى حاجات الحروب. حاول وضع عمل بيرد في 
منظور بعيد الأمد. ولكنه. وكما علق «جيم بيرسي». كان في نهاية المصر 
الميكانيكي. إذ كان يفكر بطريقة العجلات والضروس والأدوات التي كانت 
منتشرة حوله؛ فقد كان منقطها بالكامل عن عصر الإلكترونيات؛ فلم يكن 
يعرف كيف يعمل أنبوب الكاثود؛ ولكنه مع ذلك خلق طلبا... فلولا صراخ بيرد 
وصياحه ويثه صورا ذات "١‏ خطا غير بارعة في لندن لما ظهر التلفزيون في 
هذا البلد قيل الحرب العالمية الثانية. لقدٍ أثبت بيرد أن التلفزيون يمكن أن 
يعمل؛ وإن لم يحدد كيف يمكن ذلك. 

في الدول الأوروبية الأخرى ‏ التي لم يكن فيها بيرد ‏ فاز التلفزيون 
الإلكتروني بسهولة. وفي ألمانيا خسرت شركة لءكمعه1 أمام متافسهاء كما 
حدث مع بيرد. في هذه الأثناء كان إنتاج أجهزة الكاميرا والتلفزيون قد حقق 
تقدما في كل من هولندا والسويد . غفي العام ١5”6‏ شيدت شركة ومتلتطط 
محطة بث هولنديةء وبدأ في العام نفسه إرسال تجريبي ذو ١8١‏ خطاء أصبح 
فيما بعد 45٠‏ خطا كما في بريطانيا؛ وعندما اندلعت الحرب عام ١579‏ 






































عمليات وأتماط 


كانت أجهزة تلفزيون فيليبس المعروضة للبيع يمكن استخدامها سواء في 
من الهيئة السويدية للتلغراف والراديوء وهي شركة تابعة لشركة ممدوعر8 


لصناعة التلفون. 
وفي فرنساء وقبل أن يتم تركيب إيقونوسكوب في معرض باريس للعام 
957 كانت هناك تجارب من جانب شركات تايعة لبيرد: وقد افتتحت إدارة 


البريد والتلغراف والتلفون محطة جديدة في برج إيفل. وقيل عن هذه 
المحطة؛ التي كانت تستخدم نظام 450 خطاء إن سعتها القصوى 1:50 ألف 
واط» وهو ما جعلها أقوى محطة تلفزيون في العالم. 

في هذه الأثناء كان التلفزيون في بريطانيا قد أوقف في بداية 
الحرب. وعلى رغم أن التلفزيون في ألمانيا وفرنسا استمرء حتى وإن لم 
يكن بشكل منتظم؛ فإنه لم يعد إلى لندن إلا العام 1941, ولجمهور 
محدود للغاية. إن عصر التلفزيون الذي سنتئاوته في المفصل التالي لم 
يبدأ إلا في الخمسيتثيات. . وفى الولايات المتحدة واليابان كان يُستخدم 
6 خطا وفي أورويا 5560 خطا. وستكون هناك اهتمامات مختلفة 


الغراموفون 

كان إديسون أول مخترع اهتم بإرسال الصورء ولكنه كان مهتما أكثر في 
سبعينيات القرن التاسع عشر بإرسال الكلمات والموسيقى. ولذلك فمن 
الأممية بمكان أن نقارن التاريخ المبكر للسينما بالتاريخ المبكر لصناعة 
الغراموفون. فإذا كانت الأولى قد أخرجت الناس من المنازل: فإن الثاني كما 
فعل التلفزيون ‏ أعادهم إليها. وقبل أن ينخرط إديسون في هذا المجال كان 
المصور الفرنسي «نادار» هو من فكر بلغة مقبولة في جهاز صوتي من نوع 
جهاز داغر التصويري يمكنه نسخ الأصوات التي تعرض عليه بأمانة وسهولة. 
ومثله مثل سارنوف, الذي جاء بعده بوقت طويل؛ اقترح نادار صندوقا يلتقط 
الألحان ويثيتها مثل الحجرة المظلمة التي تلتقط وتثبت الصور. وأطلق على 


ماكينته هذه اسم الفونوغراف. 











التاريخ الاجتماعي للوسائط 


كان إديسون: الذي لقبته يعض الصحف الأمريكية بالأستاذ وهو بعد في 
سن الثلاثين: هو الذي حول هذا التصور إلى حقيقة:» بل وكان مهتما بأكثر من 
مجرد تسجيل الصوت للمعاصرين. وبعد بحوث جماعية مدققة ومدونة جيدا 
سجل في العام 1877 براءة اختراع «الحاكي التلفراضي» الميكانيكي ‏ قبل ذلك 
بعام كان «بل» قد سجل اختراعه ‏ وفيه توضع أسطوانة مغطاة بالورق على 
قرص دوار وإبرة تسجيل حفارة معلقة على ذراع تحفر سلسلة من النقاط 
والشرط بشكل لولبي. لم يكن إديسون يشك في أن باستطاعته تسجيل وإعادة 
إنتاج الأصوات البشرية: وقد وصف اكتشافه في مجلة مدعتعصسة علكتامء 50 
بأنه «اختراع مذهل قادر على تكرار الكلام إلى ما لا نهاية من المرات عن طريق 
الأسطوانات الأوتوماتيكية». 

أكد إديسون أن بإمكان مشتركي التلفون أن يريطوا تلفوناتهم بفونوغراف - 
الكلمة نفسها ‏ بحيث يمكنهم إخبار مركز الاتصالات [ السنترال] أنهم خارج 
المنزل وأنهم سيعودون في وقت محدد., وبالمئل يمكن للمشترك الذي يطلب 
آخر ولا يجده في البيت أن يقول له ما يريده وأن يسجل ذلك على 
فونوغراف. كان إديسون في ذلك يسبق زمنه. مثله في ذلك مثل متتبىّ التلفون 
المحمول. ولاحظ إديسون كذلك -كما فعل «بل» الذي صنع الغراموفون ‏ 
الاستخدام الممكن للفونوغراف كماكينة إملاء بالمكاتب» وهو ما يكمل اختراعا 
رئيسيا آخر من اختراعات القرن التاسع عشر وهو الآلة الكاتبة التي كانت 
موجودة منها نسخ كثيرة. 

وكالعادة ذهب الصحافيون أبعد (في البداية) مما ذهب إليه إديسون نفسه 
في التفكير في الاستخدامات المتعددة الممكنة. ومن ذلك أن علقت مجلة 
تزاعامة7 واهناده.1آ أن «الفونوغراف سوف يقلب أوضاع العالم القديم رأسا على 
عقب. وسوف يؤسس نظاما جديدا للأشياء لم يحلم به أحد ولا في حكايات 
ألف ليلة وليلة». بيد أن إديسون نفسه لم يكن يحب هذه اللغة. ولكنه في العام 
اقترح هو أيضا عشرة استخدامات ممكنة لفونوغرافه. منها أنه يمكن 
أن يكرس كثيرا للموسيقى. أما الاستخدام الرابع فهو أن يعمل كسجل للأسرة 
يسجل عليه كلام وذكريات أعضاء الأسرة وكلماتهم عند الموت. أما مجلة 
«العالم الكهريائي» في العام 1840 فقد منت قراءها بعامل جذب آخر هو 
تخيل مقابلة مع غلادستون أو بسمارك يعاد إنتاجها ليس فقط بالكلمات التي 





عمليات وأتماط 


قالوها وإنما أيضا بصوت هؤلاء السياسيين الكبار. لم يكن الكاتب في ذلك 
يفكر في الفصول الدراسية بل في صحف صوتية تدخل البيوت, وقد سجل 
جهاز الكلام الذي اخترعه إديسون بالفعل لغلادستون والشاعر روبرت بروننغ 
والكاردينال ماننغ. | 

في السنوات الأولى من صناعة الفونوغرافء عندما كانت حركة السوق 
منخفضة:؛ كان هناك صراع مصالح شرس بين إديسون وبل قبل أن ينجح 
دخيل هو جيسي ليبنكوت؛ رجل أعمال من بتسبرغ: في شراء السيطرة على 
الاثنين في العام 1844, ليعلن إفلاسه بسرغة بعد عامين من ذلك. وضي 
العام التاني ظهرت شركة جديدة هي شركة كولومبيا للفونوغراف. وقبل 
ذلك كان إميل بيرلينر (1801- :.)197١‏ وهو مخترع من أصل ألماني عمل 
في البداية مع بل واستقل عنه في العام 1685, قد دخل السيناريو. وقد 
اعتمد «بيرلينر» على أعمال المخترعين الآخرين في تطويره جهاز تشغيل 
أمسطوانات جديدا أسماه غراموفون في العام 1888. ويعد أن تطور هذا 
الجهاز تقنيا على يد إلدريدغ جونسون. الذي أدخل محركا أوتوماتيكيا 
وتحكم في السرعة:؛ أصبح الفراموفون على الصورة الناجحة التي أصبح 
عليها في المستقبل القريب. | 

غير أن التكنولوجيا الكامنة خلف هذين المنتجين كانت مختلفة: وكذلك 
كانت مقاصد المخترعين. فبيرلينر الذي كان مهتما بجودة تسجيل الموسيقى 
الكلاسيكية. حيث كان من محبيهاء كان يؤثر استخدام شكل لنسخ التسجيلات 
الصوتية. حيث كان التكرار مهما بالنسبة إليه أكثر مما كان في البداية 
بالنسبة إلى إديسون وبل. وسرعان ما أدرك إديسون أن أسطوانات بل 
المسطحة:؛ التي أسماها أطباقا والتي أصبحت تعرف بالأسطوانات 
الفونوغرافية؛ كانت أكثر شعبية من أسطواناته. ولكن ضي العقد الأول من 
القرن العشرينء ويعد اتفاق على الاشتراك في حقوق براءات الاختراع في 
العام ١15١١‏ وبعد انتهاء براءات إديسون الأخرى العام ؟١11,‏ انخفض سعر 
أسطوانات إديسون نتيجة لعمليات تقنية جديدة. 

كانت هياكل الشركات معقدة ومختلفة على جانبي الأطلنطي؛ قفي 
الولايات المتحدة أسست شركة عصنلطعة1! عمتاله1] مم ءزلا العام :15١١‏ التي 
سيطرت على صناعة الفراموفون الأمريكية لأكثر من نصف قرن. واتبعت في 





التاريخ الاجتماعي للوسائط 


عملها الطريقة التي أسماها «مايكل شانون» نموذج الاستهلاك؛ حيث كانت 
الأسطوانة تعامل مثل الكتاب وليس مثل الفونوغراف. بيد أن المؤدين 
الناجحين كانوا يحققون أرباحا ضخمة من أسطواناتهم أكثر بكثير مما كان 
يحققه المؤلفون من كتبهم . ولذلك كان المغني الإيطالي «إنريكو كاروسو». الذي 
أكمل أول تسجيل جيد له العام 15١١‏ وأول أسطوانة تبيع مليون نسخة العام 
4 قد كسب قبل موته في العام 197١‏ مليوني دولار من أسطواناته. 

إن تنظيم الموسيقىء سواء أكانت كلاسيكية أو «بوب». وثروات الموسيقيين 
الذين كانوا يعتمدون على حقوق الأداء اجتازت تغيرا عند إدخال ما سمي في 
البداية الموسيقى الميكانيكية. وهو ما حدث مع حياة المستمعين نفسه. 
وبالتدريج حل الغراموفون محل البيانو في البيوت: وهذا الأخير آلة مختلفة 
تماما في الشكل وغالبا ما تصاحبه صورة مألوفة؛ صورة الكلب الذي يستمع 
إلى الموسيقى. وهناك أشياء أخرى كثيرةء. غير الصورء كانت مرتبطة 
بالغراموفون: فعلى المدى الطويل؛ ومن خلال التسجيل والبث. حدث تحسن 
ملحوظ فى جودة كل من الأداء والتسجيلات. فى غضون ذلك زادت عوائد 
شركة مصتطعة ]لز عستكللة 1 :ماءز/ا سبعة أضعاف بين العامين ١5١”‏ وا١15,‏ 
عندما دخلت الولايات المتحدة الحرب العالمية الأولى. وفي العام 1414 كان 
في الولايات المتحدة إلى جانب هذه الشركة حوالي ٠٠١‏ شركة غراموفون. في 
مقايل 8٠١‏ شركة في بريطانياء ومع نهاية الحرب العالمية الأولى بلغت أصولها 
المالية ما يقارب 58 مليون دولار. 

في أوروبا - وبعيدا عن بريطانيا التي ظهرت فيها شركات أخرى 
للغراموفون ‏ بدأت القصة بشركة 78:65 6طاةط في فرنساء التي تكونت عام 
:, واألتي كانت تنتج أسطوانات الفغراموفون القديمة 5هلمناله قبل أن 
تتحول إلى الحديث 01565 منها في العام ,١5١5‏ وهو التحول الذي كان عالمي 
النطاق. على رغم أن الأولى ظلت أكثر شعبية في بريطانيا حتى الأزمة 
الاقتصادية العام 1504: عندما توقف رجال أعمال كثيرون عن العمل؛ فيما 
أسمته إحدى الصحف التجارية «غريلة جيدة... فصلت الغث عن السمين». 
وعممت الصحيفة أنه «في صناعة كهذه مازالت في طور التشكل فإن ذلك 
غالبا ما يحدث». ومع ذلك فقد نشطت المشروعات بين هذا العام (1104) 
والعام :.15١4‏ مع بروز دور ألمانيا في التجارة الدولية. 


عمليات وأئماط 


ويعد الحرب العالمية الأولى كانت شركة عمتطعدل! عمذاله1' :ماء71؟ تبيع في 
العام ١97١‏ أريعة أضعاف ما كانت تبيعه في العام 1514: والشركات المنافسة 
أيضا بدت قوية في بريطانيا ودول أورويا الأخرى. وعلى خلاف صناعة 
السينما كانت صناعة الفراموفون في طريقها إلى مواجهة أزمة بين العامين 
6 1959599, وقد صمدت وتجاوزت فترة الكساد الكبيرء ولكن في العام 
بيعت ستة ملايين أسطوانة؛ وهو ما يمثل 1 فقط من المبيعات 
الإجمالية للعام 1577: ومع ذلك فإن العصر الذهبي للأسطوانة ‏ إن لم يكن 
الغراموفون كله لم يأت يعد. 
استخلاصات 

اختط هذا الفصل وسابقه. في إطار كرونولوجيء تطور الاتصالات منذ 
مجيء قوة البخار حتى العشرينيات ومطلع الثلاثينيات: تلك الفترة التي 
شهدت أجهزة وسائط كثيرة: والتي أنشئت فيها تنظيمات للوسائط الجديدة 
سرعان ما تحول بعضها إلى مؤسسات. كانت هناك أصول مختافة في كل 
فرع مما أصيح يعتبر صناعة وسائط واحدة؛ ولكن كانت هناك مع ذلك 
ارتباطات وتشايكات اقتصادية واجتماعية وتكنولوجية تعرف عليها 
الملعاصرون. وقد اختارت مجلة ومع هتقكنط5 عممعكن5 أن تيدأ بالسكك 
الحديدية؛ عندما لاحظت في وقت ميكر ‏ تحديدا العام 1857 كيف تعلمنا 
أن نتحرك معا وأن تعمل معا وننجز من خلال شركات ضخمة. وفي العام 
نفسه كان في مقدور مجلة «مهندس الكهرياء». عندما كانت تسجل ما تم 
بالفعل فيما يتعلق بنشر خدمات الرسائل؛ أن تخلص إلى أننا «مازلنا نطالب 
باتصال أسرع». 

لم يكن الأفراد فقطء مثل «ويتستون» أو «فيل» وقبلهما «إديسون». هم من 
حققوا الارتباطات: فقد كانت هناك كذلك ارتباطات جغرافية. فلندن وباريس 
كانتا دوما في خريطة الاتصالات. وكذلك شيكاغو بعد بروزها من سهول 
الغرب الأوسط الأمريكي. وإلى جانب ذلك برزت أماكن أصغر كثيرة. مثل 
«لويل». على هذه الخريطة في نقاط زمنية عديدة. وهوليوود في الغرب كانت 
في انتظار دورها لتغير المكان الذي وجدت نفسها فيه؛ وهو ما سيفعله وادي 
السيليكون بعد ذلك بنصف قرن. 





التاريخ الاجتماعي للوسائط 


ثمة اختراعان من اختراعات أواخر القرن التاسع عشر والقرن العشرين 
في مجال النقل» أحدهما ذكر في أماكن متفرقة من هذا المسح., أثرا في 
الصورة الإجمالية: السيارات والطائرات. عملت الدراجات كمقدمة للسيارات: 
التي كانت حتى نهاية القرن التاسع عشر منتجا من منتجات الرفاهية. كما 
كانت صناعة الدراجات بالنسبة إلى بعض المخترعين بمنزلة نوع من الصبينة 
أو الإعداد. من ذلك أنه في بريطانيا بدأ «إدوارد بتلر»» الذي أنتج أول محرك 
يدور بالبنزين يمكن تركيبه لسيارة» بدأ بتصميم دراجة تدور بالبنزين. كما أن 
«ويليام موريس» :)1975-١41/7/(‏ الذي عرف فيما بعد باللورد توفيلد؛ كان 
يصلح الدراجات في أوكسفورد قبل وبعد عمله في إصلاح السيارات. 

بيد أن الشخص الأكثر أهمية فى قصة الوسائط كان «الفريد هارمزورتث». 
الذي عرف فيما بعد باللورد نورثكليف (159995-18160): مؤسس مجلتى 5تعتاكمهم 
ولنةه11 إ1ئه2 وكان يكتب لمجلتى الدراجات 116[ اععط1ا ووعد:ة1' عمناء و8 قبل أن 
يتقدم إلى السيارات. حبه الكبيرء كما أصبح في الوقت نفسه أحد أقطاب 
الوسائط. في العام 15١”‏ نشر كتابا مازال حتى الآن جديرا بالقراءة: «المحركات 
وقيادة المحركات». وضي الولايات المتحدة كتب هيرام ماكسيم :)1957-1١4735(‏ ابن 
مخترع بندفقية ماكسيم. وهو نفسه مخترع إحدى السيارات: كتب من خلال 
الإدراك المؤخر في سيرته الذاتية أن الدراجة لا يمكن أن تشبع الطلب الذي 
خلقته هي نفسهاء فهناك حاجة إلى مركبة تدفع ميكانيكيا بدلا من تلك التي 
تدفع بالأقدام. كانت السيارة؛ كما نعلم: الرد على هذا المطلب. 
غير أن السنيارة لم تكن الرد بالنسبة إلى أولئك الناس الذين كانوا في القرن 
العشرين لا يستطيعون شراء سيارة؛ حتى بعد أن أصبحت السيارات ضرورة 
وليست مِن وسائل الترف؛ ولذلك فإن الدراجات لم تستمر فقط إلى جانب 
السيارات وتتعايش معها (كما تتعايش الوسائط القديمة والجديدة)؛ بل ظلت شكل 
النقل الرئيسي في الصين في أواخر القرن العشرين. في هذه الأثناء أصبحت 
اليابان منتجا رئيسيا لكل من الدراجات ‏ التي أصبح بعضها منذ الستينيات 
فصاعدا من منتجات الرفاهية ‏ والسيارات. كان هناك جانب سيكولوجي أيضا 
بجوار الجانب الاقتصادي لتطور النقل كوسيط؛ كما هي الحال مع الإعلان. 
إذ يمكن اعتبار الدراجة تمديدا لقدرات الإنسان: تماما كما نظر مارشال 
ماكلوهان )6١  151١(‏ إلى وسائط مثل الراديو والتلفزيون في الستينيات. 





عمليات وأنماط 


إن الأجزاء المختلفة للدراجة: شأنها شأن أجزاء السكك الحديدية 
(الخطوط والقاطرات والإشارات).: لها تاريخها السابق : ذراع التوجيه 
)14١7(‏ والدواسات )١1855(‏ وذراع تدوير العجلة الأمامية ‏ الكرنك 
(1411) وإطارات الهواء )١185-(‏ والدفع الأمامي المعشق (51-1885)., 
وكانت هناك منتجات وسيطة كثيرة: منها الدراجة الثلاثية. كانت جميعها 
مرتبطة ليس فقط بالأفراد (كالرجال والنسساء) أو الأسرء بل أيضا 
بالجماعات كالأندية. كانت الدراجات. شكلا من النقل يتسم 
بالديموقراطية. وكانت السيارات في انتظار أن تُوحّد في شكلها بعد أن 
مهد فورد الطريقء فورد الذي كان في زمنه مؤثراء تماما مثل جيمس واط 
ومائثيو بولتون. كانت سيارته من طراز 3100611 التي انطلقت على 
الطريق في العام 15١8‏ تراعي مبدأ أن السيارات يجب أن توحد في 
شكلهاء وهو ما لم يكن يروق لمصممي الموضة:؛ وقد بيع هذا المنتج المقنن؛ 
السيارة» بأرخص سعر ممكن. 

من الضروري النظر إلى السيارات في إطار مجموعة اختراعات كانت 
فاتحة لعصر جديد سمي عصر السيارة وعصر البث. وحيث إن الأشياء 
تتوالد بعضها من بعضء ولا شيء يأتي من دون مقدمات. فقد كان من 
الوارد أن تكون السيارات منتجات كهربائية؛ لكنه خيار رُفض لأسباب تقنية 
متعددة. وكما نعلم جاءت السيارات تعتمد على صناعة النفط عالمية 
النطاق» التي كانت لها سياسة جغرافية مميزة خاصة بهاء والتي اكتسبت 
أهمية أكبر مع مجيء الطيران والنقل الجوي الذي سنتتناوله في فصول 
لاحقة من هذا الكتاب. 1 

كانت النتائج الاجتماعية للاختراعات متناقضة, ففي حين ,تح بعضها 
الخصوصية:؛ هددها البعض الآخرء وولد بعضها مشكلات جديدة (الحوادث 
والتلوث)؛ ويعضها قدم: كما وعد. حريات جديدة من بينها حرية الطريق. ومن 
أجل تحديد السرعة كانت الرايات الحمراء تلوح منذ وقت طويل قبل إنشاء 
أول طريق حرء ومنذ البداية كانت حرية الطريق تشير إلى ضرورة السيطرة, 
وقد أكدت الصحفء التي كانت تفخر بحريتها في بريطانيا والولايات المتحدة, 
بخاصة:؛ الحاجة إلى هذه السيطرة في افتتاحياتهاء التي غالبا ما كانت 
تتعارض مع الإعلانات التي تعرضها هذه الصحف. 





التاريخ الاجتماعي للوسائط 


ولذلك. وكما في الفصل الأول الذي تعامل مع فترة ما قبل مجيء البخار» 
فمن الصعب عند التذكر التعامل مع تاريخ مركب الاتصالات في القرن التاسع 
عشر بصورة خطية خالصة: على رغم أنه في هذا القرن تنامى إحساس واع 
بالتقدمء على رغم أنه تم تحديه؛ كان عادة ما يوحد القصة في نظر 
المعاصرين. ضم معرض باريس في العام ١16٠١‏ ذروة القرن ‏ أمام مبنى 
قصر الكهرياء شلالا من الماء تديره الكهرباء تتساقط مياهه على حوض 
يشتمل على مجموعة منحوتة مضيئة تمثل «الإنسانية يقودها التقدم» وتعرض 
أشكالا لأرواح شريرة تمثل «وتيرة الحاضر والماضي». عند زيارة هذا المعرض 
تفكر الكاتب الأمريكي اللماح «هنري أدامز» حول تقديس الدينامو الكهربائي 
الذي قارب تقديس مريم العذراء. 

كان في التحول من البخار إلى الكهرباء في العقود الأخيرة من القرن 
التاسع عشر أكثر من مجرد المغزى الرمزيء فالاختراعات الكهربائية هي 
التي كانت تتقدم بثبات نحو المستقبل. عرض رسم كرتوني لمجلة ناآ في 
غبراير من العام 1859 الكهرباء وهي تحذر البخار في وجود كابل مائي 
وتلغراف أرضي وكان التعليق المصاحب يقول «لم أكن أريد أن أتخلص من 
خدمي القديم الوفي؛ ولكن يؤسفني أنني لن أستطيع الاحتفاظ بأي منكما 
أكثر من ذلك». كان من الممكن اختيار سياق أوسع بكثير. كان للبخار حقيقته 
التي كانت واضحة لعدد كبير من الناسء والتي لم تكن مقبولة لكثير منهم. 
أما الكهرباءء. تلك القوة الطبيعية. فقد سحرت الناس دون أن تكون فضي 
وضوح البخار نفسه. 

وكما يوضح مؤرخ التكنولوجيا الأمريكي «روبرت روزينبرغ»». فإنه منذ وقت 
مبكر ‏ تحديدا العام ١16٠١‏ غطت الكلمة الجديدة «المشتغل بالكهرباء» عددا 
كبيرا من المهن: «طاقم متعدد من مصلحي الماكينات: إلى مصممي السيارات, 
ومن الفيزيائيين إلى عمال التلغراف. على رغم أنه كان هناك إلى جانب ذلك 
ما أسمته كارولين مارفين «جماعة الكهنة» وهم أولئك الناس الذين لا يملكون 
معرفقة خاصة وحسب بل يحملون سلطة مميزة أيضا. لم يكن للنساء حضور 
واضح في ذلك. اللهم إلا إذا ما استدعين لرسم « إلهة الكهرياء» أو. بشكل 
أكثر ابتذالاء «المصباح الكهرباكي». حتى أنه أطلق على إحدى أخوات ماركوني 
اسم «إلكترا». 





عمليات وأتماط 


لم يكن الريح هو مصدر الرسالة الكهربية؛ وكان المنتفعون من الكهرياء؛ 
مثلهم مثل المنتفعين من البخار. مجموعة متتوعة من التاسء سواء أولئك الذين 
يصنعون المنتجات الصناعية أو الذين يوزعونها . كانوا من مبدعي وسائط 
الاتصالات الحديثة, وسائط للملايين؛ بداية من الصحافة المطبوعة ثم السينما 
والبث. وعند التذكر فقط يظهر هؤلاء المبدعون مقاولين ثقافيين. ومع ذلك 
فانعكاسات الكهرياءء وفيما بعد الإلكترونيات. على الاتصال كانت أعظم بكثير 
من انعكاسات البخار. وأحد أسباب ذلك هو أن الكهرياء. على خلاف البخار: 
يمكن النظر إليها كمنفعة عامة, وتطوير المنافع العامة ومنها مصادر المياه. 
يعتمد على إدخال بنى تحتية؛ سواء أكانت ملكيتها عامة أو خاصة. 

إن كتاب «هوفز» «شبكات القوة: انتشار الكهرباء في المجتمع الغربي: 
-1970» (19485) يعد من الكتب العلامات. جاء فيه أنه بحلول العام 
٠‏ وضعت البنى التحتية في الولايات المتحدة ويريطانيا وعدد صغير 
نسبيا من الدول الأخرى. وقد أدرك إديسون بوضوحء قبل عشرين عاما من 
ذلك؛ أن ملايين الناس سيقبلون على شراء المصابيح الكهريائية فقط إذا 
وصلت القوة الكهربية إلى المنازل. لم يشهد تاريخ البخار تحديا كهذاء على 
رغم أن تحديا مماثلا تبدى فيما أسماه إديسون: نفسه. «حالة الغاز الممائلة», 
وفي حالات التلغراف والتلفون الأحدث. وقد كان الاستثمار المشترك شرطا 
ضروريا لمثل هذه المشروعات العمومية. 

كان في ذلك بالطبع دائرة آخذة في الاتساع؛ وليس تتابعا. فالمنزل الذي لم يكن 
يهم ملوك البخار كان الاهتمام الرئيسي لرواد الكهرباء. كما كان لملاك الوسائط 
حتى قبل استفلال الكهرياء. وقد تبلورت دائرة من العلاقات الخاصة والعامة. على 
الأقل لرجال الأعمال الأثرياءء في العقد الثامن من القرن الثامن عشر: 

المنزل هو المركز الذي ينطلق منه الناس إلى المشروعات. 
والمشروعات هي المجال الذي يعود منه الناس إلى منازلهم بالغنيمة. 

جاء انتشار الضواحي ليعزز الانسحاب إلى المنزل: ولكنه لم يكن السبب 
الوحيدء حتى في ضواحي شيكاغو التي وصفها «ريتشارد سينت» في كتابه 
«أسر ضد المدينة» (1970). وهناك عامل أكثر صلة هو ال مكانة المتفيرة 
للمرأة في المنزل والتناقضات الحادة في هذا الصدد بين القرنين التاسع 
عشر والعشرين. 


التاريخ الاجتماعي للوسائط 


أما بالنسية إلى أولئك الناس الذين يعودون إلى منازلهم بأجورء وليس 
غنائكم, بعيدا عن لغة البروباغندا. والذين لم يكونوا يشكلون طبقة عاملة 
واحدة؛ تغيرت العلاقة بين المنزل والشارع: بقدر تغير العلاقة بين المدينة 
والضاحية. وقد عبر عن ذلك «روبرت روبرتس» عندما كتب عن خبرته في 
بريطانيا أوائل القرن العشرين (مع العلم بأن هناك تاريخا موازيا في الولايات 
المتحدة) بشكل لا يّنسى؛ وإن لم يخلٌ من بعض المبالفة: في كتابه «حي الفقراء 
التقليدي» :.)١97١(‏ الذي أصبح من الأعمال الكلاسيكية: 

«... كانت المنازل؛ حتى الفقير منهاء مركزا لكل الحب والاهتمام. حصنا 
قويا في مواجهة العالم العدوانيء وكانت الأغاني التي تتغنى بجماله على كل 
الشفاه. حتى أن أغنيات المنزل الحبيب التي غنيت لأول مرة في سبعينيات 
القرن التاسع عشر أصبحت بمنزلة النشيد الوطني الثاني» وضي منازل الطبقة 
العاملة كان من النادر ألا تجد نقوشا على الجدران تقول «البيت هو العش 
الذي يضم أفضل الأشياء». 

كيف تغير التوازن بين العام والخاص أكثر في القرن العشرين؟ هذا أحد 
موضوعات الفصل التالي الذي يبدأ قبل ذلك زمنيا بظهور الصحافة ثم ينتقل 
فجأة إلى التغييرات التي لحقت بالاتصالات في العقد الأخير من القرن 
العشرين. إن الإلكترونيات الدقيقة والحاسب منذ وصولها ألصقت بها كلمة 
ثورة» وإن كان ذلك على نحو غير دفيق في بعض الأحيان. 

يركز الفصل التالي؛ مثله مثل الفصل الثاني من هذا الكتاب: على فترات 
محددة وسلاسل معينة من الأحداث والشخصيات والاتجاهات. منتقيا أربع فترات 
متشابكة في ذلك الوقت: عصر السلطة الرابعة» وعصر البث؛ وعصر السينماء 
وعصر التلفزيون: وفي كل من هذه الفترات أو السلاسل يتعامل الفصل باختصار 
مع ثلاث وظائف للوسائط تحظى بقبول عام: المعلومات (الإخبار) والتعليم والترفيه. 
ويصف الطرق المختافة لتعامل الوسائط مع هذه الوظائف الثلاث. 











«حتى مجيء وسيط الاتصال 
العمومي الرخيص بشكل 


غير عاديء ذلك المتمثل في 


الراديو. كانت نسية كبيرة 


المعرفة المباشرة بالأحداث 


اللورد ريديل 7 





المعلومات والتعليم والتسليه 


كما اتضح من الفصول السابقة. فإن أهمية 
المعلومات فيما أصبح تقريبا ثالوثا مقدسا ‏ 
المعلومات والتعليم والتسلية - حظيت باعتراف 
كامل قبل وقت طويل من شيوع مصطلحات 
«مجتمع المعلومات» و«تكنولوجيا المعلومات» ضي 
عقدي السبعينيات والثمانينيات. ومع ذلك 
فإن عناصر هذا الثالوث ذاتها لم تحدد باللغة 
نفسها. في القرنين السابع عشر والثامن 
عشر كانت «المعلومات» عادة ما توصف 
ب «الاستخبارات» و«التعليم» ب «التدريس» 
و«التسلية» ب «الترويح» أو «الترفيه» أو «اللهو», 
وهناك مصطلحات مشابهة في اللفات 
الأوروبية الأخرى. 

إن لكل من التعليم والتسلية تاريخا طويلا 
يمتد إلى العالم القديم في الأكاديميات والمكتبات 
والألعاب والممسارح: وهو ما ينطبق على 
الاستخبارات. في الأصل كان الفعل «يخبر» 
3 المأخوذ من أصل لاتيني. يعني في 
الإنجليزية والفرنسية ليس فقط الإخبار أو 





التاريخ الاجتماعي للوسائط 


إعطاء الحقائق» وهو ما يمكن أن يكون فعلا مجرماء ولكن يعني أيضا «تشكيل 
العقل». وفي القرن السابع عشر كانت بعض الدوائر (السياسية والعلمية) 
تقدر بالفعل أهمية المعلومات: ولكنها كانت ضفي طريقها لأن تأخن اهتماما أكبر 
في مجتمع القرن التاسع عشر التجاري والصناعي؛ عندما تغيرت أفكار 
السرعة والمسافة. 

وكما عبر سيدني شابمان في كتابه الذي نشر العام 1504 حول صناعة 
القطن في لانكشاير. فإنه «في القرن الماضي ازداد مقدار المعلومات ودقتها 
التي بحوزة التجار بشكل فائق. كما تضاءل الوقت المنقضي بين وقوع الحدث 
والمعرفة العامة به إلى جزء أصغر بكثير من مثيله في السابق». وقد أثيرت 
النقطة نفسها في كتاب والتر باجوته «شارع لومبارد». وهو قلب مدينة لندن. 
ومن الجدير بالملاحظة أنه بالقرب من شارع ثريدنيدل أنشأت واحدة من 
أولى شركات التلغراف الاندماجية (شركة عناعمع312): مكاتب جديدة لها ضي 
العام ١1404‏ وفي العام ١885‏ زعم مولهول؛ مؤلف ما أسماه «القاموس 
الإحصاتي الأول لأي لغة». أنه بين العامين ١81٠‏ و٠188‏ ازدادت الصناعة 
المصرفية العالمية أحد عشر ضعفاء وهي سرعة تفوق نمو التجارة بثلاثة 
أضعافء ونمو السكان بعشرين ضعفا. 

إبان القرنين التاسع عشر والعشرين: حدثت في التعليم والتسلية 
تغييرات أكثر مما حدث فيهما من استمرارات؛ ومعظم هذه التفييرات 
يمكن تفسيرها اقتصاديا واجتماعياء بشرط أن يجري دمج التكنولوجياء 
التي تعامل باعتبارها نشاطا اجتماعيا يتضمن الناس وال منتجات إلى جانب 
الاختراعات المسجلة, أن يجري دمجها في التحليل. إن التكنولوجيا تتطلب, 
وفي الوفت نفسه تنتج؛ تغيرا اجتماعيا وتنظيميا. بالطبع هناك فروق 
هيكلية؛ إذ إن كل الوسائط المختلفة طورت مؤسساتها الخاصة. وفي معظم 
الأحيان كانت الصحافة, التي أخذت شكلها من خلال التلغراف والتليفون, 
تعامل على نطاق واسع كوسيط. بل أصيحت بالفعل جزءا من مركب 
الوسائط. وطوال معظم هذه الفشرة كانت المدارس والجامعات تختلف 
بشكل ملحوظ. على الأقل من حيث المبدأًء عن مكاتب الصحف 
واستديوهات الراديو والتلفزيون والممسارح ودور العرض السينمائي 
والاستادات الرياضية: ولكنها مع ذلك كان باستطاعتها ‏ وهو ما حدث 





المعلومات والتعليم والتسلية 


غالبا أن تدمج أيا من أو كل؛ هذه البيثات داخلها. إن القول بأن 
التكنولوجيا تتطلب وتنتج تغيرا اجتماعيا وتنظيميا ينطبق بالقدر نفسه 
على التعليم. 

أثناء تدفق التاريخ أو باستخدام مجاز بديل ‏ «مسيرة الزمن» أعطى 
التصنيع: الذي عمل كما رأينا على زيادة الثروة والفراغ. معنى جديدا لكل 
عنصر من عناصر الثالوث. ففي حين استلزم التصنيع نشرا أكثر اتساعا 
وموثوقية للمعلومات. سواء كان ذلك لأسباب تجارية أو بغرض السيطرة على 
العمليات الصناعية, فقد استتبع أيضا على المدى الطويل؛ إتاحة عامة أوسع 
للتعليم: بدءا بالمدرسة التي أصبح الحضور فيها إلزاميا في بريطانيا العام 
8٠‏ وضي فرنسا ”188., يعد أن أصبحت علمانية بالكامل (كان لبروسيا 
الريادة في ذلك في القرن الثامن عشر). في غضون ذلك أصبحت الثقافة 
الجماهيرية ضرورة: تماما مثلما سيصبح التعليم المستمر وثقافة الحاسب في 
العقود الأخيرة من القرن العشرين. 

وعلى المدى الطويل أيضاء اقتضى التقدم الصناعي مزيدا من فرص 
الاسترخاءء. سواء أكان سلبيا أم إيجابياء في شكل ترويح. لقد صدر أول 
قانون قومي للتعليم في بريطانيا (في وقت متأخر عن موعده) العام 
وتبعه بعد ذلك بعام أول قانون لأيام العطلات الرسمية للمصارف 
حدد أياما بعينها كعطلات قومية:؛ وفي السابق كانت العطلات ترتبط 
مباشرة في الدول الكاثوليكية الرومانية والبروتستانتية بالتقويم الموسمي 
والديني؛ وكان بعضها محليا. وعلى نحو متزايدء من خلال الوسائط. 
ارتبطت العطلات في القرن العشرين بروتين العمل واللعب. وفي أثناء ذلك 
جرى الاتجار فيها. ومع ذلك يظل الفضل في ذلك لمهرجان البيت الكبير 
في الولايات المتحدة وكرنفال ما قبل الصوم الكبير في أماكن مختلفة 
مثل نيو أورليانز وترينداد وريو وكولون. وفي بريطانيا كانت الصحف 
لا تصدر في عيد الكريسماس والجمعة الحزينة. وفي العالم الإسلامي, 
الذي اكتسب أهمية في أواخر القرن العشرين. ظل موسم الصيام الكبير, 
المتمثل في شهر رمضان: الذي يحيي ذكرى نزول القرآنء موجودا بقوة. آما 
الدول التي حدثت فيها ثورات. فقد أدخلت الذكرى السنوية لهذه الثورات 
في التقويم. 





التاريخ الاجتماعي للوسائط 


إن العمل؛ الذي يقع في لب الإنجيل الفيكتوري: كما بشر صامويل سمايلز 
(الذي ترجم إلى كل من العربية واليابانية) ظل يمثل جانبا طلروريا من 
الوجود الإنسانيء أكدت عليه معظم الكتب المقدسة. وفي مجتمع ازدادت فيه 
العلمانية عومل العمل صراحة كضرورة اجتماعية في كل من سنواتث البطالة 
العالية. سواء أكانت تدويرية أم هيكلية؛ وسنوات التقدم التكنولوجي الذي 
يؤدي إلى تقليل الحاجة إلى العمالة. فأتمتة العمليات الصناعية التي تحققت 
من خلال الإلكترونيات أثرت. ومازالت: بشكل مباشر على التوظيف أو 
العمالة؛ وأيضا وبالقدر نفسه على الوسائطء وهو ما ترتبت عليه نتائج 
إنسانية مباشرة. وكانت السيبرنيطيقا 5 2-2 علم السيطرة الآلية 
وعمليات الاتصال في الحيوانات والماكينات ‏ عنوانا لدراسة أمريكية رائدة 
ل«نوريرت وينر» (1884- )١1514‏ نشرت العام 1948. 

وقبل وقت طويل من بروز الأتمتة, كموضوع للنقاش في أثناء العقد التالي» 
كانت أساليب العمل وأماكنه وسياقه ومعانيه قد مرت بتغير جوهري. حدث 
التغير الأول في أواخر القرن الثامن عشر وبدايات التاسع عشر عندما بدأ 
التعامل مع الصناعات, التي كان ينظر إليها قبل ذلك في القرن الثامن عشر 
كسجية بشرية؛ بشكل منفصل عن الزراعة:؛ وهُرّفت باعتبارها القطاع 
اللازراعي من الاقتصاد الإنتاجي. وفي أواخر القرن العشرين طبقت الكلمة ‏ 
الصناعة ‏ على الزراعة؛ التي انخفض نصيبها من قوة العمل والناتج القومي 
الإجمالي بشكل كبير. أما التغير الثاني فقد حدث مع «الإدارة العلمية», التي 
تقوم على دراسات الزمن والحركة, تلك الإدارة التي تطورت ضفي البداية ضي 
الولايات المتحدة وجرى تكييفها بطرق متنوعة في الدول المختلفة. كان هنري 
فورد. صاحب مصانع السيارات؛ بتقنينه خطوط الإنتاج والتجميع؛ بطلا في 
الاتحاد السوفييتي. 

في أواخر القرن العشرين بدأت كلمة «العمل» تطبق أيضا على وقت 
الفراغ والسفر والرياضة. وأصبحت الكلمة تأتي بصيغة المفرد «رياضة» (على 
رغم أن صيغة الجمع ظلت موجودة في الولايات المتحدة): وهو ما حدث نفسه 
مع كلمة تسلية (على كلا جانبي الأطلنطي). إن وقت الفراغ والسفر والرياضة 
عوملت جميعا في أواخر القرن العشرين كصناعات: أو بالأحرى قطاعات في 
صناعة واحدة. ضفي سياق الرياضة؛ مشلاء نجد أن لاعبي كرة القدم 





المعلومات والتعليم والتسلية 


المحترفين أصبح لديهم مديرون يوجهون عملهم: لهم أن يؤجروا اللاعبين أو 
يوقفوهم وفقا لمجهودهم في العمل: ويحكم الصحافيون في الغالب على أداء 
اللاعبين في الملعب بناء على ذلك. بل إن بعض اللاعبين أصبحوا من 
المشاهير ذوي الأجور المرتفغة ويعتمدون على وكلاءء من نوع الوكلاء الذين 
يعتمد عليهم معظم الممثلين والموسيقيين والمؤلفين منذ العقد الأخير من القرن 
التاسع عشر. ونشرت تفاصيل الحياة الشخصية البعيدة عن العمل لبعض 
اللاعبين في الوسائط. وأصبح لهم كذلك «أروقة الشهرة». وقليلون منهم 
أصيحوا صحافيين ذوي أجور مرتفعة. 

كانت الجمعية العمومية التاسعة والعشرون لاتحاد البث الأوروبيء التي 
عقدت في أثينا 191/4 المناسبة الأوروبية الأولى التي غطيت فيها كل جوانب 
تنظيم الرياضة؛ ولكن بحلول التسعينيات تفير ذلك كلية. فتركيز الوسائط؛ أو 
على الأقل أجزاء منهاء الذي كان يجري في الغالب من خلال الرعاية» وأحيانا 
من خلال شركات الاتصالات الاندماجية: وجد في الرياضة اهتماما 
اقتصادياء إذ أصبحت تجارة شأنها شأن «سلسلة الغذاء» في ظل نفوذ تجارة 
القطّاعي في المحلات. إن التفاصيل شائقة تماما مثل المقارنات على مر 
الزمن. مثل عروض الوسائط لمشاهد سباق «ديربي» للخيول أو كأس كرة 
القدم. وهي أحداث وطنية أصبحت الآن جزءا من تقويم الوسائط. وهناك 
عدد من الأحداث الدولية. وبخاصة دورات الألعاب الأوثيمبية التي جرى 
إحياؤها العام 1647 في أثيناء أصبحت سلعة رئيسية لكل الوسائطء التي 
أثرت بدورها على مكان إقامتها وصورتها. ومن ذلك أن دورة الألعاب 
الأوليمبية الألمانية العام 1975 التي أدارها وأخرجها وصورها النازيون حظيت 
باهتمام واسع؛ وهو ما حدث نفسه مع دورة ألعاب «أطلنطا» العام لمحل التي 
تزامنت مع مرور قرن على بدء الدورة. وشارك فيها ما يزيد على عشرة آلاف 
رياضي من 155 دولة. وفي طوكيو فضي اليابان عام :١1554‏ أقيمت أول دورة 
ألعاب تقام في دولة آسيوية: وربما كان من الممكن أن تقام دورات في آسيا 
قبل ذلك لولا وقوع الحرب العالمية الثانية. 

إلى جانب ذلك كان هناك بعد تكنولوجي؛ ومن ذلك أن أولمبياد «ستوكهولم» 
7 مثلا شهدت أول استخدام لجهاز توقيت إلكتروني لإدارة الأحداث. أما 
الكاميرات الجديدة الأصغر التي كانت توضع وتدار بعناية في مجموعات؛ 





التاريخ اناجتماعي للوسائط 


فقد مكنت المشاهدين من أن يروا الحدث من زوايا كثيرة. في حين جاءت 
الإعادة بالمركة البطيئة لتفقن المشاهدين أكشر. بل درسها الرياضيون 
أنفسهم. كما كان يقدم عرضا أسبوعيا للأحداث المتلفزة حول كرة القدم أو 
الكريكيت أو كرة القاعدة الهمء825 يما فيها من حكام ولاعبين, وهو ما أصبح 
الآن محل متابعة مستمرة من جانب الوسائط. وأصبح من الممكن أن تكون 
الكاميرات هي الحكم. كما كان للتلفزيون تأثير على توقيت الرياضات؛ 
وقواعدها أيضا . وأصبح يتحكم في نمويلهاء ومن خلال التمويل؛ أصبح 
يسيطر على أشياء أخرى كثيرة. 

إن الخطوط الفاصلة بين المعلومات والتسلية أصبحت باهتة إلى حد بعيد 
خلال الخمسينيات والستينيات سواء في الصحف أو الوسائط الإلكترونية, 
وستصيح فيما بعد أكثر ضبابية. فالمنتجون أخذوا يعرضون الرياضات 
المؤسسة مع صوت الموسيقي. قبل ذلك كان المتفرجون يفنون أغاني وأناشيد 
قبل المباريات وفضي أثنائها. أما في تلك الفترة؛ فقد كان اللاعبون ينشدون 
و«من أجل المال» يغنون بعيدا عن الملعب. وهناك بعض رياضات «الجماعة 
الهائجة.. مثل المصارعة التي كانت شركات التلفزيون تشتريها من الاتحاد 
الدولي للمصارعة بغرض التسلية فقط. 

وعلى كلء فلم تكن تلك الظاهرة جديدة بالكلية؛ وهو ما يتضح من تاريخ 
الصحافة؛ فقبل أن يبدأ الفريد هارمزورث صحيفته اليومية 10نه1! لإانه©» التي 
كانت تباع بنصف بنس في لندن العام 1855, والتي كان موضوعها الرئيسي هو 
التسلية إلى جانب الإخبار. كان نايت يرى أن المعرفة المفيدة لا تنتشر ما لم 
نمتع القراء. كانت صحيفة هارمزورث. مع ذلك؛ أول صحيفة يومية تتضمن 
صفحة للمرأة, كما كانت الأعمال المثيرة جزءا من استراتيجيته. تماما مثل 
الأعمدة الرئيسية. لم يكن التعليم أيضا غائبا عن اهتمامات هارمزورث؛ وكما 
لاحظ الصحافي الليبرالي سبندر فإن هارمزورث ومقلديه أثروا في الرجل 
العادي تأثيرا يفوق تأثير كل وزراء التعليم مجتمعين. أصبحت التكنولوجيا مؤثرة 
إلى درجة بعيدة»؛ وقد جرى تثمين دورها. وقد طالعت الأعداد الأولى من جريدة 
انغلا برانوط القرا ع قائلة «لم يعد خافيا أن الاختراعات الجديدة الرائعة جاءت 
خصيصا لمساعدة الصحافة, فجريدتنا تطبع بالآلافء وأصبح بإمكاننا أن ننتج 
٠‏ ألف ورقة في الساعة ونقصها ونطويهاء كل ذلك بفضل الاختراعات». 


المعلومات والتعليم والتسلية 


السلطة الرابعة - الصحافة 


كانت هناك إشارات إلى أهمية التكنولوجيا في تاريخ الصحافة قبل 
هارمزورث بجيلين: عندما تسلمت أمريكا الريادة من بريطانيا في 
تكنولوجيا الطياعة (الطباعة بالأحرف الدوارة). ومع ذلك: فالصحافة 
الشعبية لم تكن تعتمد على التكنولوجياء ولا حتى الحجج المدافعة عن 
الصحافة «القديمة». وعلى هذا الجانب من الأطلنطي كانت 1065ة1؛ وهي 
كبرى صحف لندنء تعامل في ذاتها كسلطة رابعة. وكان المؤرخ ماكوالي؛ 
كما يقال؛ أول من ابتكر هذا التعبيرء على رغم أنه كان يشير به إلى رواق 
الصحافة في البرلمان» وليس إلى 11065 أو الصحافة ككل. إن مفهوم 
القرون الوسطى عن الطبقات - النبلاء ورجال الدين والعوام ‏ دمر في 
فرنسا الثورية. لكنه بقي في إنجلترا في مجلسين برلمانيين» وفي العام 
اتخذ الصحافي نايت هونت المصطلح الجديد ‏ «السلطة الرابعة» ‏ 
عنوانا لكتابه عن الصحافة. وقد لقي هذا المصطلح قبولاء ليس فقط في 
بريطانياء ولكن أيضا في دول أوروبية أخرى كثيرة؛ وحتى في الولايات 
المتحدة. حتى أنه فى القرن العشرين كانت الدورية الأمريكية (البث) تفخر 
بأن تكتب على غلافها «السلطة الخامسة». 

إن صحيفة ووصة1 التي وُصفت في العام 1417١‏ بأنها «أعظم صحيفة 
شهدها العالم على الإطلاق» كانت مرتفعة السعرء وفقدت بعض هيمنتها 
ضي بريطانيا بعد إلغاء رسوم الطابع العام 18660, التي سبق أن خفضت 
العام 1457: وبعد إلفاء رسوم الورق العام :١81١‏ وقبل ذلك بوقت 
طويلء. ظهرت الصحافة البتسية [ الرخيصة] في نيويورك قبل 
أن تظهر في لندن: ومن أنجح الصحف الأولى من هذا النوع صحيفة 
(1833) هنا5 ءاعولا 216 التي أنشأها طباع مناضل هو بنيامين داي؛ 
وعندما باعها العام 185/7 كانت توزع 4”؟ ألف نسخة: كثير منها كان يباع 
على جانبي الشوارع: وكثير من المعلومات التي تحويها هذه الصحيقة 
كانت ترتبط بالناس العاديين والشرطة. قدمت هذه الصحيفة وصفا 
خيائيا للحياة على القمرء بعنوان «خدعة القمر». كجزء من التسلية 
التي كانت تعرضها. 





التاريخ الاجتماعي للوسائط 


على أن الصحيفة الأكثر تجديدا وشمولا في الرؤية كانت صحيفة جيمس 
جوردون بينت «10همع1] عإرملا برعلل (1878). كتب بينت )1١417 - ١!90(‏ 
المولود في إسكتلندا وقال: «إن طموحي هو أن أجعل الصحافة العضو والمحور 
الكبير للحكومة والمجتمع والتجارة والتمويل والدين وكل الحضارة الإنسانية». 
كأن الدين مهما بالفعل داخل هذه القائمة؛ «فالصحيفة في مقدورها أكثر من 
كل النوادي والكنائس في نيويوركء أن ترسل أرواحا إلى الجنة وتنقذ أرواحا 
من النار». وقد اتبع بينت الابن (1918-1841) المدخل الواثق نفسه؛. ومول 
إرسالية «ستائلي» التبشيرية إلى أفريقيا. كما كانت التكنولوجيا أيضا جزءا 
من رؤية بينت. غفي العام ١6٠١‏ جرب بينت الأب طريقة للطباعة تعتمد على 
دمغ طبق معدني بمجموعة الأحرف الطباعية وليس الأحرف الطباعية ذاتهاء 
وهو ما اعتبر تجديدا أصيلاء وبحلول سبعينيات القرن التاسع عشر كانت 
الطباعة بالمصفحات واسعة الانتشار. وضي باريس كانت الصحف تستخدم 
المصفحات من قبل ذلك تحديدا ‏ العام ؟1865. 

قبل ذلك بأحد عشر عاما أسس هوراس غريلي :)1477-141١(‏ صاحب 
عبارة «لتذهب إلى الغرب أيها الشاب». الذي كان منخرطا في الصحافة قبل 
بينت؛ أسس صحيفة «عهناط1:1 ارملا #«علل», تلك «الجريدة الأخلاقية الكبيرة» 
التي اجتهد جريلي لكي تتمتع باكتفاء ذاتي في التزود بالأخبار. كان في نيويورك 
في ذلك الوفت ١١‏ صحيفة يومية. وفي حين كانت صحيفة عممناطة:]' تضم 
مقالات ترسل من أوروبا إلى ماركس (كثير منها كان يكتبه إنجلز). فإنهاء عن 
عمد.ء كانت تستبعد بعض الأخبار الداخلية. إذ كانت ترفض كتابة تفاصيل 
الجرائم وتقارير المحاكمات والمسرحيات. أما مذ عازهلا ]3 (1801): وهي 
«صحيفة متزنة وواعية» أسسها مراسل شاب ممن كانوا يعملون مع جريلي هو 
هنري رايموند (1814-1870). فقد سلكت بوضوح خطا متوازناء وي القرن 
العشرين كانت تفصل صراحة بين «الأنباء» و «الآراء». ومن ذلك قولها: «إننا 
لا نؤمن بأن كل شيء في المجتمع إما صحيح تماما وإما خطأ تماماء ولكن علينا 
أن نحافظ على ما هو صحيح ونحسنه ونستأصل ما هو سين ونصلحه». 

في هذه الحالة. وحالات أخرى. حررت الصحافة الأمريكية نفسها من 
الروابط السياسية الحزبية التي كانت ظاهرة بجلاء في التطور المبكر 
للصحافة. إن درجة حرية الصحافة؛. من حيث الممارسة: كان مرجعها القانون 


المعلومات والتعليم والتسلية 


والسياسة. وقد جاء التعديل الدستوري الأول, الذي جاء مدمجا في «وثيقة 
الحقوق» التي أصدرها الكونغرس عام 0١‏ ينص على أنه «ليس من حق 
الكونغرس سن قانون يتعلق بالاعتراف بدين معين أو يحظر الممارسة الحرة له 
أو يقلص حرية التعبير والصحافة». إن لغة هذا النص صريحة: وهذا ما 
جعلها تؤثر في كل التاريخ الأمريكي اللاحقء بيد أن ما كان التعديل الدستوري 
يعنيه في الظروف المتغير: لمتغيرة كان متروكا للمحاكم والنقاش العام؛ فذلك لم يكن 
واضحا. ومن ذلك أن القاضي «ليرنيد هاند» أكد أنه «يزداد احتمال جمع 
الاستنتاجات الصحيحة من ألسنة متعددة أكثر منه من خلال أي نوع من 
المختارات السلطوية؛ في حين قدم القاضي أوليفر وينديل هولمز 
(1950-14814) مجاز «سوق الأفكار الحر». أما البث فسوف يعامل بشكل 
مختلف عن الصحافة: إذ كان في انتظار الخضوع للتنظيم من جانب الدولة: 
وهو ما كان يبرر بندرة الطيف؛ بحيث إنه لو لم ينظم فإن تعدد الألسنة 
سيخلق رطانة أو كلاما غير مفهوم. 

أصبحت الأحكام القضائية والبيانات العامة متشابكة مع الآراء حول 
الاحتكار. من ذلك أن تشريع مقاومة الاحتكار وتنفيذه: الذي كان هو نفسه 
سببا في تصادم الآراء والمصالح؛ كان يتمحور حول مصطلح «الصالح العام»؛ 
الذي نودي به أيضا في «مبدأ العدالة»» الذي طورته الوكالة الفيدرالية 
للاتصالات 500,: التي أنشئت ت العام ١1954‏ في واشنطن بمقتضى القانون 
الفيدرالي للاتصالات. وقد فرض ذلك واجبا من شقين على شركات البث: أن 
تخصص وقتا كبيرا للقضايا الخلافية التي تهم الجمهورء وأن توفر فرصة 
وافية لسماع وجهات نظر متعارضة: حول هذه القضايا. وهو المبدأ الذي لم 
يبق في ظل تحرير الوسائط الإلكترونية الأمريكية في الثمانينيات 
والتسعينيات: ولكن بالطبع بقي التعديل الدستوري الأول. ولهذا السبب وحده. 
كان تاريخ الوسائط في الولايات المتحدة مختلفا عن نظيره في كل الدول 
الأخرىء ومنها السويد التي تعمل بقانون قديم للصحافة يعود إلى العام ١711‏ 
يحمي حرية التعبير. 

منذ البداية. كانت الصحافة في نيويورك ٠‏ مجرد عنصر واحد في صحافة 
أمريكية لم تكن قط مركزيةء وكانت دائما تعتمد على قاعدة محلية. وكذلك 
أيضا كانت حال الصحافة في فرنسا وإيطالياء على رغم أن باريس كانت 





التاريخ الاجتماعي للوسائط 


مركز الصحف الفرنسية واسعة الانتشارء بدءا من «ل623نا10 اناعم ع1» العام 
:١ 87‏ التي كانت تبيع ربع مليون نسخة يومياء والتي قيل عنها في ذلك الوقت 
إنها الأكثر انتشارا في العالم (وبقدر ما أثير من جدل كثير حول تحديد الدول 
صاحبة السبق في الاختراعات المختلفة: أثير كثير من الجدل حول أوسع 
الصحف انتشاراء لكن بالطبع من دون أن يكون هناك مقابل لقانون براءات 
الاختراع). بعد ذلك صدرت صحيفة معتعتمدط غتاءط ع.] العام ١81/5‏ ودع[ 
سنلة لل العام 5م و«لقصسنو1 عل العام ١845‏ . وفي بريطانياء في حين كانت 
15 تفقد ثقلها في المنافسة في لندن بعد إلفغاء قانون الطابع ووقف رسوم 
الورق» كانت الصحافة الإقليمية تزدهر في منتصف القرن التاسع عشرء ففي 
العام 1814 كان هناك 91 صحيفة يومية إقليمية مقارنة ب ١1‏ صحيفة في 
لندن. وهو ما جعل إدوارد بيئزء صاحب صحيفة «تنء2ء31 5لع1.6» الليبرالية, 
يعلن بفخر أنه من بين معدل انتشار الصحف السنوي الكلي البالغ 047 مليون 
نسخة كان "4٠‏ مليون نسخة هي منشورات إقليمية. 

كانت الصحافة الإقليمية الإنجليزية في طريقها إلى أن تفقد كثيرا من 
تأثيرها في نهاية القرن التاسع عشر والقرن العشرين؛ عندما أصبحت 
المعلومات, والتسلية أيضاء لأسياب عديدة. متمركزة في لندن. ومع ذلك 
فواحدة من صحف القرن التاسع عشر هي «صدتلعةن © تعاقعطعصة8»؛ التي 
أصبحت صحيفة بنسية العام 6, اكتسيت جمهورا قوميا في ظل قيادة 
سكوت (1915-1841) الموهوبة والمسؤولة. وهذه الصحيفة لم تضع الأنباء 
على غلافها إلا العام 1507 فقطء أي قبل ثماني سنوات من نقل مطبعتها إلى 
«لندن» وإسقاط كلمة «عا5ءاءمة30 من اسمها. كان سكوت الذي قال إنه ليس 
في التلفزيون شيء جيد: فهي كلمة نصفها لاتيني ونصفها يوناني. 

كان سكوت وعائلته ينظرون إلى هؤذل5ة01 رعأوعطاءعمة2 باعتبارها «صحيفة 
جودة», وهو مصطلح بريطاني أطلق أيضا على 11265 في خمسينيات القرن 
العشرين. بعد وقت طويل من انزواء مصطلح «السلطة الرابعة». جاءت 
صحيفة «طرهروء1ء1” لالنة18» في الفئّة نفسها «صحف الجودة» هذهء على رغم 
أن ذلك لم يكن متوقعا لها عندما بدأت كصحيفة يومية عشية إلفاء قانون 
الطابع. ومع خفض سعرها من ثلاثة بينسات إلى بنس واحد ومضاعفة 
حجمهاء حققت على الفور انتشارا أكثر من ضعف انتشار 11265؛ وكان من 





المعلومات والتعليم والتسلية 


بين صحافييها أشهر صحافي إنجليزي في منتصف العصر الفيكتوريء؛ سالاء 
الذي كان أحد المشاركين في كتاب ديكنز «كلمات العائلة» (1800). وديكنز 
نفسه كان أول محرر في 5ثه]28 لإآنوط (1845). 

إن استجابة الصحف البريطانية المختلفة وقطاعات المجتمع المتعددة إلى 
إلغاء رسوم الطابع والورق ورسوم الإعلان. كانت ذات أهمية إستراتيجية في 
تاريخ الوسائط البريطانية؛: فرسوم الورق التي فرضت في عهد الملكة «آن» كان 
الراديكاليون ينظرون إليها باعتبارها «ضرائب على المعرفة». وقد رحبت 
صحيفة «ةا5 عدندمه781» بإلغائها واعتبرته «يوما مشهودا في كل التقويم 
الإنجليزي». ورأت طمقعوءاء1 نزآنة« أن من الأهمية القصوى أن يكون إنتاج 
الورق من الآن فصاعدا محكوما فقط بالقواعد التجارية. غير أن الصحف 
وحدها ليست التي ستستفيد من هذا الإلقاء. إذ ستستفيد كذلك كل الأنواع 
الأدبية. بداية من شكسبير وميلتون وشيلي وانتهاء بأدب السكك الحديدية 
الذي كان متاحا في أكشاك كتب سميث؛ واستمرت الصحيفة قائلة «إن الإلغاء 
فتح للمؤلفين مجالا فسيحا لممارسة العبقرية والموهبة, لم يتمتعوا به من قبل». 

كانت آراء ريتشارد كوبدن: الذي قدم دعاوى أخلاقية مؤيدة لحرية 
الصحافة لا تقل قوة عن دعاوى البريد البنسيء تدوي في طاموموءاء1 نزانهدآ 
التي أضافت أنه في المستقبل سينظر إلى الصحف على أنها «سلطة أكثر ثقلا 
وموثوقية من أي نائب عام أو مراقب رسمي للصحف». إن استخدام كلمة 
«سلطة». وهي كلمة أساسية في المفردات الفيكتورية. شأنها شأن كلمة «تقدم», 
له دلالتهء إذ إن هذه الكلمة كانت في سبيلها لأن تستخدم بكشرة في القرن 
العشرين فيما يتعلق بالبث. كان كوبدن: الذي كتب العام ؛ 187 أن «تأثير الرأي 
العام, كما يمارس من خلال الصحافة هو الخاصية المميزة للحضارة الحديثة», 
يعتقد أن الرأي أهم من المعلومات. كتب كويدن ذلك ضي وقت كان فيه أنشط 
محرري وموزعي الصحافة الراديكالية: الذين كانوا يتعاملون في الصحف غير 
ذات الطابع التي رقضتها دوائر حزبي:«الهويج» و «التوري» باعتبارها «صحافة 
عالة» وكانوا غالبا ما يواجهون بحسم ويتعرضون للسجن. 

وقد أدمج احتجاج الراديكاليين في حركة الوثيقية «وناعة0: وهي حركة 
معترف بها نطبقة العمال ناضلت من أجل الحريات الديموقراطية بالتوازي 
مع وأحيانا بالتعارض أو حتى بالتعاون مع رابطة كويدن المعادية لقانون 



































التاريخ الاجتماعي للوسائط 


القمح؛ ولكنها كانت دائما في عداء مع أنصار حزب «الهويج». كان معظم قادة 
طبقة العمال؛ قبل وبعد حركة الوثيقية: يرون أن «المعرفة هي القوة»» وهو 
الشعار الذي زين كل أعداد صحيفة «011310198 و'هة/3 :2200 التي نشرت لأول 
مرة العام ١187؛‏ وقد كانوا يؤمنون أيضا بأن المعرفة, التي كانوا يتتصدون بها 
أشياء أكثر من المعلومات. يمكن الحصول عليها من الكتيبات والكتب إلى 
جانب الصحف» ومنها صحيفة «حركة الوثيقية» 55 م710:06 التي أسسها 
قائد الحركة فيرغوس أوكونر (1800-17/55) في العام 18548 والتي نشرت 
أولا في ليدز. كانت هذه الصحيفة تضم بين صفحاتها معلومات لم تكن أبدا 
لتظهر على صفحات 111065 وكانت تعتمد في ذلك على الخدمات التطوعية 
للمراسلين المحليين. وخصصت إلى جانب ذلك مكانا للشعر. وإضافة إلى 
ذلك. ظهر أدب قصصي خاص بالحركة الوثيقية حقق مكاسب من كونه 
ممثلاء وفي الوقت نفسه. معبئًا للرأي. 

بيد أن لكل دولة في تاريخ الصحافة نقاطا على الزمن تمثل علامات أو 
نقاط تحول. بالنسبة إلى فرنسا كان هذا التاريخ هو العام 14/١‏ عندما 
صدر قانون جديد للصحافة بعد مناقشات مطولة ومكثفة في الجمهورية 
الثالثة» وقد بدأ القانون بالكلمات المؤثرة «الصحافة حرة»». وقد استيعد هذا 
القانون القيود القديمة: منها مطالبة الصحف بإيداع أموال كضمان للتصرف 
فيها في حالة غرامات القذف وغيرها من الإساءات. وفي لندن رحبت 165 
بالقانون الجديد قائلة: «إن الصحافة الأفضل تغني عن القوانين الاستثنائية», 
وفي العام 1844 قُضي على كل القيود التي كانت مفروضة على الصحافة 
الألمانية: ولكنها سرعان ما عادت ثانية في غضون ثلاث سنوات. 

في بعض الدولء بما في ذلك الهند الإمبراطورية. كانت لا تزال تسن 
قوانين قمعية جديدة حتى وقت متأخر من القرن التاسع عشر. وقد فرض 
بسمارك إجراءات صارمة على الصحافة الاشتراكية العام 1414, وضي 
العام نفسه؛ لكن في مكان بعيد. وضع قانون وطني للصحافة في الهند 
ضوابط جديدة على الصحف الوطنية وقبل ذلك بثلاثة أعوام أعلن قانون 
الصحافة الياباني؛ في العام 1870 أن «من حق وزير الداخلية أن يحظر 
بيع أو توزيع الصحف أو في حالة الضرورة. مصادرتها إذا ما اعتبرت 
بعض مقالاتها معوقة للآأمن والنظام أو مضرة بالأخلاق. وفي معظم الدول 














المعلومات والتعليم والتسلية 


كان من الصعب فرض قوانين الصحافة بشكل صارم: ومن أمثلة ذلك أن 
روسيا القيصرية انتشرت فيها الصحافة السرية التي كانت تتعاطى 
السياسة بشكل مباشر. ا 

وضي كل الدولء أيا ما كانت سيادة القانون» أسست الصحافة نفسها 
بحلول العام ١6٠١‏ كقوة في المجتمع يمكن أن يكون لها دورها في صنع 
مستقبل ديموقراطيء كما كان لها دورها في الماضي السلطوي. وظلت المطبعة 
وسيطا أساسياء حتى بعد وقت طويل من ظهور الوسائط الإلكترونية؛ مع 
ازدهار الدوريات والكتب والموسوعاتء إلى جانب الصحفء وهو ما يعني أن 
التكتولوجيا لم تكن العامل الحاسم. كانت أول نشرة إخبارية أسترالية تكتب 
بخط اليد» وأنشئت صحيفة «للهرء8 عمندده31 تزعمل:ز5» العام ١‏ وبدأت 
تنشر يوميا بدءا من العام ,» وبعد ذلك بعشرة أعوام كان هناك صحف 
في كل المدن الكندية. وبعيدا عن المدن وضواحيها الممتدةء كانت الغابات تزال 
لإنتاج لباب الخشب المستخدم في صنع الورق. 

كانت عمليات التفير معقدة,. ومع انخفاض تكلفة الطباعة ونمو معدلات 
القراءة بين الجماهير تفير محتوى تلك الصحفء التي لم تزعم أنها صحف 
«جودة». ليصبح كثيرا من التسلية وقليلا من المعلومات. وحتى أساليب هذه 
الصحف أصبحت أقل شكلية. وما سمي «الصحف المصفرة» لم يكن منتجا 
قياسيا كما تؤكد بعض تواريخ الصحافة. وكانت هذه الصحف تتتثافس ليس 
فقط بعضها مع بعضء ولكن أيضا مع وسائط اتصال أخرى ومع منتجات أخرى 
غير ذات صلة بالاتصالات: بعضها كان مصدر عوائد الإعلانات لهذه الصحف. 

وعلى الرغم من أن دور الصحافيين الذين يجمعون الأخبار ‏ كان عدد 
الصحفيات قليلا قبل العقد الأخير من القرن التاسع عشر ‏ والمحررين الذين 
يختارون ويرتبون ويعرضون ويفسرون الأخبار كان دائما محل خلافء فإن 
هذا الدور أصبح أكثر خلافية مع زيادة المبيعات. الأهم من ذلك كله هو ظهور 
أجيال جديدة من أصحاب المشروعات. ضفي الولايات المتحدة كان ويليام 
راندولف هيرست (1877 - )1901١‏ وسكريبز (19735-14804) يطوران سلاسل 
ضحمة. وقد أنهى هيرست, الذي كان مهتما أيضا بالسينماء أيامه في قصر 
خرافي في كاليفورنيا ليس بعيدا عن هوليود بصحبة واحد من نجوم هوليود 
هو ماريون ديفيز. وقد حركت قصته «أورسون ويليز» لإنتاج واحد من أقوى 


التاريخ الاجتماعي للوسائط 


الأفلام على الإطلاق هو «المواطن كين» .)154١(‏ وقد هوجمت صحافة 
«هيرست» باعتبارها «صحافة صفراء»» في حين كان من الممكن مهاجمة 
صحافة سكريبز أيضا باعتبارها «ليبرالية ومؤيدة للعمال». 

وفي بريطانياء لم يكن هار مزورث الذي ترك المجلات (ولكن ليس 
الموسوعات) متجها إلى الصحف بعد العام ١6٠١‏ اشترى وعهة؟ 1904 - أول 
الكبار الذين يتحولون إلى «المحادثة» :63 إذ بدأ الشاعر والكاتب ليف هنت 
(15094-19/8) صحيفة باسم «حديث الأسبوع» +018 7766165 في عشرينيات 
القرن التاسع عشرء وفي العام 144١‏ دشن جورج نيونيس (1401- )11٠١‏ 
صحيفة «15ذ110-8» التي وصبفت بأنها «أول صحيفة قصاصات». والتي كانت 
تبيع 0 ألف نسخة في الأسيوع يعد تأسيسها بسبع سنوات. وقد رحب بها 
هارمزورث باعتبارها «بداية لتطور سوف يغير وجه الصحافة كلها»» حيث إنها 
سوف تروق للمئات والآلاف من البنين والينات الذين تركوا المدارس الداخلية 
الجديدة التي أنشئت بمقتضى قانون التعليم .141٠١‏ 

وقد قيل في العام 188١‏ إن من ظواهر العصر الحديث اللافتة للنظر 
«انتشار ما بين خمسة وستة ملايين منشور أسبوعي وشهري في لندن 
وحدها». لكن ذلك لم يكن من أشكال «الحداثة». كما بدا للبعضء وكذلك لم 
يكن مرتبطا مباشرة بقانون التعليم. كما اقترح البعضء حتى في وقت صدور 
القانون. منذ وقت مبكرء العام 1858, كتب الروائي ويلكي كولينز 
(غ1885-1882) (من دون أن يكتب اسمه) مقالا في مجلة «105ه770 1[مطءود110» 
بعنوان «الجمهور المجهول». كانت المعرفة بالقراءة والكتابة في ازدياد قبل 
قانون العام ١187ء‏ وكان هناك طلب متزايد على مواد قراءة تختلف تماما عن 
تلك التي تقدم للجمهور المتعلم. وما حدث في العقدين الأخيرين من القرن 
التاسع عشرء هو أن غاية الجمهور المتعلم تركت مكانها لواقع «السوق» في 
الوسائط كما في الاقتصاد. فقد تقلصت قوة النزعة الراديكالية: ولم يكن 
المحافظون وحدهم الذين تحدثوا عن إعطاء الجمهور ما يريده. وأصبح النشر 
عملا تجاريا بالنسبة إلى البعضء مثله مثل أي عمل آخر. 

إن الرواية؛ التي تقلص حجمها عن الحجم المعياري المتمثل في ثلاثة 
مجلدات. ذلك الحجم الذي كان معمولا به في الوقت السابق من القرن 
التاسبع عشر.ء ظلت الشكل الأدبي الرئيسي. ولكن» حسب رأي جيسنغ 























المعلومات والتعليم والتسلية 


وهنري جيمس ١017(‏ -1917). الروائي الأمريكي الكبير الذي عاش في 
إنجلترا. كان للصحافيينء. كما بدا في ذلك الوقت,. الغلبة؛ ريما لوجود 
ناشرين سيئين في الخلفية. وهو أيضا ما أكده المؤرخ ليكي )15١7 - 1١458(‏ 
الذي كان يكتب في العام ١8484‏ حول تزامن موت المحامي الدستوري السير 
هنري مين (1877- 1488) والشاعر الناقد ماثيو أرنولد (1475- 2)١1444‏ 
إذ صرح بأن الموهبة الأدبية تسحق وتمتص في الصحافة اليومية 
والأسبوعية. وخلص ليكي إلى «أنه لا توجد دولة ولا عصر كرس فيه مثل 
هذا القدر الكبير من الموهبة الأدبية الفائقة في كتابات مجهولة الاسم 
وسريعة الزوال في آن واحد». 

وبعد ذلك بثلاثة عشر عاماء في عام وفاة الملكة فيكتورياء اشتكى مؤرخ 
آخرء أصبح الآن أكثر شهرة من ذي قبل هو تريفليان :.)١517-١415(‏ الذي 
سيترك بصمته على تفسير القرن العشرين لماضيه: في مجلة «القرن التاسبع 
عشر» من أن المحافظين استولوا الآن على «قلك نوح» [الصحافة]ء الذي كان 
يقصد به آلة الطباعة. وقد استعار مصطلح المحافظين من أرنولدء الذي كان 
يرى أن عقد الستينيات هو العقد التكويني في القرن التاسع عشر. وبالطبع 
كان لفلك نوح أو فلك الميثاق تاريخ أطول من «السلطة الرابعة». 

غير أنه من الأهمية بمكانء ألا نفرط في تبسيط العمليات التي أثرت 
في كل من الصحافة والرواية أو تتابعها الكرونولوجي. وكما في التتابع 
المعمول به في الأضلام. من الضروري القفز عبر الزمن. كما أن اللفة 
الصحيحة ليست لغة السيب والنتيجة. وأرنولد نفسه لم يكن متأكدا من أن 
فلك الميثاق» وهو وصف لم يكن ليستخدمه هو نفسه:ء كان آمنا حتى في 
منتصف القرن.؛ تلك الفترة التي اعتبرها تريفليان العصر الذهبي للصحافة. 
إن أرنولدء رفيع الثقافة ونصير «العذوية والنور». لم يكن سعيدا بدور 
الاتصالات عموما: 

«إن إنسان الطبقة الوسطى يعتقد أن ذروة التطور والحضارة هي أن تحمل 
خطاباته ١١‏ مرة في اليوم من أيلنغفتون إلى كامبرويل؛ وأن تسير رحلات 
القطارات منها وإليها كل ربع ساعة, ولا يفكر في أن القطارات تحمله فقط 
من حياة استعبادية موحشة في أيلنغتون إلى أخرى لا تقل عنها استعبادا 


ووحشة في كامبرويل». 


التاريخ الاجتماعي للوسائط 


ومثل هذا الاتجاه نحو الاتصالات كان يلازمه؛ في حالة أرنولدء الخوف 
من المستعبدين. وحتى بعد تحرير بعضهم في العامين ١85717‏ و1885ء ساد قلق 
ممائل من الناخبين الجدد الأوائل: أو الشعب كما يحب الناس أن يسموهم؛ 
فهم يتمتعون بفضائل كثيرة: ولكن منهم من لا يتصف بالحكمة:؛ فلا يفكر 
بإنصاف وجدية. 

إن الصحافة الجديدة: وربما كان أرنولد أول من استخدم هذا المصطلح. 
كانت. كما يعتقد أرنولد.ء مغفلة في محاولتها جذب قراء من حديثي التحرير. 
كان تأثير أرنولد في الدراسات الثقافية في القرن العشرين عميقاء لكنه ابتعد 
في حياته إلى حد كبير عن التسلية عند تناوله لدور الصحافة؛ وكذلك لم 
يفحص بعناية آراء الناس الذين حرموا من حق التصويت قبل القوانين 
الإصلاحية للعامين 18577 و 1884ء كان أرنولد. مفتش المدارسء متشائما 
حول دور الصحافة كقوة تعليمية. ومع ذلك كان المؤلفون:؛ الذين كانوا يعتبرون 
أنفسهم اشتراكيين مسيحيين: متفائلينء ومن ذلك أن قال لودئو العام /1851: 
«إنه على رغم صعوبة اعتبار الصحف والمجلات الرخيصة مؤسسات مربية 
فإنها في كل الأحوال: خيرها وشرهاء وربما في الغالب للخير, تمثل مؤسسات 
مربية قوية.. فعلى رغم خطايا ونقائص الصحف. فإن عامل اليوم بفضل 
الصحيفة البنسية؛ التي يقف وراءها أناس ذوو معرفة أكمل وأحكام أفضل 
وتوحدات أوسع مما كان متاحا من ثلاثين عاما مضت للعمالء الذين كان 
عليهم أن يقنعوا بالشائعات والقيل والقال؛ أصبح أفضل حالا [أي العامل]». 

من المؤكد أن العمال المثقفين؛ ومنهم الأنصار السابقون لحركة الوثيقية, 
رحبوا بإلغاء رسم الطابع في العام 1800 في الذكرى السنوية ل «الماجنا كارتا» 
هلة) 113803 باعتباره انتصارا كبيرا. 

ومع ذلك وعلى رغم الانتصار الذي تحقق؛ كانت هناك أكثر من مسحة 
سخرية؛ حتى بالنسبة إلى المتفائلين. فيما سيتلو ذلك. فالشائعات في العام 
٠‏ كانت أكثر منها في العام :126٠١‏ ومعظم الذين حصلوا حديثا على حق 
التصويت, اتجهوا إلى الصحافة بحثا عن الإلهاء ‏ والهروب ‏ أكثر منه بحثا 
عن المعلومات والمعرفة أو الشعر. إن العامل توماس رايت. صديق أرنولدء الذي 
كان يحب السخرية, لم يكن يثق حتى في قانون التعليم العام 21/7١‏ «فتوسيع 
التعليم الأولي.. إذا ترك على حالته البسيطة فسوف يمدنا بعدد كبير من 


المعلومات والتعليم والتسلية 


الأشخاص القادرين على فراءة استخبارات البوليس في الأنواع المتدنية من 
الصحف الأسيوعية: من دون رغبة في قراءة أي شيء آخر». كان مؤسس 
صحيفة الأحد الشعبية «7165 0105م 1»: التي حققت انتشارا كبيرا من 
خلال تعاملها مع موضوعات غير المعلومات السياسية مثل استخبارات 
البوليسء. كان هو نفسه في السابق من أنصار حركة الوثيقية. 

بيد أن رينولدز :)14875-1١481١4(‏ صاحب الصحيفة السابقةء لم يكن 
مؤسس ذلك النوع من الصحافة: التي كانت تسمى «جديدة»» أكثر من 
هارمزورت قبل ذلك بعشرين عاما. فالصفة «جديدة» ليست صحيحة:؛ فقبل 
بداية القرن التاسع عشر برزت التسلية (أو الإلهاء) إلى جانب المعلومات في 
صحف كثيرةء وبخاصة تلك التي كانت تنشر في أيام الآحاد والتي كان يوزعها 
«الصبية المنادون».: الذين كانوا ينادون بأسماء هذه الصحف في الشوارع. وضي 
العام ١48١5‏ كانت هناك ١8‏ صحيفة: قليل منها مخصص لقراء الطبقة 
العاملة. ظهرت صحيفة دوء110 تإهلمناة» العام 187١‏ وكانت تسمى في 
الأصل « 0517 /3163». تعود صحيفة 0761مء065 إلى العام ١ثلا١ء‏ أما 
صحيفة «بل» عاعتهصمتطن عستترمم5 لصه مملكصدمآ مز ع كنآ ؟ااءع8 ١‏ لتي ظهرت 
العام ؟1875: فقد دعت لنفسها بأنها «تجمع إلى جانب أخبار الأسبوع خليطا 
من الموضة والطرائف والفكاهة وحوادث الحياة الراقية والعادية». وربما لذلك 
دمجت العام ١8/57‏ في صحيفة «ع]1آ عمنا:هم8 . 

ومن منشورات «بل» كذلك تععدوودع81 زلكاعء77 15اء8 ١/51‏ - 1851) 
التي كانت تركز أيضا على الجرائم والمضائح والجنس والكوارث والأوبئة 
وسباقات الخيل. وعلى هذا النحو أيضا كانت الصحيفة: التي مازالت بافية 
حتى وقتنا «7/0:10 عط 06 31675» التي بدأت العام ”184 ومنشورات إدوارد 
ليود الكثيرة التي لم يبق منها شيء. بدأ ليود (14816- )١185-‏ حياته العملية 
مثل عدد من أنصار حركة الوثيقية كبائع صحف وبائع كتب في حي إيست إند 
بلندن. كانت أول محاولات ليود في الصحافة. صحيفة بنسية هي «لاممءم 
0021 ععذاوط أاع[ممء2 هه وعدل1 2023ه5»: ويعد ذلك بعامين أسس 
صحيفة مصورة هى «]ءم3م15ء71 511208 11115860 0'5نإ115» كانت أول 
صحيفة تبيع مليون نسخة بعد أن غيرت اسمها إلى دنإاكاءء/17 'للاه1آ 
“ع2 وقد حقق ليود مكاسب وأرياحا كثيرة من عمله في هذا المجال. 





التاريخ الاجتماعي للوسائط 


وحتى ماقبل بداية القرن التاسع عشر. وبالتالي قبل انتشار المعرفة 
بالقراءة والكتابة ومجيء السكك الحديدية: وما قدماه للصحافة من فرص 
غير مسبوقة لزيادة الانتشارء لم يكن غلك الميثاقء كما ألمح تريفليان ذو 
الخلفية «الهويجية»» يعامل دائما باحترام في بريطانيا . ومع ذلك كانت 
تقاليد «الهويج» قوية في بداية القرن. وقد وصفت دورية «الهويج» 
617161 أقعناطم 501 الجديدة التي أسست في العام ١86١7‏ الصحافة بأنها 
«حاظة بالقوة التي يمكن استيعابها بوقار» إذا ما جرى استيعاب البشر أيضاء 
في تحقيق الحكمة الإلهية». 

وخارج تقاليد الهويج التي كان ينتمي إليها تريفيليان ‏ وسلفه المؤرخ 
ماكوالي ‏ بدأ أنصار الفيلسوف الراديكالي جيرمى بنتام ١7/44(‏ - 18517) 
دورية أخرى العام ١854‏ هي « 16016 هاومتصاده/١‏ » استبعدت المجاز الديني 
عندما وصفت الصحف. باللغة التي سيستخدمها كوبدن, بأنها «أفضل وأوثق 
عوامل تحضير الدولة؛ إذ تتضمن بداخلها ليس فقط عناصر المعرفة ولكن 
أيضا دوافع التعلم...» من الضروري أن نرى أناسا لم تنتشر الصحف بينهم 
لنعرف مجموعة الأحكام المسبقة المتنوعة التي تبددها هذه المنشورات بشكل 
فوري وحتمي». وبالنسبة إلى الصحيفة السابقة: كما بالنسبة إلى «نايت»» كان 
هناك مصطلح أكثر إيحاء من «فلك الميثاق» هو «مسيرة العقل» اسم صحيفة 
حزب التوري - وهي مسيرة أكثر قصدية وعمدية من «مسيرة الزمن» ‏ اسم 
إحدى الصحف. وقد أكد أحد الكتاب في عددها الأول أنه أخيرا «أصبح 
الجمهور موجودا في كل مكان: ليس فقط في الأدب؛ الذي أصبحت فيه 
الإهداءات المليثة بالإطراء للرعاة شيئًا ممات. وأصبح كل شعراتنا الكبار 
يكتبون للشعب». وهو ما يكشف أنه في أوائل القرن التاسع عشرر كانت 
الصحافة في بؤرة الانتباه أكثر من إتاحة المعرفة أو تحسين التعليم. 
فالصحيفة كانت رمزا إلى جانب كونها وسيطا. من ذلك؛ كما ذكر ولتر بيغوت 
(1851-//141): محرر «اكتطمهم800 عط1», أن وصف ديكنز لندن في كلمات 
لا تنسى بأنها «تشبه الصحيفة: فيها كل الأشياءء دون أن يكون بينها ارتباط؛ 
وفي بعض المنازل هناك كل الأنواع من الأشخاص.ء دون أن يكون هناك 
اتصال بين المنازل آكشثر من ذلك الذي بين الجيران على قوائم الميلاد 
والزواج والوفيات». 





المعلومات والتعليم والتسلية 


نظر بيغوت إلى عصره باعتباره «عصر النقاش»», ورأى أن الصحف 
والمجلات ضالعة في تكوين الرأي وضرورية لجعل النقاش ممكنا. غير أنه لم 
يتوقف عند ذلك الحدء بل كان مفتونا بالسياق الذي في إطاره يحدث 
الاتصال أو لا يحدث؛ ويرى أنه على رغم وجود بعد تعليمي لنشر الأفكار إلا 
أنه غالبا ما يكون هناك بعد اجتماعي وسياسي أيضا. وكان من البديهي في 
رأيه أنه في السياسة «يصبح شكل الحكم ليبراليا بقدر زيادة قوة الرأي 
العام». ولكن هل يظل ليبرالياة 

قبل بيفوت وقبل أرنولدء حتى قبل ديكنزء ضْمن روائي آخر هو إدوارد 
بولور ليتون (؟١8١‏ - 14875) روايته «إنجلترا والإنجليز» (؟187): وهي تشريح 
مبكر لبريطانياء ضمنها قسما عن الصحافة التي تنظر إلى الأمام في الوقت 
نفسه الذي تنظر فيه إلى الخلف: 

«ماذا سيحدث إذا ما بيعت الصحف التي ثمنها سبعة بنسات ببنسين - 
فقط؟ من المؤكد أن اتساع المبيعات من أولئك الذين يدفعون سبعة بنسات إلى 
من يتحملون دفع بنسين سيجعل الصحف تضع في حسبانها أغلبية جديدة: 
وسوف تخاطب عواطف ورغبات عدد من الفقراء أكثر مما تخاطبه الآن,» 
وسوف تحدت بذلك تأثيرا جديدا على الآراء سيطول بدوره علاقاتنا 
الاجتماعية وفوانيننا التشريعية». 

وقد طرح ليتون أيضا قضايا أخرىء: بعضها قديم بالفعل مثل مسألة 
العلاقة بين التحزب والموضومية في الصحافة الحرة. 

كما طرح هذا السؤال نفسه في أمريكا أواخر القرن الثامن عشر في 
عام صدور التعديل الدستوري الأول نفسه الذي سيجعل التاريخ الأمريكي 
اللاحق للوسائط مميزا. فهدف الصحيفة,. كما أكد جون فينو الناشر الأول 
لصحيفة 51265 1160م0] عط 01 عناء2ة0 :)١785(‏ هو «اطلاع الناس بدرجة 
جيدة حول حكومتهم. ونقل الآفكار العادلة لإدارتها عن طريق عرض 
الحقائق». ولكن ما الأفكار العادئة5 بل ما الحقائق أصلا؟ وهذه الجريدة, 
التي كان يطبع على صفحتها الأولى خلاصة عن الحالة الحالية للاتحاد. 
كانت تتلقى معونات من ألكسندر هاملتون والحزب الفيدرالي: ولم يكن 
توماس جيفرسون وحده الذي اعتقد أن كل الصحف الفيدرالية تتعاطى 
الكذب والكتابة المتهجلة. وضع فينو ثقته في قراء أمريكيين غير معروفين 


التاريخ الاجتماعي للوسائط 


من ذلك النوع الذي قال عنه كولينز: «إن مواطنينا يمكن خداعهم للحظة 
وقد خدعوا بالفعل؛ ولكن مادامت الصحف محمية يمكن الاعتماد عليها 
في التتوير». 

أما ويليام كوييت :.)١1850-١757(‏ أكثر الكتاب تحزباء الذي امتدت كتاباته 
عبر الأطلنطي ‏ بدأت من أمريكا ‏ فقد دافع عن التحزب السياسي بالقوة 
نفسها التي دافع بها عن أي من قضاياه. وفي صحيفته تعاوزوع] لدعناناه20؛ 
التي نشرت أولا في إنجلترا العام 18٠١‏ في طبعة ثمنها بنسان: كان عدوانياء 
تماما كما كان عندما كان يكتب تحت الاسم المستعار بيتر بوركوبين ضفي 
الولايات المتحدة. وضي العام 16١7‏ قيل إن صحيفته كانت تبيع ما بين ٠١‏ ألفا 
و١ه‏ ألف نسخة في الأسبوع. غير أنه لا يمكن الادعاء بأن كوبيت تعامل فيه 
مع الحقائق فقط. بيد أن صحافته القوية أدت حقا إلى فعل سياسي. كان 
«دفاعا عن حقوق أولئك الذين يقومون بالعمل ويخوضون المعارك». العنوان 
الفرعي لكتيبه «صديق الفقير» (1455). 

كان هناك عنصر محافظ في رؤية كوبيت. ولكن معظم المحافظين 
الإنجليز في عصره كانوا مصممين على الوقوف في وجه راديكاليته التورية 
[نسبة إلى حزب التوري] وهي منتج إنجليزي في الأساس. وكثيرون منهم 
كانوا أيضا عدوانيين تجاه فكرة «مسيرة العقل» التي كانوا يعتبرونها مسألة 
تبعث على السخرية؛ بينما كان للصحافة مدافع محافظ هو جورج كانين 
 )1877-11770(‏ رئيس الوزراء فيما بعد الذي حرر في شبابه دورية «معاداة 
اليعقوبية»». والذي أشار في خطبته العام 1887 إلى ناخبي دائرته بليفريول 
إلى القوة الجبارة للرأي العام المجسدة في الصحافة الحرة؛ حتى أنه شبهها 
بقوة البخار. 

لم يكن ذلك حال كل الليبراليين. ففي العام 1875 علق المؤرخ وعالم 
الاجتماع سيسموندي (17757 - 18817), الذي كان يكتب من خافية أوروبية في 
سويسراء أنه في حين «تمثل الصحافة اليومية مصدر قوة». فإن موضوعها 
ليس هو الصائلح العامء بل كسب أكبر عدد من المشتركين. وليس ببعيد عن 
ذلك رأي جون ستيورات ميل  )1477  ١801(‏ ابن صديق بنتام الحميم 
جيمس ميل (11/75 - 1857) النفعي المناضل الذي آمن بقوة بالحاجة إلى 
تعبئة الرأي العام أن التجارة في الأدب لا سيما الصحافة تحتاج إلى الزيف 





المعلومات والتعليم والتسليةٌ 


والرياء أكثر مما يحتاج إليهما حارس المواخير. وهو التشبيه الذي سيتواتر 
كشيرا. وفي هذه الأثناء وصف السير رويرت بيل (1788 - 1870): وهو 
محافظ جاء من خلفية مختلفة عن خلفية كانين. وصف الرأي العام بأنه 
يتضمن «مركبا ضما من الحماقة والضعف والتعصب والشهور الخاطئٌ 
والصحيح والعناد وفقرات من الصحف». 

إن صحيفة 112265», في الوقت الذي كان ينظر إليها فيه كسلطة راعة في 
ذاتهاء لم تكن أبدا من دون نقاد كثيرين: وكان من بينهم الراديكالي ويليام 
هازليت (1778 - 1810) الذي كتب مقالا رائعا العام ١877‏ حول «روح 
العصر». وفي حين اعترف هازليت بأن 5 كانت مؤهلة للخاصية التي 
أعطتها لنفسها باعتبارها الصحيفة الرائدة في أوروباء فإنها كانت لا ترضي 
ذوقه. فهي صحيفة «تؤلف وتطبع عن طريق محرك بخاري»» بمعنى أنها من 
مخلفات زمن فات. وعلى النقيض من ذلك. يطلق بيل. الذي أعجبه تأييد 
محررها القوي توماس بارنيز (1785 - 1841) للاصلاح البرلماني في أثناء 
السنوات العاصفة من 187١‏ إلى 1857ء يطلق على هذه الصحيفة «النصير 
الكبير والرئيسي والقويٍ للإصلاح». بينما وصفتهاأ الصحيفة التورية 
دااع للتعمةن0»: التي أسست العام ,186١5‏ بأنها «الأكثر تهتكا في صحف 
لندن؛ والأكثر تناقضا في كل شيء؛ اللهم إلا المكر والأذى». 

ومن المؤّكد أن بارنيز كان يستمع لقرائه؛ ولكن لأنه كان يعرف 
الطموحات السياسية لكثيرين منهم. فقد كان يشعر في اللحظات المهمة. 
مثل أزمة قانون الإصلاح في العام ١”187ء‏ أن عليه أن يثيرهم.: كما أن عليه 
أن يستمع لهم. كانت صحيفة 115265 بمنزلة «قاصف الرعد». وكانت بين 
الأنواع الأدبية مثل البراندي بين المشروبات. «إن جون بول بطيء الفهم... 
يحتاج إلى مثير قويء فهو يأكل اللحم: ولكن لا يهضمه من دون شراب» 
وينام راضيا عن تحيزاته التي تصورها له أوهامه بأنها آراء؛ ولذا عليك أن 
تطلق مدافع ثقيلة على عقله الغبي قبل أن تجعل هذا العقل يفهم المعنى 
الذي تريد». كان بارنيز يركز على قراء الطبقة الوسطى. الذين حصل 
كثيرون منهم على حق التصويت العام 1477: ولكن ما كان يقوله كان يدوي 
بلغات بديلة في كتابات محررين مختلفين في مدى واسع من الظروف 


السياسية والاجتماعية. 


التاريخ الاجتماعي للوسائط 


بعد ذلك باثنتي عشرة سنة؛ وضع أحد نقاد بيل الضارين هو بنيامين 
دزرائيلي (148-4- )١188١‏ على لسان شخصيات إحدى رواياته عبارات مثل 
«الله صنع الإنسان في خياله ولكن الجمهور تصنعه الصحف». و «الرأي هو 
الأسمى الآنء والرأي تتحدث به الطباعة»؛ و «تمثيل الصحافة أكثر كمالا من 
تمثيل البرلمان». كان بعض الروائيين يكرهون دزرائيلي؛ منهم أنتوني ترولوب 
(1887-1816) الذي تمنى ذات مرة أن يكون سياسياء والذي لم ير «شيئًا 
جيدا» فيما قاله دزرائيلي. فصحيفة 11065 في رأيه كانت جوبيترء إله 
الآلهة. ولكن الصحافيين العاملين فيها لم يكونوا يستحقون الاحترام 
ولا التقدير. ولطالما نظر إليهم باعتبارهم مأجورين: بل قد أصبحوا أكثر 
سوءا ‏ «فضوليين ومتطفلين». 1 ش 

وعلى رغم ذلك: كانت مكانة الصحافيين في ازدياد بدءا من ستينيات 
القرن التاسع عشر فقصاعدا بفضل ظهور مفكرين من خريجي الجامعات؛ 
وهو مصطالح كان قليل الاستخدام في بريطانيا في ذلك الوقت. وكذلك 
أصبحوا منظمين بشكل جماعي. ففي العام 1847, أنشتت جمعية قومية 
للصحافيين في برمنجهام سوف تمنح وثيقة فيما بعد وتسمى معهد 
الصحافيين (كان يضم المحررين إلى جانب المراسلين)؛ وفي العام /ا١6١‏ أنشئ 
اتحاد قومي للصحافيين: كان بمنزلة اتحاد تجاري حقيقي. لم يكن 
الصحافيون يتلقون تدريبا ‏ وهو الاتجاه الذي كان في بداياته في الولايات 
المتحدة ‏ إذ كانت الصحافة في رأيهم حرفة يجري تعلمها من خلال الخبرة, 
وهو الرأي الذي كان سائدا في الولايات المتحدة: إلا أن قوى أخرى تدخلت 
هناك. منذ وقت مبكر ‏ تحديدا في العام 1815 - كانت واشنطن كوليدج في 
فيرجينيا تقدم للصحافيين منحثا دراسية في مجال الصحافة. حيث كان 
القائد المهزوم للجيش الجنوبي روبرت لي (1807 - )1817١‏ يعتقد أن الصحافة 
يمكن أن تقوي مجتمع ما بعد الحرب الأهلية في الجنوب. إلا أن تعليم 
الصحافة لم يبدأ إلا في وقت متأخر عندما أنشأت ولاية ميزوري العام ١910/4‏ 
أول مدرسة أمريكية للصحافة يرأسها عميد. 

في الشمال وفي نيويورك ‏ عاصمة الوسائط ‏ أصبيحت جامعة كولومبيا 
هي المانح الرئيسي بعد العام 1517 على رغم أنها كانت مدرسة دون الدرجة 
الجامعية. كان مجري الأصل جوزيف بوليتزر (141417  )١191١-‏ الذي أصيح 





المعلومات والتعليم والتسلية 


في العام ؟488١‏ مسؤولا عن صحيفة «70,11 126» في نيويورك: وأطلق اسمه 
على جوائز ثمينة عديدة (ثمان في مجالات صحافية محددة وست في الأدب) 
- يدرك قوة دور الصحافة. تصور بوليتزر أن تدريب الصحافيين يمكن أن 
يعتمد على الإسهام الذي قدمته الصحاقة لفكرة التقدم: لا سيما تقدم العدل 
والحضارة والإنسانية والرأي العام والفكرة والغاية الديموقراطية. لم يكن 
ذلك منظور هويجي [نسبة إلى حزب الهويج البريطاني] بل منظور تقدمي. 
وقد تضمن هذا المنظور. مع ذلكء أنه على رغم أن مدارس الصحافة لن تكون 
من النوع نفسه أو بالجودة نفسهاء فإن تاريخ الصحافة يمكن أن يعالج بطريقة 
محددة في معظم هذه المدارس. 

ومن النصوص الكلاسيكية للصحافة مقالات «روبرت عزرا بارك» 
)١15955-1855(‏ الذي كان يعمل مراسلا صحافياء والذي يبرز اسمه الآن 
كأحد مؤسسي مدرسة شيكاغو في علم الاجتماع. إن الصحيفة: كما اقترح 
بارك في العام ,١517‏ هي وسيط الاتصال العظيم: وعلى أساس المعلومات 
التي تقدمها يتشكل الرأي العام. وهناك اسم صحاضي كبير آخر في البانتيون 
الأمريكي هو ولتر ليبمان ١8489(‏ - 1974). من مشاهير أصحاب الأعمدة 
الصحافية؛ الذي كان عموده «اليوم والغد». الذي بدأه العام ,15:5١‏ يباع للنشر 
في 76١‏ صحيفة؛ عشرها خارج الولايات المتحدة. 

أقر ليبمان أن «أناسا كثيرين يشترون الصحيفة, أي صحيفة: لا لشيء 
سوى أن حياتهم الكثيبة تدفعهم إلى البحث عن الإثارة البديلة من خلال 
القراءة عن أشخاص خياليين: والتوحد في الخيال مع الرذائل الرائعة التي 
يقترفونها». ومع ذلك فقد غاص أعمق من ذلك. وفاز عن جدارة باثنتين من 
جوائز بولتزرء حتى أن كتابه المؤثر الذي يطبع كثيرا: «الرأي العام»» والذي 
نشر العام ؟؟11١؛‏ ريما مازال أشهر الكتب في هذا الموضوع. وفي.رأى ليبمان 
أن قوة الصحافة تتجسد في تدفق الأخبار ذاتها أكثر منها في شخصية محرر 
الصحيفة. ففي عالم حديث معقد تأتي الأخبار انتقائية بالضرورة؛ وقد وجد 
القراء الذين يعتمدون على ما يقدم القصص المكثفة أن من الصعب إصدار 
أحكام واعية عن القضايا العامة. وفكرة ليبمان عن الحيز العام. شأنها شأن 
فكرة هابرماسء كان من الصعب دعمها والدفاع عنها عندما اتضح أن 
الوسائط مارست التشويه. والمعلنين مارسوا التحايل: والحكومات قدمت المتح. 





التاريخ الاجتماعي للوسائط 


ومع ذلك ظلت هذه الفكرة مثالاء وقد آمنت معظم مدارس الصحافة 
الأمريكية ‏ بلغ عددها 84 في العام 4١591411‏ العام ١9417‏ بضرورة 
الحفاظ على المثل في مجتمع وثقافة معقدين. وقد أسست جمعية المهن 
الصحافية العام :١5١1‏ وفي العام 1974 بدأت دورية «الصحافة»., وأصبحت 
فصيلة في العام ,.147١‏ وتبعتها العام +1417 دورية باسم «تاريخ الصحافة». إن 
طريقة ربط التدريب الصحاضفي بعالم الاتصالات المتغير كانت ولا تزال مسألة 
جدلية؛ حتى في بريطانيا التي كانت تقدم فيها الشهادة الجامعية الوحيدة ضفي 
الصحافة من جامعة لندن بين العامين 1419 و1955: وضي الولايات المتحدة, 
كان جيمس كاري عميد كلية الاتصالات في إيليونزء التي ضمت قسما 
للصحافة. كان رائدا في مجاله ورأى أن البرامج التعليمية يجب أن تتضمن 
الدراسة التاريهية. ومع ذلك: فإن مدارس اتصالات وصحافة أخرى كانت 
تتحول إلى دراسات الوسائط في إطار سياق ثقاضي متغير. 

لم تكن فكرة أو مشال السلطة الرابعة: ولا الأمل في خلق قوة سياسية 
تقدمية. حاضرة لدى كثير من الصحافيين وأصحاب الصحف الذين كان 
بعضهم يهتم بالصورة قدر اهتمامه بالكلمة. من ذلك أن قدمت صحيفة 
«ؤالاء2 100002 11115:8:60» المصورة التي أسست العام 1847 بدلا من الكلمة 
«بانوراما للعالم». وهي العروض التي ستستحوذ عليها برامج البانوراما 
التلفزيونية بعد ذلك بما يزيد على القرن. كانت أول صحيفة يومية مصورة هي 
صعجة8 لعندماكن!!! وصتمء<8». التي أسست في العام 184١‏ وكانت واسعة 
الانتشار بين صحف المساء البريطانية. وصحيفة «هارمزورت» وترهاد قمتمع18 
(14844) (في العام 6*9 سوف تبدأ صحيفة 181206 لإانه2). كانت صحف 
المساء تظهر في طبعات كثيرة: أولاها في لندن في وقت مبكر في الساعة 
الحادية عشرة صباحاء وكانت هناك نصيحة يومية تقول «اقرأ كل شيء عنهاء. 
وفي هذه الأناء نفسها ظهرت صحيفة «طءهن©» الأسبوعية: التي اشتهرت 
بكرتونها ولغتها الحافلة بالتورية. والتي أسست قبل 5ء/7 هولمم1 لعندناكن1ا1 
بعام. وشقت طريقها من لندنء التي كان لها فيها أساس راسخ:, إلى كثير من 
بيوت الأقاليم الفيكتورية إلى جانب 265:ة1". وهذه الصحيفة الراديكالية في 
أصولها وصفت نفسها بشكل متتوع؛ من خلال الصور والكلمات؛ بأنها «المراقب» 
و«الوصي» و«الحامي» و«المؤدب». 


المعلومات والتعليم والتسلية 


في عام :18٠١‏ وفي أثناء رئاسة جون تادوس ديلان لتحريرهاء مارست 
65 منتصف العصر الفيكتوريء. في عصر أثرت فيه الدوريات أكثر من 
الصحف على الرأي؛ بعض هذه الوظائف, وكانت مقالات قادتها تقرأ بنهم في 
وقت الإفطار في المنازل والنوادي؛ وكان تقديمها للمعلومات والأخبار الأجنبية 
أفضل من مثيله في أي صحيفة أخرى. في هذا العام؛ وقبل إلغاء رسوم 
الورق قال مراقب خارجي إن 11065 «لا تميل إلى طبقة واحدة: ولا تمثل 
حزيا بعينه؛ ولا تدافع عن مصالح منفصلة., وهي تدعيء وهو ما تقوم به 
بالفعل, أنها تجسد وتعبر عن الرأي الجاري لكل قطاعات المجتمع البريطاني 
المفكرة والمتعلمة». كان ذلك هدف ديلان بالتأكيد؛ «فالواجب الأول للصحافة 
هو الحصول على أصح المعلومات عن الأحداث الجارية في أسرع وقت. ومن 
خلال عرضها الفوري. تجعلها ملكية مشتركة للأمة». 

بنهاية القرن التاسع عشر تفير المناخ, إذ أصبحت عناوين الصحف 
المنتشرة على الإعلانات الجدارية في الشوارع؛ والمتواترة على ألسنة باعة 
الصحف ‏ وهو مشهد مألوف في شوارع لندن وبرمنفهام (وغيرها من المدن) 
كما كان أيضا في شوارع شيكاغو أو نيويورك ‏ أهم من الافتتاحيات الطويلة: 
أو حتى التقارير الأطول حول الأحداث البرلمانية. كان التأكيد فيها منصبا 
على «القصص» التي كانت تصاحب أو تكمل بما أصبح يسمى «المقالات 
الخاصة». التي كانت تروق للنساء خاصة:؛ وبدءا من ثمانينيات القرن التاسع 
عشر أصبحت تصاحب وتكمل بأعمدة من الشائعات والمقابلات. في العام 
٠٠‏ كان هناك طلب على «القتصص». ولكن مع انقضاء القرن أصبحت 
القصص أسرع.؛ وهو ما جاء متفقا مع توقعات المحررين؛ في حين كان 
الصحافيون يروون القصص بكلمات أقل وفقرات أقصر. 

وفي هذه الأثناء شقت بعض القصص طريقها إلى الإعلان. كانت الصحف 
القومية والمحلية شي القرن التاسع عشر تتضمن قسما إعلانيا في عناوينها. إن 
للإعلان قصة طويلة؛ وإن كانت تروى بتحيز. وكما لاحظنا من قبل؛ فقد كان 
يجري الإعلان عن الحبر في القرن السابع عشرء وفي القرن الثامن عشر امتدت 
الإعلانات إلى الأدوية المسجلة ‏ لاحظ كلمة المسجلة ‏ وتبعها الشاي والكوكا 
والصابون والتيغ. وفي عام :١6٠١‏ أصبحت الإعلانات طويلة؛ بل أيضا مصورة, 
توجه الانتباه نحو المنتجات الوطنية؛ ليس فقط في الصحافة ولكن أيضا ضي 















































التاريخ الاجتماعي للوسائط 


الملصقات ناصعة الألوان والطباعة الحجرية بالألوان. وفي الولايات المتحدة 
فاقت نفقات الإعلانات كل الأرقام. بلغ إجمالي هذه النفقات ١‏ مليون دولار ضي 
العام :164١‏ ثم ارتفع إلى أكثر من ١*١‏ مليون دولار العام 1404, ثم ففز إلى 
البليون دولار العام 1517: ومع اشتراك أكثر من وسيط كسر هذا الرقم الأخير 
على كلا جانبي الأطلتطي خلال خمسينيات وستينيات القرن العشرين. 

ولعل من اللافت للنظر أن هارمزورث. الذي كان يعلن «أنه81 تإآنوظ» على 
ملصقات.ء كان يرى.أن تخصيص مكان للإعلانات على صفحات جريدته شيء 
«مبتذل». إن الكلمات تشكل صورا . وقد كان هارمزورث يدفع لمحرر «البريد 
اليومي» أكثر من أي صحافي آخر في أمريكا؛ وفعل الكثير لتأسيس صورة 
شارع الصحاقة اللندني. وهي صورة مختلفة عن صورة شارع ماديسون فضي 
نيويورك؛ وهو مركز وكالات الإعلان: أو صورة ميدان تايمز ذي الأضواء 
الساطعةء وهو مركز التسلية إلى جانب كونه مركز مكاتب و5عنطة1 ع1رملآ /ته1 . 
خلف هذه الأماكن الشلاثة وصورها كان هناك أسس اقتصادية قوية. من ذلك 
قول كنيدي جونزء أحد أتباع نورثكليف ذوي العقلية التجارية. لجون مورتئي 
(1975-1854). مؤّلف مقالات وكتب منها السيرة الذاتية لغلادستون, 
ومحرر دوريات: إنك «تركت الصحافة مهنة؛ ولكننا حولناها تجارة». 

إن ستيد (1417-1849): وهو صحافي سياسي من نوع مختلف تماما 
كمحرر للصحيفة اللندنية المؤثرة «ع1ا082 81311 8211» واسعة الانتشار فى 
نوادي لندن العام 1844: الذي خلف مورليء كان بالفعل أكثر شخصية خلافية 
في تاريخ الصحافة في أواخر العصر الفيكتوري وأوائل القرن العشرين. 
ومورلي نفسه جاء بعد محرر من نوع مختلف تماما هو فريدريك غرينوود 
(1601-180). الذي عرف بين معاصريه بأمير الصحافيين. وقبل ستيد 
ابن الكاهن الأبرشيء كان يقال إن صحيفة 022606 «ليس فيها شيء مبتذل أو 
ما فيه قصد لليهرجة أو الإثارة». أما في أثناء رتاسته لتحريرها؛ فقد ضمت 
قادة من أنصار الإثارة كانت لهم مواد إخبارية تشهيرية؛ وكثيرون منهم كانوا 
مرتبطين بالحملات.. ومن أسوئها سمعة تلك الحملة ضد بغاء الأحداث التي 
أسماها «الرقيق الأبيض». وضي مقال له بعنوان «الحكم عن طريق الصحافة» 
نشر عام ١8481‏ في «لاعالاء11 9نة01م002160» أكد ستيد أن الصحافة أكثر 
بكثير من مجرد كابح للبرلمان: إنها «مجلس المبادرة». 








المعلومات والتعليم والتسلية 


ظل ستيد محررا للجازيت لخمس سنوات فقطء ويعد ذلك بقليل أسس 
بدعم مالي من جورج نيونيز «1691685 06 2169169 الناجحة: التي لا غنى 
عنها لمؤرخي الصحافة في العالم. إلى جانب ذلك كتب ستيد كتابا مثيرا : «لو 
عاد المسيح إلى شيكاغو»: ولكته فشل في العام ١6١4‏ في إنشاء صحيفة 
خاصة به كان ينوي أن يسميها «110102 8 04 ,ءم23)». كان ستيد من بين ركاب 
السفينة «تيتانيك» التي غرقت بركابها في العام 1917: وهو موضوع من 
الموؤكد أن ستيد كان سيجد متعة في الكتابة عنه. وأصبح كذلك موضوعا 
لكثير من الأفلام السينمائية في القرن العشرين. 

بدأ ستيد العمل في الصحاقة العام +180 وهو العام الذي صدر فيه أول 
قانون قومي للتعليم» كمحرر ناجح لصحيفة «مطعظ مرعط2101» الإقليمية 
الصباحية التي كانت تباع ببنسين في دارلينغتونء وهي الصحيفة التي سيكتب 
لها مستقبل حافل في القرن العشرين. كما بدأ عمله الصحافي في هذه 
الصحيفة أيضا هارولد إفائز الذي سيصبح فيما بعد محررا في 
«قعصة1' إهكهن5» قبل أن يستغني عنه صاحبها روبرت موردوك. كان هناك 
أنصار كثيرون ل «حق الجمهور في المعرفة» غير إيفانز الذي قال في خطاب 
له العام ١514‏ نشره «تلفزيون غرانادا» البريطاني: 

«إن كلا من الحكومات والمواطنين في حاجة إلى الصحافة؛ قفي ظل وجود 
جمهور الناخبين المتعدد المتقلب والبيروفراطية المعقدة. يمكن للصحافة الحرة 
أن تقدم تغذية مرتدة لا غنى عنها من المحكومين إلى الحاكمين ومن 
المستهلكين إلى المنتجين ومن الأقاليم إلى المركز. وليس فقط من قسم من 
البيروقراطية إلى قسم آخر». 

إن السياق الاجتماعي والسياسي لهذه الخطبة يختلف إلى حد كبير عن 
ذلك السياق الذي كان ديلان وستيد يتحركان فيه. كما كانت كوكبة الوسائط 

كان لصحيفة و5عمذآ' مه0هن5 في ذلك الوقت مجلة ملونة تقوم على 
الإعلانات» وهي لم تكن الوحيدة في ذلك. كما كان لهاء إلى جانب ذلك؛: جزء 
كبير من الصحافة الإقليمية يتألف من صحف حرة تمول في معظمها عن طريق 
الإعلان. في هذه الأثناء كانت «صحافة التحقيقات» من الكلمات الأساسية: 
شأنها في ذلك شأن «صحافة الفضائحح (الكلمة التي ابتكرها بوينان). انخرطت 





التاريخ الاجتماعي للوسائط 


الوسائط المكتوبة في أكثر من «تاريخ الصفحة الأولى». وأصبحت الشكاوى من 
الصحافة تأتي ليس فقط من القادة السياسيين أو الروائيين البارزين؛ ولكن 
أيضا من الناس العاديين الذين هددت الصحافة خصوصياتهم. 

وهذه القصة, التي نادرا ما تحكيها الوسائطء انتقلت عبر الزمان والمكان. 
ففي الولايات المتحدة ازدهرت صحافة الفضائح قبل إفانئز بعقود. ووضعت 
بذلك الأساس لما أسماه المؤرخ الأمريكي ريتشارد هوفستادتر «عصر 
الإصلاح». أما الصحافيون الكبار الذين كانوا فخورين بإسهامهم في ذلك من 
أمثال لينكولن ستيفينز »)١957-1855(‏ فقد أسسوا شهرتهم من خلال 
الصحف والدوريات» ومن أبرزها «280001:©5» وهي دورية ذات نوع وأسلوب 
مختلف عن الدوريات القديمة مثل عتأهمااة ودنوميةآ] ونتساوع0 . كان 
صحافيو الفضائح مرتابين في العمالقة من مختلف الأنواع يمن في ذلك 
عمالقة الصحافة الذين كان نظراؤهم في بريطانيا يستشعرون مزيدا من 
الريية عندما حازوا الألقاب العامة. ولم يكن هارمزورث الذي سيصبح 
فيكونت [نبيل دون الكونت وفوق البارون] أول صاحب جريدة يدخل قائمة 
أصحاب الألقاب البريطانية. ففي العام 18١‏ منح ألجيرنون بورثويك صاحب 
صحيفة «]105 81010118»: الصديق الحميم للورد بالمرستون: لقب الفروسية: 
كما أعطاه سالسبيري لقب بارون» وفي العام 1840 أعطي لقب نبيل. وضي 
العام نفسه الذي منح فيه هارمزورث لقب «فيكونت»». قابل فورد وإديسون فضي 
زيارته للولايات المتحدةء وكان من دواعي سروره أن وجد الأول لا يعنيه المال 
«أكشر مني» [أي هارمزورت] والثاني «يكره الألمان كالسم: فقد سرقوا كل 
حقوق البراءة الخاصة به». 

كان دور الملاك في الصحافة البريطانية؛ سواء كانوا من مثيري الفضائح 
أو ذوي الحس الوطني العالي. محل هجوم في العقد الأول من القرنء لا سيما 
في تلك الدوائر ‏ الهويجية [نسبة إلى حزب الهويج] والليبرالية ‏ التي كان 
تريفليان يتحرك خلالها. وفي رأي هوبهاوسء وهو ممن يسمون الليبراليين 
الجدد؛ كانت صحافة العام 1905 حكرا على زمرة قليلة من الأثرياء. وبدلا 
من أن تكون عاملا للتحول الديموقراطي. وهو ما كان الراديكاليون يتمنونه. 
أصبحت الصحافة منبرا لأي أفكار تتفق مع الكبار من أصحاب المصالح 
المادية. بيد أن ذلك ليس سوى حكم مبتسر وتبسيطي. فقد كان بعض الملاك 


المعلومات والتعليم والتسلية 


الكبار يعتقدون أنهم يمثلون الشعب أكثر من البرلمان؛ في حين أكد آخرون من 
أمثال كواكر جورج كادبوري (1855 -؟197) الذي اشترى «21685 108119» في 
العام 8, أن «الصحيفة يجب أن تقدم مبادثي». وعليه فقد استبعد 
المعلومات عن المراهنات من صحيفته: وكان هودهاوس هو المرشح الأول 
لرئاسة تحريرها. 

استمر كادبوري في شراء الصحف الإقليمية إيمانا منه أن «إنفاق مالي في 
محاولة إيقاظ مواطني لكي يبادروا بفعل سياسي؛ أفضل من إنفاقه في 
الأعمال الخيرية». أما راونتريزء وهو أيضا من عائلة كواكر. فقد كان يؤمن 
بعمل الشيئين معا. كانت «وطءظ متعطكره21» جزءا من أملاك راونتريز قبل 
الحرب؛ إلى جانب صحيفة «2818008» الأسبوعية القوية التي اندمجت العام 
1١‏ مع صحيفة 5]3161038 2167/5: وهي أيضا واحدة من الأسبوعيات القوية 
في سنوات الحرب. 

كان بيرسون (877١91-1؟15١)‏ الذي أسس «ووعم<8 ترآنهطا» العام ١5٠١‏ من 
أعلام الصحافة الجديدة الناجحين قبل العام 1514: وكان بيرسون قبل ذلك 
قد أسس «لااعاءء7 2'5ودمةء2» في العام 184١‏ التي كان شعارها «نثيرء نهذب؛: 
نمتع», وضي إحدى المرات دهن نسخها بزيت شجر الأوكالبتوس ليحصن قراءه 
ضد الأنفلونزا . وقد أطلق عليه جوزيف شاميرلن :.)١1515-18557(‏ الذي كان 
بيرسون يؤيد حملته الخلافية لإصلاح التعريفة؛ «أفضل إنسان قابله في جمع 
المال». في العام اشترى بيرسون «عناء0682 1911655 .51»: وبعد ذلك بعام 
لعمقاصة)؟ و لتدامة)5 عمنمء؟8؛ ويعد ذلك سلسلة من الصحف الإقليمية. 

لم يكن هناك نقص في السياسة في صحف بيرسون. وقد نقلت أهم 
هذه الصحف العام ١515‏ إلى يدي آخرء هو الكتدي ماكس ايتكين 
(1415- 1572) الذي أصبح في العام 1911 لورد بيفربروك. وبيفربروك, 
الذي عاش بعد وفاة نورتكليف الذي كان يكبره بأربعة عشر عاماء عمل في 
أثناء الحرب العالمية الثانية في حكومة وينستون تشرشل. كتب دراسة 
كلاسيكية عن دور السياسيين. ومنهم نورثكليف. في أثناء الأزمة 
السياسية للحرب العالمية الأولى. عندما حل دافيد لويد جورج ريسا 
للوزراء محل هربرت أسكويث. وكان عنوان صحيفة «1نة/18 /إانة(1» السعيد 


هو «مرحى لويد جورج». 








التاريخ الاجتماعي للوسائط 


كان نورثكليف مولعا باستغلال قوة الصحافة:؛ ليس فقط في السياسة 
ولكن أيضا في تطوير تكنولوجيا جديدة. ففي مجال الطيران: رعى رحلة 
بليربون الجوية عبر القنال الإنجليزي العام 1409: ورعى كذلك وسيط الراديو 
الجديد العام 1470 عندما رتب للمطرب العندليب الأسترالي دام نيللى 
ميلباء اليث من «شيلمزفورد». وحسب نص صحيفة إانه]3 نوآنه تأكد أن 
«الفن والعلم تزاوجا الآن». وفي باريس أجري تسجيل فوتوغرافي لحفلة 
«ميلبا» في غرفة عمليات أسفل برج إيفل. 

إن نورثكليف لو لم يصب باضطراب عقلي مات على أثره العام 1577: وهو 
عام تأسيس هيئة الإذاعة البريطانية؛ لكان له دور مهم في تاريخ البث؛ كما كان 
دوره في تاريخ الصحافة. أما بيفريبروك: الذي كان عمره أطول من نورثكليف 
كثيراء فقد كان لديه اتجاه متناقض نحو الوسيط الجديد . لقد كان يعارض 
«أصحاب مصانع الراديو الذين يسيطرون على الراديو»؛ ولكنه لم يكن محل ثقة 
من جانب المدير الأول لهيئة الإذاعة البريطانية جون ريث. وبعد أن قرر ريث 
العام ١977‏ أن حرية الهواء ستؤدي إلى فوضىء جاء عنوان 5وهدم<8 نزانه2 
«محاربة الحرية». 

كان هناك ناقد أكثر صراحة لبيفريروك من ريث؛: وهو القائد المحافظ 
ستائلي بالدوين 18717 - 14417). الذي جذب الانتباه في أوائل العام 151, 
وهو عام أزمة مالية ودراما سياسية؛ عندما اتهم صحف شارع الصحافة 
اللندني ب «السعي من دون مسؤولية إلى السلطة». مضيفا أن مثل هذه 
السلطة كانت امتيازا للبغي على مر العصور. إن بالدوين, الذي كان يلقى 
الدعم.من صحيفة 11265, التي كان محررها جيوقري داوسون قريبا من 
مصادر الحزب المحافظ الرسمية, كان هو نفسه محل هجوم. فوريث 
نورثكليف فيسكونت روذرميرء إلى جانب بيفريروك. هدد بمعارضة هؤلاء 
المرشحين المحافظين في الانتخابات العامة التالية إن لم يعدوا بتأييد 
«إمبراطورية التجارة الحرة». 

في أثناء العقد التالي. السابق للحرب العالمية الثانية كان روذرمير يدعم 
القائد الفاشي السير أوزويلد موزلي (1457 - 1580). وخرج أحد عناوين 
«آناتة1! نو[نه(1[» يقول «مرحى بالفاشيين ذوي القمصان السوداء». إن صحيفة 
55 1031199 التابعة لبيفريروك. التي كانت ناطقة بآرائه» وعدت قراءها 





المعلومات والتعلي- والتسلية 


في ليلة غزو هتلر لبولندا بأن الحرب لن تقع. كان ذلك العصر مو عصر 
بارونات الصحافة:, الذين وجدوا متعة فضي سلطاتهم. وهو ما وصف بشكل 
جيد في المجلد الثاني من دراسة ماجستير نشرت في الء ام 1586 لمؤرخ 
أمريكي؛ هو ستيفين كوس بعنوان «صعود وهبوط الصحافة اسياسية في 
بريطانيا»» الذي وضع الصفة «ظاهرة» أمام كلمة «السلطة». والصحافة 
الشعبية. ضي تقديره؛ يمكن أن تستحث الرأيء ولكن لا يمكنها أن تحدد كيف 
سيكون رد فعل قرائها. 

مع ذلك كانت هناك أشياء أخرى كثيرة تروق للقراءء منها الكلمات 
المتقاطعة والمسابقات: وقبل ذلك كله الرياضة. وغاليا ما كانت السياسة تأتي 
في النهاية. وفيما يتعلق بالسياسة: كان هناك كثير من المعلومات الخاطئة: 
ولذلك كان من الضروريء. على حد تعبير الشاعر أودين: قراءة ما بين 
السطور. لكن الحرب العالمية الثانية» التي غيرت أشياء كثيرة. غيرت الحالة 
النفسية. واتضح أن القوة السياسية للصحف أصبحت محدودة العام 21540 
عندما مني وينستون تشرشل بهزيمة ثقيلة» وفاز حزب العمل بالانتخابات 
العامة. على رغم كل التوجيه من جانب 1نهة8 نزاثة8 و ددعرم«ظ نوانه2 أول 
صحيفة يومية تصل إلى مستوى انتشار مليوني نسخة. 

عند هذه النقطة في تاريخ الوسائط من الضروري الغفوص بشكل 
أعمق لنقارن الصحافة بالراديو. من حيث تأثير الوسائط على المعلومات 
والرأي. ومن الضروري كذلك تناول التاريخ الاجتماعي والسياسيء إلى 
جانب تاريخ الوسائط ذاتها. كانت هناك أسباب كثيرة لانتصار حزب 
العمل في العام 6 :؛ وتشرشل الذي اشتهر بخطبه إلى الأمة في أثناء 
الحرب عبر هيئة الإذاعة البريطانية؛ لم يضرب على الوتر الحساس في 
برامجه الإذاعية الحزيية الانتخابية. ولم يشفع له أن بيفربروك كان 
مصدر استشاراته الإستراتيجية. وفي الوقت نفسه كان كليمنت أتلي 
)١9317-184875(‏ وزملاؤه في حزب العمل يتمتعون بمساعدة قوية من 
ك3 بزانهدد1» العام 6 التي كانت قد أصبحت صحيفة مصغرة في 
العام 19*4: بناء على نصيحة من ولتر تومبسون؛ صاحب وكالة الإعلانات 
الأمريكية. وفي العام ١544‏ كانت شخصيتها المفضلة جين في مسلسلتها 
الهزلية أكثر شهرة من أتلي. 





التاريخ الاجتماعي للوسائط 


وأيا ما كانت مصادر الجذب في الصحافة في العام ١546‏ وحدود 
تأثيرهاء فقد ارتفع معدل انتشار الصحف القومية خلال الحرب. بعد أن 
ارتفع ببطء واضح في الثلاثينيات في مقابل انخفاض انتشار الصحف 
الإقليمية. اختتم كوس كتابه بتعيين اللجنة الملكية الأولى للصحافة في العام 
7 ألتي خصصت ٠٠‏ صفحة لتعليم الصحافيين وتدريبهم. وضمّن كتابه 
ملحقنا أشار فيه إلى الزوال الأخير العام 0 للصحف المؤسسة. ففي العام 
٠‏ اختفت صحيفة «عاء تدمعط6) 5 , وريثة «5اء/2 (1031» القرن التاسع 
عشم الليبرالية. وفي العام 4 اتحولت «1210ع]1 لإانة2»: التي أسست العام 
57 كصحيفة تابعة لحزب العمل بمساندة من اتحاد التجارة. تحولت إلى 
صحيفة «هنا5»؛ واتخذت شعارا جديدا مضللا. هو «صحيفة وليدة العصنر 
الذي نعيشه». وفي العام ١1951/‏ شيعت جنازة صحيفة «35ء]< 5ل1وملرء؟1». التي 
تنتمي دون شك إلى عصر أسبق. 

دخلت 11ممع1آ1 لالنآ في صعوبات مالية منذ فترة مبكرة, تحديدا العام 
في أثناء الكسادء عندما انتقلت ملكية “0١‏ من أسهمها إلى شركة 
«أودهامز» للصحافة؛. وظل 745 من الأسنهم ملكا لاتحادات التجارة. حتى 
صحيفة «نلا الجديدة خسرت أموالا كثيرة؛ وبعد خمسة أعوام من التخبط 
والتوتر بيعت العام 1516 إلى مالك الصحف الأسترالي الشاب رويرت 
موردوك الذي كان لإ يزال في مرحلة الإعداد ليكون أحد ملوك الوسائط. 
وفي العام نفسه اشترى صحيفة «70110 غطا 05 05ات]». وفي العام ١94١‏ 
اشترى 65 من مالكها الكندي روي تومسون ,)١571-18514(‏ الذي كان قد 
اشتراها قبل ذلك بعشر سنوات. وبعد أن بدأ تومسون عمله في مجال 
الصحافة والراديو الكنديين» أمن لنفسه موطى قدم في بريطائيا من خلال 
شرائه نصيبا كبيرا في واحدة من أوليات شركات التلفزيون المستقلة فضي 
بريطانياء هي «التلفزيون الإسكتلندي». التي قدمته بكلماته التي لا تنسى بأنه 
«رخصة لطبع النقود». 

إن تركز قوة الوسائط في القرن العشرين أصبحت على نحو متزايد أحد 
الشواغل العامة بين العامين 151١‏ و١198‏ وقد أدى هذا التركز إلى تعمية 
معظم الخطوط الممكنة بين المعلومات والتسلية (مع وجود قليل من التعليم). 
وأيضا معظم الخطوط الفاصلة في السياسة الحزيية بين اليسار واليمين, 





المعلومات والتعليم والتسلية 


ومعظم الخطوط الفاصلة بين الوسائط. لقد توسعت إمبراطورية موردوك 
لتشمل السينما والتلفزيونء: في حين دخل تومسون أيضا في مجال السفر. 
أما سيسيل كينغ 1401 -15178). وهو ابن أخي نورثكليف: فقد أصبح في 
العام 1977 يسيطر على مجموعة 8115050 نإانه2» الضخمة:؛ التي ستعاد 
تسميتها في العام 1517 إلى المجموعة الدولية للنشر. وكذلك كان لهذه 
المجموعة حصة في شركة 5ؤ5ؤؤ91ء161 455012160 وبعد الاستيلاء على شركة 
«أودهامز» أصبحت المجموعة مسؤولة عن حوالي ٠٠١‏ دورية أسبوعية 
وشهرية وفصلية. تورط كينغ العام ١474‏ في سياسة تآمرية: وليست حزبية: 
ضد حكومة حزب العمل التي كان يترأسها هارولد ويلسون: وقد أبعده ذلك 
عن رئاسة المجموعة. 1 

ومن أشهر دوريات المجموعة الدولية للنشر 120 مجلة «المرأة» صقدده8آ: 
التي أنشأها أودهامز العام 1917. وسعرها ببنسينء وكان لها نصف مليون 
قارئ بنهاية العام: وفي العام ١1540‏ كان لها ثلاثة أرباع مليون قارئء ووصل 
انتشارها إلى ذروته في نهاية الخمسينيات: إذ بلغ ثلاثة ملايين ونصف مليون 
نسخة. وخارج دائرة نورثكليف كان أكثر المنشورات الأسبوعية تميزا هو 
«البريد المصور» ]205 21011126 التي أسست عام 1978. ومن خلال مقالاتها 
السياسية ذات الأهمية في حينها وصورها التي لا تنسى؛ فإنها لم تعكس 
اتجاهات زمن الحرب على اليسار فحسب. بل كان لها أيضا تأثير قوي على 
هذه الاتجاهات. ومن خلال هذه الصحيفة؛ عمل ستيفان لورنات: اللاجىٌ من 
ألماتيا النازية. باستخدام كاميرا صغيرة؛ على دفع الصحافة المصورة 
البريطانية إلى آفاق جديدة. أما مالك الصحيفة إدوارد هلتون (1905 -48).: 
الذي بدأ عمله كمالك صحف العام 15717 في صحيفة «لإلكاءعة11 'وتقصصة1»؛ 
فقد منح لقب فارس العام /1961ء وهو العام الذي أغلقت فيه البريد المصور. 
وبعد ذلك بعامين انتقلت مجموعة «11100» للدوريات بالكامل إلى «أودهامز»»؛ 
قبل أن يندمج هذا الأخير في المجموعة الدولية للنشر. 

غير أنه من المفيد مقارنة صحيفة «اوه8 عننااء81» بصحيفة «182.[»: التي 
أسسها هنري لوس )١15517-1898(‏ العام 1577 أي بعد 11065 بثلاثة عشر 
عاماء وضي الوقت نفسه تقريبا مع الصحيفة السينمائية الشهرية 
1110٠‏ 6ه طعمها/3». جاء في النشرة التمهيدية البليفة لصحيفة الحياة عاأنآ: 





التاريخ الاجتماعي للوسائط 


«لترى الحياة وترى العالم وترى الأحداث الكبيرة رأي العين؛ وتشاهد وجوه 
الفقراء وإيماءات المتكبرين... وترى أشياء تقع على بعد آلاف الأميال وأشياء 
تختفي خلف الجدران وفي داخل الحجرات وأشياء من الخطير الاقتراب 
متها ... لترى وتندهمشء لترى وتتعلم». ودونما أي من الدوافع التي كانت تحث 
حملات لورانت وهلتون وتوم هويكنسون  )١1950 - ١900(‏ آخر رئيس تحرير 
لصحيفة البريد المصور ]205 عكنطء1ط الذي كان يهتم كثيرا بتعليم الصحافيين - 
كانت صحيفة الحياة بالفعل وفية لما جاء في نشرتها التمهيدية التي وزعت 
على شركات الإعلان قبل وصول الصحيفة إلى يد الجمهور. وفي رسالة 
برقية في وقت مبكر من العام 1971 أخبر الشاعر والكاتب اركيبولد ماكليسن 
(1447- 1985) لوس أن «الثورات الكبيرة في الصحافة ليست ثورات فضي 
الرأي العام؛ بل ثورات في طريقة تكوين الرأي العام». 

إن الرأي العام كان يتشكل بطرق شتىء تماما كما كان الترفيه 
والتعليم يتشكلان بطرق مختلفة؛ وكما مسلك التغير الكبير في الصحافة 
المصورة قبل موت لوس العام 1977: حتى صحيفة الحياة ذاتهاء التي قدمت 
تسجيلا تاريخيا بالأئوان, كان مقدرا لها أن تموت العام 1577: بعد أن 
حاولت أن تنافس التلفزيون: الذي كان معظمه وقتذاك أبيض وأسود . كان 
على لوس أن يضاهي مجلات الأخبار: مجلته «عمة1» ومنافساتها عاءءوبوع]<1 
ونهمع 1 1717014 لصة 5باء/3 115, التي ارتفع انتشارها الإجمالي بين العامين 
١‏ و١197‏ من 0,54 مليون إلى 517 مليون نسخة. وبعد وفاة لوس كانت 
عن في محور ما أصبح فيما بعد يمثل تكتلا اقتصاديا ضهما كان يتألف 
في البداية من 1:06 ومجموعة «5قع 8206 تعمه/لا». وفيما بعد في العام 
6 ؛ ضم مجموعة «عممنا1 2160 الذي أنشاً في قاعدة غير متوقعة في 
«أطلانطا» وعلى رغم كل الصعوبات (والشبكات القديمة) شبكة أخبار عالمية, 
هي «/02/2». التي بناها من لا شيء. 0 

كان على الصحف الأمريكية أن تتواءم مع هذه الظروف, وهو ما سيتحتم عليها 
عند وصول الحوسبة. إن تنظيم مكاتب الصحف القديمة؛ ذات غرف التنضيد التي 
يستخدم المراسلون فيها الآلات الكاتبة وتقطع فيها النسخ وتحررء كان عليه أن 
يتغير بقدر التغير الجذري نفسه الذي حدث في عملية الطباعة. ومع ذلك فإن 
«الرقيقة الفاصلة الساخنة» لم تتسحب من كل المطابع مفسحة المكان لطباعة 





المعنومات والتعليم والتسلية 


«الأوفست» إلا العام 4177 ومع ذلك بقيت بعض الروائح والأصوات القديمة في 
مقار الصحف. وهذه الروائح والأصوات, التي ستكون فيما بعد من الأشياء 
الطريفة وعوامل الجذب. كانت الخلفية للفيلم السياسي الرائع «كل رجال الرئيس» 
(19077). وكما في القرن التاسع عشرء كانت النسخة تصمم مرارا في المراحل 
المختلفة لعملية الإنتاج. كانت المبيعات في هبوطء؛ وتوضح الإحصاءات أن عدد نسخ 
الصحف التي تباع لكل منزل (الذي أصبح أصغر في الحجم مما كان عليه في 
القرن التاسع عشر) انخفض من ١,١7١‏ نسخة العام 151١‏ إلى 88, ٠‏ عام 1514. 
ومن الناحية الاجتماعية فقدت مراكز المدن؛ التي كانت تركز عليها الصحف المحلية 
القديمة. كثيرا من سيطرتها على منطقة أوسع.؛ تضم الآن ليس الضواحي فقط. 
وإنما الضواحي الخارجية أو ما وراء الضواحي أيضا. 

عندما اشترى مالك «صن9 :مل 238168 ثلاث صحف عاصمية أخرى خلال 
عشرينيات القرن العشرين ليدشن «عهناط1 81814», كانت أمامه الفرصة 
ليختار من بين ١4‏ صحيفة: وفي العام ١97‏ كانت ؟١‏ منها مازالت تعمل. 
ولكن عصداط1 16210آ نفسها اختفت العام 1507: ويعد ذلك بعشرين عاما لم 
يبق سوى ثلاث صحف عاصمية. في العام /191/7 تلقى أنتوني سميثء الذي 
حصل في بريطانيا على خبرة في مجال الراديو والتلفزيون والآفلام» دعوة من 
صندوق جورج مارشال للولايات المتحدة تحت رعاية المعهد الدولي 
للاتصالات. وهو مثال جيد للتعاون الدولي, لدراسة التغيرات الحادثة في 
نشر الصحف في عدد من الدول. 

لم تكن الأحداث في الدول الأخرى تختلف كثيرا عما كان يحدث في 
الولايات المتحدة وبريطانياء على الرغم من اختلاف السياسات القومية» حتى 
بين الدول المتجاورة. فضي السويدء التي فقدت خمسين من صحفها المحافظة 
وثلاثين من صحفها الليبرالية وعديدا من صحفها الديموقراطية الاجتماعية 
بين العقدين الثالث والسادس من القرن العشرين: استحدثت الدولة صندوقا 
للقروض ونظام خصم للتوزيع المشترك العام :197١‏ وتبع ذلك مزيد من المنح 
الحكومية. خاصة لصحف التغطية المنخفضة:. وقدمت الدولة كذلك منحا 
لتأسيس صحف جديدة. وقد اتبعت النرويج سياسة موازية: وهو ما لم تفعله 
الدنمارك. وفي السويد والنرويج كان انقراض الصحف الحزبية يمثل كارثة 
محققة بالنسبة إلى معظم أعضاء الأحزاب. 





التاريخ الاجتماعي للوسائط 


أوضحت المقارنات الدولية؛ التي أجريت في أواخر السبعينيات, أنه بعد 
عقد من الأزمة الاقتصادية كان السويديون يستهلكون صحفا أكثر من أي 
شعب آخر ما عدا اليابانيين (لكل ألف من السكان).؛ وأنهم جاعوا في الزتبة 
الثانية بعد الولايات المتحدة في عدد التليفونات بالنسبة إلى عدد الأفراد؛ وأن 
6 منهم يمتلكون جهاز للتلفزيون. في مقارنات كهذه عادة ما كان يجري 
التعامل مع الوسائط على أنها واحدء مع اعتبار الولايات المتحدة المحك 
المرجعي. إن ظهور البث ‏ للراديو أولا ثم للتلفزيون ‏ أدى إلى انخفاض في 
إعلانات الصحف من 55 من كل الإعلانات العام 1950 إلى 777 العام 
06 : ولكن النصيب الإجمالي لإعلانات الصحف والتلفزيون ظل ثابتا 
تقريبا: 47 مقارنة ب 40/. 

لم يكن التلفزيون وحده هو الذي فرض تحديا على الصحافة. فما إن 
شغلت الصحافة نفسها بالوسائط الأخرى. سواء من ناحية المشروعات أو من 
الناحية الثقافية. حتى أصبح عليها أن تفحص التغيرات المستقبلية الممكنة فى 
دورها. وليست هذه بالأسئلة الجديدة. فمن أواكل من تأملوا علاقات 
الوساتط ومضامينها في بريطانيا لورد ريديل (17870- 15755) صاحب أخبار 
العالم» وهي أول صحيفة بريطانية يشتريها موردوك, التي كانت مبيعاتها تزيد 
على ؛ ملايين نسخة قبل أن تؤول إلى ريديل العام ,١15١9‏ وعند مواجهة 
الراديو الصوتيء وليس التلفزيون: كان ريديل ودودا مع الوسيط الجديد: 
ولكنه طرح فضايا كثيرة مثيرة: 

«ماذا سيكون تأثير الراديو على الحياة ؟ وأنا بالمناسبة لا أحب الوصف 
«لاسلكي». فلماذا نصف الشيء بالنفي؟ هل سيقرأ الناس أقل؟ هل سيتكلمون 
أقل؟ هل سيكونون أفضل أم أسوأ اطلاعاة هل سيقل ذهابهم إلى المسارح 
والحفلات الموسيقية؟ هل سيزيد أم ينقص إشباع من يعيشون في المناطق 
الريفية؟ من يستطيع الإجابة8). 

لم يقف ريديل عند هذا الحد, بل ذهب إلى وضع تساؤلاته في إطار زمني 
أرحب: «فيما يتعلق بالجيل الحالي» أعتقد أن من تعودوا القراءة ومن يحبونها 
سوف يستمرون في القراءة سواء استخدموا الراديو أم لا. ولكن ماذا عن 
الجيل التالي الذي سيتربى على الراديوة هل سيفضلون الحصول على 
المعلومات من خلال وسيط العين من خلال وسيط الأذن؟» 





المعلومات والتعليم والتسلية 


إن الجيل التالي (كان هناك بالفعل كلام كثير عنه) كان بمقدوره اكتساب 
المعلومات «بل والأكثر من ذلك التسلية» من الشاشة من خلال وسيط العين, 
عين التلفزيون العالمية. وضي العدد نفسه من مجلة «كعم:خ1' 12010» الذي طرح 
فيه ريديل تساؤلاته. افترح مستمع ‏ وهي كلمة كانت مازالت جديدة ومحل 
خلاف ‏ في خطاب إلى المحرر أنه «ليس من الصعب التنبؤ بأنه في غضون 
عشر سنوات سيكون التلفزيون على درجة تقدم اللاسلكي نفسها اليوم». لم 
تكن كلمة مشاهد قد جرى التفكير فيها بعد: حتى أن هيئة الإذاعة البريطانية 
عندما بدأت مجلة ثانية العام 6 أرفع ثقافة من «5ع112' 152010», أطلقت 
عليها اسم «تعدعائ1آ». 

عند وصول التلفزيون أثار تساؤلات أكثر بكثير من تلك التي طرحها ريديل 
حول الراديو. وعلى حد تعبير كينيث بيلي في العام 1544؛ في الوقت الذي 
كان فيه ناقدا تلفزيونيا بمجلة «56800210 عدتمء87» ومساعدا لرئيس تحرير 
مجلة التلفزيون» فإن الآلاف من الناسء وبعد ذلك الملايين» سوف يخضعون 
بدرجة ما لشاشاتهم المنزلية. ماذا ستعني هذه الشاشات لهم؟ خيرا أم شراة 
ومع هذه القوة الجديدة من المحتمل ألا تكون هناك أنصاف طرقء. فسيكون 
من الصعب التراجع عن اختيار الطريق الذي قطع في البداية. 

إن الحتمية التكنولوجية ليست هي الإجابة؛ كما سيوضح الجزء الثالث من 
هذا الفصلء الذي يحمل عنوان «عصر التلفزيون». ولكن بذلت محاولات كثيرة 
لتقديم إجابات حول النتائج الاجتماعية للتلفزيون أكثر بكثير مما بذل لتحديد 


النتائج الاجتماعية للراديو. 
عضر البت 


من الضروري أن نيدأ بما تسميه هيكة الإذاعة البريطانية «بث الصوت»». 
وليس بالتافزيون؛ وذلك لأهميته الجوهرية من جانب؛ ومن جانب آخر لأن 
المؤسسات نفسها التى أذنت بدخول عصر البث ‏ في البداية على الأقل ‏ 
كانت هي نفسها المسؤولة عن الإيذان بدخول عصر التلفزيون. كان لكل 
وهو ما كانت تراه فى نفسها مؤسسات: 80 ل[1» وددك08» فى الولايات المتحدة 
وهيئة الإذاعة اليريطانية فى بريطانيا. وهو ما أكده رئيس أساقفة كانتريري 























التاريخ الاجتماعي للوسائط 


منذ 1477/ وبعد فترة ليست طويلة كانت هيئة الإذاعة البريطانية تقارن 
بكنيسة إنجلتراء التي كان يترأسها. في العام 154١‏ انتقل لامبرت. المحرر 
السابق لمجلة «المستمع» التابعة لهيئة الإذاعة البريطانية إلى مؤسسة مختلفة, 
وقال في كتاب له «إنه في مجال الفن والفكر والسياسة مارست هيئة الإذاعة 
البريطاتية من خلال الرعاية كل القوة التي كانت للبلاط من قبل». 

كان إِد مورو  ١5108(‏ 10): وهو أحد معلقي الراديو الكبار في أثناء الحرب. الذي 
حظي بالقدر نفسه من الشهرة على كلا جانبي الأطلنطي؛ مؤسسة في ذاته؛ وقد 
اعترف له الآخرون بذلك بفضل برامجه الإذاعية من لندن أثناء معركة بريطانيا. 
وفي رأي ماكليشء الذي كان في ذلك الوقت أمين مكتبة الكونفرس: فإن هذا البث 
حطم خرافة المسافة أو البعد. إن البرامج الإذاعية التي تبدو الآن عديمة القيمة 
كسجلات تاريخية» عملت في وقتها على جعل كل الأشياء حية. وماكليش نفسه افتتح 
فصلا جديدا في الإذاعة الأمربي يكية باللسرحية الشعرية «سقوط المدينة», التي أذيعت 
العام 15537 وفيها كان أورسون ويلز مذيع راديو. وفي برنامج إذاعي آخر في العام 
لشركة «085» ظهر فيه ويليز مجددا كمذيع, وكان هذا البرنامج نسخة معدلة 
من برنامج ويلز «حرب العوالم». وقد كان إعلانه عن هبوط «مخلوقات من مارس» 
يحدث ذعراء ومع ذلك فقد وصفت دورثي تومبسون هذا البرنامج بأنه «قصة أخبار 
القرن»» التي أسهمت في فهم الهتثرية والموسولينية والستالينية وكل الإرهابيين 
الآخرين في زماننا أكثر مما أسهمت كلمات المفكرين في ذلك. 

في غضون عامينء كانت معظم محطات البث الأوروبية في أيدي النازيين» 
وتزايد الطلب على أنباء واقعية أكثر من قبل. وفي تقديم هذه الأنباء كان 
للراديو للمرة الأولى ميزة واضحة على الصحافة: وهي ميزة كانت محل 
استياء في الولايات المتحدة؛ ولكن محل تقدير في بريطانيا: فقبل الحرب 
كانت هيئة الإذاعة البريطانية متقيدة بالصحافة ووكالات الأنباء في عملياتها 
الإخبارية وبخاصة في توقيتاتها ومحتواهاء أما في أثناء الحرب وبمساعدة 
وزارة الإعلام؛ وهي وزارة جديدة وغير شائعة. جرى تحرير الهيئة. كانت 
الهيئة أيضا منبرا لكثير من المذيعين الأوروبيين؛ كانوا يقدمون على أنهم 
«صوت الحرية»؛ وأخذت تبث: في ذروة عملها في أثناء الحرب؛ بما يزيد على 
خمس وأربعين لغة منها لغة التاميل والتايلاندية واليابانية. وضي الداخل كانت 
مسؤولة عن الحفاظ على الروح المعنوية. وقد أصبح برنامج «تومي هاندلي». 





المعلومات والتعليم والتسلية 


وهو من برامج التسلية التي كانت تبثهاء أصبح أسطورة. كما أن طريقة تفسير 
هيكة الإذاعة للآراء في زمن الحرب»؛ من خلال مجموعة من المذيعين معظمهم 
من غير المهنيين. كانت ذات أهمية خاصة. والإذاعة الأمريكية أيضا تحولت, 
على نحو متسارع؛ إلى يد متطوعين من خارج المهنة. وهي كتيبة مهم في 
الدعاية للديموقراطية. وهي الدعاية التي تفوقت فيها هوليوود . 

وتقدم الحرب نقطة استشراف ضرورية ولكن غير عادية. يمكن من خلالها 
بحث جوانب البث هذه: تماما كما هو شأن الحرب في بحث التغيير التكنولوجي 
الميكروفون في كل من الدول الديموقراطية والشمولية سلاحا فعالاء وقد جرى 
استفلاله بالفعل في الثلاثينيات من جانب هتلر (1885 - )١154:0‏ وغيوبيلز 
1851 0غ5١)‏ مدير آلة الدعاية النازية. كما جرى استغلاله قبل ذلك فى 
الاتحاد السوفييتي. وضي أول معرض إذاعي نازي نجد غيوبيلز, الذي دمر 
استقلالية الصحافة: يقرر بقوة أن الإذاعة ستكون بالنسبة إلى القرن العشرين 
كما كانت الصحافة بالنسبة إلى القرن التاسع عشر. وفي الاجتماعات الحزبية 
الحاشدة جيدة الإخراج في «نورمبرج» كان الميكروفون يستخدم كبوق؛: وهي 
الوظيفة التي وظف من أجلها في الاتحاد السوفييتي في الميادين العامة والمباني. 





الشكل )١5(‏ في الاستاد: أدولف هتلرء بمساعدة وزير الدعاية التابع له. يستخدم الميكروفون كبوق. وفي هذه 
الصورة يخطب هتلر في حشد كبير على رغم انفصاله عنهم 





التاريخ الاجتماعي للوسائط 


كان الراديو السلكي مفضلا أيضاء وذلك لإمكان السيطرة عليه إذ كان ضي 
مقدور أجهزة الراديو المنزلية؛ التي كانت تنتج في أواخر الثلاثينيات, 
أن تستبعد إذاعات الدول الأخرى. إن لينين )١1974 - 187١(‏ وستالين 
(14875 - 1907): اللذين كان لكل منهما كتيبات تحمل اسمه.؛ لم يكونا مؤهلين 
ليكونا مذيعين مؤثرين: وقد كانت البرامج السوفييتية مملة ومتخمة 
بإحصاءات مشكوك فيها وموجهة إلى ناشطي الحزب. والصحافة بدورها 
كانت محكومة بشكل صارم. وفي الولايات المتحدةء التي كانت الصحافة فيها 
معادية لروزفلت إلى حد كبير :.)١1940-1487(‏ كان الرئيس يستخدم 
الميكروفون بشكل مختلف تماما في كلماته وهو جالس بجوار المدفأة: إذ كان 
يحاول أن يجعل مستمعيه يشعرون بأنه موجود معهم في بيوتهم. على أن ذلك 
لم يكن الاستخدام الوحيد للراديو من جانب الرئيس الأمريكي. فمحادثاته 
الثماني لا تمثل سوى 8لا من خطبه فى الراديو بين العامين ”2,1995919 
وكانت إحداها في يوم عطلة نقلتها 14 من الإذاعات الأمريكية. 

لم يكن آي من هذه الاستخدامات للراديو جزءا من التجرية البريطانية, 
ولذلك ففي أثناء الانتقال من السلام إلى الحرب كان على هيئة الإذاعة 
البريطانية؛ التي طلبت منها الحكومة في السنوات الأولى من تاريخها أن 
تبتعد عن كل أشكال البث الجدليء كان عليها أن تكيف هياكلها وسياساتها 
أكثر من أي منظمة بث كبرى أخرى. ومع ذلك فبرامجها في زمن ما قبل 
الحرب كانت أوسع بكثير من مثيلاتها في أي دولة أخرى. وبخاصة الولايات 
الملتحدةء وقد حافظت على هذه الميزة أثناء الحرب وبعدها. وفي إرسالها 
الخارجي استمرت تفخر ببث الحقيقة. وفي برامجها المحلية تخلت الآن عن 
الكثير مما كانت تعتبره أساسيا في سنواتها الأولى» ومنه مثلا النمط الخاص 
من البث في أيام الآحاد. والعزوف عن بث الكثير من موسيقى البوب. 

في بداية الحربء وتنفيذا لتعليمات الحكومة, بثت هيئة الإذاعة برنامجا 
واحدا فقطء ولكن في مطلع العام ١514١٠‏ بدأت برنامجا جديدا للقوات 
المسلحة كبديل عن برنامج الخدمة المنزلية. إن هذا البرنامجء الذي بثته الهيئة 
في كل أنحاء العالم: غير كلية من توازن برامج الهيئة فيما قبل الحربء وبعد 
أن انتهت الحرب في يوليو 1١540‏ أصبح اسمه «برنامج التور». كان هذا 
البرنامج واحدا من البرامج الثلاثة الموجهة إلى الجمهور في المنازل. أما 





المعلومات والتعليم والتسلية 


البرنامج الثالث, الذي كان برنامجا ثقافيا للأقليات: فقد كان محل تقدير في 
الخارج أكثر منه في الداخل. ومن خلال هذه النقلات تمزق «الجمهور الكبير» 
الذي طالما تغنى به «ريث وس يلدز». على أن السير ويليام هالي 
(1947-1401): الذي كان في ذلك الوقت يشغل منصب المدير العام: لم 
يستخدم أبدا كلمة «تجزيء» وعبر عن أمله في أن ينتقل المستمعون من 
برنامج إلى آخر. 

لم يكن هناك شيء على شاكلة هذه السياسات في الإذاعة الأمريكية: إذ 
ظلت الشبكات تسيطر بإحكام: على رغم أن وزارة الدفاع الأمريكية كان لها 
شبكتها الخاصة ذات ال 18٠١‏ منفن في العام 1444: وأيضا في الاتحاد 
السوفييتي لم تبذل جهود التقديم برامج ترفيه في زمن الحرب. كانت المطابع 
السوفييتية تتنافس مع المدافع كأسلحة حربء وجرت تعبئة الشعراء والرواثيين 
وكتاب الأغاني في قضية الحرب. وقد استخدم ستالين كلمات «الإخوة 
والأخوات» في أول خطبة له في الإذاعة في الثالث من يوليو العام ,1514١‏ وبعد 
ذلك بأسابيع قليلة أصبح من الخصائص الرئيسية للاذاعة قراءة خطابات من 
رجال ونساء من على خط الجبهة. وبعد الحرب انصب التركيز على الثقافة: التي 
يجري تحديدها ومراقبتها من أعلى من جانب أندريه زادانوف ومساعديه. 

من الضروري عند فحص التجرية الأمريكية والروسية والبريطانية» العودة 
إلى البدايات. في بريطانيا كان بمقدور ريث, الذي أصبح وزيرا للإعلام لفترة 
قصيرة: أن يجمع التاريخ الشخصي مع التاريخ المؤسسي وهو ينظر إلى 
الماضي. إن ريثء المهندس الإسكتلندي ابن القسء كان عمره ١7‏ عاما فقط 
سنة 1577؛ عندما عين مديرا عاما لشركة الإذاعة البريطانية» التي كانت 
شركة تجارية ذات حصص محدودة:؛ وهو ما لم يكن معمولا به في الولايات 
المتحدة. وقد ظل ريث خمس سنوات في هذه الوظيفة قبل أن يصبح مديرا 
عاما لهيئة الإذاعة البريطانية. وقد هندس ريث التغير الهيكلي الذي استنته 
وثيقة ملكية العام 19571 نصت على أن هيئة الإذاعة مطالبة بتقديم المعلومات 
والتسلية والتعليمء وأن تدار عن طريق مجلس من خمسة حكام يعينهم الملك 
لمدة خمس سنوات بتزكية من رئيس الوزراء. كان الحكام الخمسة بمنزلة أمناء 
لا مديرين. حيث كان ريث مقتنعا بأن إدارة البث يجب أن تكون في أيدي 
الاذاعات المستقلة عن كل من الحكومة والمشروعات. 





























التاريخ الاجتماعي للوسائط 


على أن طريقة إدارة هيئة الإذاعة سيجري تفسيرها بطرق مختلفة في 
المستقبل؛ في أوقات الحرب كما في أوقات السلم؛ من جانب مجالس الحكام 
المختلفة ومن جانب حكام ضرديين مختلفين؛ ولكن فلسفة ريث عن المسؤولية 
الاجتماعية بقيت في دار البث وقتا طويلا بعد رحيله عن هيئة الإذاعة البريطانية 
في العام :١454‏ وقد عرضت أفكاره في واحد من أكثر الكتب المعبرة حول السنوات 
التكوينية للبث. وهو كتاب «البث عبر بريطانيا» .)١1974(‏ الذي كتب بسرعة كبيرة, 
عندما كان ريث تحت ذلك النوع من الضغط الشديد الذي كان يحبه. وإذا كان 
اللورد ريديل قد طرح تساؤلات, فإن ريث قدم تساؤلات وإجابات في الوقت نفسه. 

كتب ريث أنه عندما دخل البث لم تكن هناك «أوامر مختومة ليفض 
أختامها: وقليلون جدا من كانوا يعرفون معنى البثء ولم يكن أحد يعرف ما 
يمكن أن يصير إليه». وحتى في العام 4؟15: استبق ريث إلى تحديات البث 
من منظور تاريخي طويل الأمد بطريقة لم يستبق إليها «ريديل»: 

«حتى مجيء وسيط الاتصال العمومي الرخيص بشكل غير عادى: ذلك 
المتمثل في الراديوء كانت نسبة كبيرة من الناس محرومة من المعرفة المباشرة 
بالأحداث التي تصنع التاريخ» ولم يكونوا يشتركون في الاهتمامات وأشكال 
التسلية التي كانت متاحة لأصحاب الثروة المزدوجة: المال ووقت الفراغ. ولم 
يكن متاحا لهم الوصول إلى عظماء اليوم. وفي المقابل كانت رسائل هؤلاء 
العظماء لا تصل إلا إلى عدد محدود من الناسء أما اليوم فقد تفير كل ذلك». 

كان لدى ريث إحساس قوي بأنه صاحب رسالة؛ وكان يرى أن استخدام 
البث فقط كوسيط تسلية يعني أنك «تعهره». ولم يكن يرى أن من الضروري 
أن تقدم الهيئة للناس ما يريدون وحسب, بل كان عليها أن تضع معايير؛ ودأن 
توصل إلى أكبر عدد ممكن من المنازل... أفضل الأشياء في كل ميادين المعرفة 
والعمل والإنجاز الإنساني». وفي ذلك لا شك أكثر من مسحة ل «ماثيو 
أرنولد». على رغم أن ريث يحتمل أنه لم يدرك ذلك. ففي رأيه. وحسب 
تعبيره. أن الحفاظ على روح أخلاقية عالية له أهمية قصوى. على أن ريث لم 
يستخدم مطلقا كلمات «الوسائط الجماهيرية» أو «الاتصال الجماهيري». 

كان نظام الشركة الاحتكارية هو الأداة الطبيعية لإنجاز رسالة ريث. ولو 
كانت شركة احتكارية «وحشية»». وقد اختار بنفسه هذه الصفة بعد عدة 
سنوات. حيث كان ذكر كلمة شركة احتكارية فقط بمنزلة خرق لقاتون 


المعنومات والتعليم والتسلية 


«غريشام» الثقافي الذي ينص على أن العملة الرديئكة تطرد العملة الجيدة. 
وتحديد الجيد والرديء مسألة جدلية بالطبع؛ وحتى في الوقت الذي وقف 
فيه ريث راقضا البحث عن أقل قاسم مشتركء كان سلطويا في نظر نقادهء 
ومع مرور الوقت اتضح أن ذلك كان صرامة وشيئًا من مخلفات الماضي 
العتيق. ومع ذلك فقد اكتسب ريث دعما رسميا وغير رسميء مثلما حدث مع 
دفاع فيل عن شركة «47178:1» الاحتكارية في الولايات المتحدة. وفي أغسطس 
العام ؟ أكدت إحدى افتتاحيات صدذلهةنا6 معادعطعمة]1: فبل تعيين ريث 
في هيثة الإذاعة: أن أنسب الصناعات للاحتكار هي البثء وبعد ذلك باثنتي 
عشرة سنةء وفي ضوء الخبرة قررت 11565 أنه كان من الحكمة أن يعهد 
بالبث في هذا البلد إلى منظمة احتكارية مستقلة واحدة, يكون دافعها 
الرئيسي هو الخدمة العامة. 

والأكثر من ذلكء. أن لجنة «كراوفورد» الرسمية: التي عينت العام ١9571١‏ 
لبحث مستقبل البث البريطاني؛ اتفقت مع خط ريث الفكري على أن الاحتكار 
مسألة رسالة أكثر منها تكنولوجياء وذلك للتغلب على ندرة الترددات. وضي 
حين سلمت اللجنة بأن الأطوال الموجية الخاصة أو الخدمات البديلة قد توفر 
مهريا مما أسمته «مأزق البرنامج» ‏ كان هناك وقتذاك برنامج واحد فقط - 
إلا أنها أبدت رخبتها في ألا تستخدم لتقديم ما تطلبه جماعات المستمعين 
الذين يضغطون من أجل عروض مبتذلة؛. مهما كان حجم هذه الجماعات. 
وقد قوبل قرار هذه اللجنة بإنشاء هيئة عامة, بوثيقة ملكية؛ بترحاب من 
جانب الاشتراكي الفابي روبسون الذي اعتبر هذه الهيئة المزمع إنشاؤها 
«اكتشافا في مجال العلم الاجتماعي لا يقل أهمية عن اختراع إرسال الراديو 
هي مجال العلم الطبيعي». 

في العام 1471: شكلت اللجنة الفيدرالية للإذاعة في الولايات المتحدة؛ 
كلجنة مؤقتة في البداية؛ للتعامل مع قضايا البث. في تلك الأثناء كان افتراقا 
فعليا قد حدث بين الراديو الأمريكي ونظيره البريطاني. كان الراديو الأمريكي 
في الأساس وسيلة تسلية: وتأتي الأخبار في المقام الثاني؛ وكذلك كان له 
اتجاه مختلف تماما إزاء البث الديني والسياسي (بما في ذلك الانتخابات). 
وبحلول العام 197١‏ كان يستخدم في الولايات المتحدة حوالي ١5‏ مليون جهاز 
راديوء وعلى خلقية الكساد السابقة. كانت هذه هي البداية للمصر الذهبي 





التاريخ الاجتماعي للوسائط 


للراديو. عندما أصبح. قبل كل الأشياء الأخرى. وسيطا جماهيريا. وأصبح من 
الممكن للمحطات المحلية أن تقدم الفولكلور المستقبلي. كما ستفعل بعد ذلك 
بجيل:؛ عندما بث برنامج «غاريسون كيلور» م1 عدره1] عتتتووط على 
المستوى القوميء الذي كان في الأصل برنامجا على راديو مينسوتا العام 
ولكن الشبكات القومية كانت هي المسيطرة. 

إن الفرق الرئيسي في المداخل الدولية إلى الراديو كان فيما يتعلق 
بالإعلان. غالبث في كل الدول لم يكن «منا من السماء» أو «مجانيا كالهواء». 
ولكن تمويل بريطانيا له من رسوم الترخيص (وليس من الضراتب العامة) كان 
مضادا تماما لتمويل أمريكا له من الإعلان. ومنذ ذلك الحين والجدل حول 
مزايا النظامين لم ينته. وقد جاء أحد عناوين مجلة «8:161» المنزلية التابعة 
لهيئة الإذاعة البريطانية في العام 14174 يقول «مازال المال هو المفتاح». 

ومع ذلك فالنظامان الأمريكي والبريطاني لم يكونا سوى نظامين فقط من 
نظم البث الكثيرة التي نشأت في العشرينيات, على رغم أن كلا منها عمل 
كنموذج للنظم الأخرى. كانت هناك نظم مختلطة كثيرة؛ كما هي الحال دائما 
في مجال الاتصالات عن بعد. وتقدم كندا مثالا مثيراء فعلى رغم وجودها 
بجوار الولايات المتحدة القوية؛ فإنها لم تتبعها كنموذج. فالبث فيها كان 
يستخدم بتعمد واضح.؛ مثله مثل سياسة النقل قبل ذلكء لدعم الهوية 
القومية. وقد كان تدفق البث من الولايات الملتحدة يزعج رابطة الراديو 
الكندية كثيراء وأثر بشكل مباشر في قانون البث الإذاعي الكندي للعام 1957, 
وإنشاء لجنة البث الكندية؛ والتشكيل اللاحق لهيئة الإذاعة الكندية العام 
1 , التي نظمت على غرار هيئة الإذاعة البريطانية: ولكنها تضمنت منن 
البداية عنصرا تجارياء إذ استحدث عنصر إعلاني فيه خصوصية كندية. 

قبل العام 1944 لم يعمل النظام السوفييتيء الذي بني على أسس 
ماركسية لينينية. كنموذج. وهو حال الإذاعة النازية نفسها. أما الإذاعة 
الإيطالية. فعلى رغم أنها كانت دعائية, فإنها لم تقدم نموذجا هي الأخرى, 
ولأنها كانت تبث بعض دعايتها باللغة العربية. فقد أخذت هيئة الإذاعة 
البريطانية عنها أول بث لها بلغة أجنبية قبل الحرب في العام 1974. أما 
الإذاعة الفرنسية, التي لم تكن قط نموذجاء فقد كانت تدار منذ العام ١478‏ 
كخدمة بث عامة تنظمها هيئة البريد في منافسة مع ١7‏ محطة تجارية 


المعلومات والتعليم والتسلية 


خاصة. وكان الجمهور صغيرا نسبياء وفي العام 1954 وضعت الخدمة العامة 
تحت سيطرة مكتب المعلومات العامة حديث الإنشاء. وبعد الغزو الألماني 
لفرنسا العام :154٠‏ الذي كان مدعوما بدعاية ماهرة من الإذاعة الألمانية, 
فقدت الخدمة كل مصداقيتها . 

كان لكل نظم الإذاعة. بما في ذلك النظام الفرنسيء مدافعون. وقد طورت 
بعض الدول هوياتها المؤسسية الخاصة:؛ التي كانت في الغالب ترتكز على 
الجمع القلق بين الخدمة العامة والبث التجاري. أما هيئة البث اليابانية قبل 
وبعد الحرب؛ بمجلس حكامهاء فقد كانت الأقرب إلى هيئة الإذاعة 
البريطانية. وقد أسست الهيئة اليابانية العام 19177 معتمدة على رسوم 
الترخيص ولكنهاء على خلاف هيئة الإذاعة البريطانية. كانت خاضعة 
لسيطرة الحكومة؛ التي كانت سيطرة محكمة حتى قبل الغزو الياباني لمنشوريا 
العام 155١‏ عندما بلغ عدد حاملي التراخيص مليون شخص. كانت هناك 
ضغوط قبل حرب اليابان وبعدها مع الصين العام 1977 من أجل التركيز على 
البرامج التي تمجد الروح الوطنية؛ بما في ذلك برامج «موضوع اليوم», التي 
كانت تضم النشيد الوطني والأغاني الوطنية ونداءات لكل رعايا الإمبراطور 
أن ينحنوا باتجاه قصره. ومن المفارقات أن تنتهي الحرب العالمية ينشرة فريدة 
من جانب الإمبراطور هيروهيتو )١15185-1١5١١(‏ لم يفهمها سوى مستمعين 
قليلين بسبب اللغة القانونية الرسمية للفغاية التي كان يتحدثها . 

بعد احتلال اليابان: تاكدت مكانة هيئة الإذاعة اليابانية كشخصية قانونية 
في قانون الراديو والبث للعام ,140٠‏ الذي صدر لضمان حرية التعبير في 
البث؛ وفقط بعد ذلك التاريخ. واجهت هيئة الإذاعة اليابانية منافسة من 
جانب إذاعات تجارية: كان أغلبها يرتبط بصحف. وبالمثل في أثناء احتلال 
ألمانيا. وبعد تقسيمهاء وضع نظاما بث ما بعد الحرب من جانب فوتين 
استعماريتين مختلفتين تماما: غفي ألمانيا الشرقية حددت الوظيفة الرئيسية 
للاذاعة (وفيما بعد التلفزيون) على أنها «تكوين وعي الدولة الاشتراكية». 
حيث أصبح النظام السوفييتي نموذجا لهاء كما كان في أوروبا الوسطى. أما 
ألمانيا الغريية الفيدرالية فيما بعد العام 1444 فقد تبنت نظاما إذاعيا غير 
مركزي بتأثير بريطاني؛ مع وجود تسع محطات بث إقليمية تعمل وفقا للقانون 
العام تقدم كل منها ثلاثة برامج راديو مختلفة. 





التاريخ الاجتماعي للوسائط 


في مثل هذه الظروف لا يمكن أن يكون هناك «جمهور كبير». ولكن كانت 
هناك عناصر مميزة أخرى من البداية في ألمانيا. إن الارتياب في البث من 
جانب الصحافة, التي كانت واقعة تحت هيمنة أفراد أقوياء من أصحاب 
المصالح المالية؛ يمثلهم على وجه الخصوص مجموعة «سبرنفر» التي كانت 
متمركزة في هامبورغ وبرلينء هذا الارتياب حجم التجديد في البث؛ إلى 
جانب أن وجود مستمعي التدفق في الشرق [المستمعين الذين يستقبلون 
الإذاعات الخارجية]» وفيما بعد مشاهديه. كانت حقيقة ذات أهمية سياسية 
قيل إعادة توحيد أنانيا العام 1546, وقد ترك السوق الجماهيري للصحافة. 
وقد جاءت المادة الخامسة في القانون الأساسي. لدولة ألمانيا الجديدة للعام 
5 لتنص على أن الصحافة الحرة عنصر متمم في الدستورء ولكنها لم 
تتنبأ بانتصارات مجموعة «سبرنفر». ومن ذلك أن صحيفة «سيرنفر» المصورة 
كانت تبيع أربعة ملايين نسخة يوميا .وفي إيطاليا كان عدد الصحف التي 
تباع هي الأقل بين كل الدول الأوروبية الأخرى (في إيطاليا كان 44 من كل 
ألف فقط يشترون صحفا في العام ١51/5‏ في مقابل 15١‏ في يريطانيا)؛ ومع 
ذلك كانت الصحف مؤسسات مهمة؛ أو هكذا جرى إدراكها. كان هناك كذتك 
صحيفة أسبوعية جماهيرية هي «0881» في مكانة صحيفة «ط0)ة]/1 متودط» 
الفرنسية نفسها. وقد تبنت وكالة البث الإيطالية سياسة تهدف إلى توحيد 
الجمهور الإيطالي» ولكنها في الغالب كانت مشبوهة بسبب التدخل السياسي 
العلني. 

أيا كانت الدولة وأيا كان النظام وأيا كانت الهيئة وأيا كانت الفترة. فقد 
كان مبرر وجود البث بكل أشكاله هو تقديم برامج لجمهور ضخم غير مرئي. 
ولأسباب متنوعة في غالبها تاريخية؛ فإن الدول المختلفة التي كانت تستخدم 
التكتولوجيا نفسها في الأساس.ء لم تكن تقدم مجموعة البرامج نفسهاء أو 
بالطريقة نفسهاء ولكن في كل الدول كان هناك تقسيم إجرائي للعمل؛ وإن 
كان بسيطاء كما في صناعة السينما. إن كل أنواع برامج الاستديو التي كانت 
بالطبع تفوق قدرة البرامج غير الرسمية. تضمنت مع تطوير تسجيل الشريط 
المغناطيسيء الذي كان لألمانيا الريادة فيه. كتاب سيناريوهات البرامج (إلى أن 
ألغيت السيناريوهات من هذا النوع إلى حد كبير). ومنتجين يعملون عادة 
خلف شاشات زجاجية. ومقدمين يعملون أمام هذه الشاشات, ومؤدين ليسوا 





المعلومات والتعليم والتسلية 


كلهم بالضرورة مهنيين يعملون كل الوقت ‏ وإلى جانب ذلك هناك خلف 
ا نهد مهندسونء كان من غير الممكن من دونهم مد البث الخارجيء الذي 
تزايد طلب المستمعين عليه في كل الدول. 

وفي الولايات المحدة,؛ التي أدمج البث فيها مند البداية في قطاع 
المشروعات. حدث تقسبم.؛ كما في الصحافة؛ بين صانعي البرامج ومقدمي 
البرامج بكل أنواعهم (هم غالبا الأعلى أجرا بين جميع المشاهير في المجال) 
من جانب. والبائعين الذين يجمعون عوائد الإعلان من جانب آخر. وكان من 
المحتم عند التطبيق أن يتطور نظام تصنيف للبرامج. سيصيح بدوره أكثر 
تعقيدا من البرمجة. وقد أصبح بمقدور رعاة البرامج أن يقيسوا إحصائيا 
تأثير مواعيد برامج الإذاعة. كما سيقيسون فيما بعد جماهير برامج 
التلفزيون (برامج أوقات الذروة وغيرها). وبناء على ذلك ستتحدد الرسوم 
انني يجب أن يدفعوها. 

أما هيئة الإذاعة البريطانية الريثية [نسبة إلى ريث]ء فقد تجنبت 
التقديرات والتصنيفات كموجهات للسياسة:؛ ولم تقم بأي من بحوث المستمعين 
حتى العام 15717: ومع ذلك خفي العام ١4445‏ طورت الهيئة نظاما داخليا 
معقدا وضع في اعتباره جودة البرامج وعدد مستمعيها. أما شركة «نيلسين» 
في الولايات المتحدة: التي أسست العام 1575: وابتكرت أول ماكينة قياس 
مباشر هي الأوديمتر العام :١154١‏ فقد وضعت أرقام تصنيف لاقت قبولا 
عاما. ومع حلول الوقت الذي تحولت فيه إلى التلفزيون العام 146٠‏ كانت قد 
أصبحت مؤسسة راسخة. تماما مثل وكالات الإعلان التى سبقت ظهور البث 
التي غالبا ما كانت تنظم حملات إذاعية باهظة التكاليف: وفيما بعد 
تلفزيونية. إن الوكالات:؛ التي طورت لغة تسويق متميزة. كانت تخضع هي 
الأخرى لعملية التركيز نفسها مثل شركات الإذاعة (وفيما بعد التلفزيون). 

وفي بريطانياء التي لم تعرف الوحدة أو الثبات في عملية البثء حدث 
تقسيم واضح بين أولئك الناس الميدعين أو غير المبدعين. الذين كانوا 
منخرطين مباشرة في صنع البرامج: وأولئك الذين يديرون عملية الصنع 
وينظمون تمويلها. ومع ذلك؛ فقد كان من الممكن عبور هذه الخطوط. وفي 
رأي واحد من أبلغ المديرين المبدعين, هو هاو ويلدون الذي انضم إلى هيئة 
الإذاعة البريطانية العام 1507: أن الهيئة كانت هي مجموعة البرامج التي 


التاريخ الاجتماعي للوسائط 


تقدمها لا أكثر ولا أقل. إن تنميط البرامج الذي كان يتضمن ‏ في رأيه ‏ 
بالضرورة البرامج الفنية؛ لم يثبت مطلقاء على رغم تثبيت البرامج بمواعيد 
محددة كل أسبوع: بعضها كان طويل العمرء لم يرد له المستمعون أن يلغى: وقد 
كان إلغاؤها يجري وسط جدل كبير. 

كانت النشرات الجوية متضمنة في قائمة البرامج في بريطانيا منذ 
وقت مبكر نسبياء تحديدا في 77 مارس 1577: وضي سويسرا الجبلية 
كانت هذه النشرات حيلة رئيسية لبيع أجهزة الراديو. وكانت الأحداث 
الرياضية ذات شعبية في معظم الدولء ولكن كان من الصعب تنظيمها ضي 
البداية بسبب عدم التعاون من جانب أصحاب المصالح في مجال الرياضة, 
وقد شهدت بريطانيا بث أول سباق خيل مباشر مع تعليق حي في السادس 
من يونيو ؟157. أما البرامج الدينية فقد كانت تبث يومياء وكان الأسبوع 
يختتم بخطاب و «آمين» طويلة. وفي الدول الكاثوليكية الرومانية ظهرت 
اختلافات في الرأي حول ما إذا كان يجب بث القداس. وقد طور راديو 
الفاتيكان أسلوبا خاصا به. وفي الولايات المتحدة جدل الدين والسياسة 
معاء وفي بعض الأحيان بدرجة يصعب فصلهاء. وقد تأثر كلاهما بالتبشير 
عن بعد . 

كان الشكل الرئيسي لبث التسلية في بريطانيا قبل الحرب هو «المنوعات» 
لإاعآنة7؟: وهو اسم شاذ وصفته 52 العام ؟9١‏ بأنه «خيز وملح البث». 
وفي الولايات المتحدة كان هذا الاسم اسما لدورية مهنية. إن أصول هذا 
الاسم تعود إلى المسرح: وعلى نحو ملائم أطلق على أول بث لبرنامج (في 
الثلاثين من يناير 1975) «متمرسي المنوعات» (على رغم أنه لم يكن لدى كل 
المتمرسين خبرة في البث). وقد كان للملاهي جاذبية طبقية مختلفة. وضي 
الولايات المتحدة. استمر برنامج 5608 لإلهك ع 5مصرثء الذي يعود بأصوله ‏ 
إلى القرن التاسع عشر حيث عروض المسترنغ التي يظهر فيها ممثلون بيض 
بمظهر الزنوج يقدمون للمشاهدين ضرويا من الأغاني والنكات: استمر على 
رغم الكساد والحرب»؛ وجاء على رأس تصنيفات ما قبل الحربء وبعد ١؟‏ سنة 
جاء من بين برامج القمة العشرة في تصنيف «نيلسين» العام :156٠‏ قبل أن 
ينتقل إلى التلفزيون. كان شكل هذا البرنامج من النوع مفتوح النهاية, الذي 
يقود إلى المسلسل. 


المعلومات والتعليم والتسلية 


إن ن لكلمة برنامج استخدامين في بريطانياء كما سيتضح: أولهما إرسال بث 
متواصل إجمالي نوعا ماء وهو ما وصف في أيام التلفزيون بأنه قناة. وثانيهما 
المكونات الفردية في البث التي يجري إرسالها على النحو السابق. وتاريخ كثير 

من البرامج الفردية مدونء ومع ذلك فهناك ندرة في دراسات توازن المقومات 
(البرامج بمعناها الأول) المقارنة عبر الحدود القومية. وقد كان التلفزيون 
أفضل في ذلكء إذ كتبت دراسات متخصصة حول العديد من أنواعه. 

ومع الزمن تغير هذا التوازن. خاصة في بريطانيا في الستينيات؛ وهو 
عقد صراع اجتماعي وثقافيء أكثر منه بين العامين 15146 و ١151ء‏ عندما 
بدأ التلفزيون في تقديم خدمة بديلة. وقد كان راديو الترانزيستور المحمول 
تقدما مفاجئاء اجتماعيا وثقافياء في بريطانيا وأوروبا حتى خارج أوروياء بما 
في ذلك العالم العربيء الذي أصبح هذا الجهاز فيه. كما أوضح دانيل ليرنر 
في كتابه المؤثر «اندثار المجتمع التقليدي» :.)١1508(‏ من رموز التحديث. 
فالصحراء: إلى جانب الشواطئ, كانت مكانا لتفحص هذه الأجهزة. 

وضي أوروبا كان التعامل مع القراصنة من الدوافع التي جعلت مؤسسات 
البث القديمة تغير برمجتها بشكل طفيف فيما بعد. كان راديو كارولين» الذي 
كان يبث من بحر الشمال؛ هو الأول في سلسلة محطات القرصنة التي كانت 
تتحدى السلطة؛ وكانت تبث موسيقى البوب في الأساس إلى بريطانيا والدول 
الأوروبية الأخرى. وبعد محاولات لعلاج هذا الموقف من خلال القانون؛ تلك 
المحاولات التي كانت في بريطانيا أندر منها في أمريكاء أنشأت هيئة الإذاعة 
إذاعة جديدة في العام :١911‏ قدمت تقريبا الوجبة نفسها التي كان القراصنة 
يقدمونها (موسيقى الروك في الأساس).؛ حتى أنها وظفت بعض القراصنة 
أنفسهم. في ذلك الوقت كانت هناك أربع قنوات إذاعية :١(‏ ”: ".: 4) بدلا من 
ثلاث (البرنامج المنزلي والنور والثالث). 

استولت الإذاعة الرابعة الجديدة على العنصر الرئيسي في الخدمة 
المنزلية؛ وهو البرنامج الذي كان المستمعون يحولون مؤشرات أجهزتهم إليه 
بحثا عن تغطية شاملة للأخبار والتعليقات عليها. أما الإذاعة الثالثة فقد 
استولت على ما تبقى من البرنامج الثالث القديم الذي أصبح برنامج موسيقى 
عاما في 4" و 1550. وكذلك أدخلت الإذاعة المحلية» للمرة الأولى منذ الأيام 
المبكرة لشركة البث البريطانية القديمة؛ عندما افتتحت في دافنتري في العام 





التاريخ الاجتماعي للوسائط 


71 محطة إرسال مرتفعة القوة وطويلة الموجة؛ وي العام التالي وضعت 
خطة إقليمية. إن التغيرات التي حدثت في الستينيات كانت مثار جدل كبير 
داخل هيئّة الإذاعة وخارجهاء ولكن النمط الجديد سرعان ما أسس نفسه. 
وفي رأي فرانك جيلارد. الذي صنع اسمه كمذيع في زمن الحرب. حيث كان 
ينقل تقارير من الجبهة في برنامج جيد التنظيم هو «تقرير الحرب». أن 
للإذاعة ميزة عظيمة تتمثل في كونها رخيصة وبسيطة نسبياء وهي ميزة 
كانت ذات أهمية خاصة في التعليم. على خلاف التلفزيون الذي كان غاليا 
وثقيلا. إن التلفزيون على رغم أنه هر الإذاعة بعنف فإنه لم يبطلها تماما. 

أما هولندا. التي امتلكت هيكل بث متفرد قبل العام 6 : كان يتكون في 
. الأساس من الشخصيات الدينية. فقد شهدت هزة كبيرة: إذ استحدث قانون 
البث الجديد للعام 19١!/‏ محطتين جديدتين: +7105 و2900. صّممتا 
مباشرة بغرض التسلية, ريما لوجود خيرة القراصنة في الحسبان. وعلى 
الرغم من أن إحدى الدفعات الأخيرة في الإذاعة حدثت على أيدي 
الصحافيين الإذاعيين المتلهفين لتدشين برنامج إخباري متواصلء فإنه في 
العام 1474 قرر وزير الثقافة تضمين نشرات إخبارية في إذاعة 7805. وقد 
ترك ذلك أثره في الإذاعات التقليدية: على رغم أن القانون حدد هدف البث 
من تقديم برنامج شامل يتضمن نسبا معقولة من أنواع مختلفة من البرامج. 
منها بالطبع «إشباع حاجات السكان الثقافية والروحية والدينية». 

أما في الولايات المتحدة؛ فلم تحدد أهداف البث الإذاعي أبدا على هذا 
النحوء وإلى جانب ذلك فإن الإذاعة الأمريكية, التي كانت في ذلك الوقت 
محلية إلى درجة كبيرة:؛ لم ترق إلى مستوى التحديات الراهنة. كما فعلت 
هيئة الإذاعة البريطانية والإذاعة الهولندية اللتان كانتا محل نقد شديد. ضي 
فترة ما قبل الحرب حصلت الأويرا الصايونية 612م0 م503 على اسمها من 
دراما نهارية مدتها ١6‏ دقيقة: كانت ترعاها شركات «كولجيت-بالموليف و 
بروكتر» و «غامبل». وإلى جانب ذلك كانت هناك «ساعة بالموليف» و «ساعة 
مقهى ماكسويل». كانت الآأخبار بطيئة في التسلل إلى جداول الإذاعات: بعد 
أن بدأ لوويل توماسء على.رغم شكاوى الصحافة: في العام 14٠١‏ في قراءة 
الأخبار بانتظام على «7180», ولكن الأخبار لم تأخذ مكانها في الخطط إلا 
في العام ١574‏ فقطء وهو ما حدث في الغالب في شكل عناوين ومقتطفات. 





المعلومات والتعليم والتسلية 


وقد انتقل بعض المشاهير مباشرة من الإذاعة إلى التلفزيون. إن «ساعة 
فليشمان» عرفت الجمهور على ملتون بيرل؛ الذي بدأ كممثل كوميدي في 
النوادي الليلية والمسارح. إن أحد الأحداث البارزة في تاريخ البث؛ وهو 
استماع ستة ملايين شخص في الثلاثين من أكتوبر ١578‏ إلى المسرح ال مسموع 
على الهواء: نقله الراديو فقط على الهواء من إذاعة «85©»: عندما قطعت 
موسيقى قاعة الرقص بنبأ من السلطة عن غزو من الفضاءء وبهذا بدأت 
«حرب الكواكب». 

بعد وصول «تلفزيون من ساحل إلى ساحل» فيما بعد العام 1540., تلقت 
الإذاعة المحلية حافزا جديداء ولكن مع انخفاض جمهور برامج الإذاعة الليلية 
الأساسية من ١7‏ مليون منزل إلى ؟ ملايينء لم يبذل أي جهد لتحسين مدى 
البرمجة إلى أن زاد عدد القنوات المتاحة. إن ظهور راديو الترانزيستورء الذي 
عرض في البداية كسلعة فاخرة في الولايات المتحدة في أوائل الخمسينات, 
والتطور السريع لراديو السيارات ضمنا لموسيقى البوب, التي تتخللها موجزات 
أنباء» أن تظل الوجبة الأساسية. فقط مع مرور الوقت. ومع الإحساس بأن 
النطاق الضيق لطيف الراديو لم يعد يمثل مشكلة؛ قدمت الموسيقى 
الكلاسيكية العامة بديلا عن موسيقى البوب. وهو ما ظلت إذاعة المجتمع 
تقدمه حتى وقت متأخر. 

إن «اللعنة على المستمع». وهو العنوان الثانوي لمقال ديسموند سميث حول 
«الإذاعة الأمريكية اليوم» في العام ١574‏ في مجلة «:ءم:ة11», كان يعمل 
رسالة مختلفة تماما عن تلك التي نقلها محرر «06ذ]3 لزانه8» اللندنية إزاء 
النقد من جانب الحكومة في مقاله «انشر تصبك اللعنة». إن أهداف الإذاعة, 
كما قرر سميث. متمائلة من حيث النوع. ولكنها مختلفة من حيث المدى عن 
أهداف التلفزيون. إن الإذاعة الأمريكية. كما يعرف كل المستمعين؛ عبد طيع 
للدولار التجاري. كما أن معايير الإذاعة أسوأ من معايير التلفزيون: إذا كان 
من الممكن وضع معايير لهاء وذلك لأن الإذاعة لا يمكنها أن تبقى في هذا 
المناخ التجاري المحموم إلا كوسيط للإعلان التجاري للتجار المحليين والمتاجر 
(عودة إلى بدايات الإذاعة) أو مزادات السيارات المستخدمة. ومن ذلك كان 
نصيب الإعلان المحلي في عوائد الراديو 55 في العام 1557. زاد إلى :/0٠١‏ 
في العام 1977: ومع ذلك فقد كانت الفوائد من عمليات المحطة المحلية 








التاريخ الاجتماعي للوسائط 


عالية. وقد كان من المفارقات أنه مع فتور الإذاعة كوسيط خياليء كان على 
الوكالة الفيدرالية للاتصالات في العام 1577 أن تجمد جزئيا منح 
التراخيص الجديدة. 

وقد تغيرت المنظورات إلى حد ما في السبعينيات؛ وهو العقد الذي يدأ 
بإنشاء الإذاعة العامة القوميةء وانتهى بزيادة عدد مستمعي «5281» (تضمين 
التردد). الأقل عرضة للتشوش في استقبالهاء ليفوق لأول مرة عدد مستمعي 
83» (تضمين الذروة). وفي قصة 781 تعبت الأعمال أو المشروعات دورا 
أكبر من التكنولوجيا. وقد أصبح المهندس أرمسترونغ: الذي كان في الأصل 
صديقا لسارنوف؛ عدوا له عندما رأى سارنوف في 4821,» التي عرضت عليه 
العام 1987, خطرا على نظام الشبكة. وعلى رغم تمكن أرمسترونغ العام 
9 من بناء محطة تجريبية في نيوجيرسي؛ ومن أن 121 أصبحت منتشرة, 
فإن الحرب أعاقت تقدمها. بل الأكثر من ذلك تجمدت هذه المحطة حتى 
العام 1401ء ونتيجة لذعره من توجهات الوكالة الفيدرالية للاتصالات: وجره 
بلا رحمة إلى ساحة المحاكم, انتحر أرمسترونغ في العام ١50”‏ بالقفز من 
فوق إحدى ناطحات السحاب. هناك تواز بين تاريخ 134 والتطور البطيء 
لنظام «115ل1» في التلفزيون: على رغم أن 531 جعلت الاستماع. وخاصة 
للموسيقى الكلاسيكية, أكثر إرضاءء في حين أن 11117 لم تجعل الرؤية بهذه 
الدرجة من الإرضاء في أماكن كثيرة. 

ومن الممكن الخروج بعدد من التعميمات حول عصر البث الإذاعي قبل 
أن يصبح التلفزيون هو الوسيط المهيمن. ومع ذلك فمن غير الممكن نوعا 
ماء كما في حالة التلفزيون» وهو وسيط درس بشكل مكثفء أو كما ضي 
حالة السيارة. فصل تأثيرات البث الإذاعي في الاتجاهات والعادات عن 
التأثيرات الأخرى في الثقافة والمجتمع. إن البث الإذاعي. مثله مثل 
النظام البريدي: نجح في الوصول إلى كل السكان حتى في الأماكن الناكية 
يطريقة مختلفة عن وسائط أخرى مثل الصحافة والسينما. وفي كل 
الأماكن كان البث الإذاعي رفيقا جيدا يواسي ويسلي ويخبر ويعلم؛ وضي كل 
مكان كان يحمل معه نعمة لا تضاهنى للعميان والمرضى والوحيدين 
وملازمي المنازل. إن الصور التي كان يستدعيها البث الإذاعي كانت: عند 
التذكر على الأقلء. تبقى مثل الكلمات التي كانت تقدم من خلاله. وعلى 





المعلومات والتعليم والتسلية 


حد تعبير آدم كلايتون بول الثالث. من دارسي الوسائط الأمريكيين. فإن 
«ما تتخيله يكون عادة أكثر روعة وإمتاعا؛ وأكثر واقعية وحياة من الصور 
الصريحة للفيديو والأغلام». 

إن مدى إسهام البث الإذاعي في تأسيس ثقافة مشتركة في الدول التي 
تبنت ذلك كفغاية للبث يمثل مسألة خلافية, إذ إن ذلك الإسهام كان مقتصرا 
في الأساس على الطبقة: أيا كان تعريفهاء ولكن النكات والقصص أ«سبحت 
مشتركة قبل أن تحدث عملية التجزيء التي حدثت فيها. إن النتائج 
الاقتصادية للبث الإذاعي كبيرة: بعيدا عن خلق صناعات ضخمة جديدة. 
حتى في تلك الدول؛ مثل بريطانيا؛ التي كان التكامل فيها مع قطاع الأعمال 
محدودا أو غير موجود من خلال الإعلان: كان من الممكن للصحف 
والمجلات ‏ وليس فقط المعارض ‏ أن تست خدم وجود البث للترويج 
للمنتجات؛ بما في ذلك أجهزة اللاسلكي. كذلك كان هناك جذب خاص 
للمرأة. ومنذ وقت مبكرء تحديدا العام /197: تضمن كتيب هيئة الإذاعة 
البريطانية إعلانا «إلى نساء بريطانيا» اللاتي ركين جهازا لاسلكياء وبالتالي 
«بعدن عن صحبة أزواجهن» ليشجعهن لكي يأخذن خطوة أخرى تتمثل فضي 
«اجعلن بيوتكن مريحة ومبهجة بوضع أطواق لتخفيف أضواء المصابيح»», 
تضمن هذا الإعلان كذلك تعليقا يقول «متع المدفأة»: إذ أصبح الجلوس حوّل 
المدفأة من أشكال الحنين إلى الماضي. أما الآن فالمدفأة ذاتهاء بل وجهاز 
اللاسلكي نفسه.؛ اختفيا إلى درجة كبيرة. 

في عيدها السنوي الخمسين في العام ؟1917, دعت هيئة الإذاعة 
البريطانية السدير كلايرء الكاتب والمطرب والمذيع» لإنتاج عدد من البرامج 
الإذاعية لفحص أثر البث في الأفغراد الذين كيروا معه. بدأ كلاير بدساعة 
الأطفال» :.)١577(‏ الذي كان يقدمه «الأعمام والعمات» أو غيرهم من أفراد 
الأسرة: كتعزيز للوالدين وليس بديلا عنهما. بعد ذلك جاءت السياسة في 
مسح كلايرء مع تأكيد ماكلوهانء: وهو واحد ممن أجريت معهم مقابلات 
شخصية. بشكل ليس مقنعا تماما على دفع البث الإذاعي للرؤساء القبليين 
[من قبيلة] إلى الصدارةء من دون أن يميز بين سياسات البث في بريطانيا 
وأ مانياء وبين بريطانيا والولايات المتحدة, أو بين بريطانيا وكندا. وجاءت 
الموسيقى في المرتبة الثالثة. حدثت إتاحة غير مسبوقة للموسيقى 





التاريخ الاجتماعي للوسائط 


الكلاسيكية؛ وازداد جمهورها بدرجة واضحة:؛ وأصبح هناك اعتماد متبادل 
بين الغراموفون والراديو. وهو ما أثبتته محطة إذاعية تجارية بريطانية ‏ 
إذاعة 130 للموسيقى الكلاسيكية  )١1957(‏ بعد أن فقدت هيئة الإذاعة 
احتكارها. في الوقت نفسه أصبحت الموسيقى التصويرية: بما في ذلك 
الموزاك (ورق حائط للأذن). ظاهرة جديدة في كل الدول. 

وطيما يتعلق بثالوث التسلية والتعليم والمعلوماتء اجتازت التسلية من حيث 
طبيعتهاء بعد وصول البث الصوتي إلى المنازل؛ تغيرا لا يصل بأي حال من 
الأحوال إلى مستوى التفير الكبير الذي انتابها في الثمانينيات والتسعينيات. 
كانت السينما دائما مصدرا بديلا عن الجذب الشعييء. مع سيطرة الخمس 
الكبار على الإنتاج والتوزيع ‏ :1/123 70-001058ا1/1 والنامتسفوط وتععة 717 
15 و 1150 وه لإلنااطع) طاعتانره1 - مع لعب صحافيين كبار من 
أصحاب الأعمدة دورا في الدعاية (وأحيانا النقد) لنجوم الشاشة. كانت 
جوائز الأوسكارء التي منحت لأول مرة في العام ١95717‏ من جانب الأكاديمية 
الأمريكية للسينما والفنون والعلوم؛ دوما مناسبة لحدث من أحداث الوسائط. 
إن انتشار الإذاعة لم يحقق هذا الجذب الشعبي أبدا. بالنسبة إلى التعليم كان 
الدور التثقيفي للبث الإذاعيء شأنه شأن البث التلفزيوني؛ أعظم من دوره 
التعليمي الشكليء على رغم أن هيئة الإذاعة البريطانية عنيت منذ البداية 
تقريبا بالمدارس وتعليم الكبارء بل وتعود أصول مفهوم «الكلام» كشكل أدبي 
محدود في طوله ومخطط بعناية؛ الذي كان غريبا على المستمع الفرنسي» 
مثله مثل المستمع الأمريكي» إلى تعليم الكبار. 

حدث أول بث قومي للمدارس في بريطانيا في أبريل 1574: وفي العام 
كان هناك جهاز مستقل ينظمه المجلس المركزي للبث للمدارس» وهي 
هيئة مستقلة في الأساس, بذلت الكثير لجعل المدارس حية ويقظة أثناء 
الحرب العالمية الثانية. وبالقرب من نهاية الحرب ظهر نظام البث التعليمي 
تلقوات: الذي كان يلقى الدعم من جانب الرئيس العام للجيش. وهذه الخطة 
لم تتوقف إلا في العام :١1507‏ عندما بدأت «تجربة نحو مزيد من التعليم». كل 
من برنامج القوات وتجربة التعليم ركزا الانتباه في البحث عن فكرة الوضوح: 
ما عدد البرامج التي يمكن للناس فهمها؟ كانت الإجابة أقل مما كان يعرف 
منتجو البرامج. 





المعلومات والتعليم والتسلية 


لم يكن البث أبدا مجرد شكل من أشكال الإرسالء: إذ أدى. كما أوضح 
بعض مؤرخيه. بعضا من الوظائف. على الأقل؛ التي حددها هابرماس؛ عندما 
كتب عن الحيز العام. كان معظم المذيعين من الطبقة الوسطىء وبالتالي 
أصبحت لهجاتهم هي اللهجات المعيارية: ولم يكن هناك حديث عن التفاعلية: 
ولكن البث وسع الآفاق (وهو تعبير أصبح كليشيه) وشجع.؛ ليس فقط 
الهوايات, وإنما أيضا القراءة. وعادة ما كان أمناء المكتبات ينظرون إلى البث 
كحليف وليس خصما. إذ يمكن لبرنامج إذاعي أن يؤدي إلى التدافع على 
محلات الكتب والمكتيات. 

في الولايات المتحدة تطورت الإذاعة الأولى على يد مؤسسات تعليمية: 
وهو ما لم يحدث في أي دولة أخرى في العالمء ولكن في نهاية العشرينيات 
فقدت هذه المؤسسات تأثيرها وأعدادها. وفي العام 4؟15: عندما أتى 
القانون الفيدرالي الجديد للاتصالات بالوكالة الفيدرالية للاتصالات 502 
لتهتم بالاتصالات عن بعد إلى جانب الإذاعة» وتحل محل الهيئة الفيدرالية 
للراديو. حدثت ضغوط منظمة لإبراز البرامج التعليمية ودعمها. ومع ذلك 
فقد فضلت اللجنة الفيدرالية للاتصالات أن تقدم المحطات خدماتها لكل 
جمهور المستمعين في إطار مدى المحطة, ولم تبد اللجنة أي اهتمام بدعم 
المحطات التعليمية. وكذلك لم يبد الكونفرس أي اهتمام. وعلى رغم الجهود 
الخيرية والأكاديمية؛ فبحلول العام :١15”0‏ وعلى حد تعبير ماكتشسني» 
«غسلوا أيديهم من سياسة البث» في هذا المجال وغيره. 

كان لذلك انعكاسات أبعد أيضا فيما يتعلق بالتزويد بالمعلومات من خلال 
البث. في الدول الأوروبية قدم البث الكثيرء بحلول العام 0؟15١:‏ للارتقاء 
بالمستوى العام للمعلومات. واستمر في أداء هذه المهمة في أثقاء الحرب,. وبعد 
دخول التلفزيون» عندما اتخن بث الأنياء اتجاها جديدا. وفي الولايات 
الملتحدة؛ عبر الكثيرون في العام 197١‏ عن أملهم في أن تشجع الإذاعة 
الديموقراطية. وهو المصطاح الذي كان يستخدم في الولايات المتحدة أكثر من 
بريطانياء من خلال تعزيز إحساس المواطن بالمشاركة. كان هريرت هوفرء. 
وليس روزفلت: هو الذي عبر عن ذلك بوضوح: فالإذاعة في رأيه «عملت على 
تثوير المناقشات السياسية:؛ وهو ما يمثل الأساس للفعل السياسي في ظل 
مبادئ حكمنا.. ومن الناحية المادية جعلتنا الإذاعة شعبا واحدا في كل 








التاريخ الاجتماعي للوسائط 


المناسبات ذات المغزى الجماهيري العام». وهو ما حدث أيضا في بريطانياء 
على سبيل المثال في وقت تنحى «إدوارد» الثامن» من خلال بث إذاعي قدمه 
ريث نقفسة. 

ولكن إلى أي مدى أثر ذلك في الديموقراطية؟ إن آخر مهمة لريث بصفته 
مديرا لهيئة الإذاعة البريطانية في العام ككأاول قبل أن يصبح المدير العام, 
كانت الحفاظ على استقلالية الهيئة قدر الإمكان: عندما انقسمت الأمة 
سيحدث فيما يعد في الأزمات, يسعون إلى السيطرة عليها. في أثناء 
العمالء ودور الهيئة كشركة احتكارية أصبح مثار جدل. كان ريث تنتابه 
مخاوف كثيرة: ولكنه ظل واثقا لم تمسسه الشكوك. ولكن المستقبل يحمل 
المزيد من الشكوك. 


مصر التلفزيون | 

بحلول منتصف الثلاثينيات. كان البث الصوتي على كلا جانبي الأطلنطي 
وفضي أجزاء أخرى كثيرة من العالمء أيا كان شكله وأسلويه. قد أصبح مؤسسا 
بشكل جيدء إلى درجة أنه لم يكن من السهل أبدا على المنخرطين فيهء سواء 
أكانوا من أصحاب المشروعات أم المديرين أم المقدمين أم المؤدين: أن يقبلوا 
أن بإمكان التلفزيون بتاريخه السابق الطويل أن يجاريه. وعلاوة على ذلك؛ 
فعلى الرغم من وجود متحمسين مؤيدين: فإن الموقف الاقتصادي في كل 
مكان كان غير موات لقبول تطور سريع. ففي الولايات المتحدة:ء التي ريما 
كانت لها الريادة في هذا المجالء كانت السنوات الأولى من العقد الذي سبق 
برنامج أمريكا الجديد!*) سنوات كسادء حيث كان النمو في المبيعات. حتى 
السيارات؛ مهددا . ش 

وعلى رغم أن سارنوف وظف زوريكن؛ كانت كلمة «تجربة» هي التي تبرز 
دائما عند ذكر التلفزيون في الثلاثينيات. وهي المرحلة نفسها التي كان 
التلفزيون يعيشها في بريطانيا. وعند انقضاء العقد الذي انتهى بالحرب: كان 
التلفزيون معروضا على العامة في معرض نيويورك العالمي في العام 21599 
لق برنامج تشريعي وإداري وضعه الرئيس الأمريكي ضرانكلين روزفلت ابتغاء الإنعاش الاقتصادي 
والإصلاح الاجتماعي خلال العقد الرابع من القرن العشرين:؛ [المترجم ]. 








المعلومات والتعليم والتسليخ 


الذي تحدث فيه روزظلت: بل كانت هناك أيضا صالة للعروض التلفزيونية. 
وفقط في العام 144١‏ وهو العام الذي دخلت فيه الولايات المتحدة الحرب, 
بدأت شركتا 1180 و085,: الخصمان اللدودان: في تقديم بث تلفزيوني 
محدود. ولكن محدد المواعيد في نيويورك. وقد استمر بث برامج التلفزيون 
بانتظام خلال الحرب ليس على يد واحدة من الشبكات؛ بل على يد واد 
طموح من غير أقطاب الإذاعة هو شركة «1:300:2:0165آ 22131021 التي كانت 
شركة «وع]نااءاط الناوستومة©» أحد المستثمرين فيها. كان سارنوف وويليام 
بالي. مؤسس «085»: بعيدين في إحدى خدمات الوسائط غير المولعة 
بالنافسة. أما الشبكة الثالثة, ©886, التي انتقلت للعمل في التلفزيون ضي 
العام ؟'194, فقد كانت تواجه مشكلات مالية عسيرة تحول بينها وبين أن 
يكون لها مبادرة فعالة. 

عندما انتهت الحرب العالمية الثانية. كان الاهتمام بالتلفزيون في دوائر 
الإذاعة والسينما مازال ضعيفاء وربما كان هذا السطح غير المبالي يخفي 
خوفا. لم تكن هناك كذلك أي جماعة لممارسة الضغوط مثل جماعة «الهواة». 
الذين لعبوا مثل هذا الدور المهم في سنوات اللاسلكي الأولى. كانت القرارات 
تصنع من أعلى؛ ومراعاة لمصالح اللاعبين الأقوياء في مجال الإذاعة؛ لم تقدم 
للوكالة الفيدرالية للاتصالات أي مساعدة. بل على العكس من ذلك تورطت 
في مجادلات مطولة حول التكنولوجياء بما في ذلك التلفزيون الملون واختيار 
«9/111» وليس «1[115»: وعندما جمدت إنشاء كل المحطات الجديدة بين 
العامين ١946‏ و554١‏ ألحقت ضررا كبيرا بشركة «2165ه2601240,آ 04ن140نا2». 

وفي الدوائر المثقفة انتشرت تصورات خاطئة حول الاحتمالات المتوقعهة من 
التلفزيون, منها أنه من المتوقع أن يجذب فقط الجماعات مرتفعة الدخل. ومع 
ذلك فقد ثبت أن ذلك لا يعدو كونه تصورا خاطئًا حتى قبل أن ينتهي 
التجميد. فحتى مع تقديم قليل من البرامج التلفزيونية؛ ارتفع إنتاج أجهزة 
التلفزيون بشكل ملحوظ من 17/8 ألفا إلى حوالي ١5‏ مليون جهاز بين العامين 
10 15059ء وفي هذا العام الأخير كان هناك ما يزيد على ٠١‏ مليون جهاز 
تحت الاستخدام. في هذه الأثناء كان أكثر من ثلث السكان يمتلكون جهاز 
تلفزيون» وحوالي ؛ , ٠‏ كانت لديهم أجهزة تلفزيون العام /194: نسبة كبيرة 
منها كانت في البارات وليس في المنازل. حتى في العام /194 كان في مقدور 





التاريخ الاجتماعي للوسائط 


مجلة «كاءء/77 811510655»: منتشية بازدهار ما بعد الحربء أن تلقب التلفزيون 
ب «أحدث وأثمن وسيلة ترف للفقراء» وتطلق على العام «عام التلفزيون». ولم 
تكن هيئة الراديو الأمريكية «8048» بعيدة عن هذه الطفرة؛ إذ ارتفع سعر 
أسهمها في هذا العام بنسبة 7/١514‏ بفضل مبيعاتها من أجهزة التلفزيون. 

كان الجمهور الضخم يتزايد بكثرة مع كل أسبوعء؛ في حين كان حضور 
السينما في انخفاضء على رغم ذيوع وصف «عصر السينما»». وادعاء هوليوود 
أن «السينما في أفضل حالاتها». وفي العام ١1107‏ كتب الرئيس أيزنهاور في 
مذكراته «إذا حلت بالفرد نوبة ملل شديدة: فإن الجلوس في البيت ومشاهدة 
التلفزيون أرخص وأيسر له من الخروج ودفع دولار ثمنا لتذكرة». لقد انخفض 
متوسط الحضور الأسبوعي إلى السينما من ١‏ مليونا في العام ١944‏ إلى 
مليونا في العام :١1501‏ ووصلت أعداد دور العرض ذروتها العام ,١9460‏ 
حيث بلغت١٠‏ ألف دار انخفضت إلى 17010 العام /155: ثم انتابها هبوط 
مفاجيّ في العام ١407‏ إلى 14505١؛‏ وقد فشلت بعض المحاولات: من داخل 
هوليوودء لدفع التلفزيون مدفوع الأجر أمام قوة شبكات الراديو؛ على رغم 
أنها استفرقت وقتا لتؤكد ذاتها. ويدأت بعض شركات السينما تشتري 
تراخيص التلفزيون؛ ومن ذلك أن حاولت شركة «فوكس» في العام 1544 أن 
تشتري 480. كان أحد مخارج هذه الأزمة؛ وهو بيع الأفلام لشركات 
التلفزيون: لم يجر تبنيه إلا في منتصف الخمسينيات. 

لم يتحدث أحد حينذاك عن «عصر السينما»» وهوليوودء التي كانت أبعد 
ما تكون عن «مصنع الأحلام». أزعجها كثيرا السيناتور جوزيف ماكارثي, الذي 
كانت لديه «قائمة تلفزيونية سوداء بمن يسمون مؤيدين للشيوعية». لقد 
استخدم ماكارثي التلفزيون. ولكن التلفزيون دمره فيما بعد (لأسباب أخرى). 
فقد أثبت ظهوره على التلفزيون أنه غير مثمرء وقد استخدم الصحافيان إد 
مورو وفريد فريندلي (من دون مساندة من شركتيهما 085) الوسيط نفسه 
لفضحه. وبعض الشركات لم تعرض جلسات الاستماع؛ وقد ضحم دور مورو 
في سقوط ماكارثيء وهو الدور الذي لعبه من خلال برنامجه «شاهد الآن». 

كانت هناك أنواع كثيرة من برامج التلفزيون» من بينها جلسات استماع 
ماكارثي المتميزةء ولكنها لم تصل بحال من الأحوال إلى كثرة أنواع برامج 
الراديو. وكانت هناك أيضا أنظمة خطوط مختلفة. كانت الولايات الملتحدة 





المعلومات والتعليم والتسلية 


توظف نظام 0 لخطاء وهو ما كان نفسه معمولا به في اليابان» في حين 
وظفت دول أوروبية كثيرة 770 خطا. وبحلول الستينيات كانت كثافة عبور 
برامج التلفزيون للحدود تفوق مثيلتها في الراديو وحتى السينماء مع عودة 
هوليوود إلى سابق ازدهارها وفقدان برودواي السريع لمكانتهاء وهي التي 
أثرت كثيرا فِي التلفزيون الأمريكي المباشر المبكر. ولم يكن في التلفزيون؛ مع 
ذلك. شيء يناظر زر التغيير الذي كان يميز الراديو كما في راديو الموطنين ضي 
الولايات المتحدة في السبعينيات. 

كانت الدراما التلفزيونية ذات شعبية في البداية: وإذا كانت «علءه7ا بوعل 
1©5» اشتكت من أن مشاهدة برودواي لا تختلف عن مشاهدة سلسلة من 
الصور والملصقات. فإن بعض المتفائلين نظروا إلى الوسيط الجديد كمسرح 
ثقافي. وأيضا في هذه المرحلة الأولى في تاريخ التلفزيون الأمريكي؛ كان 
هناك مجال للاختلافات المحلية في محتوى وأسلوب البرامج: وهو ما تلاشى 
بسرعة مع هيمنة الشبكات. ساعد الشبكات على ذلك التقدم التكنولوجي 
المتمثل في تطوير شريط الفيديو المفناطيسي. وبذلك أصبح من الممكن بث 
برامج التلفزيون في أي وقت وفي أي مكان. 

في ذلك الوقت كان الابتكار قد اختفى إلى حد كبير. كانت هذه 
شكوى جيلبرت سيلدز العام :١1506٠‏ فسيلدز الذي عمل مديرا لشركة 
5 أثناء الحرب وفيما بعد في الخمسينيات. لاحظ باهتمام كيف أن 
هوليوود كانت تعود بسرعة إلى سابق قوتها على أسس جديدة. كانت 
الولايات المتحدة في ذلك الوقت تبثء تلفزيونياء مواد فيلمية (منها 
الأفلام القديمة) أكثر من الحفلات السينمائية المباشرة: ومنها أفلام 
الغرب الأمريكي مثل «دخان البتدقية» و «ديزني لاند». كانت شركة 
الأخوين ورنر 8:0]0615 7731365 هي المورد الرئيسيء. وكانت شركة 4186 
برئيسها الجديدء الذي كانت له ارتباطات مع هوليوود. هي المشتري 
الرئيسي. وظهر جيل جديد من الشركات المستقلة تنتج أفلاما 
منخفضة التكلفة؛ والناجح من هذه الأفلام كان يحقق أرياحا كبيرة 
عند عرضه في السينماء ومتها«على صفحة الماء» (/54١)لمارلون‏ 
براندو. وكان بعض المنتجين, ومنهم أوتو يريمنجرء مهيئين لتحدي 
محظورات هوليوود. 





التاريخ الاجتماعي للوسائط 


كانت برامج التلفزيون الأمريكية مكررة في كثير من الأحيان؛ وتضمنت 
عروض الألعاب مثل «اه010 ع3 :868». إلى جانب المسلسلات الصابونية. كان 
برنامج «أحب لوسي» (1907) من أشهر البرامج ليس في الولايات المتحدة 
وحدها. وكان عرض «إد سوليفان» الذي دام طويلا على «085» قد بدأ العام 
في محاولة لمواجهة برنامج «ميلتون بيرل» على «2)2180. وقد علق 
محرر مجلة 00101165-10102121 في فبراير ١9057‏ أن «التلفزيون يسير في طريق 
الإذاعة نفسها بأسرع ما يستطيع. وهو الطريق المؤدي إلى التسلية. 

لم تشأ كل شركات البث غير الأمريكية أن تمشي في هذا الطريق؛ أو على 
الأقل ليس بأسرع ما تستطيع. وهو الموقف نفسه لصناع الأفلام الإيطاليين 
الذين كانوا في أوج إبداعهم في السنوات الصعبة بعد الحرب. وفي بريطانيا 
اتبعت هيئة الإذاعة؛ التي كانت تعمل في أرض قاسية؛ إستراتيجية مختلفة 
تماما عندما وضعت ثقتها في جورج بارنيز (4 )1١ - 15١‏ المذيع المهذب الذي 
كان يسعد بإخراج البرنامج الثالث بهيئة الإذاعة أكثر مما كان يسعد داخل 
استديوهات التلفزيونء والذي انتقل من رئاسة التلفزيون إلى ركئاسة جامعة 
جديدة. كان ويليام هاليء المدير العام لهيئة الإذاعة قبل الحربء قلقا حول 
الوسيط نفسه. على رغم أن الهيئة هي التي بدأت قبل الحرب, في العام 
71 , خدمة تلفزيونية منتظمة ولكن محدودة. وعندما انتهت الحرب؛ بعد 
ذلك يسبعة أعوام؛ أعيد إلى التلفزيون 4٠0‏ خطوط في يونيو 1945١ء‏ وكان 
أول ما بثه هو فيلم كرتون من أفلام ديزني كان قد توقف في العام 1541., 
والذي سمي «العودة». 

لم يصل عدد تراخيص التلفزيون في بزيطانيا إلا إلى ١407١‏ ترخيصا 
فقط بنهاية مارس 1587., ولكن بنهاية العام ١50١‏ وصل هذا العدد إلى 
مليون ترخيصء معظمها لمشاهدين ينتمون إلى جماعات منخفضة الدخل, 
فقد أوضح مسح لهيئة الإذاعة أن ٠١‏ منهم لم يتعلموا بعد سن الخامسة 
عشرة. وفي البداية كانت هوائيات التلفزيوؤن من علامات المكانة 
الاجتماعية:؛ إذ كانت توضع للاستعراضء ولكن سرعان ما تبددت الشكوك 
حول مدى المشاهدة الحقيقية. وقد أصبح ذلك ممكنا في أجزاء كبيرة من 
إسكتلندا وويلز وشمال إنجلترا في العام 1407, كانت هذه إرهاصات 
الجمهور الضخم. 





المعلومات والتعليم والتسلية 


كان هناك داضع كبير إلى المشاهدة تمثل في حفل تتويج الملكة إليزابيث ضي 
العام ١507‏ «على مرأى من الناس». ويقال إن ٠١‏ مليون شخص شاهدوا حفل 
التتويج (كان هناك أيضا جمهور أمريكي ضحم للأفلام التي يجري بثها عبر 
الهواء). وعلى اعتبار أنه لم يكن في بريطانيا سوى مليوني ترخيص تلفزيوني 
أو يزيد قليلاء فمن المؤكد أن أعدادا كبيرة من الناس شاهدوا الحفل خارج 
منازلهم. بعضهم في دور العرض السينمائي والصالات العامة والحانات. إن 
المعلق ريتشارد ديمبلباي (153- ,))1١15168‏ الذي كان مشهورا بين جماهير 
الإذاعة في أثناء الحربء انتقل إلى التلفزيون ليصبح أوسع شهرة كمقدم 
لبرنامج «بانوراما». وهو من برامج المعلومات الرائدة: بثته هيئة الإذاعة لأول 
مرة في عام التتويج نفسه. 

قبل ذلك بثلاثة أعوام؛ في العام :١1506٠‏ وصل عدد تراخيص الإذاعة فقط 
ذروته 815,15,١١ء‏ وانخفض هذا العدد إلى 4,0 مليون العام 21500 
عندما كان عدد تراخيص الإذاعة والتلفزيون المجمعة أكثر من 50, + مليون 
ترخيص. وهو العام الذي وضع فيه البرلمان» بعد مناقشات حادة ومطولة: 
حدا لاحتكار هيئة الإذاعة. وفي بيان أبيض محافظ في العام 1507: واحد 
من سلسلة كاملة من البيانات البيضاء حول البث. أشارت الفقرة التى 
ستوصف فيما بعد بفقرة دحصان طروادة» إلى حصيلة العام 1400: في 
مجال التلفزيون الممتد لابد من إتاحة المجال للمنافسة: إذ إن الحاجات 
الحالية إلى موارد مالية للأغراض ذات الأهمية القومية الكبرى تستلزم ذلك. 

ومن داخل هيئة الإذاعة ظهر رجل سيلعب دورا كبيرا في كسر احتكارها هو 
نورمان كولينز  ١1407(‏ 1947) الذي عمل لبعض الوقت رئيسا لبرنامج النور, ثم 
رئيسا لتلفزيون هيئة الإذاعة. وفي يوليو ١507‏ انشأ كولينز جمعية تلفزيونية 
شعبية حازت تأييد مجلة «الاقتصادي». التي طرح محررها السؤال البسيط 
على غير حقيقته. والذي غالبا ما كان يطرح في الولايات المتحدة وأوروبا 
باستثناء بريطانيا وهو: هل يجب التعامل مع البث بشكل مختلف عن الوسائط 
الأخرى بما في ذلك الصحافة5 لقد عملت هذه الجمعية بشكل مختلف عن 
جماعات الضغطء وشنت حملتها ضد احتكار هيئة الإذاعة بلفة شعبية. وقد 
هاجم أحد أعضائها هيئة الإذاعة لأنها «شرعت دون خجل في جعل الناس 
يفكرونء ولا تلبث بعد ذلك أن تخبرهم بأي شيء يجب أن يؤمنوا». 




















التاريخ الاجتماعي للوسائط 


وقد فشل أصحاب هذه الحملة في أن يضيفوا أن الأمريكيين ما كانوا 
ليسمحوا بذلك أبدا؛ ولكن قناة التلفزيون البريطانية التنافسية الجديدة لم 
تصمم على الطراز الأمريكي. كانت أمريكا بالتسبة إلى الكثيرين المعادين لكل 
الضغوط الأنغلو - ساكسونية على اللغة والثقافة, ومنهم المراقبون الفرنسيون. 
تمثل تهديدا وليس مثالا كما كانت في سنوات الإذاعة المبكرة. وقد شاركهم 
النقاد البريطانيون الإحساس بالتهديد. وعندما حررت الشركات التجارية 
البريطانية الإقليمية التي وصفت بأنها شركات «مستقلة» (بعضها له 
اهتمامات صحافية). وضعت في فلك هيئة التلفزيون المستقل التي أنشئت 
بمقتضى قانون البرلمان العام غ1501١:‏ وكلمة هيئة [سلطة] في هذه التسمية لها 
مدلولهاء فهذه الهيئة الجديدة هي التي ستسيطر على الإعلان الذي ستعتمد 
عليه عوائد الشركات. وسوف تقصره على إعلانات قصيرة تتخلل البرامج. 
وهو ما لن يحظى بدعم شركات قطاع الأعمال. وبذلك أصبحت «الفواصل 
الإعلانية التجارية» سمة مميزة لخبرة المشاهدة البريطانية. 

كانت المنافسة في التلفزيون البريطاني من الناحية المالية في مصلحة 
منتجي ومؤدي التلفزيون ومجموعة من المنظمات الخارجية. خاصة في مجال 
الرياضة؛ في حين جعلت المنافسة حادة داخل هيئة الإذاعة ذاتها بين المهنيين 
العاملين في التلفزيون؛ وكثير منهم شباب. والعاملين في الإذاعة. ويرى أنتوني 
غايء عضو فريق الهيئة التلفزيوني؛ الرائد الذي أنتج برنامج «الليلة» الشهير 
المفتوح الذي بدأ العام 1441 أن «هيئة الإذاعة تحسنت بفضل المنافسة 
داخلها... أكثر مما تحسنت عن طريق المنافسة مع هيئة التلفزيون المستقلة». 

إن وصول التلفزيون المستقل أدى بالتأكيد إلى تجديد الطريقة البريطانية 
في تقديم الأخبار. وحتى ذلك الحين. كانت الولايات المتحدة تتفوق عليها في 
تقديم الأخبار. حيث كان ولتر كرونكيت يقدم؛ منذ وقت طويل؛ عملا ناجحا 
ذا تأثير. بل وسلطة أيضا. كان كرونكيت مهنيا أصيلاء وفي بريطانياء كما ضفي 
الولايات المتحدة؛ كان الإحساس بالنزعة المهنية في كلا فرعي البث يقوى 
بشكل متتام إبان الستينيات والسبعينيات. 

كان من الممكن لهيئة الإذاعة من خلال المهارة المهنية؛. كما من خلال 
السياسة المؤسسية:, أن تحتفظ بميزة تنافسية في الرياضة والكوميديا. 
كانت برامج الشخصية الواحدة أكثر شعبية من المسلسلات الدرامية؛ على 


المعلومات والتعليم والتسلية 


رغم أن بعض هذه المسلسلات استحوذ على اهتمام المشاهدين في الخارج 
والداخل ومن أمثلتها «5383 ع1ز15015» لجون غالزورثي؛ الذي كان يشاهد 
أيضا في موسكوء فضلا عن نيويورك وواشنطن. كان برنامج «هانكوك», 
الذي انتقل من الإذاعة إلى التلفزيون في يوئيو ١96057‏ وظل يقدم حتى العام 
,١‏ يتمركز حول كوميديان عبقري هو توني هانكوك (1574 - 1534) 
وهو مذيع بالفطرة. وكان من برامجه التي لا تنسى برنامج حول «راديو 
الهواة». وهناك مسلسل تلفزيوني ناجح آخر لهيئة الإذاعة؛ هو 00:5 2 
(1417) الذي يدور حول البوليس المتجول بأسلوبه الجديد. ويقدم أسلوبا 
مضادا تماما لمسلسل «معع6 عاء1<0 01 ممعءلط».: الذي كان يدور حول 
الشرطي القديم القابع في مكان عمله. 

بمثل هذه البرامج: التي تعكس التغفيرء كانت هيئة الإذاعة؛ بمديرها العام 
الجديد اليقظء وإن كان محل خلافء السير هوف غرين )87-1١51٠١(‏ الذي 
تولى هذا المنصب في العام ,157١‏ تستجيب للظروف الاجتماعية الجديدة 
والتغيرات المؤسسية في الستينيات بشكل أكثر خيالية من الشركات التجارية. 
ومع ذلك. فإن كل.الأعمال التي نجحت لم يكن مخططا لها أن تحقق هذه 
النتيجة. ومن أمثلة ذلك برنامج 2.7850 (1977) الذي اجتاز تفيرات كثيرة 
لا تقل عن تلك التي طرأت على الشخصيات التي يقدمهاء بدأ كبرنامج أطفال 
ولكنه أصبح محل إعجاب كبيرء وهو نفسه ما حدث مع برنامج ماع" 4ا3» 
في الولايات المتحدة الذي انتقل من التلفزيون إلى السينماء بل استمر بعد 
اختفاء مجموعة العمل الأصلية. 

ذهبت هيئة الإذاعة إلى أبعد من الولايات المتحدة عندما أدخلت النقد 
والمسخرية. كان تعامل برنامج 103 ,1135 نهط! عاعء للا ع16' عذللا افطل 
(؟157) مع كل المؤسسات والمسؤولين دون تبجيل؛ بما في ذلك رئيس الوزراء 
نفسه هارولد ماكميلان. وقد حقق هذا البرنامج نجاحا فوريا مثل البرنامج 
الأسبوعي الجديد «عين خاصة» .)١1511١(‏ وفي المسلسلات الدرامية؛ التي 
كان يشيع فيها التركيز الاجتماعي أكثر من الهجائي. اشترى التلفزيون 
المستقل خدمات المنتج الكندي المبدع سيدني نيومان )1551/-1١91١1/(‏ لإدارة 
البرنامج الناجح «مسرح الكرسي».: ولكن استقطبته هيئة الإذاعة العام ١51١‏ 
حيث قدم مساسلا مشابهاء ومثيرا للجدل أيضا مثل مسلسله السابقء هو 





التاريخ الاجتماعي للوسائط 


«لعبة الأربعاء». لقد ازدهرت الدراماء ولكن كان هناك نقاد مثابرون على 
أسس أخلاقية (أكثرهم مثابرة ماري ويتهاوس) أسسوا جمعية قومية 
للمشاهدين والمستمعين. 

ورغم الأدلة الوفيرة على الإبداع الملمزوج بالجدل؛ عبرت لجنة 
«بيلكنفتون»؛ التي كونها غرين كجماعة ضغط. عن انزعاجها في تقريرها 
الذي نشرته العام 191557 من أن التردي في هيئة الإذاعة سيؤدي حتما إلى 
ترد في المعايير. وعودة إلى جدل قديم كان مألوفا في المناقشات البرلمانية 
حول إنهاء الاحتكار. قال التقرير إن الشركات تحقق أرباحا كبيرة من 
استخدام تسهيلات تمثل جزءا من الملكية العامة وليس الخاصة. 

كان من الواضح في أوائل الستينيات أن هيئة الإذاعة ذاتها لم تكن قد 
قبلت يعد قرار البرلمان للعام ؛ه 14 : وفي شهادتها المطولة أمام لجنة 
«بيلكنفتون»» التي كانت سبعة أضعاف طول كتاب تولستوي «الحرب والسلام». 
التي تضمنت أيضا فيلما بعنوان «هذه هي هيتة الإذاعة البريطانية». التزمت 
الهيئة بما اعتبره غرين الأرضية الأخلاقية العالية: التي تختلف إلى حد بعيد 
عن الأرضية الأخلاقية التي عبرت عنها السيدة ويتهاوس «المدافعة عن 
الحشمة». كان الاستقلال هو كل شيء؛ وكان على الهيئة» بصرف النظر عما 
ستقوله لجنة «بيلكنغتون», أن تطور إستراتيجية قابلة للتعديل للدفاع عن بث 
الخدمة العامة ونظام الترخيص الذي تعمل به. أيا ما كانت الحكومة الموجودة 
في السلطة. أما هارولد ويلسونء خليفة ماكميلان عن حزب العمال. فقد قبل 
التلفزيون المستقل بحماسة؛ في حين عبر توني بن الذي كان على يسار حزبه. 
في عبارة لا تنسى عن رأيه في أن البث لا يمكن تركه لمحطات البث. في 
أوائل السبعينيات, عندما فتح راديو هيئة الإذاعة المحلي؛ الذي يمثل جزءا من 
إعادة التنظيم الهيكلية التي جرت في أثناء الستينيات: للمنافسة كما هو 
حادث في الدول الأوروبية الأخرىء كانت الطبيعة الموحدة لنظام البث 
البريطانيء بما في ذلك التلفزيون والإذاعة وليس الاختلافات بين الهيئة 
والتلفزيون المستقل (الدي أ أعيدت تسميته بعد تطوير الإذاعة التجارية المحلية 
إلى 84): هي التي بدأت تبرز إلى السطح. على الأقل بالنسبة إلى بعض 
المعلقين واسعي المعرفة, وبالنسبة إلى المدير العام لهيئة «184».: السير بريان 
يونغ الذي كان في السابق مديرا لمدرسة عامة. إن مجلس الحكام؛ بل 





المعلومات والتعليم والتسلية 


ورئيسهم أيضاء أصبح من الممكن الآن نقلهم من مؤسسة إلى أخرى. وأصبح 
من الممكن كذلك للعاملين المهنيين التتقل بين هذه المؤسسات بحرية؛ حتى 
البرامج أصبح من الممكن أن تبداً على قناة وتنتقل إلى قناة أخرى. كان 
الاختلاف الرئيسي الوحيد هو الاختلاف المستمر في التمويل؛ فهيئة الإذاعة 
لم تكن تأخذ إعلانات: كما كانت الشركات الأخرى تفعل. فقد كانت الهيئة 
تعتمد على رسوم الترخيصء في حين كانت الشركات يدفعها الربح. 

إن كلا الجانبين هيآ أنفسهما مع الظروف المتغيرةء ومنها وصول التلفزيون 
الملون المنتظم في العام 47 ؛ وهو الوصول الذي جاء متأخرا جدا عن 
الولايات المتحدة, وإدخال ترخيص منفصل وأغلى للتلفزيون الملون العام 
,؛ وقد وفر ذلك تمويلا لهيئة الإذاعة لبعض الوقت. أما نظم البث العام 
الأخرى في دول مختلفة مثل كندا والبرتفال فقد واجهت تقليصات حادة. 
وعلى نحو متزايد أصبحت نظم البث «مختلطة»» تتعايش فيها الخدمة العامة 
جنبا إلى جتب مع الشركات التجارية: ولكن ليس داخل الإطار المؤسسي نفسه 
كما في بريطانيا. وفي الولايات المتحدة أيضاء كانت هناك محاولات لإعادة 
صياغة قانون الاتصالات للعام 1554.؛ لكنها جميعا باءت بالفشل. 

إن الاختلافات بين بريطانيا والولايات المتحدة, التي ظلت الشبكات فيها 
قوية للغاية: كانت اختلافات ضخمة. وكذلك أيضا كان مداها. بعد أن اتضح 
أن سوق التلفزيون المحلي لديهم وصل إلى نقطة التتشبع في منتصف 
الخمسينيات, بدأ أصحاب المصالح الأقوياء في التلفزيون الأمريكي ينظرون 
إلى الخارج. في فبراير 6 كان 6" مليون جهاز مستخدمة في الولايات 
المتحدةء في مقابل 8,؛ مليون جهاز فقط في كل أوروياء منها 4,0 مليون في 
بريطانيا وحدها. وكان هناك انفجار على وشك الحدوث؛ قفي منتصف 
الستينيات كانت هناك محطات تلفزيونية في أكثر من تسعين دولة. وبلغ 
الجمهور العالمي الكبير. وفي ذلك الوقتء ما يزيد على 76١‏ مليونا. 

في منتصف الخمسينيات كان لشركة «085» فروع بالفعل في هافانا 
ومدينة المكسيك وبورتوريكو وعشرين مدينة كنديةء وخارج أوروبا كان 
الأسلوب الأمريكي للتلفزيون التجاريء الذي كان يركز على تقديم التسلية 
التي يعتقد أن المشاهدين يريدونها وعلى تجنب كل قضايا الإساءة السياسية؛ 
هو الذي انتشر بسلاسة. وجاء في تقدير ويلسون ديزارد. ذلك الكاتب 





التاريخ الاجتماعي للوسائط 


المثقف. في كتابه الخلو من الرطانة والدعاية «التلفزيون رؤية عالمية» ,)١933(‏ 
الذي أهداه لموروء والذي كتب بعد انتهاء المرحلة الأولى من انفجار التلفزيون: 
أنه «بحلول أوائل السبعينيات سيتضاعف الجمهور الكبير. وأن تأثير التلفزيون 
سوف يمتد من منسك إلى مانيلا ومن لندن إلى ليما وإلى مدينة كادونا 
النيجيرية الداخلية؛ التي يجلس ذيها سائقو الجمال الملتحون ورجال القبائل 
المحليون؛ حتى من الآن» في انسجام الممسحور أمام جهاز التلفزيون بصالة 
عامة يشاهدون «2)8028022. 

لاحظ ديزارد وجود اختلافات في أساليب البرامج والهياكل المؤسسية فضي 
صناعة عالمية تتولى الولايات المتحدة القيادة في تصدير برامجها. ضفي 
أمريكا اللاتينية مثلا «1016207612», وهي شكل من الدراما المحلية رخيص 
الصنع. أصبحت شعبية فور تقديمهاء إذ كانت تعرض حكايات فردية من 
نصف ساعة إلى ساعة: في كل الأيام ماعدا الآحاد والعطلات العامة؛ وكانت 
تصنع فقط في اليوم السابق على العرضء وأحيانا كانت تقدم نهايات بديلة, 
وتطلب من المشاهدين أن يعبروا عن آرائهم. وضي اليابان شق الساموراي 
طريقهم عبر القرون إلى الشاشة الصغيرة:؛ بل إلى دول أخرى أيضاء وهو ما 
حدث دفسه مع «وحوش من القاع». 

في اليابان أدخلت هيئة البث اليابانية التلفزيون العام 1507: وتبعها ضي 
وقت متأخر من العام نفسه إنشاء أول محطة تجارية؛ وسادت البهجة شوارع 
طوكيو عندما التف آلاف الناس حول التلفزيونات لمشاهدة بث مباشر لإحدى 
مباريات المصارعة. وبعد ذلك بخمسة أعوام؛ وفر زضاف ملكي ياباني دافعا 
كبيرا إلى المشاهدة, تماما مثل ذلك الدافع الذي قدمه زفاف ملكي بريطاني 
من قبلء إذ بيع مليون جهاز تلفزيون. وفي هذا العام. 1504: قيل إن اليابان 
وقعت في شرك استحواذ التلفزيون على الناس مثل الولايات المتحدة. وقد 
عملت دورة الألعاب الأولمبية التي أقيمت العام 1574 في طوكيو كمصدر 
جذب قومي ودولي للتلفزيون الملون وكذلك التلفزيون الأبيض والأسود . إن 
هيئة البث اليابانية. التي أنفقت على البحث أكثر من أي منظمة بث أخرى, 
كشفت أنه في العام 151١‏ كان الياباني البالغ يقضي ثلاث ساعات وإحدى 
عشرة دفيقة في المتوسط يوميا في مشاهدة التلفزيون؛ وكان الأطفال يقتضون 
أكثر من ذلك. 





المعلومات والتعليم والتسلية 


وفي فرنسا وألمانيا تبع تطور التلفزيون خطوطا كان من الممكن التنبؤٌ بها 
بناء على تاريخ البث الإذاعي في فترة ما بعد الحرب في كلتا الدولتين؛ بل 
وفي حالة فرنسا بخاصة كان من الضروري وضع فترة أبعد تعودء على 
الأقل» إلى الحروب الثورية والنابليونية بل حتى قبل ذلك إلى كولبرت؛ في 
الحسبان. في العام ١447‏ أيدت كل الأحزاب السياسة الفرنسية تشريعا 
يؤمم الإذاعة والتلفزيون الفرنسيينء ولكن بعد ذلك بسبعة 3 أعوام, بعد أن 
اتبع التلفزيون سياسة الراديو. كان هناك فقط ١‏ ألف جهاز تلفزيون فضي 
المنازل الفرنسية. وقد تطلب الأمر خطة تلفزيونية قومية خمسية في العام 
4 لإنشاء مغ محطة إرسالء ولكن ‏ فقط ‏ بعد أن اتضح بجلاء أن 
الجمهور الفرنسي استقطبته منظمات بث من دول مجاورة مثل لوكسمبرغ 
وموناكو. بدأ المد في التحول. 

وبعد أن أصبح ديغولء الذي كان يقدر الدور السياسي للتلفزيون» رتيسا 
للدولة في العام 19104 بذلت أول الجهود لتعديل التظام: وفي العام ١574‏ 
أنشئت منظمة جديدة مستقلة هي مكتب البث التلفزيوني الفرنسي. كان في 
فرنسا وقتذاك خمسة ملايين مشاهد. مقارنة بحوالي عشرة ة ملايين في 
ألمانيا الغربية وحوالي ستة ملايين في إيطاليا. وتنفيذا لأوامر الحلفاء. ترك 
التلفزيون: شأنه شأن الإذاعة: للحكومات المحلية. وقد بدأت أول محطة 
تلفزيونية عملها في ديسمبر 7؟1590. 

إن استقلالية مكتب البث التلفزيوني الفرنسي كانت محل شك أكثر من 
الخدمات الألمانية والإيطالية» ولن يحدث تغير أبعد في فرنسا حتى 
استقالة ديغول في العام 1479, بعد اضطرابات باريس في العام 1974 
والتغير الكبير لم يحدث حتى بعد وفاة خليفة ديفول جورج بومبيدو. ثم 
جاء الرئيس جيسكارد ديلاستتغ ليلغي مكتب البث العام 1574: ووفق 
برنامج جديد بعيد المدى؛ أنشئت سبع منظمات مستقلة: واحدة لإدارة 
الإذاعة: واثنتان لإدارة قنوات التلفزيونء وواحدة لإدارة التلفزيون الإقليمي. 
وواحدة لتعمل شركة إنتاج مستقلة تزود المنظمات الأخرىء وواحدة للتعامل 
مع الجائب التكنولوجي في المجال. وواحدة لليحوث والسجلات. ومن أجل 
رئاسة هذا الهيكل؛ المفصل الذي مازال احتكارياء أنشيّ المجلس السمعي 
البصري الأعلى. 





التاريخ الاجتماعي للوسائط 


لم تكن تلك سوى واحدة من عمليات إعادة التنظيم الكثيرة في هياكل 
التلفزيون. كان أكثرها درامية في إيطاليا. ففي العام 15174: فتحت قرارات 
المحكمة الدستورية الإيطالية, التي أكدت الحاجة إلى بث خدمة عامة تقوم 
على الموضوعية والنزاهة؛ فتحت الطريق تلبث الخاصء كما فتحت الطريق. 
بعد قانون البث للعام 0 لانفجار غير عادي في الشركات الخاصة التي 
لم يبق الكثير منها طويلا. وفي العام 1518: كان هناك ما لا يقل عن 501 
محطات تلفزيونية محلية ؤ717170 محطة إذاعية. حتى أصبح عدد المحطات 
إلى عدد المواطنين يفوق نظيره الأمريكي. وبعد ذلك بعشرة أعوام اتخذ 
المقابل الإسباني للمحكمة الإيطالية قرارا مشابهاء واضعا في الاعتبار أن 
صمت الدستور حيال مسألة البث لا يبيح صراحة حظر أي هيكل تنظيمي. 
وقد جاء في قرارها (المجكمة الدستورية الإسبانية) أن المبدأ الدستوري 
الخاص بحرية التعبير يمكن أخذه على أنه يتضمن مبدأ حرية البث؛ وهو 
حكم لم يجر إقراره في الولايات المتحدة؛ التي عمل فيها التلغراف والتلفون 
والإذاعة والتلفزيون تحت مبادئ قانونية غير مبدأ النشر. 

إن السيناريو الإيطالي؛ الذي استمر في التطور. لم يجر نسخه في 
إسبانيا. في العام 198١‏ بدأ سيلفيو بيرلسكوني قناة شبه قومية؛ هي القناة 
الخامسة. واستمر في شراء قنوات إيطالية أخرى العامين ”198 و1544., 
وبذلك أصبحت مؤسسته التجارية تسيطر على ثلاث قنوات في مقابل منظمة 
البث الإيطالية: وهو موقف احتكار مزدوج أجيز قانونا في العام ١1595؛‏ وقد 
بقيت منظمة البث الإيطالية حتى بعد سقوط الحزيين السياسيين الإيطاليين 
الرئيسيين الديموقراطي المسيحي والاشتراكي واختيار بيرلسكوني رئيسا 
للوزراء في العام ١١٠5؟.‏ 

وفي بريطانياء كلفت حكومة حزب العمال في العام 1974 لجنة برئاسة 
نويل عنان (1917 - )٠٠٠١‏ بإعداد تقرير حول مستقبل البث. وفي تقريرها: 
الذي ظهر في العام 1477: رفضت اللجنة الخطط التي قدمها حزب العمال؛ 
بما في ذلك تشكيل مجلس ولجنة قومية للبث وتقسيم هيئة الإذاعة. وفي 
العام :١19/٠١‏ قررت حكومة المحافظين الأولى برئاسة مارغريت تاتشرء واضعة 
في الاعتبار توصيات هذه اللجنة ومعدلة إياهاء إدخال قناة جديدة, هي القناة 
الرابعة خارج سيطرة 184, لكنها تعتمد في جزء من عوائدها على الإعلان, 





المعلومات والتعليم والتسلية 


وخولت لها إمكان أن يكلفها منتجون مستقلون بإعداد برامج. أولئك المنتجون 
اين ازداد عددهم وسيزداد أكثر يعيدا عن تأثير هذه القناة. وسرعان ما 
ثبتت القناة الرابعة أنها مؤسسة عائية الابتكار تعتمد على برامج من الخارج 
والداخل وكذئك كانت بعض الشركات المستقلة البريطانية الجديدة 
المتخصصة مبدعة إلى حد كبيرء وشكلت مع الزمن قطاعا جديدا مع 
أصحاب المصالح في الداخل والخارج. 

أنتج عنان كثيرا من تنوع الأصوات وانعدام الإجماع الأخلاقي أوائل 
السبعينيات في بريطانيا . وفي فرنساء التي كان بها يسار ويمين قويان: زعم 
«بومبيدو» العام 157١‏ أن «كون الصحافي يعمل في مكتب البث التلفزيوني 
الفرنسي» يختلف عن العمل في أي مكان آخر, فالمكتب كان صوت فرنسا. أما 
مكتب البث التلفزيوني الجديد لجيسكارد ديلاستنغ فلم يرق إلى الآمال التي 
علقت عليه: إذ ظل البث بإحكام في يد الحكومة؛ ومن ذلك أنه بعد انتخاب 
الرئيس الاشتراكي فرانسوا ميتران العام19/1, ٠‏ فصل كل المديرين الكبار في 
التلفزيون الفرنسني واستبدل بهم آخرون اشتراكيون. 

وفي تقرير للجنة جديدة؛ عينت لبدء برنامج إصلاحي في فرنساء أوصت 
اللجنة بإنشاء هيئة عليا جديدة للوسائط السمعية البصرية القديمة 
والجديدة. وإحداث تفغييرات في توزيع الاعتمادات المالية بين قفطاعات 
البرامج المختلفة. وفي القانون التالي. الذي كان يقوم على تقرير هذه اللجنة: 
جرى التخلي عن لغة الاحتكار, لكنه تضمن تأكيدا كبيرا على الخدمة العامة. 
أكد القانون في مواضع كثيرة أن السلطة العامة فقط هي التي يحق لها اتخاذ 
القرارات حول برامج الإذاعة والتلفزيون التي «تقدم للشعب الفرنسي»؛ وقد 
برزت مثل هذه الجمل في قوانين إصلاح البث في الدول الأخرى. لم تكن 
هناك بنود تتعامل مع التمويل. وكانت هناك أوجه غموض كثيرة في أجزاء 
القانون المتعلقة بالهياكل. 

ومع انتشار التلفزيونء الذي لم يترك إلا دولا قليلة لم يدخلها مثل تنزانيا 
وغويانا (كان ذلك باختيار هاتين الدولتين) كان في بعض الدول لا يسمح إلا 
بسماع صوت واحد ورؤية وجوه قليلة على الشاشة من أصحاب الامتيازات. 
ومن ذلك أن قواعد التلفزيون الحكومي فضي تايلاند نصت العام ١516‏ على أن 
الأهداف الأولى للبث تتمثل في: (أ) دعم السياسة والمصالح القومية: (ب) 


التاريخ الاجتماعي للوسائط 


تعزيز ولاء المواطنين للدولة والدين والملك؛ (ج) دعم الوحدة والتعاون المتبادل 
بين الجيش والمواطنين؛ (د) دعوة المواطنين للرد ومواجهة الأعداءء بما فيهم 
تلك المذاهب التي تمثل خطرا على أمن الأمة. 
تعليقات وبحوث 

كانت التعليقات المعاصرة حول التلفزيون, ضي الدول التي اعتمد شكله فيها 
على الجدلء تشدد على مضامينه العالمية وليس فقط القومية. كما فعل 
مارشال ماكلوهان عندما قدم مفهوم «القرية الكونية» في العام ,151٠‏ إن كتب 
ماكلوهان الواسعة الانتشارء التي توالت بدءا من «مجرة غتنبرغ» (1577), 
وجهت الانتباه إلى الخصائص الجوهرية لوسائط محددة. منها الطباعة 
والإذاعة والتلفزيون. وقد أسهب في كل كتبه حول مدى الوسائط (الحارة 
والباردة» وهو تمييز من صنعه هو) وليس على الرسائل ومحتواهاء ولم يعر أي 
اهتمام للاختلافات القومية أو الاختلاقات الاجتماعية داخل الدول التي 
أثرت بشكل مباشرء إلى جانب المؤسسات التعليمية؛ في أنماط السيطرة 
ونطاق المحتوى وأساليب العرض. ولكنه عندما عمم حول القرية أو الكرة 
الأرضية. كان متأثرا بالتقاليد والخبرات القومية المتفردة لكندا. 

إن ماكلوهان الذي تتردد كلماته وتشبيهاته كان معلقا أكثر منه محللاء وقد 
أثار التلفزيون تعليقات ودفع مجادلات (وأفلام كرتون) أكثر من أي وسيط 
آخر في التاريخ؛ وهو ما بدأ في بريطانيا بتعليق صحيفة م«عوسنل3 برلندط» 
العام ٠56١:«إذا‏ سمحت تجهاز التلفزيون أن يدخل من باب بيتك فستختلف 
حياتك بالتأكيد عما كانت من قبل». إن حكم الأمريكي إيرني كوفاكس أن 
التلفزيون وسيط «لأنه متاح بوفرة كما أنه منجز ببراعة» حكم جدير بالذكر. 
وكذلك أيضا كانت رسوم الكرتون في صحيفة «نيويورك» التي بدأت. شأنها 
شأن رسوم الكرتون في صحيفة «اءصداط», بوسيط التلفزيون باعتباره جهازا 
وليس باعتباره رسالة وانتهت يخبرة التلفزيون. 

لم يكن هناك إجماع كبير حول معنى التلفزيون: إذ نظر إليه البعض 
باعتباره «العين العالمية». في حين أطلق عليه المخطط فرانك ليود رايت 
«مضيغة إلبان] العينين». وقد كان النقد على أشده في الولايات المتحدةء التي 
كان تركيز تلفزيون الشبكة فيهاء كما في إذاعة الشبكة: منصبا على التسلية 





المعلومات والتعليم والتسلية 


المقولبة وهو ما أدى بنيوتن مينوء رئيس الوكالة الفيدرالية المتميز للاتصالات» 
العام ١57١‏ إلى الحديث عن تلفزيون الشبكة باعتباره «جدبا شاسغا». وضي 
لندن أطلق ميلتون شولمان الناقد الصحافي التشيط لبرامج معينة على 
التلفزيون البريطاني «أقل التلفزيونات سوءا في العالم». ولكنه لاحظ أيضاء 
مثل ليود رايت» كيف «أصبحت مشاهدة الصندوق بالنسبة إلى معظم الناس 
عادة أكثر منها فعلا تمييزيا شعوريا». وضي رأي شونان كان التلفزيون «العين 
النهمة». في حين كان في رأي آخرين «العين الشريرة» التي تدمر ليس فقط 
الأفراد الذين يحملقون فيهاء ولكن أيضا البنية الاجتماعية برمتها . 

وعلى رغم أن كثيرا من هذه الانتقادات أصبحت الآن قديمة: فإن بعضها 
مازال يدوي بالأهمية والحداثة أنفسهما. ومجلة دليل التلفزيون الأمريكية 
على رغم أنها كانت مجلة رائجة ومن أكثر المجلات شعبية في الستينيات؛ 
فإنها مصدر غير قيم. ظل التلفزيونء بالنسبة إلى نقاد كثيرين؛ فاعلا 
اختزاليا يتفه الأخبار وكذلك مقومات البرمجة الأخرىء وبالنسبة إلى نقاد 
آخرين كان التلفزيون قوة سلبية شوهتء ليس فقط الأخبار. ولكن أيضا 
القضايا التي خلفها. كان الرجوع إلى ماكلوهان في الثمانينيات أقل مما كان 
عليه الجيل السابق. وقد أكد نيل بوستمان العام 1947 أننا الآن «منغمسون 
في الإمتاع والتسلية حتى الذقون». 

ولو كان ذلك هو كل ما أثير حول التلفزيون لما ثار الجدل في معظم الدول 
حول الآداب واللغة والجنس والعنف والذوق أو معايير وقواعد التعامل مع هذه 
الأشياءء ولما جرى اللجوء كثيرا إلى القانون. وخاصة في الولايات المتحدة. 
التي كان البث يعامل فيها من البداية, كما المحنا من قبل؛ بشكل مختلف تماما 
عن الطباعة. وكذلك عندما وصل تلفزيون الكابل جرى التعامل معه بشكل 
مختلف عن تلفزيون الشبكة؛ ليس فقط في المحاكم ولكن أيضا من جانب 
الوكالة الفيدرالية للاتصالات. وكثيرا ما كان يجري اللجوء إلى القانون 
والمحاكم هناك. وقد تمركز معظم الجدل داخل المحاكم وخارجها حول دور 
الأسرة؛ وهي المؤسسة التي كانت في تغير مستمرء والتي كان من الصعب 
التوصل إلى إجماع أو حتى تعميم حولهاء مثلها في ذلك مثل التلفزيون. وكان 
من السهل القول إن من الضروري حماية الأطفال من التلفزيون الذي اقتحم 
البيوت؛ ولكن الأفكار حول طريقة حمايتهم قد تؤدي إلى انقسام الأسر. 





التاريخ الاجتماعي للوسائط 


كانت القضايا القانونية معقدة, وازداد تعقدها بدخول الكابل وأخيرا 
الإنترنت. كانت هيلد هيميلويت هي التي استهلت الجدل حول تأثير التلفزيون 
على الأطفال في كتابها «التلفزيون والطفل» الذي نشر العام ١504‏ بدعم من 
مؤسسة «توفيلد». وقد تناول الكتاب أيضا تأثير التلفزيون في السلوك 
الاجتماعي والسياسي للمراهقين والبالغين: ومنها الاحتجاجات العنيفة. وقد 
كان للولايات المتحدة إسهام كبير في كلتا هاتين النقطتين الجدليتين. ولم يكن 
هناك اتفاق حول أي منهماء على رغم الطلب العام من أجل عمل شيء ما 
حيالهماء وعلى رغم العدد الكبير من البحوث الإميريقية حولهما. وعموما 
حظيت حماية الأطفال باهتمام أكثر من تعليمهم: وكان من الاقتراحات التي 
طرحت ونفذت تصنيف المحتوى وتصنيف النظمء ومنها أيضا استحداث 
فترات البث التي لا يمكن فيها بث أنواع معينة من البرامج. وأخيرا ابتكرت 
أدوات فلترة تقنية. 

وقد طرحت قضايا مماثلة حول السينما. منذ وقت مبكر ‏ تحديدا العام 
64 اشتكت مجلة «التريية». وهو اسم لا يخلو من دلالة» التي لم تعد 
موجودة الآن: من «ميل الأطفال إلى تقليد الأعمال الجريئة التي يرونها على 
الشاشة»». ولم يقتصر التقليد على الأطفالء بل امتد كذلك إلى المراهقين 
والبالفين. وفي العام :١1514‏ أصبح قانون مبادئ إنتاج المواد نافن المفعول؛ وضي 
العام ١*١‏ طبقت مبادئ جمعية السينما الأمريكية الجديدة. وداخل المنزل 
ظهرت حتما استجابات مختلفة: كان آخرها تكنولوجياء وهو اختراع شريحة 
العنف. وهي أداة إلكترونية صممت في كنداء يمكن تركيبها في جهاز 
التلفزيون لتحديد البرامج التي يعتبرها الوالدان مرفوضة. وقد استغل 
السياسيون هذه الأداة لأغراضهم.: فصدق الكونفرس في قانون آداب 
الاتصالات فِي العام ١951‏ على تركيب هذه الشريحة في كل جهاز تلفزيون 
جديد يباع في الولايات المتحدة. وقد حكمت المحكمة العليا في العام 1991 
بعدم دستورية هذا القانون على أساس أنه قد يمثل تقليصا لحرية التعبير. 

وأشهر مثال للاستخدام الأمريكي للتلفزيون بشكل إيجابي لمصلحة 
الأطفال يعود إلى جيل قبل قانون تلفزيون الأطفال للعام 159١‏ إلى ورشة 
تلفزيون الأطفال ‏ التي جاءت هي أيضا بدعم من مؤسسة «نوفيلد» ‏ التي 
أنتجت مسلسل «شارع سمسم». الذي بدأ العام 1547. وهذا البرنامج, 


المعلومات والتعليم والتسلية 


باعتباره منتجا تجاريا مصمما عن قصد ليكون ترفيهيا وتعليميا في الوقت 
نفسه. إذ كان يعلم أطفال ما قبل المدرسة القراءة؛ كان يعتمد على تعاون فريق 
عمل مشابه لفريق الأكاديميين في الجامعة المفتوحة. وفي أثناء مدة عرض 
البرنامج الطويلة قدم في أكثر من ١٠١‏ دولة في أنحاء العالم؛ وعمل كنموذج 
لبرامج مثل «0تروء5 21328» في المكسيك و«5653630» في البرازيل و«شارع 
سمسم» في هولندا و«افتح يا سمسم» في الكويت: وأصبح بالفعل «أكثر 
مسلسل بحث بغزارة في تاريخ التلفزيون». 

وقد أثار هذا المسلسل كثيرا من الجدل والحماسة. وخاصة في الدول 
التي تختلف فيها الاتجاهات نحو الأطفال عن الاتجاهات في الولايات 
المتحدة, والتي لا ترغب في التعامل مع الأطفال كمستهلكين تجاريين. ومن 
المفيد في ذلك أن نعود إلى تبسيطات كتاب الدكتور ماير ميسنغر دافيز 
«التلفزيون مفيد لأطفالك» )١19485(‏ الذي استخدم هو نفسه أدلة مأخوذة من 
بحوث كتلك التي أجراها بوب هودج وديفيد تريب في أستراليا. وقد خلصا 
من دراستهما العميقة ل ٠٠١‏ طفل من الخامسة إلى الثانية عشرة إلى أن 
«بعبع جماعات الضغطء الكرتون؛ أصبح شكلا فنيا صحيا هين على نحو 
مثالي مع قدرات الأطفال المتنامية». 

إن البحوث الإمبيريقية حول استخدام التلفزيون أو حول برامج محددة كانت 
أحياناء وليس غالباء تتجنب التنظير؛ ولكن مع زيادة عدد جامعات القرن العشرين 
وغيرها من مؤسسات التعليم العالي. التي خصص كثير منها أقساما لدراسات 
الوساتط؛ لم يكن من الغريب أن تحظى النظرية بمكان بارزء وألا يرتيط المدى 
الواسع من النظريات المعروضة بشكل وثيق بخبرة أولئك الناس الذين يعملون ضي 
مجال الوسائط. كانت هذه النظريات منفصلة بالفعل عن العاملين في مجال 
الوسائط. فكثير من هذه النظريات اهتم بالتعليم وعلم العلامات والتسلية. وكان 
الأكشر تشويقا منها هي تلك التي اهتمت بالأخبار. وفي بريطانيا استهلت 
«مجموعة دراسات الوسائط بجامعة غلاسفو» في العام 1417 جدلا حادا أحيانا 
حول «تحيز الأخبار» في كتاب أسمته «الأخبار السيئة» (كان من المفترض أن تكون 
له تتمات) الذي بدأ باقتباس من عالم الاجتماع الفرنسي رونالد براذيس يقول: 
«إن التلكؤ في عرض مبادئه [ التلفزيون] علامة من علامات المجتمع البورجوازي 
والثقافة الجماهيرية التي تطورت من هذا المجتمع». 





التاريخ الاجتماعي للوسائط 


في بريطانيا بدأ ريتشارد هوغارت. الذي أسس العام ١9314‏ مركز 
بيرمنغهام للدراسات الثقافية؛ أول مؤسسة أكاديمية في بريطانيا تعالج 
الدراسات الثقافية, وهي مهمة كانت محل جدل في ذلك الوقت, بدأ هذا 
المركز عمله في مجال تعليم الكبار. وعمل في الفترة من 191١‏ إلى ١177‏ 
كعضو في لجنة بيلكنغتون للبث. التي نجح هو في تشكيل آرائها . وقبل ذلك 
في العام 14401 نشر هوغارت كتابه «استخدامات المعرفة بالقراءة والكتابة», 
الذي اعتمد على مجلات المرأة في كثير من المواد التي راجعها. أصبحت 
المعرفة العمومية بالقراءة والكتابة تعامل كشيء مسلم به (على نحو مبتسر). 
وقد أوضح هوغارت حدودها الحالية؛ قبل سنوات من إدخال هيئة الإذاعة 
أول مبادرة لها في مجال تعليم القراءة والكتابة؛ وهي الحملة التي مازال ينظر 
إليها على أنها ضرورية؛ وريما أكثر من ضرورية: في العام 50١١‏ إذ جاءت 
بريطانيا في مرتبة منخفضة في الرابطة الأوروبية لمعرفة القراءة والكتابة. 

وإلى جانب أكاديمي بريطاني آخرء هو رايموند ويليامز بدأ عمله هو أيضا 
في مجال تعليم الكبار؛ أعاد هوغارت في بريطانيا تشكيل المداخل الأكاديمية 
للوسائط (كمجموعة) ولدورها في المجتمع المعاصر. إن كتابات ويليامز 
الغزيرة التي تمثل ماركسية «اليسار الجديد» بنزعتها التحليلية الجلية ومنها 
«الاتصالات» (1577). الذي عدل إلى حد كبير في طبعته الثانية (1537): 
و«الشورة الطويلة» (1511). وهذا الكتاب الأخيرء الذي جاء كتتمة لكتابه 
«الثقافة والمجتمع» .)١1404(‏ شجع على دراسة تغير الوسائط عبر فترة زمنية 
طويلة تبدأ شكليا بالثورة الصناعية. ومدخله؛ الذي استبعد الدين. جرى 
خلال التاريخ الاجتماعي والثقافي أكثر منه من خلال التاريخ الاقتصادي 
والسياسي. على رغم أن ويليامز كماركسي لم يتجاهل أبدا الاقتصاد الذي 
يمثل الأساس. في هذا المدخل برزت الكتب أكثر من الصحف. كما لم ينتقص 
من مكانة الإذاعة والتلفزيون. 

إن مؤلف بورستن حول الوسائطء كتاب «الصورة». كان غالبا ما يُرجع إليه 
إلى جانب ويليامزء على رغم أنه كتب شي إطار أمريكي مختلف تماما. وقد 
وجه هذا الكتاب الانتباه ليس فقط إلى «الأحداث المزيفة» التي تصنع عبر 
الوسائط؛ بل أيضا إلى المشاهير الذين يعرفهم الناس؛ على خلاف الأبطال 
بصورهم وليس بإنجازاتهم. في السابق كان الرجل العام يحتاج إلى سكرتير 





المعلومات والتعليم والتسلية 


خاص ليكون حاجزا بينه وبين الجمهور. أما اليوم فالرجل العام يحتفظ 
بسكرتير صحافي لكي يستمر على النحو الملائم في عين الجمهور. وقد 
أصبحت أساليب الاتصالء بما في ذلك التلفيق؛ أكثر تعقيدا وضعالية. 
وبالنسبة إلى الأحداث. فقّد وصفها الدارسان الإسراتيليان إلياهو كاتز 
ودائيل دايان بأنها «أحداث الوسائط» وعاملاها كمعززات للدمج الاجتماعي. 

لم يعتمد ويليامز ولا بورستن, ولا حتى كاتزء على الإحصائيات؛ في حين 
اعتمد عليها الآخرون بكثافة: ومنهم هيئة اليونسكو التي أنتجت سلسلة من 
التقارير حول الاتصال الجماهيريء كان أولها العام غ10١‏ بعنوان «اتجاهات 
الصحف من ١5798‏ إلى .24١50١‏ وقد أظهرت هذه التقارير أن كندا كانت 
الممول الرئيسي لورق الصحف قبل الحرب وبعدهاء وأنها من بين الدول المائة 
والعشرين التي كانت تستهلك أكثر من 0٠‏ طنا من ورق الصحف العام 150١‏ 
وكانت المملكة المتحدة في العام 1901١‏ (044 ألف طن) تستهلك أقل مما كانت 
تستهلكه العام 4 (مليون و 70١‏ ألف طن). وفي العام تفسه 1558, 
أنتجت منظمة التخطيط السياسي والاقتصادي غير الحزيية أول تقرير 
إمبيريقي حول الصحافة البريطانية. وبعد الحرب عينت ثلاث لجان ملكية 
بريطانية قدمت تقاريرها في الأعوام 19159 و1537 و//151: وقد احتوت هذه 
التقارير مقارنات مفيدة للقراء عبر القرن» منها أنه في العام 157١‏ كان واحد 
من كل اثنين من البالغين يقرأ صحيفة يومية من أي نوع؛ حيث كانت قراءة 
الصحف مازالت تعتبر نوعا من الرفاهية: وفي العام ١94!‏ كان كل عشرة 
بالغين يقرأون ١١‏ صحيفة يومية و١‏ صحيفة آحادية. ارتفعت المبيعات 
الإجمالية من الصحف القومية والإقليمية “5٠‏ أعلى مما كانت عليه قبل 
الحرب على رغم حجمها الأصفر بسبب النقص في ورق الصحف. ويعد ذلك 
بثلاثين عاما انخفض العدد الإجمالي للقراء قليلاء ولكن الصحافة الإقليمية 
كانت في مكانة أقوى من ذي قبل. 

جاء العدد الثاني من مجلة «الدراسات الثقافية»», وهي المنتج الإقليمي 
لمركز بيرمنفهام: التي نشرت العام 197١‏ متضمنة مقالا ساخرا لستيوارت 
هول. الذي سينتقل فيما بعد للعمل كأستاذ في الجامعة المفتوحة؛ حول «العين 
الاجتماعية للجريدة المصورة». وشهد العدد الثالث مقالا آخر طويلا له حول 
«الأحكام التي تصدرها الصور الصحافية». ألقى كلا هذين المقالين الضوء 









































التاريخ الاجتماعي للوسائط 


على تطور الصحف والصحافة المصورة. التي كانت أكثر تطورا ضي ألمانيا قبل 
أن يسيطر النازيون على السلطة منها في أي دولة أخرى. لم يكن دور 
الوسائط في الإخبار أو سوء الإخبار [المعلومات] هو فقط الذي خضع 
للمراجعة أثناء الستينيات والسبعينيات: بل أخضعت التسلية أيضا لتحليل 
أعمق من أي وقت سابق في بريطانيا . وإلى جانب ذلك كان هناك افتتان 
بالثقاغات الفرعية. 

وفي ألمانيا طور كتاب ما يسمى «مدرسة فرانكفورت». التي أسسها تيودور 
أدورنو (15-155) وماكس كورخيمر.ء «نظرية نقدية» للوسائط قبل أن 
يطردوا من البلاد في العام 4 ؟5١‏ ويعيدوا تجميع أنفسهم ثانية في الولايات 
المتحدة. وهذه المدرسة: التي كانت ماركسية في أصولها مثل تحليلات أوروبية 
كثيرة للوسائط. وصفهاء رالف داهرندورف ذات مرة بأنها «أسرة النظرية 
النقدية الآثمة». ومع ذلك فعندما عاد أعضاء المدرسة إلى فرانكفورت يعد 
الحرب العالمية الثانية؛ أودعوا أوراقهم القديمة ضي المخازن وتخلوا عن 
النظرية النقدية. ومع ذلك فقد دعوا الشاب يورغين هابرماس للانضمام 
إليهم: وبالفعل قضى معهم وقتا غير سار قبل أن ينتقل إلى ماربورغ 
وهامبورغ. وقد كانت الفاية من أول عمل كبير له نشر العام 15157., «التحول 
البنائي للحيز العام», تتمثل في المناقشة الواعية والعقلانية للسياسة العامة 
التي نوقشت في الفصول الأولى من الكتاب الذي بين أيدينا. 

كانت تلك هي اللحظة التي انبثقت فيها الدراسات الثقافية في الجامعات 
الفرنسية والهولندية والبريطانية والألمانية: عندما أسهم الاهتمام بالصور 
[الصور الذهنية] (من خلال الصحف والتلفزيون والسينما) والتاريخ الذي 
وراءها في توليد أنواع جديدة من الدراسات؛ وأيضا عندما وظف أساتذة 
الجامعة وشبلهم الطلاب بأعداد كبيرة من قطاعات المجتمع التي كانت 
محرومة اجتماعيا حتى ذلك الوقت؛ وهو ما يعني حدوث نوع من التقارب. 

في الولايات المتحدة؛ كانت بحوث الإذاعة قبل الحرب في معظمها بحوثا 
إحصائية للسوق؛ وكانت النواة لدراسات استطلاع الرأي العام: أما بقية 
البحوث فقد كانت يحوثا غير جديرة بمدارس الصحافة. وفي العام 2,١504‏ 
عبر واحد من أكثر الباحثين شهرة وتأثيراء هو بيرنارد بيرئنسون الذي كانت 
شهرته ثمرة لدراساته لمحتوى الوسائطء في مجلة «الرأي العام الفصلية» عن 


المعلومات والتعليم والتسلية 


رأيه الذي مؤداه أن بحوث الاتصال في طريقها إلى الزوال. كان ذلك حكما 
استفزازيا أدى مباشرة؛ ولو بعد سنوات قليلة» بمجلة الاتصال إلى أن تنشر 
في صيف 1187 عددا خاصا بعنوان «اهتياج في المجال»: أجرى مسحا لكل 
المشهد الأمريكي والعالمي في مجال بحوث الاتصال. وعندتذ ظهر نوع جديد 
من الدارسين (الأمريكيين). 

غير أن أفضل وأوجز الإسهامات كانت تلك التي تعود إلى جيمس كاري 
الذي تساءل: عند الإشارة إلى موضة جديدة للدراسات الثقافية؛ عما إذا كان 
بمقدور الناطقين بلسان هذه الدراسات أن يحتفظوا بالنزعة التفاؤلية المبهجة 
للبراغماتية ونظرات بعض سلفهم في مواجهة القضايا الرئيسية للسلطة 
والهيمنة في الاتصالات والمجتمع. كانت الدراسات الثقافية في رأي كارس 
محاولة للتفكير من خلال نظرية أو مفردات الاتصال التي تمثل في الوقت 
نفسه نظرية أو مفردات الثقافة. ولكن هل تغطى كل الأسئلة ذات الصلة؟ 

لقد طرق الدارسون الفرنسيون الميدان من مسالك مختلفة: ومن بينهم برز 
ثلاثة كانوا يعون أنهم يكتبون من داخل مجتمع إلكتروني: كان سبب بروزهم 
هو التأثير الذي مارسوه على الآخرينء: وهؤلاء الثلاثة هم: جوي ديبورد وجين 
بودريلارد وبيير بورديو. أكد كتاب ديبورد «المجتمع المشهدي» ,)١1570(‏ الذي 
نشر العام 717 بالاستناد إلى قليل من الأدلة الإمبيريقية: أنه في المجتمعات 
التي تسود فيها شروط الإنتاج الحديثة تقدم الحياة نفسها كتراكم ضخم من 
المشاهد؛ فكل شيء يعايش بشكل مباشر يتحول إلى عرض: ولذلك أصبح 
المشهد هو العالم. وهذه الملاحظة يمكن مقابلتها بالملاحظة البسيطة تلكاتب 
التلفزيوني الأمريكي ريتشارد أدلر بأن «الشاشة الصغيرة تحد بشدة من 
فعالية المشهد». 

أما بودريلاردء الذي حكم على عبارة «الوسيط هو الرسالة» لماكلوهان بأنها 
«الصيغة الأساسية لعصر المحاكاة»: فقد تحول إلى التلفزيون باعتياره وسيط 
المحاكاة الإلكترونية؛ مشيرا إلى ذوبان التلفزيون في الحياة وذوبان الحياة في 
التلفزيون. وفي كتابه القصير والمضغوط والراكج «التلفزيون»» الذي نشر العام 
5 في فرنسا والعام 1994 في الولايات المتحدة, ذلك الكتاب الذي جاء من 
تقاليد مختلفة:؛ لم يذكر بورديو مواطنه ديبورد إلا مرة واحدة فقط ولم 
يذكر بودريلارد مطلقاء وذلك لم يكن غريبا بين كتاب الوسائط الذين 


التاريخ الاجتماعي للوسائط 


يفضلون اللعب المتوازي على الاشتباك بعضهم مع بعض. وفي الوقت نفسه 
بدل محررو مجلة «الوسائط والثقافة والمجتمع» البريطانية, التي أنشئت العام 
/الاذ١ا,‏ جهودا جسورة لجعل دراسة الوسائط البريطانية على اتصال مع 
النظرية الأوروبية. 

وفي الوقفت الذي كان فيه أساتذة الجامعة الفرنسيون مازالوا في بدايات 
منافقشة الوسائط فضي الستيئيات باختلافات حادة في الاستشراف. كان طلاب 
الجامعة الذين اشتركوا فى أحداث ١64‏ في باريس يتعلمون. مثل متظاهري 
الحقوق المدنية ضي أمريكاء من خلال الخيرة ةوليس من خلال البحوث. كيف 1: 
يستخدمون التلفزيون ليضمنوا أن تتم مشاهدتهم وسماعهم. وكان من 
الطبيعي أن يهاجم هؤلاء الطلاب بشكل أساسي في أعمدة المراسلات 
بالصحف» التي كانت تحظى باهتمام من دارسي الوسائط أقل من اهتمامهم 
بالأحاديثت الإذاعية والتلفزيونية. وقد تساءل نقادهم: هل كان التلفزيون هو 
الذي أثارهم وجعلهم يتصرفون بطريقة ما كانوا ليتصرفوا بها لو لم تكن 
هناك «الشاشة الصغيرة بعالمها الكبير»؟ وسرعان ماظهر المحتجون على 
هؤلاء المحتجون يحاولون إثارتهمة 
للتلفزيون: بل لكل الوسائط. وصل هذا اللوم ذروته عندما شن النائب الأول 
للرئيس نيكسونء سبيرو أجنيو. هجوما مخططا وشعبيا عليها العام 1514: 
ونيكسون نفسه كان غالبا ما يستخدم عبارة «الصحافة هي العدو». لماذا يجب 
أن تضع الصحافة والتلفزيون الأجندة5 لماذا يجب أن يحددا نغمة النقاش إذا 
كان السياسيون منتخبين والمواطنون يدفعون الضرائب؟ ماذا كان ادعاء 
الصحافيين بممارسة سلطة؟ ظلت هذه التساؤلات وقتا طويلا بعد أن انتقل 
«الطلاب الثائرون» من بؤّرة الاهتمام. وبالطيع كانت هذه التساؤلات مهمة 
عند تحول القرن. 1 

كما أن تأثير التلفزيون في الدين أثار جدلا أمريكيا أكثر قلقا وأطول أمدا 
من تأثير التلفزيون في السياسة؛ وبخاصة سياسة الجمهوريين. كان جيري 
فالويل؛ دنجم «ساعة الإنجيل القديم» الذي قيل إن عدد مشاهديه بلغ ٠ه‏ 
مليونا. كان لبعض الوقت يعبيىّ سلطة الأغلبية الأخلافية. وفى التسعينيات 


المعلومات والتعليم والتسلية 


أصبح من الممكن رؤية الدين المتلفز أو الكنيسة الإلكترونية في غاردين غروف 
بكاليفورنياء المدينة التي بنى فيها الكاهن روبرت سكلر - شخصية أفل إثارة 
على الشاشة من جيمي سواغيرت البليغ والحساسء أو من الفتى الواعد بات 
روبرتسون ‏ كاتدرائية ضخمة بها عشرة آلاف نافذة. كان «سكلر» في ذلك 
الوقت, نتيجة لثناء موردوكء يقدم بثا أسبوعيا لجمهور يبلغ الملايين» امتد 
حتى خارج الولايات المتحدة. وهو ما لا يمكن لكاتدرائية بحال من الأحوال أن 
تسعه. ومازال التلفزيون الديني يتغير. لم يكن الأمريكي بيلى غراهام؛ الأكثر 
عالمية بين المبشرين التلفزيونيينء في حاجة إلى كاتدرائية: إذ كانت تغنيه 
استادات الكرة عن الكاتدرائية ومعطف المطر عن البرد الأكاديمي. 

ويصرف النظر عن الأسلوب؛ كانت هناك أسئلة ملحة حول الصحافيين أيا 
كان وسيطهم أو علاقاتهم بالحكومة والجماعات الدينية. إن حرب فيتتام 
وفضيحة «ووترغيت» التي تبعتها طرحتا أسئلة أساسية حول اعتماد الوسائط 
على المصادر الرسمية, ومدى تأثير الصحافة والتلفزيون في السياسة 
الأمريكية. وهو ما صاحب أيضا فضح الحياة الشخصية للرئيس كلينتون. بدأ 
روبرت مانوف ومايكل سكودسون الكتاب الذي حرراه «قراءة الأخبار» 
(1987). الذي نشر قبل أن تثير الإنترنت قضايا أخرى؛ بدآه بثلاثة أسئلة 
قديمة أثارها هارولد لازويل بشكل مختلف. فعلى كل مراسل صحافي أن 
يجيب عن الأسئلة ما؟ من؟ أين؟ متى5 ولماذا؟ ويمكن أن نضيف كيف؟ في أول 
فقرة من كتابته قدر الإمكان. إن هذه الأسئلة؛ وهي جزء من المبادئ الأساسية 
لدارس الصحافة, تخفي داخل بساصطتها وعاديتها الواضحة إطارا كاملا من 
التفسير. إن المدى الواسع للتفسيرء الذي ليس له علاقة بالتكنولوجياء 
لا يمكن تفسيره إلا من خلال لغة القيم وحديثها وتعبيراتها الإجمالية. 


ديناميات التفييبر 

إن الأسئلة المرتبطة بالتلفزيون. بعضها يمثل القضايا نفسها التي طرحت 
حول الصحافة ليس لها علاقة في الغالب بالتكنولوجيا. ومن المفيد أن نقارن 
بنية وديناميات التلفزيون: كما وصفهما كتاب ويلسون ديزارد «التلفزيون رؤية 
عالمية» (1511) وكما وصفهما كتاب فرانسيس هوين «التلفزيون وتاريخه» 
الذي ظهر العام 60 بشكل متزامن مع مسلسل طموح مدته غ1 ساعة 


التاريخ الاجتماعي للوسائط 


لتلفزيون غرانادا البريطانيء؛ وهو المسلسل الذي كسر الحظر المفروض على 
دراسة التلفزيون لنفسه. استغرق هذا المسلسل في إعداده ثلاث سنوات. 
وتضمن مثات من المقابلات الشخصية في أوروبا وأمريكا وآسيا وأفريقياء 
وأظهر أن التلفزيون وهو يشق طريقه حول المالم إلى كل من الدول 
الديموقراطية والسلطوية: إذ لم يترك سوى دول قليلة: اكتسب أصدقاء جددا 
وصنع عداوات جديدة. كان التعليق في ذلك الوقت متعدد الثقافات. ولذلك. 
فقد وصفت مجلة «الهند اليوم» خدمة التلفزيون الهندية في العام 1587 بأنها 
مصلحة حكومية مهملة ومختلة وبطيئة للغاية. وهي بذلك لا تختلف عن 
مكتب الجوازات المحلي؛ وأن الملل هو الرسالة التي تقدمها هذه الخدمة. وضي 
جزر الفلبين علق كاهن يسوعي بأن الرئيس فرديناند ماركوس كان يعبد 
الوسائط كدوثن» بالطريقة نفسها لإيمان الآخرين بالله. 

إن الياباني. الذي أخذ عنه القول بأن إدمان التلفزيون حؤل الملايين من 
مواطنيه إلى بلهاءء ربما وضع في اعتباره استطلاع الرأي الذي أجري العام 
7 فعندما سئل الأمريكيون واليابانيون عن الشيء الوحيد الذي 
سيأخذونه معهم إلى جزيرة مهجورة (من ذلك النوع الذي رسمه سو لاولي في 
البرنامج الإذاعي البريطاني «أسطوانات الجزيرة المهجورة»). اختار أكثر من 
7 من اليابانيين التلفزيون في مقابل ؛ ‏ من الأمريكيين. في ذلك الوقت 
كان الأطفال في عمر الثانية في اليابان يشاهدون التلفزيون ثلاث ساعات 
وإحدى وثلاثين دفيقة في المتوسط يوميا سواء بمفردهم أو مع أمهاتهم. 

كان كتاب هوين في معظمه مكرسا لبرامج محددة مثل الأوبرا التلفزيونية 
الطويلة مثل «شارع التتويج» بتلفزيون غرانادا (+157): كما كرس أيضا 
لمعالجة أحداث معينة من جانب التلفزيون مثل برامج القصصء ومن أبرزها 
البرامج الوثائقية حول الحرب. منذ السنوات الأولى لتلفزيون ما بعد الحرب 
كانت الحرب الباردة في الخلفية: وكان من الممكن لتأثيرها أن يستحث 
الدعاية ويولد التسلية؛ وهو ما فعلته الحرب العالمية الثانية نفسها. ضي 
بريطانيا عاد برنامج «الجيش والدي» (1918) ثانية ومعه برامج بريطانية 
كثيرة: وهو ما أقلق نقادا ألمانا إلى حد الاستحواذ. وهناك أيضا برنامج 
«العالم في حرب» (1587) لتلفزيون التامز من إنتاج جيرمي إيزاك الذي 
عمل في البداية مديرا للقناة الرابعة وناقدا قويا لمقولة «الأخبار السيكة» 


المعلومات والتعليم والتسلية 


لمجموعة «غلاسكو» للوسائط. كانت الحرب العالمية الأولى موضوعا لمسلسل 
من 7١‏ جزءا أنتج بالتعاون بين هيئة الإذاعة البريطانية والكندية والأسترالية, 
واعتمد على ذكريات أكثر من 00 ألف شخص ممن نجوا من هذه الحرب 
بطريقة كانت مستحيلة في القرون السابقة. 

كانت فيتنام. الحرب الطويلة ذات المراحل المختلفة: أول حرب تبث؛ ولو 
بشكل انتقائي: على الشاشات. على رغم وجود برامج تلفزيونية وثائقية شائقة 
حول حروب سابقة؛ من أنجحها المسلسل التلفزيوني الأمريكي «1آ11.6.5.]1» في 
العام 19177 حول الحرب الكورية؛ الذي حقق نجاحا باهرا وتضمن "0١‏ حلقة 
ولم ينته إلا العام 1947. 

وفي الولايات المتحدة. أسهم التافزيون في نشر معارك الحقوق المدنية, 
وقد عرض اغتيال مارتن لوثر كينغ العام /197 على الشاشة؛ في حين أعلن 
ولتر كرونكيت اغتيال كنيدي بالصوت فقط في المرة الأولى؛ قبل السماح 
بعرض صور تلفزيونية غزيرة لاغتياله بعد ذلك (تبع ذلك مسلسل تلفزيوني 
بريطاني اشترته الولايات المتحدة). كان الإرهاب يمثل موضوعا رئيسيا 
للسينما والتلفزيون في مناسبات كثيرة؛ وهو ما ينطبق كذلك على الفضاء. 
في البداية كان مسؤولو وكالة الفضاء الأمريكية غير راضين عن استخدام 
التلفزيون؛ ولكن لأسباب سياسية وتلفزيونية سرعان ما عدلت الوكالة عن 
رأيها. وعندما دخل جون غلين في المدار في العام 1577 كان العالم كله وليس 
فقط الولايات المتحدة: يشاهده وهو يقفز متحررا من الجاذبية» وبعد ذلك 
بسبع سنوات كانت الصور الأولى لاقمر بمنزلة مقدمة للحدث الذي رحب به 
المشاهدون باعتباره «أعظم عرض في تاريخ التلفزيون», وهو هبوط أبولو ١١‏ 
الذي شاهده ١١0‏ مليون أمريكي و77 مليونا آخرين من مختلف أرجاء 
العالم. كان هذا الحدث حدثا علميا وتكنولوجياء إلى جانب كونه حدثا من 
أحداث الوسائط. 

بيد أن التسلية؛ التي كانت مرتبطة بقوة بالأنباء والرياضة:؛ كان لها 
أحداثهاء العلامات التي عادة ما يجري استرجاعها على التلفزيون وضي 
الأفلام. وهناك برنامج أمريكيء هو «دلاس» (1974) وهو النموذج الأول 
للأوبرا الصابونية» أخضع أيضا للبحث السوسيولوجي في جامعات كثيرة. إن 
هذا المسلسلء الذي تعامل دراميا مع الجنس والشروة والسلطة والأسرة؛ تلك 





التاريخ الاجتماعي للوسائط 


التشكيلة التي لا تقاوم؛ وكشفه أن تكساس من الممكن تقديمها للعالم 
بالطريقة نفسها لقديم «الغرب الضاري» [أفلام الغفرب الأمريكي]. عرض في 
الغالب مع إعادة المونتاج الصوتي في أكثر من تسعين دولة: لها حكومات من 
كل القناعات السياسية. أما البرنامج الكوميدي الأمريكي «ك'«مطالاط 11011137 
كناء 611 يصانزا» (1515): وهو نوع مختلف تماما وله جاذبية أكبر حتى من 
البرنامج الإذاعي «/508 م000», الذي لا يقل عنه إبداعاء فقد استحوذ في 
غضون ذلك على جمهور عالمي. استخدم هذا البرنامج رسوما متحركة للربط 
وكان مليئًا بالسخرية؛ وهو ما كان يجري بوضوح عند تحويل المسلسلات 
التلفزيونية إلى أفلام. وبرنامج «إلى أن يفرقنا الموت» )١1911(‏ البريطاني. ضفي 
جوهره؛ يمثل نوعا ثالثا من البرامج الكوميدية؛ وقد كان مصدر إلهام 
للبرنامجين الأمريكي والألماني: «كل من بالأسرة» و «قلب واحد وروح واحدة». 

ظل التعليم وليس التسلية خط الدضفاع الأول لدى بعض المدافعين 
الأوائل عن التلفزيونء يدفعون به الاتهامات التي تقول إن له تأثيرا مدمرا 
في المجتمع والثقافة: وإنه يأخذ من وقت المشاهدين أكثر من الوقت الذي 
يقضونه في أي نشاط آخر. في منتصف الستينيات كان الأمريكيون 
يقضون "0١‏ مليون ساعة يوميا في مشاهدة التلفزيون؛ عندما أنتج هاري 
سكورنيا كتابه «التلفزيون والمجتمع: بحث وأجندة للتحسين»؛ الذي حظي 
باستقبال جيد وأثنى عليه ماكلومان. 

ولكن هل يجب معاملة التعليم كمهمة منفصلة: أعني أن يعزل في قنوات 
منفصلة أو في منظمات بث منفصلة؟ ظهرت إجابات مختلفة إزاء هذا السؤال. 
في اليابان؛ أدخلت في العام 1407 قناة كاملة تابعة لهيثة البث اليابانية 
خصصت للتلفزيون التعليمي. أما بريطانيا فقد اتخذت مسلكا مختلفاء إذ 
دمجت التعليم في البرنامج العام. إن فكرة تدشين قناة تعليمية منفصلة حظيت 
بدعم شركات التلفزيون المستقلة, في حين عارضتها لجنة «بيلكنتغون». وعلى 
ذلك فقد كانت إحدى شركات التلفزيون المستقلة, وليس هيئة الإذاعة. هي التي 
بدأت خدمة تلفزيونية للمدارس في برنامجها المنتظم. ولكن في العام 1514 
أكد السير تشارلز كارتر الرئيس الجديد لمجلس بث المدارس؛ على خلاف آراء 
كثير من معلمي المدارس, أن التلفزيون «أتاح فرصا» لا تقل في أهميتها عن 
وصول الكتاب المطبوع الرخيص. وفي الولايات المتتحدة؛ أفردت الوكالة 





المعلومات والتعليم والتسلية 


الفيدرالية للاتصالات أكثر من ٠٠١‏ محطة تلفزيونية للبث التعليمي في العام 
:: ولكن كان معظمها يعوزه التمويل الكافيء ولم يكن في مقدوره العمل من 
دون مساعدة مؤسسة فوردء التي تعهدت تلفزيون التعليم القومي لإنتاج 
البرامج. وهناك مؤسسات أخرى قدمت الدعم هي الأخرى. وكذلك بدأت 
مؤسسة فورد خططا رائدة في أمريكا اللاتينية والهند وأفريقيا في التعليم 
الشكلي وغير الشكلي. وكذلك نفذت منظمة «0870» البريطانية خططا 
مماثلة» منها مجلس التلفزيون التعليمي الذي كانت تموله مؤسسة «نوفيلد». 

اختلف الموقف الأمريكي بعد اقتراح قدمته لجنة شكلتها مؤسسة «كارني» 
في العام 1977 بإنشاء هيئة للبث العام؛ وأفردت مؤسسة فورد اعتمادات 
مالية لمعمل البث العام. وما أن أسس نظام البث العام الأمريكي في العام 
17 .: باعتماداته المالية المحدودة للغاية» حتى اهتم بالمعلومات والتعليم: ولكنه 
مع ذلك لم يستبعد التسلية: التي كان بعضها يتألف من دراما مستوردة من 
بريطانيا. فالتسليةء شأنها شأن التعليم؛ كانت مهمة عابرة للحدود. قفي 
بريطانياء لم تتردد أقدم مؤسسة بث عام في العالم (هيئة الإذاعة) في 
استيراد برامج التسلية من الولايات المتحدة. 

أصبح الإخبار [المعلومات] من الشواغل الرئيسية هنا وهناك في أواخر 
الستينيات والسبعينيات» عندما شاع حديث متزامن عن «نقص المعلومات» 
وعن «تخمة المعلومات». وضي الولايات المتحدة على وجه الخصوص؛ كان هناك 
ميل متزايد إلى التعامل مع المعلومات كسلعة تصنع وتوزع في «اقتصاد 
المعلومات». وهو المصطلح الذي سنبحثه في الجزء التالي من هذا الفصل. ضفي 
يناير 1555 مثلاء ورد عن مرشح الرئاسة عن الحزب الديموقراطي الذي لم 
ينجح: السناتور جورج ماكجفرن. الذي كان يمارض حرب فيتنام, أنه قال: 
«إننا ونحن على وشك الارتياح للعيش في عصر الفضاء. أخبرتنا العناوين 
البارزة في إعلان لشركة 18364 أن هناك اتفاقا كبيرا على أثنا نعيش الآن في 
عصر المعلومات». وتلذلك فقد كان هذا الوقت وقتا للنظر إلى تطبيقات هذا 
العصر المحلية. وكذلك الدولية الآخذة في النضج. 

كانت هذه التطبيقات تريطها علاقات متبادلة؛ وهي الارتياطات التي 
تعمقت بعد أزمة النفط العام ”1597. التي ولدت مطالب بنظام 
اقتصادي جديد. في هذا العام بلغت صادرات الولايات المتحدة من 























التاريخ الاجتماعي للوسائط 


الأفلام وبرامج التلفزيون 14>" مليون دولارء وقدر حجم صادراتها من 
المعلومات العلمية والتكنولوجية ب ٠74‏ ," مليون دولارء أي حوالي عشرة 
أضعاف الأولى. 

بيد أن رد فعل العالم الثالث تجاه الهيمنة الأمريكية على توليد المعلومات 
وتوزيعهاء وليس الرأي الأمريكي الداخلي أو الضغط السياسيء هو الذي دفع 
المعلومات إلى بؤرة النقاش الدولي من أوائل السبعينيات فصاعدا . وأصبحت 
اليونسكوء التي تركز فيها الكثير من هذا النقاش. منتدى «لحوار الشمال - 
الجنوب» ‏ مصطلح جديد ‏ كان للدول المتقدمة فيه القوة في مقابل الأغلبية 
للدول النامية. وكانت هذه بداية عقد التنمية الثاني لليونسكو. العقد الذي غطاه 
توماس ماكفيل تأريخيا وتحليليا في كتابه «الاستعمارية الإلكترونية». 

منذ وقت مبكر جدا ‏ تحديدا ١1909‏ وقبل بداية العقد الأول من عقود 
التنمية. طلب المجلس الاقتصادي والاجتماعي في منظمة الأمم المتحدة من 
اليونسكو أن تعد للجمعية العامة للأمم المتحدة برنامج عمل واقعيا لدعم 
تطوير وسائط المعلومات الجماهيرية في كل أنحاء العالم. لكن شيئًا من هذا 
لم يحدث إلا في ظروف السبعينيات المختلفة اقتصادياء عندما وضعت معظم 
الدول: التي كانت تصف نفسها منذ وقت طويل بأنها «غير منحازة». على 
الأجندة الدولية التفاوتات ليس في الثروة والاقتصاد فحسب ولكن أيضا في 
المعلومات قبل الإلكترونية والإلكترونية أيضا. كان ذلك في الوقت الذي كانت 
تتشكل فيه في الولايات المتحدة وبريطانيا اتجاهات جديدة نحو عملية 
التطوير. في ذلك الوقت أيضا فقدت كلمة «تحديث» شعبيتهاء وتركت كلمة 
«المتخلفة» المكان للصفة «النامية». كما جرت دراسة طرق بديلة للتنئمية: 

إن الحاجة إلى مداخل جديدة لقضايا وسياسات الاتصالات تأكدت 
بطريقة رائدة في مجلة معهد البث الدولي «626012م1»؛ الذي غير اسمه 
على نحو ذي دلالة العام 1917 إلى المعهد الدولي للاتصالات. فقد أوضحت 
هذه المجلة في افتتاحياتهاء بأدلة مأخوذة ليس من الولايات المتحدة ولكن من 
العالم الثالث؛ أنه «من دون المعلومات ‏ من دون فرصة انتقاء وتوزيع ومناقشة 
المعلومات وتوزيعها ومناقشتها ‏ لا تكون هناك قوة؛ ومن يفتقدون المعلومات 
هم الأكثر وعيا بهذه العلاقة». إن معظم افتتاحيات هذه المجلة كتبها مديرها 
السويدي الملتزم إيدى بلومان؛ الذي كان يعمل في السابق في التلفزيون 





المعلومات والتعليم والتسلية 


والإذاعة السويديينء والذي انتقل فيما بعد ليصبح نائب رئيس جامعة الأمم 
المتحدة ومركزها الرئيسي في طوكيو. وحسب كلمات إحدى افتتاحياته. فإن 
الدول النامية محبطة منذ وقت طويل لأن نافذتهم على العالم تصفى 
بعدسات تختارها وتركبها الدول الصناعية المتقدمة. فالبنية التحتية 
للمعلومات في الدول النامية ‏ الصحف. محطات الإذاعة والتلفزيون؛ روابط 
الميكروويف والأقمار الصناعية القومية والدولية. وكالات الأخبار.ء معاهد 
التدريب. وحدات الإنتاج السينمائي ‏ قليلة ومبعشرة. وقليل فقط من هذه 
الدول يمتلك الحد الأدنى من متطلبات اليونسكو المتملة في عشر نسخ من 
الصحف اليومية وخمسة أجهزة راديو وجهازي تلفزيون ومقعدي سينما لكل 
ألف شخص. كما أن الصحافي في بومباي مثلا يمكنه الاتصال تليفونيا بلندن 
أو نيويورك بشكل أسرع وأسهل من الاتصال بكابول أو دار السلام. 

في هذا العرضء الذي لم يتضمن بعد عيارة «بيئة الوسائط»», كانت كل 
الوسائط مرتبطة بعضها بيعض. وخصص لليونسكو دور خاص يتمثل في 
وضع المعايير. 

ومن المفارقات أن الدولة؛ التي أعلنت بعد إسقاط الشاه العام 19174 
المبادئ الإسلامية المعادية للتحديث؛ إيران» كانت لبعض الوقت مركزا 
لدراسات التنمية؛ والدور الذي يمكن أن تلعبه الوسائط في عملية التنميتة. 
وعلى ذلك؛ فلم يكن من المستغرب أن تأتي الافتتاحية الأولى في مجلة 
«الاتصالات والتنمية النقدية» في العام 14177 في ظل رئاسة تحرير ماجد 
الطهراني بعنوان «الاتصالات والتنمية: النماذج المختلفة». تبعها تقرير حول 
مقابلة عميقة مع دانيال ليرنر. وفيما بعد نشر فيها مقال بعنوان «الحداثة 
والتحديث كمفهومين تحليليين». 

ومن طهران إلى باريس حيث (وهو من المفارقات أيضا) كان يعيش الرجل 
الذي تولى السلطة بعد إسقاط الشاهآية الله خميني في المنفى؛ وفيها 
أصدرت الجلسة العامة السابعة عشرة لليونسكو العام 1977: قبل عام من 
أزمة النفط العالمية التي وضعت نهاية لعقد الستينيات: «إعلان المبادئ الهادية 
حول استخدام البث الفضائي من أجل التدفق الحر للمعلومات ونشر التعليم 
ومزيد من التبادل الثقافي». وقد أكد الإعلان: وهو ما اعتبرته الولايات 
المتحدة منن البداية نوعا من القيود. ضرورة السيادة الثقافية والسيطرة 





التاريخ الاجتماعي للوسائط 


الدولية على دقة بث الأخبار. وقد حظي الإعلان بقبول ما لا يقل عن 50 
دولة؛ في حين رفضته سبع دول فقطء منها الولايات المتحدة: وامتنعت 0؟ 
دولة عن التصويت منها الاتحاد السوفييتي. 

كان مطلب السيادة الثقاقية احتجاجا ضد «الإمبريالية الثقافية»» وهو 
مفهوم تطور في الولايات المتحدة على أيدي أكاديميين من أمثال هربرت 
سكيلرء الذي استخدم أيضا (157/0) عبارة «الهيمنة الثقافية». وفي 
أمريكا اللاتينية. حيث كانت الإمبريالية الثقافية في بؤرة دراسات 
الوسائط والاتصالات. كان التلفزيون التجاري أبرز هدف للهجوم. وحسب 
كلمات مبعوث شيلي القوية إلى إحدى مجموعات عمل الأمم المتحدة فيما 
بعد كان التلفزيون التجاري التنافسيء «الذي أدى إلى تدهور المعايير 
وقدم حثالة الثقافة الجماهيرية, مصدر قلق للمربين وعلماء الاجتماع 
وخبراء الإحصاء ولكل من يشارك في سياسة ثقافية تسعى إلى تمدين 
وليس حط شعبنا». 

إلى جانب ذلك ظهرت شكاوى من المعلومات غير المتوازنة اكتسبت ثقلا 
عندما جمع خبراء الإحصاءء ومنهم دارسو الاتصالات الإسكندنافيون من 
أمثال كارل نوردنسترنغ؛ تفاصيل حول «التدفقات». وفي غضون ذلك كان 
الجغرافيون يلعيون دورا متناميا في بحوث الاتصالات؛ إذ كانوا يدرسون طرق 
التدفق ويقارنونها بطرق التجارة قديما. وقد كان التلفزيون في رأيهم: 
«شارعا ذا اتجاه واحد». وهو من أكشر المجازات بعدا عن التكلف. إن 
الإحصاءات المفصلة لتدفق كل من الأخبار والتسلية وانهيارها كانت موضوعا 
لنقد حاد؛ ولكن النقطة العامة المتعلقة بالدور التابع للعالم الثالث كانت 
واضحة. وكذلك أيضا كانت الأحكام حول «تأثيرات الاتصالات عن بعد على 
المناطق الريفية وإسهامها الممكن في التنمية الريفيق. 

في الستينيات كان ربع الأخبار التي تتداولها وكالات الأنباء الغربية الأربع 
(1طلآ ,65لا ,2ك ,4112 ) فقط نشاً ضي. أو تعامل مع؛ الدول النامية؛ على 
رغم أن سكانها كانوا يشكلون «ثلثي البشرية» تقريبا. وعلاوة على ذلك؛ كما 
أوضح النقادء الذين كان النقاد الماركسيون في توجهاتهم أكثرهم تأثيراء فإن 
معظم الأخبار المتعلقة بالعالم الثالث كانت سلبية؛ إذ تعاملت مع موضوعات 
مثل الكوارث والمؤامرات السياسية والعسكرية والمجاعات. وتحولت الشكوى 


المعتلومات والتعليم والتسلية 


فيما بعد إلى الهجوم على أقمار البث المباشرء التي نظر إليها كتهديد للهوية 
الثقافية, وإلى توزيع الترددات على طيف الراديو الذي كان لا يزال ينظر إليه 
كمصدر اتصالات نادر. 

لم يكن الطيف من المسائل التي اهتمت بها اليونسكو بل المؤتمر العالمي 
للإذاعة الإدارية؛ الذي نظمه الاتحاد الدولي للاتصالات عن بعدء والذي 
كان مهتما في السابقء إلى حد كبير بالأسئلة التقنية قبل أن تتصدر 
سياسات الاتصال أجندة مؤتمره. كان ذلك تحولا مهما في تاريخ الاتحاد 
الذي أنشأ في اجتماع المبعوثين السياسيين في نيروبي العام ١19487‏ لجنة 
مستقلة لتطوير الاتصاللات عن بعد على مستوى العالم؛ برئاسة دييلوماسي 
بريطاني سابق هو السير دونالد ميتلاند . وضمت اللجنة بين أعضائها 
الستة عشر وزير الإعلام والاتصالات الكوستاريكى نائبا للرئيس؛ ورئيس 
المجلس الاستشاري لرئيس الوزراء الهندي للجنة التخطيط. ورئيسا سابقا 
لمؤسسة «1©'تظض». 

عندما كان في العالم ٠٠١‏ مليون تليفون العام »كان نصف سكان 
العالم يعيشون في دول لا تمتلك مجتمعة ما يزيد على عشرة ملايين تلفون, 
وفي اجتماعاتها الخمسة تتاولت اللجنة المستقلة مضامين هذا الموقف, 
إضافة إلى مظاهر التقدم الكبيرة في تكنولوجيا الاتصالات عن بعد التي 
كانت تحدث في تلك الأثناء. وفي تقريرهاء «الرابط المفقود», أثارت اللجنة 
نقاطا كانت تثار في الثمانينيات: منها أن التكنولوجيا الملائمة في إحدى دول 
العالم الشالث قد تكون أكثر تقدما من المعيار السائدء وأنه يمكن القيام 
باستراتيجية تخطيطية تقوم على القفزات. 

قبل نشر تقرير«الرابط المفقود» كانت اليونسكو قد عينت لجنة من نوع 
مختلف. في اجتماع نيروبي أيضاء أي في جلسته العامة التاسعة عشرة العام 
575 , التي اتهخذت فيها قرارات مثيرة للجدلء منها ما أسمته دول نامية 
كثيرة «المادة ؟١‏ سيكة السمعة»؛ التي هوجمت بسبب لغتها التي نصت على أن 
«الدول مسؤولة أمام العالم عن أنشطة كل الوسائط الجماهيرية التي تحت 
سلطتها». وقد كلفت اللجنة الجديدة بما وصفه رئيسهاء السياسي الإيرلندي 
سين ماكبرايدء بدقة بأنه «المهمة الضخمة» المتمثلة في فحص «كل مشكلات 
الاتصالات في المجتمع الحديث». 

لذ 


التاريخ الاجتماعي للوسائط 


كان من بين أعضاء هذه اللجنة ماكلوهان والروائي الكولومبي جارسيا 
ماركيز والصحافي الياباني الشهير «ميتشيو ناغاي» والمدير العام لوكالة 
الأنياء السوفييتية «1855». اتفق هؤلاء على الحاجة إلى مدخل عالمي 
للاتصالات, ولكن حتى قبل تعيينهم كان من الواضح أن ظروف الحرب الباردة 
تقتل الأمل في الحصول على دعم عالمي لأي توصيات قد يخرجون بها. ضي 
العام //141, اتضح بجلاء وجود انقسامات حادة في المداخل بين الولايات 
المتحدة والاتحاد السوفييتي في مؤتمر هلسنكي حول حقوق الإنسان. وعندما 
ظهر تقرير اللجنة الذي حمل عنوان «أصوات كثيرة وعالم واحد» في العام 
:: تحولت توصياتهم سريعا إلى تاريخ. حتى أن دول عدم الانحياز ذاتها 
انقسمت على نفسها بعد كبح أنديرا غاندى لحرية الصحافة في المرحلة 
الأخيرة من رئاستها الطويلة لوزارة الهند من العام 1557 إلى 151/7 . 

وفي العام 1518: عندما نشرت الجلسة العامة العشرون لليونسكو «إعلان 
المبادئ الأساسية حول إسهام الوسائط الجماهيرية في تقوية السلام 
والتفاهم الدولي. وتعزيز حقوق الإنسان ومقاومة العتصرية وسياسة التمييز 
العنصري والتحريض على الحرب». وهو العنوان الذي يتسم بالمبالفة. كانت 
المادة ؟١‏ غير موجودة. ومع ذلك فتلك «الممارسات البارعة في تربيع الدائرة». 
كما أسماها صحافي شهير في ذلك الوقتء كانت تبدو بارعة فقط على المدى 
القصير. وعندما تركت الولايات المتحدة, وتبعتها بريطانياء المنظمة بسبب 
انزعاجها من هذه السياسة وسياسات أخرى لليونسكوء لم تفكر المنظمة ثانية 
في التعامل مع «كل مشكلات الاتصالات في المجتمع الحديث». 

إن حق المبادرة في الجدل الفكري الدولي انتقل الآن إلى الأكاديميين 
اللتحدثين بلسان «التجارة الحرة في الأفكار». وهو ما سيطلق عليه أقدرهم, 
إيثيل دي سولا بول الأستاذ بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا الذي أيد عدم 
تنظيم الدولة لأي من الوسائطء في العام 1987 «تكنولوجيات الحرية». يرى 
بول؛ الذي ذكر اليونسكو مرة واحدة فقط بشكل عرضي في كتابه بالعنوان 
نفسه؛ «بشكل عرضي». الذي نشر في العام نفسه؛ أن وسائط الأنباءء, أيا كان 
من يملكهاء خلقت ثقلا موازنا للسلطات المؤسسة. إن الذي كان في خطر نتيجة 
ذلك هو الحكومات السلطوية وليس الثقافات التقليدية. فالثقافات تزدهر ئيس 
عند حمايتهاء ولكن عند تعهد إمكاناتها الإنتاجية, وضي حالة التبادل. كما أنه 


المعلومات والتعليم والتسلية 


من غير الممكن لثقافة أن تظل معزولة عن غيرها. وهذا هو الخط الذي جرى 
تيئيه في الولايات المتحدة في أواخر التسعينيات في مجلة «المراسلة» التي كان 
يحررها دائيل بل. وفي ربيع قدمت هذه المجلة أدلة تؤكد أن 519 دولة 
فقطء من بين 185 دولة في العالم؛ كان فيها «صحافة حرة». 

لم ير بول أن من الضروري القيام بنفنحص شامل لعمليات الوسائط في 
الدول الديموقراطية. وكذلك لم يسهب حول القضايا العالمية. وشدد على 
«الوسائط الإلكترونية التي في طريقها إلى أن تكون مشتتة في الاستخدام 
وقائضة في العرض»», وبدذلك ستؤدي إلى معرفة أكثر وإتاحة أسهل وحرية 
كلام أكثر من أي وقت مضى. وعلى رغم أنه لم يكن بحال من الأحوال من 
القائتلين بالحتمية التكنولوجية؛ فإنه رحب بموت الآلة الكاتبة, ويأنه عما 
قريب في المستقبل لن ينشر شيئًا مطبوع حتى يكون مكتوبا عن طريق برنامج 
«معالجة النص» أو مكتويا بواسطة الكمبيوتر. 

إن بول الذي كان يفكر في الألفية الجديدة؛ قدر أنه بحلول أوائل العقد 
الأخير من القرن العشرين. سيكون هناك أكشر من ٠٠١‏ مليون تلفون و 58٠‏ 
مليون تلفزيون إلى جانب ملايين من مراكز الحاسب. لكنه لم يتحدث كثيرا 
عن التسلية أو التهديد الذي تمارسه ثقافة متحانسة على الثقافات المحلية, 
على رغم أنه رحب بزوال ندرة الطيف وحلول الوفرة الإلكترونية. سيكون 
هناك بإيجاز مزيد من اختيارات الوسائط. 

كانت مفاجآت ومشكلات «مجتمع المعلومات»». الذي يقوم على دعامات اتصال 
جديدة تختلف عن دعامات «اقتصاد المعلومات»., هي التي حولت المصطاح إلى 
واحد من أكثر مصطلحات القرن العشرين انتشارا. حتى أنه يمكن الزعم بأن 
هذا المصطلح منح بركة «ماكلوهانية». في كتابه «قهم الوسائط» )١514(‏ سارع 
إلى شكل المعلومات؛: ونتقدم نحو التوسيع التكنولوجي للوعي». 


مجتمع المعلومات 

كان الشاب الأمريكي مارك بورات أول من استخدم فكرة «اقتصاد 
المعلومات» و«دمجتمع المعلومات» بشكل مفصل. كان بورات في ذلك الوقت 
مرتبطا بمعهد «آسبين». وفي العام 1177, بتكليف من وكالة المعلومات 





التاريخ الاجتماعي للوسائط 


الأمريكية. نشر بورات ورقة بعنوان «المضامين العالمية لمجتمع المعلومات». وهو 
أول ظهور للمصطلح. كانت هذه التعبيرات قد دخلت إلى اللفة فضي 
الستينيات. وفي هذه الأثناء كان «التدفق» هو الاسم؛ وكذلك الفعل المفضل. 
وفى ذلك الوقت أيضاء كانت كلمة المعلومات قد أدمجت بالفعل في مصطلح 
«تكنولوجيا المعلومات». الذي استخدم لأول مرة في دوائر الإدارة» وضي 
رياضيات «نظرية المعلومات». 

وكما أل محنا من قبلء فَإِن الفعل «ع6000هة / عتصممامع» (يخير أو يزود 
بالمعلومات). الذي يعود إلى القرون الوسطى والمأخوذ من اللفة 
الفرنسية. كان يعني أيضا «يعطى شكلا ل». والمصطلح الجديد؛ «مجتمع 
المعلومات». أعطى شكلا لمجموعة جوانب الاتصال: المعرفة والأنباء 
والأدب والتسليةء التي كانت حتى ذلك الوقت مرتبطة بشكل غير محكم.: 
إذ إن جميعها يجري توصيله من خلال وسائط مختلفة ومن خلال مواد 
وسائط مختلفة: الورق أو الحبر أو الكنفا أو الألوان أو الشريط 
السينمائي أو دور العرض السينمائي أو الراديو أو التلفزيون أو الحاسب. 
بداية من الستينيات بدأت كل الرسائلء العامة أو الخاصة: اللفظية أو 
البصرية:؛ ينظر إليها على أنها بيانات؛ أي معلومات يمكن إرسالها 
وجمعها وتسجيلها على أفضل نحو من خلال التكنولوجيا الإلكترونية؛ أيا 
كان أصل هذه المعلومات. 

ومجددا في أواخر القرن العشرينء كما في القرن السادس عشرء كانت 
اللقة الفرنسية حاملة لمفاهيم ممتدة ومتفيرة من خلال كلمتي 
وعنا1 تمه ف» «ه2]1520 ممم [معلومات/معلوماتي] اللتين أثرتا ليس 
في طرق التفكير والشعور حول الاتصال فحسب. بل في إجراءات وقرارات 
رجال الأعمال وسياسات الحكومات أيضا. كان هناك ارتباط واضح في 
فرنسا بين هذين المصطلحين ومصطلح الحوسبة. فكتاب سيمون نورا 
وألين مينك, وهو من النصوص الفرنسية الأساسية: وترجم إلى الإنجليزية 
)١15480(‏ بعنوان «حوسبة المجتمع». كان يمجد مجتمع المعلومات باعتباره 
الحضارة النهائية: وكانت له انعكاسات فورية على سياسات الحكومة 
الفرنسية. كان العنوان الأصلي للكتاب «مجتمع المعلومات»: وكان تقريرا 
إلى الرئيس الفرنسي جيسكارد دلاستنغ. 





المعلومات والتعليم والتسلية 


البيولوجية؛ أعطى اكتشاف الحامض النووي (باعتباره حامل المعلومات 
الوراثية)» وهو من أعظم اكتشافات الستينيات:»؛ دئعة جديدة لما سمى «نمودج 
معلومات». إذ أصيحت المعلومات ينظر إليها باعتبارها المبدأ المنظم للحياة 
ذاتها. والشيفرة الوراثية أصبحت هى الشيفرة. ب «ال» التعريفء والإرسال 
أصبح الآن هو الطريقة المفضلة لتناول كل أنواع المعلومات. 

إن كلمة «النموذج [ الإرشادي ]» ددعنل2هدم ذاتها كانت كلمة غير مألوفة 
سرعان ما انتقلت إلى اللغة العامة. وقد جاء ذلك يعد النجاح الباهر لكتاب 
الأمريكى توماس كون «بتية الثورات العلمية» الذي باع منهة حوالي 6 ألف 
نسخة بين نشره الأول العام 1577 والعام :١5484‏ وهذا العام كان عاما بناتياء 
إد أثيت نمط الاتصالات. بفضل التكنولوجيا الجديدة بخاصة: أنه مختلف 
تماما عن ذلك الذى صوره «أورويل»!*) قبل خمسين عاما فى روايته «مزرعة 
الحيوانات». 
المعلومات: ارتبط بتطور علم الاقتصاد والاجتماع والسياسة؛ وليس البيولوجيا 
أو تكنولوجيا المعلومات. كان عالم الاجتماع الأمريكي دانيل بل على دراية 
بأعمال مواطنه عالم الاقتصاد فريتز ماكلوب عندما نشر كتابه «وصول 
مجتمع ما بعد الصناعة: محاولة فى التنيؤٌ الاجتماعى» (15)ء الذي ركر 
فى الاقنتصاد. كانت آفاق بل جديدة مثل مصطلحاته. وظف بل البادكة «]05م» 
(*) كان الروائي الإنجليزي جورج أورويل من أشد نقاد الشمولية وأعنفهم كما تجسدت في الدول الشيوعية وعلى رأسها الاتحاد 
السوظييتي. وكان شديد التخوف والقلق من انتشار الفكر والممارسات الشموئية التي كانت تمارس في هذه الدول. كربس أورويل 
أعماله الأدبية والصحافية لمحاربة الفكر الشيوعي والنظم الشمولية؛ ويأتي على رأس هذه الأعمال رواية «مزرعة الحيوانات» 
(1547) التي يهاجم فيها كبت الحريات وتزييف الوعي الذي تمارسه النظم الشيوعية عبر آلية الإعلام؛ ورواية 21984١‏ (1544) 
الساخرة التي تتبدى فيها هواجسه ومخاوفه الاشتراكية الإنجليزية 1138506 كما أسماه في الرواية. وفي هذه الرواية الأخيرة. 
التي تدور أحداثها في العام 4 ينقسم العالم إلى ثلاث قوى كبرى: 008018 و 110158518 و25]92513] وجميعها في حرب 
متواصلة بعضها مع بعض. في الدولة الأولىء التي تدور فيها الأحداث. يحكم الحزب عن طريق أربع وزارات: وزارة السلام 
المسؤولة عن الحرب ووزارة الحب (وهي المركز الرئيسي لبوليس الفكر المروع) المسؤولة عن القانون والنظام. ووزارة الوفرة التي 
تتعامل مع الأشياء النادرة: ووزارة الحقيقة المسؤولة عن الدعاية. في هذه الدولة تراقب السلطات وتكبح أي شعل أو كلمة أو 
إيماءة أو فكر. وعلى عكس ما تنبأ به أورويل في هذا العمل لم تسد الشمولية في عام 1984. وبالتالي لم تستخدم الوسائط في 
كبت الفكر وتزييف الوعي؛ ولم تسيطر عليها جهة واحدة؛ بل كانت مفتوحة لكل التيارات. وبدلا من أن تهيمن اللغة الجديدة 
16/5816 السلطوية المطلقة الشموئية ظهر مفهوم «مجتمع المعلومات» | المترجم ]. 








التاريخ الاجتماعي للوسائط 


[ما بعد] في عنوان كتابه؛ وهي التي ستصبح موضة منتشرة بعد ذلك, 
وسرعان ما ستؤسس الصفة «ما بعد الحديث» نفسها. ومع ذلك لم يكن هناك 
جديد في إشارة بل إلى التحول من التصنيع إلى الخدمات: وهو التحول الذي 
بدا واضحا لعالم الاقتصاد الزراعي الأسترالي كولن كلارك عندما نشر كتابه 
«شروط التقدم الاقتصادي». الذي لم يأخذ حقه من الاهتمام. 

إن تحليلات بل للمضامين الاجتماعية للتغير الهيكليء تلك التي لم تعر 
اهتماما كبيرا لأشكال الاستمرار والتواصل داخل الرأسمالية أيا كانت 
التكنولوجيا المهيمنة. كانت تحليلات جديدة ومتماسكة, تماما مثل تفسيره 
للإاطار الاجتماعي لما أسماه. هو أيضاء «مجتمع المعلومات». لم يكن من 
الغريب أن يثير تحليله انتقادات من جانب الماركسيين من أمثال شيلر الذي 
نشر في العام 154١‏ كتابه «من يمتلك المعرفة: المعلومات في عصر أثرياء 
العالم الخمسماتئة». الذي ركز على المتعهدين الماليين للمجتمع الجديد. وفى 
غضون ذلك كان ماكلوب, الذي قدم نظرية «اقتصاد المعرفة» لأول مرة في 
كتابه «إنتاج وتوزيع المعرفة» (1517). مازال منخرطا في تحديث بيانات 
نظريته. موضحا أنه على مدار قرن انخفض عدد العاملين في مجال الزراعة 
في الولايات المتحدة من 25٠‏ إلى 4 “ا في حين كانت نسبة العاملين في مجال 
المعلومات في ازديادء وهو ما حدث أيضا في بريطانيا . 

إن توصيف «عمال المعلومات». وهو الأوسع بين كل المسميات والأقل 
إحكاماء كان أكثر جذبا من «عمال الخدمات». فالتسمية الأولىء كما يبدو, 
تضم جماعة جذابة ودينامية تقوم على المعرفة. جماعة متحررة من 
الأيديولوجياء يمكنها تغيير دولهم والعالم بأسرهء كما حاول أتباع القديس 
سيمون. كان بيتر دركرء أنجح وأغزر محللي التغير إنتاجا الذي لم يدع التتبقٌ 
بالمستقبل؛ قد لفت الانتباه إلى وجود هذه الجماعة في العام ١519‏ في كتابه 
«عصر الانقطاع»؛: الذي خصص الجزء الأول منه ل «تكنولوجيا المعرفة». وكان 
من رأيه أن «التعلم والتعليم سيتأثران أكثر من أي من مجالات الحياة 
الإنسانية الأخرى بالإتاحة الجديدة للمعرفة». 

والطريق الذي يمكن من خلاله تحقيق ذلك في نظر دركر هو نشر أجهزة 
الحاسب. وبالفعل كانت هناك شركة دولية ضخمة تبيع ألف جهاز حاسب في 
الشهر وهو ما لا يصل بحال من الأحوال إلى مستوى انتشار مصباح إديسون. 





المعلومات والتعليم والتسلية 


ولكي يصل الحاسبء ذلك «الجهاز الإلكتروني»؛ إلى مستوى انتشار مصباح 
إديسون فلابد أن يكون «أرخص من جهاز التلفزيون؛ وأن يكون من الممكن 
توصيله بالكهرياء أينما كانت موجودة؛ ويتيح ورا مدخلا إلى كل المعلومات 
المطلوية لعمل المدرسة بدءا من الصف الأول الابتدائي حتى الجامعة». كما 
رأى دركر بوضوح أيضا أن الحاسب سوف يتيح للمجتمع أشياء أخرى كثيرة 
إلى جانب توفير المعلومات للاستخدام المدرسيء ولكن دركر لم يفكر فيما 
يمكن أن يكون عليه شكل «جهاز التلفزيون المستقبلي» ‏ الحاسب - أو 
إمكاناته. كان التلفزيون حتى ذلك الوقت ما زال ينظر إليه في معظم الأماكن 
على أنه خليفة الراديو والجرامافون. وليس على أنه بشير الحاسب. 

في الفصل التالي سوف نتناول تطور أجهزة الحاسب وتأثيرها. ومن 
الضروري هنا العودة إلى كتابات «بورات» بداية من رسالته الجامعية الرائعة 
التي أتت بكلمة المعلومات بديلا عن المعرفة. وشيلمه الذي نشر المصطلح وما 
يكمن خلفه. لم يكن المصطلح: في الواقع؛ في حاجة إلى حملة من أجل نشره. 
فهذا المفهوم بُحث في عدد من الأعمال الأخرىء منها كتاب صغير إسقاطي 
ومكثف هو «مجتمع المعلومات باعتباره مجتمع ما بعد الصناعة» (1980) 
ليونيغي ماسوداء الدارس الياباني الذي كان يعمل في دولة كانت تنتج في ذلك 
الوقت ملايين من الشرائح الدقيقة؛ وكان معهد طوكيو لمجتمع المعلومات هو 
الذي نشر هذا الكتاب. 

بالنسبة إلى المجتمع الياباني يمكن توزيع العمل في «أكواخ إلكترونية», 
ويمكن «نزع جماهيرية» الوسائط؛ ويمكن مضاعفة الوعي الإنساني مع تسارع 
التدفق العالمي للرسائل من «مجتمع المعلومات». لم يكن من المدهشء في حال 
وجود هذه الرؤية؛ أن يهيمن مسمى جديد هو «مجتمع ما بعد الصناعة», 
ويظل مهيمنا إلى أن تبتكر استعارات جديدة. وقد أشار ماسودا نفسه إلى 
بعض هذه الاستعارات عندما سلط الضوء على العولمة في جزء موجز بعنوان 
«العولة : روح لعصر نهضة جديد». قال فيه: «إن المعلومات ليس لها حدود 
طبيعية كالدول. وعندما يتكون فضاء ال معلومات العولمي؛ فإن أنشطة 
الاتصالات العالمية بين المواطنين سوف تعبر كل الحدود القومية». و «أن فضاء 
المعلومات العومي؛ على اعتبار تميزه عن الحيز الجفرافي التقليدي. سيكون 
خضاء تربطه شبكات المعلومات». 








التاريخ الاجتماعي للوسائط 


استخلاصات 

استكمالا للخط التاريخي في الفصل الخامسء وتداخلا معه في بعض 
الأماكن. أوضح هذا الفصل أن التجديد التقني على رغم أنه يسير في 
موجات؛ ويحتاج إلى الدعم عن طريق تعبئة رأس المال؛ فإن المسميات تميل 
إلى أن تلصق بالمجتمعات وفقا لما يبدو. لأسباب متنوعة: أنه تكنولوجيا 
الاتصالات السائدة فيها. كان عصر السكك الحديدية؛ الذي عرضنا له في 
الفصل الرابع, أحد هذه المسميات. ٠‏ في حين جاءت مسميات «عصر اليث» أو 
«عصر التلفزيون» أو «عصر السينما» التي عرضها الفصل الحائي متداخلة. 
والصحافة أو السلطة الرابعة. على رغم أن اسمها لم يطلق على أي عصر 
فإنها أسهمت في ذيوع المسميات الأخرى بل وابتكارها أيضا. وفى حالة 
الإنترنت؛ الذي سنعرض له في الجزء الأخير من الفصل التالي» سيشيع 
استخدام كلمة «عهد» أكثر من كلمة عصر. وهي كلمة كانت تستخدم أحيانا 
على البث. 

لم يحدث في أي من هذه العصورء التي كان ينظر إلى بعضهاء على الأقل 
عند التذكرء على اعتبار أنها عصور ذهبية, أن قضى وسيط على وسيط آخر: 
بل دائما ما حدث التعايش بين القديم والجديد . ظلت الصحافة قوة كبيرة فى 
الستينيات, وفى بعض النواحي ازدادت أهميتها بعد هذا العقد. والتلفزيون, 
الذي يسمى أحيانا السلطة الخامسة:؛ لم يحل محل الراديو. على رغم أن 
البعض انصرفوا عن الراديو في بدايات التلفزيون مطلقين عليه «راديو 
بخاري». ظلت السكك الحديدية مؤسسة مهمة للنقل حتى مع ازدياد أعداد 
السيارات بشكل أكبر من أي وقت مضى. والخطابات مازالت ترسل بالبريد, 
ومع ذلك ضمع تسارع خطى التقدم التكنولوجي (مع نوبات تباطؤٌ عرضية) 
جرى تحدي التكنولوجيا القديمة؛ وضوق ذلك كان من الضروري إعادة النظر 
في إطارها المؤسسي. 

كانت هذه العملية تتضمن النظر إلى الخلف جنبا إلى جنب مع النظر إلى 
الأمام. وفي الستينيات والسبعينيات بدأ الاهتمام يتزايد ليس ضقط 
بالقاطرات البخارية وعربات الترام القديمة والسيارات العتيقة: بل تزايد 
الاهتمام أيضا بمخاوف وتوقعات الأجيال السابقة عندما كانت «التكنولوجيات 
القديمة جديدة», حسب تعبير كارولين مارفين. وفي العقد اللاحق سوف 





المعلومات والتعليم والتسلية 


تصبح الزائدة القبلية «ارتجاعية» 1600 مفضلة في الولايات المتحدة. من 
البداية طبقت كلمة جيل على الكمبيوتر كما تطبق على الناسء؛ ومع ذلك ففي 
كل هذه العصور طرحت قضايا مشابهة؛ تتعلق بعلاقة ملكية الوسائط 
بالمحتوى وعلاقة المحتوى بالتركيب وعلاقة التركيب بالتكنولوجيا ويبخاصة 
التجديد التكنوتوجي. وكل هذه القضايا كانت ترتبط بالسيطرة: فالحاجة إلى 
المعلومات في كل عصر كانت تصاحب بالحاجة إلى السيطرة على الحاضر 
والمستقبل لأسباب شخصية وسياسية واقتصادية. 

يعالج الفصل التالي من الكتاب ما كان ينظر إليه. حتى في حينه؛: ومازال 
ينظر إليه إلى وقتنا هذاء باعتباره طفرة كبيرة ركيسية في التاريخ الإنساني؛ 
وعنوانه «التقارب». والتقارب يرتبط مباشرة بالتكنولوجيا وبتاريخ الحاسب 
والترانزيستور والدائرة المتكاملة والمرقمة: وهو تاريخ موجز لكن من الضروري 
سرده. وهوء مع ذلكء يتضمن أكثر من التكنولوجياء على رغم أن بعضها كان 
باهرا ومهولا. ومع عملية التجديد المستمرة: بدا أن التحدي هو اختراع 
المستقبل؛ تماما كما كان عندما كتب أرازموس دارون أشعاره قبل نهاية القرن 
الثامن عشر. 

إن كلمتي «المعلومات» و «التقارب». اللتين جمع بينهما بالفعل فضي 
الستينيات: كانتا في طريقهما إلى مزيد من الارتباط في السبعينيات 
والثمانينيات. في غضون ذلك عمل تطور التكنولوجيا الإلكترونية الجديدة, 
التي وصلت ذروتها مع الإنترنت والشبكة العالمية العنكبوتية» على دفع 
المؤرخين إلى إعادة فحص مضامين مجموعة اختراعات القرن التاسع عشرء 
التي سبق أن غطيناها في الفصول السابقة. تماما كما دفع وصول التليفزيون 
مؤرخي الوسائط إلى إعادة النظر في مضامين اختراع الطباعة, وعليه فقد 
عاد جيمس بيننغر في العام 1947 إلى القرن التاسع عشر وما قبله لتعقب 
أصول كل من السيطرة التقنية والمجتمعية؛ التي كان بعضها مدمجا؛ إلى 
جانب التغذية المرتدة من خلال الأجهزة الميكانيكية والإلكترونية الجديدة. وقد 
كان «الحاكم» (أداة ميكانيكية في محرك «واط» البخاري) مثالا ميكرا قبل 
وصول الكهرياء التي ضاعفت عدد الأجهزة والفرص التي تقدمها. وفي العام 
كتب توم ستانداغ: والإنترنت في مركز الصورة: كتابا حول التلغراف 
ورواده المباشرين بعنوان «الإنترنت الفيكتوري»». أكد فيه: أن مستخدمي 


0 
0 











التاريخ الاجتماعي للوسائط 


الإنترنت الحديث هم ورثة التقاليد التلفرافية ضي جوانب كثيرة: وهو ما يعني 
أننا اليوم في وضع متفرد لفهم التلفراف, والتلغراف بدوره يمكن أن يوفر لنا 

وربما لاحظ ستانداغ كيف استخدمت تشبيهات الشبكة والشبكة 

وحتى قبل ذلك؛ كتب أيان غريفور في دراسته العام 5/4 حول الروائي 
توماس هاردي بعنوان «الشبكة العنكبوتية الضخمة» أن هاردي نفسه في 
روايته «سكان الغابات» (ستتحول فيما بعد إلى أحد أفلام القرن العشرين) 
غطن إلى أن المسالك الوحدانية لشخصياته لا تشكل مصيرا منقفصلا على 
الإطلاق. بل تمثل جزءا من النسيج العنكبوتي الضخم للأفعال الإنسانية., 
الذي كان ينسج وفقتذاك فى كلا نصفي الكرة الأرضية, من البحر الأبيض 
8 1/116 إلى رأس هورن معه81] عمه© . 








أله 
«على اعتبار الستقبيل 
العظيم للتلفون المحمول؛ 
الذي ستكون له استخدامات 
لم تكن متوقعة في البداية, 
فإننا عند التذكر تقول إن 
خبراء الاتصالات الذين 
ركزوا على الحركية كانوا 
الأكثر نفاذا للبصيرة» 
المؤلفان 





التقارب 


إن كلمة التقارب مفيدة:, وإن كانت قد 
استهلكت: وقد استخدمها «بول» بحرية قبل أن 
تصبح موضة. وهي تطبق مند العقد الأخير من 
القرن العشرين على تطور التكنولوجيا الرقمية: 
أي دمج النص والأعداد والصور والصوت 
والعناصر المختلفة في الوسائط التي تتاولنا كلا 
منها بشكل مستقل ومطول في الفصول السابقة. 
ومع ذلك فحتى العام ١97١‏ كانت الكلمة 
تستخدم للإشارة إلى أشياء أخرى كثيرة. 
وبخاصة ما أسماه ألان ستون «الزواج الذي عقد 
في السماء» بين أجهزة الحاسب, والتي دخلت 
أيضا في زيجات أخرىء والاتصالات عن بعد. 
وقد استخدمت الكلمة الهجين «الاتصالات 
الحاسوبية» 21005ءندنام12ه0ت كوصف لهذا الزواج 
في مراحله الأولى. 

وفيما بعد طبقت كلمة «التقارب» على 
المنظمات إلى جحانب العملياتء. ويخاصة 
الاقتراب بين صناعات الوسائط والاتصالات 
عن بعد. وفضلا عن ذلك كان لهذه الكلمة 
استخدامات مختلفة وأوسع في مجتمعات 






























































التاريخ الاجتماعي للوسائط 


وثقافات كاملة. منها المجتمع والثقافة البريطانيان في الثلاثينيات: اللذان 
فيهما فحص «ليماهيو» مفهوم الثقافة المشتركة وحدوده في كتابه التنويري 
«ثقافة من أجل الديموقراطية». الذي خصص فيه فصلا بعنوان «الصورة 
والصوت: دراسات في التقارب». كما اختار «جيرمي بلاك» كلمة «التقارب» 
كجزء من عنوان كتابه حول بريطانيا وأورويا «التقارب أو التباعد: بريطانيا 
والقارة الأوروبية» (11944): في حين استخدمها «بورستين» بمعناها العام في 
كتابه الأخاذء الذي أصبح قديما الآن؛ «جمهورية التكنوتوجيا» (/151): وهو 
«اتجاه كل الأشياء لأن تصبح مثل كل الأشياء الأخرى أكثر فأكثر». وأضاف 
«بورستين» أولا أن «التكنولوجيا تضعف وتفكك الأيديولوجيا», وثانياء والأكثر 
تنويراء أنه «في حين كان الاتصال يعتبر في السابق بديلا أدنى للنقل أصيح 
الآن البديل المفضل». 
ولعل النقل بالسكك الحديدية هو ما كان في ذهن بورستين عندما قال 
ذلك. ولكن مع تحول المجتمع ليصبح أكثر «حركية» أصبح مصطلح 
«الطريق السريع» هو المصطلح المفضل الذي شق طريقه إلى لغة التقارب 
في التسعينيات. فالمجتمعات والثقاطات المختلفة. التي بدأ كل منها رحلته 
بشكل مستقلء أصبحت الآن تسافر معا على نفس طريق المعلومات فاكق 
السرعة 89اطعنط-,همنا5 ومنن وقت مبكرء تحديدا 1577, رأى الصحافي 
«رالف لي سميث». الذي لا يعمل لحساب صحيفة بعينهاء رأى في ابتكارات 
مثل تلفزيون الكابل مدخلا لتوفير «طريق سريع للاتصالات الإلكترونية 
لأمة مربوطة سلكيا». يمكن من خلاله تقديم كل أنواع الخدمات للمنازل 
والمكاتب والمصانع. 
في الستينيات كان تطور التكنولوجيات نحو تقديم مثل هذه الخدمات 
ما زال في مرحلة معملية تجريبية: وإبان الثمانيتيات: ذلك العقد المهم 
الذي بدأ فيه تقدير المدى الممكن لهذه التكنولوجياتء لم يكن أحد قد تيقن 
بعد من مسألة أي من هذه التكنولوجيات سيثبت نجاحه. وقد بدا من 
المحتمل؛ وليس المؤكد. أن التكنولوجيا الرقمية ستكون لها الغلبة في معظم, 
إن لم يكن كل؛ فروع الاتصال. وفي العام ”199 فقط انسحب مصطلح 
«الطريق فائق السرعة». ومشتقاته مثل «طريق البيانات السريع». أو 
0 وهي التسمية التي قدمتها مجلة 71:60 واسعة الانتشار (فبراير 








التقارب 


5 بعد أن أدخله الرئيس الأمريكي (الجديد) كانتون ونائبه غور إلى 
السياسة. ولكن سرعان ما وصل استخدامه إلى الذروة» وفي أواخر 
التسعينيات أصبح استخدامه في الصحافة أقل مما كان عليه في النصف 
الأول من العقد نفسه. 

غير أن ذلك لا يرجع فحسب إلى أنه مع نمو الإنترنت بدأت كلمة قديمة؛ 
الشبكة 26070:1, ومعها كلمة أقدم, الشيكة العنكبوتية 50؛ تحل محل 
الطريق فائق السرعة؛ ولكن يرجع أيضا إلى انهيار الاندماجات الإستراتيجية 
بين شركات الاتصالات عن بعدء وبخاصة بين شركة :عناصهلاخ ااء8 و«المتحدة 
للاتصالات عن بعد». وهي الانهيارات التي نشرت الصحف بإسراف أثباء كل 
مرحلة من مراحلها. وقد كان للشركات الاندماجية التي لم تنجح نتائج لا تقل 
. أهمية عن نتائج الشركات التي نجحت. وبال مثل كان لتحطم الشركات 
الاحتكارية الأمريكية. بصدور قانون مقاومة الاحتكارء نتائج لا تقل أهمية. 
كان على «ريد هندت». رئيس الوكالة الفيدرالية للاتصالات 7500 الذي عينه 
كلنتون؛ أن يواجه نتائج فشل الاندماج بين هاتين الشركتين؛ وهو الفشل الذي 
اتهمه البعض بالتسبب فيه. كتب «هندت» مسحا تاريخيا قيما لسياسة 
الاتصالات في الفترة التي صاحبت تطور التكنولوجيا. وعن هذه الفترة قال 
هندت إنه كان هناك لاعبون كثيرون: وكتب هندت بشكل مسرحي صريح عن 
موقف دائم التغير قائلا: 

«مع تسارع الثورة الرقمية وثورة البيانات كموجة ضخمة في اتجاه ساحل 
التنظيم الصخري [تنظيم الدولة لقطاع الاتصالات]: ومع اقتراب الحوسبة 
من الاتصال؛ كان لابد من الاختيار بين قبول التغيير أو اللعنة المتضمنة في 
إنكار تحقيق النوع الإنساني لطبيعته». 

وهذه اللغة نادرا ما كانت تستبعد «الروح الإنسانية»» ومن ذلك أن «أنسنة 
التقارب» كان من النصوص المفضلة. 

هناك قانون أمريكى جديد عكس الضغوط المنظمة والتفضيلات 
السياسية في سياسات الاتصال الأمريكية في فترة التغير السريع هذه؛ وهو 
قانون إصلاح الاتصالات عن بعد للعام ١491‏ الذي صدر بعد مساومات 
لا تخلو من الشبهة وبعد التهديد بفيتو ركاسي. كانت المحاولات السابقة 
لتحديث قانون العام 4 قد باءت بالفشلء وما كان من القائون الجديد, ' 





التاريخ الاجتماعي للوسائط 


الذي تمثل هدفاه الرئيسيان في تحرير قطاع الاتصالات وفتح الباب 
للمنافسة وتشجيع الاستثمارات الجديدة, إلا أن زاد من تعقد تنظيم الدولة 
للقطاع دون أن يوسع المنافسة. 

كانت النزعة الرمزية في مأمن؛ ضفي كاليفورنيا في الرابع من مارس وقع 
الحدث الرمزي الكبير للعام 1597١؛‏ وهو يوم الشبكة؛ وهو «من أيام المجاز». 
حيث اشترك كلنتون وغور مع آخرين: منهم رئيس الوكالة الفيدرالية 
للاتصالات ©506: في تركيب أسلاك تلفونية تريط فصول مدارس كاليفورنيا 
بالإنترنت؛ ووعد الرتيس بأن كل فصول المدارس الأمريكية سيتم ربطها 
بالإنترنت قبل حلول القرن الجديد عن طريق شبكة البنية التحتية المعلوماتية 
القومية. جاء ذلك في الوقت الذي وصف فيه وزير التعليم في حكومة كلنتون 
الإنترنت. وهو موضوعنا في الجزء الأخير من هذا الفصلء بأنها «سيورة 
المستقبل». أما التسلية فلم يرد ذكرها. 

لم تندثر كلمة «التقارب». ولكن تم تطبيقها هذه المرة على التكنولوجيا 
الرقمية التي كانت؛ على الأقل في البداية. موضوعا يصعب على كثيرين 
استيعابه. إن قدرة التكنولوجيا المعتمدة على الحاسب على تقديم كل أنواع 
المعلومات في شكل رقمي وعلى تشغيلها ونقلها وضغطها وتخزينها ساعدت 
على تحويل انتباه الجمهور من نوع المعلومات التي يتم نقلهاء أعني محتواهاء 
إلى القدرة التي تتيحها الحوسبة 12800008]عانام10ه0ه على تمثيلها جميعا رقميا 
في شكل أصفار وواحدات: وهي العملية التي وصفها «نيكولاس 
نيغرويونتي»: من معهد التكنولوجيا بماساتشوستسء بأنها «إشعاع البت» )1 
صمننة 1ل .: وبذلك لم يعد المحتوى يحدد أشكال الإرسال. ساعد نيغروبونتي» 
ذلك الرجل الحالم الوائثق من نفسه؛ في تدشين مجلة 18/160 وكتب مقالا 
فضي عددها الأول. 

وكلمة بت 016 القصيرة «انحدرت».: وهذه الأخيرة كلمة أقبح من «الاتصال 
الحاسوبي» 2 من الكلمتين الأطول «ثقائي» لإتقصاط ودرقم» زعتل 
على يد «جون ستوكي».: أحد خبراء الإحصاء في «برنستون» العام 2,1545 
ويمكن العشور على الإشارات الأولى إلى التكنولوجيا الرقمية في مجلات 
الخمسينيات الفنية المتخصصة. بدأت رحلة الرياضيات على يد «جورج بول» 
( 1816- 15) في بريطانيا الفيكتورية و«دبليو ويضر» ودسي شانون» في 





التقارب 


أمريكا ما بعد الحرب العالمية الثانية. وفي أثناء الثمانينيات تضاعفت 
الإشارات إلى «التقارب» في صحف كل الدول وفي المناقشات السياسية؛ 
وليس فقط التعليمية: التي صاحبت مفهوم «مجتمع المعلومات». وكانت 
القضايا المطروحة الاقتصادية والسياسية والثقافية تشغل الأفراد 
والمّمبساتء وكان من بينها مؤسسات الوسائط والوسائط المتعددة والأسرة 
والدولة ‏ الأمة ذاتها. 

كانت هذه القضايا في معظمها تتركز حول السيطرة: ما أساس فوة 
الوسائطء التي تكمن بالتأكيد في أشياء أخرى غير التكنولوجياء وكيف أثرت 
في الحكم؟ ما علاقتها بالحكم السلطوي؟ هل جعلت الحكم غير ممكن في 
الدول الديموقراطية؟ كل ذلك كان ماثلا في عقل «لندون جونسون» عندما 
حاول أن يتملص من الخلافات حول فيتنام بالعودة إلى السياسة الداخلية 
التي كانت تمثل أولوياته المعلنة. وهو نفسه ما فعله خلفه الجمهوري الذي 
كانت أولوياته مختلفة. ففي زيارته التاريخية إلى الصين العام ,141/١‏ وهي 
موضوع أوبرا «جون أدمز». كان الرئيس «ريتشارد نيكسون». الذي لم 
تكن تؤرقه فضيحة ووترجيت. يحسد الرئيس الصيني «تسو إنلاي» 
 1454(‏ كلاذا) لأنه كان بإمكانه تحرير الصفحة الأولى من جريدة. كانت 
طريقة «توسط» الوسائط في الشؤون الدولية والوطنية غالبا ما تطرح في 
ذلك الوقت. وهو الاتجاه الذي سوف يستمر في التسعينيات. ومن ذلك أن 
جاء عنوان دراسة «تود جتلين» المؤثرة عام 1580 «العالم كله يشاهد»»؛ والعنوان 
الثانوي «دور الوسائط في تقوية وإضعاف اليمين الجديد». وكانت هناك 
أصوات متصارعة. فصامويل هنتنفتون: الذي لم يكن محبوبا من جانب طلاب 
الستينيات الراديكاليين؛ رأى (يعد فضيحة ووترجيت) أن ما أسماه اللهجة 
«المعارضة» للصحافة أسهم في زعزعة استقرار الحكم الدستوري»: حيث 
ظهرت مؤشرات على حدوث «تراجع في الإذعان» على جانبي الأطلنطي في 
السنوات التي سبقت الثمانينيات. 

كانت هناك تساؤلات كثيرة ترتبط بالوسائط ذاتها . منها: هل العلاقة بين 
الجمهور والفرد كانت تجتاز تغيرا؟ وفي مجتمع وثقافة يعولان كثيرا على 
«الاختيار»: هل تصبح كلمة «جمهور» كلمة مماتة. كما قال البعض ليس فقط 
في بريطانياء مثل كلمة «الطبقة»؟ هل فقد المجتمع تماسكه وأصبح مجراً؟ 





التاريخ الاجتماعي للوسائط 


إن رقمنة هه ناهانع نل كل أشكال المحتوىء رغم أنها مكنت من عمل 
أشياء كثيرة» لم تحسم مشكلات قديمة تتعلق بالمحتوى مثل: هل وجود قنوات 
أكثر يعني فعلا اختيار أكثرة هل هذه القنوات الأكثر لا تقدم سوى المزيد من 
الشيء نفسه؟ كان المحتوى مهماء وقد ركز توسيع راديو 524 وتلفزيون الكابل 
على هذه القضاياء وهو ما فعلته الديموغرافيا المتغيرة. فموسيقى المراهقين 
والأطفال لم تكن الأوبراء التي تغير استقبالها واستقبال الموسيقى الحجرية(*) 
والأوركسترالية بتآثير الاستريو وجهاز إعادة إرسال الصوت المستقبلء بل 
موسيقى الروك. التي تكيفت تجاريا مع المنظورات الديموغرافية. وهوليود 
أيضا صنعت أفلاما تخاطبء في الأساس. الصغار أو البالفين الذين يشعرون 
بأنهم صغارء وفي مقدمتها شيلم «سوبرمان» (1518). ومع ذلك فإن حماسة 
هوليود للأعمال الضخمة باستخدام كثير من «المؤثرات الخاصة» المعقدة ظل 
يحقق أرباحا. وقد أسهم فيلما «الفك المفترس» و«حرب النجوم». لاثنين من 
كبار أسماء سينما أواخر القرن العشرين؛ «ستيفن سبلبرغ» و«جورج لوكاس»». 
في إعادة السينما الجماهيرية ثانية. 

لم تحظ التسلية بالاهتمام الجاد نفسه الذي حظي به التعليم من جانب 
الدارسين. فقد أعدت مبخططات لجامعات من دون جدران ومدارس من دون 
مدرسين. وكانت المعلومات في نظر البعض مسألة إشكالية. وبالنسبة إلى 
كثير من صناع السياسة: الذين أدركوا أهمية المعلومات. كانت القضية 
الأساسية هي الوصول إلى المعلومات:؛ أو ما أسماه «دبليو إتش دتون» «الإتاحة 
عن بعد» 200055 عاء]. وعلى رغم كثرة الحديث عن «مجتمع المعلومات». لماذا 
لا يزال الناس غير ملمين بالقدر الكاضفي من المعلومات؟ حتى أن بعض الناس 
بدوا أقل معرقة مما كانوا عليه في أجيال سابقة. . وقد علق «بين ستين» ني 
العام 1945 قائلا إننا في عصر المعلومات: ومع ذلك فلا أحد يعرف أي شيء. 
ألا يجب الاهتمام إذن «بإخبار المجتمع»؟ وكيف يمكن للتكنولوجيا أن تساعد 
في إنجاز ذلك من خلال الوسائط كما كانت. أو على وشك أن. تفعل؟ ضي 
العام 1545؛ وهو عام الاحتفال بمرور مائتي عام على الثورة الفرنسية وعام 
سقوط الاتحاد السوفييتي - ومع حدوث تغيرات في الاتصالات التي كان لها 
دور في هذا الاثهيار ‏ عرضت كاميرات التلفزيون على العالم مصير سور 


لفق الموسيقى الحجرية موسيقى معدة للعزف من قبل بضعة موسيقيين أمام جمهور قليل العدد. 





























التقارب 


برلين. وبعد ذلك بثلاث سنوات بدأت في موسكو شبكة تلفزيونية مستقلة 
كجزء من الوسائط الكثيرة التي أنشأها «فلاديمير غوسينسكي». عملاق 
جديد من عمالقة الاتصال. 

وفي العام 19494 جاء في التقرير السنوي لمؤسسة ماركل الأمريكية: التي 
كانت مهتمة بالوسائط الأمريكية أكثر من اهتمامها بما يحدث في أي مكان 
آخر من العالم» أن: 

«تقارب الوسائط أحدث تفييرات في الاتصالات... فمع توسيع إتاحة 
خدمات جديدة عملت الوسائط على تغيير طرق حياتنا وعملنا وتيديل 
مدركاتنا ومعتقداتنا ومؤؤسساتنا. ومن الضروري أن نفهم هذه التأثيرات 
بغرض تطوير المصادر الإلكترونية من أجل مصلحة المجتمع». 

ظلت هذه الفقرة: ولو ببعض التضييقء شعارا لمؤسسة ماركل طوال مدة 
ركاسة «ليود موريست» لها التي انتهت العام 1956. 

بيد أن هذه المؤسسة أسقطت كلمة «المعرفة», التي ورثت عن العهد السابق 
في بحوث الاتصال والتي أصبحت فيما بعد أكثر حضورا في فتلندا وكندا 
وحتى بريطانياء وجاءت كلمة «التكنولوجيا» كبديل ذي مغزى عن كلمة 
«الخدمات». وبشكل ذي مغزى أيضا يمكن تطويل العبارة السابقة لتصيح 
«علينا أن نفهم هذه التأثيرات بغرض الاستفادة من مصادرنا الإلكترونية من 
أجل مصلحة قطاعات المجتمع الكثيرة والمتنوعة». 

لم يكن هناك إجماع حول طريقة قياس «هذه التأثيرات» أو الاستفادة منها 
سواء على المستوى الوطني أو العالمي. في حين كانت «المؤثرات الخاصة» في 
السينماء على رغم ارتفاع تكاليفهاء أسهل في استغلالها. والإشارة إلى «قطاعات 
المجتمع المتنوعة» و«الأقليات», وكذلك «الكثيرة»» تفترض أنه كانت هناك حاجة 
إلى إعداد «أدوات سياسة الاتصالات»». بناءٌ على البحوث؛ بفرض توجيه التنمية. 
وبالطبع رفض البعض هذا الاقتراضء إذ كانوا يؤمنون بحرية قوى السوق. أما 
فض الدولة يدها من الوسائط والاتصالات عن بعدء حيث فيل إنهما تتقاربان؛» 
فقد أصبح بالفعل من الموضوعات الرئيسية في الثمانينيات. وهو ما حدث أيضا 
مع ظهور بدائل للشبكة والبث العام. وفي عام 15944 أراد جمهوريو «نيوت 
غنفريش» إلغاء الوكالة الفيدرالية للاتصالات 506 التي كانت هي نفسهاء مثل 
كلنتون وغورء تدفع بقوة في اتجاه تحرير هذا القطاع من تدخل الدولة. 





التاريخ الاجتماعي للوسائط 


وعلى نحو متزايد؛ ومع مزيد من عولمة نظام الاتصالات والاقتصاد؛ وهو 
ما حدث بشكل أساسي من خلال قوى السوق» ظهر سؤال آخر بين من يمكن 
أن يكونوا صناع السياسة في المستقبل عما إذا كان من الممكن أو الضروري 
أن تكون سياسة أو إستراتيجية الاتصالات عولية في طبيعتها أكثر منها 
قومية. وهو سؤال طرح في سياق آخر في مناقشات اليونسكو ضي 
السبعينيات. وقد أصبح هذا السؤال أكثر إلحاحا مع تطور الإلكترونيات 
الدقيقة والتكنولوجيا الرقمية اللتين وسعتا الفجوة بين الدول وبين الأغراد 
والجماعات داخل كل دولة. ولكن كان منشأ هذا السؤال هو علم الاقتصاد 
وليس تكنولوجيا الاتصالات. وكذلك ظلت السياسة توضع في الحسبان. وضي 
الحالة الكندية أكد مدير اليث الكنديء «بول راسين»». في العام ١1595‏ أن 
«سياساتنا يجب أن تشجع تطوير المحتوى الكندي القادر على منافسة أفضل 
ما يمكن أن يقدمه العالم: بما في ذلك المنتجات الثقافية والترفيهية 
والتعليمية». عبر «راسين» عن رأيه هذا في فنلند! التي كانت على وشك أن 
تعلن هدفها في أن تصبح «مجتمع المعرفة الرائد في العالم»» في حين كانت 
جارتها القوية روسيا لا تزال متخلفة. 

بعد انتهاء الحرب الباردة بدأت منظمة التجارة العالمية, التي ستصبح هيئة 
موضع خلاف كبير في التسعينيات, تظهر في الصورة, على الأقل بنفس قدر 
بروز الشبكة العنكبوتية العالمية <اء/18 710 78/0:131, إذ اتفقت 5 دولة في عام 
1 على تبني سياسة اتصال تدعم المنافسة. وقد أعلن «غور» عن هذا 
الموضوع في بيونس أيريس في خطابه أمام الاتحاد الدولي للاتصالات العام 
4:» ذلك الخطاب الذي رجع فيه إلى جهاز التلغراف الذي يعود للقرن 
التاسع عشر واستشهد بالروائي الفيكتوري ناتانيال هاوثورن, الذي وصف 
العالم بأنه مغطى «بشبكة عصبية عملاقة من الاتصالات». وقد تنبا غور بأن 
الشبكات الرقمية سوف تحقق رؤية هاوثورن. 

وخلال السبعينيات كانت معظم المناقشات الرسمية لسياسات الاتصالات 
القومية:, بما في ذلك الاتصالات والبث (اللذان كانا لا يزالان يعاملان 
باعتبارهما منفصلين ولكل منهما ثقافته أو ثقافاته الخاصة). تركز على 
الهياكل والأهداف أكثر مما تركز على التكنولوجيات. ومن الجدير ملاحظته 
أن لجنة عنان حول مستقبل البث البريطاني. شأنها شأن قرارات المحاكم 


التقارب 


المتعاقة بالبث في إيطاليا وإسبانياء تعرضت العام 19177 على استحياء 
للتكنولوجياء في حين أقرت بوجه عام أنه «بحلول القرن الحادي 
والعشرين... سيكون في مقدور العديد من الوسائل أن تقدم العديد من 
الخدمات في مجالات التسلية والتعليم». كانت الولايات المتحدة هي التي 
تضبط سرعة التغير واتجاهه. أما «ويلسون ديزارد». الذي كان أحد صناع 
السياسة؛ ونشر في عام ١987‏ كتابا بعنوان «عصر المعلومات القادم» اعتمد 
فيه على أعمال «دانيال بل»: فقد تحدث عن التكنولوجيا في عام 1917 أكثر 
مما تحدث عنان ضفي الصفحات الأولى من كتابه «التلفزيون: رؤية عالمية». 
واقترح «ديزارد» أنه يحلول عام 6 » قبل أن تصدر لجنة عنان تقريرهاء 
سيكون التلفزيون جزءا مكملا من شبكة اتصالات دولية شاسعة تقوم على 
أجهزة الحاسب والأقمار الصناعية الفضائية؛ وسيكون في مقدور الأجهزة 
أن توصل «أي نوع من البيانات فوريا في كل أنحاء العالم لتليية حاجات 
الانفجار المعلوماتي الجديد». 


الوفرة والاختيار والأزمة 

في البداية كان هذا «الانفجار»». الذي مثل في المرحلة الأولى تحديا 
للتلفزيون. لا سيما باعتباره وسيطا جماهيرياء كان أقل ارتباطا بتقارب منه 
بتعدد تكنولوجيات الاتصال؛ مع بروز ثلاثة مصطلحات أخرى تيدأ بحرف 
(0) بجلاء في المناقشات الأوئى: الوفرة 18أممءناهمه0© والاختيار ءءزه6 
والأزمة 28515: التي سرعان ما سيلحق بها مصطلح لا يبدأ بحرف ) وهو 
التفاعلية 15اتاعهيرع)م1: الذي سيكون أكثر استخداما من مصطلح خامس 
يبدأ بحرف © وهو الابتكار /120511). كانت كلمة التفاعلية تستخدم مع 
الأجهزة التي توظف في المتاحف والفصول الدراسية ومع التلفزيون في 
المنازل ومع إمكانات التسوق الإلكتروني المتنامية. ويرى أحد مترجمي سير 
مهندسي الشبكة من داخل المجال؛ «روبرت ريد». أن التلفزيون التفاعلي كان 
«أكبر مثال للتقارب حتى مطلع التسعينيات. حيث أصبح من الممكن تقديم 
عرض فيديو كامل للملايين بناء على الطلب. وسوف تدمج بنيته التحتية مع 
نظام التسويق والمعاملات التجارية الذي يمكنه استغلال هذه الصناعة ذات 
الاستثمارات الضخمة». 














التاريخ الاجتماعي للوسائط 


إن الوفرة. وهي كلمة كانت تطبق في السابق على المنتجات والمواردء تقابل 
الندرة بالنسبة للوسائط ذاتهاء وأيضا ما يمكن أن تقدمه هذه الوسائكط. بيد 
أنه كان من الضروري آنذاك التخلي عما أسماه «أنتوني سميث» «منطق الندرة 
المريح». الذي يعود إلى بدايات البث. فالتكنولوجيات الجديدة أتاحت للأفراد 
مزيدا من الحرية في اختيار ما يشاهدونه أو يسمعونه واختيار وقت المشاهدة 
والاستماع. في غضون ذلك أصبح للأقليات بعض التأثير: وبخاصة عندما 
تكون متمركزة عبر الحدود. 

أما الأزمة فهي كلمة كانت تشير إلى التمويل وبشكل أكثر عمومية إلى 
السلطة, وقد كانت هيئّة البريد. وهي من أقدم المؤسسات المكرسة للخدمة 
العمومية. هي التي واجهت أصعب مشكلات التمويل أثناء تكيفها مع التفير. 
وفي الولايات المتحدة جاء تقرير لجنة ركاسية عام ١17١‏ يقول إن: 

«هيئة البريد الأمريكية تواجه أزمة. فمع كل عام جديد يزداد تأخرها عن 
بقية جوانب الاقتصاد في الخدمة والكفاءة وفي الاضطلاع بمسؤوئياتها 
كصاحب عملء وفي كل عام تعمل هيئة البريد بخسائر مالية ضخمة». 

وبعد مساومات في الكونفرس جرى البدء في خدمة بريدية جديدة, لكن 
المشكلات المالية لم تنته.ء وفي أواخر السبعينيات ستكون البدائل الإلكترونية ‏ 
البريد الإلكتروني تحديدا ‏ محل دراسة. وفي ورقة حول هذا الموضوع غطى 
«هنري غيلر» وستيورات بروتمان» أجهزة الحاسب والروابط الرقمية 
والأقمار الصناعية وتلفزيون الكابل والألياف البصرية والفاكسميلي. واقترحاء 
وهما محقان في ذلكء أن الفاكسء الذي جاء كتطوير للتلغرافء يمكن أن 
يكون «الجسر الذي يمكن العبور عليه إلى نظم مستقبلية إلكترونية بالكامل 
تستخدم المدخل والمخرج الرقمي». 

وفيما يتعلق بالبث كان الإطار المؤسسي لإنتاج وتوزيع البرامج؛ سواء عن 
طريق هيئات البث العامة. التي كانت مضطرة لمواجهة أشكال المنافسة 
الجديدة؛ أو عن طريق شبكات التلفزيون الضخمة: كما في الولايات المتحدة 
(في عام ١9597‏ أضيفت شركة تلفزيون ضخمة رابمة هي +70), كان هذا 
الإطار موضوع فحص دائم. فالكابل؛ الذي كان يعامل كمنافسء «وعد بتحقيق 
الملاءمة والوفرة في التسلية وغيرها من الاستخدامات المدهشة الأخرى 
لأنبوب أشعة الكاثود». وفي الوفرة التي يمكن أن يقدمها الكابل رأى «هنري 


التقارب 


غيلر». الذي أثر في تشكيل الاتجاهات نحو الاتصالات في واشنطن؛ حافزا 
لعدم تنظيم القطاع من جانب الدولة. فالمنافسة. حتى لو كانت داروينية 
لا تبقي إلا على الأقوى؛ يمكن أن تؤّذن بعصر جديد في الاتصالات. 

بدا هذا السيناريو واعدا في نظر بعض المعلقين في الولايات المتحدة 
ومنهم «نيل هيكي»» وهو من المشاركين المنتظمين في مجلة «دليل التلفزيون», 
الذي كان يعتقد أن «شباب اليوم الذين في سن العشرين سيتمتعون بالتأكيد 
ببيئة اتصالات أكثر معقولية وتنوعا مما نعرفه اليوم.. وأخيرا سوف يخاطب 
الجمهور بكل تنوعه بالقوة والكرامة التي يستحقها وليس باعتباره قطيعا 
ضخما من الخراف البلهاء يعطى لأعلى مضارب». وبعد عشرين عاما من 

ذلك؛: وعند التذكرء قدم واحد على الأقل من مؤّرخي الوسائطء «برايان 

وينستون»: رأيا مضادا: «إن قنوات الكابل فشلت كلية في تغيير الأنواع الأدبية 
وأشكال البث التلفزيوني المؤسسة: وإن كانت أضافت إليها». 

لم يكن التفاؤل مقصورا فقط على الولايات المتحدة. فها هي مجلة 
«الاقتصادي» اللندنية في عام ١947‏ تصف قرار مجلس الوزراء بربط 
بريطانيا بالألياف البصرية بأنه «يقدم لبريطانيا إمكانات كبيرة وهي تدخل 
القرن الجديدء لا تقل عن تلك الإمكانات التي قدمها مد شيكة السكك 
الحديدية في القرن الماضي». كانت حكومة تاتشر الأولى: التي كانت فضي 
السلطة آنذاك. شأنها في ذلك شأن حكومة ريفان الأمريكية:؛ تلتزم 
بالمنافسة؛ وقد تأثر تفكيرها إلى حد كبير بتقرير المجموعة الاستشارية 
لتكنولوجيا المعلومات (لم يكن لأي من أعضائها خبرة في البث) حول «نظم 
الكابل» الذي تسلمته في أواخر عام 0١‏ والذي لم يعتقد أن هناك 
حاجة إلى التمويل العام لمشروع الكابل. ومع ذلك فإن الحكومات مهما كان 
التزامها بالتحرير ‏ كان بعضها يتلكأ في التحول ‏ وجدت من الصعب 
عليها أن تبقى خارج السيناريو. وأصبحت كلمة «البنية التحتية» كلمة 
جديدة أساسية في أي مناقشة «للمستقبلات» 100165ا1» وسرعان ما ستلحق 
بها كلمة «الميراث». وضي بريطانياء التي سيكون النقل فيها موضوعا 
متداولا في البرلمان والوسائطء ظلت البنية التحتية الداخلية فيكتورية؛ 
وهو ما كانت الصحافة تشير إليه كثيرا. لقد كان هناك بالفعل مجال 
لأزمات فورية وأخرى مستقبلية. 


















































التاريخ الاجتماعي للوسائط 


والصحاقة ذاتها غالبا ما كان ينظر إليهاء على كلا جانبي الأطلنطيء. على 
أنها في أزمة. وضي حالة الصحافة جاء الحاسب كمنقذ على حد تعبير 
«أنتوني سميث» عام ١18١‏ في كتابه ذي العنوان الأخاذ «وداعا غتنبرج». ولكن 
بعد مقاومة من جانب الطباعين والصحافيين. وبفضل خبرته كموجه لكل من 
البث والأفلام عاد «سميث» إلى التاريخ البريطاني كما يفعل معظم الكتاب 
على هذا الجانب من الأطانطي. أما الاقتراحات التي ظهرت في الولايات 
المتحدة بأن تلقى الصحافة نفس معاملة السكك الحديدية, فقد اعتمدت على 
المنطق أكثر منها على التاريخ. فالصحافة في الولايات المتحدة؛ كما ضي 
بريطانياء لم تكن في طريقها إلى النهاية. بل على خلاف ذلك زادت قوة 
الصحافة المصغرة في بريطانيا . كما لم تختف مؤسسات خدمة البث العام في 
أجزاء العالم الأخرى. لكن كان على هذه المؤسسات مع ذلك أن تعيد (ببلاغة 
في الغالب وإن كان بشكل دفاعي في البداية) صياغة الحجج المؤيدة لخدمة 
البث العام؛ ولم يكن الاختصار 558 يكفي في ذلك. 

وفي بريطانيا كان المعهد البريطاني للسينماء الذي أصبح الآن مركزا 
لدراسات الوسائط؛ هو الذي نشر عام 1997.: «كجزء أصيل من عمله». 
سلسلة كتيبات بعنوان «مراجمعة وثيقة هيئة الإذاعة البريطانية». قبل ثلاثة 
أعوام من وضع الوثيقة الملكية لهيئة الإذاعة البريطانية موضع التجديد. وقد 
بدأ أحد مؤلفي هذه الكتيبات؛ «كريستوفر هود». بحكم يقول «أن هيئّة 
الإذاعة البريطانية كمؤسسة أصبحت الآن جزءا من الماضيء. شأنها شأن 
الممستقبلة البلورية/*) ( أو الراديو ذي الصمامات». وأكد أن شركة البث 
الاحتكارية العامة ليست الطريقة الوحيدة أو حتى المثلى لفرض ضوابط على 
المسؤولين في مناصب عامة عالية. في حين اتخذ «أنتوني سميث». مؤلف 
الفصل الأول من الكتيب الأول «كل مستقبلاتنا»». موقفا مغايراء مؤداه أن 
«هيئة الإذاعة البريطانية فجأة وجدت بيئتها غير مألوفة لهاء إذ أصبحت 
برامج التلفزيون سلعا وأصبحت الخدمة العامة شذوذا. لكن هل الخدمة 
العامة أيضا ضرورة5». كانت الإجابة بالإثبات في رأي «سميث,». أي أنها 
ضرورةء وهو الرأي الذي عبر عنه «أندرو غراهام» في كتيب متعدد المؤلفين 
عام ١595‏ بعتوان «الأغراض العامة في البث». 


(*) جهاز استقبال مزود بكشاف يلوري ولكن ليس فيه صمامات إلكترونية. 








التقارب 


وفي عالم يتميز بالاتصال العولمي: لم يكن في مقدور التلفزيون مدفوع 
الأجر والكابل والإنترنت: بل والسوق ذاته. كما يرى جراهام؛ أن يحققوا الفوائد 
الكاملة للتكنولوجيا الجديدة للمجتمع ككل. ولذا كان من الضروري ظهور «فوة 
إيجابية» لموازنة تركيز الملكية في يد القطاع الخاصء وتنفيذ التغطية القومية 
بغرض مواجهة «تشظطي الجماهير». وتوفير «مركز متميزء لإنتاج وبث البرامج؛ 
على أن يكون من القوة بما يكفي للتأثير على السوقء وأن يعمل بالتالي كضامن 
للجودة؛ وأن يعملء أخيراء على «توسيع الاختيار الآن وفي المستقبل بالعمل 
كمكمل للسوق من خلال تحقيق أغراض الخدمة العامة». 

كانت هذه النقاط عينها قد أثيرت في العام السابق من جانب رئيس المجلس 
الأعلى للبث السمعي البصري في فرنساء الذي خطط في عام 65 أن يدعو 
من خلال اليونسكو «كل اللاعبين في تنظيم الاتصال السمعي البصري». وكان 
من رأيه - يؤيده في ذلك رئيس هيئة البث الإيطالية ‏ أنه مهما كان التقدم 
التكنولوجي الذي يمكن أن يحدث في التلفزيون الرقمي الأرضي (أو الراديو) 
ومهما كان عدم تدخل الدولة في الاتصالات عن بعد سيظل التنظيم الأفقي 
ضرورياء وكذلك يجب التعامل مع المحتوى والحامل بشكل منفصل. ومن خلال 
إعادة صياغة المدخل الفرنسي التقليدي لتطوير الوسائط عرف الرجل أن آراءه 
تلقى دعما كبيرا في أغريقيا وآسيا ؛ إن لم يكن في أمريكا اللاتينية أيضا. 

في ذلك الوقت كانت الطريقة الأمريكية مختلفة: وهذا شأنها دوما. وهي 
الطريقة التي تجسدت في أول مزاد علني للطيف في العالم نفذته الوكالة 
الفيدرالية للاتصالات 500 في يوليو 1594: الذي حققت فيه نسبة صغيرة 
من الطيف الإلكترومغناطيسي للتليفون اللاسلكي أكثر من بليون دولار. كان 
لبريطانيا أيضا طريقتها الخاصة؛ مع حدوث جدل غير مسبوق حول الأبعاد 
الاجتماعية والثقافية للتقارب. ففي عام 7 صدرت وثيقة جديدة لهيكة 
الإذاعة البريطانية, كانت الشغل الشاغل لمجلس إدارتها ورئيس المجلس 
والمدير العام. ولكن مع الانتقادات الجديدة والتكنولوجيا الحديثة الكثيرة لم 
تنته مشكلات الهيئة بحال من الأحوال. 

وضي العام نفسه وضع قانون جديد للبث إطارا لإدارة عملية الرقمنة: بما 
في ذلك إعلان المزايدة عام 19517 على تشغيل تلفزيون أرضي رقمي في 
بريطانيا . أما هيئة الإذاعة البريطانية فقد قبلت بحماسة تحدي التكنولوجيا 





التاريخ الاجتماعي للوسائط 


الرقمية التي بدأت الانتشار في التسعينيات وستشمل الراديو والتلفزيون. 
وبدأت أول قناة رقمية تابعة لهاء 166 880 في أواكل خريف ١55/8‏ 
باستخدام الحامل 851908, وهو ما يعد من المفارقات. قبل ذلك كان لاعبون 
متنافسون كثيرون في لعبة الرقمنة قد استخدموا كلمة «التقارب» في الأوراق 
التي وزعت على ضيوف ندوة «عرض بعض جوانب التقارب». التي عرض فيها 
كل من التلفزيون والحاسب الشخصيء كما كانت هناك إشارات إلى الإنترنت. 
لكن حكومة بلير رفضت اقتراح من هيئة استشارية؛ عينتها عام 1545 برئاسة 
أحد علماء الاقتصادء يقضي بفرض رسوم ترخيص إضافية على المشاهدين 
الذين اشتروا مستقبلات تلفزيونية رقمية جديدة لمساعدة هيئة الإذاعة 
البريطانية في تكاليف التحول إلى التكنولوجيا الرقمية. وبدلا من ذلك وافقت 
الحكومة على زيادة صغيرة في رسوم الترخيص العام وطالبت الهيئة بأن 
تغطى الفرق عن طريق المدخرات وزيادة عوائدها التجارية. 

كانت شركة 8518 وهي ممون 0016م دولي. هي من أدخل في 
سبتمير العام ١594‏ أول خدمة قمر صناعي رقمي ذي مائتي قناة. في غضون 
ذلك قامت دول أوروبية مختلفة ودول أخرى خارج أوروبا منها كندا بتشكيل 
مجموعات عمل لوضع تواريخ لعمليات الرقمنة المستقبلية. بالنسبة إلى 
إيطالياء وكما جاء في الندوة التي نظمت لعدد محدود من «لاعبي الرقمنة» 
من فرنسا وإيطاليا في نوفمبر 1444؛ كانت سرعة التخطيط القومي أقل. 
وحدد العام 1 ليكون عام البدء في هذا البلد. أقر الجميع أن العالم 
الرقمي عالم جديد «وليس مجرد إضافة» للعالم القديم. كما ظهرت قضايا 
و«معضلات» رقمية صعبة؛ منها ترتيبات الترخيص وفواعد الإعلان. وفوق 
ذلك كله. تسعير أجهزة التلفزيون الرقمي. ولكن كان هناك اتفاق على أن 
التلفزيون الأرضي الرقمي كان بمنزلة تفير صانع لعصر جديد يهم كل شخص 
في الحكومة والبرلمان؛ وليس فقط العاملين في صناعة البث؛ كما كان 
التلفزيون الأرضي الرقمي أيضاء على حد تعبير مسؤول إيطالي: «الطريقة 
المثلى للحفاظ على هويتتا الثقافية الأوروبية». 

قبل ذلك بعشرين عاماء عندما كان مثل هذا التركيز مستحيلا: كانت 
التكنولوجيات الكثيرة الجديدة هي البارزة. كما لا تزال بارزة بالنسبة لمعظم 
المستخدمين وغير المستخدمين في عام ٠٠٠١‏ وقد برزت التكنولوجيات 


التقارب 


بجلاء. ولكن بشكل مستقل: في مجموعتين كاشفتين من الأوراق: الأولى 
مجموعة «منظورات جديدة في الاتصالات الدولية» )١15171(‏ لمحررها «جيم 
ريخستاد» نشرها معهد اتصالات الشرق والغرب في «هونولولو». الذي انتقل 
إليه طهراني (عن طريق اليونسكو) بعد الثورة في إيران؛ والثانية مجموعة 
«الاتصالات من أجل الفغد» (19179) التي نشرت تحت رعاية معهد أسبين 
وحررها «جلين روبينسون». وهاتان المجموعتان ليستا سوى اثتين من عدد 
ضخم من الكتابات حول موضوعات الوسائطء يوجد الكثير من أفضلها في 
مجلة 2تلعصمعامآ1 التي أ جرت سلسلة من المسوح الخاصة غطت عددا كبيرا 
من الدول حول موضوعات مثل التلفزيون عالي الوضوح «ه)تستاعل-طوتط 
وطيف التردد والنص عن بعد. كانت هذه المسوح تتضمن معلومات كثيرة عن 
«العالم العربي» بوجه خاص. 
ومن بين المشاركين الذين جمعهم «ريخستاد» برز «ويلبر سكرام» 
(872-140) الذي كتب «الاتصال عبر الثقافي: اقتراحات لبناء الجسور»». 
وهو عمل لا يقل أهمية في تاريخ الاتصالات عن الطرق السريعة. كان 
«سكرام» كاتب خطب لروزظفلت وكان موسيقيا ولاعب بيسبول في فريق 
الناشئين قبل أن يتحول إلى الاتصالات. كما شارك في عام 157١‏ في دراسة 
مشتركة. «التلفزيون في حياة أطفالنا». وبعد ذلك بشلاث سنوات كتب 
«الوسائط الجماهيرية والتنمية القومية». ومن خلال خبراته؛ ومنها التدريس 
لفترة في جامعة بهونج كونج الصينية؛ كان «سكرام» على دراية بالبث في 
الشرق والغرب» وما كان يعرف فضي ذلك الوقت «بالشمال» و«الجنوب». وكتب 
فصلا عن نظرية الصحافة الشيوعية في كتاب نشر عام 1507. 
أكد مجلد «رويتسون» الذي بعنوان «الاتصالات من أجل الغد». الذي كان 
«بورات» المشارك الأول فيه على أهمية تعدد التكنولوجيات المختلفة أكثر من 
تقاربها. وعلى حد تعبير «روينسون» نفسه فإنه «في لب قضايا سياسة 
الاتصالات يوجد مخطط للسيطرة الاجتماعية على بنية وأداء صناعات 
الاتصال: الحاملات المشتركة. والحاملات المشتركة المتخصصة: وشبكات 
القيمة المضافة. وصناعات وخدمات الأقمار الصناعية؛ وتجهيزات الاتصالات 
عن بعدء وبث التلفزيون والراديوء وتلفزيون الكابل والتلفزيون المدفوع الأجر 
وراديو المواطنين... إلخ. و«إلخ» هذه كانت مهمة. كان البث يوضع في سياق 





التاريخ الاجتماعي للوسائط 


تكنولوجي جديد قبل أن تصبح الرقمنة كلمة مفتاحية. وكانت الأرباح؛ كما 
أضاف روبنسونء عالية. . قفي العام 61 تجاوزت العوائد الإجمالية 
لشركة 6851 الناتج القومي الإجمالي ل ١١18‏ دولة من إجمالي الأعضاء ء في 
الأمم المتحدة ١50(‏ دولة). 

وكالعادة تضمنت اقتصادات التطوير محاولة الفوز ببراءات الاختراع. كما 
كانت الحال مع اختراع الدائرة المتكاملة؛ وما تبعها من معارك واتفاقات. كما 


فرض تأمين الاستثمار الأولى والاستثمارات التالية أسئلة لا تقل حرجا عن 2 


الأسئلة التي فرضتها التكنولوجيات ذاتها. عوضا عن ذلك كانت هناك درجة 


عالية من المخاطرة. وكانت الإفلاسات أكثر من الانقسامات ٠‏ وكان أكبر تقسيم 1 


هو ذلك الذي حدث لشركة 2:1آ1م في الأول من يناير ١9/14‏ الذي تلا أضخم 
فضية حل كيانات احتكارية في التاريخ. ٠.‏ وهده القضية ل تقل أهمية: بالئنسيبة 
إلى مؤرخ الوسائط. عن قضية 105011 التي ستحدث بعد ذلك بعشرين 


ستريت» لفترة قصيرة فقط. 

تغير مشهد الاتصالات بين عشية وضحاهاء تغيرا بدا دراميا في حينه. 
وهي الليلة الأخيرة من شهر ديسمبر ١9587‏ قبل تقسيمها كانت شركة 
اشلآفض التي أخرجت عنوة لعدة سنوات من التعاملات في أسواق أخرىء إما 
عن طريق القانون أو السياسة؛ كانت تهيمن على أسواق الإرسال التليفوني 
الرئيسية الأربع؛ ولكن وفعت الشركة لفترة طويلة تحت رقابة عدوانية من 
جانب الوكالة الفيدرالية للاتصالات 00" وفانون التقسيم المناهض للتكتلات 
الكبرى. كما اضطرت أيضا إلى مواجهة عدد كبير من الدعاوى القضائية 
الخاصة المناهضة للتكتلات الضخمة؛ وسيل مختلط من تعليقات الوسائط. 
مثل ذلك الذي جاء في مجلة كاعم اووءمزون8 في نوفمبر 1574 الذي قال إن 
«عملية التنظيم لم تعد قادرة على احتواء قوة 18:7ش». 

كان هذا الشهر الذي نظرت فيه قضية الولايات المتحدة ضد 818:1 
(كانت شركات 1471 و«الفربية للإالكترونيات» ومختبرات بل هي المدعى 
عليه) في المحكمة الفيدرالية بمقاطعة كولومبياء وهي القضية التي كتب لها 
أن تطول لسنوات. بل ولم تسو و إلا خارج المحاكم في أغسطس عام 21545 


التقارب 
من خلال التجريد التطوعي بعد أن كانت القضية على وشك الحسم في 
المحكمة. وبمقتضى هذه التسوية قسمت شركة «6:ؤلا5 [ا8 التي نشأت 
وتطورت على مدى أكثر من قرن. وقد وصف رئيس مجلس إدارة 4141م 
عملية إعادة التنظيم هذه بأنها «أعقد عملية من نوعها في أي مشروع في 
أي مكان». 
أكد «ألان ستون» في دراسة مفصلة لهذه القضية أن «قليلين فقطء إن كان 
هناك أحد على الإطلاق. [قبل منتصف السبعينيات] فطنوا إلى الطرق 
الرائعة التي سرعان ما ستتلاقى التكنولوجيات من خلالها». كانت تعددية 
التكنولوجيا هي البارزة في ذلك الوقت؛ كما كانت بالنسبة إلى روبنسون: 
وبسبب هذه التعددية تولد إحساس بضرورة دراسة عديد من الخيارات 
المنفصلة. ليس فقط من جانب اللاعبين المختلفين في لعبة الاتصالات؛ 
وبعضهم من الداخلين الجدد الصغار بل أيضا من جانب آلاف المستخدمين 
الذين غالبا ما يجدون الاختيارات محيرة. وقد كان متاحا لهم رغم ذلك. 
عدد كبير من المجلاتء التي كان بعضها متخصصا إلى درجة بعيدة: بل وكانت 
أعدادها في ازدياد» حتى أن بعضها أصبحوا لاعبين هم أنفسهم. وعلى حد 
تعبير «جون هاوكنز» العام 1974: الذي كان في ذلك الوقت محرر مجلة 
4 ففي «كل يوم تظهر مطبوعة جديدة أو يعاد تقديم مطبوعة 
قديمة لنقل أخبار عالم الاتصالات دائم التغير». في هذه الأثناء كانت 
صفحات المشروعات في الصحف تكرس على نحو متزايد للتعليق على 
مشاريع الاتصالات. وقد كانت هذه كلها في طريقها إلى أن تتغير كلية في 
طبيعتها في كل الدول مع ظهور سلع تكنولوجية جديدة وزيادة اختيارات 
المشاريع. وقد أصبحت ملاحق الاتصال منتشرة؛ ومعها تطورت لفة مشتركة. 
فحتى في ملحق رياضي إيطالي يمكنك أن تقرأ عن الوسائط والاتصالات. 
شعر البعض لأسباب مهنية بضرورة التعقب المتأني للأحداث دون تركيز 
كبير على الوسائط. ومن ذلك أن «جون بلاك» الذي كان في عام ١588‏ 
يفحص ما يحدث. ليس من داخل المحاكم ولا المختبرات. ولكن من داخل 
واحدة من أقدم مراكز الاتصالات. وهي المكتبة ‏ تحديدا مكتبة جامعة غولف 
بكندا ‏ قام بتصنيف التكنولوجيات الجديدة القائقمة تحت تسعة عناوين: 
الأقمار الصناعية؛ والإرسال الذي يعتمد على الليزر (اخترعت أجهزة الليزر ‏ 





التاريخ الاجتماعي للوسائط 


أي تضخيم الضوء عن طريق انبعاثات إشعاع زائف ‏ ذات التاريخ الطويل لأول 
مرة عام )١151١‏ والألياف البصرية:؛ وأنظمة الميكروويف الطرفية الرقمية, 
والشبكات المحلية؛ والروابط واسعة النطاق 5لهئا لصه52:0205 الأأخرى مثل 
تلفزيون الهوائي المحلي (د15أو1رعاع) #ممعامة إاأمناصسصهمه) والاستخدامات 
الجديدة لشبكات التليفون القائمة؛ والراديو الخلوي 2015: عةاناااءه (الذي كان 
في البداية للصوت فقط وضي المستقبل للبيانات وغيرها) وأشكال التوزيع غير 
الآنية الجديدة قصددم؟ ممناداطنمادتل عصنا اه . 

إن «بلاك». وهو واحد من أمناء المكتبات المثقفين الذين واجهوا 
التكنولوجيا الجديدة وغيروا تنظيم مكتباتهم بطريقة رائدة استجابة 
لتحدي هذه التكنولوجيات. استخدم كلمة «التداخل» وليس «التقارب». 
وكفيره من المعلقين أقر «بلاك» بأن التطورات في الإلكترونيات 
الدقيقة. وبخاصة قوة الحاسب المتعاظمة: هي التي جعلت معظم هذه 
التغيرات ممكنة. 

وفي لندن وصف التقرير السنوي للمجلس القومي للإلكترونيات؛ الذي 
أعيد تنظيمه؛ وصف العام من يوليو 1584 إلى يوليو 1540 بأنه «من أنشط 
الأعوام» في تاريخه القصير الذي يمتد ١0‏ عاما. ففي هذا العام تحول 
الاهتمام إلى «تشجيع أطفال المدارس على أخذ مقررات تقود إلى العمل في 
الإلكترونيات وتكنولوجيا المعلومات». كما جاء مقال مصاحب لبازل رئيس 
شركة شركة ناههمء1 للكمبيوترء بعنوان «الإلكترونيات والطاقة والبقاء». كانت 
شركة اسدكره7 في العام ١165٠‏ تصنع وتبيع أول أجهزة حاسب تسوق في 
العالم وهي عشرة أجهزة عملاقة من نوع 1 1ئة/! ,عادعاء1125 لم يكن لدى أي 
دولة حينذاك فكرة عن الطريقة التي ستؤثر بها أجهزة الحاسب في الوسائط 
وبنيتها وإنتاج برامجها. 


الهاسب 
في حين لا يشكل تاريخ التكنولوجيا الخط الوحيد في تاريخ الوساكط 
في أي تحليل تاريخيء ذلك لأنه ما إن توقف النظر إليه كمجرد ماكينة 








التقارب 


الخدمات؛ وليس فقط خدمات الاتصالاتء. بأن تأخذ أشكالا جديدة. 
ولكي يقوم بذلك كان من الضروري أن يصبح أصغر وأرخص. وفي إنجاز 
هذه المهمة هيمنت الولايات المتتحدة, وليس بريطانيا أو أوروباء على 
مسار الأحداث. 

جاء اختراع أول حاسب رقمي إلكتروني صالح للعمل على كلا 
إمكان تحقق المنافع. كان جهازا وناووه1ه0© و 5831146 العملاقان. أو 
الماردان كما أسماهما البعضء يعتمدان على الآلاف من الصمامات 
التي لم تكن دائما محل ثقة: والتي كانت تسمى في أمريكا الصمامات 
المفرغة. وضي عام 6 وصف راكد الحاسب البريطاني اللامع «ألان 
تيرنغ» هذه الأجهزة بأنها أجهزة عالمية جعلت من غير الضروري 
تصميم ماكينات جديدة مختلفة للقيام يعمليات الحساب المتنوعة. 
ولكن تصميم هذه الماكينات الحختلف بشكل جدري بعد استيدال 
الصمامات بالترائنزيستور. كان الترائنزيستور في مراحل تطوره الأولى 
أقل موثوقية من الصمامات. ولكنه على المدى الطويل أدى إلى ثورة 
كانت ضرورية في حجم الأجهزة. 





الشكل )١11(‏ حلال الشفرات الإلكتروني بكمبيوتر 5لاة0105© العملاق الذي استخدم في بلتشللي بارك ضي 
بكنفهامشير لمساعدة بريطانيا وحلفائها في الحرب العالمية الثانية. 





التاريخ الاجتماعي للوسائط 


اعتمدت صناعة الترانزيستور [ المحولات] الأولى على التقدم في فيزياء 
أشباه الموصلات بعد التجارب التي تمت في «مختبرات بل» وغيرها من 
الأماكن. وفي العام ١4517‏ اخترع «جون باردين» و«والتر بريتين» و«ويليام 
شوكلي» (الذين حصلوا على جائزة نوبل بعد ذلك بثلاث سنوات) أدوات تكبير 
غير ذات صمامات إلكترونية مصنوعة من الجرمانيوم وتشبه قرني استشعار 
القط. غير أن مبيعات الترانزيستور (أول مستهلكيها كانوا صناع المساعدات 
السمعية) لم تتجاوز مبيعات الصمامات إلا يعد 1904: وقد استقبل الجمهور 
اسم «الترانزيستور» غير المألوف هذاء والذي أطلقه مخترعوه على اختراعهم, 
استقبلوه في البداية باعتباره لا يشير إلى جهاز الترانزيستور نفسه؛ بل إلى 
جهاز الراديو المحمول الصغير الذي يعمل ببطارية والذي يضم الترانزيستورء 
وهو جهاز الراديو الذي سوق بعد ذلك بسبع سنوات. (وقد روع «باردين» أن 
تكون موسيقى الروك هي الوجبة الأساسية لمستخدمي الجهاز). 

إن التسمية مسألة مهمة, وضي الغالب موحية؛ ليس فقط في تاريخ 
الوسائط المليء بالاختصارات بالأحرف الأولى؛ أو تاريخ التكنولوجيا 
الأساسية. بيد أن الاختيار الخيالي للأسماء ينتصر أحيانا على الوصف 
الوظيفي للأشياء. وفي حالتنا هذه بشكل خاص كانت التسمية أقل إمتاعا من 
التطورات المتلاحقة في التكنولوجياء التي تمت بفضل عدد من الفيزيائيين 
ومهندسي الحاسب المختلفين, أولهم «جوردون تيل»: الذي استبدل الجيرمانيوم 
بالسيليكون؛ والذي بدوره سرعان ما سمي «الشريحة». انتقل «تيل» من 


«دخيلة» بدأت كمقدم خدمات بترولية, وفي أكتوبر غ90١‏ بدأت في بيع شرائح 
سيليكون بالغة الصغر في حجم ظفر الإصبع. وبعد تقدمات تكنولوجية أخرى 
في شركة 1اتطعئنة5 لأشباه الموصلات, التي أدخلت الليثوغرافيا الضوئية في 
عملية إنتاج الشرائح. أصبحت عملية النمنمة أرخص وأصبح الترانزيستور 
أكثر موتوقية؛ ولكن, وكما كانت الحال عند اختراع الترانزيستور. ظل الطلب 

على أن هذه الثقة لم تنشأ بشكل فوري عقب الإعلان عن تقدم مهندس 
يعمل في «تكساس للآلات»: هو «دجاك كيلبي». لنيل براءة اختراع العام ١30‏ 
عن الدائرة المتكاملة. وهي عيارة عن «جسم مصنوع من أشباه الموصلات... 


التقارب 


أدمجت فيه كل مكونات الدائرة الإلكترونية بالكامل». كتب «كيلبي» في سجله 
الخاص بإعداد الدائرة المتكاملة في يوليو 150 أن «النمنمة الشديدة لكثير 
من الدوائر الإلكترونية يمكن أن تتحقق عن طريق صنع مقاومات ومكثفات 
ومحولات وترانزيستور وصمامات ثنائية على شريحة السيليكون الواحدة». 
كانت براءة اختراع لنفس هذه الدائرة المتكاملة قد أعطيت بالفعل لروبرت 
نويس؛ أحد مؤسسي شركة 1انطععنة8: وفيما بعد شركة ا12)6: الذي كتب 
واحدا من أفضل المقالات المبكرة حول أهمية الإلكترونيات الدقيقة واستخدم 
كلمة «ثورة» في عدد خاص من «المجلة العلمية الأمريكية» العام 1911. وقد 
ظهرت أول صورة بالحجم الطبيعي للموضوع في مجلة عهن1:ه5 قيل ذلك 
بعامين. وتعد هذه المجلة وغيرها من مجلات المشروعات مصدرا جيدا 
للمؤرخ: على أن تقرأ نبوءاتها بشكل ناقد. 

ومع وصول الدائرة المتكاملة أصبح في مقدور شريحة السيلكون مقاس 
«سدس << ثمن بوصة» التي تحتوي على 550١‏ ترانزيستور منمنما أن تكون 
بنفس قوة جهاز ©8814 الذي كان يشغل حجرة بكاملها. ومع الدوائر 
المنطقية المدمجة مكنت الشريحة الجديدة من تطوير أجهزة حاسب لكل 
الأغراض. وأصبح من الممكن لوحدات المعالجة المركزية الصغيرة أن تأخذ 
التعليمات من ذاكرات القراءة فقط 80845 المكتوبة خصيصا لهذا الغرضن. 
ومع ذلك فقد أثبتت استخداماتها الأولى أنها محدودة لدرجة كبيرة. وفي 
العام 193 كان ٠١‏ من الدوائر المعروضة للبيع دوائر متكاملة. 

تعود فكرة الدائرة المتكاملة إلى الفيزيائي الإنجليزي «ج. و. أ. دمر» العام 
7 : ولكن حتى بعد أن سجلت مباشرة كانت «خيبة الأمل»» (على حد تعبير 
«نويس»).: هي رد فعل صناعة الحاسب من ناحية العرضء إذ لم ترق بشكل 
فوري للمتخصصين المؤسسين. حتى أنه عندما اخترع «مارشان (تيد) هوف» 
المعالج الصغير (الميكرويروسيسور) في العام ١‏ الذي سيوصف فيما بعد 
بأنه قلب الحاسبء تم تطبيقه أولاء كما كان يمكن أن يحدث مع اختراع 
ميكانيكي فرنسي في القرن الثامن عشرء في ساعة حائط يمكنها أن تعطي 
صوت البيانو. ومع ذلك فعندما قامت شركة 66م[ بصناعته وتسويقه مكن 
هذا المعالج الصغير ليس فقط من تحقيق زيادة ضخمة في قوة الحاسب, بل 
أيضا تحقيق لامركزية في استخدامه. أما شريحة ذاكرة الوصول العشوائي 





التاريخ الاجتماعي للوسائط 


041 التي استحدتتها اأام1 العام ١97١‏ فقد قلصت تكلفة الذاكرة بدرجة 
كبيرة. ومن الآن فصاعدا ستظهر «أجيال» من الحاسبء وقد رحب اليابانيون 
على وجه الخصوص بهذا المفهوم. 

إن «نويس»»: الذي كان يمتلك القدرة على التعبير إلى جانب القدرة على 
اختراع الأشياء. شبه المعالج الصفير بالسيارة الضهمة. إذ يمثل «أسهل 
طريقة للانتقال من هنا إلى هناك». كما يمكن تحميل مئات الآلاف من 
المكونات عليه؛ وقد كان في اتضاح استعمالاته المتعددة دفعة للتكنولوجيا 
الرقمية على حساب التكنولوجيا القياسية في كل الوسائط التي سرعان ما 
سوف تصبح المستخدم الرئيسي لهذه المعالجات الصغيرة في الطباعة 
والأفلام والتسجيل والراديو والتلفزيون وكل أشكال الاتصالات عن بعد التي 
ينظر إليها الآن كجزء من مركب واحد. إن ما سمي «الضغط الرقمي» أي 
إزالة البيانات بما في ذلك البيانات الصوتية؛ لتوفير حيزء كان له قيمة 

خاصة بالنسبة إلى الراديو والتلفزيون. 

ومند وقت مبكرء تحديدا 1514: صاغ «جوردون مور»؛ وهو كيميائي من 
مؤسسي 10161 وأحد رؤسائهاء ما سيعرف باسم «قانون مور»؛: الذي ظل 
صحيحا منذ ذلك الوقتء ومؤداه أن عدد المحولات [ الترانزيستور] التي يمكن 
وضعها على شريحة واحدة يتضاغف كل ١8‏ شهرا. ومورء شأنه شأن شوكلي 
وتيل وكليبي وهوف وجماعات من فيزيائيي أشباه الموصلات, كان يعمل فضي 
المنطقة التي أصبحت أخيرا بساتين الفواكه في وادي السيليكون بكاليفورنيا 
الذي كان عندئن في بداية بروزه على خريطة الاتصالات العالمية الجديدة مثل 
برج إيفل أو دار البث أو مركز التلفزيون بلندن أو «مختبرات بل» أو هوليودء 

وهذه الأخيرة هي الأقرب للمنازل. 

إن حقيقة أن الشركة «الدولية لأجهزة المشروعات» (18231).: التي كانت 
حينذاك شركة جديدة ولكن أكثر إبداعا ومرونة في بنيتها وتنظيمها؛ وأقل 
هرمية من الشركات المؤسسة؛ وليس أي من المشروعات المؤسسة: هي التي 
شجعت عمليات تطوير الحاسب التي تتطوي على مخاطرة والتي تتميز بطلب 
أقل وعرض أعلى. من الحقائق ذات المغزى في تاريخ الاتصالات. في المرحلة 

الأولى من تاريخ الحاسب كانت شركة 1811 تتمتع بامتيازات تجارية ضخمة. 
كانت هذه الشركة قد نتجت عن اندماج حدث العام 1574.: كان من الداخلين 





التقارب 


فيه الشركة التي خلفت شركة «أجهزة جدولة الكروت المثقبة الرقمية»» التي 
أسسها «هيرمان هوليريث» العام 1845: وكانت 1831 تتمتع بثقافة تنظيمية 
متميزة أفادتها كثيرا في التعامل مع الحكومات والعملاء الكبار. ومع ذلك 
فمنتجات هذه الشركة كانت تنتمي إلى ما أسماه «بريان وينسنتون» فترة ضفي 
تاريخ الكمبيوتر انتهت العام ؟90١‏ مع عرض أجهزة الحاسب 7١١‏ من إنتاجها 
التي سميت في البداية «حاسبات الدفاع» و الحاسب 1 24311 من إنتاج شركة 
نأمدتء1. وبحلول العام ١511١‏ كانت شركة 1831 تسوق ما لا يقل عن سبعة 
خطوط حاسب منفصلة:؛ لكن أجدا منها لم يقد إلى ما أدى إليه المعالج 
الصغير ‏ أي الحاسب الشخصي. 

في هذه الأثناء كان تباعد كبير بين تاريخ الحاسبين الأمريكي والبريطاني قد 
حدث. عوضا: عن تزايد دور اليابان في السيناريو الدولي. كانت أول أجهزة 
حاسب تنتج وتسوق في العالم في العام ١156١‏ بريطانية. ولكن على الرغم من أن 
الشركة المنتجة لهاء نأصدمء, بدأت في إنتاج الحاسب الضخم المسمى «أطلس» 
الذي حظي باهتمام كبيرء إلا أنها وخليفاتها من الشركات البريطانية» ومنها 
شركة :101 (1580).: كانت تفتقر إلى الضمان للاستمرار في عمليات التطويرء 
ذلك الضمان الذي توفره السوق الأمريكية الضخمة على الجانب الآخر من 
الأطلنطي. كما لم يتح لها الاستفادة من المؤسسة العسكرية والبحرية والفضائية 
الأمريكية الضخمة. في هذه الأثناء كانت اليابان قد أصبحت منتجا ليس 
للشرائح الصغفيرة فحسب., بل أصبحت أيضا لاعبا رئيسيا في كل لعبة 
الاتصالات. وفي العام 19180 نشر المعهد القومي الياباني لتطوير البحوث مسحا 
مشوقا للمشاركة اليابانية ضمن دراسة شاملة حول الإلكترونيات الدقيقة. 

في محاولته لوضع خريطة لتاريخ الاتصالات الياباني بعد عودة 
الإمبراطورية العام 1874 ميز المعهد القومي الياباني لتطوير البحوث بين ست 
فترات: تبدأ المرحلة الرابعة منها )١1514  ١900(‏ بعد الازدهار الاقتصادي 
الذي تلا الحرب الكورية وتأسيس الوكالة الحكومية للعلوم والتكنولوجيا عام 
17اأما الفترة السادسة (السنوات العشر الأخيرة) فقد شهدت مزيدا من 
التقدم مع استعداد الدوئة لمواجهة مبادرات الولايات المتحدة. وأصبح 
اليابانيون يفخرون بتقدم منتجاتهم. فالمسجلات الصوتية والتلفزيونية 1/01 
«كانت احتكارا يابانيا تقرييا». 

-_ 





التاريخ الاجتماعي للوسائط 


ويستمر المسح مؤكدا أن دخول اليابان في مجال بحوث الحاسب لم يأتي 
متأخرا وفقا للمعايير العالمية. وأنهم اعتمدوا كثيرا على تعاون مصائع الحاسب 
الأمريكية. ومن أبرزها شركة 1831. أدى وصول الترانزيستور في العام ١454‏ 
إلى ظهور التلفزيون ذي الترانزيستور من إنتاج شركة لم50 الجديدة: التي 
ستصبح ذات شهرة عالمية لاحقاء وكما في كل تاريخ التكنولوجيا كانت التسمية 
هنا لا تخلو من دلالة» وقد تم اختيار الاسم بالإلهام. قامت 5003 كذلك بإنتاج 
المسجل الشخصي المحمول (ووكمان) الذي غير إلى حد بعيد من طريقة 
الاستماع إلى الموسيقى المسجلة. كان الووكمان جهازا محمولا؛ وهذه التحركية 
الشخصية (السير في الشوارع وركوب سيارة) ستؤثر في اتجاه كثير من 
التطوير التكنولوجي المستقبلي» ومن أبرزه التليفون المحمول. 

أشارت ورقة أمريكية تعود إلى العام 19117 بعنوان «الاتصالات من أجل 
مجتمع متنقل» إلى الاتصالات الطويلة بين مكان الإقامة والعمل في المناطق 
الحضرية الواسعة. والسفر الطويل داخل المدن باستخدام نظام الطريق 
السريع المتقدم, والاعتماد الكبير على الشاحنات في نقل البضائع. في ذلك 
الوقت كان هناك حوالي ٠١60‏ ملايين سيارة و 0؟ مليون شاحنة وأتوبيس» 
معظمها مزود «بوحدات استقبال راديو معيارية» لأغراض التسلية. كما 
أشارت الورقة كذلك إلى «النظام الخلوي» الذي زاد من إمكان الاتصال المتنقل 
وإلى تكنوئوجيا 124 الخلوية. واستخدام أنظمة صوتية رقمية ضيقة في نطاق 
الذبذبات. لم تكن «التليفونات المحمولة» قد لاقت التشجيع الكافي آنذاك: 
على رغم انتشار ٠٠١‏ ألف تليفون محمول بالفعل في ذلك الوقت. في حين 
بلغت شعبية راديو المواطنين مدى واسعاء حتى أن حوالي مليون شخص 
تقدموا في يناير ١61//‏ بطلبات ترخيص لها. ويرى مؤلف الورقة:. «رايموند 
باورز». أن «الاستخدام المتزايد لراديو المواطنين كان له مضامين امتدت أبعد 
من مجال الخدمة ذاتها». 

ومن بين العوامل الاجتماعية والثقافية التي دعمت التطور التكنولوجي في 
اليابان. كما خلص المسح الياباني. كان «المجتمع الذي يقوم على المساواة». 
والتكنولوجيا المتخصصة في الشركات صغيرة ومتوسطة الحجم»». و«تقاليد 
احترام العلاقات الإنسانية». وأخيرا وليس آخرا «الاحترام الشقافضي 
للتكنولوجيا». الذي تبدى في أواخر القرن التاسع عشر عند إدخال التلفون 





التقارب 


(1840) والتلفراف  )1497(‏ لاحظ الترتيب ‏ حيث توسعت الخدمات 
الحكومية واتضحت الرغبة الثقافية في تبني أفكار جديدة. أما القدرة على 
النمنمة فقد جاءت في النهاية. وقد اعتملت هذه العوامل في سياق المحيط 
الهادي الذي كان في وضع أفضل مقارنة بأورويا. وهناك عامل أخير يتمثل 
في تطوير صناعة سيارات يابانية ضخمة بين العامين 19764 و1517 سرعان 
ما ستصبح عالمية في مداها. 

يتضح من هذا الملخص الموجز أنه من ناحية العرض لا يمكن سرد تاريخ 
تطور الحاسب فصلا فصلا أو خطوة بخطوة أو حتى صفحة وراء صفحة 
دون الوقوع في شرك التبسيط المخل. فتاريخ تطور الحاسبء شأنه شأن 
تاريخ تطور السكك الحديدية؛ ضم معالم مختلفة ‏ التصميم والذاكرة واللغة 
ومجموعة الدوائر المنطقية والبرامج ‏ وضم كذلك أدوات جديدة مختلفة مثل 
الموديم الضروري لنقل بيانات الحاسب عبر خطوط التليفون؛ والفأرة وهي 
أداة إدخال للتحكم في المؤشر الذي يظهر على شاشة الحاسب. وقد لعب 
أناس كثيرون وأماكن مختلفة أدوارا في هذه القصة على مدار فترات زمنية 
مختلفة. وكانت القصة قصة تطور وليس ثورة؛ وهي الكلمة التي استخدمها 
«نويس»: لكن «نويس» كان محقا في التاكيد على أن التاريخ لم يكن «خطيا». 
كان التصميم كذلك مهما في جميع المراحل كما يعرف جميع العاملين في 
مجال صناعة الحاسب الآن وفي الماضي. 

. تعود بدايات «الذاكرة» إلى الأريعينيات, حتى قبل أن يبدأ «غاي فوريستر». 
من شركة '18111: في العمل في مشروع «الزويعة» الخاص بثبات الطائرات. 
و«فوريستر» هذا هو الذي دمج الذاكرة الأساسية المغناطيسية في أجهزة 
الحاسب العام 1507 أما لغات البرمجة فتاريخها أقصر وأكثر تعقيداء وقد 
كان «جون باكوس»: الذي كان يعمل في شركة 1811 هو من طور برنامجا 
داخليا جديدا عرف باسم 508712411 (نظام ترجمة الصيغ) في العام 15601, 
وكانت أولى هذه اللفات هي اناطلةامةاط من إعداد المهندس الألماني «كوتراد 
زوس» قبل ثلاثة أعوام من اختراع الحاسب الإلكتروني. و«زوس» هذا تم 
نسيانه إلى حد بعيد. في حين لم ينس «جوزيف ليكليدر»؛ عالم النفس بشركة 
8177 ورؤيته «للمخ البشري والحاسب... المتطابقين... إلى حد كبير». كما لم 
يتم نسيان أعمال مجموعة رواد الحاسب بمختبر هغ1كى 2210 عمنعغ الذي 





التاريخ الاجتماعي للوسائط 


أسسس العام 1617١‏ على يد عالم نفس آخرء «بوب تايلور» وكان «ألان كاي» 
يتولى قيادته في ذلك الوقت. فهذه المجموعة هي التي طورت الفأرة التي 
كانت تسمى في الأصل «مؤشر موضع نظام العرض». غير أن <56:0: التي 
كانت مهتمة فقط بالنسخ: لم تحاول استفلال جهودها الرائدة تجاريا فأخذت 
شركات أخرى أفكارها ومنها شركتا عازه و 5066م 2/1. 

تضاعف مقدمو البرمجيات بعد اختراع المعالج الصغيرء وأدركوا أنهم 
يمثلون «الجانب الإبداعي» في التكنولوجيا الجديدة. وهذه الفئة هي التي 
أعطت معنى جديدا لكلمة «برامج» إ[سوفتوير] ذاتهاء وهي الكلمة التي كانت 
تستخدم بالفعل كمقابل للمكونات المادية من نظام الاتصالات [هاردوير] 
ودورهم: كما كانوا يعرفون جيداء كان دورا حيويا. فلا يمكن لأي حاسب أن 
يعمل من دون نوع ما من البرامج. أو كما قال «هندت» فمن دون مبرمجي 
البرمجيات ستكون أجهزة الحاسب «بمنزلة مخلوقات ميتة تنتظر من ينفخ 
فيها الروح». 

إن التفكير وفقا للمعالم التاريخية الدقيقة في تاريخ الحاسب قد يكون 
مضللا. ففي حين تكون كتب الأوامر الخاصة بالجيش والأسطول والفضاء 
في ظروف الحرب الباردة مهمة في الغالب كأحداث عامة: إلا أن تخطيط 
عمليات السوق دائمة التغير, تلك التي يجب على المستخدمين الأكاديميين أو 
التجاريين أن يمعنوا النظر فيهاء يجري بشكل مختلف. وحتى قبل حدوث 
الزيادات الكبيرة شي المبيعات بدأ اللاعبون في المجال يدركون قرب أواخر 
السبعينيات: التي كانت فترة تكوين وضياع ثروات: أن تاريخ الاتصالات: الذي 
أقحم فيه عندئد تاريخ الوسائط, دخل عصرا جديدا. فالحاسب لم يكن يعمل 
حينذاك باعتباره فقط من التجهيزات المكتبية بل باعتباره «الباعث الرئيسي 
لمدى كامل من أنشطة الوسائط». وضي بعض الأحيان كان الحاسب يؤثر على 
الوسائط التقليدية كلها وليس الطباعة فقطء «فالكتب والمجلات والصحف 
أصبحت على نحو متزايد تحرر وتصمم وتطبع وتبوب وفقا لطريقة عمل 
الحاسب. وفي بعض الأحيان كان الحاسب يسهل قيام نشاط جديد تماما. 
لذا جاء عنوان إحدى افتتاحيات مجلة 6013<مع)د1 في العام 151/4 يقول إن 
الحاسب أصبح هو الذي يحدد سرعة واتجاه الخطى في «نظم توصيل 
البيانات المتنوعة». 





التقارب 


كانت السرعة تعتمد ليس ذقط على التقدم في المعرفة التكنولوجية» ولكن 
أيضا على الدافع المشروعاتي في إطار مناخ اقتصادي دائم التغير. كان إنتاج 
الحاسب الشخصي هو التقدم التكنولوجي الأكبر. ومع ذلك فقد عومل 
الحاسب الشخصي في مجموعة مقالات نشرت في بريطانيا العام 1١9175‏ 
بعنوان «من التلفزيون إلى الحاسب المنزلي» باعتباره مجرد واحد من مجموعة 
الإلكترونيات الاستهلاكية؛ وقد تعاملت هذه المقالات مع الحاسب بعد أن 
تعاملت مع مسجلات الفيديو 701. في بعض الأحيان كان كثير من الأدوات 
الحاسوبية يُرفْض باعتباره «ديكورا» أو مجرد «أدوات اتصال». وسرعان ما 
ظهرت الصفة «ذكي». التي تختلف تماما عن كلمة «ديكور» لتطبق على 
الأشياء أكثر منها على الناسء؛ كل الأشياء بداية من الكروت وحتى المنازل. 

ومع ذلك ففي بريطانيا تحديدا وجد مؤلف الفصل الذي يدور حول 
الحاسب الشخصي في مجموعة المقالات التي نشرت عام ١91/4‏ أن من 
الضروري لفت الانتباه إلى ملحوظة تبعث على الطمأنينة وليس الانزعاج؛ 
وهي أن الحاسب الشخصي سيكون رخيصا مثل التلفزيون الملون. وفي جزء 
بعنوان «نظرة على البرامج» أوضح المؤلف أنه على الرغم من أن الحاسب 
«جهاز إلكتروني معقد للغاية فإن ذلك لا يعني أن المستخدم مطالب بأن يعرف 
كل شيء عنه لكي يستطيع الاستفادة منه. حيث كان إعداد هذا الجهازء الذي 
كان يسمى في البداية «القطة المدللة»» للعمل في نفس سهولة إعداد جهاز 
إعادة إرسال الصوت المستقبلء إن لم يكن أسهل. وكما في حالة شراء جهاز 
إعادة إرسال الصوت المستقبل يجب على مشتري الحاسب أن يبحثوا عن 
حسني السمعة من الصناع والتجار. كانت الصناعة تنمو بسرعة وأيضا 
«معرفتك كمستخدم» ستنمو أيضا. «ومع اتساع خيرتك حتما ستكثر 
احتياجاتك». 

ومن الأهمية بمكان أن نقارن هذه الرؤية من المنزل مع رؤى المختبر أو 
المكتبة أو حتى رؤى المكاتب التى أصبحت «معالجة النص» عمندوءءم,م 177010 
فيها نشاطا حاسوبيا رئيسياء وضي غضون ذلك سرعان ما أصبحت الآلة 
الكاتبة, ذلك الشيء المعقد للغاية؛ شيئًا «مماتا». ومع ذلك فمعالجة النص» 
بتأثيراتها الخلافية على المحتوى وأسلوب الكتابة؛ غالبا ما كان ينظر إليها 
كجزء من نفس المركب الذي ينتمي إليه الفاكسء وليس باعتبارها جزءا من 





التاريخ الاجتماعي للوسائط 


مركب تكنولوجي حاسوبي. ويرى «إيلي نوم»» عند التذكرء أن الحاسب 
الشخصي عندما ظهر لأول مرة كان «أصعب المنتجات الاستهلاكية استخداما 
منن الدراجة الأحادية». 

طرح «ويليام أولسين» الحاسب المصغر [الميني كمبيوتر] 2078 فضي الأسواق 
العام 517 وكان عليه طلب؛ وهو ما اتضح من زيادة مبيعات «شركة الأجهزة 
الرقمية» التي يملكها «أولسين» إلى تسعة أضعاف بين العامين 1950 و ١40٠‏ 
وزيادة في أرباح الشركة بلغت عشرين ضعفا. ومع ذلك فهذه الشركة. التي 
أنشئت العام 14017 في «ماساشوستس» وليس وادي السيليكون: لم تتنباً بما 
سيكون عليه السوق كما فعلت شركات أخرى. إذ كانت تتنظر إلى المستخدمين 
شي المجالات التعليمية باعتبارهم عملاءها الواعدين. في الوقت الذي وضعت 
فيه الشركات الأحدث في حسبانها الجماعات المتحمسة لاقتناء الحاسب؛ 
حيث عرفت هذه الشركات أن هؤلاء المستخدمين الجدد سيزداد استهلاكهم. 

افتتح أول محل حاسب في لوس أنجليس في يوليو 1470, وفي الشهر 
التالي ظهرت أول مجلة حاسب منزلية - 816 ولم يكن الحديث التقني عامل 
الجذب الوحيد. إذ كانت التسلية؛ بنفس قدر التعليم. حاضرة في أذهان 
أصحاب المشروعات من أمثال «نيكولاس بوشنيل»؛ وهو أحد مطوري ألعاب 
الفيديو الذي بدأ عام 1474 في بيع لعبة أطفال تدار بمعالج صغير 
تسمى 1008 يمكن توصيلها بجهاز التلفزيون. وبحلول عام ١98١‏ كانت هذه 
الشركة شركة فتهلث؛ تبيع ما قيمته ٠٠١‏ مليون دولار من ألعاب الفيديو 
وأجهزة الحاسب المنزلية البسيطة. وكان الكبار والأطفال في طريقهم إلى أن 
يصبحوا لاعبين متحمسين لألعاب الحاسبء ولكن لأسباب تسويقية جرى 
التركيز على الأطفال والشباب كما حدث في صناعة السينما. 

قيل قبل ذلك بجيل إن «الطفل الذي ولد في زمن البث لن يكون في مقدوره 
بالتاكيد التفكير في عصر سابق؛ إذ سيكون ميالا للتفكير في هذا العصر بلغة 
عصره». وهو ما ينطبق أيضا على الأطفال الذين ولدوا في زمن أول لعبة من 
ألعاب الحاسبء والذين كان بعضهم ذوي نضج عقلي مبكر. ومن ذلك أوردت 
8 في العام 1147 اختراعا لطفل ألماني» هو «وتر كوزين». تمثل شي إنسان 
آلي يمشي ويتكلم ويحدد مكانه بنفسه مصنوع من قطع ليجو صفراء ومركب 
فيه نظام ميكرو كمبيوتر. وفي عمر الثالثة عشرة صنع هذا الطفل حاسبا فيه 





التقارب 


١‏ معالجا مركبة على التوازي يمكن أن تعمل في نفس الوقت أو تشترك في 
مهمة واحدة. أما الصحافة والتلفزيون فإلى جاتب اهتمامهما بالإعلان عن 
الأطفال المعجزين أبديا أيضا اهتماما كبيرا بألعاب الفيديو. 

إن الترتيب النسبي للأولويات (وهي كلمة جديدة) داخل عائلة أجهزة 
التلفزيون وعائلة أجهزة الحاسب الشخصي لم يكن قد وضع عند كتابة هذا 
الكتاب. ومع ذلك فمما يتضح عند التذكر أن عنصر اللعب كان قَويا في نشر 
ما سمى تكنولوجيا جديدة في التاريخ المبكر للحاسبء كما كان في التاريخ 
المبكر للتليفون. باختصار كانت هناك هالة من التداعيات. وكان من الألعاب 
الأولى لعبة «حرب الفضاء». التي يقال أنها من إعداد أحد طلاب شركة 1111 
فضي الستينيات. وفي أوائل التسعينيات كانت لعبة «يوم الهلاك» 120012 من 
أوليات الألعاب التي استخدمت البعد الثالث 2 (1. 

إن الألعاب, التي أصبحت بحلول التسعينيات مجرد بند واحد في تقدم 
الحاسبء وأيا كان تعقدها التقني» وصفت في منشور لهيئة الإذاعة البريطانية 
بعنوان «التلفزيون في الثمانينيات: المعادلة الكلية» )١1987(‏ بأنها «الابن الشرعي 
للأجهزة الإلكترونية في دور التسلية» ذات التاريخ الطويل. ولكن دورها كان في 
المنزل. حيث حلت محل ألعاب أخرىء إذ أثبتت أنها مختلفة. وبحلول العام 
147 أصبحت ألعاب الفيديو تلعب على شاشة التلفزيون في ١0‏ مليون منزل 
أمريكيء في حين كان واحد فقط من كل منزلا منها يمتلك حاسبا 
شخصيا . أما ألعاب الكرة ذات المؤثرات الصوتية وإحراز الأهداف على الشاشة 
فقد انتشرت بسرعة كبيرة: كما ساعد المعالج الصغيرء الذي جعلها رخيصة 
وقابلة للتغيرء في توسيع هذا النوع. كان العنف مقوما مألوفاء شأنه شأن 
الرياضة. وقد كان من المحتم أن تبحث الشركات عن فرص جديدة نتيجة 
لوجود «سوق متقبل للاتجار في قضاء وقت الفراغ». وهو السوق الذي انخرطت 
فيه الوسائط سواء بشكل مباشر أو من خلال شركات اندماجية. باع «بوشنيل» 
شركة ة:ة التي كان يمتلكها لشركة «ورنر للاتصالات». 

هذا وقد دار جدل حائر حول تأثيرات لعب ألعاب الحاسب ولا سيما على 
الأطفال. من أمثلة ذلك أن «حمى الفيديو» كان عنوان كتاب ل «بيمر» نشر 
العام 7 : وكان عنوانه الثانوي «التسلية والتعليم والإدمان». ولهذا الكتاب 
العملي والتأملي أهمية خاصة تاريخيا بسبب التعارض بين ملحقيه الموجزين. 


التاريخ الاجتماعي للوسائط 


فالملحق الأول الذي بعنوان «تاريخ موجز لألعاب الفيديو» كان موجزا بشكل 
مخل وتنقصه التفاصيل التاريخية بشكل يفقده القيمة. أما الثاني. بعنوان 
«كيف تعمل الألعاب». والذي تعامل مع التكنولوجيا الأساسية. فقد كتب 
بوضوح ودقة تمفوقان معظم أدلة الحاسب الشخصي الأولى. والفصل من المتن 
الذي أوجز الأسئلة القيمية كان بعنوان «أنشطة الأسرة: نظرة جديدة». 

هناك تعليقات أخرى ومختلفة إما تدعو لثقافة الحاسب أو تنتقدها. في 
يوليو 1974 قدمت شركة «إلكترونيات الراديو» حاسبا ومعه دليل باسم «الميني 
كمبيوتر الشخصي من أجلك». في حين أعلنت شركة «الإلكترونيات الشعبية» 
في يناير ١5170‏ عن منتج جديد لها باسم «أول ميني كمبيوتر شخصي على 
مستوى العالم يفوق النماذج التجارية». على أن أول نموذج تجاري لم يتح إلا 
في يوليو 1577 عندما بدأ «ستيف وزيناك» الذي كان يعمل بشركة «بوشنيل» 
و«ستيفن غويز». وكلاهما من أبناء وادي السيليكون. مصنع تجميع 
الحاسب 1 عاممة الذي كان يباع في البداية لمتحمسي الحاسب في الأندية 
المحلية. وفي العام نفسه بدأ إنتاج 2 عاممة الذي زود بإمكان تنفيذ مهام 
متعددة. وكان من مؤيديه «مايك ماركوتا». الذي كان في السابق مدير التسويق 
لشركة 1061, والذي تركها مليونيرا في عمر الثانية والثلاثين. وكان «غوبز» 
في الثانية والعشرين. 

أصبحت شركة طومام112 عاممة شركة عامة قدرت قيمتها ب ؟, ١‏ بليون 
دولار عام 148 أما شركة 1804, التي كانت بطيئة في التنبؤ بالممكنات شأنها 
شأن غيرها من الشركات المؤسسة:؛ فلم تدخل الحلبة إلا بعد ذلك بعام 
بحاسبها الشخصي الذي باعت منه 0؟ ألف جهاز في العام الأول. وفي العام 
توجهت إلى شركة صغيرة. ]8110:0501 لتزودها بنظام تشغيل؛ وي 
خلال ثلاثة سنوات: حتى عام 1584 الحاسم. أصبح “5-٠‏ من كل أجهزة 
الحاسب الشخصية تعمل ببرامج 83/105501 وعندما أصبحت هذه الشركة 
شركة عامة بعد ذلك بعامين كان «بيل غيتس». الذي كان عمره ١5‏ عاما 
عندما أسسهاء قد أصبح مليونيرا. 

كان من الواضح بحلول العام 1584: عندما كان العالم يضم حوالي مليون 
حاسب. كثير منها متنافر وجميعها يتقادم بسرعة. أن البرمجيات 
[السوفت وير ]هي المفتاح من أجل زيادة استخدام كل أجهزة الحاسب 


التقارب 


الشخصية والتجازية الختغيرة والكبيرة. وبسرعة أصبحت شركة 1110205012 
أكبر شركة: إذ أصبح برنامج التشغيل ألذي طورته. «النوافن» 18/1500«5, 
منتشرا في كل أنحاء العالم. ورغم سيطرتها على السوق كان هناك منافسون 
فضي بداياتهم: من أبرزهم شركة ومهءواء]7 لمؤسسها «مارك أنتريسين» الذي 
طور برنامج الاستعراض عنهوه31 الذي ظهر عام 1557 عندما كان 
«أندريسين» مازال طالبا بالجامعة. وعندما أعلن «بيل غيتس» في السابع من 
ديسمبر 219140 في الذكرى السنوية لحادث بيرل هاريرء أن 11105016 تمثل 
«نواة صلبة للإنترنت»». وأنها تقدم خادم معلومات الإنترنت اع2هامظ أعمرعتملء 
كانت شركة ءمةء5اء21 تنتج بالفعل برنامج 101ة13018. 

قبل ثلاثة سنوات من هذا الإعلان» وبعد حدوث تغيرات سياسية 
واجتماعية ضخمة في العالم» أجرت صحيفة 65هزذ؟ لدأعمدما اللندنية 
مسحا «لأجهزة الحاسب والاتصالات» في أكتوبر 1947 بدأ بالثناء على 
«التقارب البطيء ولكن المحتوم (لاحظ الصفة وكذلك الاسم المستخدمين) 
للحوسبة والاتصالات عن بعد»», وأضاف أنه «يمكن أن يوفر قوة الدفع 
لانفجار داخلي لممارسات وتكنولوجيات معالجة المعلومات». وذكر المسح من 
بينها الأسطوانات المدمجة ذات الذاكرة (17هتسعمم نرلده -لدع: طاته كممه]-610) 
التي كانت قادرة على تخزين موسوعات كاملة وليس فقط محتوى الجرائد من 
أجل إعادة التشغيل المنزلي (ويمكن أيضا أن يلعب عليها ألعابا). في البداية 
كانت قدرتها محدودة لا تستطيع عرض الأفلام لكن سرعان ما ظهرت 
أسطوانات الفيديو الرقمية متعددة الاستعمالات 1017105 بقدرات تخزين تفوق 
مثيلاتها بستة أضعاف. 

بيد أن التفاؤل حول مبيعات منتجات الحاسب الجديدة في العام ؟95١‏ 
كان أضعف مما كان عليه قبل عامين. فصناعة الحاسب كانت في تقلب مثل 
صناعات أخرى كثيرة في فترة الكساد الاقتصادي بعد حادث «وول ستريت» 
المأساوي فضي العام 1941, حيث كانت التكتولوجيا الجديدة تقلص هوامش 
الأرباح وكذلك التكاليف؛ وعلى الرغم من انخفاض أسعار المبيعات بشكل 
عمودي وصلت البطالة الهيكلية إلى الذروة. وعلى رغم ذلك كان هناك تفاؤل 
على المدى الطويل مع تحول الحديث إلى «التفاعلية» و«التشبيك». بعد ذلك 
بعشر سنوات حدث تغير في الحالة المزاجية. عندما أصبح في مقدور «بيتر 








التاريخ الاجتماعي للوسائط 


سكوارتز» و«بيتر ليدين» في عمل موجز بعنوان «تاريخ المستقبل: 
الى نشر في مجلة 60:ذ/ا العام 1941؛ أن يكتباء وهما يلهثان: عن 
«موجة طويلة» جديدة. وصفوها بأنها «أكبر ازدهار ضي تاريخ العالم». إن ما 
بدأ مع انتشار أجهزة الحاسب الشخصية وتقفسيم شركة «99]6ز5 8611 اكتسب 
زخما جديدا. إذ غدا «عمالقة الصناعة» مصممين على دفع الموجة إلى الأمام 
بمساندة الحكومة. كان التضخم آنذاك تحت السيطرة. وكانت العولمة تندفع 
إلى الأمام. وفي القرن الحادي والعشرين يمكن أن تحدث انطلاقات إبداعية 
كبيرة: بما في ذلك الطاقة البديلة والهبوط على المريخ. 
الأقمار الصناعية 

كانت القدرة على الوصول إلى المريخ تعتمد على أوجه التقدم ضي 
الاتصالات الفضائية التي يعود تاريخها إلى عام ,15١‏ وهو التاريخ الذي 
يجب أن نعود إليه الآن. لفترة موجزة من تاريخ العالم كانت أقمار الاتصالات. 
التي لا يمجن إطلاقها من دون الحاسب. تجذب اهتماما أكبر من أجهزة 
الحاسب ذاتها. كانت الأقمار الصناعية أكثر تعبيرات التكنولوجيا سحرا 
(حتى أن البعض وصفها «بأنها مثيرة جنسيا») بعد أن أطلق الاتحاد 
السوفييتي قمره عانهانام5 في أكتوبر عام 1501, وهو «الحدث» المذهل الذي 
أدى بالحكومة الأمريكية إلى السعي إلى الرد بأقصى سرعة ممكنة. كما أدى 
أيضا إلى إثارة اهتمام الشعب الأمريكي بالفضاء الذي اعتمد عليه التلفزيون 
ومجده في الوقت ذاته. 

وفيما أصبح بالفعل تنبؤا شهيرا في مجلة «العالم اللاسلكي» العام ١940‏ 
تنبأ «آرثر كلارك»». الذي كان يعمل وقتذاك أمينا للجمعية الفلكية البريطانية 
وفيما بعد مؤلف قصص خيال علميء تنبا بسلسلة من ثلاثة أقمار إرسال 
واستقبال أرضية. وفي العام ,151١‏ وقبل سبعة أعوام من تحويل رواية كلارك 
9" التجوال في الفضاء». وهي رواية خيال علمي كما يتضح من اسمهاء 
إلى فيلم من إخراج «ستانلي كوبريك». وافقت الوكالة القومية للملاحة الجوية 
والفضاء 54 الجديدة على إطلاق القمرالصناعي كقاؤءاء الذي كان 
باستطاعته الدوران حول الأرض في أقل من 16,؟ ساعة, وكان يحتوي على 
29٠‏ ترانزيستورء من دون أن يحتوي على أي دوائر متكاملة. وقد وافقت 


التقارب 


هيئتا البريد البريطانية والفرنسية على إنشاء محطات أرضية مرتبطة» 
إحداهما لا تبعد كثيرا عن المكان الذي أرسل منه «ماركوني» رسائله العابرة 
الأطلنطي منذ عقود. 

بعد ذلك أنشئت محطة أرضية أخرى في البحرين. من إنشاء شركة 
تدمع313: لم تكن ملكا لحكومة البحرين بل لشركة الكابل واللاسلكي الكائنة 
في بريطانيا والتي اكتسبت قوة تجارية عندما اتضح أن الأقمار الصناعية؛ رغم 
سحرها وانخفاض تكاليفها مع تطوير أنظمة جديدة: لن تحل محل الكايل الذي 
تبدي بريطانيا اهتماما خاصا به منن وقت طويل. وقد جاءت الألياف البصرية 
لتضمن استمرار الكابلء حيث رُكبت أول وصلة كابل بصرية تحمل نقلا تجاريا 
في «سوسيكس» بإنجلترا العام 1417: وكانت عبارة عن قناتي تلفزيون ملونتين. 
ظهر أول نظام تلفزيون كابل بالألياف البصرية في الولايات المتحدة كان يبث 
من «بريمنفهام» في «ألاباما» العام 1944 وبعد ذلك بأربعة أعوام قامت شركة 
4177 وشركاؤها بمد كابل ألياف بصرية عبر الأطلنطيء وفي العام التالي 
افتتحت ثلاثون شركة خط كابل يعبر المحيط الهادي. وهو ما يعني أن 
المحيطات مازالت في بؤرة الاهتمام شأنها شأن السماوات. وبين العامين ١151‏ 
و459١‏ تمت مضاعفة سعة الكابل العابر للأطلنطي عشرة أضعاف. 

جرى تبادل البث التلفزيوني التجريبي الأول باستخدام القمر الصناعي 
تقاقءات في الحادي عشر من يوليو ١977‏ حيث نقل حوار استهلالي مألوف», 
لكن في هذه المرة سمعه الملايين. قطع مذيع تلفزيوني أمريكي مسلسلا ليعلن 
أن البريطانيين أصبحوا مستعدين لإرسال البرامج عبر تقادعاء1 وإذا 
بالمشاهدين يرون ويسمعون البريطانيين الجالسين حول طاولة عبر الأطلنطيء 
والمذيع يقول: «على يميني الإسكتلندي العنيد روبرت وايت. وعلى يساري جون 
براي المسؤول عن التخطيط في مجال الفضاءء والساعة الآن الثالثة والنصف 
صباحاء أتمنى لكم قضاء وقت طيب». غير أن هذا البرنامج لم يحتل من 
الذاكرة تلك المكانة التي احتلتها برامج تلفزيونية لاحقة كانت تنقل عبر 
الأقمار الصناعية؛ منها قبول تشرشل للمواطنة الأمريكية الفخرية. 

كان غهادءاء؟' الأول من هذا النوع من الأقمار الصناعية المتحركة والمكلفة 
في إنشائها التي اضطلعت بوظائف ما قبل البث التي يقوم بها اللاسلكي 
كبديل عن الكابل؛ وكذلك النقل التلفزيوني. كانت شركة 4141 في موقع 














التاريخ الاجتماعي للوسائط 


الصدارة في المنافسة المشتعلة آنذاك بين الشركات والأنظمة:. لكن إدارة 
كينيدي التي وافقت على برنامج «إنسان على القمر» لم تكن قلقة من الاعتماد 
الكامل عليها, وفي الوقت الذي كان الاتحاد السوفييتي فيه يعد نظام مدار 
مخططا من ١١‏ ساعة (01148) كانت واشنطن تبحث خيارات أخرى. وقد بدأ 
إطار السيطرة بأول قانون لأقمار الاتصالات للعام 1577 الذي استحدث 
شركة جديدة. هيئة أقمار الاتصالات 050 نصف أسهمها تملكه 878:01 
وشركات أخرى وطرح النصف الثاني للاكتتاب العام. غير أن هذه الهيئة لم 
تكن شركة احتكارية خاصة كما أنها لم تكن هيئة عامة؛ لكن كان لأسهمها 
سوق سرعان ما ارتفعت قيمتها. 

وفي العام ١975‏ جرى إطلاق سينكوم ١‏ و؟ وتلستار ”. وفي العالم التالي 
نقل سينكوم ” دورة طوكيو الأولبية. أما مباريات كأس العالم لكرة القدم شي . 
العام 4131 فقد اعتمدت في نقلها على ستة أقمار تلفزيونية عابرة 
للأطلنطي. كان التلفزيون, مع ذلك؛ زبونا متقطعا وليس دائماء «فالصور 
المباشرة» التي كان يراها المشاهدون كانت تعتمد على أولويات صحافية 
وتمويلية. والصحافة كذلك حظيت بفرص غير مسبوقة, إذ أصبح في مقدور 
صحيفة يومية أمريكية جديدةء هي (7002 115 التي بدأت العام 15857 أن 
تطبع في وقت واحد في ١‏ مدينة عبر الأقمار الداخلية منخفضة القوة, 
وسوف تقمنّم هذه الصحيفة بعد ذلك إلى أقسام منفصلة مطوية [مطويات]. 
تعالج الوسائط فيها في قسمي «الحياة» و«المشروعات» وليس فققط الرياضة, 
بل ويمكن أن تتخلل قسم الأنباء. في كل الدول حولت الصحافة الوسائط إلى 
مادة عليها طلب عام. وأصبحت المعلومات عن البرامج الدورية تصاحب 
بكشف الأسرار الشخصية وأحيانا النقد. إنه عالم وسائط جديد بالفعل. 

كان من المتعذر في تاريخ الأقمار الصناعية تجاهل الإمكانات ‏ والحواجز 
- الدولية. ضفي أغسطس 1514, قبل خمسة أعوام من إعلان الوكالة 
الفيدرالية الأمريكية 700 سياسة «السماوات المفتوحة» الداخلية, أنشئت 
باتفاقات حكومية المنظمة الدولية لأقمار الاتصالات عن بعد 1061556 التي 
اكتمل نضجها العام 157”7. كانت الملكية تحدد في البداية عن طريق 
الاستخدام التلفونيء وكانت الولايات المتحدةء من خلال :53م.ه0. تمتلك :/4١‏ 
منها في العام 1514 في حين كانت بريطانيا تمتلك 84 “. لم يشارك الاتحاد 


التقارب 


السوفييتي؛ إذ كانت هذه الفترة هي ذروة الحرب الباردة» فأنشأ هيئة دولية 
بديلة بأسم علأانام5ز16ه1 لم تجتنب إلا سبع دول فقطء في الوقت الذي 
جذبت فيه 10161586 عددا كبيرا من الدول؛ كثير منها من دول عدم الانحياز, 
ولم يأت العام ١9170‏ حتى كانت تضم في عضويتها ما لا يقل عن 45 دولة من 
الدول الكبيرة والصغيرة وذات الاحتياجات المتباينة من الاتصالات عن بعد. 

كان أول أقمارهاء (1965) 1 ؛3داءاهة؛ الذي كان يزن حوالي ٠١‏ رطلا فقطء 
من إنتاج شركة 5أطعنة8 وبتكليف من «ناسا». وحمل اسم «الطائر المبكر». 
وقد كان نجاح هذا القمر يكفي ليضمن لشركة 5عطعنآآ التعاقد على الجيل 
التالي من أقمار 1061336 التي أطلقت العام ,١19551‏ وتبعها الجيل الثالث. كانت 
هذه الأقمار مستقرة فوق منطقة ساحل الأطلنطي وواحد فوق المحيط الهادي 
وواحد فوق الهندي. وكان كل جيل جديد من الأقمار الصناعية يقدم مزيدا 
من السعة والموثوقية والقوة بتكاليف خدمة أقل. فكانت سعة «الطائر المبكر» 
6 دائرة صوت فقطء أي قناة تلفزيونية واحدة: في حين كانت أقمار 
4 غدكاء1م1: التي أطلق آخرها في مايو 15170: قادرة على تقديم ما بين ؟ آلاف 
و آلاف دائرة صوت؛ أي ؟١‏ قناة تلفزيونية. 

غير أن النجاح التقني لا يضمن دعم الحكومة أو الوكالة الفيدرالية ©506, 
ولم يتأت لشركة اإوودمه0 أن يكون لها الريادة في بث الأقمار المباش ر أو 
تحصل على ترخيص كنظام أقمار داخلي» وهو ما طلبته العام ١9564‏ لأول 
مرة. وقد عطلت الهيئة الفيدرالية للاتصالات 160600 طلب 0070586 سبع 
سنوات. حيث أبت إلا أن تعاملها كمجرد حامل حاملات تعتتق 'وتعتسمومع 
وعندما أطلق القمر الصناعي الأمريكي المحلي منخفض القوة العام 1914 لم 
تكن 0010536 هي التي تملكه بل «شركة الاتحاد الغريي». وقبل ذلك بعام 
أطلقت كندا القمر الصناعي المحلي الأول في العالم عانمك (الأخ)؛ ورغم أن 
هذا الاسم مأحوذ من لغفة سكان القطب الشمالي (أي من الجذور الكندية) 
إلا أنه كان من صنع الولايات المتحدةء وكانت مؤسسة 808 الأمريكية 
تستخدمه قبل أن يوضع قمر «شركة الاتحاد الفربي» في مداره. 

كان ذلك وقتا لإعادة التقييم والتخطيط للمستقبل. ومن ذلك أن مجلة 
ممعم في عدد خاص في أغسطس 14/0 أوردت مشكلات وأشياء مثيرة. 
وهي مشكلات دولية ‏ لم تستخدم كلمة عولمي ‏ تتعلق «بالبيئة والطاقة ونزع 
































التاريخ الاجتماعي للوسائط 


السلاح وقيعان البحار والمحيطات». جاء في هذا العدد كذلك أن «تحليلات 
مغزى وأهمية اتصالات الأقمار الصناعية تقدم تفسيرات كثيرة... لا تقل ضي 
كثرتها عن النظريات حول دور ووظيفة وتأثير الاتصالات على المجتمع 
والأفراد». كان عدد الموضوعات الذي غطاه هذا العدد من المجلة كبير. جاء فيه 
على سبيل المثال أن الجزائر هي أول دولة أفريقية تستخدم نظام قمر صناعي 
لأغراض قومية؛ وأن عروض البث التعليمي التي تقدمها «تجرية تلفزيون القمر 
الصناعي التعليمي» (5115) لست مناطق مختلفة بأربع لغات مختلفة ضي آسيا 
تمثل تجرية متقدمة بالفعل. وقد بدأ البث باستخدام قمر 7/854 في العام 
0 ليفطي موضوعات الصحة والعادات الصحية والزراعة. وقد حققت 
تجربة التلفزيون التعليمي في آسيا 5118 نجاحا حقيقيا ولكنه محدود وبرزت 
بجلاء لاحقا في كل معالجات تاريخ التعليم الحديث 

وفي الولايات المتحدة لم يبدأ الاستخدام الفعال لنظام القمر الصناعي 
المحلي إلا بعد التقارب بين اهتمامات القمر الصناعي والكابل الذي ترك 
بالكامل دون تنظيم من جانب الحكومة في أثناء إدارة ريغان. وضي غضون ذلك 
كان تطور تلفزيون الأقمار الصناعية في أوروباء على الرغم من التكاليف 
العالية, يتقدم بشكل مستقلء وجعل من غير الممكن لمشروع «كورونت» 0 
من أمريكا أن يطلق قمر اتصالات ويقوم بتشغيله من قاعدة بلوكسمبرخغ. إن 
الاتفاقية الفرنسية الألمانية في العام 1414 على تشييد نظام قمر صنامي 
مشترك متعهدد الأغراض, باسم 00016م5::0 لتوفير البث الصوتي والدوائر 
التلفونية بين أورويا ومناطق أفريقياء وفيما بعدء أمريكا اللاتينية» استهلت 
العملية التي وصلت أوجها شي العام 1184 مع الإطلاق غير الناجح لقمر ألماني 
بأسم 1307-5216 وآخر فرنسي باسم 1125-1 وقبل ذلك بعشر سنوات أنشئت 
وكالة الفضاء الأوروبية «من أجل دراسة الفضاء وإطلاق وتشغيل الأقمار 
الصناعية» التي أطلقت أول أقمارها العام ؟154: وضي العام 1987 أعلنت 
المجموعة الأوروبية أن إبراز الثقافة الأوروبية من خلال سياسة تلفزيونية 
أوروبية - ودمج الرقمنة فيما بعد كما رأينا ‏ قدم الأساس للاندماج الأوروبي: 

«إن التشارك في الصور والمعلومات سيكون أكثر الوسائل فعالية لزيادة 
الفهم المتبادل بين شعوب أوروباء ولسوف يعطيهم شعورا أكبر بالانتماء إلى 
كيان اجتماعي وثقاضي مشترك» 





التقارب 


ولذا فقد شهد العام نفسه بدء أول نظام أوروبي لخدمة البث التلفزيوني 
بكابل القمر الصناعي 877 :: وبدأ اتحاد البث الأورويي بشكل طموح خدمة 
أوروبية تجريبية هي 108 #نا1. سميت لاحقا 11000ا18؛ باستخدام قمر 
الاختبارات 0571-2 (قمر الاختبار المداري) التابع لوكالة الفضاء الأوروبية. 
وجاءت برامج فترة المساء الأولى متضمنة خطيا وساعة ونصف الساعة من 
«الثقافة الراقية» وحكاية من «شارع التتويج» وبرنامج «العالم في حركة» 
وخمسين دقيقة من موسيقى البوب. ولعل هذه هي المرة الأولى التي كان 
المحتوى فيها جديرا بالشاء. شأنه شأن التكنولوجيا ذاتها. لم يكن من المتوقع 
من كل دول المجموعة الأوروبية الواسعة أن تقبل بالكامل مبدأ الدمج من 
خلال التلفزيون الأوروبي» الذي أعيدت صياغته العام 1944 باسم «تلفزيون 
بلا حدود». الذي طبّق في العام ١0,؛‏ لكنه مع ذلك ظل جامعا لكل 
الأوروبيين. وبدلا من ذلك بدا أن السوق التجاري انتصر العام 1985: على 
رغم وجود فروق كبيرة. بصرف النظر عن كلمة «تقارب»». بين ما كان يحدث 
في الإذاعة والتلفزيون وما كان يحدث في الاتصالات عن بعد. في ما يتعلق 
بالاتصالات عن بعد كانت الحكومة البريطانية؛ التي عينت أول وزير 
لتكنولوجيا المعلومات في العام :198٠‏ هي الرائدة في هذا السبيل. فوضعت 
ثقتها في قطاع الأعمالء وفي العام ١984‏ باعت حصتها في شركات الكابل 
واللاسلكي وخصخصت شركة «رممء161 البريطانية إيمانا منها بأنه في ظل 
الخصخصة ستتحسن الكفاءة (وهو ما يمثل مبدأ لدى البعض) وتحشد 
استثمارات جديدة وتشجع المنافسة. وفي العام ١94/‏ فشلت خطط مرتبطة 
لتطوير بث مباشر عبر الأقمار من خلال اتحاد للمشاركة في المخاطر رغم أن 
هذا الاتحاد ضم لاعبين أقوياء مثل شركة «روهءه1ء1 البريطانية وععدموه60م 
البريطانية و نهدمععة018)0/1/1 وبنك «روذتشيلد». 

أما اتحاد 858 الجديد (وهو اتحاد بث القمر الصناعي البريطاني). الذي 
ضم شركات تلفزيون عديدة ومجموعة بيرسون للنشر (ذات التاريخ الطويل 
في مجال النشرء حتى أن جزءا منهاء لونفمان: يرجع إلى العام :)١754‏ فقد 
نجح في إطلاق قمر صناعي من إنتاج شركة 1108065 للاتصالات. ومع ذلك 
فقد وجد هذا الاتحاد أن تكاليف التشغيل وتقديم البرامج مرتفعة جداء حتى 
أنه اضطر في وقت لاحق من العام نفسه إلى الدخول في شركة اندماجية ‏ 











التاريخ الاجتماعي للوسائط 


هي - 85198 مع منافسه 5وأؤز/76 لا516 الذي يملكه «موردوك» الذي كان 
في ذلك الوقت شخصية قوية في التلفزيونء تماما كما في الصحافة. كان 
«موردوك» من قبل يستخدم قمر 4508 بتوكسمبرغ الذي قيل عنه لهيئة 
الإذاعة البريطانية, التى كانت اللاعب الأول فى هذه اللعبة قبل إنشاء 
الاتحاد, إنه لن يكون قويا بشكل كاف. " ' ا 

وبحلول العام 55/1957 أثبت «موردوك», الذي كانت له اهتمامات دولية 
واسعة بالوسائطء أن البث التجاري للأقمار يمكن أن يكون عملا مربحا ضي 
مقدوره أن يتفوق على هيئة الإذاعة البريطانية. وبخاصة في الرياضة:؛ وأن 
يتحداها في عرض الأخبار. كان ثلاثة ملايين منزل بريطانيء أو واحد من كل 
سبعة منازل في بريطانياء يشتركون وقتذاك في الخدمات التي يقدمها 
«موردوك»., وكان أكثر من "١‏ من التلفزيونات المنزلية في ١١‏ دولة أوروبية 
تشاهد تلفزيون القمر الصناعيء؛ وكانت أعلى نسبة (47“) في هولتدا التي 
كان للكابل انتشار كبير فيها مثل بلجيكا والدنمارك والسويد وسويسرا (نصف 
المنازل الهولندية كانت مريوطة بالراديو في العام 1558). 

إن العلاقة بين استخدام الأقمار الصناعية وعدد دد شركات الكابل تتطلب 
تحليلا ومسحا. فمثلا في فنلنداء التي كانت تفتخر بتبنيها الأمين 
للتكنولوجيا الجديدة. كان جمهور القمر الصناعي ١‏ فقطء في حين كان 
مشاهدو الكابل .“25٠‏ أما المملكة المتحدة: التي كان الكابل يتطور فيها ببطء. 
فكان جمهور القمر الصناعي فيها في أوائل التسعينيات أصغر من مثيله في 
هولندا؛ ريبما لأن هيئة الإذاعة البريطانية و 1177 كانا يقدمان مجانا خدمة 
تحظى بقبول واسع. كانت هيئة الإذاعة تعارض الراديو السلكي قبل العام 
بدعوى أنه ما لم يكن تحت السيطرة فمن الوارد أن يمزق روح 
وأهداف وثيقة الهيئة. أما الآن؛ في التسعينيات» فقد عارضت تلفزيون 
الكابل بقوة: لكن من دون جدوى. 

إن الفروق في المداخل الوطنية إلى الأقمار الصناعية والكابل كبيرة: تماما 
مثل الاختلافات السابقة في أنظمة البث وتفضيلات الجماهير التي كانت 
تعكسها. ولذلك فإن الأرقام الإجمالية في كل دولة كانت مهمة أيضاء وبخاصة 
عندما تتم دراستها تاريخهيا. ومن ذلك أن بلغت نسبة المنازل البريطانية 
المشتركة في خدمات الأقمار الصناعية حوالي 6“ من المشاهدين في العام 





التقارب 


45 ,. وبعد ذلك بثلاث سنوات بلفت .7١١‏ وفي اليابان؛ التي أطلقت في 
العام قمرا صناعيا تجريبيا باسم نالا الذي قيل عنه إنه أول قمر 
مخصص للاتصالات. أخذت هيئة البث اليابانية الريادة في تطور جديد في 
العام 194١‏ تمثل في تخطيط بث الكابل والبث المباشر إلى المنازل» وتلا ذلك 
في العام نفسه إطلاق قمر البث الياباني الذي بدأ بتشغيل قناة لمدة 4" ساعة 
كان لها في العام 1197 أكثر من مليوني مشترك. 
في العام ١951/‏ باع «موردوك»», الذي أصبح مواطنا أمريكياء شركة الأقمار 
الصناعية 851:8 التي أنشأها العام 1947 في أمريكا ووعد الأمريكيين 
٠‏ قناة. إن «موردوك» و«شركة الأخبار» التابعة له صورا ذلك كأنه عنصر 
رئيسي في إستراتيجية عالمية. سيطر موردوك على شركة 5146177 في هونغ 
كونغ العام 157 وبدأ شي اليابان شركة 15128 في ديسمبر 1947 مشروعا 
مشتركا مع الشركة اليابانية لم8 :508: وبعد ذلك بفترة قصيرة دخلت فيها 
شركة سوني. وعندما تخلى موردوك عن 851/8 وصف أحد مسؤولي 
التلفزيون مجال الأقمار الصناعية بأنه «بهجة المنظرين وكابوس الممارسين». 
تكن ذلك كان صحيحا بشكل جزئي فقط»: حتى بعد أن باع موردوك حصته 
التي كانت تعطيه السيطرة ة في 1397 )ا5: ولم يأت منتصف التسعينيات حتى 
كان هناك ١١‏ مليون مشاهد آسيوي مرتبطون معا من خلال قمر 5262 18ق4»؛ 
وقبل ذلك بأربع سنوات بدأت هيئة الإذاعة البريطانية تلفزيون الخدمة 
العالمية الذي سرعان ما أعلن أن له ملايين من المشاهدين في آسيا وأستراليا 
وأمريكا وأفريقيا. 


الكابل 

في قوائم التكنولوجيا الجديدة التي أعدت أثناء الستينيات ظهرت «روابط 
واسعة النطاق» معلمنا كصدط0دهءط أخرىء منها تلفزيون الكابل الذي 0 
قائمة الأقمار الصناعية. في بادئ الأمر كانت محطات تلفزيون الكابل؛ أينما 
كان مكان تشغيلهاء محاية وأحادية الاتجاه وتتيح للمشاهدين تشكيلة حتى 
؟١‏ برنامجا. إن الوعد باستقبال أفضل كان مهما في ذلك الوقت, تماما مثل 
توسيع الاختيارات. يعود تاريخ الكابل في كثير من الدول إلى ماض بعيدء 
تحديدا تاريخ الراديو السلكي الذي تحسن استقباله من دون أن يتيح 





التاريخ الاجتماعي للوسائط 


للمشاهدين مدى أوسع من اختيارات البرامج. أما بعد تطور تكنولوجيا الكابل 
في السبعينيات فقد ظهر متحمسون رأوا فيه نواة لثورة في الاتصالات - عن 
بعد وفي البث. 

غير أن الاهتمام الحقيقي الأول بتلفزيون الكابل تحقق مع إدراك أن 
بإمكانه أن يقدم عددا من القتوات ١١(‏ قناة في البداية» وأخيرا ٠٠١‏ قناة 
أو أكثر) أكبر من موجات الأثير. ومن بين المتحمسين الأمريكيين لتلفزيون 
الكابل كان «رالف ليز سميث». الذي ابتكر شعار «الأمة المريوطة سلكيا» 
الذي استخدمه في مقال شهير في مجلة «الأمة» في مايو :157١‏ ومع ذلك 
فقد كانت الخطوات الآولى مضطربة؛ وقد استبعدت بعض الدوائر تنبو 
«سميث» باعتباره نشرة جوية مشكوكا فيها. وبعد وقت ليس طويلا كان 
المشككون, الذين تحدثوا عن «خرافة الكابل». هم من ثبت خطأاهم, أو على 
الأقل خطأهم الجزتي: حيث انتشر الكابل من المناطق الريفية والمدن 
الصغيرة إلى المدن الكبيرة. ضفي العام 197١‏ كان في الولايات المتحدة 
65 نظام كابل يشترك فيها ؟,ه0 مشتركء؛ وهو ما يعادل 8,7 /ز من 
التلفزيونات المتزلية الأمريكية., وفي العام ١510‏ كان هناك 50١5‏ أنظمة 
بها مليون مشتركء أي ما يعادل “١‏ من التلفزيونات العادية: 
وبعد ذلك بخمس سنوات بلفت هذه الأرقام 2٠٠٠١‏ و ١7,7‏ مليون و09/ 
على التوالي. 

هذا وقد أثار تطور الكابل قضايا رئيسية في مجال السياسات أمام الهيئة 
الفيدرالية للاتصالات 500؛ التي؛ ومن دون توجيه من الكونغرسء لم تعمد 
إلى المواجهة المباشرة. ضفي العام 1505 قضت الهيئة بأنه على اعتبار أن 
الكابل ليس بثا ولا حامل اتصالات مشتركا فليس لها سلطان عليه. لاحقا 
وبعد المخاوف التي عبرت عنها دوائر الشبكات من أن نمو الكابل قد يقضي 
على تلفزيون الشبكة «المجاني» أو يسحب منه الأحداث الشعبية. مثل «سلسلة 
العالم», تدخلت الهيئة بشكل مباشر في شركات الكابل في العام 1574: بل 
ذهبت بعيدا إلى منع محطات الكابل من استقبال «إشارات طويلة» تكون خارج 
مناطق الخدمة المحددة لها. لكن هذا التجميد لم يحظ بتأييد دوائر عديدة. 
وعليه غفي العام 19177: وبعد تسوية صعبة على إثر مناقشات بين أصحاب 
المصالح المختلفين؛ قررت الهيئة أن تعطي أنظمة الكابل الحق في استقبال 





التقارب 


إشارتين بعيدتين على الأقل. كانت أنظمة الكابل في انتظار مزيد من التنظيم 
من جانب الدولة: بما ضفي ذلك تخصيص بعض القنوات للتعليم والحكومة 
المحلية «والجمهور العام». 

وبعد أربعة أعوام أخرى ‏ وعدد من القضايا القانونية ‏ جرى التخلص من 
كثير من ولكن ليس كلء هذه القيود التي فرضت على الكابل. لكن ذلك لم 
يكن كافيا في نظر العدد الكبير من مؤيدي عدم التنظيم من جانب الدولة. 
ومن ثم ضفي العام 7 أعلن فريق من ثلاثة قضاة بمحكمة الاستئناف في 
مقاطعة كولومبيا أن كل القيود الحمائية المفروضة على الكابل لا سند لها من 
القانون. وأن «الدستور لم يميز بين الكابل والصحف». وأن تلفزيون الكابل 
وفقا لما جاء في التعديل الدستوري الأول ليس بثا. بيد أنه وردت حينذاك 
مخاوف من نوع مختلف؛ فمع التقارب المتزايد للوسائط الإلكترونية والطباعية 
قد تخضع الطباعة لتنظيمات تشبه تلك التي طبقتها الهيئة الفيدرالية على 
البث. في هذه الظروفء ومع عدم رغبة أو قدرة الكونفرس على التدخل؛ 
خرج محامون دستوريون يؤكدون أن ندرة الطيف يجب ألا تؤخذ مبررا لتنظيم 
البث من جانب الدولة. 

على أن الأهم في الممارسة من مثل هذا الجدل القانوني كان تزايد استخدام 
الكابل في أمريكا. إذ إنه بين أوائل الستينيات وأواخر السبعينيات ازداد اختراق 
الكابل للمنازل من ”“ إلى :7١‏ مع وجود مشاهدين في بعض أجزاء 
الولايات المتحدة كان باستطاعتهم مشاهدة حتى :5١‏ وفيما بعد: ١‏ فناة. وفي 
وقت لاحق أصبح بمقدور المشاهدين في المدن مشاهدة حتى 020 قناة. وبهذا فتح 
المجال محليا للاختيارء فالكابل؛ رغم تجزيء الجمهور. سمح باستخدام بعض 
القنوات لأغراض غير التسلية. وبذلك أصبح هناك مكانء كما في حال النشرء 
لقنوات محتوى جيدة: مثل قنوات التاريخ أو الاكتشاف. وهو ما مكن من زيادة 
تجميع أو تكتيل الجماهير المحلية المحدودة. غير أنه لم يكتب لكل هذه القنوات 
النجاح وتحقيق أرباح. كما أن زيادة الاختيار لم تقدم التنوع الذي يليق بها. لذا 
أكد «برايان وينستون» في العام أن قنوات الكابل الأمريكية فشلت كلية 
تقريبا في إحدات تحول كبير في أنواع وأشكال البث التلفزيوني المؤسسة. أما من 
الناحية المالية فقد أسس التلفزيون مدفوع الأجر نفسه ووفر مصدر دخل مريح 
لأصحاب الكابل. كما أتاح فرصا للتسوق عن بعد. 1 


التاريخ الاجتماعي للوسائط 


إن التحول الأمريكي الرئيسي الأول في التوجه نحو الكابل وضي الأرباح 
حدث في العام ١91/59‏ عندما قررت شركة غ016 «80 11026 التي كانت 
مرتبطة بشركة 1106 أن تربط مستقيلها بالقمر الصناعي 2م5260 التابع 
للؤسسة 804 : وبذلك اكتسبت فدرات توزيع قومية تضاهي قدرات شبكات 
التلفزيون الكبرى الثلاثة. وقد تبعت شركات أخرى مبادرة هذه الشركة, 
وسرعان ما أصبح بعض هذه الشركات مشغلات متهددة الخدمات متخصصة 
في «الأفلام» والرياضة. وقد نشآ عن ذلك عملية غير رسمية من تركيز 
الشركات,. إذ أصبحت بعض محطات الكابل «محطات ضخمة».: منها 
70-17 (نيويورك) و 1877585 (أطلانطا). كانت الملكية العابرة تلوسائط 
منتشرة. كما كانت هناك صفقات مع هوليوود . وهو ما قدم أرباحا أكبر بكثير 
من معظم التطورات التكنوئوجية السابقة. وكانت بعض فنوات البرامج المحلية 
مجانية؛ وكثير منها لم يكن يعتمد على الإعلانات. 

وفي أكثر المناطق الحضرية نشاطا كان في متناول مشتركي الكابل ضي 
المنطقة مدى واسع من قنوات البرامج, وعلى رغم أن محتواها كان محدودا فإن 
شهية المشاهدين نمت. وكان من نتيجة ذلك أن اقترحت لجنة المواطنين القومية 
للبث؛ وهي المنظمة التي باركها المرشد الاستهلاكي «رالف نادر»». أن المواطنين 
يجب أن يطلبوا ضعف القنوات المحلية التي كانت تقدمها شركة الكابل 
لمجتمعهم المحلي. وأن ينتزعوا منها إعفاءات أكثر في الرسوم. وعليهم أن 
يبحثوا عن السبل المتاحة لتمويل أفضل شركات الكابل القائمة بالفعل؛ وبعد 
ذلك يطالبون بالمزيد من هذه الشركات .كانت الرسوم التي يدفعها المستهلكون 
تختلف من شركة إلى أخرىء وفى البداية كان تشييد أنظمة الكابل مكلفا في 
الغالب. وهذا جزء من الاقتصاد. ففي مدينة مثل دالاس ذات ال ٠٠١‏ ألف 
منزل: مثلا . قدر أن ن إنشاء نظام كابل يتكلف ٠٠١‏ مليون دولار. ولكن كانت 
التوقعات المالية جذابة بما يكفي لتقدم ما لا يقل عن ست مجموعات للحصول 
على الامتيازء وعندما منح مجلس المدينة هذا الامتياز لشركة «عصسنة عسعة1؟ 
طالبت شركة 102 1135 05 تتصة؟ المحلية بإجراء استفتاء. 

كانت دالاسء وهي المدينة التي أصبحت من خلال التلفزيون معروفة عبر 
العالم كله. تضم بالفعل عددا من شركات التلفزيون مدفوع الأجر ضعف 
العدد الموجود في أي مدينة أمريكية أخرى, حيث كانت دالاس رائدة في ذلك. 





التقارب 


وبحلول منتصف الثمانينيات كان حوالي نصف المنازل الأمريكية بها تلفزيون 
كابل. وأصبحت بعض شركات الكابل الأمريكية تساوي بلايين الدولارات 
وتغطي الولايات المتحدة كلها. كانت المشغلات العشرة الكبيرى متعددة الأنظمة 
تخدم تقريبا نصف مشتركي الكابل في الولايات المتحدةء في حين كان الرقم 
المقابل في كندا هو .721٠١‏ 

في منتصف الثمانيذ نينيات كان توزيع الكابل خارج الولايات المتحدة غير 
منتظم. فإيطالياء التي كانوا ينظرون إلى الكابل فيها بوصفه مجرد شكل 
من البثء لم يكن بها في العام ١‏ سوى شركة واحدة فقطء هي ه1ء1 
48 ؛»؛ وفي هولندا كانت المجالس البلدية تملك أكثر من نصف أنظمة 
الكابل. أما فرنسا فلم تتبن قانونا شاملا خاصا بالكابل حتى العام 1947: 
وفي ألمانيا والسويد كان التقدم بطيئا. وفي بريطانيا أيضا كان تطور 
الكايل بطينًا حتى بعد أن منحت الحكومة؛ بدعوى المنافسة والاختيار: 
أحد عشر امتياز كابل مدفوع الأجر في العام 19187: سبعة منها بدأت 
العمل في العام 6: وبعد عشرة أعوام كان بها ١١‏ شركة؛ بعضها يعمل 
لبعض الوقت فقطء وبعضها كون اتحادات عابرة للأطلنطي مع شركات 
أمريكية كبرى. 

ولأسباب تتعلق بالبرمجة وأخرى بالمشروعات كان هناك في الغالب بعد 
دولي؛ إلى جانب البعد المحلي: في تطور الكابل. ومن ذلك أن شبكة 2818© 
(شبكة الكابل للأخبار). لصاحبها «تيد تيرنر» الكائنة في أطلانطاء كانت 
عالمية النطاق منن نشأتهاء وبعد اندماجها في العام ١990‏ مع شركة 
11/71 وهى أيضا شركة علمية النطاق.: قدر رأسمال الشركة 
الناتجة ب 56” بليون دولار. وشركة م#عصتة116/77 نفسها نتجت عن اندماج 
حدث في العام -144: ومع الاندماج الجديد غير المتوقع مع شركة 1171© 


ستحفق الشركة الناتجة دخلا سنويا يضوق دخل شركة «والت ديزني» 
المعروفة على مستوى العالم, ٠‏ والتي اشتر: ت أخيرا شركة لمغتمة 0 


و00 التي كانت تملك أكبر شبكة أمريكية حينذاك. 
وشركة #عمعه/7/عصة تمتلك بالفعل ١4‏ من شبكة [0112): ويقال إن تيرئر 
قدم عروضا في أكثر من مناسبة لشراء شركة 001/27 وتحت راية 01182 في 
العام 1450 كان تيرنر يدير قناتي أخبار وقناتي أفلام. إحداهما قناة 









































التاريخ الاجتماعي للوسائط 


شبكة الكرتون. وإلى جانب ذلك اشترى تيرنر أرشيف أفلام شركة 2101/1 
الهوليوودية الذي يضاهي الآن أرشيف شركة ورنر. ظهر اسم 
«موردوك» في الصحف بين المتقدمين لشراء شركة تيرنر, وفي العام 1١5950‏ 
انضم «موردوك» إلى تحالف رباعي أمريكي مع شركة 01000 البرازيلية 
و7152ع1ع) المكسيكية و 012260085لاستروع 116 الأمري يكية. غير أن كل ذلك 
كان يمثل تقاريا ليس تكنولوجيا وحسب بل مشروعاتيا أيضا. 
البيانات المرنية 

كان من الواضح أن الكابل يمثل مشروعا ضهماء غير أن الناس في 
بريطانياء كما جاء في دراسة «تيموثي هولينز» الجيدة «ما وراء البث: إلى 
عصر الكابل» (1988). قبل العام 1547 لم يكونوا أفضل حالا من نظرائهم 
في إيطاليا في معرفتهم بالكابل: إذ لم يكن بالنسبة إليهم أكثر من مجرد اسم 
آخر للتلغراف أو حتى مجرد سلك. أما الآن فكثير من الناس على جانبي 
الأطلنطي يعتقدون أن الكابل يمكن أن يكون «طليعة لثورة تكتولوجية. أي يكون 
بمنزلة الجهاز العصبي لمجتمع يقوم على المعلومات». كجزء من عمله الجديد 
رئيسا لوحدة بحوث البثء كتب ريتشارد هوغارت مقدمة لدراسة «هولينز» 
أوضح فيها أن النقاش العام في بريطانيا حول مثل هذه القضايا لم يتجاوز 
«التأملات شبة اليوطوبية» من جانب و«النبوءات الحالمة» بالازدهار من جانب 
آخر. وعلى العكس من ذلك كان في الولايات المتحدة. كما أضاف «هولينز. 
كثير من النشاط وقليل من الإحساس بالاتساق. 

تنطبق هذه الملاحظة بشكل أعم ليس فقط على الكابل نفسه بل أيضا 
على مدى واسع مما يوصف عادة ب «البيانات المرئية»» مع اعتبار «النص عن 
بعد» 16066©) ينتمي إلى ما كان يسمى وقتذاك «عائلة التطورات الجديدة 
التي صاحبت مستقبل التلفزيون». كان النص عن بعد عبارة عن نظام لبث 
صفحات من المعلومات (كلمات وفقرات) على شاشة التلفزيون باستخدام 
الخطوط الاحتياطية التي لم يسبق توظيفها في البث العادي. أما النص 
المرئي 1016 وهو مصطلح أكثر شمولية:؛ فكان عبارة عن توصيل 
معلومات مخزنة على الكمبيوتر عبر خط تلفون أو كابل لتعرض على شاشة 
التلفزيون أو على جهاز طرفي مخصص للنص المرثي. 





التقارب 


وبفضل إتاحة البيانات الحاسوبية التي جعلها النص المرثي ممكنة, 
وطريقة تقديمها من جانب وكالات خدمات المعلومات: فإن كثيرا مما قيل 
عن مزاياهاء ومشكلاتهاء استبق إلى ما سوف يقال فيما بعد حول 
الإنترنت والشبكة العنكبوتية العالمية. هل ستصبح البيانات المرئية وسيطا 
جماهيريا أم فرديا أم كما يقول اليابانيون: وسيطا جماهيريا فرديا؟ هدا 
هو السؤال الذي طرحه أحد كتاب مجلة 013عتممعامآ في العام 2151/5 
المجلة كان أحد شعاراتها «عالم المعلومات أصبح رهن إصبعك». لكن 
التكنولوجيا التي كان يعتمد عليها كانت قياسية أو تناظرية وليست رقمية؛ 
وهي تكنولوجيا اليوم وليس الغد. وقد تركز الاهتمام بالنص المرئي» في 
رأي كاتب 126526018: بشكل أساسي على احتمالات تطوره. ومع نمو 
خدمات إلكترونية مختلفة تمنى الكاتب ومراقبون آخرون أن يكون في 
وسعهم «التقدم نحو التوازن». 

بيد أن مثل هذا التوازن لم يحدث. ويدلا من ذلك حدثت اندفاعة 
أخرى في التكنولوجيات الجديدة لم يكتب لجميعها النجاح فيما سمي مند 
وقت مبكرء السبعينيات تحديداء «مجتمع البيانات». فبعضها ظل عند 
درجة غير مكتملة من التطورء أو حتى ظل في مرحلة النموذج الأصلي. 
ومثال ذلك التلفزيون عالي الوضوح: الذي قدم لون ووضوح صورة أفضل 
من خلال ١١70‏ خطا (بدلا من 070 و 170): وشاشة أوسع تشبه شاشة 
السينماء والذي عرض بنجاح في الولايات المتحدة وأماكن أخرىء ولكن كان 
مما كدر اليابانيين: الذين اجتهدوا لوقت طويل في تطويره؛ أن هذا 
التلفزيون ‏ ولأسباب عديدة ‏ لم يكن أحد الانطلاقات الكبيرة. 

فحقيقة أن التلفزيون عالي الوضوح كان في مقدوره توصيل صور مرئية؛ 
تحمل معلومات خمسة أضعاف الصور التقليدية» لم تكن مهمة. كانت هناك 
حقائق أهم منها أن تحويل النظام كان يستلزم ليس استثمارا ضخما وحسب, 
بل أيضا تخصيص جديد للطيف. وكانت المعايير التقنية تختلف من دولة إلى 
أخرى. بل والأهم من ذلك أن التكنولوجيا المقدمة كانت قياسية وليست 
رقمية. حدثت الذروة في العام 7 عندما اختارت الحكومة البريطانية في 

إطار خططها للبث الرقمي أن تمضي قدما في تقديم قنوات أكثر وليس 
إدخال التلفزيون عالي الوضوح. 
_ 





التاريخ الاجتماعي للوسائط 


خلال الثمانينيات كان ينظر إلى الرقمنة باعتبارها الأساس المحتمل 
لكثير من التكنولوجيات الجديدة؛ رغم أنها كانت عملية تراكمية لم يعلن 
عنها إلا أواخر التببعينيات في عناوين مثل «كن رقمياً: الكابل في مقابل 
القمر الصناعي في مقابل الأرضي» (مجلة التسلية المنزلية, ديسمير 
4 . وفي العام 1584: عندما تم تقسيم شركة 4154:7: كانت الخدمة 
التلفونية الأمريكية في معظمها مازالت تتم عبر نظام شبكة تتكون من 
أبراج ميكروويف وأسلاك نحاسية؛ في حين كان تلفزيون الكابل يستخدبم 
الكابلات متحدة المحور. وكانت محطات البث مقصورة على طيف الراديو. 
وخلال السنوات العشر التالية أدى ما أطلق عليه وهوما لا يخلو من 
مبالغة ‏ ثورة في الألياف البصرية والإلكترونيات والضغط الرقمي 
الإشاري إلى تغيير الصورة. وقد أدى آخر معالم هذه «الثورة» (الضغط 
الرقمي الإشاري) إلى مضاعفة قدرة اللاسلكي أو النظم اللاسلكية عشرة 
أضعاف أو أكثر. ومع بداية القرن الواحد والعشرينء رغم ذلك كانت 
ملايين من مستقبلات التلفزيون القياسية مازالت تستخدم, وكان معظم 
البث الإذاعي في العالم غير رقمي. ٍ 

قبل هذه «الثورة» كان نظام الاتصالات عن بعد مجزاًء حيث كان 
للاتصالات عن بعد والبث ثقافتين مختافتين كلية؛ وهو ما أدى إلى نشأة 
عائلة البيانات المرتية. في أوروبا على وجه الخصوص كانت هيئات البريد, 
في بعض الأحيان بالتعاون مع القطاع الخاص. هي الأب الطموح لها. 
وحسب تعبير هيئة البريد البريطانية فإن العائلة التي كانت تتعهدها كانت 
تنمو في ظل اهتمام مستمر من الصحافة .كانت هذه الهيئة: التي سرعان 
ما ستفقد سيطرتها على التلفون هي التي عرضت عام 1579 أول نظام 
عملي للبيانات المرئية على مستوى العالم, امعط بعد فترة تجريبية 
تحدث في الغالب مع التطورات التكنولوجية الجديدة الأخرى. كان هذا 
العام هو عام «النص المرئي» عندما وصف المراقبون الخدمات الجديدة 
بأنها «من أول تجليات تقارب الحاسب وتكنولوجيا الاتصالات, ذلك الذي 
طال التبشير به». وفي مارس من العام نفسه نوقشت هذه التجليات ضي 
لندن في «المنتدى الدولي حول البيانات المرئية» الذي وصف بأنه الأول من 
نوعه على الإطلاق. 


التقارب 


كان من الممكن إطلاق اسم «البيانات المركية» بدلا من اعادء:8 على 
النظام الذي طورته هيئة البريد البريطانية لو كان من حقها استخدام 
هذا الاسم.؛ لكنه لم يكن نظام البيانات المرتية الوحيد الذي كان يطور 
آنذاك. إذ.كيان نظام جاعة:0. قد ظهر إلى الوجود في شركة 184 في 
بريطانيا ونظام اعاء11 فضي فرنسا و غ)هواء1 في فتلندا و 1616166 في 
شركة 585 الأمريكية و 761100 في كندا. وفي هذه الحالات جميعها كانت 
السمة الأساسية للأنظمة «ليست الس حر التكنولوجي ولكن النفع 
الاجتماعي».: ومن ذلك أن نظام «اءؤوء:5» الرائد» الذي لم يدمج المعالجات 
الصغيرة في أجهزته الطرفية: لم يكن الوحيد في عدم استغلال 
التكنولوجيا الجديدة. 

غير أنه ليس من السهل تصنيف التأريخ اللاحق لتطور البيانات المرئية: 
وذلك لوجود فترات انتظار بين عمليات الظهور والتركيب: ووجود فجوات 
بين اللغة والأداء. فغالبا ما كانت تطلق وتردد إعلانات طموحة: في حين 
أن التخطيط كان لا يزال في مرحلة مبكرة. كما كانت الأجهزة غالية وطرق 
محاسية العملاء معقدة وغير متفق عليهاء سواء في كيفية الحساب أو 
تنفيذه (التحصيل). ففرنسا مثلا كانت تقدم معونات لهذه الخدمة 
الجديدة, وهو ما لم يحدث في بريطانيا. وضي الولايات المتحدة كان من 
الصعب إثارة الاهتمام الشعبيء ولذا فقد توقفت تجرية محلية مثل تجرية 
«مرآة لوس أنجليس». التي بدأت في كاليفورنيا العام 19/4: بعد سبع 
سنوات من الخسائر. 

كان هناك نوعان من أنظمة البيانات المركية: النظام الذي يعتمد على 
التلفون مثل أءنوع,2 وده10اء1: والنظام الذي يعتمد على البث مثل عنماء 0 
الذي طورته هيئة الإذاعة البريطانية وعاع:0 لشركة 184 كانت اللجان 
الاستشارية لمؤسسة ]11 هي التي اختارت «النص المرئي» كاسم عام لهذه 
الأنظمة. كان النوع الأول من الأنظمة:؛ الذي كان يدعي البساطة:؛ يعتمد في 
البيانات التي كان يقدمها على مقدمي المعلومات, الذين كانت لهم «صفحات»» 

إذ لم يكن له حتى ذلك الوقت محرر مركزي أو منسق محتوى. وكان دور هيئة 
البريد يشبه دور شركات النقل؛ وفي هذا الجانب وغيره استباق إلى الإنترنت 
سواء في اللغة المستخدمة أو في الإجراءات. 


التاريخ الاجتماعي للوسائط 


كانت المشكلة الأولى التي فرضتها طريقة نظام ]8:05 على مقدمي 
المعلومات. كما أشار أحد مديريها. هي كيفية توجيه المستخدم إلى المعلومات 
بأسرع ما يمكنء وهو ما يمكن أن نسمعه من مدير أي من شركات برمجيات 
الإنترنت. في ذلك الوقت كان مقدمو المعلومات. الدين كانت هيئة البريد 
تتودد إليهم؛ يعقدون مقارنات قديمة. من ذلك أن نظام اعاوء2: الذي يمكن 
اعتباره ‏ بالتاكيد ‏ وسيطا جماهيريا؛ كان أقرب إلى الطباعة والنشر ‏ كما 
أكد البعض - منه إلى الإذاعة والتلفزيون. وكان من أسباب إقدام الصحف 
مثل د5عدة]" لوأعمقستط واكتستمسمعظ بشكل دفاعي في بعض الأحيان: على 
العمل كمقدمي معلومات. كانت بعض الصحف تعارض ذلك. وبخاصة 
الصحافة الألمانية التي كانت تعادي بشدة ذلك النظام الذي أدخلته هيئة 
البريد الألمانية في العام 15814. 

ثمة نقطتان أكد عليهما واحد من أوائل مقدمي المعلومات البريطانيين, 
واحد من ١1١‏ مقدماء لم يكن في جانب الدفاع ورأى في هذا المجال 
فرصا مشروعاتية جديدة. أولا سينتهي «استبداد وقت الذروة فضي 
الإرسال». أو «وقت المطالعة الكثيفة», سواء بالنسبة إلى مقدم المعلومات أو 
المستخدم. ثانيا سيكون على المستخدم أن يكون فاعلاء فما لم يصنع 
المستخدم قرارات وما لم يضغط على أزرار في صفحة التحكم ستظل 
الصفحة التي على الشاشة موجودة إلى الأبد . كان عدد صفحات البيانات 
محدودا للغاية. واستلزم ذلك من مقدمي المعلومات جهدا لإدخال رسوم 
بيانية بسيطة إلى جانب النص: وفي كندا تحول نظام 8 الذي طوره 
المتخصصون العاملون بمركز البحوث التابع للهيئة الكندية للاتصالات: إلى 
مشروع عام عندما علق أهمية كبيرة على تقديم معلومات بصرية إلى 
جانب المعلومات اللفظية. 

ثمة مجموعة مختلفة من أجهزة الاتصالات المرئية لا تدين بشيء 
لهيئات البريد أو الحكومات. وهي أجهزة الفيديو 7/01 وأسطوانات 
الفيديو. كانت هذه التكنولوجيات مختلفة. وسرعان ما سوف تعتمد 
الأخيرة (أسطوانة الفيديو) على الليزر. لكن استخدامها أثار قضايا حقوق 
النشر والقرصنة التي ذاعت في سياق اجتماعي واقتصادي مغاير تماما 
في القرن الثامن عشر. وقد عمل كلا هذين الجهازين على تمكين الأغراد 


التقارب 


من «تفيير الوقت». أعني تسجيل البرامج التلفزيونية بحيث يمكن 
مشاهدتها على الشاشة المنزلية بعد وقت بثها. لكن الاستخدام الرئقيسي 
لهذين الجهازين كان في الواقع تشغيل الأفلام: وبخاصة أفلام هوليوود . 
وفيما بعد تطورت عروض الفيديو المنزلية وشقت طريقها كشكل من 
أشكال التسلية على شاشات الشبكة وقنوات الكابل. والإحصاءات في هذا 
الصدد مذهلة. فبحلول العام 6 كان عدد محلات أشرطة الفيديو في 
الولايات المتحدة يفوق عدد دور العرض السينمائي. وبين العامين ١56٠١‏ 
و1950 ارتفع عدد أجهزة الفيديو في الولايات المتحدة من 8, ١‏ مليون إلى 
7 مليون جهازء وهي بذلك تمثل أكثر إحصاءات الوسائط إثارة. وبحلول 
العام ١1954٠‏ كان 27١‏ من المنازل الأمريكية تمتلك جهاز فيديو. وخارج 
أمريكا ارتفع الطلب البريطاني على هذه الأجهزة بشكل أسرع منه في 
أمريكاء وخارج أورويا كان 85 من منازل المملكة العربية السعودية يمتلك 
جهاز فيديو بحلول العام 1946 . 

عرضت أجهزة الفيديو المنزلية لأول مرة في السوق في العام "1917 بعد 
سنوات من التجريب سواء بأشرطة أو اسطوانات. حيث انخرطت الشركات 
الأمريكية والهولندية والسويدية واليايانية في سباق للسيطرة على هذا 
السوق الاستهلاكي الجديد. في العام ١954‏ أدخلت شركة لإده8 شريطا 
مغناطيسيا في أشرصطتهاء في حين استمرت شركة 804 التي كانت تعرف 
استخدام الشريط المغناطيسي جيداء في استخدام الأسطوانات حتى العام 
4 وقدمت شركة ومنز1ز20 الهولندية تكنولوجيا أسطوانة الليزر في العام 
4: وضي أمريكا عرضت أول أسطوانة ليزر في أعياد الكريسماس في 
العام .١154‏ 

لم تحظّ الآثار الاجتماعية لانتشار أجهزة الفيديو بالاهتمام الذي حظيت 
به التكنولوجيا ‏ حيث نشبت معركة حول المعايير ‏ وكذلك الاقتصاد الذي 
تضمن استثمارات ضخمة في البحث. وحيث إن أشرطة الفيديو في كثير 
من الدول كانت تؤجرء إلى جانب إمكان شراتهاء فقد أصبحت محلات 
الفيديو سمة أكشر وضوحا وانتشارا في المدن من محلات الكتب. وكذلك 
انخرط الكثيرون من أصحاب محلات الكتب في عملية تأجير أشرطة 
الفيديو. وأصبح في مقدور الجماعات الإثنية. التي يعيش بعضها في أماكن 











التاريخ الاجتماعي للوسائط 


بعيدة عن أماكن ميلادهاء الحصول على أشرطة فيديو بلغاتهم الأم. كما أن 
المشاهدة العائلية يمكن أن تعطي حياة جديدة للمنزل. ومن ذلك أن تنب 
أدريان هوب في كتابه «من التلفزيون إلى الكمبيوتر المنزلي» الذي نشر ضي 
العام 19174 بيوم تتياهى فيه أسر المستقبل المتماسكة بجهاز الفيديو. 
وأضاف أنه من حسن حظ أوتلكك الناس أنه سيكون بإمكانهم أن يحتفظوا 
بهذه الأجهزة حتى يعد أن تصبح مماتة. ففي أثناء حياتهم ستتحول هذه 
الأجهزة إلى «تحف» ذات قيمة: تماما مثل صورة «إديسون» الأصلية. إن 
هوليوودء التي كانت في البداية تقاوم تسجيل الفيديو ‏ كما سبق وقاومت 
التلفزيون: أثرت كثيرا في مبييعات الفيديو. وهو ما حدث نفسه مع 
الصناعات الموسيقية المسموعة والمرئية عندما أصبح من الممكن سماع 
وتسجيل الموسيقى. كما أصبح تسجيل الاسطوانات الفونوغرافية شيئا مماتا 
تماما مثل الآلة الكاتبة. وكذلك أصبحت كاميرات الفيديو جزءا من الأجهزة 
المنزلية. كانت الكاميرا التي أنتجتها بإد50 العام 1584., تلك الكاميرا 
المحمولة الصغيرة. وهي نسخة تلفزيونية من المستقطبة؛ من أنجح ما سمي 
«المنتجات التي تطورت عن الفيديو كاسيت». لم يكن يوم الكاميرا الرقمية 
قد أتي في ذلك الوقت بعد. 

كان هناك اختراع ممكنء لكنه لم يحظ بالاهتمام؛ وهو التلفون المرئي؛ وهو 
بالطبع أكشر إثارة للمستهلكين من تلفون الصوت فقط؛ على رغم أن شركة 
511 بدأت في الستينيات في تسويق تلفون مزود بالصورة يعتمد على 
التكنولوجيا القياسية؛ وكانت تتنبأ بسوق يصل إلى “١‏ من التلفونات المنزلية 
بحلول الثمانينيات. لكنها قررت إيقاف صنع هذا التلفون في العام ؟/151,. ومع 
ذلك لم تفقد الفكرة جاذبيتها وجرى تبنيها مجددا في التسعينيات عندما 
اتضح.؛ كما جاء في مسح أوروبي استفرق ١8‏ شهرا في العامين 1997 و1997, 
غطى بريطانيا وفرنسا والمانيا وهولندا والنرويج؛ أن مكلمات التلفون المرئي 
التي كان يُعلّن عنها بكشرة وسخاء كانت أطول من ال مكالمات التلفونية العادية 
وتتطلب عشر دقائق على الأقل من الناحية التقنية المتعلقة بعرض الموجة. 

كانت التلفونات المرئية أغلى بكثير من التلفونات المحمولة الخلوية؛ وكانت 
جودتها غير موثوق بهاء ولكن كان من الواضح أن سوقها محدود للفاية مثل 
المؤتمرات المرئية. في يناير ١1954‏ بلغ عدد مشتركي شركة مهنهمتومصم1 














التقارب 


للتلفون المرئي؛ وهي مشروع مشدرا مشترك بين شركة 1غآ1ه وشركة معاد 
عمنآ-ه0: +٠‏ ألف مشترك يدفعون اشتراكات شهرية تتجاوز ٠١‏ ألف دولار. 
كان من المتوقع كذلك أن تنتشر محلات تأجير التلفون لمرئي. لكنها كانت 


ستحتاج بالتأكيد إلى اسم آخر إذا كان لها أن تشق طريقها إلى الشارع كما 

وعلى اعتبار المستقبل العظيم للتلفون المحمولء: الذي ستكون له 
استخدامات لم تكن متوقعة في البداية, فإننا عند التذكر نقول إن خبراء 
الاتصالات الذين ركزوا على الحركية كانوا الأكثر نفاذا للبصيرة. أما راديو 
المواطنين: وهو أحد التطورات التي لفتت الانتباه إلى التلفون المحمول: فقد 
انتقل من الفولكلور إلى التاريخ: بعد أن قدم رابطا خاصا بين تاريخ النقل 
وتاريخ الوسائط. مع اشتعال أزمة البترول في العام 1977 حددت الولايات 
المتحدة السرعة القصوى للسيارات ب 00 ميلا في الساعة: وهو ما أدى 
بسائقي الشاحنات في الغرب إلى تركيب راديو ثنائي الاتجاه غير متقدم 
لاتخاذه نظام تحذير. وبذلك ولد وسيط جديد استخدم فيما بعد من 
جانب أصحاب اليخوت والصيادين الأمريكيين الذين كان مؤيدو راديو 
المواطنين وسائقى الشاحنات يرسلون إليهم إشارات تتبيه. كان امتلاك 
راديو المواطنين؛ ٠‏ الذي كان غير قانوني ضي معظم الدول الأخرى بما في 
ذلك بريطانياء مؤشرا اجتماعيا وثقافياء مثل امتلاك السيارات: أكثر منه 
بشيرا لشكل الأشياء القادمة, ولم يكن في مقدور الحكومات أن تفعل أي 
شيء حياله. 

في الولايات المتحدة رخص لأول نظام تلفون محمول في العام 1987 
وعلى رغم الاستقبال غير المشجع كان في الولايات المتحدة مليون مستخدم 
للتلفون الخلوي في العام 1944 أما الازدهار الكبير للتلفون المحمول فقد 
حدث بعد ذلك. وعلى الرغم من الاستقبال غير المشجع وانعدام الخصوصية 
(بعض المستخدمين لم يكونوا يعبأون بهذا العيب أو كانوا من أصحاب الصوت 
العالي عند إجراء المكالمات) استمرت أعداده تتزايد في أوروبا وآسيا كما في 
الولايات المتحدة. ولذلك غفي العام 1497 كان هناك أكثر من ستة ملايين 
مستخدم للتلفون المحمول في بريطانياء وبعد ذلك بأربع سنوات وبين شهري 
أبريل ويونيو ٠٠٠١‏ فقط بيع ما لا يقل عن 5, " مليون تلفون محمولء؛ وهو ما 





التاريخ الاجتماعي للوسائط 


يعنى بيع جهاز تلفون محمول كل ثانيتين. هذه الظاهرة جعلت أحد عناوين 
الصفحة الأولى بصحيفة 11065' يخرج على القراء قاتلا «نصف الأمة أصابه 
جنون التلفون المحمول». 

فضل معلق آخر في الصحيفة نفسها وصف ما يحدث «بالوقوع في 
غرام التلفون المحمول». كانت بريطانيا في ذلك الوقت متقدمة على 
الولايات المتحدة التي كانت دائما تحتوي على تلفونات منزلية أكثرء وعلى 
مستوى أوروبا كانت فنلندا وإيطاليا متقدمتين على إنجلترا. أما اليابان, 
التي شهدت زيادة ضخمة في انتشار التلفون الخلوي بعد العام 1597, فقد 
كانت الجماعة الأساسية التي تقبل على شرائته هي الشباب من ٠١‏ إلى 74 
سنة الذين كانوا يستخدمونه لكي يظلوا على اتصال مع مجموعة صغيرة 
من الأصدقاء تسمى باليابانية «الرفاق الخلويين». كان السوقء الذي اتسع 
بمساعدة الإعلان الكثيف. يقوم على أساس خدمة واحدة هي الاتصال 
الصوتيء لكن بحلول العام ٠٠٠١‏ تأكد أن ذلك سيتغير سريعا. فبروتوكول 
التطبيقات اللاسلكية سيجعل البيانات والوسائط المتعددة المحمولة مقدمي 
عوائد أساسيين للشركات. وظهرت خدمات جديدة مثل خدمة الرسائل 
القصيرة التي اعتبرت «انتقالية». وهذه كلمة قديمة في تاريخ تكنولوجيا 
الراديو. وسرعان ما أصبحت هذه الخدمة شيئا مختلفاء فالمراهقون: فيما 
وصف بأنه «موضة». وهي أيضا كلمة قديمة في تاريخ التكنولوجياء 
أصبحوا مهووسين بإرسال الرسائل النصية. ففي يريطانيا وحدها جرى 
إرسال حوالي +٠١‏ رسالة في مارس .5٠٠١‏ وفي مارس ٠٠١١‏ وصفت 
جريدة 11265 52023 (بالصور) مراهقة كانت ترسل أكثر من ألف رسالة 
نصية في الشهر. وهذه الرسائلء التي لا تتجاوز ١7١‏ حرفا في طولهاء 
تتضمن أشياء متنوعة من «الوجوه الياسمة» والرموز. وأصبحت قواعد 
اللغة والهجاء غير مهمة على الإطلاق. 

وفي أوائل العام ٠٠٠١‏ كان في بريطانيا أريع شركات تلفون محمول 
رئيسية: 006/هل70" و إعملاءت '81 و عم00620 وععمة:01: وهذه الأخيرة 
تعاقدت مع ١١”‏ مليون عميل في الفترة القصيرة من أبريل إلى يونيو 
٠٠‏ *؛ وهو جزء كبير من إجمالي عملائها الذين يبلغون ”,ا مليون. ومن 
الشركات المبكرة التي دخلت المجال شركة 1:10:15 وهي شبكة تلفون قمر 





التقارب 


صناعيىء التى واجهت تكاليف ضخمة ليدء العمل وخرجت من السوق 
بشكل مأسوي في مارس :7٠٠١‏ وقد مارست الشركات الاندماجية العابرة 
للحدود والتي تقوم بشراء كل الأسهم: تلك الشركات التي تتضمن اليابان 
إلى جانب الولايات المتحدة؛ دعاية مكثفة. وشركة 170037006: التي وصفتها 
5ل في يناير 7٠٠١١‏ ب «عملاق المحمول الشره». بشراكها لشركة 
عنا10] اث الأمريكية ومجموعة تضةم:5عصمة21 الألمانية (وسط جدل 
سياسي) ضاعفت حجم نشاطها أربعة أضعاف. وامثتمرت التعاقدات: ولم 
يصل السوق العالمي إلى حالة التشبع؛ وارتبط به كثير من أصحاب المصالح 
الوطنيين والدوليين. 1 

هيمن التمويل على معظم العناوينء لكن بعض هذه العناوين (ومحطات 
البث) طرحت الآثار الجائبية المحتملة لهذه التكنولوجيا الجديدة. هل هناك 
مخاطر صحية من موجات الإشعاع بالقرب من الأذن؟ هل يصح أن يستخدم 
الأطفال التلفون المحمول؟ هل يمكن لشركات التلفون المحمول أن تقيم أبراج 
إرسال من دون تصريح من جهات التخطيط؟ هل يجب السيطرة على 
مستخدمي التلفون المحمول في عريات القطار كما يحدث في الطائرات؟ في 
كل الدول كانت هناك شكاوى من جانب غير المستخدمين. وقد أتاحت أعمدة 
الصحف المخصصة لمراسلات القراء إلى جانب مشاركات مستمعي ومشاهدي 
برامج الإذاعة والتلفزيون التي غالبا من تكون ردا على سؤال المذيعين الدائم 
«ما رأيك6» أو دما شعورك4», أتاحت متنفسا للشكاوى. كما أن اختلاف 
الخبراء فيما بينهم أعطى دعما للسائلين؛ وهو نفس ما قدمه هذا الاختلاف. 
ولكن بشكل أقلء لبعض المجيبين. 

وإلى جانب الشكوى كان هناك مدى واسع للتنبؤ. فعندما أعلنت شركة 
م01 في يوليو عن تخفيضات في أسعار منتجاتهاء وهو ما حدث في 
أثناء شراء شركة <دمءهاء7 ععهد:1 لهاء كان الهدف من هذه التخفيضات: كما 
أعلن مديرها التجاري البريطاني جعل العملاء يتوقفون عن استخدام 
التلفونات المنزلية التقليدية. وأضاف أن ذلك «يمكن أن يكون النهاية لتلفون 
الخط الثابت. وبالتوازي مع ذلك دار حديث عن انتهاء التلفونات التي على 
المناضد فى المكاتبء إذ إن تحولا سيحدث من فضاء المنضدة إلى الفضاء 
الرمزي. وفي عالم الوسائط بدآت هيئة الإذاعة البريطانية في العام 1١195‏ 





التاريخ الاجتماعي للوسائط 


في استخدام التلفونات المحمولة في جمع الأخبار, وقد كانت بالفعل تستخدم 
في أنحاء العالم في المقابلات الصحافية والإذاعية. وضي ذلك الوقت بدأ 
اللاسلكي يبرز من جديد. كما يثبت الحرف الأول من اسمه الموجود ضي 
الاختصار بالحروف الأولى 48لا ومجددا كان للألعاب دور بارز. ضفي 
صحيفة 2160 اللندنية المجانية أورد «أوين بنالك» في يوليو 2٠٠٠١‏ أن نظام 
هثللا يمكن الآن أن ينفد تفاعلا متعدد اللاعبين: وأن يريبي سمكة: وأن 
يشترك في حروب دبابات بين طرفين. 

في كتيب إعلاني بعنوان «إنجيل مشتري التلفون المحمول» قَّدُم مدى 
واسع من الخدمات إلى جانب الصوت والبريد والبريد الإلكتروني. كان هذا 
الإنجيل من إنتاج شركة منعرذ/" [ العذرا ]| - لاحظ اللغة الدينية الواضحة ‏ 
لصاحبها «ريتشارد برانسون» التي كانت تعمل في كل أشكال النقل تقريبا 
بما في ذلك البالونات. كان الإنجيل مصوراء إذ ضم صورا لتلفونات من كل 
الأنواع وأسعارهاء ومنها الموديلات الفارهة التي تجاري الموضة والتي 
تناسب الرجال والنساء. وقد عرض ذلك تحت عنوان «المكالمات المستقبلية». 
وظهرت وعود بأن التلفونات المحمولة المستقبلية (الجيل الثالث) سوف 
تتضمن مكانا لبطاقات الاتتمان. وستكون هناك تليفونات للمعلومات 
والتسلية. كما ستظهر التلفونات المرئية - بصرف النظر عن سجل الفشل 
المالي السابق الذي أحبطها ‏ أن رئيس مجموعة التشبيك الشخصية في 
شركة 28 لم يستخدم كلمة «انتقالي» أو «موضة» بل «تقارب» عندما 
نظر إلى المستقبل عندما يكون من الممكن ربط التلفونات المحمولة 
بالإنترنت. كانت شركته تسوق بالفعل تلفون التنشيط الصوتي 6اه؛ 
الذي يمكنه التعامل مع المكان والزمانء فأيا كان المكان الذي 
تتجول فيه على سطح الكرة الأرضية فكل ما عليك هو أن تتطق الاسم 
فيقوم التلفون بطلبه أوتوماتيكيا . 

تنتظر شركة 51010:018, شأنها شأن عده100270: اليوم الذي يمكن فيه 
لمستخدمي الإنترنت. وهو 0 القسم التالي من الكتاب؛ الذين ازداد 
عددهم إلى حد كبيرء أن يدخلوا إليها [أي الشبكة] عبر التلفون المحمول 
وليس عبر حاسب منزلي أو مستقبل تلفزيون. وبالفعل كانت أعداد 
مستخدمي الإنترنت في ازدياد. ففي يناير ٠٠٠١‏ كان أكثر من ٠١‏ من سكان 


التقارب 


بريطانيا يمكنهم الدخول إلى الإنترنت. وكانت النسبة المناظرة في النرويج 
أكثر من 2*0 وفتلندا حوالي ./205١‏ وضي الييابان كان من ربات المنازل 
يدخلن إلى الإنترنت. وانتشر الحديث عن «مجتمع إلكتروني» يتغلب. ليس 
للمرة الأولى ولا الأخيرة. على قيود المكان والزمان. 


الإنترنت 

لم يشر كتاب «التكنولوجيا في :7٠١١‏ مستقبل الحوسبة والاتصالات» الذي 
كتبه عدد من الشخصيات الرائدة في الحوسبة في العام :199١‏ وهو ماض 
ليس ببعيد» ونشرته مؤسسة '8111, لم يشر من قريب أو بعيد إلى الإنترنت. 
حتى أن كلمات الشبكة العنكبوتية الدولية أو الفضاء الرمزي لم تظهر هي 
الأأخرى في ملحق الكتاب. ومع ذلك فقد شهد هذا العام نفسه نشر «دافيد 
غيليرنتر» كتابا لمتخصصي التكنولوجيا بعنوان «عوالم المرآة»» كان عبارة عن 
ورقة بحثية مطولة وساحرة: تنبأ فيه بالإنترنت دون أن يستخدم هذه الكلمة. 
وبنهاية التسعينيات أصدر «إي. إم. نوم»: الذي كان عندئكذ مدير معهد 
المعلومات عن بعد بجامعة كولومبيا. حكما يقول «عند كتابة تاريخ الوسائط في 
القرن العشرين سينظر إلى الإنترنت باعتبارها الإسهام الرئيسي لهذا القرن». 

حدثت انطلاقة الإنترنت بين سبتمبر ”15197 ومارس ١994‏ عندما تحولت 
الشبكة, التي كانت حتى ذلك الوقت مكرسة للبحث الأكاديمي: إلى شبكة 
للشبكات وأصبحت متاحة للجميع. في غضون ذلك أدى توافر برنامج 
الاستعراض (2405831): الذي وصف في القسم التجاري من صحيفة 
5 0011 716 في ديسمبر 1195 بأنه «النافذة الأولى على الفضاء 
الرمزيء إلى جذب المستخدمين: الذين كانوا في هذا الوقت يسمون 
«مستوعبين» والمقدمين الذين كانوا يسمون «رواد البرمجيات». 

وفي غضون تلك الفترة التي تسارعت فيها تكنولوجيا الاتصالات تحدت 
الإنترنت التتبؤات وجلبت معها مفاجآت كثيرة. قيل إنها «ظاهرة أكثر منها 
حقيقة». وقيل كذلك إنها «أقصى ما وصل إليه الغرب» في الاتصالات. 
وسرعان ما تركت الإنترنت الفيزياء وراءها وطورت سيكولوجيتها المميزة مع 
تحقق هذه القفزةء: وطورت كذلك ما أصبح يسمى إيكولوجيا [بيئة] 
الإنترنت» وهي كلمة جديدة في دراسات الاتصالات. وبحلول العام 215951 





التاريخ الاجتماعي للوسائط 


وعلى نحو مبشرء بدأت الإنترنت تعامل باعتيارها نموذجا. إن أصول 
الإنترنت. مع ذلك توجد في الفيزياء وفي سياسة الدفاع, إذ أنشثت في 
بادئ الأمر في سبتمبر 11748 بدعم مالي أساسي من الحكومة من خلال 
إدارة المشروعات البحثية المتقدمة في وزارة الدفاع الأمريكية, التي أنشئت 
في العام /15601: بوصفها جزءا من الاستجابة الحكومية لإطلاق السوفييت 

في البداية كانت هذه الشبكة عبارة عن شبكة محدودة للتشارك في 
المعلومات بين جامعات التكنولوجيا المتقدمة (كلمة جديدة) وغيرها من 
المعاهد البحثية. وبسبب طبيعة مة المعلومات التي كانت تتداوّل فقد كان من 
أساسيات عمل الشبكة ألا تنتهى باستبيعاد أو تدمير أي حاسب داخلهاء 
بل وحتى بالتدمير النووي لكل «البنية التحتية» (كلمة داخلية جديدة 
أخرى) للاتصالات. كانت تلك رؤية البنتاغون. أما رؤية الجامعات فكانت 
أن تقدم الشبكة الإتاحة الحرة للمستخدمين الأكاديميين والبحثيين؛ وأن 
يكونوا هم الموصلين. 

وأيا كانت نقطة الاستشرافء. من أعلى أو من أسفلء فقد كان من الأهمية 
الكبيرة بمكان عندئذ؛ وعلى المدى الطويل؛ أن يختلف تصميم النظام 
(المصطاح الذي كان غالبا ما يستخدم) عن تصميم شبكة التلفون. وكان ذلك 
مدعاة للفخر من جانب الجميع. فأي حاسب يمكنه أن يدخل إلى الشبكة من 
أي مكان: مع «تشريح» المعلومات التي يتم تبادلها في الحال إلى «رزم». إذ كان 
نظام الإرسال يحلل المعلومات إلى أجزاء مشفرة ويقوم نظام الاستقبال 
بتجميعها ثانية بعد أن تصل إلى مقصدها النهائي. كان ذلك أول نظام رزم 
بيانات في التاريخ. 

إن فكرة تجزيء أو تحليل الرسائل إلى «رزم معلومات» أو «كتل من 
الرسائل» كانت تتراءى لباحثي الحاسب منذ منتصف الستينيات: ومنهم 
«دونائد واط دافيز». من المختبر الفيزيائي القومي بإنجلتراء الذي استخدم 
مصطلح «التحويل إلى رزم» عمنطء)81؟ أعكاعدم . أدرك «دافيز» كذلك أنه لكي 
يتم تشبيك أجهزة الحاسب ذات «الأوجه» و220,ه6:م1 المختلفة وذات لفات 
البرمجة المختلفة فمن الضروري استخدام الحاسب الصغير [الميني كمبيوتر] 
كأجهزة ربط وهو ما يعرف في الولايات المتحدة باسم معالجات الرسائل 





التقارب 


البينية (020065501:5 7655386 1016117208) 12125 وصلت أولى هذه التقنيات إلى 
جامعة كاليفورنيا بلوس أنجليس في يناير 1974: وفي غضون عامين كانت 
شبكة إدارة المشروعات البحثية المتقدمة التابعة لوزارة الدفاع الأمريكية 
128717 جاهزة للعمل. وفضي العام 0 !,؛ ويعد أن تحول اسمها إلى 
1014 بلغ عدد مستخدمى هده الشيكة لكل وكانت رسائل اليريد 
الإلكتروني.شكل الاتصال الرئيسي بهاء ولم تكن جميعها تتعلق بأمور الدفاع. 
في غضون ذلك برزت مؤسسة العلوم القومية وا في الصورة. وضي 
عندما كتبت عن «بيئة متقدمة» يمكنها أن توفر اتصالا وتعاونا متقدمين 
وتشارك في المصادر بين باحثين منفصلين أو حتى معزولين جغرافيا. 
كانت المؤسسة في ذلك تفكر في مدى من الباحثين أوسع من أولئك الذين 
يستخدمون شبكة إدارة المشروعات البحثية المتقدمة 412840181م وفي 
*87 حتى كانت هذه الشبكة مستقرة مالياء وأصبحت تضم خمسة 
مراكز حاسب متميزة. وفي العام 6 رزبطت بشبكة إدارة المشروعات 
البحثية المتقدمة. 
عليها أن تمتلك بنية تحتية تجارية جديدة. ومن ذلك أنه في العام بدأ 
أول مقدم خدمة تجارية فورية هو هنترهكنامدم00 التابع لشركة تعصمة//عصذا1, 
الذي كان في البداية يخدم ماكان يسمى «ناد خاص». تبع ذلك تأسيس 
المنافس القوي» شركة 6هذ[ه0 دم1,عدخ التي كانت مرتبطة بمجموعات ألمانية 
وفرنسية. ثم ظهرت شركة ثالثة. هي (2]0018 وي العام ١597‏ كونت هذه 
الشركات الثلاث المتناضسة قاعدة إجمالية من المشتركين تضاعفت في عامين 
لتصل إلى 5" مليون مشترك. ومن الممكن: على الأقل الآن عند التذكر؛ على 
اعتبار قوة هذه الشركاتء أن نتعقب ما يشبه التقدم المنطقي في تاريخ 
الإنترنت المعقدء كما كان في معظم فروع تاريخ الاتصالات. إذ دخلت 
الشبكة مرحلة جديدة عندما جذبت أصحاب المصالح التجارية وعندما 
توسعت استخداماتها. 





التاريخ الاجتماعي للوسائط 


في أواخر السبعينيات كان الدارس «إثيل دي سولا بول» شاذا نوعا ما في 
ذكر دور شبكة إدارة المشروعات البحثية المتقدمة 4824 أو شبكة بحوث 
علوم الحاسب 0511/81 في التقاش الدولي؛ عندما كتب أن الجامعات وغيرها 
من المؤسسات التي انخرطت في المرحلة الأولى كانت تعتزم «تأسيس شبكات 
تغطي الولايات المتحدة وأوروبا متى كان حجم المشروع يكفي لتغطية نفقات 
التجهيز والخدمات»؛ وعلى رغم أنه اعتقد أن «الشركات التجارية لن تجد أن 
من المجدي والمربح مد شبكتها لتغطية دول العالم النامية. لكنه رأى أن التكلفة 
ستنخفض إذا ما تم تركيب الشبكة وفقا لخطة عالمية شاملة». وسوف تنفق 
على نفسها بسهولة عندما تصل إلى نطاق شامل من التغطية (كلمة «نطاق» 
تبرز هنا). أما المؤسسة القومية للعلوم فلم تتوافر لديها الرغبة ولا القدرة 
على القيام بدور صاحب المشروعات؛ وبعد مناقشات معقدة أوقفت دعمها 
المالي في العام 1956 . 

كانت بيئة الشبكة العالمية قد اجتازت في ذلك الوقت تحولا ليس منيعه 
الولايات المتحدة هذه المرة» وإنما المعهد الأوروبي لبحوث فيزياء الجسيمات 
ا 1150 القابع في حضن الجيال في سويسراء وهو المكان الذي ابتكر فيه 
الإنجليزي تيم بيرنرز ‏ لي ما أسماه «الشبكة العنكبوتية العالمية» العام 
5 . فكر «بيرنرز لي» قائلا «افترض أن بإمكاني برمجة جهازي 
[الحاسب] بحيث أخلق مكانا يمكن فيه ربط أي شيء بأي شيء: وافترض 
أنه جرى ريط كل المعلومات المخزنة على أجهزة الحاسب الموجودة في كل 
مكان». إنه لشيء مثيرء ولكن ليس ذلك ما كان مخططا لشبكة إدارة 
المشروعات البحثية المتقدمة 4824 أو شبكة بحوث علوم الحاسب 511871© 
أو شبكة المؤسسة القومية للعلوم 2151:3187 وهو ما لم يكن حاضرا أيضا 
في ذهن صناع أجهزة الحاسب؛ سواء كانت شخصية أو غيرهاء «التي كان 
كل منها مصمما لكي يعمل يمفرده». لم يكن بيرنرز ‏ لي يعرف آنذاك أن 
«ضانيفار بوش» من شركة 8111 الذي كان منخرطا في التاريخ المبكر 
للحاسب والذي ترأس مكتب تطوير البحوث العلمية الأمريكي أثناء الحرب 
العالمية الثانية: كان يفكر بشكل ممائل في مقال له في مجلة «الأطلنطي 
الشهرية» العام ,١545‏ عندما وضع [أي بيرنرز ‏ لي] تصورا لجهاز مكني 
ضوئي اسماه «عددعء]ة. 


التقارب 


رأى بيرنرز ‏ لي أن «نسج» الشبكة العنكبوتية ‏ وهما الفعل والاسم اللذان 
استخدمهما توماس هاردي ‏ ليس بالمهمة الآمنة ولا المريحة؛ بل وسيلة 
لتوسيع الفرص. كان بيرنرز ‏ لي يسعى إلى جعل الشبكة غير مملوكة لأحد 
ومفتوحة ومجانية. ولكنه مع ذلك؛ ومثل غيره من أصحاب المشروعات 
الأمريكيين الذين طوروا الإنترنت من أجل الربح: كان يدفعه إيمان متقد 
باستخدامها العالمي المتوقع. حيث يمكن: بل يجبء أن تكون هذه الشبكة 
عالمية. كان تطويره للارتباطات التشعبية كعلهذا-:ءمنز11: التي تركز الانتباه على 
كلمات أو رموز معينة في الوثائق عن طريق «النقر عليها». بمنزلة المفتاح لكل 
التقدم المستقبلي. أما 116 التي حيته باعتباره أبو الشبكة الوحيد فقد 
اعتبرت إنجازه هذا إنجازا غتنبرغيا [نسبة إلى غتنبرغ مخترع المطبعة] 
فقد أخذ نظام اتصالات قويا لم يكن يستخدمه إلا النخبة وحوله إلى 
وسيط جماهيري. 

لم يكن الجميع يريدون لهذا التحول أن يجريء فبعض المستخدمين 
الرواد لشبكة إدارة المشروعات البحثية المتقدمة أو شبكة بحوث علوم 
الحاسب كانوا يرون أن الصفة «جماهيري» تحمل معها المضامين نفسها التي 
كانت تحملها عندما كانت تلصق بالإذاعة. إذ إنه كلما زاد عدد مستخدمي 
الإنترنت ازداد الخراب في الممستقبل. ومع ذلك ظل هؤلاء النقاد يمثلون 
الأقلية. حيث كانت علامات الابتهاج تفوق علامات الانزعاج: فمعظم مقدمي 
البرمجيات الرواد رأوا أن الإنترنت حررت الأفراد ومكنتهم وقدمت للمجتمع 
فرصا غير مسبوقة. وهو ما اتفق عليه معهم المتحمسون للإنترنت غير 
المحكومة. ومن ذلك أن أكد «ويليام وينستون» في كتابه «فجر السيادة» 
(1595).: وبشكل أكثر ثقة من «بول»»: أنه من خلال التقارب التكنولوجي 
سوف نتجه نحو مزيد من الحرية الإنسانية ومزيد من قوة الناس ومزيد من 
التعاون الدولي. 

غير أن هناك آخرين؛ منهم بعض دارسي الاتصالات في الولايات المتحدة 
واليابان» زعموا أن الإنترنت كانت «ملوثة للروح الإنسانية»؛ والبعض تنبا 
بمزيد من تمركز القوة. ومن ثم كانت هناك مداخل متعارضة بحدة إلى 
مستقبل الإنترنت. غالإنترنت. شأنها شأن القطارء تجمع الغرياء معاء قلا أحد 
يعرف من سيقابله عليها. ومثلها مثل الوسائط تقدم المعلومات والتسلية 





















































التاريخ الاجتماعي للوسائط 


والتعليم؛ لكنها على خلاف هذا كله سوف تنمو من أسفل بعيدا عن توجيه 
الحكومات: وهو ما كان يمثل عامل جذب حتى لنقادها. ولكن هل يمكن 
للإنترنت أن تظل كذلك؟ يرى بنيامين باركرء وهو كاتب أمريكي ذو.توجهات 
ديموقراطية معلنة, أن أباطرة الاتصالات عن بعد يتوقون إلى ممارسة 
«سيطرة احتكارية ليس فقط على السلع المادية مثل الفحم والزيت والصلب 
والسكك الحديدية: بل أيضا على الوسائل الأساسية للقوة في حضارة تقوم 
على المعلومات». 

بدأت المرحلة الثالثة في تاريخ الإنترنت عندما حولت حكومة الولايات 
المتحدة. التي كانت تدعم الاتجار بقوة, الإنترنت إلى رمز سياسي. إن 
الإنترنت: مثل الجامعة المفتوحة في بريطانيا التي منحت بيرنرز ‏ لي 
درجة فخرية هو أهل لهاء كان عليها أن تكون مفتوحة النهاية, أي 
مفتوحة على أي جهاز حاسوبي. ومفتوحة لأي وسيط اتصال؛ ومفتوحة 
لأي غرض خاص أو عام. كان الشعار السائد هو «المغلق سيئ والمفتوح 
جيد». وهو شعار أورويلى [تسبة إلى جورج أورويل] (رواية مزرعة 
الحيوانات).: ولكن السيناريو لم يكن أورويليا بالمرة. إذ يمكن أن تنفتح 
«دائرة فاعلة». ويمكن للغلاستوست (وغيرها من الجمعيات) أن تهيمن. 
كان هناك إلى جانب الإنترنت عدد كبير من الشبكات البينية أع2هنامآ 
الخاصة بمشروع معين أو مؤسسة محددة, وكان لها عدد ومدى محدود 
من المشاركين. وعلى رغم أنها كانت مغلقة فإن واحدة من أولى الشركات 
التي بنت نجاحها على الإنترنت. وهي 216050886 حصلت على معظم 
عوائدها الأولى من هذا العمل. 

قبل بيرنرز ‏ لي كانت بعض اصطلاحات الإنترنت قد أأسست بالفعل. 
إذ أعد المستخدمون مسودات بروتوكولات. . ومن ذلك أنالرمز © 
الذي يُستخدم في عناوين البريد الإلكتروني استتحدث عندما كان البريد 
الإلكتروني منتشرا فقط بين الأكاديميين. وفي العام 1 استّحدثت 
اختصارات كلمات تجارة 27هه وعسكري 011< وتعليم اله ويعد ذلك 
بعقد. عندما كان أكثر من ٠١‏ ملايين أمريكيء وفقا لأحد التقديرات» 
مربوطين بالشبكة. كانت تكنولوجيا البرمجيات تتطور في اتجاه 
كل استخدام ممكن تخيله. وفي العام ١540‏ أدخلت شركة 





التقارب 


لطع ]135 510 لغة برمجة جديدة: «جافا». جعلت من الممكن نظريا 
لصفحة الشبكة أن تُستخدّم لأي غرض؛ وخلال ستة اشهر فقط تضاعف 
سعر مخزون هذه الشركة. 

كان أحد الاستخدامات الرئيسية للإنترنت؛ كما كانت الحال مع شبكة 
إدارة المشروعات البحثية المتقدمة؛ يتمثل في إرسال رسائل البريد الإلكتروني 
باللغة «الواقعية». التي كانت في معظمها من شخص لشخص. كان ذلك 
موضوعا لأحد أعداد مجلة :هلا 7168 بعنوان «العصر الرقمي» في 
ديسمبر 1999 تضمن أيضا مقالا بعنوان «السيارات الذكية: التكنولوجيا ضي 
حركة». كان يشيع في مدخله الخيال وليس الفنتازياء ليس فقط لأن الكاتب 
وصف البريد الإلكتروني ب «عودة الكلمة بعد عصر بصري طويل». ولكن أيضا 
لاقتراحه أن البريد الإلكتروني الارتجاعي لمهدهنءدع: لم ينظر إلى الوراء 
فحسب. بل نظر إلى «ماضٍ بعيد». إلى «سويفت» و«بوب» و«لورد 
شيسترفيلد». حيث مُنح كل منهم صفحة على الشبكة. لقد عمل البريد 
الإلكتروني على اجتشاث الخيال. إذ كانت له أهمية واضحة للاتصال بين 
الأشخاص داخل الأسرء وبخاصة الأسر المبعثرة. حيث ساعد على جمعها 
أكثر بكثير من هيئة البريد. قام البريد الإلكتروني بذلك في وقت تزايدت فيه 
الشكاوى من تأثير إدمان الإنترنت على العائلة المركزة (غير المبعشرة). وهو 
مرض عقلي حقيقي يمكن أن يعاني منه صغارها . 
استخلاصات 

إن النمو السريع للشبكة العنكبوتية يعمي على معظم الجوانب الأخرى في 
تاريخ الوسائط؛ ويجعل من الصعب النظر إلى مغزاها وفق علاقاتها 
الصحيحة وأهميتها النسبية. وقد علقت مجلة 771:60 الجديدة النشطة. وهي 
من مشاهير عالم الإنترنت. على ذلك في العام 1 »: مقررة أن السياسيين 
(وريما المؤرخون كذلك) ليس لهم حتى أن يحلموا بالحديث (إلى مواطنين 
رقميين) عن الماضيء أو حتى الحاضر لهذا السبب. فالمواطنون الرقميون لا 
يعنيهم اليوم؛ بل يريدون أن يعرقوا عن الغد. بيد أن هذا التآكيد لم يمنع 
السياسيينء بعضهم لا يعنيه التاريخ, من عقد مقارنات مع مواقف الماضي» 
كما فعل «آل غور» عندما نظر إلى الوراء... إلى «هاوثورن». 





التاريخ الاجتماعي للوسائط 


كان الحدث الرمزي الكبير في العام 1597 بالنسبة إلى غور وكلنتون هو 
يوم الشبكة 21661029 بكاليفورنيا في الرابع من مارسء وهو «من أيام 
المجاز» إذ اشترك كلنتون وغور مع آخرين. منهم رتيس الوكالة الفيدرالية 
للاتصالات 200 في تركيب أسلاك تلفونية تربط فصول كاليفورنيا , 
التعليمية بالإنترنت. ووعد الرئيس يومئن بأن يتم ربط كل فصول المدارس 
الأمريكية بالإنترنت قبل دخول القرن القادم من خلال الشبكة التحتية 
المعلوماتية القومية. جاء ذلك في الوقت الذي وصف فيه وزير التعليم في 
حكومة كلنتون الإنترنت بأنها «سبورة المستقبل». على أن التسلية والتلفزيون 
لم يأت ذكرهما في هذه المناسبة. 

وبالنسبة إلى المؤرخين الذين تتمثل مهمتهم في ارتياد الماضي؛ وبالنسبة 
إلى الجغرافيين الذين يرتادون المكان ويضعون خرائط لطرق التجارة الجديدة 
في النظم الشبكية؛ برز دافع جديد في تاريخ الوسائط لتعقب الطرق السريعة 
القديمة؛ وارتياد طرق التجارة القديمة؛ كتلك التي عرضنا لها في الفصول 
الأولى من هذا الكتاب . والتجارة هي المصطلح الصحيح. .وهو مصطلح أقدم 
من التكنولوجياء الذي في طريقه الآن إلى الهيمنة على أدبيات الوسائط. 
وبالنسبة إلى المؤرخين والجغرافيين والمواطنين الرقميين يمكن النظر إلى 
التجارة الإلكترونية على أنها أوج الثورة الاستهلاكية؛ أو جنة المتسوقين التي. 
على حد تعبير بيل غيتس في كتابه «الطريق إلى الأمام» (1950): ستجعل «كل 
السلع في العالم رهن يديك لتفحص وتقارنء بل وللتعديل وفق الطلب». بيد أن 
ماكان يقوله ‏ ويفعله ‏ غيتس نفسه يمكن النظر | إليه بوصفه أوج ثورة أقدم 
في الإنتاج. وعلينا أن نرجع؛ كما فعلت الفصول السابقة من هذا الكتاب؛ إلى 
بولتون وواط. 

غير أن هذه الحلقة ليست مفرغة. بل يمكن إكمالها. ومع ذلك فبعض 
المؤرخين شككواء على نحو مقبولء في وضع القوة ضفي قلب قصة 
الاتصالات. ومعها المساواة المعتادة بين المعرفة والقوة. مركزين بدلا من 
ذلك على السيطرة, وهو موضوع ناقشناه في أول هذا الفصل. ومن ثم يرى 
جوفري مولغان, الذي كان يكتب في العام 55١‏ في مجلة «الاتصال 
والسيطرة» حول «شبكية شبكات العالم» المفتوحة والمغلقة قبل أن تهيمن 
الإنترنت على العناوين» يرى أن من الضروري فحص كيف أن «البنية 


التقارب 


التحتية للسيطرة» سابقة زمنيا على ما أصبح يعرف في الفترة التي 
غطاها هذا الكتاب بالوسائط. دمج «مولغان» كلا من المحتوى والسياق في 
تفسيره؛ إذ ذهب إلى تناول أساليب السيطرة بالإغراق والتلفيق والتسريب 
غير المنسوب إلى أحد والكذب من دون ردود؛. وجميعها جزء من عملية 
التوسطء تتطور كلهاء كما يؤكدء بالترادف مع التكنولوجيات التي تحملها. 
ومما له مغزى أن يحظى دور الصحافة في هذه العمليات باهتمام أكبر في 
التسعينيات على كلا جانبي الأطلنطي أكثر من دور الوسائط الأخرى 
والتكنونوجيات الجديدة التي تقوم عليها هذه الوسائطء بل أكثر حتى من 
تأثير الإنترنت في الصحافيين والصحافة. ولهذا السبب وحده؛ ومع 
استبعاد كل المسائل التي جرت الدعاية لها بكثافة: لا يمكن لأحدث فترات 
التاريخ الاجتماعي للوسائط أن تتعامل مع الإنترنت بوصفها الذروة. فهي 
فترة تتميزء كالعادة. بوجود مسارات متعددة. 

في مجتمع الوسائط المتهددة أصبح ما يسميه دافيد هالبرستام 
«نشأة ثقافة الادعاء والتأكيد على حساب الثقافة الأقدم التي تقوم 
على التحقق والإثبات» موضوعا محل اهتمام كبير على جانبي 
الأطلنطي. جاء ذلك عندما كان هالبرستام يكتب مقدمة الدراسة 
الأمريكية «سرعة الانحراف» 50660 م:772 (1999) التي تضمنت من 
بين عناوين فصولها «نشأة المصادر المجهولة». و«ليس هاهنا حرس على 
الأبواب», و«ثقافة الجدل». وقد أورد مؤلفاهاء بيل كوفاك وتوم روزنتل 
تعليق ليبمان في العام 197١‏ الذي يقول «إن الحكم العام والخاص 
يعتمدان على أهمية امتلاك تفسير دقيق وموثوق للأحداث». فليس ما 
يقوله الشخص,ء أو ما يتمنى أن يكون صحيحاء بل ما هو صحيح 
بالفعلء بعيدا عن كل آرائناء هو ما يمثل محك سلامة الحكم. وهو ما 
يتفق بالطبع مع رأي هابرماس. 

وهذه الأحكام. شأنها شأن تلك الأحكام التي تركز على اعتماد 
الصحافة المفرط على مصادر سياسية مجهولة: أو على التفاهات المتضمنة 
في عمليات الوسائط كثيرة المصادر, أو ما يوصف على الإنترنت بآنه 
«نفاية»» يجب وضعها في السياق التاريخي؛ ومن الضروري الرجوع 
بالتفصيل إلى مواقف تاريخية محددة لعبت فيها الوسائط أدوارا محل 





التاريخ الاجتماعي للوسائط 


جدلء ليس فقط في عرض وتفسير الأحداث ولكن أيضا (وهو مما يثير 
الجدل) في صنعهاء مثل اغتيال الركيس كنيدي؛ وفضيحة ووترغيت: 
واستقالة الرئيس نيكسون. وأزمة السويس التي تزامنت ‏ وننظر إليها الآن 
على أنها تقاربت ‏ مع القمع السوفييتي للثورة المجرية: وحرب فيتنام: 
وحرب جزر الفوكلاند. وانهيار السور في ألمانياء وانهيار الاتحاد 
السوفييتي؛ وفضيحة إيران غيت. وحرب الخليج؛ وقصف الولايات المتحدة 
لليبياء وتفكك يوغوس لافياء. وهجوم حلف الناتو والبوسنة على صريياء 
وسقوط ميلوسيفيتش. 7 7 

كل هذه الأحداث الشاريخية أَرْعْ لها وسرت بطرق متتوعة من جاتب 
المؤرخين. كما وُصفت كذلك من جانب الصحافة والتلفزيون بشكل لا يقل 
تنوما في حينه. في ذلك الوقت وإلى وقتنا هذا؛ وبشكل مستقل عن 
التكنولوجيا التي مكنت من توصيل الكلام والصورء وهذه الأخيرة هي الأهم: 
إلى المنازل؛ بدت الحقيقة, كقيمة ضرورية خلف الصحافة والتلفزيون, بدت 
في خطرء وهي ليست المرة الأولى على الإطلاق في التاريخ. فالخطوط 
الفاصلة بين الإخبار والتسلية والتعليم أصبحت أكثر ضبابية من أي وقت 
مضى. وأصبحت «التسلية الإخبارية» أو [الإخبار بفغرض التسلية] 
أه22م 11012 هي الوجية المعتادة, سواء كان الأمر يتعلق بحدث معلم أم لا. 
وعلى شاشة السينما والتلفزيون, والكايل أيضاء كان من الصعب فصل 
الحقيقة عن الخيال. 

ولنأخذ مثالا على ذلك حرب فيتنام: التي تسمى أحياذا بشكل أقل 
درامية «صراع فيتنام». التي تركت أثرا عميقا في الولايات المتحدة, 
وسيكون لها أثر كذلك في تاريخ الحرب الباردة لاحقا. في بدايات 
الحرب لم تكن الصحافة تنقل أحداثها بالكاملء إذ كانت صحف قليلة 
فقط لها مكاتب في سايفون. وكانت غالبية الصحف تعتمد على 
الوكالات التى تحصل على أخبارها بالتلفون مثل ووهع2 لعاوك5ووة . 
كانت صحيفة دع :هلا 2165 فقط هي التي أرسلت العام 1١51537‏ 
مراسلا لها إلى هانوي. العاصمة الفيتنامية الشمالية. وصحيفة مم" 
لم تغط الصراع بأمانة أو حيوية مثل عاعء :2161/5 التي آلت في العام 
١‏ إلى صحيفة 1056 71255108108, التي ستفضح ووترغيت فيما بعد, 














التقارب 


والتي تجرأت في العام 5 على طرح سؤالين أساسيين: «هل الولايات 
المتحدة في مكانها الصحيح في فيتنام؟» و«هل يمكن إنقاذ ما يمكن 
إنقاذه من هذه الحرب4)». 

إن إعلان الرئيس لندون جونسون المثير في العام ١974‏ عن اعتزاله 
السياسة جعل العرض التلفزيوني الذي قدم فيه هذا الإعلان محفورا في 
الذاكرة. تماما مثل تلك النسخة القيمة من مجلة «الحياة» 112آ التي 
أعلنت اغتيال كنيديء ذلك الاغتيال الذي تلته رئكاسة جونسون. إن 
جونسونء الذي كان يريد التركيز على قضايا الحقوق المدنية الداخلية؛ 
كان يرى أن مراسلي التلفزيون الذين يرسلون صور الحرب هم المسؤولون 
عن حظها السيئ؛ في حين كان بعض الصحافيين يرون عكس ذلك. وضي 
رأي ناقد تلفزيوني: كان مهتما بما سمي للمرة الأولى «الصحافة 
الجديدة»» كانت هذه الصحافة تميل إلى تتفيه ما يحدث. وكانت تلك 
أطروحة كتاب «حرب حجرة المعيشة» الذي نشر العام 151194 كما أوضح 
عدد من الصحافيين والمؤرخين أن التلفزيون أيضا يمكن أن يمارس 
التشويهء ولكنهم اختلفوا حول مدى إرجاع الفشل في فيتنام إلى الوسائط 
ورؤساء الولايات المتحدة ومستشاريهم. 

في العقد الذي تلا الانسحاب الأمريكي من فيتنام؛ ومع تطور 
الاتصال عبر الأقمار الصناعية والحاسب (عامل تكنولوجي) أصبحت 
الأخبار تنقل بشكل أسرع من ذي قبلء ومن أمثلة ذلك تفطية شبكة 
ازلك لحرب الخليج التي استحوذت على انتباه العالم. فعندما غزا 
صدام حسين الكويت في العام كان لشبكة 0717© ما لا يزيد على 
المليون مشاهدء ولكن عندما كانت القوات المتحالفة تقصف بغداد كل 
ليلة في العام ١‏ ارتفع عدد مشاهديها إلى سبعة ملايين تقريبا . 
أرادت البنتاغون وقتذاك إدارة عملية التزويد بالأنباء باستخدام أشرطة 
الفيديو والموجزات الصحافية: وقد نجحت في ذلك إلى حد كبير. كانت 
هذه التغطية تشاهد من جانب مارغريت تاتشر وبوريس يلتسن والعقيد 
القذافي. وكذلك جورج بوش وصدام حسين. كان هناك إحساس بالفورية 
أو الآنية. ولكن بمساعدة أشرطة الفيديو كان في استطاعة المشاهدين 
التقاط ما يحدث في الوقت الذي يريدون من تكنولوجيا اللحظة نفسها 





التاريخ الاجتماعي للوسائط 


بفضل تكنولوجيا التغطية الفورية. كانت هناك كذلك تغذية مرتدة؛ إذ 
كان لشبكة 012/721 «بريد معاد». حيث كان بيتر أرنيت ينقل الأحداث من 
المعسكر المعادي في بغداد. وهو الرجل الذي كان بالنسبة إلى كثير من 
المشاهدين «وغدا|ا». وفي حين وصف الانتصار على صدام يأنه انتتصار 
«فارغ» كان للوسائط نصرها الخاص. 

ولذلك؛ شمن الخطأ عند كتابة تاريخ الوسائط للفترة التي تبدأ من 
السبعينيات أن نركز فقط على «التقارب»: وهو عنوان الفصل الحالي, 
ضما كان يحدث في الوسائط بين الأزمات يستلزم فحص العلاقات 
المتغيرة بين المعلومات والتعليم والتسلية. وهذه الأخيرة كانت دوما 
العنصر الرئيسي حتى في الدول ذات تقاليد خدمة البث العامة. 
أما التعليم؛ الذي ظل العضو الثالث في ثالوث الوسائط. فقد كان 
دوما محل تمحيص. وغالبا ما كان التقارب الرقمي يحمل فرصا 
تعليمية متفردة, على رغم المخاوف في كل المجتمعات والثقافات 
من «الفجوات الرقمية». الداخلية والدولية, بين من يعرفون 
التكنولوجيا الجديدة ومن لا يعرفونها. ومع ذلك فإن النقاد الذين 
هاجموا التسلية الخالية من القيمة اشتكوا هم أنفسهم من أن تصبح 
المعرفة الحاسوبية بديلا عن: وليس مكملاء للثقافة البصرية واللفظية . 
غير أن ليس كل من ناقش الفجوة ربطها مباشرة. كما يجب أن تربط. 
بأشكال عدم المساواة الاقتصادية. 

إن الدولة. أي دولة. عندما اختارت في الخمسينيات والستينيات أن 
تتدخل بشكل مباشر لتوسيع القبول بالتعليم العالي لمصلحة المجتمعات وليس 
الأفراد. كما كانت رؤية قادة هذا الاتجاه. تزامن تدخلها مع ظهور التلفزيون, 
وكانت كلمة التقارب وقتئذ تستخدم بروح الأمل, أمل من النوع نفسه الذي 
كان قائكما في سنوات الراديو الأولى. وفي الوقت نفسه حدث تحول مرتبط 
ومشجع في اللفة: إذ أصبحت كلمة «تعلم» شائعة الاستخدام؛ وإن لم يكن 
بشكل عالمي؛ بدلا من كلمة «تدريس». وبدأ السعي الجاد نحو «تعلم كيف 
نتعلم» و«التعلم طوال الحياة». حتى أنه بدأ الحديث عن «مجتمع التعلم». 
وهي عبارة استخدمها الرئيس الثاني لجامعة الأمم المتحدة الجديدة: 
الإندونيسي «سوغاتوموكو» الذي دعا «إيدي بلومان» إلى طوكيو لينضم إلى 








التقارب 


فريقه كناكب رئيس يترأس «قسم المعرفة» الجديد . ولسوف تستخدم عبارة 
«مجتمع التعلم» هذه فيما بعد في عنوان ورقة رسمية أصدرتها الجماعة 
الأوروبية في العام .1١9556‏ 

إن الجامعة المفتوحة البريطانية؛ التي تم التخطيط لها بشكل مفصل لكنه 
خيالي في الستينيات؛ كانت رائدة في جذب طلاب التعلم عن بعد. حدث ذلك 
في البداية بمبادرة سياسية من رئيس وزراء بريطانياء هارولد ويلسون؛ الذي 
كان حريصا على توسيع القبول بالتعليم العالي وتوظيف التكنولوجيا الجديدة 
في ذلك. تحدث ويلسون: وهو أول سياسي بريطاني يفعل ذلك؛ عن ثورة 
تكنولوجية عنيفة؛ كان يعي جيدا أنها تحدث خارج بريطانيا. والجامعة المفتوحة 
لم تكن تتطلب أي مؤهلات شكلية. وهذه الجامعة. على حد تعبير رئيسها الأول 
«جيوفري كروثر»؛: وهو محرر سابق لمجلة «الاقتصادي». وممن رحبوا بمبادرة 
ويلسون: كانت مفتوحة أمام الطلاب والأفكار وطرق التدريس. وقد فتحت 
الجامعة أبوابها أمام طلاب الدرجة الأولى (الجامعية) في العام :1911١‏ وي 
العام 1544 خرّجت طالبها رقم ٠٠١‏ ألف. وخلال الثمانينيات وسعت الجامعة 
من عملها غير المرتبط بالدرجات العلمية؛ وخلال التسعينيات وسعت نطاق 
عملياتهاء حتى أنشأت فرعا لها في الولايات المتحدة في العام 1149 . 

بيد أن التعليم عن بعد كان قد بدأ بالفعل قبل العام 141١‏ في كندا وأستراليا 
ونيوزيلنداء وضي العام 5 أنشئت «رابطة التعلم». ومكتبها الرئيسي في 
فانكوفرء من أجل تشجيع «بث المصادر لمشرؤوعات وبرامج التعليم عن بعد في 
دول الكومنولث». وكان الكاريبي «سوني رامفال». سكرتير عام الكومنولث؛ من 
نادى بإنشاء هذه الرابطة. وكذلك كان رئيسها التنفيذي الأولء جيمس ماراغ؛ من 
الكاريبي هو أيضا. كانت الموارد المالية محدودة؛ لكن المشروع كان عالمي النطاق. 
كانت جامعات مفتوحة أخرى قد ظهرت إلى حيز الوجود في ذلك الوقتء منها 
جامعة أنديرا غاندي الوطنية المفتوحة في الهند في العام 19/0ء والجامعة 
المفتوحة الإسرائيلية» إلى جانب ما يسمى الجامعات المفتوحة «الضخمة» في 
تاياند والصين؛ تلك الجامعات التي كانت تستوعب أعدادا ضخمة من الطلاب. 
وضي اليابان أسست جامعة الهواء في العام 1944 على غرار الجامعة المفتوحة 
واستخدمت القناة التعليمية الثانية بهيئة البث اليابانية. وقد حدثت أشياء أكثر 


من مجرد المأسسة, حيث حدثت تغيرات كبيرة في الإدراك. 





التاريخ الاجتماعي للوسائط 





الشكل (17) التعليم يجد حليفا في تكنولوجيا الاتصال: طلاب من مدرسة 18/600169 يستمعون إلى بث الراديو 
في العام تفرويل 


ومع وصول الإنترنت أتيحت إمكانات غير محدودة للتعلم طوال الحياة, 
سواء أكان شكليا أم غير شكلي. متى دعت الخبرة: أو التوقع: إلى التعلم. 
وظهرت أقاويل بأن الشبكة العنكبوتية العالمية إذا ما أتيحت فقد تصبح 
للكثيرين بمنزلة جامعة بلا جدرانء وأنها يمكن حتى أن تلفي الحاجة إلى 
الفصل الدراسي. ومع ذلك ففي منشور المجموعة الأوروبية العام 1996, 
الذي وزع عشية الاحتفال ب «عام التعلم مدى الحياة» الأوروبي وضي دول 
أعضاء مثل إنجلترا بخاصة: جرى التعامل مع تكنولوجيات مجتمع 
المعلومات في ضوء أثرها في الفصل الدراسي أو الجامعة؛ أقل مما جرى 
التعامل مع أثرها في مكان العمل. في هذه الأثناء كانت شركة م050 
65 وهي واحدة من أنشط شركات الإنترنت أسست العام ١95884‏ 
وكانت منخرطة بقوة في التعليم والتعامل في الأجهزة والبرمجيات 
والخدمات., كانت تسعىء كما قالت, بالهمة نفسها للعمل على تغيير 
الطريقة التي نعمل ونعيش ونلعب ونتعلم بها . 





التقارب 


وقد استخدم أحد دارسي الإنترنت «دافيد غيليرنتر» لغة أكثر 
حيوية وإثارة. فعندما نشر «غيليرنتر» العام 199١‏ كتابه «عوالم المرآة» 
الذي تنبا فيه بالشبكة العنكبوتية ظهرت له صورة على الصفحة 
الأولى من القسم التجاري من صحيفة وعطة1 ارملا #ولة الأحادية 
العام 1447: ومن المؤسف أن يصاب «غيليرنتر» إصابة خطيرة في 
يونيو 9 من جزاء قنيلة مسمارية إرهابية. ولذلك كان «المجيء 
الثاني» عنوانا مناسبا لبيانه الذي نشر في العام :7٠٠١‏ على رغم أنه 
كان يشير إلى الحاسب وليس إلى نفسه. أكد فيه أن الموضوعات 
الرئيسية في العصر الأول للحاسب كانت تتمثل في زيادة قوة وخفض 
أسعار الحاسب للجميع؛ أما موضوع العصر الثاني الذي يقترب الآن 
فسوف يكون «الحوسبة عصمندمصرهه تتجاوز الحاسب». ففي العتصر 
الثاني «سيشاركك الآخرون حياتك الإلكترونية بكاملها عبر كيان 
حاسوبي». وسوف يحل «نهر الحياة» صنوعنة 1156 محل «سطح المكتب» 
مه)كاوه0. لقد تقاربت لغات الإعلان والتعليم. كما في البيان الصحفي 
الذي أعلن نشر تقرير «عقدين من إصلاح التعليم العالي في أورويا» 
:)7٠0(‏ الذئ أعدته شبكة معلومات التعليم التابعة للمفوضية 
الأوروبية. وهو البيان الذي حمل عنوان «التقارب عبر نظم التعليم 
العالي الأوروبية في ضوء الحقائق». 

كان «غيليرنتر» مهتماء شأنه شأن مؤلفي هذا الكتابء بالمجاز قدر 
اهتمامه بالحقائق. ومن ذلك أنه رأى أن «سطح المكتب» مهكزوءعل 
تشبيه خاطي يقوم على تناظر زائف بين الحاسب وحافظات الأوراق 
التي توضع فوق أو تحت المكتب. فأجهزة الحاسب تختلف تماما عن 
حافظات الأوراقء وذلك لأنها يمكن أن تقود إلى «فعل». أما «نهر 
الحياة» فهو منظر طبيعي يمكنك أن تبحر فيه أو تحلق فوقه على أي 
مستوى. والطيران نحو بداية النهر يمثل «سفرا عبر الزمان» إلى 
الماضي. بيد أنه فضي تاريخ تطور الإنترنت وفي تسمية شركات 
البرمجيات كانت استعارات البحر دوما أكثر صلة من استعارات 
الطيران. ومنها «الإبحار» و «ركوب الموجة» و«موجة الطلب التي تشبه 
المد والجزر». وضي بعض الأحيان «الصخور المقايلة». ومع ذلك فنحن 





التاريخ الاجتماعي للوسائط 


نتحدث عن مناظر طبيعية أرضية وليست بحرية (وعن شبكات وليس 
أدوات قياس الزمن) وعن فضاء (*أرمزي أو حتى منطقة رمزية 
معط (**), وهو موضوع الفصل الختامى من هذا الكتاب. 

في بعض الأحيان يشعر مؤّرخ الوسائط بأن أفضل استعارة يمكن 
استخدامها فيما يتعلق بالماضي القريب هي استعارة «الأجمة». فالتكنولوجيا 
تتغير بسرعة كبيرة وتصبح بارزة للغاية إلى درجة يجري معها نسيان التاريخ 


الأوسع: وعند تفحصها لا نجد أن كل الأشياء تتقارب. ولذلك ينتهي عنوان 





(*) بمعنى حيز مكاني وليس فضاء جويا [المترجم] 
(*»ع) وهو فضاء أو حيز مكاني, ويما يتماشى مع رسالة الكتاب: تختلف كلية, رغم التشابه في الكتابة والنطق. عن منطقة 


سيبيريا الروسية ذات التاريخ المعروق بقهر الإنسان وتهشيم إرادته وكبح حريته [المترجم] . 











الخلاصة: إلى الفضا. الرمزي ‏ 


إن الفصول الثلاثة الأخيرة: التي طافت 
بإيجاز وانتقائية بأرض لم تحدد تضاريسها بعد, 
كشفت عن أن جدة التطورات الحديثة في مجال 
الاتصالات. وبخاصة التكنولوجية منهاء يمكن 
المبالغة فيها إلى حد بعيد. وأنه أيا كانت 
التزامنات والتقاربات فلم يكن ثمة خط واحد 
للتطور. على أن إلصاق مسميات من قبيل «العصر 
الرقمي» بظواهر الماضي والحاضرء حتى إن كان 
موحيا ومفيداء ينبىّ في أفضل الأحوال عن 
مدركاتناء أكثر مما ينبئ عن الحقائق. فهي 
ظواهر تتسم في الأساس بالتعقد. 

إن الوسائط تعمي الحقائق لعدة أسبابء منها 
ما هو تعليمي: وما هو اقتصادي وما هو ثقاضي, 
لكن ذلك لم يكن نوع التعمية الوحيد الذي حدث. 
(*) هي أفضل ترجمة ‏ حتي الآن ‏ لمصطلح 09056558206: وهو ما يتفق مع ما 


ذهب إليه د. نبيل علي في كتابه «الثقافة العربية وعصر المعلومات» عالم المعرقة, 
7٠١١‏ ص 44 والفضاء الرمزي هو ذلك الفضاء الذي يتخلق عندما يدخل 











خلاف التلفزيون ومثل 
القراءة التي لا تخضع 
للرقابةمءلا يهقف على | 
أبوابه حراس..» ا 


المرء إلى الإنترنت أو الحاسبء ويتحلل من واقعه المادي ويذوب في الواقع الجديد 
الذي تتيحه الشبكة أو الحاسبء ويصبح جزءا منه فيكون اللاعب الذي بداخل 
لعبة الحاسب مثلا. وعلى ذلك فإن الصفة أو البادئة 0/661 ستتم ترجمتها في 
الصفحات التالية إلى «رمزي». كما في «التجوال الرمزي» أو «السياق الرمزي» أو 


المؤلفان «فريق عمل رمزي» أو «القراصنة الرمزيين». ... إلخ [المترجم]. 








التاريخ الاجتماعي للوسائط 


فالحدود بين الوسائط؛ وكذلك داخل كل وسيط؛ بين ما هو تجريبي وما هو 
مؤسسء وفي الثقافة بين ما هو عال وما هو منخفض. وبين المسلسلات 
الهزلية ( *) والتاريخ الموضح بالصورء هذه الحدود أخذت تنهار على نحو 
مطرد منن التسعينيات. وهو ما حدث نفسه مع الحدود بين الفروع المعرفية, 
كتلك التي بين التاريخ وعلم الاجتماع والأنشروبولوجي وعلم النفس والاقتصاد 
مثلاء وبين النقد الأدبي والسينمائي والفن الروائي: وبخاصة الرواية العلمية. 
وضي مجال السلوكيات اختلطت العادة بالإدمان. وكذلك في «ثقافة المخدرات», 
وهو الاسم الذي عادة ما يطلق عليهاء اختلطت الهلوسة بالذهان. حتى أن 
«تيموثي ليري». أحد مرشدي العقافير في الستينيات. علق بعد ذلك بعشرين 
عاما بأن «أجهزة الحاسب أكثر إحداثا للادمان من الهيرويين». 
علاوة على ذلك حدث تأرجح متزايد بين ما يؤلف الشخص وما يؤلف 
الماكينة. إن مصطلح التداخل عم رهم (**) ينطبق وفق استخدامه العام على 
تحديد مكانة الإنسان والحاسبء كما ينطبق على الاتصال بين أجهزة 
الحاسب بعضها مع بعض. وكما يرى عالم الاجتماع والمؤرخ الأمريكي «بروس 
ماؤليش»». الذي كان يدير برنامج الإنسانيات والعلوم الاجتماعية في 
مؤسسة 8111, يرى أنه لم يعد بمقدورنا أن نفكر في الإنسان بمعزل عن الآلة. 
ومن ذلك أن متحف التكنولوجيا (المتقدمة) المؤثر بوادي السيليكون (الذي 
مازال يسمى متحفا).ء والذي يمثل في الأساس مكانا تفاعليا (للأطفال 
والكبار)» يتضمن قسما كبيرا عن الإنسان الآلي. كما أصبحت أجهزة الإنسان 
الآلي مألوفة الآن في مصانع السيارات, تماما كما كانت خطوط تجميع فورد 
من قبل. وقد تطور هذا المتحف من مشروع لمركز تعليمي في العام 1510/8, 
ومازال التعليم يبرز في تاريخ المتحف بشكل أوضح من التسلية. 
من المرجح أن كلمة «الفضاء الرمزي»؛ وهي كلمة أساسية في قاموس 
وادي السيليكون دائم التغيرء, الذي دائما ما يحتاج إلى مسارد محدتة 
بالكلمات الجديدة العسيرة. استخدمت لأول مرة من جانب أحد كتاب الخيال 
العلمي: «ويليام جبسون». جاءت الجملة الأولى من كتابه نناء 8 الذي 
نشر في العدد الخاص من مجلة «أدب الخيال العلمي في العصر الجديد» في 
العام 1584: وهو عام الهلاك الأورويلي [نسبة إلى جورج أورويل]؛ تقول 


05 سلسلة رسوم هزلية تنشر مادة في الصحف والمجلات [ المترجم] . 
ز»») «تداخل» هي أقرب كلمة نعرفها في العربية كمقابل للكلمة الإنجليزية 10127180 وليس كلمة «واجهة» [المترجم]. 





الخلاصة: إلى الفضاء الرمزي 


«كانت السماء فوق الميناء بلون التلفزيون عندما يتوقف البيث». و«جبسون» ضي 
ذلك يلمح إلى القرن الواحد والعشرين عندما ستحل المصفوفة؛ وهي ناتج 
ارتياط كل شبكات الحاسب على مستوى العالم. محل نظام التلفون ا 
وسيكون من الممكن الدخول إلى الفضاء الرمزي من خلال مركب !*). و 
رأي الكاتب الأمريكي «سكوت بوكاتمان»» الذي سحرته مثل هذه التعبيرات 
الثقافية للتكنولوجيا المتغيرة: «تمثل اللغة والتعبير الرمزيان التجسيد الحقيقي 
لثقافة الوسائط». وضي كتابه «الثرثرة التكنولوجية» (1992) عاططةطهمطءه1, 
الذي نشرته مؤسسة 1411 التي قامت بفحص مصطلحات الحاسب 
المتنامية, أرخ «جون باري» لهذه اللفة وتلك التعبيرات؛ مغطيا كل جوانب اللغة 
من الاختصارات [المؤلفة من الأحرف الأولى من الكلمات] إلى المجاز. وبعد 
ذلك بشلاث سنوات أوضح «مارك سلوفكا» في كتايه «دحرب العوالم» كيف 
امتدت المفردات, التي مازالت في حالة اضطراب بنائي؛ أكثر وأكثر. 

وبلغة خالية من المجاز (تقريبا) قدمت الكاتبة الأمريكية «ضيفيان 
سوبشاك»: التي حررت في مجموعة شائقة من المقالات بعنوان 
«استمرارية التاريخ», قدمت وصفالمجاز «الفضاء الرمزي». الذي يعد هو 
نفسه مكونا عقلياء بلغة النظام الإلكتروني: 

إن التلفزيون والفيديو وألعاب الفيديو وأجهزة الحاسب الشخصية (التي 
عرضناها في الفصل الأخير) تشكل جميعها نظاما إلكترونيا شاملا تتداخل 
أشكاله المتنوعة لتؤلف عالما بديلا ومطلقا يدمج المشاهد/المستخدم بشكل 
متفرد في دولة غير مركزية مكانياء ويضعف فيها تأثير الزمان؛ ومتحررة إلى 
حد بعيد من المادة. 

غير أن «جبسون» لم يترك العالم الاقتصادي والسياسي الواقعي تماماء 
فقد نظر من خلال هذا المفضاء اللامحدود إلى «المكعبات الخضراء لبنك 
ميتسوبيشي الأمريكي؛ ونظر عاليا وبعيدا إلى الأذرع اللولبية للنظم 
العسكرية:ء التى كانت دوما بعيدة عن متناوله». 

تعتمد مثل هذه التوصيفات على أسلوب تصميم مشاهد المدن الحديثة 
والمستقبلية. أكثر مما تعتمد على أسلوب تصميم أو بنية نظم الحاسب» 
وتعتمد كذلك بشكل مكثف؛ وهو ما يعود إلى ماض أقدم؛ على المناظر 


(*) استئنافا لمجاز البحر والإبحار والطبيعة الذي سبق أن تحدث عنه المؤلفان في الفصل السابق حول المجاذ المهيمن على 


عالم الحاسب والإنترنت [المترجم] . 











التاريخ الاجتماعي للوسائط 


السريالية؛ في وقت بدأ فيه الروائيون وصناع الأفلام في الاعتماد على المجاز 
البيولوجي. ومن ذلك أن طبق الروائي الأمريكي «وليام بوروطز» كلمة 
«فيروس» على الوسائط ‏ كانت بالفعل موضوعا في السينما ‏ قبل أن يبدا 
استخدامها من جانب خبراء التكنولوجيا والصحافيين, فيما يتعلق بالحاسب 
على وجه الخصوص. كانت هناك كذلك إشارات عابرة للوسائط؛ فعند تعامل 
الصحافة في العام 1984 مع أحد فيروسات الحاسب استخدمت صحيفة 
5 011لا 716 ومجلة 1126 المسلسلات الهزلية لتوضيح معنى «الإصابة 
الفيروسية». بل أضافت الأخيرة تعليقا تاريخيا أقدم في عنوانها : «غزو 
لصوص البيانات». 

كل فيروس له بصمته 080016ع51 , وفي حين يمكن توفير الحماية من 
بعض الفيروسات. من خلال برامج الحماية من الفيروسات. إلا أنه ليس 
هناك ضمان كامل لعدم الإصابة. وقد حفل فيروس الحب عناط 1016 الذي 
أصاب أجهزة الحاسب, بما فيها جهاز الرئيس كلينتون: حفل في مايو ٠‏ 
بدعاية كبيرة. ليس فقط لأنه لم يخرج من الولايات المتحدة؛ بل من ابي 
كان هذا الفيروسء مثله مثل فيروس الألفية 8 لقتصمء 1[تدر. عالميا بالفعل: 
وسرعان ما تبددت المخاوف منه., ولكن بثمن ياهظء كما حدث في العام 
التالي مع فيروس 260 0016© . 

إن التجوال عبر أدب الخيال وصحافة الحقائق يستلزم. كما يؤكد 
«بوكاتمان»» أن تتحرك ككائن رمزي القع طن (*, بمعنى أن تتبع عمليات 
تختلف عن عمليات القراء أو المستمعين أو المشاهدين ن - أو حتى المؤلفين - 
التي سبق أن عرضناها في هذا الكتاب. وهناك من يقول بضرورة وجود 
تغذية مرتدة دائمة بين الذات والفضاء؛ وهو قول يسترعي الانتباه. نظرا إلى 
أن الحاجة إلى التغذية المرتدة ليست جديدة: كما أنها لا تتلازم فقط مع 
التجوال الرمزي. والكتاب الحالي نفسه محاولة لتشجيع هذه التغذية المرتدة 
في كل الوسائط. وضي كل أشكال الاتصال هناك تغذية مرتدة دائمة؛ تماما 
مثلما توجد تغذية مرتدة في أثناء العزلة بين الذات والذات الماضية؛ من 
الطفولة فصاعدا. ولذا فإن تشبيه «جليرنتر» «نهر الحياة» ستوعناد ]11 يظل 
تشبيها أخاذا. 


(*) بمعنى أن تتخفف من ثقل الواقع المادي وتمتص بدرجة ما في الفضاء الجديد الذي تتيحه الشبكة ‏ الفضاء الرمزي [المترجم]. 























الخلاصة: إلى الفضاء الرمزي 


ومنن فترة طويلة» قبل التجوال في الفضاء أو الفضاء الرمزي؛ في سنوات ما 
ينظر إليه الآن باعتباره الوسائط القديمة (لطباعة والموسيقى) لم يكن لزاما 
على القراء والمستمعين أن يكونوا سلبيين كلية؛ تماما كما لم يكن لزاما عليهم 
أن يكونوا سلبيين عند مشاهدة الصور أو النقوش. وخلال التسعينيات قيل 
الكشير عن هذه النقطة من جانب المؤمنين بعستقبل الكتاب والحفلات 
الموسيقية «الحية» ومعارض الصورء الذين أوضحوا كيف أن كلا من هذه 
الوسائط بقيت على خلاف نبوءات كثيرة بانزوائها أو موتهاء ومن ذلك أن 
«النشر اللاورقي» عمتطوتاطنام 621655م2م لم يسد في عصر الإنترنت. وعلى 
الرغم من توقيع اتفاقيات جديدة بين المؤلفين والناشرين تتفق مع العصر 
الإلكتروني؛ فإن ذلك لم يستتبع موت القراءة والكتابة. بل لقد كانت التكتلات 
المختلطة أكثر تهديدا من التكنولوجيا. 

وحتى في حالة التلفزيون؛ الذي عادة ما يعامل «بشكل لا يخلو من 
المبالغة» باعتباره أكثر الوسائط سلبية من جانب المشاهد؛ برز عنصر 
التفاعلية التقنية بعد اختراع جهاز التحكم عن بعدء وفيما بعد عندما أصبح 
في مقدور المشاهدين من خلال الضغط على زر أن يتصل بمحطة الكابل 
للإجابة عن أحد استطلاعات الرأي أو لطلب برنامج تلمفزيوني مدفوع 
الأجر. وحتى قبل ذلكء وقبل تخطيط إمكان تواصل ومشاركة المستمعين 
والمشاهدينء لم يكن جمهور التلفزيون يتألف من جمهور موحد سلبيء حتى 
في الدول التي كان يجري فيها استيراد نسبة كبيرة من البرامج. صحيح أن 
بعض علماء اجتماع الوسائط اعتبروا المشاهدين «ضحايا». إلا أنهم لم 
يكونوا ضحايا بالكامل؛ رغم أن التلفزيون كان له مدمنون أكثر من مدمني 
المخدرات أو الحاسب. 

إن الفضاء الرمزيء على خلاف التلفزيون ومثل القراءة التي لا تخضع 
للرقابة: لا يقف على أبوابه حراسء ولكنه لا يستطيع أن يتملص من 
التداعيات التاريخية: فعندما اخترعت شركة دعننامة:© مم116ز5 الرائدة نظام 
حاسب يقوم على ما أسمته «محركات الواقع». مصممة بهدف «ضخ معلومات 
الذاكرة وجعل الخداع حيا». من المؤكد أنه لم يكن في حسبانها أن محركات 
«نيوكومين» البخارية الأولى؛ التي كانت تستخدم قبل محركات «بولتون» 
ودواط». صممت لضع المياه من المناجم. 
























































التاريخ الاجتماعي للوسائط 


إن الخداع والواقع مرتبطان بشكل مباشر. لكن لا أحد منهما بيّن بذاته. 
وكما تكشف استطلاعات الاتجاهات فهناك كثير من السذاجة في «العالم 
الواقمي» في بدايات القرن الواحد والعشرين؛ وهناك حالة من عدم اليقين - 
حتى بين الخبراء - حول ما يؤلف الخداع. إن طريقة ربط الخداع بالواقع 
كانت مصدر إلهام لصناع السينما ثلاثية الأبعاد ضي الستينيات. عندما سجلوا 
الأفلام الجديدة من خلال ثلاث كاميرات منفصلة, واستخدموا ثلاثة أجهزة 
تسليط صور فيلمية 106ءءز0:م لعرض هذه الأفلام على شاشة عريضة. ومن 
بين الأفلام التي أنتجت في 1577 فيلم «عالم الإخوة جريم الرائع». وهناك 
فيلم آخرلا يشيع فيه الخيال الجامح بل التاريخ و(الأسطورة): وهو فيلم 
«كيف تم اقتناص الغرب». 

إن تعبير «الواقع الافتراضي». وهما كلمتان مترابطتان من كلمات 
التسعينيات الطنانة: له تاريخ يعود أبعد بكثير من العام 1584.: وهو العام 
الروائي الذي قال عنه «جورج أورويل». قبل ستة وثلاثين عاماء إنه 
سيشهد «اللفة الجديدة»»؛ والعام الواقعي الذي تحققت فيه بالفعل 
مشروعات اتصال جديدة لم تكن في حسيبان «أورويل». ولعل من المعالم 
التي لا تنسى لهذا العام الرمزي, غ5 »,الحملة الإعلانية التلفزيونية 
المكثفة من جانب شركة ءاومم لتدشين كمبيوتر «ماكينتوش». الذي 
أعلنت عنه الشركة مرة واحدة فقط في أثناء «لعبة كرة القدم». وكانت 
مترددة ضفي استخدام هذا الإعلان الذي تكلف 50١0‏ ألف دولار هي صنعه 
و6١٠٠‏ ألف دولار لوضعه على الشاشة؛ وفيه عرض على المشاهدين فى 


البداية نفق أنبوبي يسير فيه بشر منمنمون يمثلون سجناء يرتدون أحذية 
ثقيلة سميكة النعال؛ عُسلت أدمغتهم من جانب أخ أكبر «أورويلي», [نسبة 
إلى أورويل] وكجزء من هذه العملية رأى المشاهدون فتاة شقراء جميلة 
كانت تمثل المقاومة. وهذا الإعلان يتضمن طبقات كثيرة من المعنى 
فحصها «أسا بيرغر» بذكاء في كتابه «صناعة الرغبة» (1997). فمن 
الناحية التجارية كان الأخ الأكبر هو شركة 4,؛ والسجناء هم موظفيها 
أو الجمهور الأمريكي, في حين ترمز الشقراء الجميلة إلى شركة ءاممِه. 
كان التناقض مزدوجاء وقد كان العرضء الذي أخرجه «ريدلي سكوت»: 
شكلا فنيا أكثر منه إعلانا تجاريا. 





الخلاصة: إلى الفضاء الرمزي . 


تضمن الإعلان عبارة لفظية موجزة: «في الرابع والعشرين من يناير 
ستقدم هاومه الحاسب ماكينتوشء وسوف ترون لماذا سيكون العام ١584‏ 
مختلفا عن .24١1584‏ هل كان ذلك «واقعا»؟ لقد احتفظت عام بسرهاء ولكن 
من المفارقات أن شركة 18311 الأقدم كانت أول من استخدم الصفة «افتراضي» 
مع «الواقع» شي أواخر الستينيات. عندما بدأت الإشارة إلى روابط غير مادية 
بين العمليات والأجهزة: التي أعلنت العام 1187 عن نظام تشغيل كوني 
افتراضي 05/971 مستخدمة في إعلانها كلمات «مجموعة الكواكب» 
و«المجرات». وضي العام * أيضا تحدث «جارون لينير». الذي كان عندئن 
في الواحد والثلاثين من عمره؛ عن الواقع الافتراضي عند معالجته لمداخل 
جديدة لاستخدام الحاسبء وفي العام 6 أنتجت شركته عددا من البرامج 
الملحقة 5هونءوووعءءة: أو أدوات منتجات الواقع الافتراضي بعيدة كل البعد عن 
تلك الخاصة بشركة 1881. كان «لينير» يعمل في مجال ألعاب الفيديوء وكان 
أحد زملائه يعمل من قبل في وكالة الفضاء الأمريكية؛ ولذلك كان هناك تلازم 
وثيق بين ارتياد الفضاء الخارجي وما سمي الفضاء الداخلي. 

وسرعان ما أصبحت كثير من البرامج الملحقة زائدة على الحاجة وغير 
ضرورية: لكنها تحولت إلى أدوات للمحاكاة؛ التي بدأت تنمو في السبعينيات 
والثمانينيات: وأصبحت شائعة الاستخدام؛ وكان لبعضها غرض عملي في 
حين وظف الكثير منها في ألعاب المحاكاة. وكلاهما كان جزءا من «السيناريو». 
وهي أيضا من الكلمات الطنانة. 

كان هناك طلب عسكري وطبي على محاكاة البيئات والمواقف في تدريب 
الطيارين والعمليات الجراحية: ومع ذلك فإن عنصر «المتعة والألعاب». الذي 
كانت تشتهر به ءامم4 أكثر من 1831: هو الدي سرعان ما اعتمد على الفن 
والفيزياء. في عالم «لينير» كانت هناك لمحة من الماضي من «أليس في بلاد 
العجائب». وعالم «غيلبرت وسوليفان المقلوب»؛ الذي كان موضوعا لأحد أفلام 
العام 1999, وربما أيضا لمحة جانبية من عالم «نينتدو وبوكمون»» وهو عالم 
افتراضي للأطفال صنع في اليابان» ولحة مستقبلية إلى ما وصفه «مايكل 
بندكت» بأنه «كون مواز تخلقه وتحافظ عليه حواسب العالم». قفي «التجوال 
الكوني». كما أكد «بندكّت». «مناظر وأصوات وكائنات لا ترى أبدا على سطح 


الكرة الأرضية». 


التاريخ الاجتماعي للوسائط 


يمكن للكائن الرمزي ؛ننهمرءطتزه أن يعاين وينتقل هنا وهناك في هذا 
العالم الرمزي الجديد, ذلك العالم الذي يمكن للأطفال أن يتجولوا فيه: 
والذي يصعب فيه تعريف الكلمة القديمة «المجتمع». إذ اتخذت معاني 
جديدة وأكثر خلافية. من الواضح أن «مجتمعا افتراضيا» ينشأ بعيدا 
عن الزمان والمكان. ولكن فيمّ يختلف هذا المجتمع عن «المجتمع 
الواقعي»؟ في هذا السياق كانت كلمة «وجهة نظر» غاليا ما تنفصل عن 
التاريخ والسياسة والاقتصاد لتشير فقط إلى وجهة نظر أحد المراقبين 
أو المشاركين في أحد العوالم الافتراضية. إن الواقع الافتراضي يتحقق 
زمانا ومكانا عندما «يختفي الحاسب وتصبح أنت الشخصية التي فيه». 
وقد اكتسبت الجغرافيا والأيكولوجيا اهتماما جديدا. فمن السياق 
الرمزي انتقلت كلمة «منطقة» إلى العالم الواقعي لتصبح إحدى كلمات 
القرن الواحد والعشرين الطنانة. وهيئة الإذاعة البريطانية: على سبيل 
المثال. لديها الآن منطقة للتاريخ, وضي قبة الألفية بغرينتش ضي لندن, 
التي كانت محل ترحيب كبير. شأنها شان أي شيء يتعلق بالقبة, 
باعتبارها «منزل الزمن»». كان بها ١4‏ منطقة؛ وكانت المنطقة «الروحية» 
من بينها هي الأصعب في التمويل. 

غير أنه في حال وجود مثل هذه المداخل. ومثل هذه اللفة, تكون 
التعريفات ضرورية»ء وبخاصة لإدراك «الأقاليم» و «الحدود» والأفكار 
الكامنة خلفها. إن أهمية التعريفات باعتبارها تقريرات معنى متغيرة: إن 
لم تكن شكلية؛ يمكن توضيحها من خلال تغيرين حدثا في تعريف أساسي 
لمفردة أقدم في السنوات التي جرت تغطيتها في الفصل قبل الأخير من 
هذا الكتاب. وهما لا يرتبطان بكلمات طنانة بل بكلمات أساسية. ففي 
العام ١5665‏ عرف قاموس أكسفورد «الاتصال». وهو الكلمة الأولى في 
سلسلة كلمات غيرت من استخداماتهاء بأنه )١(‏ فعل التوصيلء نادرا 
لأشياء مادية في الوقت الحاليء )١(‏ نقل أو تبادل الأفكار والمعرفة ... 
إلخ. سواء عن طريق الكلام أو الكتابة أو الملامات. وفي العام 19107 
ومع ظهور ملحق للقاموسء وصف الاتصال بأنه «علم أو عملية نقل 
المعلومات وبخاصة باستخدام أساليب إلكترونية أو ميكانيكية» والفرق 


شاسع بالطبع. 





- 


الخلاصة: إلى الفضاء الرمزي 


على أن عتصر الخيال «والمتعة» غاب عن كلا التعريفين. إن توصيل 
الأشياء المادية ازداد من خلال الاقتصاد الإلكترونيء لكن الخيال والمتعة 
والأحلام كانت بالتأكيد أكثر بروزاء ليس فقط في صفحات الإعلان: ولكن 
أيضا على صفحات الصحفء وعلى شاشات التلفزيون. فمنن فترة طويلة: 
تحديدا في العام 7 :؛ تضمن عدد من مجلة التلفزيون الفصلية 
00316113 1616915155: (نشر قبل التقدم السريع للوسائط المتعددة) مقالا 
بعنوان «الواقع والتلفزيون». عرض فيه المؤلفء «جون كاردين». مقابلة مع 
عالم الأنثروبولوجيا «إدوارد كاربنتر». زميل «ماكلوهان» في «تورنتو». الذي 
اقترح أن مشاهدي أحداث الوسائط يشاركون فقط بوصفهم حالمين: وأكد 
أن «التلفزيون كان القفزة النفسية الفعلية في عصرنا... إن محتواه كله 
أحلام: وشكله حلم خالص». 

وفي سنوات الإنترنت يمكن أن تظهر كلمة «حلم» كذلك مع الوسائط 
التتعليمية,؛ ليس فقط في الولايات المتتحدة. من ذلك أن نشر موقع 
16نا.719197163.0 دليلا إعلانيا يعرض ما وصف بأنه «أعظم مجموعة 
بريطانية من برمجيات التسلية والتعليم», كانت أولى موادها الرياضة وألعاب 
المحاكاة. وضفي مجلة هيئة الإذاعة البريطانية المنزلية: 8:161: كانت إحدى 
المقالات عن التعليم في فبراير ٠٠٠١‏ لواحدة من منتجي «الخدمة العالمية» 
بالهيئة «كاثلين غريفين» بعنوان «جنة راكبي الأمواج». كتبت فيها عن جمع كل 
أطفال العالم معا على «شاطئ الإنترنت». 

كانت هذه الأحلام أحلاما سعيدة. لكن الأحلام يمكن أن تنقلب إلى 
كوابيس: وبالفعل لونت الجوانب أو الإمكانات الشريرة للتكنولوجيا الجديدة 
أحلاما كثيرة مع تقدم الوسائط المتعددة التي جعلت من الممكن «تعقب» الناس 
والتسجيل لهم» وجمع معلومات عن فرد معين من مصادر متعددة أكثر مما 
يمكن أن يجمع هو عن نفسه. وقد أصبح ذلك موضوعا مفضلا للسينماء كما 
في فيلم » المطلع» (2000) ع0510]آ عطا. 

إن من غير المناسب التعامل مع الفضاء الرمزي من حيث الخداع والخيال 
والهروب. فهذا الفضاء له اقتصاده الداخلي: وله كذلك سيكولوجيته 
وتاريخه الخاصان. من ذلك أن اشتمل مؤتمر «ارتياذ المجتمع الرمزي» في 
العام 1959 على أربعة محاور: المجتمع الرمزيء والسياسة الرمزية, 





التاريخ الاجتماعي للوسائط 


والاقتصاد الرمزيء والثقافة الرمزية. المحور الثالث منها يبدو الأكثر صلة, 
إذ تعامل مع الأسواق الرمزية والصناعات والشركات ... اقتصاديات 
الإنترنت ... والتجارة الإلكترونية ... والتوظيف الرمزي [عن طريق 
الحاسب]. وهذا المحور لا يمكن. و يجب ألا. ينفصل عن المحاور الباقية, 
وبخاصة الثاني والرابع. ومن المتوقع أن يكون تنظيم التجوال عبر الفضاء 
الرمزي مربحا. رأينا في سياق هذا الفصل أنه على رغم عوامل الجذب 
الفنية والتقنية في السينما ثلاثية الأبعاد. فإنها لم تلق إقبالاء فما لا يزيد 
على مائة دار عرض سينمائي في العالم فقط تم تجهيزها لهذا الغرض. 
وكذلك لم تبد هوليوود اهتماما بسينما اللمس التي تستخدم صورة وصوتا 
مجسمين. وتقدم الإحساس باللمس الذي كان مفقودا عادة. والذي تعتمد 
عليه شارة الحاسب. منذ ذلك الوقت تنشأ دور عرض سينمائي؛ واحدة منها 
في وادي السيليكون: يمكنها أن تمدد الحواسء وهو ما فعلته شركة دوالت 
ديزني» في إعادة صنع فيلم «قنتازيا» في إطار احتفالها بالألفية. ولكن 
لأسباب تجارية جاءت دور العرض هذه قليلة العدد. فما هو ممكن تقنيا 
ومثير للمتحمسين لا يثبت بالضرورة أنه جذاب ماليا. في حين أثبت الفأر 
في أفلام «توم وجيري» أنه جذاب ماليا. 

واجه رجال الأعمال الرمزيون. شأنهم شأن «جيري». مخاطر كثيرة, 
بعضها تلازم مع الأعباء المالية لحقوق النشر. خضي ربيع ٠٠١١‏ أمرت هيئة 
محلفين أمريكية شركة «.مع.1123 أن تدفع تعويضا قدره ٠٠١‏ ألف دولار 
لشركة 10085 66 16 الموسيقية المستقلة الصغيرة. وهو جزء صغير من 
التعويض الذي طلبته الأخيرة وهو 2.7 مليون دولار. وضي العام السابق قبلت 
373>؛» عبر تسوية؛ء مبلغ عشرة ملايين دولار على سبيل التعويض من 
شركات التسجيل الخمس الكبرى 0:00 دأدبا8! [ددمع'حنم[] و عتددط8 عمدلا 
صنا00 و8810 و8311 وادع سستمارعغمظ عزون31 /إ502: وفي العام نفسه اشترى 
عملاق الوسائط الألماني «بيرتلزمان» شركة 0101108 الأمريكية للتوزيع الفني 
الموسيقيء واتحد في العام ٠٠١١‏ مع شركة 15 م ونتج عن هذا 
الاتحاد شركة 5101161 لمنح تراخيص تكنولوجيا الموسيقى إلى شركات 
الخدمات الموسيقية الفورية الأخرى. وأيا كانت الأشياء الافتراضية فقد كان 
في ذلك شيء ما واقعي. 





- 


الخلاصة: إلى الفضاء الرمزي 


ثمة تكنولوجيا جديدة ترتبط بالواقع الافتراضيء ولكن ليس لها مكان بارز 
حاليا في تاريخ الوسائط؛ وهو ما يمكن أن تحققه في المستقبلء وهي جهاز 
الهولوغرافي لالامهمعه1هط الذي يتعامل مع الصور ثلاثية الأبعاد. وتاريخ هذا 
الجهاز يعود إلى العقود الأخيرة ‏ بل وحتى الأولى ‏ من القرن التاسع عشرء 
لكن آخر الأعوام الذي يمثل علامات في تاريخه كان العام 19141 عندما أنتج 
«ديئيس غابور». الذي حصل على جائزة نويل في العام 9/1 أجهزة 
هولوغراف منمنمة؛ والعام 19175 عندما أنتج «غابور». باستخدام الليزر؛ فيلما 
هولوغرافيا من 47 ثانية في موسكوء يعرض سيدة بالحجم الطبيعي تحمل 
باقة زهور. أما السؤال عما إذا كانت الهولوغرافيا ستموت أو تصبح غير 
ضرورية؛. فقد تركه مفتوحا دون إجابة دارس الاتصالات «بريان وينستون»»؛ 
الذي حكى القصة. 

كان «غابور» مهندسا تحول إلى الفنء وكلاهما ‏ الهندسة والفن ‏ كانا 
بارزين في تاريخ الوسائط الحديث. في العام ٠٠٠١‏ قام واحد من أفضل 
مؤتمرات الألفية حول الوسائطء الذي أعد له «مايكل غينواي» مدير 
البرنامج الوطني الأمريكي للصحافة الفنية. قام بمسح لكل ميدان 
الوسائط. جاء فيه أن الإنترنت يمكن أن تقوم بأكثر من إعادة تعبثة 
التغطية الفنية غير المكتملة والمنحرفة في الوسائط القديمة. إلا أن مثل 
هذه المسوح, التي نادرا ما تلقى تشجيعا في بريطانياء التي تشكو دائما من 
عدم كفاية الموارد المالية» قلما تلقي بالا إلى وول ستريت؛ الذي يمثل الآن 
مجازا أكثر منه مكانا. لقد كان في صفحات المشروعات التجارية في 
الصحفء وليس صفحات الفنء أن وُصفت الخطوط الخارجية للواقع 
الافتراضيء. في بعض الأحيان «بلغة الشبكة العنكبوتية». وفي بعضها الآخر 
باللغة العادية. 

تبدأ هذه الصفحات بأسعار الأسهم: ولكن في حين يقوم الممستثمرون 
المضاربون بدراستها في ارتفاعها وانخفاضها ‏ التي غالبا ما تتم بطريقة 
مشهدية ‏ اعتمادا على إدراك ما يمكن أن تحققه البرمجيات وليس على 
تقارير المسار الماضية؛ يكون لدى المستهلكين ذوي الوعي التكنولوجي؛. وهم 
أقلية صغيرة في بريطانياء اهتمام مختلفء. ليس بالأسهم الرمزية» وإنما 
بالسلع الرمزية. وضي «يوم المشروعات». السابع عشر من ديسمبر ١999‏ وقبل 





التاريخ الاجتماعي للوسائط 


أسبوع من الكريسماس, الذي وصف على جانبي الأطلنطي بالكريسماس 
الإلكتروني. جاءت عناوين مجلة 0350هها5 عمنمء:58 تقول «أسعار الإنترنت 
تجلب السرور على المتسوقين في هاي ستريت». و«التكنولوجيا المتقدمة تمثل 
صفقة أفضل للجميع». وتحت هذه العناوين تعرض قوائم بالأسعار الحالية 
المقارنة للمحلات.؛ وفي الغالب في شكل كتالوجات متكلفة. كما في صفحات 
الشبكة؛ إلى جانب عرض صور لها. 

إن دراما حركة الأسهم قد تثير أحيانا المستهلكين الواعين, ليس فقط عند 
ارتفاع أو انخفاض شركات الإنترنت التي تتعامل في السلع الاستهلاكية, كما 
حدث مع المؤسسة السويدية 23 التي انهارت في صيف .5٠٠١‏ في 
الوقت نفسه تقريبا كونت صحيفة 115065 إ02هن5 رابطة إلكترونية من 
الشركات الأورويية الخاصة ‏ 14 شركة ‏ التي تستخدم الشبكة كجزء أساسي 
في عملياتها. جاءت شركة 0:141م5 على قمة أول جدول للرابطة (مصطلح 
مأخوذ من الرياضة وامتد فى التسعينيات إلى التسلية والتعليم)» وهذه 
الشركة عبارة عن موقع رياضي أسس في العام 1554., لقد تحركت السيارات 
في الفضاء الرمزي كما في العالم الواقعي؛ حيث يجري الإعلان عنها أكثر 
من أي منتج آخر. ومن دون كريسماس لتشجيع المبيعات كان من سمات البيع 
المميزة للانترنت «سوق السيارات مخفضة الأسعار»» «فالحصول على سيارة 
مخفضة السعر من أورويا». كما قرر أحد المراسلين في أكتوبر ,١599‏ يمكن 
أن يصبح الوسيلة السائدة لشراء السيارات في الألفية القادمة. 

مع دخول الألفية الجديدة ألقت المشكلات القديمة بظلالها على الفرص 
الجديدة, على الأقل في بريطانيا التي كان اهتمام الحكومة والجمهور فيها 
بالنقل يفوق اهتمامهم بالإنترنت؛ ليس فقط النقل البري (وضراتب الوقود). يل 
أيضا النقل بالسكك الحديدية ومشكلاته. في العام ٠٠٠١‏ كانت هناك أزمة في 
السكك الحديدية استمرت حتى .5٠١١‏ وأثرت في الخطوط ومواعيد المسافرين. 
وقد اعتمد مستقبل السكك الحديدية ومترو لندن على حقائق جامدة وليس على 
أحلام: واعتمد على الحكومة كما على الأسواق. وعلى رغم الخبرات الأخيرة 
فإنه جرت خصخصة السيطرة على النقل الجوي جزثيا في العام 35٠١١‏ وقد 
كان اتحاد للشركات الجوية هو الذي حقق هذه الاتفاقية. وفي عشية الاقتراع 
العام الذي أجري هذا العام؛ والذي أجل بسبب مرض الحمى القلاعية, كانت 


















































الخلاصة: إلى الفضاء الرمزي 


الأضواء مسلطة على الاقتصاد المختلط أكثر مما كانت مسلطة على الوسائكط 
المختلطة؛ التي كانت من القوة؛ سواء أكانت عامة أم خاصة: بما يمكنها من 
تفسير دور جميع المؤسسات ماعدا مؤسساتها [الوسائط]. 

استحوذ مليونيرات مشروعات الإنترنت أو طبقة أثرياء الإنترنت؛ إلى جانب 
المشاهير الآخرين: على الصفحات المخصصة لهم في الصحف وعلى الشاشات 
على كلا جانبي الأطلنطيء بينما في أثناء الاهتزازات الحادة في أسعار الأسهم 
في «وول ستريت» وبورصات الأوراق المالية ظهر مليونيرات ومفلسون جدد: 
تزايدت أعدادهم العام .2٠١١‏ وقد بدأت أسهم «نازداك» للتكنولوجيا المتقدمة 
تسجل كمجموعة متميزة في الولايات المتحدة العام ١1197‏ وأثبتت فجأة أنها 
أصول مفضلة. على رغم أنها تتضمن مخاطرة عالية. وجرى الترحيب بها 
كأساس لاقتصاد جديد. ومن ذلك أنه في أغسطس ١4460‏ ارتفع سعر الأسهم 
المحررة حديثًا في شركة عم516503, شركة عمرها ١١‏ شهرا كانت مسؤولة عن 
برنامج 01 م02 2/615 ارتفع بقوة ثلاث مرات في يومين قبل أن يهبط. 
وفي يونيو ٠٠٠١‏ عندما فقدت أسهم «الأمازون». من أشهر شركات الإنترنت التي 
تتعامل في الكتب؛ عندما فقدت خمس قيمتها في «وول ستريت» في يوم واحد 
جاء عنوان إحدى الصحف يقول «التجار ينتظرون موجات الأمازون». وعلى 
العكس من ذلك قال أحد العناوين في يوليو :7٠١١‏ «الأمازون يهزم التوقعات فقد 
أغلق محققا أرباحا». وقد عقدت اتفاقا مع .501 إحدى شركات تعمعة7؟/وصة . 
وفي دليل الاقتصاد الإلكتروني الذي أعدته مجلة «الاقتصادي» في أبريل ٠٠٠١‏ 
لم تأت إشارة إلى «تقلبات» الاقتصاد الإلكتروني. وهي كلمة متواترة في تاريخ 
الرأسمالية؛ بل إلى «دوراناته». ومن أجل استكمال جوانب الصورة ظهر أيضا 
المحسنون الرمزيون: ومنهم مثلا «المعونة المباشرة» 410 1176؛ ؤهي حفلة المطرب 
«بوب غيلدوف» الخيرية التي كانت متاحة على الشبكة في العام 1445: حتى أن 
وسيطي الطباعة والبث اللذين أصبحا متاحين على الشبكة لم يسلما هما أيضا 
من الافتتان بالاستخدامات المتعددة للشبكة العنكبوتية ومؤثراتها وبالدراما 
الرمزية ذاتهاء التي كانت أكثر كثافة في خارج الشبكة منها عليها. ومن أكثر 
الأحداث درامية؛ التي صاحبت الشبكة؛ كانت الشركة الاندماجية التي أعلنت في 
يناير ٠٠٠١‏ من اتحاد شركة 06ذاه0 5م 3,عديخ؛ وهي شركة أتاحت الدخول إلى 
الإنتردت لعشرين مليون شخص عبر العالم؛ وشركة :6همة1106/11؛ وهو الاندماج 


التاريخ الاجتماعي للوسائط 


الذي نتجت عنه شركة ضخمة تقدر ب 50١٠‏ مليون دولار. وقد أشار البعض 
إلى أن هذا المبلغ يساوي الناتج القومي الإجمالي للهند. وهي الدولة الرقم ١0‏ 
على مستوى العالم, والناتج الصناعي البريطاني. وهو السابع على مستوى 
العالم. وبعد تكوين هذه الشركة الاندماجية كتب أستاذ أمريكي أن «من النادر أن 
نرى تاريخا مشروعاتيا يصنع على الإنترنت» كما في هذه الحالة. وكان السبب 
في اعتبار ذلك الاستشاء الكبير هو الانتشار العالمي للانترنت والحجم غير 
العادي لهذه الشركة الاندماجية. 

كان هناك بالطبع استثناء آخرء ولكنه لم يكن يتعلق بحدث واحد فقط 
سيطر على العناوين: بل بالمعركة بين 8480705016 الكائنة بسياتل وشركات أخرى 
مغتاظة؛ في معظمها من خارج «سياتل» وبين :1410:0501 والسلطات السياسية 
والقضائية المتمركزة بشكل أساسي في واشنطن. تمكن «بل غيتس». الذي قيل 
إنه أغنى رجل في العالم. من التعامل بسهولة مع المنافسين الأول أكثر منه مع 
من تلاهم من المنافسين. وقد استمر الصراع خلال العام ١١٠5؛‏ وكما في 
القضية الكبيرة لشركة '41©:1. كان الاحتكار هو القضية الأساسية؛ وقد مرت 
القضية بمراحل كثيرة. كان برنامج النواهن؛ وهو برنامج «غيتس» الأساسي. 
نقطة الصراع التكنولوجية الرئيسية: وقد أسهم هذا البرنامج في فتح العالم 
على الفضاء الرمزي: لكن مجاز الفضاء الرمزي لم يكن له دور في دعاوى 
«غيتس» وأعدائه. في إحدى القصص التي رويت في برنامج «التسلية الرقمية 
الذكية» الرمزي في «لوس أنجليس». كان باستطاعة المشاهد أن يوجه الفعل, 
كان ذلك في «لوس أنجليس» وليس «سياتل». وفي لندن في أبريل ٠7٠٠١‏ كتب 
«سيمون جينكنز» مقالا في 1165 بعنوان «هل هيئة الإذاعة البريطانية في 
حاجة إلي ثقافة ميكروسوفت5». ولم يقدم إجابة قاطعة بنعم أو بلاء لكنه كان 
تحذيرا لغيتس و«غريغ ديك». المدير العام الجديد لهيئة الإذاعة البريطانية:؛ بألا 
يعولا على الاحتكار. 

ولسنا في حاجة إلى التأكيد على أنه في أجزاء كثيرة من العالم ظهر حمقى 
الإنترنت وكانت لهم خطوط الدردشة 65هذلاقطه الخاصة بهم على الإنترنت؛, 
كما ظهر أيضا اللصوص الرمزيون الذين يتمتعون بمعرفة جيدة بمنطقتهم أكثر 
.من معظم المستثمرين أو المحسنين. وكان من القضايا التي اكتسبت شهرة فورية 
الهجمات على موقع ومطولا في فغبراير ٠٠٠١‏ وعلى 11005011 نفسها في 


الخلاصة: إلى الفضاء الرمزي 


أكتويبر ٠٠‏ نذ تعرض 8500لا لما سمي قذف مركز بوابل من علامات 
الاستفهام الصغيرة. سميت «عاصفة أزيز الرصاص». في حين سمي المهاجمون 
«إرهابيين رمزيين». كما استخدمت أسماء أخرى مثل «القراصنة» (كلمة 
تستخدم في اللفة الفرنسية) و«المخريين». وكان هناك مجرمون آخرون من 
أشكال متعددة استخدموا الإنترنت لأغراضهم الخاصة: من دون أن يكونوا من 
هوأة الحاسب والمحتالين» وبعضهم يعرف كل خدع الحاسب. وإلى جانب ذلك 
ظهرت مجموعة من شركات المراهنة تمتعت بما أسمته الصحافة «ازدهار 
مراهنات الشبكة». كان ذلك بمنزلة شكل حديث من معرض «بارثولميو»» لكن من 
دون أن يقدم الكاتب المسرحي «بين جونسون» وصفا ناجحا له. لم يكن «غيتس» 
في المعرضء بل في الجامعة: إذ كان يهتم بالسيطرة على الحاسب أكثر مما كان 
يهتم بغرائب المعارض. وكانت «كامبردج» بإنجلترا على خريطته إلى جانب 
«سياتل», وقد كانت هذه الأخيرة على الخريطة في العام .٠٠٠١‏ ليس بسبب 
«غيتس» نفسه بقدر ما كان بسبب الاحتجاجات, التي كثر الإعلان عنها. ضد 
منظمة التجارة العالمية» التي كانت تحاول وضع قواعد العولمة. وقد استخدمت 
الإنترنت من جانب المحتجين لتعبئة الرأي العام. 

كل هذا النشاطء الذي كان بمعزل عن المناطق الريفية؛ كان له بعد عالمي 
طرح فقضايا أخلاقية مهمة. وليس فقط قانونية. من ذلك أن أستاذ القانون 
الأمريكي المتميز«لورنس ليسنغ» كتب في مجلة 20168 188 11317810 في 
ديسمبر 19995 «يجب أن يتاح لنا الاختيار إزاء الحياة في الفضاء الرمزي. أي 
حول ما إذا كانت القيم المتضمنة فيه ستكون القيم التي نريدها أم لا», وضي 
رأيه أن قانون الفضاء الرمزي في نفس أهمية قانون الشركات. وكانت هناك 
آراء مختلفة حول ما يمكن أو يجب تنظيمه في الإنترنت: وهي آراء تعكس 
الاختلافات الوطنية وليس لها علاقة بالتكنولوجيا. في العام 19517 كتب «بيتر 
هوبر» في الولايات المتحدة كتابا ليس بعيد عن هذا الخطء وهو ما يكشفه 
عنوانه «القانون والفوضى في الفضاء الرمزي: ألغوا الوكالة الفيدرالية 
للاتصالات 106 ودعوا القانون العام يحكم شركات الإنترنت». 

وإلى جانب الأسئلة القانونية كانت هناك أسئلة أخرى سياسية تتمحور. مثل 
الأولى:ء حول السؤال «هل يمكن؛ أو يجب. السيطرة على الإنترنت5» وفي حالة 
الإجابة بالإثيات فبأي الطرق يتم ذلك؟ هل يجب أن تحل السيطرة الذاتية عن 


التاريخ الاجتماعي للوسائط 


طريق هيئات وسيطة. إذا أمكن. محل سيطرة الدولة؟ وعند الإجابة عن هذا 
السؤال يمكن أن يبرز اسم «توكفيل». فهل يجب أن يترك الأطفال يشاهدون 
ويسمعون ما يريدون إذا أتاح لهم والداهم الحرية؟ في مارس 1497: وضي 
عشية جلسة استماع لمحكمة فيدرالية بفيلادلفيا حول التحديات أمام قانون 
آداب الاتصالات الجديد. الذي صدر حديثاء؛ دار نقاش بين فريق متنوع حول 
الإنترنت نفسها وكيف يمكن تحقيق التوازن بين الحقوق المنصوص عليها في 
التعديل الدستوري الأول والحاجة إلى حماية الأطفال الذين يستخدمون الشبكة 
العنكبوتية العالمية» وهو فريق العمل الذي سمي «فريق رمزي». غير أنه كانت 
هناك عوائق قانونية تحول دون تفعيل القانون ذاته. 

كانت العولمة هي الموضوع الرئيسي ل «محاضرات ريث»؛ التي كانت بعنوان 
«العالم سريع التقلب» في بريطانيا العام 1494: إذ كان هدف المحاضر «أنطوني 
غيدنز». مدير مدرسة الاقتصاد بلندن. يتمثل في «بدء حوار عالمي إلكتروني حول 
العولمة: التي قرر أنها سياسية وتكنولوجية وثقافية». ولكنء وكما اعترف «غيدنز» 
نفسه؛ لم تكن المسألة مسألة حوار فقطء بل أيضا مسألة جدل. و«غيدنز» نفسه 
لم يكن لديه الكثير ليقوله حول دور الوسائط؛ ولكن كانت هناك تعليقات كثيرة 
من جانب الوسائط حول العولمة. كما كان منها إزاء العملة الأوروبية. 

وقد أثارت هذه المحاضرات ليس فقط ردة أصولية أو إعادة توكيد 
أصوليةء وهي استجابة دينية ذات تشعبات سياسية؛ بل أثارت أيضا موجة من 
النقد في دوائر فكرية مختلفة. وبخاصة في فرنساء من اليسار كما من 
اليمين. على رغم أن هذه المصطلحات أصبحت صعبة التعريف. وفي لندن 
أعرب «مايكل غوف», الذي قام بمراجعة أفلام هوليوود الحديثة؛ التي أنتجت 
للسوق العالمي. عن خوفه من أن «إيقاف العولة» ريما يمثل «مهمة مستحيلة». 
وهو عنوان لواحد من أفضل أفلام هوليوود الحديثة إخراجا وتمثيلاء وأضاف 
أن العولة قد تكون قدرا محتوماء لكن ليس فرضا علينا أن نحبها. «إن العولمة 
فد تسهل على الناس مواجهة الثقافات الجديدة. ولكنها تجعل الرحلة بين 
هذه الثقافات أقل قيمة: ذلك لأنها تجعل الثقافات الفردية أكثر تماثلا». 
' «وماذا بعد5» كان هذا عنوان عدد الصيف من «مجلة دراسات الوسائط». 
التي نشرت في نيويورك في نفس عام محاضرات «غيدنز». أوضح هذا العدد 
أنه مع نهاية القرن والألفية كان الإجماع حول مستقبل الصحافة أو «الأخبار 


الخلاصة: إلى القضاء الرمزي 


الجديدة» أقل من نظيره حول الاقتصاد «الجديد» أو «القادم». كان الاتفاق 
فقط حول افتراض أن «مستقبل الصحافة لن يكون على ما تعودنا عليه». غير 
أن هناك عنوانا أكثر تشويقا من «وماذا بعدة». وهو ذلك الذي اختاره «جون 
هاوكنز» منن "١‏ عاماء عندما كان يحرر مجلة دللعدرع)م1؛ وهو دماذا 
سيحدث بعد المستقبل؟» كيف سيكون القراء في المستقبل؟ في بعض الأوساط 
كان العام ٠٠٠١‏ يعتبر التاريخ الفاصلء وذلك أساسا بسبب مكانته الرمزية 
عند مفترق الألفية أكثر منه بسبب الأحداث المحددة التي يمكن أن تقع فيه 
وهي الأحداث التي تقع الآن. 
ولعل من المفارقات أن الحديث عن المستقبل في العام ٠٠٠١‏ كان أقل منه 
في الستينيات والسبعينيات: ولعل السبب هو أن الحاضر نفسه يبدو أضخم 
في العام :7٠٠٠١‏ حتى أن خطى التغيير كانت من السرعة بحيث لا تشجع 
الإنتاج. ومن ذلك أن قررت «اليزابيث ويز». التي كانت تكتب حول الحملة 
الرئاسية الأمريكية في ذلك الوقت, في عدد «مجلة دراسات الوسائط» بعنوان 
«حملة .23٠٠١‏ أن منفذي الحملات لم «يتوجهوا بعد إلى الشبكة, 
فالتكنولوجيا صعبة الاستخدام: وقواعد البيانات تعوزها أحيانا معلومات 
ضرورية» والمواقع تبعث على الملل». ويرى صحافيان آخران في العدد نفسه 
من المجلة أن أشكال الواقع المهيمنة في الحاضر هي عدم اكتراث المواطنين 
والغرق في الدوار العقلي والتباس حوارات السياسيين والمراسلين. ويعد انتهاء 
الانتخابات ظلت هذه الظواهر هي «أشكال الواقع» القائمة. بيد أنها كانت 
أقل إلحاحا من الحاجة إلى عد الأصوات. وقد كانت أشكال الواقع المشابهة, 
ماعدا الأخيرء تخضع لعملية مراجعة متواصلة في بريطانيا أيضا. وبدت 
الوسائط كأنها تضع جدول الأعمالء وكان الصحافيون أقل شهرة من 
المحامين في بريطانيا. غير أن دور الوسائط في تشكيل النتيجة الشاذة 
للحملة الرئاسية الأمريكية في العام ٠٠٠١‏ والنتيجة المتوقعة للانتخابات 
العامة البريطانية في العام ٠٠١١‏ لا يمكن تقييمه على نحو صحيح إلا في 
المستقبل؛ أو وفقا للعلاقات الصحيحة الداخلة في هذه الأحداث. 
لقد حاول مؤلفا هذا الكتاب الحفاظ على رؤية منظورية: وهو ما يصعب 
تحقيقه عندما تركز الوسائتط على اليوم (اليوم وغدا) وعلى الأسبوع: وضي 
الغالب تستبق إلى ما سوف يحدث وليس وصف ما حدث, وكثير منه سريع 





التاريخ الاجتماعي للوسائط 


الزوال. ومع ذلك فمن المسلم به أن هناك «قضايا معمرة». ومع كل عام جديد 
كانت تظهر تقويمات. كانت في السابق عملا يسعى الناشرون إلى احتكاره: 
و«دحوليات». وهي كلمة يربطها الجمهور الآن بالبساتين أكثر مما يربطها 
بالوسائط. إذ حولت الوسائط البساتين إلى برامج قياسية: إلى جانب ما 
يسمى «التاريخ الطبيعي». 

في أوقات مختلفة من الفترة التي غطاها هذا الكتاب كانت الطبيعة تعامل 
بشكل مختلف. وفي كل الحالات كانت تعالج من زوايا متتوعة للغاية. وليس 
بمقدور الوسائط المعاصرة أن تتجاهل الطبيعة: ولو فقط بسبب الطقس الذي 
يخرج عن السيطرة ويحدت كوارث طبيعية غير متوفعة؛ وبسبب الزراعة التي 
لا تسلك مسلك الصناعة؛ رغم ادعاءاتها الكثيرة بأنها صناعة. إن الطبيعة 
مازالت تمثل الإبداع. وفي العدد نفسه من مجلة 003:0ةا5 ععلمء؟8؛ الذي 
وصف الاندفاع إلى التسوق الإلكتروني في أعياد الكريسماس للعام 1495: جاء 
عنوان يقول «كروكس سوف تزدهر على الإنترنت في الربيع». وكروكس شركة 
جديدة. يعمل اللورد (جاكوب) «روذتشيلد» كأحد مديريها غير التنفيذيين. 
أنشئت لبيع النباتات من خلال الإنترنت بأسعار لا تختلف عن أسعار المشاتل, 
ومدير التسويق فيها كان مديرا سابقا لوكالة 83248 للإعلان: ومن المساهمين 
فيهاء إلى جانب «روذتشيلد»», شركة 1تهم5 216013 :716 الشهيرة. 

كتب الفيلسوف الألماني «مارتن هيدغر» ذات مرة. مسقطا من حسبانه علم 
الاقتصاد وثيق الصلة؛ أن «التكنولوجيا وسيط بين الإنسان والطبيعة الخام». 
ومع ذلك ففي الفضاء الرمزي يمكن للطبيعة ذاتها أن تكون افتراضية, 
وليست خاما. إن المؤرخ «بروس مازليش» عندما أشار بشكل مثير إلى «العالم 
الخفي غير العقلاني للأشجار والطيور والحيوانات» لم ترد الزهور في 
قائمته. ومن حسن الحظ أن زعفران شركة «كروكس» 7*كان واقعيا وليس 
افتراضياء ولا يحتاج إلى تفسير فلسفي في عالم يجري فيه توسط أشياء 
أكثر بكثير من أي وقت سابق في التاريخ. 


“ا كا 


(*) كلمة 0506105 الإنجليزية: وهي اسم الشركة؛ تعني زهرة الزعفران [ المترجم]. 








الأحداث الرئيسية في تاريخ الوسائط 


حوالي 6٠٠١‏ 
قبل الميلاد 
حوالي ٠٠٠١‏ 
قبل الميلاد 
حوالى :1لا 
0 

٠١4١ حوالى‎ 
١90 حوالى‎ 
1 
1١ 

١:01 حوالى‎ 
1 

١غ‎ 11/ 

١14 

١ الا‎ 

١:5 ؟1‎ 

١517 

١6٠٠١ حوالى‎ 
10 

١ 1/ 

١05 

١” 

١01 

١0 

١0غ‎ 

١غغ‎ 

١06غ‎ 

١ /اه‎ 

و ا دن 
١017‏ 

١01 


الأحداث الرئيسية في تاريخ الوسائط 


اختراع الكتابة 
اختراع حروف الهجاء 


أقدم مثال معروف للطباعة على لوح من الخشب (اليابان) 
أول كتاب مطبوع (الصين) 

اختراع لوح الأحرف المتحرك (الصين) 

أول روسم خشبي للصور 

أول ميدالية لعصر النهضة 

لوح الأحرف المتحرك من البرونز في كوريا 
غتتبرغ يطبع الكتاب المقدس 

تأسيس بورصة «أنتويرب» 

أول مطبعة تؤسس في روما 

أول مطبعة تؤسس في باريس 

أول مطبعة تؤسس في «ويستمنستر» بلندن 
كولومبس ينزل على ساحل أمريكا 

أقدم كرة أرضية باقية 

أول كليشيهات محفورة 

أول خريطة مطبوعة تتضمن معلومات عن أمريكا 
طبع أطروحات لوثر الخمسة والتسعين 

العهد الجديد للوثر 

طبع «المقاللات الاثنتي عشرة للفلاحين الألمان» 
نشر العهد الجديد لتندال 

كتاب صغير للوثر حول العقيدة 

إنشاء «شؤون الإعلانات الجدارية» في فرنسا 
أول قائمة تنشر بالكتب المحظورة في باريس 
تأسيس بورصة لندن 

إصدار وثيقة لشركة 56300267 بلندن 

الحروب الدينية في فرنسا 

أول جدول مطبوع للخدمة البريدية في إمبراطورية هابزيرج 
أول قائمة عامة بالكتب المحظورة 





التاريخ الاجتماعي للوسائط 


١66 
1١0 
كا‎ ١064 
1١00 
١هالآ‎ 
ع4‎ _ ١6ا/ة‎ 
١60 
١05غ‎ 
١54 
١6 
ال56١9‎ 
1١51 
١11 
3-114 
١1 
ديل‎ 
لل‎ 
فضت‎ 
١37 
يل‎ 
ليل‎ 
يل‎ 
5 
15 
غ11‎ 
5م‎ _- 1364 
ةا‎ 
1١11 
١11 
١116 
١1 





أول مطبعة تنشأ في موسكو 

موجة تجطيم التماثيل في فرنسا وهولندا 
حرب الثمانين سنة بين إسبانيا وهولندا 
كتاب أورتليس «تتاهمع] وزط01 ستصتمعط]” 
أول مسرح بلندن 

نشر الكتاب المقدس لكارليس فضي «بوهيميا» 
افتتاح المسرح الأوليمبي في «فيسنزا» 

أداء أول حفلة أويرالية في فلورنسا 

اقتتاح مسرح جلوب بلندن 

كتاب سيرظانتس 01112066 1201 

أول نشرات إخبارية (ضي ألمانيا) 

نشر النسخة المعتمدة من الكتاب المقدس 
أول جداول لوغاريتمية 

حرب السنين الثلاثين 

نشر كتاب [1181 01 ]ناه 0001301 ع 

بين جونسون يصدر صحيفة 21685 ]0 عاجهاك 16 
دشر صحيفة 02216 في باريس 

افتتاح أول مسرح عام في فينيسيا 

افتتاح أول مسرح في أمستردام 

الاحتفال بالمئثوية الثانية للطباعة 

تقديم التماس «الأصل والفرع» في لندن 
الاحتجاج الكبير بلندن 

الحرب الأهلية الإنجليزية 

أول نقش تظليلي 

كتاب ميلتون 081162م160م 

الحرب الأهلية الفرنسية 

بدء دشر صحيفة «طتنولرع )كمرك 'ل عناء 2م 
أول قانون لمكوس الطرق 

بدء نشر صحيفة 120عناع 1[ 06 ع1[هم010 فى روما 
بدء الجلسات الفلسفية للجمعية الملكية بلندن 
بدء صحيفة ]08120 عتناء 1 


- 


الأحداث الرئيسية في تاريخ الوسائط 


4١-6‏ أزمة الإقصاء فى إنجلترا 


ا نقل لويس الرابع عشر إلى فرساي 
يل بدء صحيفة وع67اع.1 دع عناوتاسامع] د[ عل دعلاعء:تناوا1 
١1‏ الثورة المجيدة فى إنجلترا 

0 إنشاء مقهى «بروكوب» في باريس 
1550 انتهاء قانون الترخيص البريطانى 
0 إنشاء صحيفة )وه ع0أ(1آ1 بلندن 
دل إنشاء صحيفة 'إ80 2056 بلندن 

١‏ إنشاء صحيفة «عاعاو بع[ درماده8 
١6‏ قانون حقوق الطبع البريطاني 

لفن موعظة ساكيفيريل 

١١0١‏ نشر صحيفة 108هاءءم5 156 (المشاهد) 
و١71١‏ 

١1‏ إنشاء أول مطبعة في سانت بترسبرج 
دف فرض رسوم الطابع 

0006 رواية ديفو «روينسون كروزو» 

ك١‏ إنشاء أول مطبعة فى اسطنبول 

0 الاحتفال بالمئوية الثالثة للطباعة 

7 رواية ريتشاردسن «باميلا» 

)1 رواية فيلدنج «توم جونز» 

16-6١‏ نشر الموسوعة 

ل أول حفر مائي (*) 

1 نشر صحيفة المقهى الثانى بميلانو 
ا إلغاء قانون الطابع 00 

كفل إنشاء الجمعية الفلكية ببرمينغهام 
ا إنشاء الأكاديمية الملكية 

ففل الطبعة الأولى من الموسوعة البريطانية 
نففنا إكمال «واط» و «بولتون» للمحرك البخاري 
كماما إعلان الاستقلال الأمريكي 


(*) طريقة في النقش على الصفائح الزجاجية بواسطة الأحماض تستهدف حفر الفسحات لا الخيوط؛ وتمكن عند الطباعة 
من الحصول على صور شبيهة بالرسوم المعدة بالألوان. 























التاريخ الاجتماعي للوسائط 


١/5 
كل‎ 
نكن‎ 
١88 
١84 
يكن‎ 
1 
دكن‎ 
دكن‎ 
1 
1/5 
انكل‎ 
734 
754 


5 م١‏ 
.م 
5م 
م1 
.٠م18‏ 
106 
م١‏ 
5م 
ألما 
١81١‏ 
غ181 
816 
1815 
لما 
1414 
1/041 


أول سباق خيول 

أول صحيفة آحادية بريطانية 

دستور الولايات المتحدة 

التعديل الدستوري الأول 

«جون ولتر» يؤسس صحيفة 5هعم 11 

الثورة الفرنسية 

أول مصنع يدور بالبخار في بريطانيا 

أول قانون لبراءات اختراع في الولايات المتحدة 
اختراع ماكينة لصنع الكبلات 

شراكة «بولتون وواط» 

نظام «شوب» للإشارات الطويلة في فرنسا باستخدام السيمافور 
«سينيفيلدر» يخترع الطباعة الحجرية 


ماكينة صنع الورق 

زيادة الضرائب على الورق في بريطانيا وحظر استيراد 
الصحف الأجنبية 

مطبعة «استانهوب» 


«كوبيت» ينشئُّ صحيفة ععادزعع1 لوعنكنامط بزلعاءعء17 
مجلة باعالاع؟1 معنا م1801 

"فولتون» يسير قاربا بقوة البخار 

محرك «ترفيثيك» البخاري يستخدم في السكك الحديدية 
إكمال فناة الاتحاد العظيم في بريطانيا 

تأسيس مدينة «كليرمونت» على نهر «هدسون» 

مجلة اماع18 اإ1رع 0002 

بدء عمل المطبعة البخارية 

أحداث شغب «لوديت» 

طبع صحيفة 65هة1 بالبخار 

زيادة رسوم الطايع 

عزل السيلينيوم أو عنصر القمر 

صحيفة «كو: بيت» #عاكاوء 011621 التي تباع ببنسين 
فرارات «كارلسباد» تلغى حرية الصحافة 

القوانين الستة: رسوم الطابع الجديدة 


10 
206 
ما 
لاما 
ا 
058 
ا 
5 
ا 
الا 
ا 
ا 
10 
08 
اا 
ل 
00 
00 
سما 
3 
م 
ا 
0 
1 
0 
14 
020 
١‏ 
1/1 
11 


الأحداث الرئيسية في تاريخ الوسائط 


قوانين أمبير في الديناميكا الكهربية 

أول سفينة بخارية من الصلب 

كتاب سانت سيمون «النظام الصناعي» 

إنشاء صحيفة ه3ذل2ةتا "عأدعطعمة ل 
«بابدج» يبدأ في صنع أول الحاسب الميكانيكي 
مجلة و1891 7عاوستصادء1 

الطباعة الحجرية بالألوان 

أول آلة كاتبة 

خط سكك حديد ليفربول ‏ مانشستر 
صحيفة 03206 العثمانية 

قانون الإصلاح البريطاني 

قرارات «مترنيخ» تقيد الحريات المدنية 
سيارات «هانسوم» في بريطانيا 

سجل السفن لليود 

صحيفة 10ه2ء8 علره لا برعلا 

أول خط سكة حديد في كتدا 

أول خط سكة حديد للركاب في فرنسا 
التلغراف الكهربائي ١‏ 

طريقة «بتمان» للاختزال 

سفينة «يرونل» «الغرب العظيم» تعبر الأطلنطي 
عرض صور دغرية (*) 

افتتاح الخط التلغرافي بين «بادنغتون» و «ويست درايتون» (؟١‏ ميلة) 
بريطانيا تعرف الصحف البنسية 

استخدام لب الخشب لصنع الورق في ألمانيا 
أول صحيفة غير رسمية باللغة التركية 

مجلة طاعصباط 

صحيفة عصناطكن1 علره2؟ بوعل 

أول دليل للسكك الحديدية ليرادشو 

قانون حقوق الطبع البريطاني 

مكتبة «مودي» الدوارة 


(*) طريقة قديمة في التصوير الفوتوغرافي على ألواح فضية. 








التاريخ الاجتماعي للوسائط 


86 
81 
186 
غ10 
غ186 
كعم 
81 
ك186 
الكل 
ك86م1 
184 
146 
1666 
6م 
146 
ما 
لكا 
60١‏ 
غ186 
غ86١‏ -كم 
/ا0م ١‏ 
١864‏ 
كم 50 
اكما 
كما 
١5‏ 
غ185 
1010 


الا 
/اكم١‏ 


صحيفة 516755 م200ه.1 111152660 المصورة 

الآلة الكاتية ذات الخطوط 

«مورس» يرسل أول رسالة تلغرافية باستخدام شفرة مورس 
أول قانون للسكك الحديدية في بريطانيا 

«كوك» و «ويتستون» يكونان شركة التلغراف الكهربي 
المطبعة ذات المكبس الدوار 
«سيمنز» يصنع الأسلاك الكهريائية المعزولة 

لمعهد «السميسوني» بواشنطن 

صحيفة الاقتصادى 0010156م220 7106 

صحيفة 014 هط 1ه 81685 أخيار العالم 

عام الثورات 

ربط برلين وفرانكفورت تلغرافيا 

مجلة لإلطاصه8ة علطا وتزعم 113 

أول قانون بريطاني للمكتبات العامة 

تسجيل براءة اختراع أول آلة كاتبة ذات التغذية المتواصلة بالورق 
أول كبل بحري بين بريطانيا وفرنسا 

المعرض الكبير في القصر البلوري بلندن 

التصوير الفوتوغرافي باللوح المبلل 

قوانين التفكير لبول 

حرب القرم 

أول خط كبل يعبر الأطانطي (فشل) 

جهاز الناسخ الصو تي طصة روما ممم 

الحرب الأهلية الأمريكية 

مجلة 9لاعء/1] و"رومية1]1 

معرض لندن: قمة التصوير المجسامي 

«ماكسويل» يشرح نظرية الموجة الكهربية المغناطيسية 
السكك الحديدية العاصمية بلندن 

قانون الراية الحمراء البريطاني الذي حدد السرعة 
على الطرق 

أول كبل ناجح عابر للأطانطي 

«ميشو» «<ناقطء 1ه يبدأ صنع الدراجات 


1814 


18614 
1011 
11 


1815 
م1 
ديل 
ماما 
اما 
كلام١ا‏ 
كلام١‏ 
لم1 
/الاما 
يفدنا 
يكيل 
4/ام ١‏ 
لخديل 
ييل 
104 
لديل 
مما 
لديل 
ييل 
1046 
مما 
مما 
كما 
كلما 
11834 


الأحداث الرئيسية في تاريخ الوسائط 


8 لطة :11.177.436 أول وكالة إعلانية متعددة الأغراض 
في فيلادلفيا 

أول صحيفة أمريكية تستخدم ورق لب الخشب 

أول بطاقات بريدية 

التقاء خطوط السكك الحديدية القارية في الولايات المتحدة: 
احتفال «المسمار الذهبي» 

افتتاح قناة السويس 

الدراجة الثلاثية 

أول قانون قومي للتعليم في بريطانيا 

«مويبردج» يعرض صورا متحركة لحيوانات 

التعرف على خصائص السيلينيوم الحساسة للضوء 

معرض الولايات المتحدة المثوي 

تليفون «بل»: أول إرسال من بوسطون إلى كامبردج (خطان) 
النموذج الأصلي من آلة «ريمنفتون» الكاتبة 

التصوير الضوئي باللوح الجاف 

فونوغراف «إديسون» 

أول مكالمة تليفونية أمريكية في «نيو هافين» 

ميكروفون من صنع «هوفز» 

ترام «سيمنز» الكهربائي في برلين 

«هيرتز» يصف موجات الراديو 

اللون الأسود النصفي يستخدم في صحيفة عنطمه0 نزآنة2 علرولا بوعل2 
كاميرا «موتلي» للصور المتحركة 

افتتاح خط سكة حديد سيدني - ملبورن 

ماكينة «هو» تطى الصحف 

اسطوانة «نيبكو» الدوارة 

«جوتليب ديملر» محرك ديزل خفيف الوزن في ألمانيا 
اتفاقية بيرن لحقوق الطبع ١‏ 

كاميرا «إيستمان» اليدوية (كوداك) 

افتتاح السكك الحديدية الباسيفيكية الكندية 

سيارة «ديملر» ذات العجلات الأربع 

استخدام السليوليد في التصوير الضوتي 





التاريخ الاجتماعي للوسائط 


1344 صحيفة 5عطنة! [وأعممسملط 

1144 قانون حقوق الطبع الأمريكي 

كما كاميرا إديسون للصور المتحركة 

1/6 أول مترو أنفاق كهربي في لندن 

ديل أول لوحة مفاتيح أوتوماتيكية للتليفون 

وم «بوليتزر» يشتري صحيفة 7170114 عارملا بوعل 
1867 شركة تليفون 11170800 دمئه1ء1 فى بودابست 
"كما مجلة ع 151001 

دحي الحرب الإسبانية الأمريكية (حرب المراسلين) 
1053 أول خط سكة حديد يمر بالأنديز 

11 اكتشاف أشعة إكس 

1457 دورة الألعاب الأوليمبية بأثينا 

18451 «ماركوتي» يصل لندن بأجهزة اللاسلكي 

13 «هارمزورث» ينشئ ضحيفة ان114 نوانه2 

أكما عرض «لومير» السينمائي في لندن 

كما «هوليريث» يكون شركة ماكينات الكروت المثقبة 
أكما سباق سيارات لندن ‏ بريتون 

ككما ماكينة «لانجلى» الطائرة 

ما «ماركوني» يؤسس شركة الإشارة والتلغراف اللاسلكي 
خا ماكينة سبك الأحرف المطبعية 

2454 الطيران (زيبلين) 


١854‏ تسجيل بولسون الصوتي المغناطيسي 
15١5-4‏ الحرب الأنقلو ‏ بويرية 


5 معرض باريس 

0-٠‏ «فيسندن» يبث رساكل صوتية 

5١‏ «ماركوني» يرسل رسائل من «كورنوول» إلى «نيوفوندلاند» 
5١‏ موديل السيارة مرسيدس سيمبلكس 

ليل أول دراجة بخارية 

ا الخط الحديدي العابر لصربيا يصل إلى ميناء أرثر 

؟ 


3 صمام «فليمنج» الثرميوني (الصمام المفرغ) 


حال 
15 
؟ 15 
.و١‏ 
154 
غءواآا 
غ15 
غ15 
15 
ل 
كال 
19565 
5+و1ل 
/ا١6١‏ 
1534 
مل 
156 
مايل 
151١‏ 
151١‏ 
١31 *‏ 
١51١ *‏ 
١5١”‏ 
١51١‏ 
* 51 
الحا 
١511‏ 
اإدكنلا 
غ8-151١‏ 
1516 
11 


الأحداث الرئيسية في تاريخ الوسائط 


أول اجتماع عالمي حول التلغراف اللاسلكي 
الأخوان «رايت» يطيران طائرة بالديزل 
«ديترويت»: عاصمة السيارات في العالم 

أول سيارات أجرة بمحرك في لندن 

بداية العمل في قناة بنما 

«هارمزورث» يؤسس صحيفة 12205كل38 1021 
صمام «فليمنج» الثلاثي 

أول مترو أنفاق في نيويورك 

قانون التلغراف اللاسلكي 

أول أوتوبيسات بمحرك في لندن 

علامات النيون 

قانون براءات الاختراع البريطاني 

«فيسندن» يبث كلاما وموسيقى 

تسجيل «دي فوريست» لبراءة اختراع الصمام الترميوني 
«هارمزورث» يشتري صحيفة 11:05" 

سيارة موديل 1 لفورد 

«بليريوت» يعبر القنال الإنجليزي بطائرة 

قانون الترخيص بالكاميرا السينمائية في بريطانيا 
قانون حقوق الطبع البريطاني 

أول استوديو بهوليوود 

هيئة الإذاعة البريطانية تسيطر على شركات التليفون 
أول قانون أمريكي للراديو 

إنشاء صحيفة 282211 نإ1نة0آ1 

أول سيارة بمحرك ديزل في ألمانيا 

«فورد» يقدم حزام نقل متحرك 

نادي اللاسلكي بلندن 

إشارات اللاسلكي من برج إيفيل 

الحرب العالمية الأولى 

فيلم غريفيث «ميلاد آمة» 

«ألكوك» و «يبراون» يطيران عبر الأطلنطي 






































التاريخ الاجتماعي للوسائط 


١011 
115 
116 
16 
ديل‎ 
ريال‎ 
حل‎ 
ل‎ 
1١5 
1١ 
تفدنل‎ 
1١ 
غ55‎ 
1١536 
١536 
1536 


156 
لديل‎ 
1١51 
ا‎ 
15/ 
١5/ 
١ / 
١5 7/ 
١38 
١54 
56 
الل‎ 
الل‎ 
ادل‎ 





«روس سميث» يطير من بريطانيا إلى أستراليا 

أول طيران ناجح لطائرة مروحية 

تأسيس هيئة الراديو الأمريكية 1:04 

السيدة «نيللي مليا» تبداً البث 

شركة ماركوني تفتح محطة للبث في «ريتل» 

افتتاح محطة خكادلك1 في بتسبرغ 

هيئة مراقبي السينما البريطانية 

إنشاء شركة الإذاعة البريطانية 

مجلة وعصة] 12010 

صحيفة 111 

أول محادتة راديو عابرة للأطانطي 

اكتمال أول طريق سريع إيطالي 

صحيفة :ع1ر0 ل بن لز 

إشارات ضيبط الوقت وفقا لخط جرينتش 

افتتاح هيئة الإذاعة البريطانية محطة الإرسال طويلة الموجة 
في دافنتري 

الجمعية العامة الأولى للاتحاد الدولي للبث 

خطة جينيف للتوزيع الدولي للأطوال الموجية 

أول بث على شبكة 165011 160 )718 (سابقا 7ه 1ه /15ه71/8) 
«هوغو جيرنزياك» يؤسس صحيفة قصص مذهلة 
إنشاء هيئة الإذاعة البريطانية 

«وليام بالي» يشتري (085 نظام اليث بكولومبيا) 
لجنة الراديو الفيدرالية 

أول خدمة تليفونية سلكية ولاسلكية عابرة للأطلنطي 
عرص «بيرد» للتلفزيون 

«ايزينشتين» تؤسس مجلة أكتوبر 

تحطم وول ستريت 

فيلم كوداك ١١‏ ملم 

الإخوان «ورنر» يعلنون نهاية الأغلام الأبيض والأسود 
«جراف زييلن» يطير حول العالم 


15 
1١8 
14- 
لل‎ 
15 
١5 ؟‎ 
إرفرة. ل‎ 
١ 
١37 
١ ازفرف‎ 
١ 
5 
10 
١55غ‎ 
ريل‎ 
ع؟5‎ 
١١ 
١5 
1١3 
كلوا‎ 
كوا‎ 
كلول‎ 
الرددلا‎ 
مدنا‎ 
١34 
١54 
١4 
١3 
كردلا‎ 
5١ 
١5 


26 


- 


الأحداث الرئيسية في تاريخ الوسائط 


مجلة المستمع #عمعاونآ عطل 

خدمة التلغراف المصور بين بريطانيا وألمانيا 
مصباح التصوير الومضي الكهريائي 

أول تمثيلية تليفزيونية (نظام بيرد) 

قانون «هايز» للسينما في هوليود 

فوز «روزظلت» في انتخابات الرئاسة 

افتتاح دار البث بلندن 

افتتاح هيئة الإذاعة البريطانية للخدمة الإمبراطورية قصيرة الموجة 
تعيين «هتلر» مستشارا لألمانيا 

هيئة نقل الركاب بلندن 

تأسيس معهد السينما البريطاني 

نظام البث المتبادل 

مجلة دعتصصلظ دنامصة الفكاهية 

توقيع الاتفاقية الدولية للأطوال الموجية 
سباق «نورمبرج» 

البريد الجوي المنتظم من بريطانيا إلى أستراليا 
الوكالة الفيدرالية للاتصالات :10060 

لرادار 

فيلم كوداكروم 0" ملم 

إنشاء مؤّسسة فورد 

صحيفة الحياة 116نآ 

افتتاح تليفزيون هيئة الإذاعة البريطانية 
دورة الألعاب الأوليمبية ببرلين 

فيلم «العصر الحديث» لشارلي تشابلن 

أول بث لهيئة الإذاعة البريطانية بلغة أجنبية (اللغة العربية) 
تقرير 2585 حول الصحافة البريطانية 
«أورسون ويليز» يقدم برنامج غزو المريخ 
لحرب العالمية الثانية 

(/83) أرمسترونغ 

فيلم عمهكا مءعدة ك0 ل «ويليز» 

توقيع عقد شركة 871140 للكمبيوتر 

















التاريخ الاجتماعي للوسائط 


١3 
1536 
١51 
١ةا/‎ 
١5 /ا‎ 
ل‎ 


كا كرك 
1506٠‏ 
كاكلا 
1300 
505 
١56‏ 
١567‏ 
١5307‏ 
غ1 -_ هلا 
غ56 
غ156 


1306 
5366 
١566 


١566 
1١501 
1501 
١ة56ا/‎ 


١5048 
١504 
13508 


«كولوسس» تبدأ العمل في «بليتشلي» 

كتاب فانيفار بوش «كما نعتقد» 

إعادة بدء الخدمة التليفزيونية في لندن 

اللجنة الملكية حول الصحافة في بريطانيا (رفعت تقرير )١951‏ 
«باردين» و«برتين» و«شوكلي» يخترعون الترانزيستور 

أول أسطوانة طويلة 

«نو ربرت فينر» يقدم كعتاعمء و0 

الحرب الكورية 

تكوين الاتحاد الأوربى لليث 

خطة كوبنهاجن لتوزيع التردد 

أول أنظمة كابل 

أول كمبيوتر لشركة 181/1 

آخر ترام بلندن 

تأسيس مجلس الصحافة في بريطانيا 

حرب فيتنام 

شركة تكساس للعدد تبدأ في بيع الشرائح 

قانون التليفزيون يؤسس التليفزيون المستقل وهيئة مسيطرة 
في بريطانيا 

نتهاء العمل بضوابط الصحافة التي كان معمولا بها فى أثناء الحرب 
أول برنامج تلفزيوني تجاري في إنجاترا 

شركة 2111 (معهد ماساشوستس للتكنولوجيا) يولد موجات 
التردد العالية 11115 

بدايات موسيقى الروك 

مد أول كبل تليفون عبر الأطانطي 

أزمة السويس والأزمة المجرية 

روسيا تطلق القمر الصناعي سبوتتنيك (أول قمر من 
دخل الإعلان التلفزيوني يفوق نظيره الصحافي في بريطانيا 
أسطوانات غراموفون مجسمة (إستريوفونية) 

أول بث تليفزيوني مباشر من أفريقيا عن طريق مهنو حوسظ 


١15604 
ل ل‎ 
١106 
١104 
104 
106 
١506 
لالدلا‎ 
المسل‎ 
الللدل‎ 
153١ 
155١ 
١552 


159 
نا 
ع؟كوا 
١3‏ 
اليل 
غ153 
1531 
1596 
151 
1566 
1١15316‏ 
1566 
الللدل 
الاللدل 
1١6‏ 
١56 /‏ 
١554‏ 


الأحداث الرئيسية في تاريخ الوسائط 


الولايات المتحدة تطلق القمر الصناعى 1 ع0ام<:آ1 

الولايات المتحدة تنشي وكالة المشروعات البحشية المتقدمة 8584م 
صحيفة صهنلئهن6 ع أز 2120006 تصبح هذنلكةنا0 وتطبع في لندن 
مروحية بريطانية تعبر القنال الإنجليزي في ساعتين 

مد أول طريق مسفلت في بريطانيا 

مبيعات الترانزيستور تتجاوز مبيعات الصمامات 

اختراع الدائرة المتكاملة 

لجنة «بيلكنفتون» للبث 

«يوري غاغارين» أول إنسان يهبط على القمر 

تحليل الشفرة الوراثية 

ملحق بالألوان لصحيفة دعم" ههلهناك 

مجلة العين السرية عنو8 عأو مط 

أول بث تليفزيوني مباشر من الولايات المتحدة عبر القمر 
الصناعى عقاكاء ]1 


الاتفاق الإنجليزي ‏ الفرنسي على تصنيع الطائرة كونكورد 
تحويل الرزم عمنطء)551 ]ء1ههم يفتح الطريق للتشبيك 
اغتيال الرئيس كنيدي 

أعضاء من العامة ينضمون إلى مجلس الصحافة 

«وليام أولسين» يعرض الميني كمبيوتر من صنع في الأسواق 
دورة الألعاب الأوليمبية في طوكيو 

اليابان تقدم القطارات 116ناط 

بدء راديو القراصنة (راديو كارولين) 


قمر الاتصالات التجاري «الطائر المبكر» 50ذ8 نإائهة1 

أول إعادة على التليفزيون الأمريكي 

حظر إعلانات الدخان في التليفزيون في بريطانيا 

صحيفة 111065 تطبع أخبارا على صفحتها الأولى 

بث تليفزيوني لكأس العالم لكرة القدم (حوالي ٠٠١‏ مليون مشاهد) 
حظر راديو القراصنة في بريطانيا 

الراديو المحلي لهيئة الإذاعة البريطانية 

الغزو الروسي لتشيكوسلوفاكيا 
































التاريخ الاجتماعي للوسائط 


1535 
1١5 
1١918 
دل‎ 
119 
136 
1556 
١5 
ل‎ 
١ةا/ا‎ 
١ ةال/١‎ 
١ ا‎ 
١ ؟/اة‎ 
١ ا‎ 
١ ا‎ 
١ غ/اة‎ 
١ غ/اة‎ 
١ ماو‎ 
١ ملا‎ 
١ و/اة‎ 
١ ما‎ 
١ كلاة‎ 
١ةالك‎ 
١ كلاو‎ 
١ /ا/اة‎ 
١ /ا/لاة‎ 
١ ااه‎ 
١ 4و5‎ 
1١ 51/ 
1١51/9 
15 


اغتيال «مارتن لوثر كنغ» 

مظاهرات الطلاب في أوروبا 

عرض نظام (01-5) 59662 6ذآ 08 في سان فرانسيسكو 
«نيل أرمسترونغ» يهبط على المريخ 

هيئة الإذاعة البريطانية و 110 تبدآن التلفزيون الملون 
«رويرت موردوك» يشتري صحيفة الشمس ناك 

شركة سوني تعرض أشرطة الفيديو في الأسواق 
مهرجان صخرة «وودستوك» 

«أوبيك» تهدد برفع أسعار البترول 

بدء المعائجات الدقيقة 

الراديو المحلي المستقل الأول في بريطانيا 

وكالة المشروعات البحثية المتقدمة 4884 تطور البريد الإلكتروني 
عرض أجهزة الفيديو المنزلية في الأسواق 

أزمة النفط العالمية ١‏ 

بريطانيا تتضم إلى المجموعة الأوروبية 

لجنة عنان للبث (رفعت تقريرها عام 1519) 

اللجنة الملكية للصحافة (رفعت تقريرها عام 19175) 
الألياف الضوئية 

نظام اعاوعءم2 للبيانات المرئية في بريطانيا والنص عن بعد 
أول محل كمبيوتر (لوس أنجليس) 

تحرير تلفزيون وراديو أطلانطا 

إنشاء شركة عاممهمف 

القانون الأمريكي لحقوق الطبع 

أول أجهزة كمبيوتر يمكن نقلها من إنتاج شركة ءاممه 


نهاية حظر جنوب أفريفيا للتليفزيون 
تركيب أول كابل ألياف ضوئية في كاليفورنيا 
التليفون الخلوي 


الكمبيوتر الشخصى 2 ءاممهم 

إنشاء وكالة الفضاء الأوروبية 

بدء الاتجار في الإنترنت 

القانون الأمريكي ليرمجيات الكمبيوتر 


يدل 
1534١‏ 
534١‏ 


534 


"ىذا . 


586 
586 
١8غ‎ 
١14غ‎ 
018 
46 
5360 
ا١ةمك‎ 
ا١ذمك‎ 
١ةومك‎ 
١ /امة‎ 
١584 
١ ممىذة‎ 
١384 
اليكل‎ 
١ 
اليكل‎ 
١ 
١1 
لال‎ 
لكالا‎ 
55٠ 
لمعلا‎ 
115١ 
١146١ 


الأحداث الرئيسية في تاريخ الوسائط 


أول إنتاج ضخم لسيارة رباعية الدفع (الولايات المتحدة) 
«موردوك» يشتري صحيفة 112065 

حكم أمريكي بأن النسخ المنزلي لإشارات البث ليس خرقا 
لحقوق الطبع 

حرب الفوكلائد 

تسويق أسطوانات الفيديو التي تعمل بالليزر 

«واليام غبسون» يقدم 7ع20قمرمنتء1ا 

تسويق الأسطوانات المدمجة في الولايات المتحدة 
أجهزة الكامكوردر 

أول تشريع أمريكي يحرر تليفزيون الكبل 

تقسيم شركة 878:07 

قانون الكابل والبث البريطاني 

ملحق (برمجيات الكمبيوتر) لقانون لحقوق الطبع البريطاني 
وعم تنتقل إلى «وابنغ» 

حادث تشيرنوبل 

]110501 تصبح شركة عامة 

الانتفاضة 

بدء الشبكة الرقمية للخدمات الدولية في اليابان 
قانون حقوق الطبع البريطاني 

سريان قانون الوسائط الهولندي الجديد 

أول إنتاج ضحم لسيارة رباعية الدفع (اليابان) 

أول كابل ألياف ضوئية يعبر الأطلنطي 

سقوط سور برلين 

أحداث ميدان تاينانمين بالصين 

سقوط تشاوشسكو 

اندماج شركة ءصةآ" والإخوان ورنر 7عطامم8 تعدمة/لا 
قانون البث البريطاني الجديد 

ظهور إمبراطورية «بيرلسكوني» في إيطاليا 

شركة 8518 تتكون بالاندماج بين 858 و الا516 
بيئة الكهف الافتراضية الأوتوماتيكية (كيف) 

حرب الخليج 
































التاريخ الاجتماعي للوسائط 


لاحل 
ال 
يل 
يل 


[لنانل 
للدادل 
5 
غ15١‏ 
135 
١56‏ 
550 
156 
1556 
15 
1١595‏ 
1554 
دل 
1559 
ده .بآ 


يجن بج جنا احم 
ىم ااه 
م مي 

-_ 





إكمال مترو الأنفاق الذي يمر تحت القنال الإنجليزي 
إنشاء 15211 فى بريطانيا 

انتخاب كلنتون رئيسا للولايات المتحدة 

إعطاء الوكالة الفيدرالية 500 الحق في بيع الطيف غير 
المستخدم بالمزاد العلني 

الأخذ بنظام القوائم المنفصلة في أسهم نازداك 
إعلان طريق المعلومات فائق السرعة 

إعلان خصخصة السكك الحديدية البريطانية 
القوات الروسية تدخل الشيشان 

إنشاء شركة ءمدهئاء1ز 

اندماج 08/1 و معصعه اعمس 

المؤسسة القومية للعلوم تسلم الإنترنت للقطاع التجاري 
لغة البيرمجة 1008 

اتفاق سلام دايتون للبوسنة والهرسك 

القانون الروسي للاتصالات عن بعد 

قانون البث البريطاني 

قانون حقوق الإنسان الأوروبي 

قانون توسيع حقوق الطبع الأمريكي 

منظمة توزيع التجارة العالمية في سياتل 

اندماج شركة عماآحم0 معتعموم مع تعدمة لاعس 
ميكروسوفت تقاوم قانون تقسيم الكيانات الاحتكارية 
التليفزيون يعرض جماهير بلغراد تطرد ميلوسوفيتش 
اندماج شركتي ديزني وفوكس 

قمة توزيع 68 في جنوة 





>» © 


آسا يريعر 

© مؤرخ اجتماعي وثقافي. 

© عميد كلية ورسيستر همع00116 +ماوء1710:0 في أكسفورد . 
© مستشار الجامعة المفتوحة. 


© حصل العام ”1 على جائزة وولفسن م2701 في التاريخ. 


بيتربورك 
© مؤرخ اجتماعي وثقافي. 
© أستاذ التاريخ الثقافي في جامعة كامبردج. 


© زميل كلية إيمانويل ءع00116 أعنام2ج820 بكامبردج. 


المترجم في سطور 


مصطفى محمد عبذالله قاسم 


© من مواليد الغربية ‏ جمهورية مصر العربية. 


» حاصل على درجة الماجستير 
في التربية, 7٠١٠‏ من جامعة 
طنطاء وفي سبيله للحصول 
على درجة دكتوراه الفلسفة 
في التربية. ١‏ ' 


أخلاقيات العلم 


تأليف:ديفيد ب. رسنك 


المركزالقومي للبحوث | ترجمة: د عبدالتورعبدامنعم عبداللطيف 











التربوية والتنمية. 
© شارك في العديد من بحوث ودراسات المركز القومي للبحوث التريوية 
والتنئمية. 


. له مؤلف تحت النشر: «التعليم والمواطنة ‏ نحو صيفة عربية للتربية المدنية 
في التعليم», مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان. القاهرة. 








سلسلة عالم المعرفة 


«عالم المعرفة» سلسلة كتب ثقافية تصدر في مطلع كل شهر ميلادي 
عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب ‏ دولة الكويت ‏ وقد صدر 
العدد الأول منها في شهر يناير العام 151/4 . 
تهدف هذه السلسلة إلى تزويد القارئٌ بمادة جيدة من الثقافة تغطي 
جميع فروع المعرفة. وكذلك ربطه بأحدث التيارات الفكرية والثقافية 
المعاصرة. ومن الموضوعات التي تعالجها تأليفا وترجمة : 
١‏ الدراسات الإنسانية : تاريخ . فلسفة ‏ أدب الرحلات . الدراسات 
الحضارية ‏ تاريخ الأفكار. 

 "‏ العلوم الاجتماعية: اجتماع . اقتصاد ‏ سياسة . علم نفس 
جغرافيا - تخطيط ‏ دراسات استراتيجية ‏ مستقبليات. 

. الدراسات الأدبية واللفوية : الأدب العربي . الآداب العالمية‎  “ 
علم اللغة.‎ 

4 . الدراسات الفنية : علم الجمال وفلسفة الفن . المسرح الموسيقا ‏ 
الفنون التشكيلية والفنون الشعبية. 

. الدراسات العلمية : تاريخ العلم وفلسفته . تبسيط العلوم 
الطبيعية (فيزياء. كيمياءء علم الحياة, فلك) ‏ الرياضيات 
التطبيقية (مع الاهتمام بالجوانب الإنسانية لهذه العلوم)؛ 
والدراسات التكنولوجية. 

أما بالنسبة إلى نشر الأعمال الإبداعية ‏ المترجمة أو المؤلفة . من 


شعر وقصة ومسرحية:؛ وكذلك الأعمال المتعلقة بشخصية واحدة بعينها 


فهذا أمر غير وارد في الوقت الحالي. 





0 كس حصذا اللتثاب 


يمثل كتاب «التاريخ الاجتماعي للوسائط» ‏ بحق - رائعة في الضغط 
والتركيب: إذ آثر ألا يترك شيثاء ويقدم نفسه - على رغم ذلك ككتاب 
جدير بالقراءة أكثر منه مراجعة متعجلة لحقل واسع: فهو كتاب شتامل 
بمعنى الكلمة. أما أسلوب الكاتبين: فقد جاء منسجما. وجاء مدخلهما 
جزئيا كمدخل مرجع. وجزثئيا كمدخل خطاب تاريخي متدفق. والكتاب - 
على ذلك يتمتع بميزة كونه موسوعة: ولسوف يكون بهذه الصفة أداة 
حيوية لقراء متنوعين. 

يقدم الكتاب الذي كتبه مؤرخان اجتماعيان وثقافيان بارزان مراجعة 
بارعة لؤسائظ الاتصال والسياقات الاجتماعية والثقافية التي انبثقت 
وتطورت عبر الزمن. وقد.تعقب المؤلفان مسالك التطور المعقدة والمتعددة: 
مرتادين العلاقات البينية المتداخلة بين وسنائط الاتصال وغيرها من جوانب 
الحياة الاجتماعية والثقافية. 

إن هذا الكتاب هائل بالفعل في مداه. فهو يرتاد تاريخ وسائل الاتضال 
المختلفة في الغرب. بدءا من اختراع الطباعة إلى الإنترنت. ويتعامل مع كل 
العناصر المقومة لما سمي «الوسائط». ويناقش. من بين أشياء أخرى؛. 
الأهمية المتواصلة للاتصال الشفهي والاتصال عبر المخطوطات: ونشأة 
الطباعة والفلاقة بين النقل المادي والاتصال الاجتماعيء وتطور الوسائط 
الإلكترونية. ويختتم الكتاب بعرض أشكال التقارب التي صاحبت تكنولوجيا 
الاتصال الرقمي. ونشأة الإنترنت وظاهرة العولمة. 

وهذاً الكتاب: بتجنبه الحتمية التكنولوجية: ورفضه افتراضات التقدم 
التطوري الخطي المستقيم. يقدم تواريخ وسائط الاتصال الثرية والمتنوعة؛ 
وسوف و الكتاب :على ذلك نصا مثاليا لطلاب التاريخ والوسائظ 
والدراسات الثقافية والصحافة: وسوف يروق الكتاب كذلك لجمهور واسع 


158031 99906 - 0 - 162 - 3 


اع 0/ة١٠٠6)‏ 


3 


د إن 
رهم الايد 

















١‏ مويه